بسم الله الرحمن الرحيم
اصدقاء هذا المنتدى الرائع
انا عضو جديد, وهذا هو اول عمل لي في المنتدى, ارجو ان ينال الاهجاب[URL="http://www.liilas.com/vb3/"]منتدى ليلاس الثقافي[/URL
طقوس الانتظار.. قصة قصيرة..
-1-
الطقوس التي تقوم بها كل يوم لم تتغير منذ سنوات لم تعد ذاكرتها المنهكة قادرة على عدها, تستيقظ كعادتها مع آذان الفجر, تعتدل جالسة على الحشية البسيطة التي تنام عليها, تفرك عينيها بأناملها لتزيح عنهما آثار النعاس,
بجسد واهن تنهض, وامام مرآة مشروخة تقف, وفي العينين الرماديتين المحاطتين بالتجاعيد تلوح نظرة شاردة..
لقد مرت سنوات طويلة حقا!, وولى الشباب مفسحا الطريق للشيخوخة والوهن, لايزال قدها نحيلا كالماضي, وان بدت انحناءة بسيطة في ظهرها, تنطلق من صدرها تنهيدة حارة وهي تتحسس شعرها الذي اكتسى بلون رمادي داكن, وعلى شفتيها ترتسم ابتسامة باهتة, لازالت تذكر ماكانت تفعله منذ زمن, كل التفاصيل عالقة بذهنها لاتفارقه ابدا.
* * * *
-2-
السماء تدثرت بضوء رمادي شاحب, وشوارع المخيم الصغير لازالت ساكنة, ولكنها استيقظت قبل الآخرين كما اعتادت ان تفعل, تغادر فراشها بحماس وابتسامة واسعة ترتسم على شفتيها, ترتدي ثوبها الابيض المزدان بورود زرقاء صغيرة, تتأمل نفسها في المرآة, تمتد اناملها لتتحسس شعرها الاسود الناعم, تتسع ابتسامتها اكثر, انه الآن يتنظرها عند الشجرة الكبيرة كما يفعل كل يوم..
تلقي على كتفيها بشال اسود, تلقي نظرة سريعة على اخوتها الصغار النائمين, ثم والدتها العجوز قبل ان تغادر المنزل الصغير على اطراف اصابعها, وفي الخارج استقبلت النسمات الباردة على وجنتيها, وسرت رجفة خفيفة في اوصالها, فضمت طرفي الشال الى بعضهما ثم اخذت تحث الخطا حتى بلغت الشجرة الكبيرة, وخفق قلبها عندما رأته واقفا ينتظرها..
اقتربت منه, كان يوليها ظهره, فربتت على كتفه بأناملها الرقيقة, التفت اليها, شعرت بقبضة باردة تعتصر قلبها عندما رأت نظرة جادة في عينيه, ازدردت ريقها بصعوبة بالغة, وبصوت مرتجف قالت تسأله وهي تعلم الاجابة مسبقا:
- هل حان الوقت أخيرا؟.
يهز رأسه ويقول بصوت بدا وقع نبراته غريبا على اذنيها:
- اجل يا حبيبتي, لقد حانت الساعة الموعودة.
- امن الضروري ان ترحل؟.
- لابد ان افعل, فلا استطيع البقاء هنا وارى زملائي يكافحون وحدهم.
- سأنتظرك.
- اعلم هذا.
- سآتي كل يوم الى هنا.. اعدك بأن افعل.
- اعلم هذا ايضا.
لاتشعر الا بنفسها بين ذراعيه القويتين, ودموعها تغرق صدره العريض.
* * * *
-3-
" هذا وفي عملية استشهادية جديدة قام بها ثلاثة من ابناء مخيم (....) للاجئين, كبدت قوات الاحتلال خسائر فادحة و.."
كانت جالسة على فراشها, دموعها تغرق وجهها, وشاشة التلفاز القديم امامها تعرض مشاهد من موقع العملية الاستشهادية..
لقد علمت ان هذه اللحظة آتية لاريب لتنتزع كل سعادتها واحلامها التي بنتها قصورا في خيالها..
ولكن البكاء لن يعيد الفقيد ابدا, مسحت دموعها, تأملت صورته التي تحتفظ بها تحت وسادتها دائما, تبتسم لابتسامته الهادئة, تقبل الصورة, وتضمها الى صدرها قبل ان تقول بحنان جارف:
- لقد وعدتك يا حبيبي, وثق بأني سأفي بهذا الوعد حتى آخر يوم في عمري.
* * * *
-4-
بخطواتها الواهنة تغادر المنزل, ترفع عينيها الى السماء التي تثرت بالضوء الرمادي الشاحب, تضم طرفي الشال الاسود الذي حال لونه من القدم, تسير بخطوات بطيئة نحو المكان الذي اعتادت الذهاب اليه كل يوم دون ان يصيبها الملل..
و تحت الشجرة الكبيرة تجلس, وتخرج من طيات ثوبها الابيض المزدان بالورود الزرقاء الصورة القديمة, تبتسم لابتسامته الهادئة, تقبل الصورة وتقول:
- صباح الخير يا حبيبي, هاأنذا قد جئت.
تترقرق في عينيها دمعة وهي تقول:
- لازلت على الوعد يا اغلى الناس.
تظل جالسة في مكانها تتأمل الصورة حتى تنشر الشمس اشعتها على الموجودات, فتنهض, وتسير في طريق العودة, يقابلها طفل صغير يحمل ملامحها, يمسك بيدها ويقول:
- كعادتك كل يوم ياجدتي.
تربت على رأسه بحنان, فيسألها:
- الا تملين يا جدتي؟.
قالت وهي تبتسم:
- لقد قطعت وعدا على نفسي يا بني.. ووعد الحر.. دين عليه.
تتسع ابتسامتها, وهي تعلم انها ستأتي في الغد الى نفس المكان, ولن تشعر بالملل ابدا.
تمت بحمد الله
اسلام ادريس
* * * *