المنتدى :
المنتدى الاسلامي
اجلس بنا نؤمن ساعة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته......
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أما بعـــــد:
فعنوان حديثنا الليلة: (اجلس بنا نؤمن ساعة) وهي مقولة لمعاذ رضي الله عنه كان يقولها لأصحابه، وهو حديث عن التربية الإيمانية وحاجتنا إليها، وهو ليس خطاباً للمربين والموجهين وحدهم؛ فالتربية أعم وأشمل من أن تكون قاصرة على مايتلقاه المرء من الآخرين؛ فتربية الإنسان لنفسه ورعايته لها جزء من أداء المسؤولية الفردية التي حمله الله إياها، (لا تزر وازرة وزر أخرى)، (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى)، (ونرثه ما يقول ويأتينا فرداً) (إن كل من في السماوات والأرض إلا آت الرحمن عبداً * لقد أحصاهم وعدهم عدا * وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً) .
هذه النصوص وغيرها تقرر المسؤولية الفردية، وأن كل إنسان مسؤول عن خاصة نفسه في عمله وسلوكه وحياته، ثم هو نتيجة هذه المسؤولية سيحاسب وحده، وسيلقى الله عز وجل وحده.
هذا مدخل بين يدي هذا الموضوع حتى لا نتصور أن الموضوع لا يعنينا بدرجة مهمة أو أن الموضوع إنما يخص المربين، ذلك أنه وإن كان المربون لهم نصيب من هذا الحديث ، إلا أننا يجب أن نقوم بتربية أنفسنا وندرك مسؤوليتنا تجاه أنفسنا، وينبغي أن يراجع كل منا نفسه ويشعر أنه وإن رزقه الله من يحسن تربيته وتوجيهه، وصار قدوة له أن ذلك لا يعفيه من المسؤولية عن نفسه بأن يجتهد في تربيتها وإصلاحها، وأن يتعرف على الأسباب والوسائل التي تعينه على التربية السليمة لنفسه .
التربية معشر الشباب لها جوانب عده، التربية إنما تسعى لاكتمال شخصية الإنسان، وأن تكون هي الشخصية المسلمة التي تمتثل بأمر الله عز وجل وتنتهي عما نهى الله تبارك وتعالى عنه، ولا شك أن النفس لها جوانب متعددة باعتبار أنها تسعى إلى تكميل النفس، وتسعى إلى الرقي بها
فالإنسان يحتاج إلى أن يربي نفسه في ميدان التعلم وطلب العلم وتحصيله، ويحتاج إلى أن يربي نفسه في ميدان الخلق والسلوك، والتعامل مع الناس، ويحتاج إلى أن يربي نفسه في ميدان العمل والبذل والعطاء في ميادين كثيرة، وهكذا فالتربية لاتقف عند جانب واحد.
ومن أهم هذه الجوانب وآكدها التربية الإيمانية، وقد آثرنا استخدام هذا المصطلح لأنه هو المصطلح الذي يربط الناس بالألفاظ الشرعية، بالإيمان الذي دلت عليه النصوص المتظافرة المتواترة، فأنت عندما تقرأ في كتاب الله عز وجل أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم كم تتكرر لديك كلمة الإيمان، وصف الناس بالإيمان، أو وصفهم بانتفاء الإيمان عنهم، أو الدعوة للإيمان أو بيان أثر الإيمان ونتيجته وثمرته، لا يكاد يخطئك ذلك في أي آية من كتاب الله عز وجل تقرؤها، أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، بل كل ذلك إنما مداره على الإيمان لأن الأمر الذي يؤمر به المرء أو الذي ينهى عنه من حكم أو خلق أو سلوك، والوعد والوعيد والإخبار عن الهالكين والناجين، كل ذلك مرتبط بدائرة الإيمان فحين يؤمر المرء بأمر فإنه يؤمر بمقتضى الإيمان ونتيجته، وحين ينهى عن أمر فإنه ينهى عن ذلك بمقتضى إيمانه، وحين يأتي إخبار الله عز وجل عما أعد للصالحين الصادقين فإن هذا إخبار عن جزاء أهل الإيمان وثمرة الإيمان، وحين يخبر تبارك وتعالى عن عذاب المعرضين الغافلين فهو إخبار عن عذاب أولئك الذين تنكبوا طريق الإيمان وضلوا عنه، وقصص الأولين والآخرين هي أيضاً قصص أولئك الذين أعرضوا عن الإيمان، أو استجابوا للإيمان (فلولا كانـــت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا) ،فما قص الله عز وجل إنما هو قرية آمنت فجازاها الله عز وجل بجزاء المؤمنين في الدنيا والآخرة، أو قرية أعرضت عن الإيمان فعاقبها الله عز وجل وأخذها نكال الدنيا ونكال الآخرة.
آثرنا أن نستعمل هذا المصطلح و أن نتحدث حول هذا اللفظ لأنه المصطلح الذي جاء الشرع به ودلت عليه في نصوص القرآن والسنة، وتواترت نصوص السلف في الحديث حول هذا الأمر كما سيأتي شيء من ذلك .
وقد يستعمل الناس مصطلحات كالتربية الروحية أو غيرها وهي جوانب بعضها إما هو موروث من أهل التصرف، أو موروث من النصارى، أو هو لفظ مستحدث، وكلما اقتربنا والتزمنا بالألفاظ الشرعية كان ذلك أولى .
لماذا نحتاج إلى التربية الإيمانية ؟
يكاد يكون حديثنا هذه الليلة منحصراً في الإجابة عن هذا السؤال، إننا نحتاج للتربية الإيمانية لجملة أمور، منها:
الأول: الإيمان هو أفضل الأعمال:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله r سئل أي العمل أفضل؟ فقال: "إيمان بالله ورسوله" قيل: ثم ماذا؟ قال: "الجهاد في سبيل الله" قيل: ثم ماذا؟ قال: "حج مبرور" متفق عليه.
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال سألت النبي r أي العمل أفضل؟ قال: "إيمان بالله وجهاد في سبيله" قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: "أعلاها ثمناً وأنفسها عند أهلها…" متفق عليه.
وعن عبد الله بن أبي قتادة عن أبي قتادة أنه سمعه يحدث عن رسول الله r أنه قام فيهم فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال. رواه مسلم.
ولو استعرضت ما أجاب به صلى الله عليه وسلم أولئك الذين سألوه عن أفضل الأعمال لوجدت أن هذه الإجابات -مع اختلافها وتنوعها حسب تنوع حال السائل- إلا أنها كلها مدارها على الإيمان؛ فجعل صلى الله عليه وسلم أفضل هذه الأعمال هو الإيمان بالله عز وجل .
وحين جاء وفد عبد قيس إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : يا رسول الله لقد حال بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر فلا نصل إليك إلا في الشهر الحرام فمرنا بأمر فصل نأمر به من وراءنا، قال صلى الله عليه وسلم : آمركم بأربع، وأنهاكم عن أربع قال : آمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان ؟ ثم ذكر صلى الله عليه وسلم شيئاً من شرائع الإيمان . والمقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله هذا الوفد أن يأمرهم بأمر فصل حين سأله هؤلاء أن يبين لهم أمراً يستغنون به ويعلمون به مَنْ وراءَهم إذ هم لا يستطيعون أن يصلوا إليه إلا في الشهر الحرام أمرهم صلى الله عليه وسلم بالإيمان بالله وحده .
الثاني: الإيمان مناط النجاة يوم القيامة:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله r:"لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم"رواه مسلم.
الثالث: تفاوت الناس يوم القيامة على أساس الإيمان:
وهذا التفاوت له ميادين منها:
أ- تفاوت الناس على الصراط على أساس الإيمان، فهم يؤتون نوراً على قدر إيمانهم (يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم).
والله عز وجل أمر عباده في الدنيا أن يسيروا على صراطه المستقيم، فيقول تبارك وتعالى آمراً إياهم بسؤاله الهداية :(اهدنا الصراط المستقيم) ، (وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل) فأمر الله عز وجل الناس أن يسيروا على الصراط المستقيم في الدنيا، والمرء لا يستطيع أن يبصر الصراط إلا بالنور؛ فيبصر الصراط المستقيم في الدنيا بنور الإيمان فكلما قوي إيمان المرء في الدنيا أعطاه الله عز وجل بصيرة يبصر بها الصراط أمامه حتى لا يضل ولا يزيغ؛ فيصبح يرى الطريق أمامه واضحاً جلياً وإنما يلبس على المرء ويضل بسبب إعراضه كما قال تبارك وتعالى (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون * ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلاً) إلى آخر الآيات.
ويوم القيامة يُعْطَى نوراً على الصراط في الدار الآخرة كما أعطي هذا النور، فعلى قدر إيمانه وسيره على الصراط المستقيم في الدنيا يُؤتَى نوراً يوم القيامة، وعلى قدر ثباته على صراط الدنيا يكون ثباته على الصراط يوم القيامة.
ب - تفاضل أهل الجنة فيما بينهم على أساس الإيمان . فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي rقال : "إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر من الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم" قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم، قال: "بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين"رواه مسلم.
ج - تفاوت العصاة من الموحدين في النار مرتبط بالإيمان .
عن معبد بن هلال العنزي قال اجتمعنا ناس من أهل البصرة فذهبنا إلى أنس بن مالك –رضي الله عنه- وذهبنا معنا بثابت البناني إليه يسأله لنا عن حديث الشفاعة، فإذا هو في قصره فوافقناه يصلي الضحى، فاستأذنا فأذن لنا وهو قاعد على فراشه، فقلنا لثابت: لا تسأله عن شيء أول من حديث الشفاعة، فقال يا أبا حمزة هؤلاء إخوانك من أهل البصرة جاءوك يسألونك عن حديث الشفاعة، فقال: حدثنا محمد r قال: " إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض فيأتون آدم...الحديث، وفيه: فأقول يا رب أمتي أمتي، فيقول: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان فأنطلق فأفعل، ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أَخِرُّ له ساجداً، فيقال: يا محمد، ارفع رأسك، وقل يُسْمَع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي أمتي فيقول انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان فأخرجه، فأنطلق فأفعل، ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجداً، فيقول: يا محمد، ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقول: انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجه من النار فأنطلق فأفعل" وراه البخاري.
وفي حديث الشفاعة الطويل: "...فما أنتم بأشد لي مناشدة في الحق قد تبين لكم من المؤمن يومئذ للجبار وإذا رأوا أنهم قد نجوا في إخوانهم، يقولون: ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا، ويصومون معنا، ويعملون معنا، فيقول الله تعالى: اذهبوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه، ويحرم الله صورهم على النار، فيأتونهم وبعضهم قد غاب في النار إلى قدمه، وإلى أنصاف ساقيه، فيخرجون من عرفوا، ثم يعودون، فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار فأخرجوه، فيخرجون من عرفوا، ثم يعودون، فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه، فيخرجون من عرفوا.." متفق عليه.
الرابع: الإيمان يزيد وينقص:
من عقيدة أهل السنة أن الإيمان يزيد وينقص وأن أهله يتفاضلون فيه، والأدلة على ذلك مشهورة، قال الإمام البخاري في صحيحه : كتاب الإيمان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس، وهو قول وفعل يزيد وينقص قال تعالى:(ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم) ، (ويزيد الله الذين اهتدوا هدى) ، (والذين اهتدوا زادهم هداً وآتاهم تقواهم) ،(ويزداد الذين آمنوا إيماناً) وقوله: (أيكم زادته هذه إيماناً) وقوله جل ذكره :(فاخشوهم فزادهم إيماناً) وقوله تعالى:(فما زادهم إلا إيماناً وتسليماً) ثم حين أورد هذه الآيات نقل القول بذلك عن أبي القاسم اللالكائي في السنة عن الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيدة وأيضاً قال رحمه الله لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار فما رأيت أحداً يختلف في أن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص.
وينبني على مسألة زيادته ونقصه مسألة أخرى وهي تفاضل أهل الإيمان فيه فإذا كان يزيد وينقص فهذا يعني أن أهله يتفاضلون فيه كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون عليّ وعليهم قمص منها ما يبلغ الثدي ومنها ما دون ذلك ورأيت عمر بن الخطاب عليه قميص يجره " قالوا : فما أولت ذلك يا رسول الله، قال: "الدين ".وبوّب على هذا الحديث الحافظ ابن مندة في كتابه الإيمان باب ذكر ما يدل على أن المؤمنين يتفاضلون في الإيمان وفضل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال: هذا حديث مجمع على صحته.
المقصود إذاً أن من الأمور المقررة عند أهل السنة أن الإيمان يزيد وينقص وأن أهله يتفاضلون فيه، وهذا يدعو الإنسان إلى أن يحرص على زيادة إيمانه قدر الإمكان ويحرص إذا علم أن أهل الإيمان يتفاضلون فيه أن يسعى إلى أن يصعد إلى المراتب العالية في هذا الإيمان، وفي المقابل أيضاً أن يحمي إيمانه من أن يصيبه النقص .
الخامس: الدعوة في الشرع إلى تجديد الإيمان وتعاهده:
روى الحاكم والطبراني من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب فاسألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم" .
وروى ابن أبي شيبة في الإيمان وعبد الله بن الإمام أحمد في السنة عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: القلوب أربعة : قلب أجرد كأنما فيه سراج يزهر فذلك قلب المؤمن، وقلب أغلف فذلك قلب الكافر، وقلب مصفح فذلك قلب المنافق، وقلب فيه إيمان ونفاق، ومثل الإيمان فيه كمثل شجرة يسقيها ماء طيب ومثل النفاق فيه كمثل قرحة يمدها قيح ودم فأيهما غلب عليه غلبه . هذا روي عن حذيفة موقوفاً عليه، وقد رواه بعضهم مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم والموقوف أصح .
وروى ابن أبي شيبة في الإيمان عن علقمة أنه كان يقول لأصحابه : امشوا بنا نزدد إيمانا، وروى أيضاً ابن أبي شيبة في الإيمان والإمام أحمد وأبو عبيدة في الإيمان والبخاري تعليقاً، وصحح ذلك الحافظ ابن حجر عن معاذ رضي الله عنه أنه قال : اجلس بنا نؤمن ساعة . يعني نذكر الله تعالى .
وروى عن أسود بن هلال قال : كان معاذ يقول للرجل من إخوانه : اجلس بنا نؤمن ساعة، فيجلسان فيذكران الله ويحمدانه على كل حال .
والنصوص كثيرة في الدعوة إلى تجديد الإيمان وتعاهده في النفوس، وقد صنف السلف في ذلك كتباً خاصة في الإيمان، والمقصود أن هذه الدعوة سواءً ما خاطب بها النبي صلى الله عليه وسلم أمته وأمرهم أن يسألوا الله عز وجل أن يجدد الإيمان في قلوبهم وأن يزيدهم إيماناً , أو ما ورد عن سلف الأمة هذا يدعونا إلى أن نسعى إلى تعاهد الإيمان في نفوسنا وزيادته في قلوبنا.
وهو أيضاً يدفع ويدعو من يتولى التربية أن يجعل هذه القضية من أهم القضايا ومن الأولويات التي يتربى عليها الجيل والناشئة، ولعلنا نتساءل ونحن قد سمعنا هذه النصوص عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في أن أحدهم كان يقول لصاحبه اجلس بنا نؤمن ساعة أو يقول امشوا بنا نزدد إيماناً.. كم هي المجالس التي نجلسها مع إخواننا؟ وكم يستغرق حديثنا عن هذه القضايا من وقتنا، وهل نحن حين نجلس مثل هذه المجالس يذكّر بعضنا بعضاً في قضايا الإيمان والخوف من الله عز وجل ونسعى إلى أن تكون هذه المجالس تزيدنا إيماناً؟ أو بعبارة أخرى أحدنا كثيراً ما يلقى أخاه في الله فأيًّا كان هذا اللقاء فهل هو يشعر حين يلقاه ويتحدثان أنهما يزدادان إيمانا؟ أو أنه يلقاه كما يلقى غيره، بل ربما كانت بعض المجالس إنما هي مدعاة لقسوة القلب والبعد عن الله تبارك وتعالى.
وليس بالضرورة أن يكون الحديث في قضايا الإيمان والخوف من الله عز وجل ، موعظة يلقيها إنسان بعد الصلاة، أو مجلس علم يحضره، ليس بالضرورة هذا ولا ذاك، فأنت تتحدث مع أخيك في مجلس أو في سيارة أو حتى في الهاتف أو هنا وهناك- أيا كان هذا المجلس-هل يسمع أحدكم من أخيه وصية أو تذكيراً بالله عز وجل فيزداد بعضنا إيماناً من ذلك؟
وإذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا جلسوا تواصوا وزاد إيمانهم وهم منهم في الإيمان والصلاح والتقوى فغيرهم من باب أولى.
السادس: الإيمان هو الزاد في مواجهة الشهوات
ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وذكر منهم: رجل دعته امرأة إلى نفسها فقال: إني أخاف الله عز وجل، فالذي منعه من مواقعة ما حرم الله تبارك وتعالى خوفه من الله عز وجل وإيمانه بالله تبارك وتعالى.
وقال تعالى (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب) فيخبر تبارك وتعالى أن الشهوات قد زينت للناس وهذا، في أصل الفطرة بلا مثيرات، فما بالكم بهذا العصر الذي نعيشه وقد فتحت فيه الأبواب على مصراعيها، وصارت الشهوات تلاحق الشاب، وتلاحق الفتاة، وتلاحق الصغير والكبير في السوق والشارع بل حتى في المنزل، وصار الناس يشتكون من جحيم هذه الشهوات وآثارها وكيف أنها تصرف الكثير عن طاعة الله عز وجل وتجرف الكثير وربما كانت سبباً في الانحراف والغواية عافانا الله عز وجل وإياكم من ذلك، ولو تأملت حال الكثير ممن ضلوا وتنكبوا الطريق لوجدت أنهم إنما أتوا من قبل هذا الباب ومن هذا المدخل . ويتساءل ما العلاج وما الحل الآن أمام هذا السيل الجارف من الشهوات، التي صار الإنسان لا يكاد يستطيع أن يمنع أبناءه عنها ولا يستطيع المصلحون في المجتمع أن يمنعوا الناس من مقارفتها ولا من رؤيتها، سواء مايعرض على الشاشة أو في المجلات أو في الصحف؟حتى لو عوفي الإنسان من هذا كله ولم تتهيأ له في منزله، فإن الشاب قد لا يعدم أن يحدثه زميله في الفصل عن شيء من ذلك أو يدله عليه.
فالمقصود أن هذه الشهوات أصبحت مشكلة الجميع، سواء أكان الشاب نفسه الذي يخاف على نفسه هذه الشهوات وآثارها، أم الأب الذي يخاف على أبنائه، أم الأم التي تخاف على أولادها، أم الأستاذ والمربي الذي يخاف على هذا النشء الذي تعاهده في التربية والإصلاح، يخاف أن تجرفه هذه السيول فتفسد في لحظات ما بناه هو في دهور وسنوات، صارت مشكلة فعلاً يعاني منها الكثير ويتساءلون ما الحل ؟
الحل في الإيمان، الحل في تربية التقوى في النفوس، الإيمان الذي يجعل الشاب ويجعل الفتاة يعرضان عن أبواب هذه الشهوات وطرقها، الذي يجعله يغض بصره ابتداءً، الذي يجعله يشعر أن لديه قضية أكبر من قضية الشهوة، فبدل أن يفكر في الشهوة، وبدل أن تسيطر عليه صار مشغولاً بالله والدار الآخرة، صار مشغولاً بالسعي لزيادة الإيمان وتحقيق تقوى الله عز وجل ، مشغولاً بعيوب نفسه ومعاصيها وكيف يصلح نفسه، همه الشوق إلى لقاء الله عز وجل، وأنسه بذكر الله تبارك وتعالى وتلاوة كتابه وعبادته تبارك وتعالى، فصار لسان حاله يقول للناس –وهو يراهم صرعى الشهوات -: يا قوم أنتم في وادٍ وأنا في واد، لكم هم ولي هم آخر.
|