كاتب الموضوع :
معاذ رياض
المنتدى :
القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
زهرة ،
لم تنته عملية التنظيف توضح أن العملية توقفت عند حد أو مكان معين. ولأن الميزانية نفذت والمقاعد والأدوات الخاصة بالجزء الثاني لم تكن متوفرة فإنه لا معنى - من وجهة نظر إدارة المدرسة - لتنظيف ذلك الجزء إذا كان لن يستخدم في الدراسة هذا العام ..
أيضا لا تتوقفي عند حدود المعنى المباشر للقصة ، هناك معاني أخرى أكثر عمقا .. اسمحي لي أن أنقل لكي هذه القراءات في القصة لعل المعنى يتضح قليلا :
اقتباس :-
|
الحياة مرة أخرى
بين يدي النص:
لا يمكن أن تتوقف الحياة أبداً، ربما تتعثر قليلاً، أو تنطفئ، ربما تهتز، تتراجع، وتتردد، ولكنها من جديد، تتماسك، وتقوى، وتتدفق، فلا معنى لليأس والإنسان فيه عرق ينبض، ولا مبرر للهزيمة، مادام عقل الإنسان بألف صحة وعافية، ومن قلب الموت تنبت الحياة، وفي أعماق النهايات –فقط- لو دققت النظر سوف تجد براعم البدايات ترفع رأسها على استحياء!
في قصته المتميزة (الجزء الثاني) يقدم لنا القاص الجميل "معاذ رياض"، صورة أخرى من صور رفض الهزيمة والانكسار، والإصرار على البناء وسط الركام، ووضع عَلَم الإرادة الإنسانية فوق "تبة" الضعف والذكريات المؤلمة.
ومن خلال حدوتة هادئة وهامسة، متماسكة الأطراف، يعرض لنا القاص، حكاية مدرسة، ليست كأي مدرسة، فقد اختير موقعها بعناية وخصوصية، مكان أحد سجون التعذيب التي كان يقيمها المستعمر، أينما حل وأينما سار، في إشارة واضحة للحياة ذاتية البناء في مواجهة الهدم، وللعلم في مواجهة قيم السادية، واستخدام القوة لتبرير المواقف وفرض الآراء الاستعمارية.
وقد تم الانتهاء بالفعل من أحد أقسام المدرسة، وهو الذي يدور فيه اليوم الدراسي، لكن قسماً آخر، مازال تحت الإنشاء، وما زال يخضع -على فترات- لعمليات الترميم والصيانة وإزالة آثار العدوان.
ومن هنا تنبع حبكة العمل كله، فأحد الطلاب المتطلعين -ربما يرمز للباحث عن الحقيقة في مقابل الراضخين للواقع مهما كان ناقصاً مبهماً- يأكله الفضول وينغص عليه حياته، بل ويدفعه لتخطي الخطوط الحمراء، ومحاولة اكتشاف ماذا يخفي هذا القسم.
لقد حذره المدرسون، صيانة لطفولته، وخوفاً عليه من هول ما يمكن أن يجد، ولكنه رغم ذلك أصر -مخلصاً لقدره- على أن يعرف. ومادامت الطرق الشرعية قد فشلت في إرضاء فضوله، فها هو ذا، يتجاوز المسموح به، وبمفرده، يتسلل في غيبة الرقابة، ليكتشف بنفسه سر القسم الثاني.
ولم يكن ما وجده ساراً على الإطلاق، وعقله الصغير، لا يستوعب بسهولة، كل هذه الأنقاض، والدماء على الحائط، والبقايا المغبرة، التي تبدو متخلفة عن آثار معركة. وتتهاوى إرادة الطفل سريعاُ، مع توارد كل هذا السيل أمام عينيه ومخه، وقد رحل عنه فضوله أخيراً، واحتله الخوف والرعب مما لم يتوقع أن يجد، حتى يفقد وعيه بغتة، وقد لمح في أحد الغرف ما يبدو أنه شبح إنسان، بعد أن ملأ الدنيا صراخاً وعويلاً بالطبع!
ويأتي المدير على صوته، ويحقق في الأمر، ليكتشف سجناً آخر مما ترك المحتل قبل الرحيل، وبه العديد من الضحايا الأبرياء، الذين لم يكن سيكتب لهم الحياة لولا فضول هذا الطفل وإصراره أن يعرف!
وتنتهي القصة، ببارقة الأمل وقد أصبحت أكبر، وبالدمعة وقد تحولت بسمة، والمصابين وقد تم إنقاذهم على يد الشرطة والإسعاف. قصة جميلة، ومؤثرة، تحاول أن ترسم بالكلمة وبالصورة، لوحة معبرة، عن واقع الاحتلال المر، وما يخلفه من آثار نفسية ومادية في النفوس، ربما لا يمكن أن تنمحي بسهولة أبداً بعد ذلك، ولكنها بلا شك تنمحي.
عن الفكر في العمل:
والعمل يرسخ لرفض الوصاية على حرية الإنسان، والأضرار التي من الممكن أن تترتب على ذلك، فرغم أن الطفل صغير، فإنه بإصراره على أن يعرف، قد أفاد آخرين، لم يكن عندهم أمل في النجاة، حتى جاء هذا الطفل الفضولي.
كما أن الحقائق -حتى لو كانت مؤلمة- لا يمكن أن تختبئ في الظلال طويلاً، مهما اتُخِذت الترتيبات والاحتياطات اللازمة لإخفائها وتعميتها، وها هو الطفل الضعيف، الصغير، قد أزاح الستار عن السر الكبير المهول، الذي تضافر الجميع لإخفائه في إصرار واستماتة!
فلابد أن يعرف الجميع الحقيقة، ليشاركوا بمسئوليتهم في تحمل تبعات الأمور، ولابد أن نعتمد العلم وسيلة فاعلة في مواجهة كل صنوف القهر والفساد وفرض الإرادات. كما يشير إلى أنه لابد أن تأتي اللحظة التي ينتهي فيها كل ظلم، وكل عدوان، وكل فساد، مهما طال أمده، وتصور الجميع أن إقامته فوق القلوب مؤبدة، فبالأمس كان هذا المكان سجناً ومعتقلاً، وهو اليوم مدرسة، ومنارة للحرية، ولانتصار الخير على الشر، والسلام على الحرب، والإنسان على الموت والدمار.
لمحات ومقتطفات:
ـ نبرة العمل هادئة، ومسالمة، مما يجعلك تسترخي وأنت تقرؤه، ولا تحمل هم المفاجآت اللفظية والأسلوبية التي من الممكن أن توقف تدفقك الانفعالي أو تنغص عليك سبحك الطويل في أعماق النص.
ـ اللغة جيدة، ومناسبة للشخوص، وقادرة على رسم جو العمل، ومواكبة للتطور الدرامي للأحداث.
ـ كما أن الحوار جميل ومتوازن وهادئ، وتم استخدامه ببراعة وفي مكانه دائماً، مما ساهم في الكشف عن أفكار الشخصيات بسلاسة وبشكل تلقائي وطبيعي.
ـ أعطى القاص لكل شخصية ما تستحقه من تسليط الضوء، وجاءت ردود أفعالها متناسبة تماماً مع جوها النفسي والصفات التي نسبت إليها والتي كشف عنها الحوار، فالأستاذة متوترة وخائفة، تكتفي برواية ما يحدث بينها وبين التلميذ، والناظر مقدام وعليم، ولذا فهو في النهاية الذي ينقذ التلميذ الفضولي.
ـ كما استطاع القاص برهافة أن يرصد أحوال التلاميذ -الأسوياء!- في مدارسهم وسلوكهم المعتاد في اليوم الدراسي، مما أضفى ظلالاً من الواقعية والمنطقية على العمل بشكل واضح ومؤثر.
ـ وربما ما نأخذه على القاص قليلاً هو العنوان، فهو واضح وصريح جداً، وربما لا يضيف أي بعد درامي للعمل، في حين أنه كان الممكن اختيار عنوان أكثر مناسبة وإيحاء يضيف للنص المزيد من الجودة والتألق.
كلمة أخيرة:
العمل جيد، ويشي بمقدرة عالية على الحكي، والسير مع الشخوص حتى لحظة التنوير، ويرمي لإقامة صرح فكري متماسك في نفوس قرائه، مما يصنف كاتبه ضمن طليعة المؤمنين بدور الكلمة، في خلق جيل وفكر جديدين، نتمنى للقاص مزيداً من السيطرة على عالمه القصصي، ومزيداً من التألق على صفحات مجلتنا التي ترحب وتسعد بكل المبدعين من كل جنس ولون.
حسام مصطفى إبراهيم
|
اقتباس :-
|
العنوان : قد يكون العنوان واضح و صريح لكن - عند تأمله قليلا- نجده بلا شك أعمق مما يبدو .أعتقد أن التورية الكامنة خلف العنوان هو أن الجزء الثاني من المدرسة هو جزئها الأول بمعنى أن هذا الجزء المظلم من المدرسة هو أصلها ، أي أن الجزء الذي تشغله الفصول الآن هو الجزء الثاني.إذا تبعنا هذا التفسير للعنوان نجد أنه يملي على الذهن قراءة جيدة للنص:
1- لأن 'الجزء الثاني ' من المدرسة هو الأصل ، هو في الحقيقة الجزء الأول ، نجد 'حسين' عاجز عن كبح جماح فضوله حيال هذا الجزء .إذا كان حسين كما يقول الناقد الجميل و الصديق العزيز حسام هو 'باحث عن الحقيقة في مقابل الراضخين للواقع مهما كان ناقصاً مبهماً' فمن الطبيعي أن يعود هذا الباحث إلى الأصل ، أن ينطلق من نقطة البداية ، من الجزء الأول و ليس الجزء الثاني بمعنى أن إستقراره النفسي في الجزء الأول مرتبط للغاية بل و متوقف على فهمه و كشفه لأسرار الجزء الثاني ، و هكذا يصبح الجزء الثاني هو الأول و الأساس في حين يأتي الجزء الأول من المدرسة في المرتبة ثانية. يظهر هذا بوضوح في تخلي حسين عن دروسه و إنشغاله عن باقي النشاطات العادية التي يمارسها زملائه بالتخطيط للتسلل إلى الجزء الثاني . إذا كان هذا الجزء الثاني هو الماضي الذي يعجز حسين عن معايشة الحاضر دون سبر أغواره فإن هذا الجزء يأتي بلا شك أولا و قبل 'الجزء الأول'.
2- الرمز : يمكن إعتبار أحداث القصة بأسرها رمز واحد كبير معناه :' لا يمكننا أن نمضي قدما في الحاضر دون التعامل مع الماضي مهما كان قاسيا، يجب أن نتصالح مع الماضي لا أن ندفنه ، أن نتعامل مع الخسارة و نستفيد من المكسب' بداخل القصة عدد من الرموز الهامة سأشير إلى بعضها:
1- المكان واحد من أهم هذه الرموز ، كون أحداث القصة تدور في مدرسة إبتدائية أمر له مغزاه. فهؤلاء الأطفال هم الجيل الصاعد. كون هؤلاء الأطفال يحصلون على تعليمهم في مدرسة كانت تستخدم كمعتقل للتعذيب أيام الإحتلال يرمز بوضوح إلى آلية تأثير الإحتلال ... جيل يتربى فوق أنقاض و فوق رفات شهداء و أبطال.
2- نفاذ الميزانية قبل إستكمال ترميم و طلاء المدرسة أيضا أمر له مغزى... لا يمكن للماضي أن يدفن... الماضي و الحاضر يتواجدان جنبا إلى جنب و ما 'الجزء الثاني ' من المدرسة سوى المعادل المادي لهذه الفكرة .. الماضي حاضر ... مهما حاول الحاضر ان يطغي عليه و يتجاوزه فهو قائم هناك يتحدث عن نفسه.
3- شخصيا، يدهشني أنه من بين طلاب مدرسة كاملة نجد طالبا واحدا فقط يشعر بقدر كاف من الفضول بحيث يستكشف 'الجزء الثاني'. لكن لهذا الأمر معناه أيضا، فالعقول النشطة، الفضولية التي لا ترضيها الإجابات السطحية فتذهب باحثة عن إجابة شافية، أصبحت هذه العقول عملة نادرة بل و تزداد ندرة يوما بعد يوم. دون التشكيك في حسن نية المدرسين و المدير، أجد في طريقة تعاملهم مع الطلاب نظرة لهؤلاء الطلاب على أنهم عقول صغيرة يكفيها القليل. لا أعرف لماذا يروادني شعور سيء بعض الشيء حول الصورة التى يظهر بها هذا الجيل من الطلاب في القصة . أستاذتهم يخفون عليهم الحقيقة – قد يكون لأنها أكبر منهم بكثير- لكنها خفية عنهم . أنظر إليهم 'يتَبادلونَ الإجاباتِ الصحيحةِ في دفاترِهم التي سوفَ يُسلمونها في الحصةِ التاليةِ' لماذا يتبادلون الإجابات ؟ لماذا لا ينهمك كل منهم في الوصول إلى إجابة ؟ قد يكون في هذا مبالغة بعض الشيء ، لكني أعتقد أن مثل هذه الأسئلة يجب ان تأخذ على مستوى رمزي لنصل إلى قيمتها و مغزاها. ثم أنظر إلى سلوك المدرسة عندما لاحظت إختفاء 'حسين'. طلبت من أحد الطلاب' أن يقفَ مكانها ويقرأَ الدرسَ عدةَ مراتٍ بصوتٍ عالٍ حتى تعود..' كطريقة لإلهاء باقي الطلاب. يستمر هذا الجو من التعتيم حتى النهاية حيث 'صُرفَ التلاميذُ مبكراً'و عزم المدير على معرفة كنة الشيء الذي رآه 'حسين' ' وأن أجدَ له تفسيراً قبلَ أن يفيق' ثم عندما يسأل صحفي عن قصة إكتشاف السجن تكون إجابة الضابط ' ليسَ الآن، هذه قصةٌ طويلةٌ، سأخبركم بها فيما بعد.. '.
لست واثقة من حجة المدير و المدرسين في أخفاء الحقيقة عن الطلاب، لكن الحقيقة التي تفرض نفسها الآن هو أن الحقيقة لا تموت و لا تدفن و دائما ما تظهر يوما ما. حتى إذا إنصرف الطلاب مبكرا ألن يعلموا بالأمر في اليوم التالي أو التالي أو التالي ؟ صحيح أن 'حسين' إنهار أمام هول ما اكتشفه، لكنه أنقذ أرواحا يائسة معذبة... على المستوى الرمزي... مد الروابط بين الماضي و الحاضر، أنقذ ما يمكن إنقاذه من ماضي كاد أن يدفن بكل تفاصيله. بالنسبة للسطر ' ليسَ الآن، هذه قصةٌ طويلةٌ، سأخبركم بها فيما بعد.. ' أجده مميزا من حيث خط الكتابة وهذا بالطبع له معناه. شخصيا، أعتقد أن القصة التي يرفض الضابط التصريح بها هي القصة التي يجب أن تروى، لكن عملية الدفن مازالت مستمرة و كما جرت محاولات للتعتيم على وجود السجن تنتهي القصة بمحاولة للتعتيم على إكتشاف هذا السجن. إن 'الجزء الثاني' ، السجن، هو فعلا بطل القصة من أولها إلى آخرها، حتى عندما لا يكون موقع الأحداث نجده دائما حاضرا في الخلفية القريبة جدا التي تلقي بظلالها على الأحداث. وهذا السبب الثاني الذي يجعل عنوان القصة مناسبا تماما لمضمونها.
4- الدماءِ و الرائحةٌ الرهيبةٌو العظامٌ البشريةٌ والملابسٌ الممزقةٌ كلها بالطبع رموز إلى ما يخلفه الإحتلال ورائه في أي مكان. بالرغم من قصر القصة و بساطتها الظاهرة إلا أنها كأي عمل أدبي جيد تفتح أعيننا على الكثير والكثير و تحتمل المزيد و المزيد من التعليقات و القراءات.
cleopatra
|
|