المنتدى :
الموسيقى الشرقية و التسجيلات النادرة وزمن الفن الاصيل
في ذكرى وفاة عبد الحليم حافظ (1977-2007): ماذا تبقى من الحليمية؟
في ذكرى وفاة عبد الحليم حافظ (1977-2007): ماذا تبقى من الحليمية؟
سليم الديب
مات عبد الحليم حافظ قبل ثلاثين سنة من سنتنا هذه (2007) التي صارت تهرول بنا نحو انتهاء العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين..
يرتبط عبد الحليم لدى كثيرين بالحب الرومانسي المشوب بالعذاب والألم والتيه.. كما يمت بصلة وثيقة لنجاحات أحلام الثورة المصرية الحرة في شخص ثورة الضباط الأحرار خاصة مع انبثاق الظاهرة الناصرية في بلاد الكنانة.. ألم تكن الثورة مولّدة عبد الحليم كما كانت مولدة عبد الناصر ومثقفي الطبقة الوسطى في النقد الأدبي والرواية والشعر والفكر الحديث..؟
لم يكن عبد الحليم مطربا عاطفيا فحسب بل شارك في تثوير الشارع المصري عبر أغانيه الوطنية في نصرة الثورة وذويها.. وقد كانت حياة هذا المطرب جزءا من أغانيه.. ترى لماذا تتوثق صلة بعض المشاهير في الفن بعدم القدرة على عيش حياة مثل كل الناس؟ لم يكوّن كثيرون أسرا مستقرة مثل عبد الحليم وأم كلثوم وسعاد حسني ولم ينجبوا أبناء.. بمعنى أن تركتهم فنية بالأساس.. لا جسمانية..
أتى عبد الحليم إلى العالم وأطرب ومضى من دون أن يمكث طويلا.. لم أكن أتصور يوما أن يكون هذا الذي تغنى بأحلام الشباب ومشاعرهم يشيخ مثل صباح وعبد الوهاب.. هل كان سيعتزل الفن بعد أن قارب الكهولة..؟ المهم أن ظهور هذا المطرب كان بداية لانبثاق الحليمية في الفن والحياة.. لا يوجد في شباب اليوم أو الأمس وربما الغد من لم يعش الحليمية بطريقة أو بأخرى ولو بنظرة صامتة خجولة مترددة.. لا يمكن العيش خارج الحليمية لما تلقنه من طرائق الإنصات والهدوء والتأمل والتقدير للآخر.. إن سر الجمال يكمن في تلك المسافة الضيقة بين الحار والبارد.. بين المبكي والمفرح.. بين الجاد والهزلي.. أقصد "البَيْن بَيْن" كما عند المناطقة والبلاغيين العرب القدامى.. لقد سَرت الحليمية في واقعنا من حيث هي تيار فني كالنسغ (تَغْرِيزُ الإِبرة) المتقن بيد ماهرة..
ما تبقى من الحليمية؟ الحليمية طبعا أي النسبة إلى عبد الحليم من حيث هي إنجاز منبثق في أواسط القرن العشرين تجسد أحلاما كثيرة ولكن هل يمكن لها أن تخبو لنبحث عن بقاياها في واقعنا..؟ ربما يصح هذا الأمر من وجه محاولة تبيين آثارها في الواقع المعاصر حيث انفجار الطريق المعلوماتي السيار وتغير منظومة القيم والأخلاق وتسارع الأحلام الجاهزة.. وفي مجالنا نلحظ ظاهرة "انفجار الفن" إذا حسبنا ما هو طارئ من إنتاج ضخم للأغنية "العربية" وتدخّل الصورة بشكل مهول فيها عبر الكليبات من جهة وسيطرة تقنيات المونتاج والابتكار الذاتي للألحان عبر الكمبيوتر والأنترنت.. من جهة أخرى.. حتى أغاني الحليمية التي كانت تسمع في الإذاعة والتلفزة وفي شرائط سمعية وأقراص الفونو الكبيرة فقط انتقلت إلى التداول الإلكتروني عبر الأقراص الضوئية والأنترنت وأجهزة MP3 و MP4 و VCD و DVD.. وما إليها من مستحدثات اليوم.. مثلا أغنية "رسالة من تحت الماء" كانت تستغرق شريطا من فئة ستين دقيقة بكليته صارت اليوم تحمل مع في قرص سي دي أو دي في دي واحد..
في سياق هذا "الزلزال" المستدام هل تعيش الحليمية بيننا؟ ليس فقط من حيث هي تيار فني ولكن من حيث كونها مدافِعةً عن قيم إنسانية تعترف بالعاطفي والرومانسي والجمالي.. هل هذه القيم عائشة بيننا في علاقتنا المحرمة والمشروعة..؟ هل للكلمة المكونة من حرفين في أول أبجديتنا العربية موقع في زماننا هذا حيث المحادثة بالـ msn ابتكرت العاطفي الإلكتروني.. هل هذا الزلزال لم يَسْرِ إلى قيمنا المزلزلة أصلا..؟
أظن أنني أكثرت الاسئلة التي ربما اقتبستها من برنامج "الاتجاه المعاكس".. نعم "الرفاق حائرون.. يفكرون.. يتساءلون في جنون" وإلى أن يتم الجواب عن أسئلة كثيرة طرحتها الحليمية وما زالت سارية في واقعنا.. كل حليم وأنتم بخير..
|