هذه هي ثاني رواياتي الرومانسية ... علي أمل أن تنال علي اعجابكم و استحسانكم
منتدى ليلاس الثقافي
أمسكت الفتاة عقدها الماسي الثمين , بأطراف أصابعها الرقيقة , ... و راحت تتأمله مليا و هي تسترجع ذكرياتها , كانت جالسة علي مقعدها الوثير أمام تلك المرأة و التي تحتل جزءا كبيرا من جدار حجرتها ,
و من يدها يتدلي ذلك العقد الماسي و الذي يحمل حروف اسمها ... أربعة حروف بالانجليزية تتلألأ فصوصها الدقيقة N.O.H.A المرة تلو الأخري ....
كانت دائما ما تسرح بذكرياتها ... تسترجع أياما هي أسعد لحظات حياتها ... أجمل لحظات عاشتها
تذكرت يوم أن تزوجت "أحمد" و أهداها ذلك العقد في ليلة زفافهما .. أحمد ذلك الطيار الوسيم المتأنق .. و ابتسامته الهادئة و التي لم تفارق محياه أبدا .. حتي فرق القدر بينهما ..
لم تنس ذلك اليوم و هو يضع العقد حول عنقها , مرتديا بذته الرسمية , المميزة بنسر ذهبي في الجانب الأيمن منها , و قبعته الموضوعة علي كتفه الأيسر ,
كان مقاتلا لا يشق له غبار , هادئا حتي في أشد المواقف حرجا , و ابتسامته الحنون لا تفارق ملامحه أبدا ..
تسترجع شريط ذكرياتها , ثم تقاوم فتسقط فريسة بين براثن أمواج اليأس المتلاطمة .
كانت تشعر فعلا بالضعف , كل ذرة في كيانها تشعر بالضعف ... و لكن لا ... فهي من داخلها تأبي الاستسلام لليأس ... تأبي الخضوع للعجز ... ربما تأثرت بصلابته و عناده , كان لا يعرف معنا لكلمة اسمها اليأس , مهما كان الأمر , فمنذ تخرجه من الكلية الحربية و هو معروفا بين أقرانه بصلابة الرأس و حب التحدي , علي الرغم من شهادتهم له جميعا بالهدوء و طيبة القلب ...
و ها هي اللحظة التي تعلم فيها أنه لن يعود اليها ثانية .... و الي الأبد ... هذا لأنه الآن عند بارئه و خالقه .. الله عز و جل ,
ترقرقت قطرات الدموع من عينيها لتبلل أناملها الناعمة , فالتقطت منديلا ورقيا من أمامها لتمسح به دموعها المنسدلة برقة و تسترسل في ذكرياتها
*****************
في احد الأيام , وجدته يحزم حقائبه و قد بدا هادئا و مرحا كعادته , فسألته عن السبب , فأجابها بأنه سيذهب مع القوات المصرية المشاركة مع القوات الدولية لحفظ السلام في احدي الدول الاقليمية , ثم ما لبث أن قبل وجنتيها و ضغط علي كفيها برفق قائلا :
منتدى ليلاس الثقافي
- عديني يا نهي بأن تحافظي علي حبنا ما حييت ,
- عديني بأن تحافظي علي "خالد" و علي نفسك حتي ألقاك .
هزت رأسها بالايجاب , و دموعها تكاد تفر من عينيها الواسعتين , مسح دموعها بأطراف أصابعه قبل أن تسقط علي وجنتيها , و داعب ذلك الطفل الصغيير النائم في هدوء, ثم انحني و طبع قبلة علي خده , ثم شد قامته في اعتداد , و حمل حقائبه خارجا من حجرتهما ؟
لم تستطع أن تنظر من النافذة , و انما استندن الي الباب و أجهشت في بكاء عميق .
********************
تذكرت ذلك اليوم و هي جالسة أمام العرض العسكري , مرتدية نظارتها السوداء , و التي تغطي بها وجهها لتداري دموعها الحارة المنسدلة من عينيها , تمسح بعض القطرات من عينيها تارة , و تمسح وجنتيها تارة أخري ,و هي تحتضن طفلها الرضيع بين ذراعيها ..
كانت جنازة عسكرية مهيبة بكل المقاييس , عادت بعدها الي منزلها بقلب محطم , تماما ..
*******************
كانت تستعرض نفس الذكريات في نفس المكان ,
و لكن هذه المرة قد زحف بياض الثلج المنهمر في الشتاء علي بعض من خصلات شعرها , مما زادها هدوءا و رصانة و ان لم تزل نظرة الحزن من ملامحها قط ...
منذ خمس و عشرين عاما و هي تسترجع نفس الذكريات .. نفس البحر المتلاطم من الألم و الدموع ..
قطع حبل ذكرياتها ..صوت باب غرفتها و هو يغلق لتري انعكاس صورة تلك البذة الرسمية في المرآه
ذلك اللون السماوي , و النسر الذهبي الذي يزينها ..
انعكاس الصورة يقترب و هي تسمع وقع الأقدام ,
وضعت يد علي كتفها في حنان , فهمست في حب : << أحمد >>
انحني ذلك الشاب عليها يقبلها علي وجنتيها و هو يقول بابتسامة هادئة : " لا .. أنا خالد يا أمي "
ثم انحني يقبل كفيها و اللذان لم يفقدا نعومتهما بعد ..
ربتت علي كتفيه و هي تتأمله بتلك النظرة الحانية المليئة بالأسي ... كم يشبه والده رحمه الله .. صورة طبق الأصل منه , نفس القامة , نفس الابتسامة المرتسمة علي شفتيه , و ان أخذ منها بعض من ملامحها و التي زادته جاذبية ...
ها هي الآن تري ثمرة حبها مع أحمد , و قد نضجت و تفتحت .. كم أحست الآن بالرضا .. و ارتياح الضمير ..
<< أنا أزف اليك خبرا سعيدا يا أمي ... لقد اخترت شريكة حياتي >>
- " و من هي يا بني ؟ "
<< هبة .. شقيقة زميلي عبد الفتاح .. أنت تعرفينها يا أمي .. أليس كذلك ؟!! >>
- " بلي يا خالد .. لقد أحسنت الاختيار فهي فتاة مهذبة و علي خلق "
ابتسم خالد ... و هو يحتضن والدته ممتنا لموافقتها ..
**************************
دقت الطبول معلنة بداية الأفراح , و خالد يضع ذلك العقد الماسي حول عنق زوجته "هبة" و التي أهدته له والدته , كانت تراقبه عن كثب و هي واقفة بجانب أحد الضيوف , و علي شفتيها ارتسمت ابتسامة ارتياح هاائلة ,
ها هي ذي نفذت وصية زوجها الراحل , و اصبح ابنهما رجلا يعتمد عليه ,
استأذنت من ضيفها ثم صعدت السلم في هدوء الي حجرتها , دونما اثارة أدني قدر من لفت الأنظار .. خشية أن تعكر صفو ابنها في أسعد ليلة في حياته ,
كانت تشعر بالتعب , بالارهاق ... علي الرغم من ذلك كانت سعيدة .. كانت تشعر بأنها قريبا ستري حبيبها مرة أخري ...
كان خالد يحادث زوجته , فلفت نظره رؤية والدته و هي تصعد مسرعة , فأسرع يصعد السلم الي الطابق العلوي حيث حجرتها .. و هو يسألها , و قد آلمه رؤيتها علي هذا الحال :
- " ماذا هناك يا أمي , .. هل تشعرين بشيء "
أجابته والدته و هي تربت علي كتفيه : " لا تشغل بالك بي يا بني .. هيا اذهب أنت الي عروسك , لا تتركها أبدا بمفردها هذه الليلة , و أنا سآتي اليكم بعد قليل .."
ثم منحته تلك الابتسامة , و التي طالما داعبته بها منذ أن كان طفلا , فابتسم و هو يقبل كفيها قائلا :
- " كما تحبين .. كما تحبين يا أمي " , ثم خرج و أغلق الباب خلفه في هدوء ..
تحركت هي في هدوء نحو المرآة الكبيرة , و التقطت صورة زوجها الراحل قائلة :
- " الآن هل أنت راض عني يا حبيبي ... كم اشتقت اليك , كم تمنيت رؤياك .. لا تحرمني منك أكثر من ذلك .. فأنا لا أطيق البعد "
أحست بيد توضع علي كتفها برفق .. فالتفتت خلفها فلم تجد أحدا ..
تحركت و اتجهت نحو سريرها .. و استلقت عليه في هدوء , و هي ما زالت تنظر الي صورته .. مرت بضع دقائق .. حتي انزلقت الصورة من بين يديها لتقع علي صدرها .. و عينيها تنغلقان في نعومة .. و علي محياها ارتسمت ابتسامة ارتيااح ..
ها هو ذا الموت الذي فرقهما يوما ... يجمعهما من جديد ..
*****
في المساء اجتمع الحاضرين في الغرفة .. يقرأون القرآن علي روح الراحلة .
تمت
أرجوا أن تحوز علي اعجابكم
شريف