كاتب الموضوع :
roudy
المنتدى :
القصص المكتمله
الجزء [8] من قصة ضلالات الحب
"مريم، أعتذر لكِ لن أكون موجودة هذا المساء، أتذكرين المفاجأة التي أخبرتك عنها، عن راشد!! تصوري سيقترن بابنة عمي بدلاً من "خالد"، كم أنا سعيدة، باي، وأكرر اعتذاري".
"مريووووم، هل أنتِ غاضبة، ردي عليّ برسالة".
"لا تقلقي سنعود غداً إلى البيت، سأنتظرك مساء الغد"..
ألقت "مريم" هاتفها دون أن تكمل قراءة بقية الرسائل...
أعود!! تريدني أن أعود بعد كل ما حدث؟! كنتُ سأضيع بسببك..لمَ لم تخبريني من قبل لم؟!!
وعادت لتنتحب من جديد بصمت، تقلب "أحمد" في فراشه، فقامت بهدوء....
توجهت إلى الحمام، والدوار يرنحها كل حين....
"إذا كنتُ سأعيش فمن أجلك يا "أحمد"، أما أنت يا "خالد" فلن أسامحك أبداً، أبداً"
وسالت دمعة جديدة على الوجه المتعب، هزت رأسها بقوة لتغتسل من الأدران، أدران الحياة كلها، لعل حرارتها تخفت وتخفت النار التي تلسع صدرها.....
===============
كانت قابعة على مائدة الإفطار، تكونت طبقة متماهية على الشاي، أصبح بارداً لا طعم له كحياتها ربما....
ترفع رأسها لأدنى حركة، لأقل نسمة تجولُ المكان، صوبت ناظريها إلى غرفة والدها، تنتظر أن تخرج...
تُريد أن تراها، لم تنم البارحة أبداً، سمعت صرير الباب، أطلت "مريم" بعينيها الحمراوتين، رمقتها من علو، ثم جرّت يد "أحمد" الذي كان يكابد النوم.
"لم تُلقي حتى التحية!!"
ترك "أحمد" يدها ليتناول الطعام مع أخته، صرخت فيه بقوة أخافته:
- لا تلمس شيئاً، سأصنع لك فطوراً آخر، لا تدري أي يدٍ قذرة صنعته!!
تطلع لها "أحمد" بتساؤل دون أن يفهم شيئاً، أما "ليلى" فنكست رأسها ودموع تأبى التوقف تملأ وجهها، أرادت "مريم" أن تضيف شيئاً آخر لكنها أمتنعت، نظرت لها ببرود واستحقار ودلفت إلى المطبخ..
وما أن وصلت إلى الباب حتى أغلقته خلفها وأجهشت بالبكاء، تهاوت كما تتهاوى الورقة قُبيل الخريف، وتظل الرياح تعبث بها لكأنها لا تدري في أي بقعة تُلقيها، وتدور وتدور في كل مكان، وحين تقع، تتفتت، تتفتت هكذا إلى ذرات، فلا تعرف من أي شئٍ تكونت أو ما هي ما هيتها بالضبط، أكانت ورقة أم ذرات غبار!!!!
لم تدري كم بقت على هذه الحالة، قامت عندما سمعت صوت "أحمد" يناديها، مسحت وجهها بسرعة، واتجهت للموقد، خاطبها "أحمد" من خلف:
"- مريوووم" أنا جائع...تأخرت عن المدرسة.
- انتظر دقائق.
- ليلى ذهبت وهي تبكي..
- أحسن.
- لماذا كانت تبكي؟!
- اسألها.. " إذا كانت تقدر أن تُجيبك".
- طيب سآكل شطيرة من تلك التي أعدتها.
- قلتُ لك لا... "كل ما تمسكه بيديها يتلوث!!".
- لماذا؟!
- لا تكثر من الأسئلة.
وأخذت تسكب الشاي الساخن في "الدلة" وهي تحاول أن تركز.
- لماذا؟!
طالعته بغضب وهي تصرُّ على أسنانها بغيظ:
- أصمت.
- دائماً تصرخون علي. قالها بتباكٍ.
…………………-
- أنا لا أحبكم لا أحبكم.
…………………..-
- لو كان والدي هنا لما...
ولم يكمل، فقد ندت من فمها صرخة ....
كانت مياه الشاي قد انسكبت على يدها دون رحمة، اتحدت مع الجلد، عضت على شفتيها وهي تتلوى على الأرض التي فاض منها الدخان.....
دفنت جبهتها بأرضية المطبخ، اقترب منها "أحمد" بخوف وبكاءه يرتفع، هزّ كتفيها لكنها لم تستجب:
"- مريووم" قومي..آنا آسف.
…………………-
- لن أتكلم مرة أخرى والكعبة الشريفة.
…………………-
- لالا، والله العظيم....مريوووم....لا تموتي...مريووووووم.
وركض كالمجنون إلى "ليلى" تسبقه دموعه وإحساس بالذنب يعتصر روحه، لا يريد أن يفقدها، لا يريد، يكفي أمه، يكفي أبوه، إلا هي، كلهم إلا هي..إلا هي..إلا هي...
- ل..ي..ل..ى، مريووم..مريووم.
أنفاسه تتقطع وغصة تمنع حروفه من الخروج بوضوح، شدّ ثوب "ليلى" التي كانت ذاهلة، غائبة في عالم آخر.
- ق..ومي، مريوم..مريوم..ستموووت.
أفاقت "ليلى" من استغراقها اللامرئي.."ستموت"، تطلعت إليه وكأنها انتبهت إلى وجوده هنا للمرة الأولى.
- ها، ماذا تقول؟!
- قومييييييي.
شدها وهي تسير خلفه كالمسحورة حيثُ المطبخ...
لازال رأسها يلامس الأرض، وقد انتثر شعرها ليخفي معالم وجهها، كانت ساكنة ما خلا من حركة تنفسها الضعيفة....
- ماتت...ماتت. ردد "أحمد" بذهول وهو ينقل بصره بينها وبين "ليلى".
لم تحر "ليلى" جواباً، لازالت فاقدة الحس بكل ما حولها، لكأنها في حالة تأمل صوفية لكل شئ إلا هي!! تطلع لها بفزع لكأن صمتها يؤكد ما كان يردده.
ارتجف فكه بقوة، اقترب من "مريم" جثا بجانبها، لازالت ساكنة في وضعيتها.
- قومي..مريوم.
…………………-
- لالالالالالالا. صرخ بهستيرية.
تعفر على الأرض، ركل بقدميه كل شئ ولا شئ، أخذ يضرب الهواء بيديه وهو ينشج بإختناق......
انتبهت "ليلى" لما يدور حولها، فزت من وقفتها وهي تهرع لأخيها الذي يبدو وكأنّ مسّاً أصابه...
في تلك اللحظة رفعت "مريم" رأسها بضعف وقد أبيضّ وجهها من الألم، بدت عيناها صغيرتان، صغيرتان جداً..
تطلعت "ليلى" إلى حيث تعتصر يدها اليمنى وقد طفح الإحمرار بجلدها، تلاقت عيناهما، أشاحت "مريم" ودوار ساخن يعصف بها...
أستلقت ببطء على الأرض من جديد، لكأنّ أرضيته تخدرها، تحسسها بالأمان، ودت أن تغفو، منذُ زمن لم يداعب النوم جفنيها، وهي متعبة، متعبة وتريد أن تنام، أن تنام فقط.....
لكنّ صراخ "أحمد" أفسد عليها هذا الحلم..ومنذُ متى تتحقق الأحلام؟!!
نادتهُ بصوتٍ ضعيف، تكابد الألم، تكابد الحريق الذي بيدها وتلك المستعرّة بقلبها...
- أ..حمد.
لم يكن يسمع، صوتها أضعف من أن يصل إليه في هذه المعمعة، عادت لتغفو من جديد، جفناها ثقيلان، يتكاسلان حين تهم بفتحهما..
جثت "ليلى" بجانبها بوجل، وهي تشير لأحمد بأن يصمت، سكت وهو يرى تحرك رأس أخته لكأنها تجاهد النهوض..
"لم تمت!!".
- أحمد أسرع وأحضر ضمادة لف ومرهم الحروق بسرعة..هيا.
ركض "أحمد" وكأن الحياة عادت إليه من جديد وقد أقسم مع نفسه ألا يُغضب أخته مرة أخرى، سيطيعها ولن يرفض لها أمراً قط، كلهم إلا هي، إلا هي!!!
عاد بكل شئ، ترددت "ليلى" بإمساك يدها، قالت "لا تلمسيني..يدي قذرة وأنا أصيبها بالنجاسة!!!".
ارتجفت يدها حتى قبل أن تمسكها، كانت الأخيرة تهذي بصوتٍ خافت، لم تكن تحس بشئ من حولها في تلك اللحظة، ما خلا اسماً لا يفتأ أن يلهج به لسانها كل حين....
وكان خالداً!!!!!
============
البيت هادئ هدوء الأموات، ذهب الأحباب من غير عودة، ذهب والدي و فرّت "ليلى" !!!!
أجل، لا تنظروا لي بغرابة، ارتحلت مع جنة الليل، إلى أين؟! لا تسألوني لأني لا أعلم...
تركت رسالة صغيرة بجانب المرآة كتبت فيها:
"لن أعود، لا تبحثوا عني!!".
ذهبت هي الأخرى، ذهبت مع الريح!!!
كان هذا منذُ شهر تقريباً على مرور الحادثة....
لم يتبق إلا أنا و صغيري ومحمد، الذي يعتقد أن بيتنا فندق يأوي إليه متى يشاء دون أن يدرك بأننا بحاجة لرجل يحمينا...
أنام الآن مع "أحمد"، نغلق الأبواب والنوافذ حين يحل الغروب، نلتصق، ونرتجف عند أقل نسمة تدقُّ بابنا..
أن تعيش لوحدك عذاب، الوحدة كريهة، قاتلة، تُصيبك بالجنون، لا تجد من يخاطبك، يفهمك أو يسمعك، بإختصار أنا تائهة، تائهة في حنايا الزمن المر....
أُرسل "أحمد" إلى المدرسة في الصباح الباكر، وأبقى لوحدي في البيت، أصادف "محمد" أحياناً، بات نحيلاً وقد دكن لونه، عيناه تأفلان بسرعة، كجحوظ الشمس في لحظة الغروب....
لم يتبق شئ في البيت إلا أخذه ليشتري لنفسه سماً...
الشئ الوحيد الذي قاتلت من أجله هو تلفاز غرفة الجلوس التي بتُ أقضي فيها جلّ وقتي، خفت أن يسرقه فلا يتبق لي غير الجدران أخاطبها!!!!
اعتزلت الآخرين وهم أعتزلوني، أصبحنا كالعيب، الكل يخجل منا، لم تعد تؤثر فيّ نظراتهم أو كلماتهم التي يلقونها بقصد أو دون قصد...
كل همي هو "أحمد"، أجل "أحمد" أخاف أن يجرحه أحدهم بكلمة، وأنا لا أحتمل نظرة ألم في عينيه، تقتلني، تصيرني إلى هشيم..
الأيام تمضي بطيئة، مملة تُكرر نفسها، لم أعتد على سيمفونيتها بعد، اشتقتُ للجامعة، لكتبي، لبحوثي على الأقل كنتُ أسلي نفسي بها....
أما صديقاتي..هه صديقات؟!! كلهن تلاشين، لم يعد أحد يتصل بي منهن الآن، كلهن كذابات، غشاشات، زائفات كفقاعات الصابون..
صديقي الوحيد هو كتابي، ما أوفاه!!! لازلت أُعيد قراءة رواية "بداية ونهاية"، نهايتها تعجبني وتخنقني!!! ما أروعك يا محفوظ.....
أرقب الآن عودة "أحمد" بفارغ الصبر، ليحدثني عن مدرسته، لأساعده في حل واجباته، لأفعل له أي شئ، أي شئ قبل أن يصيبني الجنون...
قد تتساءلون كيف نعيش دون مورد مالي!!
الفضل كلّه لله الذي لا ينسى عباده ثم لجارتنا "أم محمود" التي لا تفتأ تُحضر لنا ما نحتاجه كما لو كنا...كنا فقراء!!!!!
تطلعت إلى يدها التي ترك الحرق أثراً بسيطاً عليها وهمست:
"رحمك الله يا والدي، تركتنا للفقر والذل ومنِّ الناس".......
=================
-
قلتُ لكِ لا..
- ما ذنبها إن كان أخوتها هكذا، هي شئ آخر..
- التفاحة الفاسدة تُفسد ما في الصندوق..
- هذا حكمٌ جائر، الإنسان يُقاس بأفعاله، لا بأفعال الآخرين.
صمت "خالد" ولم ينبس ببنت شفه، لمست كتفه وهي تنظر له بتوسل:
- أرجوك يا "خالد"، لقد تركت الجامعة، لم أعد أراها، لم تتوانى قط عن مساعدتي يوماً، والآن أخذلها؟!!
- تركت الجامعة!! منذُ متى؟!
ردت بإنفعال وكأنها وجدت بصيص أمل:
- منذُ..منذُ، تذكر ليلة خطبنا "فرح"، كان ذلك آخر عهدها بالجامعة.
أخرج علبة السجائر من جيب بنطاله، أشعل واحدةً وهو شارد الذهن..
- ها ماذا قلت؟!
- هي نصف ساعة فقط لتزوريها وتعودي فوراً.
ودون حتى أن تسمع نهاية عبارته، هرعت تخطف عباءتها وحجابها، وأنطلقت مع السائق إلى هناك.
==============
- لا تذهب، لاتذهب، لاتتركني لوحدي.
- ماذا تريدين أن أفعل؟
قالها بملل وهو يحك ما بين أنفه.
- أبقى معي، لا أحد هنا وأنا أخاف.
- آسف، لدي موعد مع أصدقاء.
- أنا أختك، أختك، حرااام...
وانتحبت بمرارة وهي تُمسك بتلابيب قميصه لتمنعه من الخروج، أبعد يديها بعنف وهو يشرع بإكمال طريقه.
"- محمد"، لاتذهب، سأعطيك ما تُريد فقط أبقى معي، أبقى معي...
وتوقف وقد انتقلت الحكة إلى صدره، نظر لها بلؤم وهو يسأل:
- ماذا ستعطيني؟
وكأنها وجدت في سؤاله بصيص أمل، بلعت ريقها بإزدراد وهي تردف:
- لدي 30 درهم، هذا ما تبقى عندي. قالتها بإستعطاف.
- أجلبيهم.
- حسناً..حسناً. انتظرني لثوانٍ فقط، لا تذهب.
وجرت لغرفتها بسرعة وهي تتلفت خلفها كي لا يغيب عن مرمى عينيها، فتشت درج خزانتها بجنون، عادت إليه وهي تمسك الأوراق النقدية.
تناولها وهو يعدها، حك أنفه من جديد، ووضع الأوراق في جيبه، تأملها لثوانٍ، أشار لعنقها وهو يردف:
- أعطني هذه أيضاً.
نظرت إلى حيثُ أشار، قبضت على قلادتها الفضية بيأس ويدها ترتجف:
- لا إلا هذه، إنها هدية من أمي، من أمنا في عيد ميلادي. قالت بإستعطاف.
- أعطنيها وإلا خرجت.
فتحت فمها لتقول شيئاً ما لكنها أحجمت، تأملت قلادتها، كانت على هيئة قلب صغير، في داخله آية "الكرسي"، تطلعت لأخيها وهي تهز رأسها بتوسل، بإستعطاف، بذل لكن أنى للصخر أن يتحرك!!!
مدت يديها خلف شعرها، فكت عقدة القلادة، وكأنها تفك خيوط حياتها، جذورها، حيثُ نفحة الغالية، حيثُ ذكرى والدتها في عيد ميلادها السادس عشر، في آخر عام كانت معهم فيه....
اهتزت يدها، لكأنها تستنكر هذا الفعل المشين، انساب العقد بين أصابعها، فتحت القلب، واستخرجت الآية المقدسة، ضمتها بيدها اليمنى، وناولتهُ قلادتها بيدها الأخرى التي لا تكف عن الاهتزاز......
توسلته بعينيها الدامعتين للمرة الأخيرة، وضعها في جيبه هي الأخرى دون أن يبالي بحديث عينيها....
وسار!!!!!!!!
فتحت عينيها على أشدهما، وهي تعض على شفتها اليسرى، أفلتتها و صرخت بقهر، بألم، بلوعة و بأعلى صوتها:
- محمدددددددددددددد..
لكنهُ كان قد ارتحل، تركها وهي تتأوه، تنشج على الأرض كنشيج الميازيب في مواسم المطر.....
خذلها، أخوها خذلها، من سيبقى لها الآن؟!!
لا يوجد أحد، لا أحد...
نظرت إلى السقف وشهقاتها تتصاعد، ويدها تعبث حيثُ انتُشلت القلادة، ودت أن تخترقه، أن تصل إلى فوق، إلى أبعد نقطة، لعلها تلحق بأمها وأبيها، حيثُ الكرامة، حيثُ لا ذل، حيثُ الأحد!!!!
عادت لتتلمس جيدها الذي بات خالياً، وخزات متلاحقة تصيبها في الأعماق كسهام عمياء، نكست رأسها تبكي على حالها بصمت كما أعتادت دوماً....
تناهى إلى مسمعها دق الباب، أرتاعت في جلستها وهي تلتفت حولها بذعر، الدقات ترتفع وهي تتراجع إلى الوراء بخوف، كانت تريد أن تعدو لغرفتها وتوصدها عليها بالمفتاح لكن الخوف شل من حركتها، لم يسمح لها بما تُريد...
من القادم الآن في عزّ الظهيرة؟!
انفتح الباب، وولجت إلى الداخل بتردد.....
تطلعت إلى الوالجة بذهول، ترمقها بتعجب، لكأنها آخر شخص تتوقع أن تراه...
اقتربت منها "أمل"، ارتمت في حضنها وهي واقفة دون استجابة، تأملت حنايا وجهها الوله، يسبقها الشوق، يرفُل بأعذب آيات المحبة.....
لحظة هذه أخته، أختُ ذلك القاسي، ذلك المجرم، ذلك ال.....
أخفضت من بصرها، عينيها باتتا أصغر حجماً من كثرة النياح، بدت لها رفيقتها ضبابية.....
- لماذا جأتِ الآن؟! قالت وكأنها تخاطب شخصاً من بعيد.
- مريم أنا...
- أنتِ السبب، أنتِ السبب...
لفت وجهها إلى الجانب الآخر، لم تفهم "أمل" شيئاً، وكيف لها أن تفهم؟! مستحيل أن يتفوه ذلك الحقير بشئ..
صدت لها، تنظر إليها بعينين غشتهما دموع أزلية:
- جأتِ لتشمتي بي..لتخبري الفتيات بحالتي، أليس كذلك؟
- مريم ماذا تقولين؟!
- قولي للجميع أني بخير، بأفضل حال من دونهم.
- أنا جأتُ من أجلك، لأنكِ صديقتي، أروع صديقة أكتسبتها في حياتي.
………………………-
- وإن كنتُ قد تأخرت لزيارتك فلظروف..ظروف خاصة.
- لا يريدونك أن تزوري واحدة مثلي، أخوها مدمن مخدرات وأختها.....
لم تكمل، خنقتها الغصة، ألجمت كلماتها، أجهشت بالبكاء، دموعها باتت رفيقتها اللجوجة، لاتفتأ أن تصاحبها كل حين...
- أنا أمقتكم جميعاً، أخرجوا جميعاً ومن حياتي إلى الأبد..
- مريم أرجوكِ....
- انسي أنكِ تعرفين واحدة بهذا الإسم، انسها ووفري عليّ وعلى نفسك المشقة.
- هذا غير ممكن، غير ممكن البتة، لا ترمي بصداقتنا عرض الحائط.
"صداقتنا ماتت بسببه، ألستِ أخته، ألستِ تشبهينه، دماءه تسري في جسدك، كلكم متشابهون، كلكم".
أبعدتها عنها وهي توقف سيل دموعها:
- لا تعودي إلى هنا مرةً أخرى، وبلغيهم أنّ مريم لن تذل نفسها لأحد بعد اليوم، أبداً، أبداً...
هزت "أمل" رأسها بأسى، دارت لتواري دمعةً تسللت في الخفاء وتراجعت خطوة....
مدت "مريم" لها يدها بجزع، لكنها انتبهت لنفسها ولمت ذراعها.
- انتبهي لنفسك، وتأكدي إن أحتجتِ يوماً لأحد، فأنا موجودة دوماً....
وشرعت بالتحرك، ستذهب هي أيضاً، كلهم يذهبون و..يتركوني!!!
"- أمل" انتظري...
وهرعت إليها لتحتضنها بقوة، لعلها تمدها بالأمان، بالدفئ والحنان في أيام تبدو قاسية جداً....
بكت كلتاهما على كل شئ ولا شئ، على الأيام، على الفراق، على الزمن...
أخ ما أقسى الزمن!!!!
- سلمي لي على سلمى ومنى وك...وكل البنات.
- إن شاء الله.
- وكلما أنهيتي كتاباً أحضريه لي لأسلي به نفسي، وإذا لم تستطيعي القدوم أبعثيه مع السائق.
- ألن تعودي إلى الجامعة؟!
- لاأقدر، لا أقدر، ليس بمقدوري، لاأدري، لا أدري..ليس الآن.
- لاتبكي يا عزيزتي، كوني قوية كما عهدتك.
- سأحاول..أتمنى ذلك. رددت بيأس.
وما نيلُ المطالب بالتمني
ولكن تؤخذُ الدنيا غلابا......
- مع السلامة.
- ستذهبين الآن؟! سألت بألم.
هزت رأسها بإيجاب وهي تؤكد:
- لا تقلقي سأزورك بين الحين والآخر.
………………………….-
- مريم لن أنساكِ أبداً..أبداً.
حضنتها من جديد وهي لاتود إفلاتها، نزعت نفسها غصباً وهي تودعها:
- هيا أذهبي، لقد تأخرتِ عن العودة.
- أعتبر نفسي مطرودة.
- نعم. ابتسمت مريم ابتسامة باهتة.
- مع السلامة.
- مع السلامة.
انصرفت وروحها متعلقة بالواقفة هناك، لحقتها مريم حتى الباب، تحركت السيارة، تابعتها ورأسها يشرأب كل حين..
توارت مع غبار السيارة، التحمت مع حافة الباب، أغمضت عينيها وهي تشهق، عضت على نواجذها وهي تأخذ شهيقاً بطيئاً...
لابد أن تمسح دموعها، فبعد قليل سيصل "أحمد" وهي لا تريده أن يرى دموعها، لا تريد أن تزيد من آلامه، يكفيها سؤاله الدائم عن "ليلى".....
"ليلى، يا ترى أين أنتِ أين؟!"...
وكأنها ارتاعت من وقفتها بالخارج، فدخلت وأغلقت الباب خلفها تنتظر دقات القادم بعد قليل...
|