كاتب الموضوع :
منى توفيق
المنتدى :
التاريخ والاساطير
فامتدحوه وشكروه وذكروا فعاله، وهنا قل لهم حاتم: أردت أن احسن إليكم، فكان لكم الفضل عليّ، وأنا أعاهد الله أن أضرب عراقيب إبلي عن آخرها، أو تقدموا إليها فتقتسموها.. ففعلوا.
وما أن سمع جده بما حدث حتى جاءه يقول: أين الإبل؟ فقال له حاتم طوقتك بها طوق الحمامة، مجد الدهر وكرماً لا يزال الرجل يحمل بيت شعر أثني به علينا عوضاً من إبلك. اغتاظ الجد وقال: والله لا أساكنك أبداً.. فخرج بأهله وترك حاتماً، ومعه جاريته وفرسها وفلوها.
كان حاتم شاعراً بالإضافة إلى كونه كريماً جواداً.
كان شعره شخصياً.. ينطق بشخصية صاحبه على اختلاف مزاياها.. كما كان فارساً من أشجع الفرسان وأقواها.. ولهل أجمل وصف نستطيع أن نعطيه إياه هو ما قاله ابن الأعرابي: " كان حاتم من شعراء العرب، وكان جواداً يشبه شعره جوده، ويصدق قوله فعله، وكان حيثما نزل عرف منزله، وكان مظفراً، إذا قاتل غلب، وإذا غنم انهب، وإذا سئل وهب، وإذا ضرب بالقدح فاز، وإذا سابق سبق، وإذا أسر أطلق، وكان يقسم بالله أن لا يقتل واحد أمه، وكان إذا أهل شهر الأصم، الذي كانت مضر تعظمه في الجاهلية، ينحر كل يوم عشرة من الإبل، فأطعم الناس واجتمعوا إليه.
كان موفور الحظ، يأتيه رزقه أحياناً، وهو نائم، وهو لا يدري من أين؟ وهذه هي أسطورة يرويها يعقوب بن السكيت فيقول: فبينما حاتم، بعد أن انهب ماله، وهو نائم، إذا تشابه وحوله مائتا بعير، أو نحوها، تجول وتحطم بعضها بعضاً، فساقها إلى قومه، فقالوا: يا حاتم! ابقِ على نفسك، فقد رزقت مالاً، ولا تعودن إلى ما كنت عليه من الإسراف قال: فأنها نهبي بينكم، فانتهبت، فأنشأ حاتم يقول:
تداركني جدي، بسفح متالعٍ،---فلا ييأسنْ ذو نوفةٍ أن يغنما
وهكذا نرى أن حاتم ظل على حاله من الجود والمرك حتى نهاية حياته.
وهذه أسطورة جديدة عن جوده، اخترعوها بعد موته فقالوا: كان رجل يقال له أبو الخيبري، مر في نفر من قومه بقبر حاتم، وحوله أنصاب متقابلات من حجارة كأنهن نساء نوائح، فنزلوا به فبات أبو الخيبري ليلته كلها ينادي: أبا جعفر اقرِ أضيافك، فيقال له: مهلاً! ما تكلم من رمة بالية. فقال: إن طيئاً يزعمون أنه لم ينزل به أحد إلا قراه… فلما كان آخر الليل نام أبو الخيبري، حتى إذا كان في السحر، وثب، فجعل يصيح: واراحلتاه! فقال له أصحابه: ويلك مالك؟ قال: خرج والله حاتم بالسيف وأنا أنظر إليه حتى عقر ناقتي، قالوا: كذبت. قال: بلى، فنظروا إلى راحلته فإذا هي منخزلة لا تنبعث، فقالوا: قد والله قراك، فظلوا يأكلون من لحمها ثم أردفوه، فانطلقوا، فساروا ما شاء الله.. ثم نظروا إلى راكب، فإذا هو عدي بن حاتم راكباً قارناً جملاً أسود فلحقهم فقال: أيكم أبو الخبيري فقالوا هو هذا. فقال: جاءني أبي في النوم فذكر لي شتمك إياه وأنه قرى راحلتك لأصحابك، وقد قال في ذلك أبياتاً ورددها حتى حفظتها وهي:
أبا الخيبري، وأنت امرؤٌ --- حسود العشيرةِ، شتامها
فماذا أردت إلى رمةٍ --- بدويةٍ ، صخب هامها
تبغي أذاها وإعسارها --- وحولك غوثْ ، وأنعامها
وإنا لنطعم أضيافنا --- من الكوم بالسيف نعتامها
وصية حاتم :
ويروى عن أبي صالح : أن حاتماً أوصى عند موته فقال: إني أعهدكم من نفسي بثلاث: ما خاتلت جارة لي قط أراودها عن نفسها. ولا اؤتمنت على أمانة إلا قضيتها. ولا أتى أحد من قبلي بسوءة أو قال بسوء.
وكان حاتم رجلاً طويل الصمت ، وكان يقول : إذا كان الشيء يكفيكه الترك فاتركه .
|