كاتب الموضوع :
روح النسيم
المنتدى :
القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
الدكريات...
في هذه اللحظة تذكرت اولموقف حدث لي مع خالد...كان يوما عاديا في البداية..ولكنه حدد طريق حياتي الباقية بعده...
ذهبت الى الجامعة كعادتي..حضرت اول محاضرة ذلك اليوم..وكانت مملة جدا...تكلم الادكتور فيها عن اشيء كثيرة كانت بعيدة كل البعد عن تفكيري في ذلك اليوم..فقد كان همي الوحيد ان تنتهي لاسرع لانهاء مشاغلي الاخرى..فقد كنت امتلك محلا اعتبره جزءا من احلامي ساعدني ابي في فتحه..وكنت سعيدة جدا بامتلاكه وتسييره والدراسة في نفس الوقت...فانا بطبعي انسانة احب المسؤوليات الكثيرة..ولا احتمل ان تعتمد حياتي على روتين واحد..او ان احس نفسي انسان غير منتج في المجتمع...واؤمن انني في سن الثانية والعشرين اصبح من واجبي ان اتحمل قدرا من المسؤولية اكبر من الدراسة فقط...والحمد لله فقد كنت ناجحة في الموازنة بين عملي ودراستي...وكان ذلك يسعد ابي ايضا...
بعد انتهاء المحاضرة وعندما هممت بالخروج اتى خالد الي...كان زميلي في الجامعة ولكنني لم اسبق ان كلمته مع انني كنت اجتماعية واكلم معظم زملائي وزميلاتي ...ولكن خالد لم يكن اجتماعيا كثيرا بعكسي...على الاقل في الجامعة..ولم يكن يحضر كل المحاضرات لسبب لم اكن اعرفه في ذلك الوقت...طلب منى محاضرات معينة ...اعطيتها له ولكن بتردد لانني اعلم انه لن يعيدها الي قبل ايام..طلبت منه ان يحضرها الي في اقرب وقت فوعدني بذلك...وقال انه سيحضرها بعد غد كاقصى حد وكان هذا الامر ملائما لي...
اتجهت الى سيارتي وفي طريقي الى المحل تساءلت من شيء واحد..لمذا لجأ خالد الى مع انه لم يسبق ان كلمني من القبل..خطر في بالي انه ربما لاحظ انني مداومة على محاضراتي فبدوت له مجتهدة وبالتالي فان دفاتري ستكون مرتبة..اضحكتني الفكرة ولكنها كانت التفسير الوحيد الذي خطر في بالي...
في اليوم المحدد لاسترجاع الدفاتر لم يأتي خالد الى الجامعة كعادته فغضبت كثيرا منه...واعتبرته انسانا لا يحترم مواعيده...انهيت محاضراتي وذهبت الى محلي...لاتفاجأ باحدى العاملات تقدم لي دفاتري...وقالت ان شخصا احضرها وقال انه سائق السيد خالد..واضافت ان السيد خالد حسب ما قال سائقه يعتذر لعدم احضار الدفاتر في وقتها لانه كان مسافرا...
تسلمت الدفاتر وانا اتعجب..كيف يمكنه ان يفوت دراسته من اجل السفر والاستمتاع..يا له من شخص غريب...
بعد اسبوع كان كفيلا بان ينسيني خالد وما حدث معه..وبينما انا جالسة مع صديقاتي رأيت خالد يتجه نحوي...واعترف انه كان شابا وسيما وجدابا من السهل جدا ان تعجب به فتيات كثيرات خصوصا ان مركزه الاجتماعي ايضا كان جيدا..وهذا شيء تبحث عنه الكثيرات في عصرنا...ولكنه جعلني شيء احكم بقسوة على خالد بسسبه لانني لم اجد له عذرا لغياباته ما دام لا ينقصه شيء..فلو كان فقيرا ويعمل من اجل كسب قوته لكنت تفهمت...
تقدم خالد وسلم علينا ثم اخبرني انه يعتذر عن ما حدث ذلك اليوم واضاف انه كان من الواجب ان يحضر هو الدفاتر ولكنه كان مضطرا للسفر...فتفهمت ذلك ولم افكر ابدا في التساؤل عن سبب سفره..فهذا بالطبع امر لا يخصني ولا يعنيني...
منذ ذلك اليوم اصبح خالد يلقي علي التحية كلما رآني...بل يسأل عن حالي ولا يتردد في طلب المحاضرات مني..وانا طبعا لا اتردد في اعطاءها له...ربما بدافع العشرة التي اصبحت احس انها بيننا...وبدأت اعرف شخصيته..فوجدت انه انسان عفوي لدرجة كبيرة ولكنه كان في نفس الوقت حذار ويقظا...
واصبحت احب اكثر من الاول الذهاب اللى الجامعة..بل واصبحت اذهب حتى اجلس معه ونتحدث ونتناقش في امور كثيرة من هذه الحياة..واستمر الامر لمدة ثلاثة اشهر ولكنه لم يحاول خلال هذه الفترة ولو لمرة واحدة محادثتي عن حياته..ولم احاول ان اعرف اسباب غيابه المتكرر..مع انني كنت دائما انصحه بالمدوامة على دراسته خصوصا انها السنة الاخيرة..وهي بالطبع تتطلب جهذا يضاهي جهد كل السنوات السابقة معا...وكان في كل مرة يخبرني ان هذا اقصى ما يستطيع فعله...
مرت الايام جميلة واعتبرت خالد واحدا من اصدقائي..وكذلك هو...
وذات يوم بينما كنت في محلي رأيت خالد ولأول مرة يزورني هناك...في الاول استغربت ولكنني اعتبرتها زيرة عادية..ولكنها لم تكن كذلك..هذه المرة لم يأتي خالد الي كصديق..بل كزبون...وقال انه اتى لشراء هدية من اجل انسانة غالية جدا على قلبه...اشعرتني هذه الكلمات بالبعض من الاستياء...لم اكن اعرف من قبل انه يحب ايه فتاة..وهذا ما جعلني استاء ربما لانه اخفى عني الحقيقة او ربما لسبب لم اكن اعرفه او لم استطع ان افسره حينها...
طلبت منه ان يختار ما يشاء وطلبت من احدى العاملات مساعدته ...وتظاهرت باللامبالات لما سيختار...
وفعلا اخذ هديته ووعدني ان يأتي غدا الى الجامعة وغادر...
في اليوم التالي وعندما جاء تظاهرت انني لم اره وجلست مع صديقاتي..فلم يحاول الاقتراب مني...ولكنه في المستء اتصل بي وسألني عن سبب تجاهلي له..فقلت انني كنت احتاج احدى صديقاتي في امر مهم جدا ولم استطع ان اؤجله ...تفهم ذلك..
بعد اسبوع من ذلك اتى الى المحل مرة اخرى ولكنه هذه المرة لم يكن وحده...اتى مع امراة كانت في الخمسينات من عمرها..كانت انيقة جدا وجميلة رغم سنها...ولكنها كانت ترتدي لباس الحدا...
اقتربا منى وسلما علي..ثم قال خالد لقد اعجبتها الهدية في المرة الماضية فارادت ان تزور محلك لشراء بعض الاشيء...
تعجبت في البداية لكنه قطع عني تعجبي واضاف..ميس اقدم لكي امي...
يالي من غبية اكانت الهدية لامه...لماذا لم افكر في هذا..الهذه الدرجة انا محدودة التفكير...
تركت التفكير في تلك اللحظة وذهبت بنفسي لمساعدة امه والاختيار معها..وقد كانت في غاية اللطف والرقة...
في الغد التقيت خالد..وجلست معه وتكلمنا ..واخبرته انني فعلا احببت امه...
كان في هذه المرة صريحا اكثر او ربما مرتاحا اكثر...اخبرني عن اسباب غياباته المتكررة...وللمرة الثانية ندمت عن سوء ظني به واعتبرت نفسي فعلا محدودة التفكير...
انه الابن الاكبر في عائلته المتكونة من امه واخواته الثلاثة...تولى خالد تسيير اعمال شركات والده بعد ان توفي منذ سنتين...
قال لي بالحرف الواحد"لقد رأيت ابي يتعب ويبني مملكته حجرا حجرا..ومن واجبي بعد مماته ان احافظ عن ما بناه وان لا ادع تعب ابي يذهب سدا..لذلك انا لا استطيع ان اتابع الدراسة مثل باقي الطلبة...ولا استطيع تسليم زمام الامور لاي شخص اخر...فانا اتحمل مسؤولية كبيرة جدا..ولكنه واجبي.."
.وقد اعجبت بك كثيرا عندما رايت انك تعملين بالاضافة للدراسة على ارغم من انك لست بحلجة الى هذا العمل..لقد رأيت فيك انسانة مسؤولة ومثالا للمراة الذكية والتي يمكن للرجل الاعتماد عليها ومشاركتها في حياته"
اسعدتني كثيرا تلك الكلمات التي قالها خالد..واعجبت كثيرا بكفاحه وبمدى رجاحة عقلة وتحمله لمسؤولية اكمال ما بدأه ابيه...
كانت تلك المحادثة بيننا نقطة تحول في علاقتنا..فقد زادت معزة خالد عندي..كما انها اعطته الشجاعة للتعبير عن اعجابه بي...واعجاب امه بي...
وكم كان مستعجلا فقد اتصل بي في مساء ذلك اليوم وطلب منى ان احضر غدا الى الجامعة لامر ضروري جدا وكأنني انا من تعودت على الغياب...
وفعلا ذهبت في الغد لاجده ينتظرني وقد بدا انه يخفي شيئا مهما جدا في داخله..سألته مازحة ما الشيء المهم يا استاذ خالد تريد محاضرات اخري...ولكنه اجاب بجدية لم ارها فيه من قبل..قال " بل اريد ان احدد مسار حياتي اليوم"
استغربت من كلامه واشرت انني لم افهم...
فقال لي حينها"ميس انا احبك منذ مدة طويلة..حتى قبل ان اكلمك او اعرفك عن قرب..وقد زاد حبك قوة عندما توطدت علاقتنا وتسنت لي الفرصة ان اتقرب منك اكثر..و...و.....و....وقد ادركت انك الوحيدة التي يجب ان اكمل معها باقي ايامي..فانت هي المرأة المناسبة والتي استطاعت ان تجعلني اتخذ قرارا جديا في هذا الموضوع..."
لم اجب بأي كلمة..فقد صدمت من ما قاله لي...وكل ما فعلته انني اعتذرت منه وعدت الى سيارتي وانطلقت بدون وجهة...
ولكنني كنت سعيدة بهذا...لماذا لم افهم..
لم استطع تفسير سبب سعادتي..لقد تقدم لي الكثيرون من قبل ولكنني لم اشعر بتلك السعادة...
نسيت ان اخبركم لقد كنت احببت خالد ووقع الفأس في الرأس...
في المساء اتصل خالد مجددا...اردت ان لا اجيب..ولكنني تراجعت عن ذلك ورددت عليه...وطلبت منه ان يمنحني فرصة افكر في الامر..مع انني في داخلي كنت موافقة والف موافقة...
اول ما فعلته انني اخبرت امي بعرض خالد...فاخبرتني ان القرار بيدي..لانها كانت تعرف ام خالد..وتعلم انه عائلته هي عائلة محترمة لا يعيبها شيء...
حتى من ابي لم الاقي الرفض فقد كان ابي يتعامل مع خالد في اعماله ويعرف انه شاب جيد..خلوق..ومسؤول...
كم كانت سعادة خالد لما اخبرته بموقف اهلي...وكعادته كان جد مستعجل فقد اتت امه بعد يومين لطلب يدي رسميا من اهلي..وهكذا اصبحنا انا وخالد من صديقين الى حبيبين وخطيبين...
لم اواجه مشاكلا مع اهلي ولكنني واجهت الكثير منها بالجامعة...
طبعا مع بنات ربما اردن الحصول على حبيبي..او ربما هي عادة في بعضهن..لا يحتملن رؤِية شخصين سعيدين..
هذا ما حدث لي مع احدى صديقاتي...بمجرد ان سمعت عن امر خطوبتنا...تلفق التهم ..وتخبرني بقصص لم اخبر خالد عنها لانني قبل ان اكون حبيبته كنت صديقته..وقد عرفت اشياء كثيرة تخص حياته الشخصية ..مما جعلني لا اقتنع بما كانت تقول وبالتالي لم تنجح في محاولاتها مع انها كانت محاولات مميتة...
لقد وصل بها الامر ان كلفت احدى معارفها بالاتصال بي واخباري انها كانت على علاقة بخالد ..وانه زير نساء لا يجب ان تتزوج منه فتاة مثلي لانني استحق افضل منه...لا الومها فلم تكن تعرف ان اساس الحب هو الثقة والصراحة...
كان كل يوم يمر يزداد حبي واعجابي بخالد...وكان اهتمامه بي يزيد ايضا لدرجة اننا اصبحنا مكملان لبعضنا..ولكن وككل علاقة يجب ان تحدث مشاكل يكون تأثيرها عليها مختلفا....
فقد تكون هذه المشاكل سببا في زيادة الحب وتقوية الروابط بين الحبيبين...كما انها قد تكون سببا في هدم ذلك الحب وتحطيم كل ما كان يجمعهما...
بعد ستة اشهر من خطوبتنا كنا قد انهينا دراستنا...وحددنا موعد زواجنا بعد سنة ..وكان هذا اختياري انزعج خالد في البداية لكنه تقبل الموضوع...وليتني لم اختر ذلك..علني ربحت سنة اخرى بقربه...
سبب تأخيري للموعد انني اردت ان انشأ مشروعا اردت تحقيقه منذ سنتي الاولى بالجامعة...مشروع رغم محاولاتي لكنني لم استطع اقناع نفسي بالتخلي عنه من اجل أي شيء...لكنه كان يتطلب منى تكونا لمدة 3 اشهر بالخارج...وهنا حصلت المشكلة...رفض خالد الامر نهائيا...قال انه سيحاول ان يساعدني باخد تصريح بانشاءه دون اضطراري للسفر الى الخارج...كما ان ما درسته كان كافيا لذلك..لكنني عاندته واردت ان احقق حلمي هذا وبأي ثمن...نعم بأي ثمن ..حتى لو كان الثمن خالد...
وللمرة الثالثة اعترف انني غبية..فقد سمحت لنفسي بقضاء اشهر بدون حبيبي الذي انا مستعدة اليوم من اجله ان ادفن كل احلامي دون استثناء...
اما عنادنا معا..ومع اصرارنا على عدم التنازل ...وبعد مئات المحاولات لاقناع خالد بالعذول عن رأيه ..لم نستطع ان نصل لاي حل سوى الانفصال...
انفصلنا وتألمنا لهذا الانفصال الذي حطمنا معا...ولكنني لم اسمح لنفسي بان أبين ذلك..وجهزت كل اوراقي وسافرت بعد اسبوع من انفصالنا...
هناك في ايطاليا كان تكويني يجري...لكن كيف سيحصل ذلك..ايطاليا التي كنا نحلم معا بقضاء شهر عسلنا فيها...ايطاليا بلد الرومنسية...كيف يمكنني ان اعيش هناك بدونه...
حاولت مرارا..لكنني لم استطع ذلك...فلم يعد شيء يهمني بعد فقداني لخالد...كيف سمحت لنفسي بذلك...
قضيت شهرا هناك...حاولت فيه جاهدة نسيانه والتركيز فقط في حلمي الذي كرهته بعد ذلك لانه اخذ مني حبيبي...
بعد شهر بالضبط تخليت عن كل شيء وعدت الى الوطن...ولكنني حاولت جاهدة ان لا يعلم خالد بذلك...وفعلا لم يعلم الا بعد اسبوعين من عودتي...
كرهت كل شيء في حياتي الى ان رن هاتفي ذات مساء ...كان الرقم مجهولا...رفضت الرد في البداية فلم اكن بمزاج يسمح لي بالتكلم مع أي شخص ..لكن الشخص بقي يتصل...اضطررت للرد وكانت المفاجأة كان صوت حبيبي وراء السماعة,,صوت غالي لم اسمعه منذ شهر ونصف...بعد ان اعتدت على مكالمته بالساعات...
كم كنت سعيدة بتلك المكالمة...
ومثل المرة الاولى طلب خالد ان يراني في الغد لامر ضروري جدا...طبعا وافقت وكلي امل انه سيطلب مني العودة...
في الغد ذهبت الى المكان الذي اتفقنا على الالتقاء فيه فوجدته جالسا ينتظرني..وفي وعينيه نظرة لم اعهدها فيه..نظرة مزجت شوقه وغضبه...سلمت عليه...وجلست..ساد الصمت المكان لمدة دقيقتين او ربما اقل ولكنني احسستهما دهرا كاملا..
بعدها بادر خالد قائلا:
- ميس لقد اخترتك بين كل النساء لتكوني شريكة حياتي...و كنت مستعدا للتخلي على كل شيء من اجل ان لا اخسرك..
ولم اشك ابدا في انك قد تضحين بحبي من اجل أي شيء ...
لكنك صدمتني بموقفك وقرارك الذي اتخذته منذ شهر ونصف...
- لكن يا خالد تعلم انه كان حلمي..وها قد تخليت عنه الان..ولكن بعد.....
- بعد ماذا يا ميس...
- بعدما خسرت كل شيء...ولم اعد اريد شيئا الان...
- كل شيء...لم تخسري شيء..بامكانك السفر ثانية ومواصلة تكوينك..وانا مستعد لمساعدتك من اجل الاجراءات...
- اتعني.....اتعني انك اردتني من اجل هذا الموضوع...
-اسمعي يا ميس...لقد قلتي ان هذا حلمك وضحيت بالكثير من اجل هذا الحلم...فلا اريدك ان تخسريه...
- لم اعد اريده يا خالد...لقد ادركت ان هناك اشياء اهم بكثير منه في حياتي...اشياء كنت بوجودها سعيدة جدا...ولكنني عندما فقدتها فقدت سعادتي..ولم يستطع حلمي اعادتها لي...
- هذه الاشياء يا ميس لا يمكن ان تعود...لقد رميتها بنفسك...
- لكنني نادمة..وانا مستعدة لاعادتها مهما كان الثمن...
- حتى لو كان الثمن حلمك...
- بل حتى لو كانت حياتي....خالد انا....لا شيء...يجب ان اذهب...
- فكري جيدا يا ميس في ما قلته لك...وتوقفي عن التضحية بكل ماهو جميل في حياتك...
- فكر جيدا انت ايضا يا خالد...وداعا...
كانت تلك اكبر صدمة تلقيتها...ذهبت الى الموعد وكلي امل ان خالد سيعرض علي حبه من جديد..ولكنه اراد مقابلتي ليثبث لي ان حياته ليست مستحيلة بدوني..وانه لم يعد يريدني كما كان سابقا...
تألمت كثيرا من موقف الانسان الذي احبه..وتعذبت ليالي طويلة وانا ارى حب حياتي يضيع من بين يدي دون ان استطيع فعل أي شيء..كيف لا وهو قد ضاع بسببي انا..
اصبح كل شيء في حياتي ممل...عملي اهملته... صحتي تدهورت...وانقلبت احوالي رأسا على عقب...بينما كان خالد يزداد نجاحا وتألقا...
ياله من انسان قوي..رغم حبه الشديد لي لكنه كان اقوى من مشاعره وشوقه...واستطاع اخفاء المه عن كل الناس..ولكن ليس عني انا...انا اكثر الناس معرفة بخالد..افهمه من نظرة عينيه..ولن انسى نظرته في ذلك اليوم...
مر شهر عن اخر لقاء بيننا..وبدأت احاول ان اتأقلم مع الوضع الجديد..واقنع نفسي ان خالد كان ماضي جميل يجب ان ينتهي...ككل الاشياء الجميلة في حياتنا...
اقترب عيد مولدي...كان يوما عاديا بالنسبة لي ولم افكر ابدا انه يوم مميز..خصوصا بتلك الفترة العصيبة التي كنت امر بها...
نهضت ذلك اليوم...تناولت افطاري..جهزت نفسي من اجل الذهاب الى العمل..علي استدرك ما فاتني..عندما ركبت سيارتي تفاجأت بباقة ورد رائعة...لم تحتوي على أي بطاقة...
تساءلت هل يمكن ان يكون خالد...لا يستحيل ذلك..لا يتراجع خالد عن قرار يتخده..وقد اتخد القرار بتركي...
ادخلت الباقة معي الى المحل...وطلبت من العاملة ان تضعها في مزهرية..ولكنني تفاجأت للمرة الثانية بباقة اخرى اجمل من الاولى كانت على مكتبي...ولكن هذه الباقة بعكس الولى احتوت على بطاقة...فتحتها بلهفة ووكلي امل ان يكون حبيبي قد غفر لي وعاد الي من جديد...
كتب في تلك البطاقة بخط حبيبي:"يوم ميلادك يوم مميز بالنسبة لي اكثر من تميزه بالنسبة لك..فلنجعله مميزا بالنسبة لحياتنا وحبنا" وكان بجانب الباقة علبة صغيرة..فتحتها لاجد بداخلها خاتم الخطوبة الذي قدمه لي خالد والذي اعدته له قبل سفري..ووجدت معه ورقة صغيرة كتب عليها..."عندما صنع هذا الخاتم صنع من اجل حبيبتي...وقد احتفظت به لانني اعلم ان قدره ان يزين اصبع حبيبتي "
لم اعرف ماذا افعل...هل اتصل به ام اذهب اليه...حملت هاتفي للاتصال ولكنني رأيته يتجه نحوي..وفي فهمه ابتسامة اشتقت اليها كثيرا...وفي عينه نظرة شعرت برأيتها بأن حياتي قد عادت من جديد...
اخد الخاتم من يدي وقال لي"هل فكرتي انني سأتركك تلبسيه بنفسك..."
البسني الخاتم من جديد..ثم دعاني الى الغداء..وفعلا امضينا كامل اليوم معا..تماما مثلما كنا نفعل سابقا...
في ذلك اليوم ..يوم مولدي ولدت من جديد..وقررت ان روحي هذه المرة هي خالد..وانني لن اتخلى عنه تحت أي ظرف...
اتفقنا بعدها على ان نقدم موعد زواجنا وفعلا تم ذلك...وتزوجنا...وعشنا معا اجمل ايام العمر...
كان رائعا ولطيفا ومميزا في كل شيء...كنت احبه كل يوم اكثر...وكان يزيد اهتمامه بي يوميا...
حقق لي حلمي..وساعدني بكل ما امكنه من انشاء مشروعي...ووفر لي حياة لم احلم يوما بعيشها..بل لم يخطر ابدا في بالي ان السعادة قد تصل الى تلك الدرجة...
سافرنا كثيرا...زرنا بلدانا كثيرة جدا...استمتعنا كثيرا...وعشنا حياتنا لحظة بلحظة...
وككل زوجين انتظرنا بفارغ الصبر ان يأتي طفلنا الصغير والذي سيعطي لحياتنا مزيدا من السعادة والفرح..والشقاوة والبراءة...
ولكن ذلك الامر تأخر مما جعلنا نلجأ الى احد الاطباء الماهرين في البلد ليخبرنا ان ذلك مستحيل..لان خالد كان يعاني من مشكلة تمنعه من الانجاب..اخبرنا ان امكانية الشفاء صفر بالمئة..
ولكننا بالرغم من ذلك لم نفقد الامل...وسافرنا الى الخارج..زرنا عددا كبيرتا من الاطباء والمستشفيات ولكن النتيجة كانت دائما واحدة..مستحيل...
عندها فقدنا الامل في حصولنا على ذلك المخلوق الصغير الذي انتظرناه طويلا ..ولكن بالرغم من ذلك ظل حبنا يكبر مع مرور الايام..واصبح خالد هو ابني الصغير..كما اصبحت ابنته...رغم اننا مررنا بمرحلة صعبة..غير اننا استطعنا تجاوزها...وتقبلنا الامر..ورضينا بمشيئة الله وقدره....
وقررنا بما انه لا يمكن ان يكون لنا اولاد..قررنا ان نعيش نحن كل ما اردناهم ان يعيشوه...
مرت سنتنا الاولى معا والثانية والثالثة والرابعة وحياتنا لا تعرف غير شيء واحد اسمه السعادة..
كنت سعيدة وانا معه لدرجة انني كنت اعتقد نفسي في احدى القصص الخرافية...او بطلة من ابطال احد المسلسلات ...
في السنة الخامسة كان عمل خالد قد تطور وازدهر ...واصبح حبيبي من اكبر رجال الاعمال بالرغم من صغر سنه...وقرر ان يفتح فرعا لمجموعة شركاته في بلد مجاور...وفعلا تم ذلك واصبح سفره كثيرا...
وبدأ هذا الامر يزعجني..فلم اعتد ابدا سفره المتككر...
ولأول مرة جرحت خالد بكلام قلته عن غير قصد...في احد شجاراتنا التي اصبحت كثيرة في تلك الاونة قلت له..
"لماذا يا خالد تتعب وتسافر وتشقى..من اجل من تعمل..ليس لدينا اولاد لننؤمن مستقبلهم..وما لدينا يكفينا معا.."
هنا شعر خالد بذنب كبير..واحس انه يحرمني من حقي في الحصول على اطفال مثل كل الناس...
ما فعلته ذلك اليوم جعلني اندم كثيرا..فهذا خالد حبيبي الذي لم يحاول مرة ان يغضبني او يزعجني..فلما آلمته بهذه الكلمات..الم يكفي ما فعلت به في الماضي...يالي من امرأة انانية ...
اعتذرت كثيرا منه واقفلت ملف ذلك المشكل..وتعودت على ذلك..ووجد خالد الحل المناسب لمشكلتنا..وتدبر امره وامر ذلك الفرع..وعادت حياتنا الى طبيعتها وصفائها..
وجاء ذلك اليوم الذي كم تمنيت لو توقفت ساعات الزمن في اليوم الذي قبله...سافر خالد كعادته من اجل تفقد عمله...ولكنه لم يعد حتى اليوم...
حتولت يوم سفره الاتصال به مرارا ولكن هاتفه كان يرن دون ان يجيب...قلقت كثيرا عليه...اتصلت بمكتبه هناك..ولكنهم اخبروني انه لم يصل بعد...
فتحت شاشات التلفاز لم ارى أي خبر عن حادث طائرة...اتصلت بالسائق فقال انه اوصله الى المطار وعاد...
حاولت ان اهديء من روعي لكن الفكرة كانت اقوى مني...فكرة ان مكروها اصاب خالد...اجريت كل الاتصالات الممكنة لكن دون جدوى...لم اجد له اثرا...
في تمام العاشرة والنصف ليلا تلقيت اتصالا من خارج البلد فعرفت انه من خالد..اجبت لاسمع صوت امرأة من الجانب الاخر تقول لي انها من قسم الاستقبال في المستشفى هناك..وان زوجي قد تعرض لحادث وانه حتى الان في غيبوبة بينما سائق السيارة قد نجى..وكان السائق احد اصدقائه المقيمين بذلك البلد....
لم انتظر اخذت اوراقي وجواز سفري واتجهت الى المطار...لم اجد رحلة الى هناك قبل يوم الغد..لم استطع التحمل..حجزت وقضيت اليلة في المطار دون ان يغمض لي جفن... كانت هذه الليلة اطول ليلة قضيتها في حياتي..اتى الصباح..وصلت الى هناك توجهت مباشرة الى المستشفى,,,سألت فأجابو انه على حاله منذ البارحة..تكلمت من الطبيب طلبت ان نسفره الى الخارج..لكنه اكد لي ان حالته خطيرة وان الله وحده من يستطيع انقاده...
اخبرني الطبيب انه في الاربع والعشرين ساعة القادمة سيتقرر وضعه...قال انه اذا استطاع المقاومة لهذه الفترة فانه سيعيش..ولكن.....
صليت كثيرا ودعوت الله ان يأخد بيده ويساعده على الرجوع الى حياته...
لم اتوقف عن البكاء ولا عن الصلاة والدعاء طوال تلك الساعات...وحالة حبيبي تحت الخطر...وفي غاية الدقة...
اتصلت بابي وطلبت منه ان يتكلف باخبار اهل خالد..لانني لن استطيع فعل ذلك...
كان امامي امرين لا مفر منهما...ان اعود مع حبيبي ..او ان اعود بجثة حبيبي...
كان القرار لله وحده....تمنيت كثيرا ان يكون قدري هو الاول..ولكن الله اراد العكس...
في تمام الساعة العاشرة والنصف...فتح حبيبي عينيه..كنت بجانبه نظر الي نظرة اخيرة ثم اغمضهما الى الابد...
كانت هذه اللحظة اقسى لحظة عشتها في حياتي...رأيت شمعة حبيبي تنطفأ امام عيني...تمنيت ان تأخذ حياتي مكانه...ناديت الاطباء وبكيت وصرخت لكنها كانت النهاية..
انهرت في النهاية...ولم استيقظ الا وانا مستلقية على السرير وامي بجانبي...
اعتقدت في البداية ان الامر حلم مزعج..لكنني استدركت انه الواقع وانني فقدت حبيبي الى الابد...وانني هذه المرة لن استطيع ارجاعه حتى لو تخليت عن حياتي...
عدت الى وطني وانا انسانة مدمرة...
انهيت مراسيم دفن حبيبي وحياتي معا...لم اشأ ان انتقل للعيش في بيت اهلي..بل فضلت ان اضل مع ذكرياتي..
تخليت عن كل شيء...ولكن هذه المرة بدون أي امل في استرجاع ولو جزء من حياتي...
واجهت بعد ذلك مشاكل كبيرة مع اخوات خالد الواتي اردن الحصول على الميراث في اقرب وقت مع انني تألمت عندما رأيت احلام حبيبي وما بناه يهدم ويقسم...
ولكنني لم اسمح بذلك..كان خالد قد سجل لي بعض الاملاك باسمي وبالتالي لم تستطع اخواته اخذها...فاخذتها بالاضافة الى ما حصلت عليه من الميراث واكملت طريق حبيبي...ولم اترك مملكته تتهدم وانا على قيد الحياة...
عاودت احياء عمله بعد جهد جهيد...وتعب كبير خصوصا انه كان سندي الوحيد وانه غاب عني للابد ليرتاح من كل الاعباء والمسؤوليات التي تحملها طوال حياته وفي سن مبكرة...
تكفلت بتربية طفل جميل يتيم..سميته خالد...ربما يملأ خالد الصغير من جديد بيتي بالفرح وبجزء صغير من تلك السعادة التي كانت تعم ارجاءه....وانا اليوم اعيش فقط من اجله وعلى ذكرى خالد حبيبي...
وقد اثبث لي اليوم انه مازال بجانبي حتى بعد كل هذه السنوات وبالرغم من كل هذه المسافات بيننا...
عندما فقدته للمرة الاولى استعادني بباقة الورد التي اهدها لي...ولكنني عندما فقدته للمرة الثانية كنت متأكدة انني لن ارى هدية اخرى يعبر بها حبيبي عن رغبته في استعادتي من جديد...ويثبت لي بها انني مازلت في قلبه وفي كيانه..لكنني اليوم عندما وجدت هذه المذكرة ادركت وتأكدت انه عندما اعتقد اني وحيدة واني فقدته للابد يظهر من جديد ليذكرني اننا شيء واحد لا يمكن ان يفقد احدا الاخر...
لقد تغلب حبنا على كل شيء..حتى على ما لم يستطع أي انسان من قبل التغلب عليه..تغلبنا على ذلك الاحساس المؤلم الذي ينتابنا عندما ننهزم امام الموت....
انتهى...
|