كاتب الموضوع :
علياء
المنتدى :
القصص المكتمله
ارتعش جسدي وأحدهم يخرج بسيف الملك وهو مليء بالدماء لينظفه ... نزلت دموعي ساخنة وأنا أرتعد، لقد كانت هذه أوليسي، نعم ... الملك هو الذي كان يفعل ذلك .. ولكن لماذا ؟؟
لماذا يقتل الملك شقيقته ؟ وراجوي ؟؟ هل يحاول إخافتي ؟ هل هو من فعل كل ذلك فعلا أ أن أوليسي فعلت شيئا استثنائيا ؟؟
هل هو معقد أم أنه يثأر لشخص ما؟؟ لقد كانت لوليانا تتمنى دائما اسعاده ..
بكيت وجلست إلى جوار الحائط وانا في غاية الرعب والحزن والصدمة ...
لا يجب أن ابقى هنا ... أنا لم أعد أثق بأي شخص،، جميع من أحببتهن مؤخرا قتلن والملك ... كان هو قاتلهم بكل برود وشر ...
كان الحرس يتجولون وخشيت أن يراني أحدهم أو يسمع صوت بكائي المكتوم ..
حاولت مسح دموعي ولكنها ظلت تذرف رغما عني ..كان قلبي محطما ...
مشيت بحذر أحاول الخروج من الجناح الملكي قبل أن يراني أحدهم ونزلت بسرعة على الدرج إلى الجناح السفلي ..
ولكنني فوجئت بعشرات الجنود وكان احدهم يمسك برأس أوليسي الآخر يحمل الجوال الذي يرقد فيه جسدها ... نظروا إلي بشراسة وكنت ابكي .. وشعرت أنني في مأزق، لقد علم كل هؤلاء الجنود أنني تجسست على الملك ! وبدأو يتحفزون ضدي ..
لم يكن أمامي حل آخر .. حل غير متوقع .. نعم..
انطلقت بكل سرعتي وألقيت بنفسي من شرفة الطابق الثاني ... وقعت بقوة على الأعشاب وتدحرجت لم أشعر وقتها بأي شيء رغم الآم والجروح التي أصابتني .. وقفت بصعوبة وبدأت أجري وتوقفت انفاسي عن الدخول والخروج وأنا أراهم يقفزون خلفي وهم يحملون أسلحتهم الزرقاء التي تصيبني بالرعب ...
ركضت بكل قوتي وكان حذائي خفيفا جدا فآلمتي الصخور بعض الشيء .. كنت متقدمة عليهم بمسافة جيدة ... دخلت إلى الحديقة المشجرة وحاولت تضليلهم بين الأشجار، كان صدري يعلو ويهبط بسرعة .. لم يتخيل أحدهم أنني سأتوقف خلف أحدى الأشجار أراقبهم وهم يركضون كالمجانين إلى الأمام ..
بعد ما ركض معظمهم بعيدا عدت أركض نحو بوابة القصر الخلفية ... وعندما وصلت إلى هناك وجدت حراس البوابة الأربعة مقتولين .. تعجبت وفرحت وانطلقت اركض خارج القصر بكل قوتي .. كان شعري المنسدل يضايق وجهي ويلتصق بدموعي ..
كان الخوف يعتصر قلبي وركضت بسرعة صاروخية بين الأشجار حتى لا يجدوني .. لم أعرف إلى أين اتجه وماذا سيكون مصيري !!
ركضت وركضت وفوجئت بذلك البناء .. ذلك البناء الجميل الذي كان أول محطاتي إلى هنا .. والذي أخبرني جاميان أنه ولد فيه .. لم أقف طويلا أمامه واسرعت بالركض وانا اتركه خلفي ودموعي تذرف بغزارة .....
تعثرت ووقعت على الأرض الموحلة .. واتسخ ثوبي .. جلست التقط انفاسي وشعرت بالوحدة الشديدة والخوف والألم ، كانت يدي تؤلمني من أثر السقطة وكان هناك جرحا كبيرا في يدي ينزف .. لم استطع ايقاف النزف فشققت طرفا من ثوبي القطني الأبيض الذي اتسخ وأصبح بني اللون ..
ربطت يدي بقوة مع انها آلمتني جدا ولكن وقت الخوف لا يعي الانسان ماذا يفعل .. وتظهر الشجاعة والتحمل ..
كان منزل جاميان خلفي وسمعت أصواتا تتحدث معا ...
ميزت صوت تالتن كان يقول :
- الملك يستدعينا .. ألن تذهب ؟؟؟
- سأبحث عنها مع الجنود هنا أشعر انها بقرب القصر إذهب انت ..
قال ذلك أحدهم لم أعرف أهو صوت جاميان أم لا فقد كان منخفضا ودب الرعب في قلبي من جديد وقمت أركض بعيدا ... وركضت ركضت حتى تعبت ولكن ليس لي أي خيار ..
اما ان أموت أو ان اهرب..
شعرت بيأس عجيب جدا ..
لست على كوكب الأرض ، ليس هناك مركز شرطة التجيء إليه... ملك لديه سلطة يريد قتلي ..
ليس لي أي شخص أثق به .. او يهتم لأمري ..
ليست هناك سوى مركبة واحدة تدعى "هينوا" ولا يستطيع قيادتها سوى طيار واحد ومعه جاميان ...
إذن .. ليس هناك أي أمل .. ولكنني لن أسلم نفسي سأصعد إلى قمة ذلك الجبل وألقي بنفسي من فوقه ، لن يستغلني الملك ولن يقتلني ولن يهددني ...
نعم ... قلت لنفسي :
" لندا ... الموت أشرف لك من هذه المهزلة التي تعيشينها ... أمي، أبي سأزوركما قريبا .. لقد اشتقت اليكما فعلا "
كان هذا قراري الأخير .. للأسف لم يكن معي دفتر مذكراتي حتى أكتب نهاية تلك القصة التي بدأتها والتي لن يصدقها أي شخص كان على الأرض... ولكن ربما يتسلى بها أي شخص في بانشيبرا ..
كنت بالفعل أتسلق الجبل بروح رياضية وتوقفت عن البكاء وتحليت ببعض الشجاعة .. كان ثوبي وشعري متسخان ووجهي أيضا رجلي كانتا مجروحتان ويدي تؤلمني جدا ... ولكنني لم أستسلم واصلت الصعود رغم شعوري بالعطش .. ولماذا أشرب وأنا سأموت بعد قليل ..؟؟
عندما وصلت إلى نصف الجبل .. كانت الشمس قد بدأت تشرق .. لقد مر الوقت بسرعة .. كانت بانشيبرا قد بدأت تظهر أمامي ورايت القصر .. كان بعيدا .. ولكن المنظر رائعا ودمعت عيناي لأنه آخر منظر سأراه في حياتي ...
جلست استرح قليلا .. وشعرت ان الحياة لا تساوي شيئا أمام دوافع الإنسان .. ولكنها غالية جدا في نفس الوقت ...
كيف أقتل نفسي ؟؟ نعم لن أتردد سأقتل نفسي قبل أن يقتلوني .. لا أريد ذلك الملك أن يمس شرفي أو كرامتي .. سأموت عزيزة مستقلة بذاتي ..
نعم ... بكيت رغما عني .. وعندما ارتفعت الشمس قليلا أكملت صعودي فوق الجبل بإصرار وانا اشعربالانهاك والعطش .. ولكنني عندما وصلت للقمة.. كان بانتظاري شخص ما ...
----------------------------------------------------------------------------
كنت أصعد وأصعد واقتربت قمة الجبل أخيرا ... ولكنني قبل أن أصل رأيت تالتن يقف على القمة وينظر إلي باسما ..
هل هذه بسمة الانتصار؟؟ كان يفصل بيني وبينه متر واحد فقط .. فكرت أن اترك يدي وأسقط وبالفعل تركت يدي ولكنه أمسكني بسرعة ..
صرخت :
- دعني يا تالتن .. دعني ..
هتف تالتن بصعوبة وهو يسحبني:
- لا مستحيل... أنا لن أخذل جاميان ..
بدأت أبكي وأنازع حتى يتركني ولكنه كان قويا جدا وسحبني رغما عني مع ان الهواء كان شديدا بالأعلى وصاح تالتن وهو يهزني :
- انت أيتها الغبية هل تريدين قتل نفسك ؟
صرخت وأنا أحاول أن أتملص منه:
- الموت أفضل لي من البقاء معكم ...
عاد يصرخ تالتن وهو يحكم قبضته علي :
- لا ... سيعيدك جاميان إلى الأرض لقد وعدك .. لا أحد يعرف إنني وجدتك ، جاميان قتل الجنود على البوابة حتى يعطيك فرصة للهروب .. اسمعي ...
التقط تالتن أنفاسه ثم عاد يقول :
- عودي معي سوف نجعلك تهربين أنا وجاميان اتفقنا إننا لن نعيدك إلى الملك مرة ثانية، لا تخافي ..
توقفت عن الحراك فتركني تالتن ..ونظرت إليه بشك .. هل يقول الحقيقة؟؟ أم انه...؟
ابتعد قليلا ثم أخرج جهازا من جيبه وهو يراقبني بحذر ثم ضغط أزرارا وقال:
- جامي .. لقد وجدتها تعال بسرعة نحن على قمة افريدوتيا ...
سمعت صوت جاميان من خلال الجهاز :
- ماذا ؟؟ وماذا تفعلان بالأعلى؟؟ كيف صعدتما ؟؟
- جاميان ... تعال خذنا وكف عن الكلام .. لقد أقنعتها بصعوبة ألا ترمي نفسها هيا بسرعة وإلا سأنتحر معها ..
شهق جاميان مفزوعا وأغلق الخط ..
ونظر لي تالتن مبتسما وقال :
- كنت أصعد إلى خلفك طوال الوقت .. ولكنك عندما توقفت للراحة سبقتك إلى
هنا ..
نظرت بخوف وقلت :
- كيف لم أشعر بك؟؟
- كنت بعيدا عنك .. وحاولت إلا تريني لكنك كنت تبكين طوال الوقت.. لم استطع ان احدثك لأن جاميان لم يكن مستعدا لاصطحابك بعد ..
هدأت قليلا وجلست على أحدى الصخور المسطحة، ظل تالتن واقفا ينظر إلى كل مكان يبحث بعينيه عن جاميان ..
مرت عشر دقائق ورأيت مركبة طائرة تقترب فقال تالتن :
- هيا تمسكي بي .. إنه جاميان لقد جاء أخيرا ..
اقتربت وأمسكت بسترة تالتن .. كان الهواء شديدا بسبب المروحة الموجودة بالطائرة، كانت تشبه المروحية (الهيلوكوبتر) ..
أدخلني تالتن أولا وجلست في الخلف .. ثم جلس إلى جوار جاميان .. أغلقت الأبواب مرة ثانية اتوماتيكيا .. وألقى جاميان نظرة خاطفة علي ثم قال بسعادة:
- هل كنت تودين الانتحار حقا؟؟ هل نسيتي الوعد الذي قطعته لك؟؟
شعرت بالراحة وقلت :
- لا ولكنني وصلت إلى مرحلة لم أعد أثق فيها بأي شخص ..
التفت تالتن لينظر إليّ وعلى وجهه نظرة شريرة ثم قال :
- في الحقيقة ... لقد استدرجناك حتى نعيدك إلى الملك، هل تظنين أننا نضحي بألقابنا ومراكزنا من أجلك !
-----------------------------------------------------------------------
انخلع قلبي ونظرت بخوف .. يأسا عجيبا احتل كياني وتمتمت بألم:
- خونة!!
نظر جاميان إلي ثم عاد ينظر أمامه وقال :
- هل صدقتي حقا أننا سنسلمك للملك .. لقد كان تالتن يمزح معك ، ولو كان يتكلم حقا لشققته إلى نصفين ونتبرع بكبده للمحتاجين .. وقلبه لي !!
ضحك جاميان وتالتن بشدة وشعرت بالغيظ فقلت وانا انزل دمعة مكبوتة :
- أقسم أني سأضربك يا تالتن...
قال جاميان :
- هل أغضبك؟؟ حسنا سأريه ..
فتح جاميان باب تالتن ثم رفسه رفسة أطاحت به في الهواء، فعل ذلك في لحظة غير متوقعه وصرخت بخوف واندهاش وأنا أرى تالتن يطوح بعيدا في الهواء حتى اختفى عن المركبة السريعة ..
وقفت وصحت بذهول وأنا انظر إلى وجه جاميان:
- ماذا فعلت أيها المجنون !! لقد قتلته .. لماذا فعلت ذلك ...
كان جاميان مبتسما وقال :
- لا تخافي عليه إنه قوى كسور في بعض عظامه وينتهي الأمر..
ارتميت على مقعدي وأنا لا أصدق ما فعله جاميان .. لقد فقد عقله ..
ظللت صامته لفترة طويلة وهو أيضا .. شعرت بنعاس شديد ولكنني تمالكت نفسي حتى بدأت المركبة بالهبوط .. شعرت أننا سافرنا إلى مدينة أخرى فقد جلست قرابة الساعة داخل الطائرة الصغيرة..
توقفنا في النهاية أمام منزل صغير وجميل وقال جاميان لي أن أنزل .. كان المكان يذكرني بالريف ..
نزلت وكان الهواء عليلا ولكنه بارد بعض الشيء .. رن جرس جهازه الذي يشبه الهاتف وضغط عيه ثم قال:
- هل وصلت؟
سمعت صوت تالتن يقول بمرح كعادته:
- أجل لقد نزلت في المكان المناسب تماما ،، لم تكن مظلتي تريد أن تعمل ولكنها فتحت في اللحظة الحاسمة ... جاميان لقد ذهبتما في الوقت المناسب جنود الملك قلبوا كل شبر في العاصمة ولم يجدو لندا .. هيا تعال بسرعة لقد استدعاك الملك أكثر من مرة..
نظر جاميان إلي مبتسما ثم قال :
- حسنا أنا قادم ..
اقترب مني جاميان وأخذ نفسا عميقا ثم قال :
- خطة هروب جيدة من العاصمة ولكنها مؤقتة .. هيا تعالي معي ..
أمسك جاميان بيدي وسحبني إلى المنزل الصغير .. ثم قال:
- مار أيك سوف تبقين هنا مع أمي لبعض الوقت حتى تهدأ الأمور .. لن يتوقع أحد وجودك ..
توقفت وسحبت يدي بقوة .. شعرت بخوف لا مثيل له وقلت:
- لا .. لا أريد أن أبقى هنا..
تخيلت الجثة المحنطة داخل صندوق زجاجي و4هي تحدق بي ..
ابتسم جاميان وقال وهو يسبقني إلى المنزل :
- ليس لديك خيار آخر .. أم أنك لا تريدين العودة إلى صديقاتك وموطنك؟؟
طرق جاميان الباب وأنا لم أتزحزح شبرا من مكاني .. تسائلت ... لماذا يطرق الباب؟؟ هل هناك شخص ما بالمنزل ؟؟
ففتحت امرأة جميلة لديها شعر أحمر داكن وعينان زرقاوان ولكنها كبيرة بالسن بعض الشيء وعندما رأت جاميان صاحت بفرحة وضمت جاميان بقوة وهي تقول :
- جامي يا حبيبي .. أين كنت لماذا لم تتصل بي؟؟ هل انتهت فترة عقوبتك ...
ابتسم جاميان وقال وهو يمسك بيدها :
- أنا آسف .....
- ولماذا لم يأتي أخوك معك؟؟
انتبهت المرأة إلى وجودي فنظرت لجاميان باستغراب ... بالطبع كان منظري مزريا .. شعري متسخ ومتشاجر مع بعضه .. ملابسي مقطعة وثوبي أسودا بمعنى الكلمة ماعدا بعض اللون البني عند الأطراف ، كنت أنظر بذهول وأنا أتساءل هل هي والدة جاميان حقا؟؟
اقترب جاميان مني ثم دار خلفي ودفعني برفق من كتفي ناحية المنزل وهو يقول :
- أمي.. هذه الفتاة الجميلة أهتم لأمرها.. أريدك أن تضعينها داخل عينيك حتى أعود، إنها غالية جدا على قلبي .. لا أريد ان يعلم أحد بوجودها هنا حتى جارتك تلك العجوز الشمطاء التي تحكين لها كل اسرارك ..
نظرت المرأة إلي مبتسمة وقالت :
- يالها من فتاة جميلة .. تعالي يا حبيبتي ما هو اسمك؟؟
قلت بتردد:
- أ .. أدعى لندا..
- ياللاسم الجميل كصاحبته ..
تركني جاميان واقتربت مسافة كافية من المرأة اللطيفة فعانقتني ..
تركنا جاميان عائدا إلى المركبة فقالت المرأة:
- جاميان .. ألن تبقى بعض الوقت تبدو منهكا..
التفت جاميان وقال باسما بصوت مجهد :
- لا يا أمي .. ليس لدي وقت لا يجب أن اترك أخي لوحده..
وقبل أن يركب جاميان قالت والدته :
- دع أخيك يتصل بي بين الحين والآخر ليطمئنني على أحوالك ..
- حاضر يا أمي ..
كنت أراقب الوضع باستغراب .. جاميان لديه أم وهي على قيد الحياة وليست محنطة ولديه شقيق أيضا ؟؟؟
ما قصة هذه العائلة الغريبة ؟؟؟
------------------------------------------------------------------------
دخلت مع والدة جاميان بعد ان راقبنا المركبة وهي تبتعد ..
أعطتني ثوبا وردي اللون يناسب مقاسي وبعد أن أخذت حماما دافئا ضمدت لي جرح ذاعي الذي تلوث بما فيه الكفاية ..
كانت والدة جاميان رائعة وتبتسم طوال الوقت وأصرت على تمشيط شعري بنفسها ثم ربطـته بربطة بيضاء اللون ..
كنت قد بدأت أرتاح ثم تناولت معها طعاما لذيذا وقلت لها:
- إنه لذيذ جدا وأفضل من طعام القصر في نظري ...
نظرت لي والدة جاميان وقالت :
- هل انت الفتاة التي ذهب جامي للأرض ليحضرها؟؟
- نعم ..
صمتنا للحظة ثم سألتها:
- من هو شقيق جاميان .. لم يخبرني أن لديه أخا..
ضحكت أم جاميان وقالت بمرح
- أخشى أن أخبرك فيقول لي جامي " انت تفشي أسرارنا كالعادة "..
كانت تمثل اسلوب جاميان وهي تقول الكلمة الأخيرة وضحكنا كثيرا ... فعادت تقول:
- لا أعرف اذا كنت تعرفينه ام لا انه يدعى تالتن ماكنزي ... واسمه الحقيقي هو جيرودا .. ويكبر جاميان بعام واحد فقط ..
وقف الطعام في حلقي من هول المفاجأة وشربت بعض المياه ..
قالت والدة جاميان بسرعة:
- هل انت بخير؟
- نعم .. لكنني لم أصدق بعد أن تالتن أخوه .. كانا يبدوان كصديقين، حتى أنهما لا يشبهان بعضهما أبدا ..
قالت أم جاميان وهي تهز راسها :
- انت لا تعرفين ماذا حدث .. ولكنني سأقص لك قصة عائلتنا عندما تستيقظين ، أما الآن فأنت تحتاجين إلى الراحة ...
شعرت بالغيظ فقد أصبحت فضولية جدا بشأن جاميان في الآونة الأخيرة ولكنني استسلمت قائلة :
- حسنا..
أوصلتني أم جاميان إلى فراشي وقالت باسمة:
- أنا الآن أمك ..أرجوك أريدك أن تعتبرينني كذلك وإذا احتجتي إلى أي شيء فقط نادني ..
ابتسمت وقلت :
- شكرا لك .. سأفعل بالتأكيد ..
كانت الغرفة جميلة جدا وتنم عن ذوق رفيع، تلك الغرفة مزينة بالزهور حتى لوحاتها، وهذا يدل على انها غرفة فتاة ..
ماذا؟؟
إنها لم تكن على علم بقدومي ؟!
أم ان تالتن أخبرها بذلك؟؟ لا أعلم ..
وتلك الثياب التي أحضرتها لي .. أممم يبدو انها كانت تعلم بقدومي ..
ظللت أفكر هكذا حتى غفوت ..
نمت نوما عميقا لا مثيل له فقد كنت أشعر بتعب شديد خاصة وان كل شبر في جسدي يؤلمني بسبب ذلك الركض الذي ركضته..
وعندما دقت الساعة جرس الرابعة عصرا بدأت أفيق من النوم ..
فزعت عندما رأيت الساعة فيبدو أنني نمت طويلا ..
******
جلست أتناول الغداء مع والدة جاميان ... تلك السيدة الجميلة كانت تبث في نفسي اطمئنانا لا مثيل له .. بعد ان انتهينا قلت لها :
- لقد وعدتني أنك ستقصين علي قصة عائلتكم، أعني تالتن وجاميان..
صمتت أم جاميان للحظة وكأنها تسترجع الماضي ثم قالت مبتسمة:
- كان الماضي جميلا ... رائعا ... كنا عائلة صغيرة مكونة من خمسة أفراد أنا و ديوفري والد جيرودا وجاميان وابنتنا تانوها ... ذهب ديوفري في رحلة إلى مملكة تيمالاسيا ووقتها كنا شابين ممتلئين بحب الحياة، لم تكن هناك خلافات بين المملكتين بانشيبرا وتيمالاسيا والتقيت به إن جاميان يشبهه كثيرا عدا لون العين ... أحببته وأعجبت به وهو كذلك وعندما تقدم لخطبتي كان يومها جنديا في جيش بانشيبرا وقد اعترض والدي على زواجنا وفضل أن اتزوج شخصا من تيمالاسيا مثلي ..
ومع مرور الوقت، تمسكنا ببعضنا أجبر أهلي وأهله على الموافقة على ارتباطنا وبذلك تزوجنا، عشنا في سعادة ورزقنا بفتاة جميلة واسميناها " تانوها " عندما بلغت العام الثالث كان معنا جيرودا وكنا نعيش في بانشيبرا العاصمة ونذهب إلى تيمالاسيا بعض الوقت ..
كنت استمع لوالدة جاميان بهدوء وانصات وعندما توقفت قلت بسرعة:
- أكملي أرجوك ...
- كان ديوفري مثاليا جدا ولطيفا، لم نكن نتشاجر مثل بقية الأزواج فقد كنا متفاهمين وكنت حاملا في أصغر ابنائي جاميان، لكن في ذلك الوقت ساءت الأحوال السياسية بين مملكتي بانشيبرا وتيمالاسيا مما دفع الجميع للتأهب لحرب غبية ..
وكان ذلك بسبب مقاطعة تتشاجر عليها المملكتين منذ قديم الأزل ، وبالطبع لقلادة إيموكيا التي دفعت ملك تيمالاسيا الجديد بالقول إنها كانت ملكا لجده الأول ...
كنت خائفة جدا على أهلي في تيمالاسيا وبدأ الناس في بانشيبرا يبلغون عن أي شخص ينتسب إلى تيمالاسيا فيسجن أو يوضع أسيرا ولذلك خاف علي ديوفري لأنني كنت على وشك الوضع، وكانت قريباته يكرهنني بسبب زواجي به لتمنيهن غير ذلك،، وفي ذلك الوقت ... بدأت الأزمة وشعرت بتعب الوضع وكانت المستشفيات البانشيرية تمنع معالجة أي
شخص تيمالي ..
تساءلت متشوقة :
- وماذا فعلتم ؟؟
--------------------------------------------------------------------------------------------------
كانت آيريس والدة جاميان في ذلك الوقت على وشك الولادة وعندما شعرت بآلام الولادة، أخذها ديوفري إلى المشفى محطما كل القوانين وكان مركزه في الجيش معرضا للانهيار ولكنه أخذ أخيرا التصريح بمعالجة آيريس لأنها زوجة رجل من خيرة جنود بانشيبرا ...
بعد أن ولد (جاميان) عادوا به إلى المنزل ليكتشفوا أن الحرب الحقيقية قد بدأت فعلاً وأن والد جاميان الشاب استدعي لكي يقود كتائبه في جيوش بانشيبرا وضد جيوش تيمالاسيا بالفعل .. كان الحل الوحيد هو أن يأخذ زوجته وأطفاله ابنة في الرابعة وابن لم يتم العامين وطفل حديث الولادة، إلى أهلهم في تيمالاسيا حيث سيلقون الرعاية الكاملة أثناء غيابه ...
في تلك الأثناء لم يستطع ديوفري أن يوصلهم بنفسه بأمان حتى أبواب تيمالاسيا بسبب عمله المتواصل في سلك الجيش، ولذلك كلف أمهر جنود كتيبته بالمهمة المستحيلة .. ذلك الجندي الشاب كان هو نفسه روسو، الرجل الصارم صاحب العينين الحمراوين .. وكان معه أيضا خمسة من جنوده التابعين بزي مدني ...
وكانت هي رحلة العذاب الأخيره ..
عربة مصفحة تقتحم الطريق المؤدي إلى " برودجيا " وهي منطقة حدودية بين بانشيبرا وتيمالاسيا لكنها تابعة لتيمالاسيا ..
لم تكن المشكلة في بانشيبرا ولكن المشكلة كانت تكمن في تيمالاسيا، وحصل مالم يكن متوقعا فقد أمسك جنود تيمالاسيا بروسو قبل المنطقة الحدودية وانهالوا عليه ضربا بالأسلحة الثقيلة، وكان على آيريس أن تحمي أطفالها الثلاثة ولكن أحد الجنود أمسكها بعنف وأخذ الجنود بقية الأطفال ..
كانت آيريس تصرخ، (أنا من تيمالاسيا) ولكن أحدا لم يعرها اهتماما، في تلك اللحظة قام روسو بشجارهم بقوة مرة أخرى رغم إصاباته هو وجنوده واستطاع استعادة جاميان و تانوها وهرب بهما بعيدا تاركا الأم والطفل جيرودا بعد ان عجز عن إعادتهما .. وفقد كل جنوده الخمسة في تلك الحرب الصغيرة الطاحنة ..
لم يستطع روسو مواجهة قائدة بالأمر ولكنه كان مضطرا إلى ذلك...
دخل روسو بصحبة الطفلين ووقف بصمت أمام رئيسه ..
في تلك اللحظة انهار الأب ظنا منه أن زوجته وحبيبته آيريس قد قتلت وكذلك ابنه جيرودا ..
لم يستطع روسو تأكيد أي شيء أو نفيه ولم يحاول أن يقول أي شيء، واعتبر نفسه قد فشل في أول مهمة صعبة في تلك الحرب...
ضم ديوفري طفليه ليبللهما بدموعه الحارة ولم يكن يعلم أين سيبقيا بالفعل لكنه أراد أن يحافظ عليهما بروحه فهما كل الذكريات التي بقيت من حبيبته الراحلة ..
لم يستطع ديوفري لوم روسو أبدا فقد حاول كل ما باستطاعته حتى إنه حمل جاميان الرضيع وشقيقته ذات الأعوام الأربع وهرب بهما مسافة طويلة وكانت ذراعه مكسورة والدماء تغطي جسده، لقد كان روسو مخلصا واستحق الشكر الجزيل ..
شعر ديوفري انه ارتكب اكبر خطأ في حياته وابقى جاميان وشقيقته عند زوجة روسو الشابة والتي قبلتهما بفرح فلم يكن ديوفري يمتلك أي عائلة بعد رحيل والديه العجوزان .. وزوجته آيريس ..
ودع روسو و ديوفري عائلتهما الصغيرة وذهبا إلى الحرب لا يعلمان مصيرهما وبقيت زوجة روسو الشابة إليزيا مع أهلها تعتني بالطفلين تانوها وجاميان..
الحرب كانت مدمرة ولم يكن أحد راض عنها أبدا، بانشيبرا تضرب في صميم تيمالاسيا وتيمالاسيا تدمر كل شيء في بانشيبرا ...
مدينة سكولز، تلك المدينة البعيدة التي توجهت إليها عائلة إليزيا هربا من الموت، ولكن الحرب لا حقتهم إلى هناك وتعرض المنزل للقصف مخلفا ورآءه ضحيتان ..
تانوها .... وإليزيا نفسها ..
وهربت عائلة إليزيا الصغيرة ولم ينسوا أن يأخذوا معهم ذلك الطفل البريء... جاميان ديوفري .. الأسطورة ..
------------------------------------------------------------------------
شهور مرت وآيريس الحزينة لا تعلم شيئا عن مصير طفلتها ورضيعها، إنها الآن في منزل والدها بصحبة صغيرها جيرودا بعد أن تأكد الجيش المحلي أنهما من أهل تيمالاسيا ..
كل ليلة تذرف آيريس الدموع وهي في شوق لعائلتها الصغيرة كانت تنادي بحرقة... ديوفري أين أنت؟ وأين طفلاي؟؟ هل قتلا بالفعل؟؟
جيرودا هو كل مابقي لها من عائلتها ... أخبرها والدها أن جيرودا لن يستطيع العيش في تيمالاسيا باسم والده الجندي الأبرز في جيش بانشيبرا ...
مضطرة لذلك وافقت الأم على تغيير اسم طفلها حفاظا على حياته وأصبح اسمه جيرودا بنكوبر منسوبا لعائلة والدته آيريس بنكوبر..
******
في تلك الأثناء مضت شهور أخرى وعاد روسو من الحرب ليبحث عن عائلته ، كان ديوفري في عداد المفقودين وأقسم روسو على رعاية طفليه... ولكنه أصيب بالصدمة الأشد عنفا عندما سمع خبر وفاة إليزيا وتانوها ...
مرت الحرب في ذلك الوقت بفترة هدنة قصيرة امتدت لعامين ...
في خلالها استطاع روسو أن يتغلب على حزنه الشديد بسبب وفاة زوجته وأن يعتني بجاميان الذي اقترب من إكمال عامه الثالث..
كان ديوفري أسيرا في سجون تيمالاسيا، وفي نهاية الهدنة حصل تبادل بين الأسرى فكان ديوفري من بينهم ...
بعد خروج ديوفري من السجن استقبله روسو الذي كان يصطحب جاميان الصغير معه، ظل ديوفري حزينا جدا وساءت حالته النفسية بعد علمه بوفاة تانوها الذي كان يحلم أنه سيخرج من السجن ليدخلها إلى المدرسة .. ويجلب لها الأدوات والحقائب مثل كل الآباء ..
كان جاميان هو كل ما تبقى له في هذه الحياة وكان عليه شكر روسو الذي كبر جميله عند ديوفري ،
وهكذا عادت الحرب مرة أخرى ، كانت الحرب شعواء وتربى جاميان وسط هذه الأحداث بصحبة والده المحارب القوي ..
مرت عشر سنوات كانت نار الحرب تخبو وتشتد من حين لآخر .. بحث ديوفري عن أي أمل لإيجاد آيريس وجيرودا، ولكن ذلك كان مستحيلا في مملكتين تحتلان كوكبا كاملا ..
تعلم جاميان فنون القتال وتفوق على الرجال رغم أنه لم يتم الثالثة عشرة من عمره، إنه لا يتذكر والدته آيريس، ولا أخته تانوها ولا يعرف جيرودا ...
ولكن والده لم يكن يكف عن سرد الذكريات الجميلة له ..
وكانت هناك صورة قديمة يحتفظ ديوفري بنسخة منها وهي لـ آيريس وديوفري وتانوها ويبدو جيرودا رضيعا في الصورة ..
مرت خمس سنوات وأصبح جاميان جنديا مبتدئا في الجيش بعد أن أتم الثامنة عشرة
كان روسو هو الرئيس الأعلى له ولكنه ساعده كثيرا في التأقلم على العمل الجديد ..
واقتربت اللحظة الحاسمة ...
فقد أرسل جاميان مع خمسة جنود آخرين وقائدهم روسو إلى مملكة تيمالاسيا لإعطاء مشروع الهدنة الجديدة بين قوات بانشيبرا وقوات تيمالاسيا ...
دخل جاميان بصحبة مجموعته إلى المدينة الحدودية حيث تقابلا مع جنود تيمالاسيا المشهورين بالزي البني عندما رأي جنود تيمالاسيا جاميان وهو يتقدم صفوف أصدقائة ليسلم مشروع الهدنة ضحكوا كثيرا ..
قال قائدهم :
- لا أصدق أيها "البين" روسو أنكم تجندون أطفالا في جيوشكم ..
كانت البين تعني رتبة عسكرية ...
رد جاميان وقد ثارت ثائرته :
- أنا لست طفلا أيها القائد ... أنا جندي مخلص أقوم بأداء واجبي فلا داعي للسخرية من فضلك !
كان رد جاميان قويا وأحرج القائد التيمالي وعندها قال روسو:
- إنه جاميان ديوفري، من أفضل جنودنا الصغار على الإطلاق..
كان هناك جنود تيماليون يستلمون الهدنة خلف قائدهم .. وأحدهم ظل يحدق في وجهه جاميان بشك وشوق ... وهو يقول لنفسه:
" جاميان ديوفري؟؟ هل يكون هو فعلا؟؟ شقيقي الذي أبحث عنه؟؟ أم انه مجرد تشابه في الأسماء؟؟
--------------------------------------------------------------------------
كان جيرودا يعرف حقيقة أنه "جيرودا ديوفري" وليس "جيرودا بنكوبر" جيدا... لم تتركه آيريس يعيش هكذا بل ظلت تحدثه عن والده القوي، وشقيقته وبالتاكيد جاميان..
ظل جيرودا ينظر إلى شقيقه الذي يرتدي زي جيش العدو الكحلي ... لم يكن أي شخص يعلم هذه الحقيقة سوى جيرودا ...
وعندما ذهب جنود بانشيبرا إلى المعسكر طلب الجندي جيرودا الإذن بالسماح له بالتحدث مع أحد جنود بانشيبرا ، كان الأمر صعبا وخاصة أن جيرودا لم يجد سببا يقنع رئيسه بأهمية الحوار مع العدو ..
وعاد جيرودا خائب الأمل إلى معسكره ..
فكر جيرودا بأن يخرق القانون ويقفز إلى معسكر البنشيريون ولكنه خاف أن تصاب والدته بخيبة أمل كبيرة إذا علمت ان ابنها الوحيد الذي فعلت المستحيل ليصبح قويا هكذا قد طرد من الجيش لخرق القوانين ...
في الصباح عاد القائدان ليناقشا مشروع الهدنة بين المملكتين على أساس موافقة كلا الطرفين على شروط الآخر..
كانت تلك مناوبة جيرودا في الحراسة ومن بعيد لمح جاميان يسير متوجها إلى معسكر بانشيبرا .. كان الألم يعتصره وهو يرى شقيقه يبتعد ولا يستطيع التأكد منه أبدا ، وكتب جيرودا ورقة صغيرة :
" أنا جيرودا ... شقيق جاميان ديوفري ، إنني أعمل برتبه جندي أول في جيش تيمالاسيا .. أمي آيريس على قيد الحياة وهي بخير وتعيش في مدينة لوكايا .. أريد ان أرى والدي وشقيقاي أنا من بانشيبرا مثل والدي ولكن الظروف الصعبة قادتني إلى هنا "
طوى الورقة الصغيرة حتى أصبحت بالكاد لا ترى بالعين المجردة ..
وظل يكمل مناوبته ..
عندما خرج روسو وقف جيرودا أمامه ليقوم بالتحية العسكرية وقبل أن يبتعد من جانبه أعطاه الورقة المطوية ثم انصرف ..
عاد روسو إلى المعسكر وهو مندهش من تصرف ذلك الجندي البارز في جيش تيمالاسيا ، وفتح الورقة وكانت الصدمة الأعنف والأجمل بانتظاره ..
لم يستطع روسو تمالك أعصابه من الفرحة فذرف دمعة وحيدة زلزلت كيانه وفي الحال استدعى جاميان ..
جلس امام جاميان المندهش برؤية روسو سعيدا هكذا لأول مرة في حياته، وقال:
- جاميان يا صغيري، لقد عثرت على شقيقك، إنه على قيد الحياة .. ولكنني لا أعرف ما علي فعله ..
قال جاميان باندهاش وهو يجلس إلى جوار روسو:
- حقا .. شقيقي مازال حيا؟؟ سيفرح والدي كثيرا وأمي ؟؟ هل هي على قيد الحياة ؟؟
- انتظر يابني ، أمك بخير أيضا، لكن تلزمنا خطة لكي نعيدهما سالمين إلى بانشيبرا .. أخوك الجندي الأول في الكتيبة السابعة وهذا يصعب من مهمتنا كثيرا ..
- أنا لم أره؟؟ هل هو صاحب الشعر البني؟؟ لقد حفظت وجوههم جميعا..
- لديه شعر أحمر داكن وقصير ..
- آآآآه ... عرفته لقد كان يحدق بي طوال الوقت ..
وقف روسو وسار متجولا في المكان يفكر بعصبية ..
وفي اليوم التالي تم الاتفاق على الشروط المتاحة وبذلك اتيحت هدنة لمدة غير محددة بين المملكتين العالميتين ..
عندما عاد جاميان وروسو وأخبرا ديوفري بالأمر لم يصدق ... كان سيموت من الفرحة حتى انه أصيب بتوتر شديد وأرق ليلي لمدة يومين حتى استطاع إيجاد حل وسط ...
واقترح ديوفري هذا الأمر على روسو
سيقوم جاميان بالذهاب في زيارة ودية إلى تيمالاسيا ... وهناك سوف يحضر والدته ويعيدها إلى بانشيبرا باسم مستعار ..
تساءل روسو عن مصير جيرودا ولكنه لم يستطع ايجاد أي حل حتى انتهاء الحرب التي استمرت لمدة طويلة جدا ...
قال جاميان:
- ماذا عن جيرودا؟؟ ألا يمكن أن يغير اسمه باسم جندي قتل حديثا و يعود جنديا إلى صفوف بانشيبرا؟ وأيضا .. لا تنسو ان مسجل هنا باسم جيرودا ديوفري ..
كانت فكرة جاميان جيدة ولكنها كان صعبة التنفيذ جدا .. فأنت ستستبدل الهوية أو انك ستخترع هوية جديدة لم تسجل بسجلات مملكة بانشيبرا..
وقرر ديوفري تأجيل موضوع ابنه جيرودا حتى تأخذ الهدنة المسار الأكثر استقرار...
وعندها ارسل جاميان مع بعثة من السفراء إلى تيمالاسيا ... لكنه ترك الركب وانسل إلى داخل تيمالاسيا بالفعل ...
كانت مدينة لوكايا هي هدفه الأول ..
---------------------------------------------------------------------------
كان جاميان يرتدي زي رجل عادي، قميص سماوي وبنطالا أسود .. وعندما وصل إلى لوكايا كانت بالفعل مدينة رائعة وتستحق أن تكون العاصمة ...
سار جاميان بهدوء وهو يتأمل سكان المدينة واقترب من أحد الأكشاك التي تبيع الكتب وقال:
- المعذرة .. هل تعرف أين أجد منزل عائلة بنكوبر؟؟
حدق الرجل بجاميان وقال بحدة:
- أنت لست من هنا أليس كذلك؟؟
لم يرتبك جاميان ورد بقوة :
- نعم أنا جندي من برودجيا .. وقد جئت لزيارة صديق لي يدعى جيرودا
قال الرجل بهدوء وهو يبتسم ابتساة لها مغزى:
- آه .. فهمت لقد جئت بعد أن اعطو الجنود إجازة اثناء الهدنة ..
- أممممم ... هذا صحيح، هل لك أن تدلني على المنزل؟
- نعم انه منزل كبير يقع على بداية طريق آيد .. يمكنك أن تسلك الطريق الموازي لذلك الشارع كبداية لك ..
- شكرا ..
توجه جاميان بمركبته الصغيرة إلى طريق آيد متتبعا إشارات توضيح الطرق ..
وعندما وصل بالفعل شاهد ذلك المنزل الكبير المكتوب على بوابته " عائلة بنكوبر" كانت الحرب قد تركت طابعا سيئا على جمال المدينة ويبدو ان الجزء الخلفي من المنزل الضخم قد تعرض للقصف .. فقد كان متهدما ومخيفا ..
بهدوء خارجي ،، وتوتر وفيضانات داخلية طرق جاميان على البوابة الكبيرة..
بجهاز على الباب سمع الرد .. عائلة بنكوبر من أنت؟
نظر بدقة فلاحظ جهاز كاميرا صغير لمراقبة الباب فقال جاميان :
- أنا جندي، صديق جيرودا هل يمكنني مقابلة السيدة آيريس؟
في الحال فتحت البوابة اتوماتيكيا ودخل جاميان إلى الحديقة ومنه سار حتى البهو الكبير وهناك ظهرت والدته تمشي بسرعة وعلى وجهها آثار الخوف الشديد .. وقالت :
- أهلا بكك أيها الجندي .. هل تتفضل لبعض الوقت؟
- شكرا لك..
سارت آيريس بجوار جاميان وعندما دخلا إلى غرفة الجلوس قالت آيريس بقلق :
- هل حدث شيء لابني؟؟ لقد أخذ كل الجنود إجازة عدا هو.. ولم يتصل منذ اسبوع .. أرجوك هل حصل له أي مكروه؟؟
كان جاميان يراقب أمه الجميلة بإعجاب كبير ثم قال برقة :
- في الحقيقة انا أظن انه بخير .. ولكنني لم آتي من أجل جيرودا في الواقع ..
ذهلت آيريس وقالت بارتياب:
- أنا لم أفهم قصدك بعد ...
صمت جاميان كأنه لا يعرف كيف يبدأ الموضوع ثم قال بتردد يشوبه بعض القلق:
- كنت أظن أنك تبحثين عن ... زوجك؟؟ البين - كاج \ ديوفري؟؟
وقفت آيريس في دهشة وقالت بصوت مبحوح وهي غير مصدقة:
- هل تعرفه؟؟ هل هو بخير؟؟ أين هو ؟؟
ابتسم جاميان ابتسامته الرائعة وقال وهو يضع يده على صدره :
- يسعدني أن أراك أخيرا .. أدعى جاميان ديوفري ..
راقب جاميان وقع الكلمة الأخيرة على مسمع والدته .. لم تصدق أمه ماتسمعه أذنها وتمتمت باندهاش:
- جاميان ؟؟ جاميـ ... ديوفـ ؟؟
قبل أن يستوعب جاميان مايحص كانت أمه تسقط مغشيا عليها بين ذراعيه ...
................. " أمي ؟؟ هل أنت بخير؟؟ "
سمعت آيريس تلك الكلمة وهي تفيق وأثناء غياب والدته عن الوعي تعرف جاميان إلى جدته وخالته اللتان غمرتهما الفرحة، قالت خالته بيريزا :
- انت تشبه والدك كثيرا ولذلك صدقناك من فورنا ...
ابتسم جامي وعاد ينظر إلى والدته التي فتحت عينيها ببطء فقالت الجدة العجوز وهي تمسح على شعر ابنتها في حب :
- آيريس يا عزيزتي أخيرا سوف يلتم شملك بعد كل هذه السنوات ..
لم تصدق عينيها وانتفضت من فراشها لتعانق صغيرها الذي أصبح رجلا قويا .. أخذت تمسح على وجهه وتنظر في عينيه غير مصدقة أنه ذلك الرضيع الذي تعتقد انه مات منذ تسعة عشر عاما ..
- جامي يا قلب أمك .. هل انت بخير؟؟ ووالدك هل أصبح عجوزا مثلي ؟؟ واختك تانوها ؟؟ هل أصبحت في العشرينات؟؟ هل تزوجت؟
كانت تسأل بفرحة ولكن جاميان صمت قليلا ثم قال :
- لقد فقدنا تانوها منذ أعوام كثيرة .. حتى انا لم أعرفها يوما ..
أصيبت الأم بخيبة الأمل .. ولكنها لم تكف عن الابتسام في وجهه وسألت :
- ووالدك؟ لقد اشتقت إليه كثيرا ..
- إن أبي كاد يصاب بنوبة قلبية عندما أرسل جيرودا الرسالة التي تخبرنا فيها بانك بخير ..
- جيرودا ؟؟ هل قابلته ؟؟ كيف التقيتما ؟؟
قص جاميان عليهم كل ماحصل وانه بالفعل لم يقابل جيرودا فعليا، وقال جاميان :
- إن اخي ذكي جدا لأنه عرفني وتصرف بتلك الطريقة .. أنا سعيد جدا لأنه شقيقي الأكبر ..
كان على جاميان الرحيل في ذلك اليوم ليلحق بموكب السفراء العائد إلى بانشيبرا وكان قد أخذ كل أوراق الهوية المزيفة لوالدته ولكن ردها احبط جاميان :
- جاميان الوقت ليس مناسبا لكي أعود على بانشيبرا .. أخوك كيف سيعود ولن يجدني ؟
رد جاميان بعصبية :
- لا يا أمي ستأتين معي وجيرودا سيلحق بنا فيما بعد!
نظر جاميان إلى خالته وجدته متستغيثا، فقالت جدته تكلم آيريس :
- آيريس ماهذا السلوك .. هل ترفضين الذهاب إلى عائلتك ، وديوفري الذي لم نكن ننام الليل بسبب بكاؤك عليه .. ألا تودين رؤيته ..
أجابت آيريس وهي تنظر إليهن بحزن :
- ولكن هل سأترككن في الحرب هكذا ؟
- أنت ستعودين إلى منزلك يا آيريس ونحن لا تخافي علينا تعلمين أن أخوك إلى جانبنا دائما ...
صمتت آيريس في استسلام وقفز جاميان يعانق جدته وخالته ويصيح :
- شكرا لكن، صدقاني سأعود مجددا لزيارتكن وسأصطحب معي عائلتنا الجديدة..
فرحت الجدة ومسحت على شعره ثم تساءلت :
- لكن يابني، رغم أن أخوك يكبرك بعام وحد إلا أنني أراه أكبر منك بكثير وانت تبدو لطيفا ووديعا كقط صغير ! أنا خائفة فعلا عليك!
ضحك جاميان وقالت آيريس :
- يا أمي الشكل ليس مهما أبدا .. وأظن ان جامي قوي مثل أخيه ..
وبعد أن ودعت آيريس والدتها وشقيقتها وذرفت الدموع انطلقت مع ابنها الصغير عائدة إلى بانشيبرا مع موكب السفراء ..
وبالفعل كانت الخطة محكمة جدا ودخلوا مع الموكب إلى حدود بانشيبرا بسلام وعندها قال جاميان :
- الآن سوف نرى والدي أكيد أنه سيستقبلنا..
وضعت آيريس يدها على قلبها وقالت بسعادة:
- أنا خائفة أن أموت قبل هذا اللقاء ..
قال جاميان مازحا:
- سأرى مراهقين يلتقيان بعد غياب .. هههههههههه
- ولد !
ضحك جاميان وهو يمضي بصحبة أمه وقتا ممتعا وعندما وصلوا إلى العاصمة بانشيبرا ورأت آيريس ديوفري ينظر بشوق إلى مركبة جاميان ..
فتح ديوفري باب آيريس وظل يحدق بعض الوقت بآيريس بنظرات لا مثيل لها تحمل الحب والشوق واللهفة والانتظار .. حتى إن آيريس أغلقت عينيها الدامعتين ..
نظر جاميان بفرح إلى والديه ثم فتح باب مركبته وانطلق بعيدا ...
قالت آيريس تحرك الجو المشحون :
- لقد أصبحت رائعا يا ديوفري، تعجبني تلك الخصلات الفضية التي ظهرت في شعرك ..
التف ديوفري حول المركبة وجلس مكان جاميان ثم قال باسما :
- وانت ، رائعة كما كنت لم تتغيري أبدا ..
شعرت آيريس بالفرح .. وكأنها عروس صغيرة في ليلة زفافها ...
ومن بعيد ألقى جاميان نظرة خاطفة على مركبته .. وابتسم لأن تلك المهمة كانت الأفضل والأخطر على الإطلاق ..
----------------------------------------------------------------------------
مضى بعض الوقت ..
كان جاميان لا يعلم أي شيء عن أخيه جيرودا ، ولكن بعض الجنود من بانشيبرا تشاجروا مع جنود تيمالاسيا مما أدى إلى مقتل بعض الجنود فعادت الحرب مجددا، سئم الكل من وضع الحرب ... حتى جاميان نفسه ..
صار الأمر معضلة حقيقية وقال جاميان لوالده ان على الجنود الا يتحاربوا ويقتلوا انفسهم من اجل الملوك ..
كان حلم توقف الحرب قد استمر قرابة العشرين عاما ... وظل الحلم يتلاشى حتى قرر ملك تيمالاسيا العجوز احتلال بانشيبرا ...
المظاهرات تملأ الشوارع سكان بانشيبرا ينددون بالحرب التي طالت والقرارات الغير مسؤولة ، سكان تيمالاسيا لا يستطيعون الاحتجاج خوفا من حرب أهلية داخل المملكة الكبيرة بين مؤيدين ومعارضين ..
صار الموقف بين الجيشين سيء جدا ... مات الكثير من الشباب هدرا..
وكان ذلك اليوم الذي ذهب فيه ديوفري لقيادة الجيش الرئيس المتوجه إلى حدود برودجيا ..
عين جاميان جنديا مساعدا في الجيش الثاني ، كان تواقا لأن يذهب إلى الحرب مع والده لكن الحظ لم يحالفه ..
بعد أن ودع ديوفري عائلته الصغيرة، إنطلق ...
وشعرت آيريس أنها بشعور سيء جدا ..
بعد القليل من الوقت كان جاميان يتجهز للذهاب مع الجيش الثاني، قال قائد الجيش بصرامة لجاميان:
- ايها الجندي .. هناك أوامر ببقاءك مع المهندسين في غرفة الاتصال، لقد عينت مساعدا غيرك ..
بكل الغيظ والحقد والانفعال والغضب كان على جاميان أن يطيع الأوامر، هكذا هو الجيش ، وعاد جاميان إلى غرفة الاتصالات ضيفا عليها وجلس وهو على وشك البكاء فقد كان يعتبر تنحيته من القتال تشبيها له بالأطفال ..
قال رئيس الإتصالات يحدث جاميان الذي احتقن وجهه من الغيظ :
- لا تقسو على نفسك ايها الشاب ، لقد خاف عليك والدك من المعركة الأخيرة.
نظر جاميان بذهول إلى مهندس الاتصالات الذي عاد إلى عمله ..
وفي الحال كان شعور جاميان خوف يعتصر قلبه على والده، هل هذا بسبب كلمة المعركة الأخيرة؟؟
وفي خلال دقائق كان جاميان قد هرب خارج الثكنة العسكرية المغلقة ، لم يجد جاميان أي مركبة تقله إلى أرض المعركة ولذلك فضل الركض السريع حتى يصل إلى موقف مركبات الجيش ..
لم يهتم بأنه خالف القوانين فقد كانت روح والده بين عينيه ..
وعندما وصل إلى أرض المعركة .. كان الأوان قد فات بالفعل ..
أشلاء جيش بانشيبرا تنتشر في كل مكان، كان هناك الكثير من قتلى تيمالاسيا لكن البانشيريون ماتوا بالجملة ..
صرخ جاميان :
- لاااااااا ... لاااااااااااااااا
لم يكد يصدق عينيه وهو يرى الجند قد طحنوا بعضهم بتلك الطريقة .. وظل يبحث بين الجثث ..
- أبي ... أين أنت ؟؟ أعلم أنك لست هنا اليس كذلك ؟؟؟
كان صدى المدافع يضرب بعيدا .. نعم الجيش الثاني .. أين هو؟؟ ربما انضم لفلول الجيش الأول ..
أبي هناك .. أسرع يا جاميان ..
هكذا قال جاميان في نفسه ..
ولكنه تعثر في الجثث وسقط وكانت المفاجأة الأعنف في حياته بانتظاره..
كلم نفسه بهستريا مسموعة وهو يرى أحدى الجثث :
- هذا ليس أبي .. لا إنه لايشبهه ..
اتحشدت الدموع في عينيه على الرغم منه وصرخ بأعلى صوته وهو يضم والده بقوة .. أبــــــــي .. لااااااااا
أمسك جاميان بوجه والده ودموعه تغسل وجهه ..
- لماذا يا أبي ؟؟ لماذا لم تجعلني أموت معك ..
سقطت دمعات حارة على وجه ديوفري الذي ودع الحياة فأسالت بعض الدماء الجافة ورأى جاميان والده يمسك بالصورة القديمة التي طالما نظر إليها ،، لقد امتلأت بالدماء واختلفت معالمها ... صرخ جاميان بحرقة ...
و بقي وهو يضم والده ويبكي وقتا طويلا .. بكى مثل الأطفال وكانت الريح جافة شديدة كصفعات متتالية على وجهه ..
وبكل الحقد والحزن الذي حمله جاميان توجه إلى أرض المعركة وقبل ان يصل هناك حدث أمر رهيب جدا ... لم يكن في الحسبان ..
جنود تيمالاسيا يقفون على الحدود محاولين حراسة أراضيهم وهذا الولد النحيل جاميان يقترب من بعيد ..
ودارت رحى المعركة الأعنف في تاريخ جاميان وحوله تجمع عشرات الرجال الذين لم يستطيعوا النيل منه .. لم يتخيل أحدهم أن القوة الداخلية تفوق أي شيء ..
بعد ساعات من القتال لم يتعب جاميان وتوقف في الوسط حيث تنتشر الأشلاء حوله لم يشفى غيظه بعد وفعل مافعل .. كان مصابا ولكنه لم يعد يرى أمامه فقد أعمى الغضب بصيرته ليكتشف قوته الحقيقية ..
في تلك الأثناء كان الجيش الثاني قد نال من التيماليين ..
وكان جيرودا يقف على حدود برودجيا عندما تلقى رسالة نجدة لا سلكية من أحدهم .. وعندما توجه إلى هناك حيث صنع جاميان جسرا مفزعا من رؤوس التيماليين ..
شهق جيرودا غير مصدق لما يراه من الأجساد التي لا تحمل رؤوسها وعندها رأى جاميان يقف بتعب على ضفة جسر الرؤوس الأخرى ..
لم يستطع جيرودا تجميع أي فكرة عما يحصل لكن برأيه أن الأمر كان مروعا وكأن جيشا بانشيريا كان هنا ..
صرخ جيرودا بكل قوته :
- هل أنت جاميان ديوفري؟؟
حدق جاميان بتعب ومر من فوق جسر الرؤوس الذي صنعه .. وعنما رأي جيرودا لم يعرفه وأخذ سيفه وهو يقول بغيظ :
- أقسمت أنني لن أترك أي تيمالي ..
كان جيرودا يحاول قول أي شيء ولكن جاميان انقض عليه كالنمر المفترس ...
----------------------------------------------------------------------------
عندها لم يتمكن جيرودا إلا أن يدافع عن نفسه.. لأن جاميان لم يعطه أي فرصة للكلام ..
كان جيرودا قويا جدا ولم يسمح لجاميان بأن ينال منه .. وعندها تعثر جاميان في حجر وسقط وبسرعة فأخذ جيرودا سيفه ورماه بعيدا ..
وصاح قائلا :
- إنه أنا أخوك ، أنا جيرودا ..
نظر جاميان حوله وكأنه أفاق فجأة من حلم غريب وعندما نظر إلى شقيقه احتشدت الدموع في عينيه وقال وصوته يرتعش :
- لقد قتلوه ... قتلوا والدنا يا جيرودا ..
اعتلت الصدمة جيرودا الذي آمل أن يرى والده ويعيش معه كان يتمنى أن يشعر أن له أب أخيرا يضمه ويفتخر به بعد ان تربى يتيما ..
انعقد لسان جيرودا وفقط نزل إلى أخيه المنهار وضمه بقوة محاولا منع دموعه من النزول ...
*******
قالت آيريس تخاطبني بعد أن قصت لي تلك القصة المحزنة :
- بموت ملك تيمالاسيا بعد الحرب الأخيرة انتهت الحرب تماما وعادت الحياة
كما كانت ، ليس تماما ولكنها صبحت أفضل بكثير بعد حلول السلام .. انضم جيرودا باسم " تالتن ماكنزي " إلى صفوف جيش بانشيبرا ليبقى إلى جواري وإلى جوار جاميان .. وهكذا ظلا يتنافسان ويحثان بعضهما بدون أن يكتشف أي شخص أنهما شقيقان وقد ساعد على ذلك اختلافهما فجيرودا يشبهني وجاميان يشبه والده .. بذلا أقصا قوتهما خلال العام الأخير وحصلا على أفضل جنديين على الإطلاق في مملكة بانشيبرا ، وهذا بالطبع بفضل روسو والدهما البديل ..
كانت دموعي على وشك النزول فالقصة كانت مؤثرة جدا وقلت باستغراب :
- لكن لماذا قالوا لي ان جاميان حنط والدته ؟؟
ضحكت والدة جاميان كثيرا .. ضحكت من قلبها ثم قالت:
- بالطبع أنت تعلمين أن بعد حادثة جسر الجماجم تلك ظهرت الكثير من القصص حول جاميان وإشاعات تقول أنه قتل والدته وحنطها .. وأن هناك ساحرة وضعت له لعنة وما إلى ذلك .. انتشرت لأن جاميان لم ينفيها ..
قلت بحماس :
- نعم هذا غير صحيح .. لقد قلت من البداية أن جاميان ليس من هذا النوع ..
ابتسمت والده جاميان وقالت:
- إن جاميان شاب رقيق المشاعر ولكنه يحاول أن يبدو صلبا دائما .. إنني الآن السيدة ماكنزي والدة الجندي تالتن لذلك فجاميان لا يتصل بي ابدا ولكن جيرودا يفعل ذلك ويطمئنني على آخر أخباره ..
قلت باهتمام :
- هذا سر كبير جدا ..
- لا أحد يعرف أن جاميان وجيرودا شقيقان، سوى جارتي العجوز الطيبة " لويبا " ..
ابتسمت آيريس والدة جاميان وهي تقول ذلك ..
تذكرت جاميان عندما قال جارتك العجوز الشمطاء فابتسمت ..
ثم نظرت إلي وقالت :
- وأنت ؟؟ أنت لم تحكي لي أي شيء عنك .. مثلا كيف هو كوكب الأرض .. قيل لي أن في الليل يظهر قمر أبيض في السماء هل هذا صحيح ؟؟
- نعم صحيح .. كوكبكم لا يتبعه أقمار أليس كذلك ..
- نعم إنه مظلم جدا في الليل لولا بعض النجوم القريبة ..
هكذا مضى الليل ونحن نتحدث وحكيت لها عن أمي وأبي وعندما ماتا بحادث الطائرة الخاصة، وكيف أنني لم أذهب معهم في اللحظة الأخيرة ..
قصصت لها ما يفعله أعمامي بي وبورث والدي، وحكيت لها عن صديقتاي إيميلي وميرندا ..
كان الحديث معها ممتعا جدا وشعرت بأنني كنت اتحدث مع أمي كما في الماضي ..
وبينما نحكي بعض الحكايات طرق الباب بقوة شخص ما ..
وضعت يدي على صدري بفزع ووقفت آيريس لتفتح الباب ..
وعندها وقفت بسرعة ونظرت من النافذه ..
وفي الخارج رأيت سبعة أو ثمانية من الجنود البانشيريون ..
وسقط قلبي في يدي وكأن جسدي يرتجف من الخوف ، كيف عرفوا مكاني؟؟
--------------------------------------------------------------------
|