المنتدى :
الاسرة والمجتمع
الحماه
الحماة.. أمٌّ ثانية
الاتحاد مطلوب، وفيه البركة، ونقيضه الاختلاف مرفوض وفيه الشر كله، والنصوص الحاثة على الوحدة والاتحاد أكثر من أن أحصرها في هذه العقالة..
وهل يمكن أن نحلم بالوحدة في الأمة (وهو واجب شرعي كما أسلفنا) إذا كانت الأسرة التي تمثل وحدة بالنسبة للأمة، تعاني فرقة وتشرذماً واختلافاً؟ إنه لأمر محال، لذلك سنحاول أن نعالج من خلال هذا المقال وما يليه الخلافات الأسرية وفق الأصول الشرعية والأسس المنطقية لإيماننا بأن وحدة الأمة لا يمكن أن تتحقق إن لم يتم إضفاء هذا الطابع على الأسرة التي تعتبر خلية له، والطبيب الناجح يبادر إلى معرفة مسببات المرض ثم يباشر العلاج، والعلاج الناجع هو ما يتناول الخلية قبل أن يتناول العضو الذي يتكون من خلايا عدة.
تحلم الفتاة في بيت أبيها ببناء عش الزوجية، وإنجاب الأبناء، والاستقرار في بيت يكون مملكتها الخاصة، التي لا ينازعها في ملكها أحد. ويظل الحلم محتفظاً بجماله وشاعريته، حتى إذا تحول إلى حقيقة اختلفت قليلاً عن الحلم، بوجود أم الزوج، انقلب كابوساً مرعباً، فما السر في ذلك العداء الذي تكنه المرأة لأم زوجها؟ وهل لهذا العداء أساس من الصحة؟
لا شك في أن ديننا الحنيف أوصانا باحترام الكبير وتوقيره ومد يد المساعدة والمساندة المعنوية والمادية إلى كل من هو في حاجة إليها، هذا بشكل عام، فما بالك بالأم، تلكم المخلوقة الرقيقة، التي فرحت بمولودها الذكر، لا لشيء إلا لأنه سيكون الذخر والعون عندما يشيب الرأس وينحني الظهر ويشحب الوجه، حتى إذا صار الصغير كبيراً سعت لانتقاء أفضل البنات لتكون زوجة له، وأماً لأحفادها.
وكم يزداد على الأم الإحساس بالألم عندما تلقى ما تلقى من سوء معاملة زوجة ابنها، خاصة إذا كانت تشاركهم المسكن والمأكل والمشرب.
إن مشكلة العداء الأزلي بين الزوجة وأم زوجها، لها أبعاد وأطراف متداخلة ومتشابكة، وليس ثمة خروج من متاهتها إلا في ظل الوعي بدور وأهمية الأم والزوجة كل في موقعه.
وما أكثر القصص الواقعية التي تسردها أمهات ألقين في دور المسنين والعجزة، حول مخططات ومكائد زوجات أبنائهن، فهل من وسيلة للتعايش السلمي بين الطرفين؟
لا شك أن ديننا الحنيف قد أحاط بكل المشكلات، ووضع الحلول المناسبة لها، بل رسم معالم الوقاية قبل وقوعها، وتجنب التلبس بها.
وهذه بعض النصائح التي هي في الحقيقة مفاتيح لأبواب السعادة الزوجية.
1 أن تعتبر أم زوجها أماً ثانية لها، وكم ستغبطها الأخريات لذلك، وإذا حاولت زرع ذلك الشعور في نفسها، وغذته بمشاعر الحب التي تستتبعها تلك البنوة، فسيدفعها ذلك الشعور للإحساس بواجباتها تجاه تلك الأم.
2 أن تذكرها بكل خير، في وجودها وعند غيابها، لا سيما أمام الأقارب والجيران وغيرهم، لما يشعر تلك الحماة بصدق مشاعر زوجة ابنها.
3 تفقُّد أحوالها وتلبية رغباتها وزيارتها إذا كانت مستقلة في السكن وحدها، وحمل الهدايا ولو كانت صغيرة، كباقة ورد أو كعكة تصنعها الزوجة بنفسها.
4 أن تغرس الزوجة في أبنائها حب جدتهم، وعظم مكانتها، ويكفي أنها أم أبيهم الذي يحنو عليهم ويرق لحالهم، والطفل لا يجيد النفاق والخداع والتظاهر بالحب، إنما يكون ذا فطرة خالصة غاية في النقاء، فإذا علت وجهه علامات الفرح بزيارة جدته، كان ذلك مؤشر خير، وأصدق دليل على نبل مشاعر تلك الزوجة وحسن تربية أهلها لها.
5 احترام الخصوصية بين الزوج وأمه، فلا تحشرن الزوجة أنفها فيما بينهما من أسرار وأخبار.
6 ولا شك أن ابتسامة من وجه طلق، تزرع المودة، وتذيب جليد التوتر الذي قد يشوب العلاقة بين الزوجة وحماتها.
وهذه النصائح لا تمتثل لها إلا زوجة واعية، تدرك عظم حق الأم على ولدها، وأن مراعاة زوجها وتفقده لأحوال أمه، ينبغي ألا تقلقها بل إنها الطريق لسعادة الأسرة بأكملها، وكيف يوفق الله ابناً لا يراعي حق أمه؟ وكيف تُظلُّ السعادة بيتاً أهملت فيه أم قد تكون طاعنة في السن؟.
إن وعي الزوجة ينبثق من عميق إيمانها الصادق، الذي يولد الصدق في مشاعرها تجاه جدة أبنائها، ووعيها يحتم عليها التصرف باحترام ولباقة معها وإن أساءت ناسية أو متعمدة إليها. فإذا تسلحت الزوجة بالصبر ثم الصبر في معاملتها، فإن ذلك لا يضيع عند الله تعالى وإن ضاع عند الناس.
وأما أم الزوج فعليها أن تغفر الزلات، وتقيل العثرات، وتعتبر زوجة ابنها بنتاً ساقتها الأقدار هدية رائعة، لتكون فرداً من أفراد الأسرة يتمتع بخصوصيات وحقوق تُحترم ولا تنتهك، وأن مردود الهدنة والهدوء ستتمتع به الأسرة بأسرها.
وإذا أقرت الحماة وزوجة ابنها بحق كل منهما في حدود ما أقره الله سبحانه لتلاشت تلك العداوة، ولحلت محلها مشاعر الصفاء والود.
وإذا أحسنت الأسرة تربية البنت منذ نعومة أظفارها، وغذتها بالتوعية والمعرفة الكاملة لمنظومة الحقوق والواجبات، لاستطاع المجتمع أن يحيا في سكينة منشؤها تقوى الله، ومراقبته فيما نفعل ونعزم على فعله، وعلى الجميع إيضاح حقيقة أن المرأة كائن لطيف والذكور كأزواج وآباء وإخوة، مأمورون بالإحسان إليها قدر المستطاع،
|