كاتب الموضوع :
وحده فاضيه
المنتدى :
الارشيف
في مرسم رافائيل سانزيو
لندخل الآن إلى بيت جيل قائم على صفح ؟" بينشيو" إحدى روابي روما في الطابق الأول من هذا البيت
غرفة فسيحة يدخل إليها النور امواجا زاهية: إنها مرسم رافائيل سانزيو
كان الفنان بمساعدة شاب من عمره منهمكا بإنزال اللوحات التي كانت تملأ جدران المرسم وكان الشابان
كلما أنزلا لوحة يربطانها بحبل ثم يدليانها عن الشرفة إلى عربة كانت مقيمة أمام العتبة فيستلقيها عامل
ويشرع في تنضيدها في مكانها حتى أنه ليبدو أن القوم مزمعون على رحيل وكان الشابان أثناء عملهما
يتحدثان. فقال صاحب رافائيل: إذن سأنقل لك هذه اللوحات إلى فلورنسا.؟
- نعم يا عزيزي ماكيافيللي وإني أرجو أن ألقى مساعدة هناك بفضل أستاذي الرسام " باريجان"
- سأعمل على نقل هذه الكنوز إلى فلورنسا في مدة أقصاها خمسة عشر يوما وسأكتب لك يا
سانزيو
- شكرا يا ماكيافيللي أعلم انه باستطاعتي الاعتماد على صداقتك ولكن لماذا لا تنتقل أنت
بنفسك إلى هناك لكي نلتقي معا؟ إن فلورنسا هي دماغ إيطاليا
فهز ماكيافيللي رأسه وقال: سأذهب يوما ما إلى هناك لكي أرتب ملاحظاتي وأبدأ الكتاب الذي أفكر به
دائما ولكنني واجد هنا مادة للكتابة لا أجدها في أي مكان آخر
- وما ذا تعني.؟
- أعني أنني لن أجد نموذجا لكتابي خيرا من بورجيا يا له من مجرم أصيل! وياله من مثال رائع
للحاكم المستبد الذي يوحي للشعب بفظاعة الاستبداد! آه لكم أنا سعيد بالتراجع عن طعن بورجيا بخنجري
لأنني أريد أن يكون كتابي طعنة نجلاء في صميم الطغاة! أريد أن أصور الطاغية صورة قبيحة حتى تقسم
الإنسانية بأن تتخلص إلى الأبد من جميع امرائها وجميع ملوكها أتفهم الآن يا رافائيل لماذا أريد البقاء في
روما على مقربة من أعمال هذا المسخ الذي يدعي بورجيا؟
ورفع ماكيافيللي إلى جبينه يده المحرقة ثم عاد فجأة إلى رافائيل الذي كان يتأمله فقال: اغفر لي لأنني
تركت نفسي تثور على سجيتها بينما أعلم أن أخطارا جمه تحيط بك ولكن قل لي بماذا أنت تفكر واجما؟
فارتعش رافائيل سانزيو ارتعاشه قوية وتمتم وقد استولى عليه قلق مفاجئ: أني أفكر بروزيتا
- حبيبتك لافورنارينا؟ ولكنك لم تقل بي ما هي أسباب رحيلك من هنا؟
- إن الدقائق ثمينة الآن يا ماكيافيللي ولكنك ستعرف السبب يوم تتبعني أما اليوم فاعلم فقط أن
روزيتا مهددة بخطر رهيب إذ أن ما روته لي البارحة الماغا ساحرة حي الغيتو قد صعقني صعقا ولسوف
نكون أنا ولافورنارينا غدا عند الفجر بعيدين عن روما أما الوقت الذي سيسبق سفرنا فإننا سنشغله بحفلة
الزواج الليلية التي لن يحضرها أحد غير الشهود
- فليكن كذلك! ومتى يعقد الزواج؟
- في هذه الليلة في كنيسة الملائكة الصغيرة على مدخل حي الغيتو حيث كانت لافورنارينا
مطروحة هناك ساعة وجدتها الماغا الساحرة في هذه الكنيسة ستصبح روزيتا امرأتي
- في أيه ساعة؟
- عندما يحتفل بالقداس الأول أي في الساعة الثانية صباحا بعدئذ سنترك روما سرا على
الأقدام حتى نصل على المركبة التي ستنتظرنا في المكان الذي تعينه أنت
- كن مطمئنا سكون كل شيء جاهزا ثم إني أملك خمسين ذهبية خبأتها في درج هل انت
بحاجة إليها؟
- كلا أنني غني الآن لأنني قبضت البارحة من خازن البابا ثمن لوحتي : العذراء الجالسة على
كرسي
وكان تنزيل اللوحات قد تم فودع الصديقان أحدهما الأخر على أمل أن يلتقيا في حفلة كنيسة الملائكة
لأنهما اتفقا على أن يكون ما كيافيللي إشبينا لفورنارينا ثم انتقل رافائيل حالا غلي كنيسة الملائكة ودخل
إليها وكان متجها نحو السكرستيا عندما أبصر راهبا يخرج منها وقبعته نازلة على عينيه فاقترب رافائيل منه
قائلا: أتستطيع يا أبت أن تخبرني إذ كان كاهن هذه الكنيسة موجودا الأن؟ فرمقه الراهب بنظرة سريعة
وندت عنه دهشة أخفاها بسرعة ثم اجاب قائلا: الكاهن مريض وأنا أحل مكانه هل لك حاجة؟
- الموضوع يا أبت يتعلق بالزواج
- حسنا يا ابني وماذا يلزم؟
- أن يكون الزواج متواضعا بلا بهرج ولا ضجة لذلك فإن الخطيبة راغبة في أن يتم الزواج أثناء الليل
- أنت هو الخطيب؟
- نعم يا محترم
- والخطيبة من هي؟
- ستعرف اسمي واسمها في الوقت الضروري
- حسنا حسنا يا ابني! وانت أيضا تريد أن يتم هذا الزواج في الليل؟ ربما أردتما أن يظل سريا؟ لا
تخف يمكن أن تبوح لي بكل شيء يا ابني!!
- نعم يا أبت الجليل يجب أن يظل هذا القران سريا
- حسنا حسنا لدينا قداس في الساعة الواحة ليلا وقداس آخر في الساعة الثانية
- هذا الأخير يوافقني
- أحسنت الاختيار ولكن متى؟
- في هذه الليلة يا أبت
- إذن عليك أن تحضر هذه الليلة عند الساعة الثانية مع خطيبتك ومع شاهدين ولوسف أكللكما
فشكر رافائيل الراهب واندفع إلى الخارج أما الأب المحترم فقد انتظر ابتعاد الشاب ثم اتجه مسرعا نحو
السكرستيا حيث كان هناك كاهن عجوز منهمك بترتيب إحدى الخزائن فالتفت إليه الراهب وقال: أيها الأخ
دومينيكو عد إلى بيتك الآن
فرفع الكاهن السمن نظرة تعجب على الأب المحترم الذي تابع قائلا: إنك مريض اليوم!!
- هل أنا مريض يا دون كاركونيو؟
- أجل وحتى نهار الغد أفاهم أنت؟
فانحنى الكاهن المسن بتواضع جم وتمتم قائلا: لتكن مشيئتك يا دون كاركونيو ! أما دون كاركونيو فقد قال
له : منذ الصباح يمكنك أن تعود إلى الكنيسة ولكن حتى ذلك الحين إياك أن تغادر السرير
فسلم الكاهن العجوز مفتاح الكنيسة للراهب ومضى مبتعدا عندئذ خرج الراهب بدوره فأغلق بالمفتاح
الكنيسة ثم انطلق مسرعا على طريق الفاتيكان
.........
- إنها الساعة الواحدة .... ناموا بسلام يا سكان الحي!!!
هذا ما صاح به حارس الليل على مدخل حي الغيتو أما رافائيل سانزيو وخطيبته روزيتا لا فورنارينا الصغيرة
فقد كانا في بيت الماغا يودعان الساحرة العجوز وكانت الماغا تعزي لافورنارينا الباكية بين ذراعيها والتي
كانت تجهش قائلة: أمي أرجوك تعالي معنا . فأجابتها الساحرة بصوت قاس تقول: يجب أن أبقي هنا !
ولربما تبعتكما بعد قليل لأن عملي العادل لم ينته بعد ....
لقد كانت هذه الكلمات تحتوى معنى التهديد واضحا ولكن ترى من هو المقصود بهذا التهديد؟ هذا هو
السؤال الذي طرحه رافائيل لحظه على نفسه ولكنه سرعان ما عاد إلى الواقع فقال بصوت متأثر: كما
تشائين أيتها الماغا إلا أن الظل سيعكر سعادة روزيتا إذا لم تكوني بقربها وإننا نعدك إذا عشت معنا بأننا
سنجعل شيخوختك سعيدة وقالت لافورنارينا:
- أجل كيف يمكنني العيش بعيدا عنك ؟
فتنهدت الماغا واربد وجهها ثم قالت: اذهبا ايها الولدان لقد حان الوقت ؟
فقال رافائيل: ولكن لا تنسى وعدك لي بأنك ستخبريني من هم الأعداء الذين يهددون حياة روزيتا ومن هو
ابوها
- من هو ابو روزيتا؟ ستعرفه عندما يحين ذلك أما الآن ففكرا فقط بحبكما وأسرعا في الهرب إلى
روما !
- سنكون في فلورنسا بعد أيام قليلة
- حينئذ فقط يمكنني أن أتنفس الصعداء .... هيا اذهبا!!
وضمت الماغا روزيتا بتأثر شديد ثم انسحبت بسرعة إلى الغرفة المجاورة أي إلى غرفة لافورنارينا الصغيرة
والدموع تنهمر من عينيها وعندما مضى الحبيبان جلست القرفصاء وحيدة ورأسها على ركبتيها والألم العظيم
يستبد بتقاسيم وجهها ثم راحت تتمتم في نفسها قائلة: الآن انتهى كل شيء فقد ذهب فرحي وطارت
سلوتي وتعزيتي وتلاشي وامحى كل ما كان في حياتي المظلمة من بقايا الطهر والألق وها قد دقت
الساعة لكي انتقم من نفسي!
وكانت الساعة قد قاربت الثانية عندما بلغ رافائيل وروزينا كنيسة الملائكة وإذا بهما يشاهدان في مؤخرة
صحن الكنيسة معبدا جانبيا تنيره شمعتان بضوء شاحب بينما وقف الشهود منتظرين وهم اصدقاء
لماكيافيللي ورافائيل عندئذ خرج من السكرستيا كاهن وبرفقته صبي لخدمة القداس أما المكان فقد كان
يجثم عليه صمت جليدي
وجرى الاحتفال بالقداس بطريقة سريعة ولم يكد يتبادل الخطيبان مجبسيهما حتى اقترب ماكيافيللي من
رافائيل قائلا له: العربة منتظرة قرب الباب الفلورنسي خارج الأسوار وسأنطلق الآن لأفتح الباب فعليك انت أن
تسرع
ثم اختفى الشاب فخرج رافائيل سانزيو ورزيتا من الكنيسة واقترب منهما الشهود فحيوا العروس مهنئين ثم
ابتعدوا فبقى رافائيل وروزيتا وحيدين ولم تمض لحظات حتى أخذا يجدان السير في شارع ضيق كثير
التعاريج .. غير أنهما شعرا فجأة أن خمسة عشر شبحا انتقضت من حولهما من الأمام ومن الوراء واقبلت
تطوقهما فشهر سانزيو خنجره بينما صرخت روزيتا صرخة قوية من الرعب ولم يفه رافائيل بكلمة ولكنه انحنى
على امرأته فحمها بذراعه فحملها بذراعه بينما راحت ذراعه الثانية تهوي بالخنجر على جماعة انتصبوا أمامه
إلا أنه لم يكد يخطو خطوتين حتى هوى متدحرجا على الأرض لأنه أصيب بضربة على راسه ولم يسمع بعد
ذلك إلا صرخة استغاثة يائسة ثم أغمي عليه !!!
........
عندما استرد رافائيل وعيه كان الليل ما يزال منسدلا على المدينة لذلك فقد شاهد النجوم تلمع هنالك عاليا
بين السطوح ولكنه لم يلبث أن نادى بصوت حزين متأوه يقول: روزيتا!! روزيتا!!!
ثم أخذت يداه تتلمسان في الظلام وإّذا بمشاعر الحقد تنتابه وتشحذ قواه فيستطيع النهوض على ركبتيه
وينظر حوله سارد البصر ثم ينادي من جديد: روزيتا! ولكنه لم ير شيئا ولم يسمع أحدا يجيبه وإذا بالحقيقة
الرهيبة تبرز واضحة في ذهنه : لقد اختطفوا روزيتا !! ولم يبق له سوى امل واحد هو أن يخبر الماغا بما
حدث لأن الساحرة كانت تعلم أشياء كثيرة وهي تعرف ولا شك من يهمهم اختطاف لافورنارينا إذ أنها كانت
قد اخبرته بأن بقاء الفتاة في روما إنما يعرضها إلى خطر جسيم ناصحة إليه الهرب إلى فلورنسا.
عندئذ تحامل رفائيل على نفسه وهو ما يزال طائشا تحت تأثير مقبض السيف الذي هوى على رأسه وسار
مترنحا في طريق حي الغيتو حتى وصل إلى بيت الساحرة فدخله مسرعا وإذا بأحد المشعلين قد لفظ
أنفاسه الأخيره وإذا بالصندوق مفتوح وجواريره مبعثرة بالقرب منه فصاح بصوت مبحوح من القلق يقول:
ماغاااا!!!
ما غا!! ثم اندفع نحو غرفة روزيتا فإذا هي فارغة وإذا بالماغا قد اختفت ولم يبق له أثر في البيت
|