كاتب الموضوع :
وحده فاضيه
المنتدى :
الارشيف
أما قيصر بورجيا فقد كان في الواقع عند البابا اسكندر بورجيا الذي كان في ذلك الحين شيخا في السبعين
من العمر يحمل وجهه " المتموج المتلون" دلائل دبلوماسي داهية ولقد كان يلمع في عينة السوداء خفة
مدهشة ولهب حيلة فظة كما أن السمات العنيفة كانت بارزة على هذا الوجهه الخالي من شحوب
الشيخوخة والذي يبدو كأنه مشوي بالشمس ,
ولقد كانت قامة اسكندر هذا فوق الوسطى فهو كان يقف منتصبا رغم أنه أحيانا كان يتظاهر بانحناء الرأس
دلالة على ثقل التفكير ولقد كان أيظا يظهر ريعانا جما فتظهر أصولة الإسبانية في عينه القاسية المتعالية
وفي فمه الكاز وفي حاجبيه الكثيفين لقد كان الباب في شبه مصلي مخشوشن الأثاث يجلس في أريكة
واسعة ذات ظهر مرتفع منقوش فوق مخدة مخملية وكان يقف أمامه شاب لم يكد يجتاز بسنه العشرين
بينما راح البابا يتابع حديثا بدأه منذ نصف ساعة وعيناه مسمرتان على لوحة علقت منذ وقت قريب على
الجدار وكان الشاب يتتبع نظر البابا باضطراب فقال البابا:
إنه جميل بل إنه رائع! لسوف تكون يا بني رافائيل راساما عظيما
فقال الشاب: هل قداستكم هي راضية عن هذه العذراء؟
- إنها مدهشة ! وإني لا أجد غير هذا التعبير لوصفها بل إنها عذبة وبسيطة جدا في كرسيها
الشعبية هذه كما أنها شديدة الأمومة في مداعبة يديها لابنها ثم ياللطفل يسوع ! هل يمكن تصوير طفل
أكثر نبلا وقداسة؟ هيا يا رافائيل مر على أمين خزانتي مع هذا الوصل الذي أعطيتك إياه غير أن أموال
صناديقي بأجمعها غير كافية لمكافأة موهبتك لأنني فقير فقير جدا
وكان الشاب الحديث السن ذو الجبين الناصع والعينين الحالمتين يستمع ببساطة إلى هذه النصائح وكان
على أهبة الخروج عندما أوقفه البابا بإشارة قائلا:
- ولوحة التجلي هل يتقدم عملك فيها؟
- فبدا القلق على رافائيل سانزيو الذي تنهد وقال بصوت منخفض :
- أكاد أيأس من هذه اللوحة ولربما لم تستطيع يدي أبدا التعبير عن فكرتي
- يجب أن تتشجع ! يبقى لدي كلمة واحدة يا رافائيل الرقيق: كيف تختار نماذجك ذات الحسن
الرائع ؟ ومن هي التي جلست أمامك لرسم هذه العذراء؟ لا شك أنها سيدة رفيعة المقام لأن رسمها
ينبئ عن نبل مدهش في شخصها .
فأجاب رافائيل: لتسامحني قداستكم! فأنا لا أجد بين السيدات الرفيعات المقام من تملك عذوبة هذه
الخطوط وأشعة النبل العميق التي تصدر عن النفوس العفيفة البريئة.
- ومن أين تأخذ إّذن نماذجك؟
- من الشعب الذي يعرف أن يحب ويتألم ويفكر
- إذن عذراؤك هي .........
- من بنات الشعب : عاملة متواضعة في فرن
فأطبق البابا المزيف عينه ثم قال ببساطة : حسنا يا رافائيل أريد أن أعرفها هيا اذهب آلان
فخرج الشاب بينما راح البابا المزيف يتمتم وعيناه مسمرتان على صورة العذراء الجالسة على كرسي:
- بلى يجب أن أعرف هذه الطفلة العفيفة البريئة وأن أحيي بعض الشرارات الكامنة في رماد
قلبي المسن أواه يا ليتني أحب مرة أخرى ولكن إذا كان الرسم يخلق في هذه الأحساسيس التي كنت
إخالها ميتة فكيف يفعل بي إذن النموذج الحي ؟ إنها عاملة في فرن؟ لا بأس ! فلسوف أخلق لها دوقية
وعنوانا أثيلا لكي تصبح أهلا لرجل من آل بورجيا وهنا استدار اسكندر السادس نحو باب وقال:
- أدخل!
ففتح الباب حالا وظهر قيصر
وسرعان ما طرأ تغير غريب على وجه البابا المزيف الذي بدا متألما شديدا إلا أنه كان من المستحيل معرفة
ألمه إذا كان جسديا أم روحيا وبعد إشارة منه جلس قيصر دوق فالنتينو الذي كان يؤلف بدرعه وجزمته
ووجهه الصلب وعينه اليقظى وفمه المجعد بابتسامة أباحية مفرطة نقيضا حادا لأبية ذلك أن قيصر كان يمثل
الرجل العنيد الفظ بينما كان هذا الأخير ينظر إلى ابنه بطرف خفي فيما كان قيصر يدق السجادة بجزمته
منتظرا وأخيرا تلفظ البابا قائلا:
- إذن يا ابني أكانت هذه الفاجعة تنقصنا ! وهل كان من القدر لي في آخر أيام حياتي ان ارى
احد أولادي يسقط قتيلا بخنجر مجرم بائس ؟ آه يا لشقوتي أنا الأب المسكين ! لأنني فقد أكثر أولادي
خضوعا بل خيرتهم على الأطلاق!
ثم مسح البابا المزيف عينيه اللتين كانت خاليتين من الدموع واستطرد قائلا:
- ولكن سوف يكون انتقامي رهيبا! أتعرف ما هو العقاب الذي يستحقه القاتل يا قيصر ؟
فارتعش قيصر وعبر ظل على جبنه ولكنه بقى صامتا فأمسكه اسكندر السادس بيده وقال: أريد عقابا
شديدا لأن القاتل أكان من الشعب أو من النبلاء أو سيدا من ذوي السلطان أو قريبا من أقاربنا يجب أن
يعاني التعذيب الذي امليت صيغته منذ برهة : تقتلع أظافرة ويبتر لسانه وتفقأ عيناه ويظل هكذا معروضا
على خشبة التشهير حتى يموت عندئذ يؤخذ قلبه وكبده فيرميان للكلاب ثم تحرق جثته ويلقى برمادها في
نهر اليبر!
أترى هذا كافيا يا قيصر ؟
- ولكنك أنت قلت ذلك
- أجل إلا أنك فكرت به أيظا
- لنفرض أن هذا صحيح فماذا بعد؟
- يجب أن توضح لي هذا الأمر : مع من كان فرنسوا يتآمر علينا؟ هذا أمر هام يجب أن أعرفه
- لا شك أن فرنسوا التعس قد اتفق علينا مع ألد أعدائنا
- سمهم يا أبي
في هذه اللحظه ارتدى وجه قيصر تعبيرا من الحقد جعل البابا يقول في نفسه" هذا هو ابني الوحيد" ثم
عاد إلى الفكرة التي ما زالت تشغله وهتف:
- أقول لك أسماءهم ؟ يالك من ساذج! لو استطعت إعلان أسمائهم لكانت المهمة سهلة إني
أعلم أن هناك من يتأمر علينا هذا كل شيء وأعلم أن الخونة كانوا واثقين بأخيك لترأف بنفسه العناية
الإلهية !
- ولكن فلنفكر بنفوسنا يا أبي
- هذا صحيح ولدي فكرة بهذا الشأن . فسأله قيصر قلقا :
- وما هي هذه الفكرة ؟
- لقد كانت أقكار الباب عادة شؤما على الذين يبوح لها لهم ولم يكن قيصر يجهل هذا وفجأة قال
بورجيا العجوز : إني أفكر بتزويجك
فانفجر قيصر ضاحكا وقد اطمأن باله وإذا به يصيح قائلا:
وأي شر أتيته لكي تزوجني يا أبي؟
- لا تمزح يا قيصر ---- أنا أعلم أن الزواج يبعث فيك الكره والاشمئزاز ولكن إذا ما حدثتك عن زواج
معقول فهذا معناه اني ارى فيه ترسيخا أبديا لسلطاننا
- - ها أنذا مصغ إليك يا أبي !!
- إسمع يا قيصر إني أتذكر أحيانا كل ما فعلته في سبيل مجد بيتنا وثرائه وإنه ليخيل إلى أن
أشباحا اخذت تدور حولي الأمراء والنبلاء والمطارين والكردالة وجميعهم يؤلفون حولي دائرة من الرؤوس التي
تهددني اجل جميع الذين تساقطوا حولنا بالسيف أو بالسم من آل ما لا تيسيا إلى آل مانفردي إلى آل
فيتللي وسفورزا جيمعهم يقولون لي:" إي رودريك بورجيا لا بد للقاتل من أن يقتل ولسوف تهلك مسموما يا
بورجيا!"
- هيا اطرد عنك يا أبي هذه الخيالات الصبيانية ! فهمهم البابا قائلا:
- قيصر قصر ! عندي شعور مخيف بأني سأموت بعد قليل وبالسم دعني اكمل ! إن مت أنا فما
علي ولكن انت –
- وهل أنا مهدد بالموت؟
حينئذ شعر الأب بأن الرعب أخذ يفعل في نفس قيصر فتابع قائلا بعنف: أو كنت تعتقد إذن بأنهم يريدون
رأسي أنا؟ كلا كلا ! لو لم يكن أمامهم سواي لتركوني أموت من الشيخوخة ... أما أنت ! فإنك وريث
سلطاني أنت الذي احتتلك رومانيا ! أنت الذي تحلم بإحياء أمبراطورية نيرون ! أنت هدفهم الأول يا بني !
وهم لكي يتسنى لهم ضربك يعملون على هلاكي أولا.
فزجر قيصر وقد صعد الدم إلى عينية قائلا: إني أقسم بالجحيم لأحرقن إيطاليا بأجمعها قبل أن يلمسوا
شعرة واحدة من رأسك !
-هناك ماهو أجدى من هذا يا قيصر ..... فصاح قيصر قائلا:
- تكلم ! إني مستعد لكل شيء
- هذا الزواج سيحل جميع مشاكلنا
- ولكن يجب أن أعرف
- اسم التي سيكون مهرها تهدئة إيطاليا وتدعيم سلطاننا الموطد ؟ حسنا : إنها ابنة الكونت آلما بياتريكس .
فصاح قيصر متعجبا: ابنة الكونت آلما ؟
- هل تعرفها؟
- بل كنت اجهل أن للكونت ابنة ومن ثم كيف يمكنك يا أبي الافتراض أن التحالف ممكن بين آل بورجيا وآل آلما
؟ لقد قلت منذ لحظة إني احتللك رومانيا هذا صحيح ولكنني لم أستطيع إسقاط قلعة مونتفورتي! لذلك فإن
الكونت آلما سيد قلعة مونتفورتي مايزال قويا متحديا مغطرسا كأنه إنذار دائم لنا .
- أجل إنك الأن تضع إصبعك على الجرح فلقد أصبحت قلعة مونتفورتي ملتقى جميع الناقمين لأن الكونت آلما
بمكائده وشجاعته جمع حوله جميع أصحاب الأحقاد فهل ترى الآن أي مصلحة لنا بأن تصبح بياتريكس زوجة
لك؟
- ولكن لن يوافق الكونت أبدا؟
- بإمكانك ان ترغمه على ذلك
- وكيف؟ بخطفك ابنته اولا
فمكث قيصر مهموما يفتش عن البراهين التي تنقذه من هذه العملية التي لم ترقه كثيرا لا سيما وأن قلبه
كان يضم حبا آخر إلا أن البابا استأنف قائلا:
- ياله من ضرب مدهش! أن تسير إلى منتفورتي بقوات كافية فتستولي على هذا الحصن الأخير
وتأسر الكونت آلما ثم تعرض عليه أن تتزوج من ابنته هذه هي الطريقة الوحيدة التي نتصر بها على أعدائنا
بعد أن ثبطنا عزائمهم
وكان يقصر يعض طرف شاربه بغيظ كظيم عندما أضاف اسكندر وهو يراقبه بطرف عينه قائلا: أما الفتاة فإنها
حسناء رائعة حتى أنها لتفتن بابا من البابوات!
فهز قيصر كتفيه عندئذ وثب البابا واقفا وقال:
- أرى أن الأمر لم يقع منك موقعا حسنا؟
فاستمر قيصر صامتا متشبتا فاستأنف البابا قائلا وهو يصب على قيصر نظرات تنطوي على خبث : حسنا إني
أتنازل عن هذا الرأي ولسوف أجد وسيلة أخرى للدفاع عن أنفسنا دون اضطرارك إلى هذا الزواج المقيت من
بريمفيرا هذه الصغيرة
حينئذ وثب قيصر شاحب اللون وقال بصوت أجش: ماذا قلت؟
- قلت : بريمفيرا لقب بياتريكس
- أو تقول إن بريمفيرا هي ابنة الكونت آلما؟
- أجل ! فما الذي يثيرك في هذا!
فاستدار قيصر نحو أبيه وقال: أبي متى تريدني أن أسير إلى مونتفورتي؟
- سأقول لك خلال أربعة أيام --------------لقد قبلت إذن؟ فقال قيصر كازا على أسنانه:
- نعم قبلت !
- حسنا ! إذهب الآن للاهتمام بجنازة فرنسوا لأن هذا الموضوع قد أثار بعض الحمى في العشب
فخرج قصر هازا كتفيه بازدراء فاستمع البابا برهة إلى صوت مهمازية المتباعدين المرنين على الرخام ثم تمتم
قائلا: ياله من غبي!
أما قيصر فقد هبط على درج ثم على آخر حتى وصل إلى أقبية الفاتيكان ولم بصحبته أحد وهناك في وسط
الأقبية فتح بابا سريا في الأرض ونزل إلى كهف مستدير وكان هناك جحر لا شيء يميزه عن غيره فضغط
عليه بكلنا يديه فإذا بالجدار ينفتح عن ممر لرجل واحد يفضى إلى نفق ضيق مظلم عندئذ دخل قيصر في
هذا النفق دون أن يشعل ضوءا ما اما هذا النفق فقد كان ممرا أرضيا يجمع بين الفاتيكان وقصر سانت آنج
وكان ثلاثة فقد يعرفون في ذلك الزمن وجود هذا الممر وهم البابا وقيصر ولو كريس
:3eo05175: :3eo05175: :3eo05175: :3eo05175: :3eo05175: :3eo05175:
-
|