كاتب الموضوع :
وحده فاضيه
المنتدى :
الارشيف
عادت لو كريس إلى "قاعة الوليمة" ولكنها ألفتها خالية فتمتمت قائلة:
يا للجبناء! لقد هربوا آه ما أقل الرجال ! لقد كان أبي رجلا ولكنه عجوز الآن أما أنا فإنني أشعر الآن بشهية
لتمزيق عالم بأجمعه .
وتمددت على مقعدها وتئاءبت ثم تابعت قائلة : إني ضجرة والضجر ينهشني نهشا إني أخلق وأبتكر كل يوم
ملذات جديدة ولكن بال جدوى وبلا جدوى أراني أبهر روما بأبهة أعيادي المستمرة أجل إن قلبي قارغ
والضجر البطئ يقرض روحي.
وفجأة إذا بخيال ينتصب إلى جانبها فقالت وهي تمد يدها : هوذا أنت يا أخي؟
أجل إنه قيصر بروجيا الذي دخل إلى القاعة منذ لحظة ولو رأة أحد لما داخله الشك مطلقا بأن هذا الرجل
إنما هو عائد من عرس أخيه . ذلك أنه جاء يطالع أخته بوجه مرح بينما راحت هي أيضا تنظر إليه مبتسمة ثم
قالت:
- أيها الشرير لماذا قتلت فرنسوا هذا المسكين؟ كنت تعتلج بالغيرة؟
- نعم يالوكريس يزعجني ألا أكون المفضل أمام أصدقائي وما عدا هذا فما أنا بالأحمق الذي
تظنين إذ تعتقدين أنني غيور مبتذل فأنا لا أهتم أن تكوني للآخرين شرط أن تكوني لي وحدي عندما أظهر
فهزت لو كريس رأسها وطفقت تفكر ثم قالت فجأة: هذا صحيح ولكنك سترث يا قيصري العزيز "فالحادث"
يجعلك أيضا دوق غانديه .
- أجل يا أختي الصغيرة ولكن ستنالين حصتك من الورثة مليونا من الليرات الذهبية أيسرك هذا؟
- طبعا يسرني فقد كنت أود بناء هيكل وليراتك الذهبية هذه كفيلة بتحقيق الهدف .
فهتف قيصر متعجبا: هيكل !!
- نعم هيكل لفينوس ، فينوس الدنسة فأنا أريد أن أبعث عبادتها في روما وأريد أن يبني الهيكل
بين كنيسة القديس بطرس والفاتيكان فينما يكون والدنا محتفلا بقداسه في هيكله المسيحي أكون أنا
محتفلة بقداسي في كنسيتي الوثنية ولسوف نرى من منا سيتبعه عدد أكبر من المؤمنين.
فصاح قيصر: إن فكرتك لرائعة يا لو كريس !
- ولكنها أقل روعة من فكرتك بالاستيلاء على إيطاليا وبتنصيب عليها ملكا يا عزيزي القيصر.
- عندما أحقق خطتي يا لو كريس فكلانا سنحكم العالم!!
في هذه اللحظة ارتفع ضجيج صراخ قريب فأصغيا إليه فإذا هو آت ن شقق القصر فقال القيصر:
- ما هذا ؟
- هيا لنرى !
رمت لوكريس معطفا على كتفيها الرخاميين وانطلقت في الردهة يتقدمها قيصر ثم فتحت باب البرونز ووقفا
هناك على العتبة فكان النوبيان الساكنان الصامتان مازلا في موضعهما ويطقان أجرد في يديهما غير أن
مشهدا غريبا جذب أنظارهما هناك في قصر الردهة فقد كان ما يقارب الثلاثين خادما يجأرون ويشتمون
محيطين أو محاولين الإحاطة برجل غريب كان وحده يقابل هذه المظاهرة المتكالبة حوله فهتفت لوكريس:
- من هذا المتجرئ؟ وكانت على وشك أن تنطلق نحوه عندما أمسكها قيصر بقبضتها هاتفا :
- هاها ! إنه الفرنسي الصغير ال1ي ضربت له موعدا هنا عند منتصف الليل ياله من مقدام!!
ويالهذه الضربات ! دونك إلى اليمين! دونك إلى اليسار! أحسنت ! هوذا اثنان طريحان على الأرض أحسنت !
هوذا اثنان يبصقان أسنانهما ! يالك من مغوار ! يالك من مغوار!
ومضى قيصر يصفق بيديه بعصبية بارزة!
أما الرجل الذي كان ينازل الخدم مستثيرا إعجاب قيصر فقد كان الفارس راكستان ال1ي كان قد انطلق من
نزل " جانوس الجميل" حين دقت الساعة الثانية عشرة .
ولقد كان يفكر وهو يعدو قائلا في نفسه: آه ! يا لهذه الرؤيا الفظيعة ! رج غارق في التيبر ! يا للمسكين لقد
نحروه منذ حين! آه ! هذا الجسد كيف اختفى في اللجج السوداء .. ثم تلك الكلمات المبهمة : سوف
يخطفون بريمفيرا! لا شك بأن الخاطف هو القاتل نفسه! ولكن من هو هذا القاتل؟ وأين يمكن العثور عليه؟
وكيف السبيل إلى إنذار الكونت آلما؟ يجب أن أقص هذه الأحداث الغريبة للقائد الفذ الذي ينتظرني فهو وحده
قادر على اكتشاف الحقيقة .
ولم يلبث الفارس وهو يخاطب هكذا نفسه أن بلغ قصر لوكريس فهم بأن ينطلق بين العواميد إلا ان الحارسين
الخيالين اعترضا دربه آمرين :
- إبتعد عرض الطريق! فقال راكستان: مهلا! إنني منتظر في هذا القصر .
فأجاب أحد الحارسين: سر عرض الطريق!
- يالك من عنيد يا عزيزي قلت لك إنني منتظر من قبل غبظة مولاي قيصر بورجيا . هيا افسح لي
طريق المرور !
ولكن الحارس لم يذعن لطلب راكستان ثم إذا بدرزينة من الخدم ينطلقون نحو الفارس الذي قال في نفسه:
يبدو أن الجنون هلم بالخدم بهذا البلد ولكن هل تراهم يجرأون على رفع أيديهم على ! إلى الوراء أيها الخدم!!
وأصبح شكل الفارس صارما حتى لقد تراجع الخدم أما الحارس فقد هجم على الشاب حينئذ فهم راكستان
بأن انتصاره سوف يكون موقتا وبأنهم سيحيطون به إذا لم يعطيهم مثلا رادعا لذلك فقد قفز على الحارس
وتكمش بساقه وأخذ يهزه هزا عنيفا لكي يقضي على توازنه.
عند الهزة الأولى صرخ الحارس مجدفا ثم تشبت بناصية حصانة وعند الهزة الثانية رفع عفب سيفه لسحق
طبه خصمه الشديد إلا أن الوقت لم يمهله لتنفيذ مأربه فكان نبها لهزة ثالثة أعنف من الاثنتين السابقتين
لذلك فقد بقى فمه المتأهب لقذف شتيمة مقذعة مشقوقا صامتا من الذهول أما راكستان نفسه فكان قد
تراجع عدة خطوات وهو يكاد يشرف على السقوط.
فما الذي حدث إذن؟ شئ بسيط : ان راكستان لكثرة شدة على ساق الحارس العملاق كان قد انتزع
جزمته الكبيرة فبقى مخبولا ورجلة عارية ولكنه لم يبرح مسمرا على متن حصانه بينما اندفع الفارس إلى
الوراء تحت تأثير الهزة العنيفة حاملا بين يديه الجزمة الضخمة .
عندئذ حصل تفرق بين الخدم ولكن عونا انضم إلى هؤلاء المهاجمين فإذا بعددهم يشارف الثلاثين وجميمعهم
مسلحون بالعصي .
لذلك فقد ألفى راكستان نفسه محاطا من كل جانب لكنه فجأة أحس بفكرة منيرة تخرج من دماغه المزدحم
فصرخ بينهم راعدا: آه أيها الأوباشَ! ويا حثالة الأرذال ! لأصدنكم بهذه الجزمه !
وأمسك الجزمة من قدمها وشرع يستخدم جذعها كككتلة من الأسلحة ثم دار بها على نفسه دورة قوية
متجها في الوقت نفسه نحو الدرج الذي بغله والمظاهرة ما زالت مزمجرة خلفة .
وعند طرف الدرج وجد راكستان نفسه في ردهة واسعة فالتصق في إحدى زوايها عندئذ أصبح المشهد
ملحميا : ذلك أن راكستان كان ليوح بجذع الجزمة كما شمشون قد لوح بفك حمار ليفتك بأعدائه أما الجذع
فقد كان يدور محوما فوق رأسه وفي كل لحظة كان يقع على رأس أو على خد أو على ظهر .
وكان هنالك صرخات ألم وإنذارات رهيبة ولقد استمر هذا حتى أنه سقط عشرة من الخدم فتراجع الآخرون
طالبين النجدة
وبعد أن راى راكستان نفسه منتصرا في هذه المعركة الحربية دون أن يصيبه خدش واحد أطلق ضحكة قوية
وهتف قائلا: هيا أيها الخدم! اذهبوا واخبروا سيدكم بأن الفارس راكستان هو الآن رهن أوامره فهتف صوت
يقول : لقد أخبرتّ بكل شئ لأنك أنت أيها السيد قد أعلمت عن نفسك.
فاستدار راكستان واجدا نفسه في حضرة قيصر ولو كريس وإذا به يستمر ثانية وهو مشدوه بروعة ابنة البابا
الآسرة . فابتسمت لو كريس إلا أن الفارس كان قد انحنى مجيبا : يا مولاي وأنت يا مولاتي تكرما على بالعفو
لأنني أسأت التصرف مع خدمكما أما دفاعي الوحيد الذي أقدمه فهو أمركم إياي بأن أكون هنا عند منتصف
الليل إني لإطاعة هذا الأمر ليسهل علي اجتياز طابور من الأبالسة . فقال قيصر:
- تعال أنا المذنت لأنني لم أخبر هؤلاء الحمق بأنني أنتظرك .
فتبع راكستان الأخ و الأخت بينما ظل الخدم مذهولين ومقوسين حتى الأرض
أما النوبيان عند باب البرونز فقد كانا هنالك دون أن يقوما بحركة: إذ كان عليهما فقط حراسة الباب ولقد بقيا
يحرسانه وعندما وصلت إليها لو كريس سألتهما قائلة :
- وأنتما ماذا كنتما فاعلين لو حاول اجتياز هذا الباب؟
فابتسم الأسودان ابتسامة عريضة أبرزت أسنانهما الباهرة ثم لمسا بطرف إصبعهما نصل يطقانهيا وأشارا
إلى عنق الفارس الذي أسرع القول: هذا واضح ! كانا يقطعان عنقي ولكن لكي أسعد بمشاهدتك يا مولاي
أقسم بأني كنت مستعدا لمجابهة هذا الخطر.
فابتسمت لوكريس مرة ثانية وبعد أن ربتت على خدي النوبيين عبرت ومن خلفهما قيصر والفارس اللذان
قادتهما إلى بهو صغير دهش راكستان من حاشيته الباذخة الرقيقة عندئذ قال قيصر: أقدم لك يا أختي
العزيزة الفارس راكستان إنه فرنسي.
وهذا العنوان كاف كتوصية تجعله يفوز بعطفك وما هذا بكل شئ: فالفارس راكستان أنقذ حياتي يوم كنت
مسافرا إلى شينون .
فقال الفارس: آه يا مولا كم أنت عطوف لكي تتكلم عن مثل هذا العمل الرتيب!!
هنا قالت لوكريس: إنني أحب الفرنسيين ولسوف أحب حضرة الفارس بنوع خاص حبا لك يا أخي وإننا
سنعلي من شأنك أيها الفارس!!
- آه يا مولاتي إنني خجل من عطفك علي .
فقالت لوكريس ببشاة: إنك تستحقة ولكنني أظن أنك بحاجة لمرطب بعد هذه المعركة الضارية فتعال إذن
أيها الفارس! ثم أمسكته بيده وجرته معها فارتعش الفارس مقشعرا إذ أن هذه اليد الفاترة المتعبة كانت قد
ضغطت على يده . ترى هل كان ذلك صدفة أم عن قصد؟
عندئذ أطبق الشاب المغامر عينيه طيلة ثانية وإذا به يقول في نفسه :
لربما كنت أخاطر مخاطرة كبيرة ولكن اللعبة تستحق.
ثم أعادت يده بشدة الضغطة الغرامية ليد لو كريس وبعد لحظه كانوا قد بلغوا ردهة الولائم فخيل لراكستان
وقد تمشت الحمى في جسمه أنه انتقل إلى فردوس من ألف ليلة وليلة وكانت لو كرس بنفسها تضع أمامه
الأترج والبطيخ المثلج ثم صبت في كأسه نبيذا مزبدا وقالت بنظرة أمعنت في هيجانة: إشرب هذا النبيذ من
بلادك ولكنني أدارية بطريقة خاصه. فقال قيصر:
- إن أختي شرهة إذ أنها تقضى وقتها في ابتكار وسائل من اللذة أكثر كمالا وذوقا.
فقالت لوكريس بابتسامة خاصة: أجل إني شرهة والشراهة لذة من ملذات الآلهة ! ألا اشرب هذه الراح أيها
الفارس إنها الكوثر!! ثم ذق هذه المربيات فإنها من عسل الآلهة !!
عندئذ أفرغ الفارس كوبه فإذا بأوردته تشتغل ثم ذاق من المربيات فشعر بأن صدغيه يخفقان وبأن مخيلته
انتحتحت على رؤى غريبة هي أقرب إلى الأحلام فشرع يقول: يا مولاتي إني أشرب وآكل وأسمع أصواتا
وإتي لأتسائل إذا لم أكن في حلم رائع بمسكن جنية فاتنة .,
- يا للأسف إنك في بيت لو كريس بورجيا التي تفتش عن اللهو ولكنها لا تعثر عليه إلأا فيما ندر !
- وماذا يا مولاتي! أتكونين تعسة ! ولكن قولي أي مطلب تشائين وأي مراد لا تبلغين لكي أجعله
والله رهن يديك حتى ولو قلبت العالم رأسه على عقبه أو رحت كالطيطيان أتسلق جبال الألب مفتشا عن
سر السعادة .
فهتف قيصر: أحسنت أيها الفارس . إلا أن راكستان تابع قائلا: ما أنا إلا برجل شريف بلا ثروة غير أنني أملك
قلبا يعرف كيف يخفق وذراعا لا ترتجف وسيفا وإني أجعلها جميعها يا مولاتي تتفاني في خدمتك . فقالت
لوكريس برزانة: إنني أقتنع بهذا.
هنا قال قيصر:
- أما الآن وقد أصبحت محظيا لدى دوقة بيزاقلية فدعنا نرى كيف نجد لك مركزا رسميا يمكنني أن
أحصل لك من والدي على شهادة تثبت أنك من حرس الأشراف. فقال الفارس وقد أعيد إلى الواقع: أعترف
لك يا مولاي بأنني أفضل شيئا آخر .
- ياللشيطان إنك رجل صعب! فالمنتمي إلى حرس الأشراف يجب أن يثبت أنه نبيل من الدرجة
السادسة. ومن ثم (أضاف قيصر بفظاظة) مازلت أجهل من أنت.
فوقف راكستان وتحفز بخيلاء ثم قال بنغم جارح: ما رأيتك يامولاي تطلب صك نبالتي في شينون! فهتف
قيصر: لقد أصبتني بكلامك هذا إصابة نافذة ! فتابع راكستان قائلا: أما عناوين سلالتي فهذي هي مطبوعة
على وحهي وإني مستعد أن أمهرها بخاتم من رأس سيفي.
- ما أبرع جوابك أيها الفتى !
- وبما أنك تعتقد أنني قادم إلى إيطاليا لأكون حرس الكنائس فا أنذا قائل لك : الوداع يا مولاي
- ولكن هون عليك ! أي شيطان نزق يقطن بردك يا هذا! إني أعرف أن تستحق أكثر وقد عرضت
عليك هذا لكي أجربك . ولا أخفي عليك بأن تعجبني بأشياء كثيرة : بطريقتك التي سويت بها أمر أسطور
العملاق الذي لا يغلب ، وبأجوبتك وبشكلك وبهذه اللطمات البارعة التي ألقمتها منذ حين أولئك الخدم
الرعاع . ها ها ! لشد ما يضحكني هذا!
وانقلب قيصر ضاحكا بملء شدقية: ثم استوى فقال: اتريد إذن أن تعمل في خدمتي؟.
- هذا ما قلته لك يا مولاي .
- إذن لك ما تريد فأنا بعد أيام سأجرد الحملة من جيد على بعض الأمراء الصغار الذين يحسبون
أنهم في مأمن مني. ولسوف أعتمد عليك أيها الفارس لأن القليل الذي رأيته منك ينبئني عنك.
لذلك فسأجعلك تخوض غمار المعركة تحت أوامري على رأس فيلق من الجنود . فقال راكستان وقد وثب من
مكانه: ماذا تقول يا مولاي ؟ لا شك أنك تسخر مني؟
- تعال بعد غد إلى قصر " سانت آنج" لتأخذ شهداتك .
فانحنى الفارس مخمورا من الفرح وقد سمع ما يفوق أمانية ثم أخذ يد قيصر وحملها إلى شفتيه. غير أن
قيصر استأنف قائلا:
- يبقي لقي كلمة واحدة: هذا الصباح عندما أرعبت كركونيو الراهب المسكين هل التقيت بصبية
ذات ثياب بيضاء تمتطي حصانا أبيض؟
فأعادت هذه الكلمات فجأة إلى عيني راكستان مشهد نره التيبر المخيف وجعلته يتذكر الصورة الرقيقة لتلك
المرأة المجهولة التي دعت نفسها بريمفيرا وإذا به يفطن إلى اعترافات جريح التيبر معتقدا أن الوقت قد حان
كي يفوه بكل شئ لقيصر بورجيا طالبا من حماية هذه الصبية لذلك فقد أجاب قيصر قائلا:
- نعم التقيت بها وإنني ......
هنا توقف راكستان لأنه كان يفتش عن الكلمات التي من شأنها أن تضمن لبريمفيرا عطف قيصر بورجيا إلا أن
الكلمات اختنقت فجأة في حنجرته ذلك أنه وهو ينحني أمام قيصر كان ألقى ببصر على الفسيفساء الرخامية
المكونة منها أرض الردهة فإذا به يلمح بقعة واسعة من الدم . ولكن ترى لماذا أوقف هذا المنظر الكلمات
الضرورية التي كان سيلفظها؟ وأي وحي أيقظ الفطنة النائمة في فؤادة النزق السريع الظنون؟ ثم أي ارتباط
غريب اكتشف أو ظن أنه مكتشف بين بقعة الدم ومشهد نهر التيبر حتى اقشعر بدنه وصمت؟ وهنا قال
قيصر :
- ماذا كنت تقول أيها السيد؟
- نعم التقيت بالسيدة التي ذكرتها وإنني آسف لقطعي حديث الراهب معها بعد أن عرفت أنه
ينتمي إليك . فقال قيصر بوجه مربد: أنت إذن لا تعرفها؟
- وكيف أعرفها ؟ فأنا أجهل اسمها ، بل إنني أجهل في أية طريق اختفت.
- حسنا يمكنك أن تنصرف الآن ولا تنس ميعادك بعد غذ في قصر " سانت آنج"
- لن أنسى إلا إذا فقد عقلي.
هنا قام راكستان بشكل طبيعي فحيا لو كريس تحية عميقة لطيفة ولقد منحته يدها فقبلها ثم خرج محاولا
ألا يفكر بشئ ولكن هاجسا قلقا جعله يفكر بعواقب هذه الحادثة فإذا به يرتجف ويتذكر تحذيرات بريمفيرا له.
وفي هذه اللحظه بالذات شعر بيد تمسك يده وبصوت يهمس في مسمعه :
- تعال ولا تثر أية ضجة!!
ظل راكستان رابط الجأش لأن الصوت الذي سمعه لم يكن عدائيا بل محببا ولكنه بالرغم من ذلك شعر بضيق
في صدره .
إلا أنه تشدد بسرعة وتبع دليله الذي كان إحدى وصيفات القصر وإذا به بعد قليل يجد نفسه في غرفة
الولائم الفسيحة التي كان ينيرها الآن قنديل بضوئه الشاحب فأخذ قلبه يخفق هنا وسوس الدليل: : لا تنتقل
من هنا ولا تتحرك وانتظر أن يأتي أحد فيأخذك .
ثم مضت الوصيفة التي قادت الخادم واختفت فلم يعم راكستان أن أحس بعينيه مجذوبتين بقوة قاهرة نحو
بقعة الدم التي كانت ماتزال هناك وعندما لمس الدم بيده وجد أنه لم يكن متجمدا يابسا فهمهم في نفسه
قائلا : لم تكد ساعة تمضى على هذا الدم المراق! ولكن ماذا ترى يكون هذا الدم؟
ثم ظهرت بقعة ثانية ثم بقع أخرى ثم طريق من الدم فتتبع هذه الطريق خطوة خطوة وهو يلهث حتى بلغ بابا
ففتحه غير أن طريق الدك كانت متواصله ففتبعها راكستان قاطعا عدة غرف حتى انتهى إلى باب آخر
وعندما فتحه خنف في حلقه آهه ذعر وذهول إذ وحد نفسه على حافة نهر التيبر! عنئذ همس في نفسه
قائلا:
- يالله هل هذا ممكن ! ولكن بلى فالأحداث ترتبط بوضوح كبير وهاهي الحقيقة تملأ ناظري
فالرجل القتيل ألقي من هنا ولا شك أنه طعن في هذا المكان لقد فهمت الآن أسباب الرعب المحيط بهذا
القصر الذي ماهو غير بؤرة للقتل!! أما جنية القصر الساحرة فإنها نمرة ظامئة للدم ! ومن ثم من يعلم أنها لا
تراقبني؟
في هذه اللحظه فكر الفارس بأن يرتمي في التبير لكي ينجو بنفسه . إلا أن فكرة الهرب عظمت عليه لذلك
فقد ركز سيفه على خصره وأغلق الباب ثم عاد إلى قاعة الولائم حيث مكث عدة دقائق هناك واخيرا ظهرت
الوصيفة نفسها فأخذته من يده كما فعلت سابقا واجتازت به ثلاث أو أربع غرف ثم توقفت عند باب وقالت
له : باستطاعتك الدخول.
فتردد راكستان ثم هز كتفيه ودخل فوجد نفسه على عتبه مخدع معزل صغير أضئ بنور غامض كما تضاء
المعابد في الليل وكان في قعر هذا المخدع امرأة استقلت على كومة من فراء الفهود ! : إنها لو كريس
التي سمعها تناديه : تعال إيها الفارس!!!!
|