المنتدى :
البحوث العلمية
موضوع عن الحشرة
الحَشَرة حيوان صغير له ست أرجل. ومن أمثلتها النّحل والنمل والزّنابير والصّراصير والخنافس واليراعات والنّمل الأبيض (الأرَضة) والعثّات. وكذلك الذباب المنزلي واليعاسيب والبعوض ولاحسة السكر والجنادب والقُمّل والجداجد والحشرات العصوية والبراغيث. ويمكن أن تمتد القائمة إلى أكثر من ذلك.
وقد صنف العلماء وسمّوا أكثر من مليون ونصف المليون نوع من الحيوانات، تمثّل الحشرات من بينها نحو المليون تقريبًا. وإضافة إلى ذلك فإن العلماء يكتشفون ما بين 7,000 و10,000 نوع جديد من الحشرات كل عام. وأكثر الحشرات من حيث العدد هي التابعة لرتبة: غمْديَّة الأجنحة وهي المجموعة التي تضم الخنافس والسّوس وينتمي نوع واحد من كل ثلاثة أنواع من الحيوانات المعروفة اليوم إلى تلك المجموعة. ويرجح العلماء أن غالبية أنواع الحشرات لم تكتشف بعد، وبخاصة الأنواع التي تعيش في مناطق الغابات المداريّة الدافئة الرطبة. وربما تصل قائمة أنواع الحشرات إلى أكثر من عشرة ملايين نوع. ونتيجة للدّمار الجاري في البيئات الطبيعية وبخاصة في مناطق الغابات المطيرة، فمن المحتمل أن ينقرض يوميًا نوع غير معروف من النباتات ومن الحيوانات، وربما يكون أكثر من نصف أنواع الحيوانات التي تنقرض يوميًا من أنواع الحشرات.
تعيش الحشرات في كلّ مكان تقريبًا على كوكب الأرض، بداية من الأدغال المدارية الساخنة الرّطبة إلى المناطق القطبية الباردة، كما تعيش في أعالي قمم الجبال المغطاة بالجليد وفي الصحارَى في مستوى أدنى من مستوى سطح البحر. ويمكن أن توجد في الكهوف في أعماق الأرض أو محلِّقة في أعالي السماء. والمحيطات هي الأماكن الوحيدة على الكرة الأرضية التي توجد بها أعداد قليلة من الحشرات.
والإنسان في صراع دائم مع أنواع معينة من الحشرات التي تضايقه وتنقل إليه الأمراض الفتاكة، وتهاجم محاصيله وحيواناته الداجنة والمستأنسة، وتهاجم كذلك مساكنه وتأكل غذاءه وتدمر ممتلكاته. ولكن رغم ذلك، تقدم الحشرات فوائد عظيمة للإنسان، فهي تلقح الكثير من الزهور، بما في ذلك المحاصيل، وتمده بالعسل والمنتجات الأخرى، وتكون غذاءً للأسماك والطيور ولكثير من الحيوانات الأخرى. وفي الحقيقة، فإنّ الحياة ربما تكون منعدمة لو اختفت منها كل الحشرات.
وتعدّ الحشرات أكثر الحيوانات إثارة للدهشة. فهي تشم أساسًا بقرون استشعارها، بينما يتذوق بعضها بأقدامه، كما يسمع كثيرٌ من الحشرات عن طريق شعيرات تغطي أجسامها. وهناك حشرات لديها آذان في أرجلها أو على جوانب جسمها. وليس للحشرات أصواتٌ، ولكنّ بعضها يحدث ضوضاء، يمكن سماعها على بعد أكثر من كيلومترٍ ونصف. وليس للحشرات رئات، ولكنها تتنفس عبر ثقوب موجودة على جانبي جسمها. وليست لبعض الحشرات أية عيون، بينما يكون لبعضها خمس عيون أو أكثر. ولدى كثير من الحشرات قوة كبيرة إذا قورنت بحجمها، إذ يمكن لنملة أن ترفع حملاً أثقل من وزنها بخمسين مرة. وإذا قارنا ذلك بشخص وزنه 80 كجم، ففي هذه الحالة يتعين عليه أن يرفع أكثر من ثلاثة أطنان ونصف متريّة بأسنانه. ويستطيع البرغوث أن يقفز لمسافة 35 سم، فإذا قارنّا ذلك بإنسان فمعنى ذلك أن عليه القفز مسافة تعادل200م.
يقوم كثيرٌ من الحشرات بما يقوم به الإنسان تمامًا، فمنها ما يشيد الجسور والمساكن. ومن الحشرات ماتحترف النجارة والصناعات الورقية والحراسة والجندية والتمريض والقنص والصيد بالشراك، ومنها مايستعبد العبيد، ومنها اللصوص. ومنها مايدخل في حروبٍ طاحنة بعضه مع بعض.
يعتقد كثيرٌ من النّاس أن بعض الحيوانات مثل العناكب، وذوات المائة رِجْل، والقُمَّل، والقراد من الحشرات. ولكن تلك الحيوانات تختلف كثيرًا عن الحشرات. فللعناكب مثلاً ثماني أرجل، بينما للحشرات ست. وينقسم جسم العنكبوت إلى قسمين رئيسيّين، بينما يكون للحشرة ثلاثة أقسام رئيسيّة. ولمعظم الحشرات أجنحة وقرون استشعار، بينما لا تملك العناكب ذلك.
تناقش هذه المقالة موضوع الحشرات من ناحية عامّة. كما تجيب عن السؤالين التاليين: لماذا كانت للحشرات أهمية كبيرة لدى الناس؟ ولماذا كانت أكبر المجاميع الحيوانية على الإطلاق؟ كما تصف التراكيب والعادات الشائعة بين الحشرات والاختلافات التي لا حد لها تقريبًا فيما بينها.
عالَم الحشرات
يُعتقد أن الحشرات قد ظهرت على كوكب الأرض منذ ما لا يقل عن 400 مليون سنة. ولقد كافحت الحشرات عبر تلك الحقب الزمنية الطويلة ـ تقريبًا ـ دون توقف، من أجل البقاء. وقد تميزت عبر ذلك الزمان بالكثير من الأشكال الجسميّة وطرق الحياة المتباينة، فلقد كيفت نفسها للعيش تحت كلّ ظروف الحياة تقريبًا. وتحقق لها النجاح الباهر في كفاحها من أجل البقاء، حتى أنّه غالبًا ما يقال عنها: إنها الوحيدة من بين الكائنات الحيّة الأخرى التي تنافس الإنسان في التحكم في كوكب الأرض.
ويوجد الآن من أنواع الحشرات أربعة أضعاف بقية أنواع الحيوانات الأخرى مجتمعة. أما من ناحية العدد الكلي للحشرات فإنه عدد مذهل، حيث يقدّر العلماء أن متوسط عدد الحشرات في مساحة 2,6 كم² من الأرض، يعادل عدد كلّ البشر على كوكب الأرض.
وقد صنّف علماء الحشرات نحو مليون نوعٍ من الحشرات في مجموعات رئيسية تسمّى رتبًا، وذلك تبعًا لخواص الجسم العامة والخواص الأخرى. فمثلاً كلّ الفراشات والعثّات تكوّن رتبة قشرية الأجنحة، وكل الخنافس تكوّن رتبة غمدية الأجنحة. إنّ رتب الحشرات المختلفة وخصائص كلّ رتبة موضحة في الجدول المعنون بـ رتب الحشرات في هذه المقالة.
تنوع الحشرات. يحتوي عالم الحشرات على أكثر الحيوانات جمالاً وروعة في العالم. ونادرًا مانجد فروعًا أخرى من المملكة الحيوانية لها ما لدى الحشرات من تنوّع متميّز في الحجم واللّون والشكل.
وطول معظم الحشرات أقل من ستة مليمترات وأصغرها الخنافس القزمة شعرية الأجنحة، إذ يبلغ طولها ربع المليمتر؛ أي أنها يمكن أن تزحف بسهولة عبر ثقب إبرة صغيرة. وتشمل الحشرات العملاقة خنفساء جولياث التي تنمو ليصل طولها إلى أكثر من عشرة سنتيمترات، وكذلك على عثّة أطلس التي يبلغ مدى جناحيها نحو 25 سم. ومعنى هذا أن عثّة أطلس أكبر بـ 1,000 مرة ـ تقريبا ـ في الحجم من الخنفساء القزمة شعريّة الأجنحة. وإذا نظرنا للثّدييّات، فإن أكبر الثدييّات الموجودة حجمًا هو الحوت الأزرق، الذي يكبر الزّبابة (أصغر الثدييات حجمًا وهو حيوان يشبه الفأر) بنحو 500 مرة.
وهناك حشرات بكل ألوان الطيف، من بينها بعض الفراشات والعثّات ذات الأنماط اللّونيّة البهيّة الرائعة. وهي من بين أجمل الحيوانات قاطبة. كما يحظى الكثير من أنواع الخنافس بتقدير عالٍ جدًا عند جامعي الحشرات، وذلك بسبب ألوانها المعدنية المتألقة. وهناك كثير من الحشرات ذات ألوان تتمازج تمامًا مع الوسط الموجودة فيه، فمثلاً، تكون ألوان غالبية الخنافس الأرضية إما سوداء أو بنيّة، بينما تماثل ألوان بعض العثّات لون قلف الأشجار.
وللحشرات ـ أيضًا ـ تنوع عجيب في الشكل وتراكيب خاصة جدًا. فبعض الحشرات يشبه العصوات أو أوراق النباتات الخضراء أو الجافة، أو أصداف القواقع، بينما تشبه أنواع أخرى الأشواك أو القصب الجاف أو بُراز الطيور. كما أن للزنابير (ذبابة النّمس) آلة وضع بيض يبلغ طولها 15 سم، يمكن أن تثقب بها أصلب الأخشاب. وقد تحورت آلات وضع البيض في النّحل والزّنابير وبعض أنواع النمل وصارت أدوات لسعٍ سامّة. وتحمل عيون الذباب مُعنَّق العيون على نهايات سوق رقيقة. وللعقارب المائية جهاز شبيه بِشَنَرْكَلِ الغواصة، يمكن أن تدفعه أعلى سطح الماء للحصول على الهواء. ومن التراكيب الخاصة جدّا منقار سوس الجوز الطويل الرّفيع ـ بطول بقية الجسم ـ الذي تستعمله للحفر داخل الجوز، ومنها أيضًا ما لدى الحشرات التي تسبح للخلف بأرجلٍ خلفية طويلة تستعملها كمجاديف. ولبعض خنافس الحنظب فكوك بطول أجسامها وقرون متشعّبة مثل قرون الوعل.
كفاح الحشرات ضد الفناء لقد حققت الحشرات نجاحًا عظيمًا خلال كفاحها من أجل البقاء لأسباب عديدة، ولقد مكنتها من ذلك مقدرتها على المعيشة تحت أقسى الظروف المعيشية على الإطلاق؛ فمثلاً تعيش صغار بعض الحشرات في ينابيع من الزّيت الخام. كما تعيش حشراتٌ أخرى داخل المحاليل الحافظة التي تُستعمل للتحنيط. وتعيش بعض الحشرات في المجاري المائية التي تصل درجة الحرارة فيها إلى درجة التجمد صفر°م، وتعيش أنواع أخرى في الينابيع الساخنة، حيث تصل درجة الحرارة فيها إلى 49°م، وقد تجمّدت بعض الحشرات تجمدًا صلبًا تحت درجة حرارة 18°م تحت الصفر وعاشت. وقد وُضعت بعض الحشرات تحت أقصى درجات الفراغ التي تمكن الإنسان من الحصول عليها فعاشت. وبالرغم من أنّ غالبية الحشرات تتغذى بالنباتات، إلا أن الكثير منها قد تمكن من تعويد نفسه على أكل أيّ شيء تقريبًا.
فهناك أنواع متعددة من الحشرات تتغذى بالأقمشة، وبعضها بالأفيون، وبعضها بجص الخردل، ومنها ما يتغذى بالفلين، وبعضها بالتبغ، وأنواع أخرى بمسحوق تجميل الوجه أو المعجون أو حتى بالفلفل الحار.
وهناك سبب آخر من أسباب نجاح الحشرات الفائق، وهو صغر حجمها الذي يمكنها من العيش في أماكن أصغر مما يستطيع أي حيوان آخر من العيش فيها، فتجد في هذه الأماكن الغذاء والحماية من الأعداء. فبعض هذه الحشرات يعيش بين جدران أوراق النباتات الرقيقة جدًا، كما يعيش بعضها داخل الحبوب، أو حتى داخل بيض الحشرات. وبما أنّ الحشرات صغيرة الحجم فهي تحتاج إلى كميّة أقل من الغذاء، فكسرة صغيرة من الخبز تعتبر وليمة عظيمة للحشرة.
وهيكل الحشرات له دور في الحفاظ على بقائها؛ فهو يوجد في الإطار الخارجي من جسمها، وهو درع قوية جدّا تحمي أعضاء الحشرة الداخلية من الصدمات ومن فقدان الرطوبة.
ولمعظم الحشرات أجنحة أعطتها تفوقًا كبيرًا على معظم أنواع الحيوانات الأخرى، فلقد سهّل الطيران على الحشرات البحث عن الطعام، والهروب من الأعداء، والعثور على الأزواج.
ولكن معظم نجاح الحشرات قد أتى من مقدرتها العالية جدّا على التكاثر. فأغلب الحشرات ذات أعمار قصيرة، فهي تصل إلى مرحلة البلوغ بسرعة، لتتكاثر في أقصر وقتٍ ممكن. وإضافة إلى ذلك، فإن كثيرًا من الحشرات يضع كميّات كبيرة من البيض، وكثير من الأنواع ينتج أجيالاً عديدة خلال الموسم الواحد. ونظرًا لأن الحشرات تتكاثر بسرعة فائقة وبأعداد كبيرة، فبإمكانها أن تتكيف مع تغيرات تحدث في بيئتها، ولولا تلك الخواص لقضت عليها تلك التغيرات البيئية تمامًا. وللحشرات أيضًا طرق خاصة جدًا للتّكاثر، فقد تستطيع إناث بعض الأنواع التناسل دون إخصاب من الذكور، كما تضع ملكة النّحل بعد تزاوجٍ واحدٍ فقط 2,000 بيضة يوميًا طيلة حياتها.
أهمية الحشرات
غالبًا ما تصنَّف الحشرات على أنها نافعة أو ضارة، ولكن هذا التقسيم هامشيّ، لأن الحشرات تمثل جزءًا من شبكة الحياة التي تشتمل على البشر وعلى كل الأحياء الأخرى. تتغذى الحشرات بنباتات وحيوانات، ولكنها بدورها تكون غذاءً لنباتات وحيوانات أخرى؛ ولذا فهي تساعد على إبقاء التّوازن البيئي الدقيق بين الكائنات الحيّة من نبات وحيوان على كوكب الأرض. انظر: توازن الطبيعة. فإذا اختفت كلّ الحشرات من كوكب الأرض، فإن ذلك الكوكب سوف يتغيّر تمامًا، ولسوف ينقرض العديد من أنواع النباتات، ولربما لم يستطع البشر البقاء على وجه الأرض.
الحشرات النافعة. تشمل النحل والزنابير والذباب والفراشات والعثّات وما يلحق بها من ملقِّحات النباتات. ويعتمد الكثير من الفاكهة كالبرتقال، والتّفاح، والبرقوق، والفراولة، والتّوت الأسود، والكمثرى، والعنب، على الحشرات الملقِّحة، لإنتاج الثمار. كما تعتمد عليها أيضًا الخضراوات والمحاصيل الزراعية مثل البازلاء، والبصل، والجزر، والملفوف، والبرسيم، والفصفصة، والقطن. وتلقح الحشرات أيضًا زهور الحوذان والقرنفل ومجد الصباح والحلبان العطر (الأركيد) والكثير من الزّهور الجميلة المحبوبة الأخرى. انظر: اللقاح.
وتمثّل الحشرات كذلك مصدرًا غذائيًا مهما لآكل النّمل، والطيور والأسماك، والضفادع، والقنافذ والسحالي والبنجولين والزّبابات والظرابين وللعديد من الحيوانات الأخرى، وهي أيضًا مصدر غذاء حتى لبعض النباتات مثل نبات شرك الذباب، والنبات الإبريقي (النابنط) ونبات النّدية. وقد يأكل بعض الناس الحشرات ففي جنوب إفريقيا، يشوي بعض الناس النّمل الأبيض ويأكلونه بكميات كبيرة. ويصنع المكسيكيون كعكًا من بيض البق المائي، وفي شرقي إفريقيا، تصنع الفطائر من كمياتٍ كبيرة من البعوض الذي يتم اصطياده من المستنقعات.
وتمدّ الحشرات الإنسان بكثير من المنتجات الثمينة مثل العسل وشمع العسل اللذين ينتجهما نحل العسل، وصمغ اللك المصفى الذي يُصنع من مادة تفرزها حشرات اللك، والحرير الطبيعي الذي ينتجه دود الحرير.
وكثير من الحشرات تساعد على نظافة البيئة، لأنها تتغذى بفضلات الحيوانات وبالحيوانات الميتة وبقايا النباتات الميتة، كما تساعد الحشرات ـ التي تعيش داخل التربة ـ في تخصيبها بموادها الإخراجية وبأجسامها الميّتة.
وهناك العديد من الحشرات المفيدة، لأنها من المفترسات التي تفترس الحشرات الضارة، ومن تلك الحشرات الدَّعْسوقة (خنفساء أبي العيد) التي تتغذى بالعديد من الحشرات التي تدمّر المحاصيل. ومن الحشرات النافعة ـ أيضًا ـ الحشرات الطفيليّة التي تتطفّل على الحشرات الضارة، ومثال ذلك: تضع بعض الزّنابير بيضها في اليساريع التي تدمر نبات الطماطم، وحينما يفقس ذلك البيض، تتغذى الصغار بأجسام اليساريع وتلتهمها تمامًا.
الحشرات الضارة. تمثل الحشرات الضّارة أقل من 1% من المليون نوع ـ تقريبًا ـ من الحشرات، لكن هذه الكمية القليلة من الأنواع تحدث دمارًا شديدًا في المحاصيل.
قد تسبب الحشرات ضررًا لكل أنواع النباتات تقريبًا، ففي كل عام تدمّر الحشرات نحو 10% من المحاصيل التي تُزرع في الولايات المتحدة الأمريكية، ونحو 50% من المحاصيل التي تزرع في إفريقيا. وتشمل أهم تلك الآفات الحشرية سوس لوز القطن الذي يدمر محصول القطن، والذباب الهسّي الذي يهاجم محصول القمح، وديدان الذّرة الأرضية وحشرات الحنطة التي تدمر محصول الذرة الشامية والمحاصيل الأخرى، وخنافس كولورادو، التي تتغذّى بالبطاطس؛ والجراد الذي يتغذّى بأية نباتات تقريبًا.
كثير من الحشرات آفات منزلية، مثل: عثات الملابس، وخنافس البساط، التي تدمر الملابس والسجاد والأثاث المنجَّد والفراء، بينما تتلف لاحسة السكر الكتب، ويهاجم النّمل الأبيض (الأرَضَة) الأثاثات وأعمدة المنازل والأرضيات الخشبية، ويتلف كل من النمل والصراصير والذباب وكثير من الحشرات الأخرى، الأطعمة التي تُخزَّن في المنازل وفي المحلات التجارية.
وأسوأ الأعداء من الحشرات هو تلك الحشرات التي تهدد صحة الإنسان مثل: الأنواع العديدة من الذباب القارص التي تحقن في جسم الإنسان سمومًا مؤلمةً وأحيانًا مميتة. وهناك أيضا الكثير من البراغيث والقُمَّل والحشرات الطفيلية الأخرى التي تسبب قروحًا وتدمر الأنسجة وأحيانا تسبب الموت.كما ينقل الذباب المنزلي وذباب السّروء ـ عادة ـ الجراثيم التي تسبب حُمَّى التيفوئيد والكوليرا أو الزحار والأمراض الفتاكة الأخرى. وكثير من الحشرات ماصّة الدّم، تنقل أمراضًا قاتلة معيّنة مثل حُمَّى الضَّنَك، والتهاب الدماغ، والملاريا ومرض النوم الإفريقي والطاعون الدّبلي.
مكافحة الحشرات. يستعمل النّاس طرقًا عديدة للتحكم في الحشرات، منها ما هو بسيط مثل: ضرب الذباب بمضارب أو جمع الخنافس من النّباتات أو تفريغ المستنقعات؛ لتدمير أماكن توالد البعوض أو إحراق النفايات؛ لقتل يرقات وخادرات الذباب المنزلي التي تعيش فيها. وهناك طرق أخرى أكثر تعقيدًا لمقاومة الحشرات مثل 1ـ الحَجْر الصحي 2ـ التحكُّم الزراعي 3ـ التحكُّم الحيوي 4ـ التحكُّم الكيميائي.
الحجر الصحي. يستهدف الحجر الصحي منع دخول الآفات الحـشـرية إلى بـلــد ما. فالآفات الحـشـريـة غالـبًا تأتي ـ بالمصادفة ـ على السفن أو الطائرات أو وسائل النقل الأخرى، ففي عديد من البلاد يفحص المفتشون الحكوميّون الأمتعة والبضائع بحثًا عن الآفات الحشريّة؛ وذلك عند الحدود، وأماكن الدخول الرئيسيّة للبلاد، لأن الآفات الحشرية عندما تُستورد إلى بيئة جديدة تكون من أصعب الآفات مقاومة؛ لأنها في البيئة الجديدة ليس لها أعداء طبيعيّون يحدّون من أعدادها ولذا تتكاثر أعدادها بسرعة وبكميات هائلة.
التحكم الزراعي. طرق تُستخدم للتقليل من الدمار الذي تحدثه الآفات الحشرية أو منعه وذلك بتنظيم الزراعة بصورة أفضل. ومن تلك الطرق ما يُعرف بالدورة الزراعية للمحاصيل، التي تهدف إلى منع الزيادة في أعداد الحشرات التي تتغذى بنوع معين من النبات، وطريقة أخرى تعتمد على تنظيم الزراعة والحصاد بحيث يتمان في غير الأوقات التي تضع فيها الحشرات بيضها، أو تكون فيها أكثر أعدادًا.
التحكم الحيوي. يعتمد التحكم الحيوي أو السيطرة الحيوية على استعمال المفترسات أو الطّفيليّات أو الأمراض للحد من أعداد آفة حشريّة ما. ومن أشهر الأمثلة ما حدث في آواخر القرن التاسع عشر عندما أُدخلت عن طريق المصادفة إلى الولايات المتحدة الأمريكية حشرة المسند القطنية القشرية من أستراليا التي دمّرت ـ تقريبًا ـ كلّ بساتين الليمون والبرتقال في كاليفورنيا، وعندها أحضر المزارعون الدُّعسوقة (خنفساء أبو العيد) التي عن طريقها تمّ التحكم في الحشرة القشرية خلال عامين فقط مما حفظ بساتين الموالح. ومن طرق التحكم الحيوي تعقيم الحشرات (أي إعدام خصوبتها)؛ بتعريضها للأشعة المؤينة أو لمواد كيميائية حتى لا تستطيع أن تتكاثر، ولقد استُخدمت هذه الطريقة بنجاح في الخمسينيات من القرن العشرين للتحكم في حشرات الدودة اللّولبيّة التي أصابت الماشية في جنوب شرقي الولايات المتحدة الأمريكية.
التحكم الكيميائي. تعتمد طرق التحكم الكيميائي أو السيطرة الكيميائية على استعمال المبيدات الحشرية، ولكن معظم المبيدات الحشريّة خطرة جدًا على البشر، وكذلك تخل بالتّوازن البيئي بتدميرها للحشرات النافعة والضّارة معًا. إضافة إلى ذلك فإن بعض الحشرات الضّارة تكتسب مقاومة ضد المبيدات الحشرية خلال أجيال قليلة. انظر: المبيد الحشري.
أجسام الحشرات
لكل الحشرات ثلاثة أزواج من الأرجل، وجسم مقسم لثلاثة أجزاء رئيسية ـ الرأس والصدر والبطن ـ وغطاء خارجيّ صلب شبيه بالصّدفة. ولمعظمها أيضًا أجنحة وزوج من قرون الاستشعار.
الهيكل. يوجد هيكل الحشرة في الجزء الخارجي من جسمها، ولذا يسمى الهيكل الخارجي. وهو يتكوّن من العديد من المواد، أهمها وأشهرها مادة الكيتين. والهيكل الخارجي أخف وأقوى من العظم. ويكون بمثابة درع قوي يحمي الأعضاء الداخلية، كما تلتصق به عضلات الحشرة من الداخل.
لا ينمو الهيكل الخارجي مع نمو الحشرة، كما تفعل عظام الطفل مثلاً، ولذا فإنه سوف يصير بعد مدّة أضيق من جسم الحشرة ويجب عليها التخلص منه عبر عمليّة تسمّى الانسلاخ. تكوِّن الحشرة هيكلاً خارجيًا جديدًا تحت القديم، ثم تشق القديم وتخرج منه، وعندها يكون الهيكل الجديد رخوًا، ومن ثم تستنشق الحشرة الهواء لتنتفخ وتمطه قبل أن يتصلّب. وتتيح لها هذه العمليّة مجالاً أكبر للنمو، حتّى الانسلاخ التالي، وتستمر غالبية الحشرات في الانسلاخ إلى أن تصل للطور المكتمل.
ويتكون الهيكل الخارجي في الحشرة مكتملة النمو من نحو 20 جزءًا حلقيّا. ولقد اندمجت بعض الحلقات ببعض اندماجًا تامًا يصعب معه التمييز بين كلّ منها. أمّا الحلقات الأخرى فهي تتصل بعضها ببعض بوساطة مناطق مرنة تعمل كمفاصل. وتتجمع الحلقات في مجموعات لتكون أجزاء جسم الحشرة الثلاثة الرّئيسيّة.
الرأس. يتكون رأس الحشرة من خمس أو ست حلقات يتداخل بعضها في بعض تمامًا، لدرجة لا يمكن أن ترُى فيها أيّ منها منفردة. كما يحتوي الرأس على أجزاء الفم والعيون وقرون الاستشعار.
أجزاء الفم مجموعة من التراكيب التي تساعد الفم في تناول الغذاء، وهي تحيط تمامًا بفم الحشرة الحقيقي الذي هو مجرد فتحة في رأس الحشرة. وتتفاوت أجزاء الفم من حشرة إلى أخرى على حسب الطريقة التي تتغذى بها الحشرة. وهناك نوعان رئيسيان من أجزاء الفم، نوع قارض والآخر ماص. ولأعضاء كلّ رتبة من رتب الحشرات النموذج الخاص بها المتحور من أحد النوعين الرئيسييّن، أو من كليهما معًا.
تشتمل الحشرات القارضة على النّطاطات والجنادب والخنافس والنّمل الأبيض والصراصير. ولدى كل من هذه الحشرات زوج من الفكوك القوية الطاحنة تسمى الفكوك الأمامية، تعمل تلك الفكوك المزوّدة بأسنان في غالبية الحشرات، على المحور الطولي وليس على المحور الأفقي كما يعمل الفكّان عند الإنسان. وتستعمل الحشرة فكيها لتمزيق وقطع ومضغ طعامها. كما يوجد زوج من الفكوك أقلّ قوّة من الفكوك الأمامية يُسمّى الفكوك الخلفيّة، وتعمل أيضًا على المحور الطولي، وتُستعمل في التعامل مع الطعام ودفعه إلى أسفل الحنجرة. وللحشرات القارضة شفتان؛ الشفة العليا، وهي غطاء يتدلى إلى أسفل فوق أجزاء الفم مغطيًا الفم من الناحية الأمامية. أمّا الشفة السفلى فهي تغطي الفم من الخلف.
وللحشرات الماصّة أجزاء فم نشأت من التركيبة الأساسية القارضة. ولقد تحوّرت أجزاء فم بعض الحشرات الماصّة بدرجة كبيرة لتلائم طريقة تغذية الحشرة حتى أصبح من العسير جدًا التعرف عليها. لقد تحورت الشفة السفلى لكل من بق الفراش وحشرة الحنطة وأنواع البق الأخرى، حتى صارت منقارًا طويلاً ذا أخدود. ويوجد داخل هذا الأخدود أربع إبرٍ رقيقة وحادة تسمى القليمات، وهي في الأساس الفكوك الأمامية والخلفيّة المتحوّرة. وتُستعمل لثقب النباتات أو الحيوانات حتى تتمكن الحشرة من امتصاص عصارة النّبات أو دم الحيوان. وتعمل الشفة العليا كغطاء للأخدود الموجود في المنقار.
ولقد اختفت الفكوك الأمامية تقريبًا من أجزاء فم الفراشات والعثّات، بينما استطالت ـ كثيرًا ـ أجزاء من الفكوك الخلفيّة، ثم اندمجت بعضها في بعض، مكونة أنبوب شرب طويلاً ورقيقًا يسمى الخرطوم تستخدمه الحشرة في امتصاص السوائل مثل رحيق الأزهار، وعندما تفرغ من ذلك فإنها تطويه أسفل رأسها. ولقد تحوّرت الفكوك الأمامية في ذباب الخيل (ذباب التبانا) وأصبحت كأنها سيوف حادة يُقطع بها جلد الحيوان. كما تحورت الفكوك الخلفية عند ذلك الذّباب، وأصبحت كمخاريز حادة يدفعها الذباب داخل جلد ضحيّته، ويحركها إلى أعلى وإلى أسفل عبر الجلد ثمّ بعد ذلك يطرح أنبوبه الماص المكون من الشفة العليا على الجرح النازف الذي أحدثته أدوات القطع لامتصاص الدّم.
العيون وقرون الاستشعار. لمعظم الحشرات المكتملة النمو زوج من العيون المركبة الضخمة جدًا، وكل عين مكونة من عُدَيْسات منفصلة تبلغ ألوفًا عديدة، والعديسات مجتمعة تكوّن الصورة الكاملة التي تراها الحشرة.
يوجد لدى كلّ الحشرات تقريبًا زوج من قرون الاستشعار بين العينين المركبتين. وتستعمل الحشرات قرني استشعارها أساسًا للشمّ وللتحسس. ويستعملها بعض الحشرات ـ إضافة لذلك ـ للتّذوق والسمع. ولذلك فإن معظم الحشرات تصير في ضائقة شديدة إذا تحطم قرنا استشعارها أو أُزيلا وبعضها يصير عاجزًا تمامًا بدونهما. لمعلومات أكثر عن عيون وقرون استشعار الحشرات انظر: حواس في الحشرات في هذه المقالة.
الصدر. هو الجزء الأوسط من جسم الحشرة، ويتكون من ثلاث حلقات مندمجة بعضها في بعض، وتلتحم عضلات الأرجل والأجنحة بالجدار الداخلي للصدر.
الأرجل. يتّصل كلّ زوج من الأرجل بحلقة من حلقات الصّدر الثلاث. ولكل رجل خمس مقاطع رئيسيّة، تربط بينها مفاصل متحركة. وبعكس الحركة في الإنسان الذي يرتكز على رجل واحدة ويحرك الأخرى، فإن الحشرة تحرّك رجلها الوسطى من أحد جانبيها في الوقت نفسه الذي تحرّك فيه رجلها الأماميّة والخلفيّة من الجانب الآخر. وبهذه الطريقة تكون دائمًا مثبتة بثلاث أرجل على الأرض ـ مثل المقعد ثلاثي الأرجل ـ خلال حركتها.
لقد تحوّرت أرجل كثير من الحشرات لأداء وظائف خاصة، مثل الأرجل الخلفية للعديد من الحشرات المائية - مثل بقّ الماء العملاق، والسّابحات للخلف، والخنافس الغطّاسة، والعديد من الحشرات المائية الأخرى ـ وصارت طويلة ومفلطحة وشبيهة بالمجاديف. بينما للحفار وللعديد من خنافس الرّوث أرجل أمامية مفلطحة وقوية، تُستعمل كمجاريف للحفر. كما أن للجراد والبراغيث والجندب أرجلاً خلفيّة طويلة وضخمة العضلات متحورة للقفز، ولدى شغالات نحل العسل شعيرات تُستعمل في جمع حبوب اللّقاح، موجودة على أرجلها الأمامية، وسلات لحفظ حبوب اللّقاح في أرجلها الخلفية. كما أن للعديد من الفراشات أرجلاً أمامية صغيرة وكثيفة الشعر وتحتوي على أعضاء خاصة، تستعمل في البحث عن الطعام. وللذباب والنحل خطاطيف ووسائد لزجة في أقدامها تستعملها في المشي على الأسطح المنزلقة، وتصعد بها وتنزل عبر الجدران وتمشي القهقري على الأسقف.
الأجنحة. تعد الحشرات بجانب الطيور والخفافيش الحيوانات الوحيدة ذات الأجنحة، وكذلك معظم الحشرات المكتملة، ولكل من ذباب المنزل والبعوض، وذباب التّسي تسي، وكل الذباب الحقيقي جناحان ملتصقان بحلقة الصّدر الوسطى. أمّا الفراشات واليعاسيب والعثّات والزّنابير والنحل والحشرات المجنحة الأخرى، فلها زوجان من الأجنحة أحدهما متصّل بالحلقة الصّدرية الوسطى والآخر متصل بالحلقة الصّدرية الخلفية.
تستمد الحشرات قدرتها على الطيران من مجموعتين من العضلات: إحداهما تمتد من أعلى الصدر إلى أسفله، وعند انقباضها يتسطح الصدر، ممّا يجعل الأجنحة تتحرك إلى الأعلى، بينما تمتد المجموعة الأخرى من العضلات طوليًا، وعندما تنقبض تلك العضلات، يتقوس الصدر إلى الأعلى؛ مما يجعل الأجنحة تتحرك إلى الأسفل، وعندما تنبسط المجموعتان يتقوّس الصدر وتضرب الأجنحة. وهناك أجنحة أخرى متّصلة مباشرة بقواعد الأجنحة تتحكم في اتجاه الطيران، كما تجعل الحشرة ترفرف في مكان واحدٍ مثل الطائرة المروحية (الهيلوكبتر) وتطير للخلف كذلك.
وفي حالة الحشرات ذات الأجنحة الأربعة، يعمل كل من الجناحين على الجانب الواحد معًا، كأنهما جناح واحد، كما يتداخل الجناحان الموجودان على جانب واحد فيما بينهما، وفي بعض مجموعات الحشرات وفي مجموعات أخرى، يتشابكان معًا عن طريق خطاطيف أو شعيرات. أما اليعاسيب، فإنها تضرب أجنحتها الأربعة بالتناوب، ففي الوقت الذي يرتفع فيه الزوج الأمامي ينخفض فيه الزوج الخلفي، وهكذا.
أما الخنافس، فهي لا تستعمل أجنحتها الأمامية في الطيران، إذ إن تلك الأجنحة هي أغطية قرنية، تغطي وتحمي الأجنحة الخلفيّة عندما تكون الخنافس في حالة استرخاء. بينما تحوّرت الأجنحة الخلفية في الذباب وصارت زوجين من أعضاء التّوازن، صولجانيَّي الشكل يسميّان دبوسي التّوازن، وعادة لا تحاول الذبابة الطيران إذا أُزيلا منها.
إن اليعاسيب أسرع الحشرات طيرانًا، حيث يقدّر بعض العلماء أنّها قد تطير بسرعة تصل إلى 95 كم/س أما الفراشات والجراد فتستطيع أن تطير دون توقف لمسافة قد تبلغ 160كم اعتمادًا على ما لديها من مخزون الطاقة في أجسامها. كما يستطيع ذباب الفاكهة الطيران لمدة خمس ساعات حتى ينفد ما لديه من طاقة مخزونة فيتوقف للتغذية. أما نحل العسل فيحمل من الطاقة ما يكفيه للطيران مدة ربع ساعة فقط. وتضرب الفراشات ذات الأجنحة الكبيرة بأجنحتها من أربع مرات إلى 20 مرة في الثانية. أما الذباب فيضرب بها نحو 200 مرةٍ في الثانية، أما بعض ذباب الهوام الصغير فيضرب بها نحو 1,000مرة في الثانية.
البطن. يحتوي على أعضاء الهضم والتكاثر والإخراج. وهو مكوَّن من 10 حلقات إلى 11 حلقة، ترتبط بعضها ببعض عن طريق أغشية مرنة تمكن الحلقات الدّائرية من التداخل فيما بينها مثل: حلقات التلسكوب عندما يكون البطن فارغًا. بينما تتباعد الحلقات عندما يكون البطن ممتلئًا. ففي حالة ملكة النمل الأبيض (الأرضة) ينتفخ البطن بالبيض حتى يصير أكبر 1,000 مرة من بقية جسم الحشرة. وفي بعض مستعمرات النحل، تعمل مجموعة معينة من النحل، كمستودعات للغذاء. حيث تنتفخ بطونها بمحلول السكر الذي تطعمه عن طريق أفواهها لبقية أفراد المستعمرة.
لدى كثير من الحشرات اثنان أو ثلاثة من المجسات تسمى القرون الشرجيّة وتوجد في آخر حلقة من حلقات البطن. وتلك المجسات طويلة خاصة في ذباب مايو، وذباب الحجر، وبعض الصراصير. وتكون القرون الشرجيّة في لمة الأذن وبعض الحشرات الأخرى على شكل ملقاط. وتُستعمل في الدفاع عن النفس وفي القبض على الفريسة.
تتصل الأعضاء التناسلية الخارجية بالحلقة الثامنة أو التاسعة من حلقات البطن. وفي كثير من ذكور الحشرات، تكون تلك الأعضاء مجموعة من التراكيب تُستعمل في تثبيت الأنثى عند التزاوج. أما الأعضاء التناسليّة الخارجية لكثير من إناث الحشرات، فهي جزء من جهاز يُستعمل في وضع البيض يسمى آلة وضع البيض تستخدمه الأنثى في إدخال بيضها في التربة، والأخشاب، وأوراق الأشجار، والفاكهة، والحبوب، وفي داخل بيض أو أجسام حيوانات أخرى. ولإناث بعض الأنواع آلة وضع بيض بطول جسمها كله أو أكثر. ولقد تحوّرت آلة وضع البيض في النحل والنمل والزنابير وأصبحت أداة لسعٍ سامة يمكن سحبها إلى داخل البطن في غير حالات الاستعمال. وتوجد فتحة الشرج في مؤخرة بطن الحشرة وتخرج عن طريقها الفضلات والماء الزائد عن حاجة جسم الحشرة.
الأعضاء الداخلية. تُجْمَع أعضاء الحشرات الداخلية، مثلها مثل أعضاء بقيّة الحيوانات الأخرى، في أجهزة عضوية، لكن تلك الأجهزة العضوية تختلف من عدة وجوه عن أجهزة الحيوانات الأخرى. والأجهزة العضوية الأساسيّة هي: الجهاز الدوري، والجهاز التنفسي، والجهاز العصبي، والجهاز العضلي، والجهاز الهضمي، والجهاز التناسلي.
الجهاز الدوري. يحمل الجهاز الدوري الدّم عبر كلّ الجسم، ولا يمر دم الحشرات عبر شرايين وأوردة مثل دم البشر، لكنه يملأ كامل تجويف جسم الحشرة، وتسبح فيه كل الأعضاء الداخلية والعضلات. ويتم دوران الدّم عن طريق أنبوب طويل يوجد مباشرة أسفل الهيكل الخارجي في ظهر الحشرة، ويمتد بطول جسم الحشرة تقريبًا. يقع الجزء الذي يضخ الدم من الأنبوب في منطقة البطن ويسمى القلب ويمتد الجزء الأمامي من الأنبوب داخل رأس الحشرة ويسمى الأبهر (الأورطة)، ويدخل الدم إلى الأنبوب عبر ثقوب صغيرة تسمّى الثغور، توجد على جانبي الأنبوب وهي محروسة بوساطة صمامات تسمح بدخول الدّم إلى الأنبوب، ولا تسمح بخروجه. وعندما ينقبض القلب، يُدفع الدّم عبر الأنبوب إلى الخارج، عن طريق الأبهر، حيث يغمر أولاً الدماغ ثم ينساب إلى أجزاء الجسم الأخرى، وبعدها يعاود الدخول إلى الأنبوب عبر الثغور وهكذا.
يسمى دم الحشرة الدّم الليمفي، ومثله مثل الدم في الإنسان، فإنه يحمل الغذاء إلى خلايا الجسم المختلفة، كما يحمل منها المواد الإخراجية، ولكنه بعكس دم الإنسان، لا يحمل الأكسجين إلى خلايا الجسم، وتعلوه زرقة أو صفرة أو يكون عديم اللون. أما دم الإنسان فهو يحتوي على مادة صبغية حمراء تسمّى اليحمور أو الهيموجلوبين تحمل الأكسجين إلى الخلايا المختلفة.
الحشرات حيوانات من ذوات الدم البارد، التي تتغير درجة حرارة أجسامها الداخلية مع درجة حرارة الهواء المحيط بها. ولذلك، فلديها العديد من الطرق للتعامل مع الحرارة والبرودة. يجب على الحشرات شديدة الطيران أن توفر درجة حرارة جسميّة عالية، حتى تتمكن من الطيران، وتستطيع الحشرات الكبيرة الحجم، مثل: عثّة الصّقر، والنحل الطنان والخنافس الكبيرة، أن ترفع درجة حرارة جسمها قبل الطيران بالارتعاش، وذلك بتشغيل عضلات أجنحتها عكس بعضها دون أن تطير. أما الحشرات الأصغر حجمًا، مثل كثير من الفراشات والذباب والجنادب، فإنها ترفع درجة حرارة أجسامها قبل الطيران بامتصاص الحرارة من الشمس.
الجهاز التنفسي. تتنفس الحشرة عن طريق ثقوب دقيقة تسمّى الثغور التنفسية موجودة على جانبي جسمها، ويقود كل منها إلى أنبوب أكبر يسمى القصبة الهوائية. ويتفرع ذلك الأنبوب الأكبر إلى أنابيب تتفرع بدورها إلى أنابيب أصغر منها تمتد إلى كلّ أجزاء الجسم. وتحمل هذه الشبكة من الأنابيب الأكسجين مباشرة إلى خلايا الجسم كما تحمل منها ثاني أكسيد الكربون إلى خارج الجسم.
الجهاز العصبي. يتكوّن من المخ الموجود داخل الرأس وزوج من الحبال العصبية التي تمر جنبًا إلى جنب عبر أرضية الصدر والبطن. ويتلقى المخ معلومات من العيون، ومن قرون الاستشعار. ويتحكم في نشاطات جسم الحشرة كلها. كما يوجد مركز عصبيّ آخر في الرأس يتحكم في أجزاء فم الحشرة متصل بالدماغ. ويحتوي كلّ من الحبلين العصبيين على تجمعات من الخلايا العصبيّة، تسمى عقدة الأعصاب في كل حلقة من حلقات الصدر والبطن. وتندمج العقدتان العصبيتان في كل حلقة من الحلقات بعضها ببعض لتكونا نوعًا من الدماغ الصغير الذي يتحكم في نشاطات تلك الحلقة.
وتستطيع العقدة العصبيّة في حالات عديدة العمل دون وجود الدماغ، فمثلاً: بإمكان الحشرات العديدة التي قُطعت رؤوسها المشي والتزاوج ووضع البيض. وفي بعض أنواع الحشرات، اندمجت الأزواج الثلاثة من العقد العصبيّة الصدرية في عقدة واحدة. كما اندمج العديد من العُقَد العصبيّة البطنيّة في كثير من الحشرات.
الجهاز العضلي. يتكون من عدة مئات إلى ألوف قليلة من العضلات الصغيرة، ولكنّها قوية جدًا. لدى الجنادب نحو 900 عضلة، بينما لليساريع ما بين 2,000 إلى 4,000 عضلة، مقارنة بالإنسان الذي لديه أقل من 700 عضلة. ويمكن لكثير من الحشرات رفع أو جرّ أيّ جسم أثقل من وزنها بعشرين مرة أو أكثر، بينما هناك قليل من الناس من يستطيع أن يرفع وزنًا أثقل من وزنه.
الجهاز الهضمي. يتكوّن الجهاز الهضمي في الحشرة أساسًا من أنبوب طويل يمتدّ من الفم إلى فتحة الشرج، ومقسم إلى ثلاثة أجزاء رئيسيّة:
1- المعى الأمامي. 2- المعى الأوسط، أو المعدة. 3- المعى الخلفي، أو الأمعاء.
يدخل الطعام إلى المعى الأمامي عبر فتحة الفم وذلك بعد مضغه أو امتصاصه عن طريق أجزاء الفم، ثم يمرّ الطعام عبر الأنبوب إلى أن يصل إلى موقعٍ أكثر اتساعًا يسمى الحوصلة، حيث يُخزن لفترة مؤقتة، ويُهضم جزئيًا. ثم بعد ذلك يمرّ إلى القانصة ذات الجدران العضلية السّميكة التي تطحن الطعام إلى جزيئات دقيقة. ويوجد بالقانصة في بعض أنواع الحشرات أسنان، تساعد في تكسير وطحن الطعام. ثم يمر الطعام بعد ذلك إلى المعى الأوسط، حيث تتمّ أغلب عمليات الهضم، ثم تُمتص الأجزاء المغذية من الطعام عبر جدران المعى الأوسط إلى الدم، بينما تمرّ الفضلات والأجزاء غير المهضومة من الطعام إلى الأمعاء الخلفية.
للحشرات جهاز مكون من أنابيب يتراوح عددها بين 2 وما يزيد على150 من أنابيب ملبيجي متصلة بالقناة الهضميّة عند منطقة اتصال المعى الأوسط بالمعى الخلفي. وهي تسبح في دم الحشرة، حيث تمتص المواد الإخراجية من الدم وتمررها إلى المعى الخلفي، ثمّ تغادر كل الفضلات والمواد الإخراجيّة والماء الزائد عن حاجة الحشرة إلى الخارج عبر فتحة الشرج.
الجهاز التناسلي. تتكاثر معظم الحشرات تكاثرًا جنسيّا، حيث يتكون كائن جديد عند التحام خليّة الأنثى الجنسية البييضة مع خليّة الذكر الجنسيّة النطفة. توجد الأعضاء التناسلية داخل منطقة البطن، حيث للأنثى مبيضان تتكون داخلهما البييضات. يحمل أنبوب يسمى قناة البيض البييضات من كل من المبيضين، ثم تتحد قناتا البيض لتكوِّنا أنبوبًا واحدًا، يفتح عند طرف منطقة البطن ولذكور الحشرات خصيتان تنتجان الحيوانات المنويّة، وهناك أنبوب يحمل الحيوانات المنويّة من كل خصية، ثم يتحد الأنبوبان ليكونا أنبوبًا واحدًا يمتد إلى الخارج في طرف منطقة البطن.
الحواس في الحشرات
خلق الله للحشرات ـ مثل بقية الحيوانات ـ أعضاء تمكّنها من الرؤية والسمع واللّمس والتذوق والشّم، بل إن كثيرًا منها لها حواس أكثر تقدمًا من مثيلاتها في معظم الحيوانات الأخرى.
النظر. لمعظم أنواع الحشرات زوج من العيون المركبة الضخمة التي تحتل معظم رأس الحشرة. وتتكون كل عين من العديد من العُدَيْسات سداسية الشكل متجمعة حول بعضها في تركيبة تشبه خلايا عسل النحل. ويتفاوت عدد العديسات ما بين نحو الست في بعض شغالات النّمل و30,000 عُديسة في بعض أنواع اليعاسيب. وتدخل كلّ عُدَيسة صورة جزيء صغير من المنظر الكامل الذي تراه الحشرة، حيث تتحد كل الجزيئات التي تراها العديسات منفردة، مع بعضها، مكونة الصورة الكاملة.
لا تستطيع الحشرات تحريك أو ضبط بؤر عيونها، ونظرها حاد لمسافة قصيرة فقط، ولا ترى بوضوح أي جسم يبعد عنها أكثر من متر واحد. ولكن تستطيع الحشرات تمييز الحركة بسرعة، وكثير منها يستطيع أن يميز الألوان، كما يستطيع كثير من الحشرات أن يرى مدى أوسع من أشعة الضوء، أكثر مماتراه العيون البشرية. فمثلاً تستطيع بعض الخنافس رؤية الأشعة تحت الحمراء، وكذلك معظم الحشرات تستطيع أن ترى الأشعة فوق البنفسجية، وكلا النوعين من الأشعة لا تراه العين البشرية. وليس لدى الحشرات جفون فأعينها دائمًا مفتوحة.
لدى الكثير من الحشرات المكتملة ثلاث أعين بسيطة تسمّى العُيَيْنات متجمعة بشكل مثلّث بين العيون المركبة، ولا تستطيع العيينات تكوين الصور وكلّ ما في إمكانها هو التمييز بين النور والظلام. وليس لدى الكثير من صغار الحشرات عيون مركبة، ولكن لديها ما بين عين بسيطة واحدة إلى ست عيون بسيطة أو أكثر على كل جانب من جانبي الرأس. وهناك أنواع عديدة من الحشرات ساكنة الكهوف، مثل: الشغالات في مستعمرات النمل الأبيض (الأرضة) فقدت عيونها وصارت عمياء تمامًا.
السمع. للحشرات مدى واسع من السمع، حيث يستطيع بعض منها أن يسمع الموجات فوق الصوتية بمدى أكثر من اثنتين من الوحدات الثمانية التي تستطيع أن تسمعها الأذن البشرية. بينما تسمع أنواع أخرى أصواتًا ذات ترددات منخفضة جدًا لا تستطيع الأذن البشرية التقاطها. وبالرغم من ذلك، فإن القليل، فقط من أنواع الحشرات ليس لديه أعضاء سمع حقيقيّة، أو آذان. وتلك الآذان موزعة على كلّ أنحاء الجسم تقريبًا، ولكنها لا توجد في الرأس. وهي تتكون من أغشية رقيقة منبسطة تهتزّ حينما تضربها الموجات الصوتية، مثلما تفعل طبلة الأذن في البشر تمامًا. وتوجد آذان كل من الجنادب قصيرة القرون، والجراد، وزيز الحصاد وكثير من العثّات، على جانبي الجسم، أما الجنادب طويلة القرون والجداجد (صراصير الحقل) فتوجد آذانها على أرجلها الأمامية.
غالبية الحشرات ليس لها آذان، ولكنها تسمع عن طريق الشعيرات الرقيقة الموجودة على قرون استشعارها، أو في أماكن أخرى من أجسامها، فتلك الشعيرات تستجيب للموجات الصوتية، مثل استجابتها لأي تحركات أخرى في الهواء. فلدى ذكور البعوض شعيرات طويلة على قرون استشعارها تجعل قرون الاستشعار تتذبذب بسرعة من الموجات الصوتية، كما يسمع بعض النمل ـ أيضًا ـ عن طريق الشعيرات الموجودة على قرون استشعاره، بينما تسمع الصراصير بوساطة الشعيرات الموجودة على قرونها الشرجيّة (زوج من اللوامس يوجد في آخر حلقة من حلقات البطن) أما اليساريع فتسمع بوساطة الشعيرات المبعثرة فوق كل أجسامها.
ورغم أن الحشرات تسمع، لكن ليس لديها أصوات حقيقية، فمعظمها يصدر أصواتا بحك بعض أجزاء من جسمها ببعض. ومن أكثر الحشرات ضوضاء الجنادب، والجداجد، وزيز الحصاد، والذكور فقط هي التي تحدث الصوت، وذلك لجذب الإناث التي غالبًا لا تحدث أيّ صوت. وتحدث الجنادب قصيرة القرون الصوت بحك أرجلها الخلفية بأحد العروق في الأجنحة الأمامية مثل عزف آلة الكمان تمامًا. وتحدث الجداجد الصوت بحك أجنحتها الأمامية الجلديّة بعضها ببعض. وفي البرتغال واليابان والصين وبعض الأقطار الأخرى، يحتفظ الناس بالجداجد في أقفاص ليستمتعوا بأصواتها الجميلة. ولدى زيز الحصاد طبلتان في البطن يهزهما بوساطة عضلاتٍ داخل جسمه لتحدث الصوت.
كما يحدث العديد من الخنافس أصواتًا بحك بعض أجزاء من أجسامها ببعض إضافة إلى ذلك فهي تحدث أصواتًا دوامة وأزيزًا بوساطة أجنحتها، كما تحدث صفيرًا بدفع الهواء فجأة إلى الخارج من شبكة القصبات الهوائية عبر الثغور التنفسية. أما طنين الذباب والنحل فتحدثه حركة أجنحتها السريعة، وذكور البعوض حسّاسة جدّا للأصوات التي تحدثها الإناث بأجنحتها.
اللمس. الحشرات شديدة الحساسية للمس وهي أكثر إحساسًا للمس من البشر. وتتكون أعضاء اللمس في الحشرات من شعيرات وأشواك تغطي جسم الحشرة حتى عيونها، وتكثر تلك الشعيرات على قرون الاستشعار. وعندما يحدث أي ضغط فإنه يحرك تلك الشعيرات محدثا نبضات عصبية ترسل إلى الدماغ. وبعض الشعيرات ذات حساسيّة مفرطة لدرجة أن أرقَّ نسمة من الهواء تثيرها، وأن الإنسان مهما تأنى في تحريك يده نحو ذبابة ما، فإنها تحس بذلك عن طريق شعيراتها التي تخبرها أن الهواء قد حُرِّك، ولذا تطير مسرعة بعيدًا عنه.
التذوق. يستطيع كثير من الحشرات التمييز بين الطُّعوم الأربعة التي يميزها البشر وهي: الحلاوة، والحموضة، والملوحة، والمرارة. وتتفاوت مقدرة التذوق من حشرة إلى أخرى حسب النوع، فبعض الحشرات لديها حاسّة ذوقٍ قويّة، فمثلاً يجب أن يزاد تركيز السكَّر في الماء الذي تستطيع الفراشة الملكة تذوقه2,000 مرة حتى يستطيع الإنسان أن يتذوقه.
توجد أعضاء التذوق في معظم الحشرات في أجزاء الفم، وبعض الحشرات مثل: النمل والنحل والزنابير لها ـ أيضًا ـ أعضاء تذوق في قرون استشعارها. فهي تلمس الطعام بقرني استشعارها، فإذا راق لها طعمه التهمته، بينما تتذوق بعض الحشرات الأخرى مثل: الفراشات وبعض العثات، والذباب، ونحل العسل عن طريق أرجلها، ولذلك فهي تمدّ خرطومها للتغذية، حالما تطأ شيئًا ذا طعم شهي. وبعض أنواع الزّنابير والجداجد لها أعضاء تذوق في آلة وضع البيض، تستعملها لتذوق الأماكن التي سوف تضع بيضها فيها، حيث يوجد الغذاء المناسب لصغارها.
الشم. يوجد الإحساس بالشم في الحشرات أساسًا في قرون الاستشعار. ولكثير من الحشرات حاسّة شم قوية تستعملها لتحديد مواقع الطعام ولتحديد اتجاهاتها في تجوالها، وكذلك لتحديد أماكن وضع بيضها. وتُستعمل تلك الحاسّة ـ أيضا ـ للتعرف على الحشرات الأخرى من نفس نوعها، ولتحديد الرفيق للتزاوج. ويحدد النحل والنمل أفراد مستعمرته عن طريق الرائحة. ويطرد النمل أفراد النمل الغريبة عن مستعمرته، بل يقتلها إذا حاولت الدخول في المستعمرة. وتعتمد ذكور العثات أساسًا على حاسة الشم في التعرف على رفاقها من الإناث للتزاوج. ويمكن أن تنجذب إلى رائحة الإناث من مسافة كيلومترين تقريبًا ولكنها تفقد أيّ اهتمام بالإناث إذا أُزيلت عنها قرون استشعارها.
دورة حياة الحشرات
تبدأ كل حشرة تقريبًا حياتها من البيضة، وبعد الفقس تبدأ الحشرة في النمو والتحور إلى الطور المكتمل، وخلال تلك الفترة تمر معظم الحشرات بسلسلة من التغيرات الشكلية. وتستغرق دورة الحياة كلّها ـ من البيضة حتى الطور المكتمل ـ فترة تتراوح بين أيام قليلة في بعض الأنواع و17 عامًا في أنواع أخرى. وتعيش الحشرات في الطور المكتمل لمدة قصيرة فقط، فأنواع قليلة ـ فقط ـ تعيش في ذلك الطور أكثر من عام، ولعل أقصرها عمرًا أطوار ذباب مايو المكتملة التي تعيش أيامًا أو ساعات قلائل. ومن ناحية أخرى، فقد تعيش ملكات النمل الأبيض (الأرضة) أكثر من 50 عامًا، وتنتج بعض أنواع الحشرات أجيالاً عديدة تعيش، وتموت خلال العام الواحد وهناك أنواع تنتج جيلاً واحدًا ـ فقط ـ في العام.
التّكاثر. يتكون كائن جديد، في معظم أنواع الحشرات، حينما تخصِّب نطفة الذكر بييضة الأنثى، فتتلقى الأنثى النطفة عند التزاوج وتخزنها في منطقة البطن، وعندما تضع الأنثى بيضها بعد ذلك، تخصِّب تلك النطف البييضات عند مغادرتها لجسم الأنثى.
ولكثير من الحشرات طرق غير عادية في التكاثر فمثلاً: تلد بعض الصراصير والذباب والخنافس وبعض الحشرات الأخرى صغارًا أحياء؛ لأن البييضات تبقى في جسم الأنثى حتى تفقس، وتخرج الصغار من جسم الأم. كما تتكاثر بعض الحشرات مثل: إناث قمل النبات، والزّنابير مكونة الأورام والتربس، وأنواع كثيرة من الحشرات الأخرى تكاثرًا عذريًا دون إخصاب الذكور إياها. وحقيقة الأمر أن الذكور نادرة الوجود جدا في بعض الأنواع أو غير موجودة إطلاقًا. هذا وتحصل بعض الإناث؛ بما فيها ملكات نحل العسل، على كلّ ما يحتجنه من نطف طوال حياتها من تزاوج واحدٍ فقط. وإذا أنتجت الملكة بيضًا مخصبًا ينشأ عنه إناث، وإذا أنتجت بيضًا غير مخصب ينشأ عنه ذكور فقط.
لبيض الحشرات العديد من الأشكال والألوان، ولكن معظمه بيضيّ أو مستدير، ولونه باهت أو (كريمي) اللون. ويمكن رؤية بيض أصغر الحشرات تحت المجهر فقط، بينما تضع أكبر الحشرات بيضًا يتراوح طوله، بين خمسة وخمسة عشر ملم. كما تتفاوت كميّة البيض التي تضعها الحشرات من نوع لآخر، وربما يبلغ متوسط ماتضعه الأنثى من الحشرات بين 100 و200 بيضة خلال حياتها. وتضع بعض الإناث كميات قليلة من البيض فقط، بينما يضع البعض الآخر أكثر من بليون بيضة. والنمل الأبيض هو الأكثر وضعًا للبيض بين الحشرات، فبعد التزاوج تمتلئ ملكة النمل الأبيض بالبيض، إلى درجة تصبح معها عاجزة عن الحركة تمامًا، فهي تنتج البيض بمعدل يتراوح بين 10,000 و30,000 بيضة في اليوم الواحد وتضع الحشرات بيضها فرادى، أو في مجموعات ـ غالبًا ـ قرب الطعام الذي تتغذى به الصغار بعد فقسها.
هناك العديد من القصص حول المقدرة التناسليّة الكبيرة للحشرات، وعمّا سيحدث إذا لم يمت أيّ من الصغار التي تنتجها الحشرات، ففي خلال أربعة أشهر فقط، يستطيع زوج من الذباب المنزلي أن ينتج نحو 190,000,000,000,000,000,000 من الأنجال إذا عاشت كلها. ولكن هذا لا يمكن أن يحدث، لأن الطفيليّات والمفترسات وكميّة الغذاء المتاحة والعديد من العوامل الأخرى لا تسمح بحدوث مثل هذا الانفجار الهائل في أعداد الحشرات، مثلما تفعل ـ تمامًا ـ في الحيوانات الأخرى.
النمو والتحور. بعد أن تخرج الحشرة من البيضة، فإنها تتّبع واحدًا من ثلاثة أنماط من النمو والتحور حسب النوع. ويوجد أبسط الأنماط في بعض أنواع الحشرات البدائية عديمة الأجنحة، بما في ذلك لاحسة السكر وذوات الذيل القافز. فعندما تخرج صغار تلك الحشرات، فإنها تكون مشابهـة ـ تمامًا ـ لآبائها في كل شيء، ما عدا حجمها الصغير، ثم تنمو بعد ذلك وتصل إلى الطّور المكتمل وذلك بعد شقها لهيكلها الخارجي القديم، بعد أن يضيق عليها لتزحف خارجة منه، ثم بعد وصولها لمرحلة معينة من النمو تكتمل أعضاؤها التناسلية، وتستطيع أن تتزاوج. ومنذ خروجها من البيض إلى موتها، لا تتغيّر تلك الحشرات إلا قليلاً، وفي النمو وزيادة الحجم فقط.
ولبعض الحشرات نمط من النمو والتحور مختلف تمام الاختلاف عن النمط السابق، حيث تختلف الصغار ـ التي تدعى حوريات أو يرقات ـ عن آبائها تمامًا. ومن ثم تتغير في الشكل حتى تتحور إلى الطور المكتمل، ويسمى هذا التغير التشكل (التحول). وتمر الحشرة بنوع من نوعي التشكل، وهما: تشكل غير مكتمل وتشكل مكتمل.
التشكل غير المكتمل يتم هذا النوع من التشكل في حشرات من مثل: الجنادب، وذباب مايو، والصراصير، والسرمان، واليعاسيب، وزيز الحصاد، وحشرات الحنطة، حيث تمر تلك الحشرات بالمراحل التالية 1- البيضة 2- الحورية 3- الطور المكتمل.
تبدو الحوريات مثل آبائها في حالة الجنادب وحشرات الحنطة ولكنها بدون أجنحة، وتظهر الأجنحة على شكل وسائد صغيرة بعد عدّة انسلاخات للحشرة، وتكبر الأجنحة بعد كل انسلاخ بعد ذلك، ثم بعد الانسلاخ الأخير يخرج الطور الكامل للحشرة بأجنحة مكتملة. وغالبًا ما تعيش الحوريات في الأماكن نفسها التي تعيش فيها الحشرات المكتملة، وتستهلك الغذاء نفسه الذي تستعمله تلك الأطوار.
أما في حالة اليعاسيب والسرمان، فتختلف الحوريات تمامًا عن آبائها، فالحشرات في طورها المكتمل هي حشرات مجنّحة جميلة، تمضي أغلب وقتها في الطيران، بينما الحوريات عديمة الأجنحة تعيش في الماء، حيث تتنفس عن طريق الخياشيم، وغالبًا ما تسمى النَّيادات أو حوريات الماء. وعندما تصل إلى آخر مراحل النمو، تزحف خارجة من الماء إلى جذع نبات أو صخرة حيث تنسلخ آخر انسلاخ لها وتصير حشرات مكتملة مجنحة.
التشكل المكتمل يتم هذا النمط في معظم أنواع الحشرات بما في ذلك الفراشات والعثات والخنافس والذباب والنحل والزنابير والنمل، حيث تمر تلك الحشرات بأربع مراحل هي: 1- البيضة 2- اليرقة 3- الخادرة 4- الطور المكتمل. ويرقات هذه الحشرات دودية الشكل ولا تشبه آباءها إطلاقًا، وفي أغلب الأنواع، تعيش اليرقات في أماكن مختلفة وتتغذى بغذاء يختلف عن غذاء الآباء. وليس لها عيون مركبة ولا أجنحة كالتي لآبائها. ومعظم اليرقات لها أجزاء فم قارضة، بينما يكون لآبائها أجزاء فم ماصة وبعض اليرقات ليس لها أرجل، بينما توجد لأنواعٍ أخرى زوائد كثيرة شبيهة بالأرجل توجد في منطقة البطن. ولليرقات بعض أسماء خاصة، فمثلا تدعى يرقات الفراشات والعثات اليساريع، ويرقات الذباب اليرقة القطعاء ويرقات الخنافس الدويدة، ويرقات البعوض الشولات أو الحراقص. وما على اليرقات إلا التغذية والنمو والانسلاخ لعدة مرات عندما يضيق الجلد عليها. وقد يأكل اليسروع في اليوم الواحد من أوراق النباتات ما يفوق وزنه عدة مرات.
تتوقف اليرقة عن الأكل فقط عند اكتمال نموها، حيث تصير خادرة، وقد تغزل بعض اليرقات شرانق تغطي بها أجسامها، أو تفرز حول أجسامها أغطية كإعداد لمرحلة الخادرة. ويتحول اليسروع إلى نوع من الخادرة تسمى المذهبة، تبقى معظم الخادرات ساكنة وتبدو وكأنها ميتة، ولكن هناك أنشطة كبيرة تجري داخل الغطاء الواقي للخادرات، حيث تُدَمَّر تراكيب اليرقات وتحول غالبًا إلى سائل، حيث يعاد تكوينها أعضاء للطور المكتمل، ثم ينكسر الغطاء الواقي للخادرة بعد اكتمال النمو وتخرج منه الحشرة الكاملة. انظر: التحول.
طرق حياة الحشرات
حياة الحشرة مليئة بالأخطار، فقد تأكلها حشرة، أو طائر، أو أي حيوان آخر. أو قد يسحقها النّاس أو يحرقونها أو يسممّونها. وقد يتغذى بها أحد الطفيليات، أو قد تصيبها بعض الأمراض. وقد تُهْلِك موجة من الجفاف النباتات التي تتغذى بها الحشرات مما يؤدي إلى جوعها كما قد يهلكها الجو البارد. وإذا نجت الحشرة وكثير من نوعها من تلك الأخطار، فسينفد الغذاء الذي تتغذى به ـ وسوف تموت الحشرة على أية حال.
ولذلك نشأت للحشرات طرق حياة عديدة خلال معركتها المستمرة من أجل البقاء. فلقد تأقلمت الحشرات على المعيشة تحت كلّ الظروف البيئية المعروفة. ونشأ لديها العديد من الوسائل للهروب من أعدائها. فالكثير من أنواع الحشرات يعتمد اعتمادًا كليّا على درجة تكاثره العالية للتغلب على مخاطر الحياة. وفي الحقيقة، تمضي غالبية الحشرات وقتها في الأكل والتكاثر، وكلِّ ما تفعله له صلة بهذين النشاطين تقريبًا.
التودّد. تجذب الحشرات رفاقها للتزاوج بوساطة العديد من الطرق. فتنبعث من إناث الكثير من أنواع العثّات روائح تجذب الذكور عبر مسافات طويلة في الغالب، كما أن لذكور أنواع عديدة من الفراشات أعضاء شم تستعملها لجذب الإناث، بينما تغني ذكور الجنادب، والجداجد، وزيز الحصاد، والجنادب الأمريكيّة لجذب الإناث، كما تفرز ذكور صراصير الأشجار سائلاً من خلف أجنحتها تتغذى به الإناث، وتجلب ذكور الذباب الراقص هدايا لإناثها من الحشرات التي تصطادها، بينما تجذب إناث بعض أنواع اليراعات الذكور بإصدار وميض على شكل شفرة معيّنة، فتستجيب ذكور بعض الأنواع بإرسال ومضات ضوئية وتنتظر من الإناث إرسال استجابات ضوئية.
الحياة الأسرية. ليس لدى العديد من الحشرات أية حياة أسرية، حيث يتلاقى الأبوان ـ فقط ـ للتزاوج، ثم بعد ذلك تضع الأنثى بيضها في مكان يتوفر فيه الغذاء للصغار وتتركه. ويخزن كثير من الزنابير والنمل الغذاء مع بيضه، بينما تضع الزّنابير الطفيليّة والذباب الطفيلي بيضها على الحشرات والحيوانات الأخرى أو قربها.
أما النغفة فتلصق بيضها بشعر الخيل، حيث تلحسها الخيل؛ لتفقس وتنمو يرقاتها داخل معدة الخيل، ثم تُطرح اليرقات كاملة النمو إلى الخارج مع فضلات الخيل. وتعتني إناث بعض الأنواع ببيضها، فمثلاً تُبقي حشرة إبرة العجوز بيضها نظيفًا وتحرسه إلى أن يفقس، ثم ترعى الصغار، كما تبقى بعض أنواع الخنافس مع صغارها لتحميها وتطعمها.
ولكنّ الحشرات ذات الحياة الأسرية الحقيقيّة هي الحشرات الاجتماعية، ومن بينها: كلّ أنواع النمل الأبيض (الأرضة)، وكل أنواع النمل والعديد من النحل وبعض أنواع الزنابير. فهي تعيش في مجتمعات منظمة يعتمد كلّ فرد فيها على الأفراد الآخرين، وما تلك المجتمعات إلا أسر كثيرة الأفراد. فمثلاً توجد ما يقرب من 60,000 إلى 80,000 حشرة من النحل في مستعمرة نحل واحدة، تنحدر جميعها من ملكة واحدة. وكذلك ملايين الأفراد الموجودين في مستعمرة نمل أبيض واحدة. فوظيفة الملكة ببساطة وضع البيض، بينما تقوم الحشرات ذات الأطوار المكتملة الأخرى في المستعمرة بمهمة التغذية والعناية بالصغار، وغالبية الحشرات ذات الأطوار المكتملة في المستعمرة لا تستطيع التكاثر وتسمّى الشغَّالات. وللنمل الأبيض شغالات من الجنسين كما يوجد بكل مستعمرة من مستعمراته ذكر دائم للتكاثر يدعى الملك. ولكن تكون كل الشغالات في حالة النمل والنحل والزنابير من الإناث، كما يوجد في مستعمرات تلك الحشرات ذكور لأوقات معينة ـ فقط ـ وظيفتها الوحيدة التزاوج مع الملكة. وتموت بعد ذلك مباشرة، فللشغَّالات في المستعمرة أعباء مختلفة، حيث تقوم الحاضنات برعاية الصغار، وتقوم الحارسات بالدفاع عن المستعمرة من هجمات الأعداء، بينما تبحث بعض الشغالات عن الطعام، وتقوم أخريات بنظافة وتوسيع العش.
ولعل النمل من أنجح الحشرات الاجتماعية، إذ لديه العديد من طرق الحياة. فبعض النمل يربي حشرات قمل النبات وبعض اليساريع والحشرات الأخرى لكي يمتص منها سوائلها الحلوة. بينما يقوم النمل الحاصد بجمع الحبوب وتخزينها في بيوته، وتقوم بعض من أنواع النمل، مثل النمل قاطع الأوراق بزراعة طعامه بنفسه، حيث يزرع مزارع فطرٍ صغيرة داخل بيوتها. ويقوم النمل اللص بسرقة الطعام من أعشاش غيره، بينما تهاجم أنواع من النمل بيوت النمل الأخرى وتسرق الصغار وتربيها في بيوتها كعبيد لها. ويعيش نمل الجيوش أساسًا على صيد الحشرات الأخرى، فهي تزحف على الأرض في مئات الآلاف، وتأكل كل الحشرات التي تقابلها في طريقها، كما تهاجم أيضًا الفئران والسّحالي أو أية حيوانات أخرى، وذلك بالالتفاف حولها في تشكيلات عديدة كذراعي كماشة، فإذا لم يستطع الحيوان الهروب من حلقة النمل التي تضيق عليه باستمرار، فإنه يُمزَّق بسرعة إلى قطع صغيرة.
تتصل الحشرات الاجتماعية فيما بينها عن طريق الصوت واللّمس والرّائحة، ويستخدم نحل العسل الرقص لإخطار بقيّة أفراد الخليّة عن اتجاه ومسافة مصدر الغذاء.
السبات الشتوي والهجرة. يموت كثير من الحشرات عند اقتراب الشتاء، ولكن كثيرًا منها تعيش خلال البرد في حالة سبات شتوي، في طور البيضة، أو اليرقة، أو الخادرة. كما يدخل في السبات الشتوي كثير من الحشرات المكتملة النمو بما فيها الذباب المنزلي، والبعوض، والدعاسيق، وبعض العثات والفراشات، حيث تمضي الشتاء في حظائر المزارع وفي المخازن وأسقف الغرف والكهوف وتجاويف الأشجار والأنفاق الأرضيّة والمناطق المحميّة الأخرى.
تتجمع كل فرق الفراشات الملكية بالقارة الأمريكية الشمالية بكميات هائلة لتطير في سحب كثيفة جنوبًا، حيث تمضي الشتاء في المناطق المداريّة أو شبه المداريّة، ثم تعود للشمال في الربيع. وتضع البيض في طريق عودتها، وقليل منها يعيش ليكمل الرحلة إلى الشمال. وتكمل الصغار رحلتها شمالاً بعد وصولها للطور المكتمل. وتهاجر فراشات السيدة الملَوَّنة وأنواع عديدة أخرى من الفراشات كلّ موسم، كما تهاجر بعض أنواع العثّات مثل عثة بوجُنْج الأسترالية.
وتقوم أنواع عديدة من الحشرات الأخرى برحلات هجرة طويلة أيضًا، وأشهر ما يقوم بتلك الرحلات الجراد الذي يهاجر في أسراب كبيرة تحجب ضوء الشمس. ولا يهاجر الجراد بسبب الجوع، بل قد يغادر أراضي بها الغذاء الوفير، ولا يتوقف للتغذية خلال معظم طيرانه الطويل. وعند هبوطه واستقراره فإنه يهلك كلّ النباتات ولا يترك منها شيئًا.
الوقاية من الأعداء للحشرات العديد من وسائل الدفاع عن النفس ضد الأعداء. ومعظم الحشرات تحاول ببساطة الهروب والطيران بسرعة، أو القفز، أو العدو بسرعة بعيدًا عن الأعداء. ويبدو كثير من اليساريع والخنافس في هيئة حشرات ميّتة، أو تتخذ أسلوب تهديد تخيف به العدو.
وللعديد من الحشرات أسلحة قويّة للدفاع عن النفس، فبعضها يشن حربًا كيميائية: فيقذف مواد كيميائية ضارّة نحو أعدائه مثل الخنفساء المدفعجية، وحشرات لمة الأذن، والصراصير، والعديد من الحشرات الأخرى. بينما يصدر كلّ من البقّ المرقط (النتن) والحشرات شبكية الأجنحة وخنافس الجيف روائح كريهة جدّا تطرد الأعداء. ولبعض أنواع النمل وذباب الخيل (ذباب التبانا) وأنواع أخرى من الحشرات فكوك قوية تلسع بها لسعًا مؤلمًا. ولدى النحل والزنابير وبعض أنواع النمل أدوات لسعٍ سامة. ولبعض اليساريع شعيرات جوفاء تحتوي على سمّ تنكسر عند أخف لمسة، باثة للسّم. ويحمي بعض الفراشات، والعثات، والحشرات الأخرى، مجردُ طعمها الرّديء عند الطيور أو الأعداء الآخرين.
ويهرب العديد من الحشرات من أعدائه؛ لأن لونه أو شكله يتأقلم تمامًا مع الوسط البيئي الموجود فيه، لدرجة لا يلاحظها الأعداء، فمثلاً حينما تكون العثات في حالة استرخاء على جذوع الأشجار لا يمكن تمييزها عن لحاء تلك الأشجار، وبعضها يشبه براز الطّيور الموجود على جذوع الأشجار بصورة لا يمكن تمييزها عنه. بينما تشبه الحشرات العصوية وكثير من اليساريع أغصان الأشجار بحيث يصعب جدّا تمييزها عنها. وحينما تطوي فراشة الأوراق بجناحيها فقد تبدو وكأنها ورقة شجرة ميتة جافة.
ولدى بعض الحشرات ذوات الأسلحة الدفاعية القوية مثل أدوات اللسع السّامة والرّش الكيميائي، أنماط لونيّة براقة، فلدى الكثير من النحل والزنابير خطوط صفراء وسوداء، فإذا هاجمها حيوان ما مرة واحدة وجرب لسعها، فإنه لن يجرؤ على المحاولة مرة أخرى ضد من لديه تلك الخطوط الصفراء والسوداء؛ فتلك الخطوط تجعله يتذكر أن تلك الحشرات خطرة جدًا.
وتماثل الكثير من الحشرات، التي ليس لديها أسلحة دفاعية قويّة، الأنماط اللونية المميزة للحشرات ذات الأسلحة الدفاعية، وبذلك ينخدع بها الأعداء ولا يجرؤون على مهاجمتها، وتسمى تلك الحشرات المتنكرات. وتشمل المتنكرات الشائعة بعض أنواع الذباب الرفراف، والخنافس، وذباب ذكور النحل. وكلها تشبه النحل أو الزنابير. ومن أشهر المتنكرات الفراشة نائب الملك التي تشبه الفراشة الملك، وبذلك تدع الطيور الفراشة نائب الملك وشأنها، ولا تحاول أكلها، معتقدة أنها الفراشة الملك ذات الطعم غير المستساغ لديها. وهكذا تشبه بعض الحشرات ذات الحماية الجيّدة حشرات أخرى ذات حماية جيّدة أيضًا، فللكثير من الزّنابير ـ من أنواع مختلفة ـ الحلقات السوداء والصفراء نفسها الموجودة في منطقة البطن. وبتنكرها ـ بأشكال البعض الآخر ـ تكسب الحشرات ذات الحماية حماية فوق حمايتها. انظر: التنكر البيئي ؛ التلوين الوقائي
لماذا تسلك الحشرات سلوكها المميز. حياة معظم الحشرات مكتملة النمو قصيرة جدًا. ولذا لا تستطيع الحشرات الصغار التعلم من آبائها، وفي كثير من الأحيان تموت الحشرات ذات الأطوار مكتملة النمو قبل ولادة الصّغار، وعلى الرغم من ذلك، فإن الحشرة الصغيرة ليست في حاجة إلى تعلّم ما تريد. وذلك لأن كلّ أنماط سلوك الحشرة موروثة، مبنية بإحكام داخل جهازها العصبي، ولذا فهي تتفاعل بصورة تلقائية مع بيئتها. فإذا أضيء مصباح ما، فإن العثة تتجه نحوه بتلقائية، ولكنّ الصرصور يفرّ هاربًا منه. كما تجذب رائحة الفاكهة المفرطة في النضج ذباب الفاكهة مثلما تجذب الحرارة المنبعثة من أجسام الحيوانات ذات الدم الحار البراغيث.
وغالبًا ما تظهر الحشرات ذكاءها وإلمامها ـ تمامًا ـ بكنه ما تفعل، فمثلاً حينما تكون أنثى الزّنبور الانعزالي جاهزة للتكاثر، تبحث عن المكان المناسب لبناء العش وبعد بناء العش، تبحث عن الفريسة المناسبة ـ عنكبوت أو يسروع ـ عن طريق أداة اللسع السامة، ثم تشل الضحية وتحملها إلى العش، ثم تضع عليها بيضها وتفقس يرقة تتغذى بالضحية، ثم تسد العش وتخفيه. كل ذلك تفعله أنثى الزنبور تلقائيا وبالفطرة الإلهية دون أن تتعلمه.
وتستطيع الحشرات التعلم، حيث يمكن لنحلة العسل أن تتعلم ربط لون معيّن بالطعام، كما تتعرف ـ تمامًا ـ على النقاط الشهيرة حول خليتها. وعمومًا تتصرف الحشرة المعيّنة في النوع المعين على حسب النمط السلوكي المتوارث لديها، ولقد نشأت تلك الأنماط السلوكية عبر قرون عديدة.
|