إن هناك عدة أدوات إذا استفاد منها الزوجان وأحسنا التعامل معها , استطاعا أن يتجاوزا الخلافات والمشاكل الزوجية , وبعض هذه الأدوات تحتاج إلى تدريب نفسي ومجاهدة , لكي يستطيع الزوجان التمكن منها , وهى تعتبر بمثابة ( قميص النجاة ) الذي ينقذ الزوجين من الخلافات الزوجية , ولا يعني ذلك انه إذا لبس الزوجان قميص النجاة فإنه لن تحدث لهما أي مشاكل أسرية !! وغنما فائدة قميص النجاة أنه يريح نفسية الزوجين عند حدوث المشكلة , ويجعلهما يحسنان التعامل مع المشاكل الزوجية , وذلك من خلال النظرات التالية :
*النظرة الصحيحة للمشاكل الزوجية .
*إعطاء المشكلة حجمها الطبيعي .
*عدم تضخيم المشكلة وتعقيدها .
*النظر في الجانب الايجابي في المشكلة الزوجية .
*التعامل مع المشكلة الأسرية بنفسية مطمئنة .
وغير ذلك من الفوائد التي يستطيع كل شخص استنباطها , ونعني بذلك أن قميص النجاة ليس بالضرورة يعالج المشكلة , وإنما المهم أن الزوجين يحسنان التعامل مع المشكلة مع تخفيض آلامها أثناء العلاج , ومثالنا على ذلك:
كمثل المريض إذا أراد غرفة العمليات البنج يعطيه إبرة فتخدره لكي تجري له العملية دون أن يشعر بالألم , ثم يستيقظ بعد انتهاء العملية وزوال أثر المخدر فيشعر ببقايا الألم ثم يتماثل للشفاء , وهذا ما نريه من ( قمصان النجاة ) .
ولنبين الآن ( قمصان النجاة ) التي تساهم في عملية التحضير لحدوث الراحة النفسية عند نزول البلاء الزوجي .
- القميص الأول : أعظم البلاء :
إن معرفة الزوجين ما هو أعظم البلاء وتذكره يجعلها دائماً يحمدان الله تعالي على ما يصيبهما من بلاء أو مشاكل سواء أكانت المشاكل زوجية أم غيرها ..
وعن أعظم الابتلاءات ( قسوة القلب ) كما قال حذيفة بن قتادة رحمه الله عندما قال :
( أعظم المصائب قساوة القلب ) فلإنسان ينبغي أن يحمد الله تعالي دائماً أن قلبه غير قاس ورطب بالإيمان وبذكر الله تعالي لان ذلك فيه حفظ للدين في نفسه وعلمه إذا لم يكن قاس ورطب بالإيمان وبذكر الله تعالي , وهذا ما قرره أحد الصالحين عندما سرق اللص منزله وسمع بالخبر فقال ( الحمد لله أن اللص قد سرق منزلي , ولم يسرق التوحيد من قلبي ) فهذه معاني عظيمة لو عاشها الإنسان لشعر بالراحة والطمأنينة عند نزول المصائب الزوجية , وأن أحداً غيره لم يصب بمثلها , فهذا إنسان يريد أن يحطم نفسيته ونفسه بيده , والنجاة من ذلك بلبس القميص الأول للنجاة وهو تذكر أعظم البلاء عند نزول الابتلاء .
- القميص الثاني : الرضي بالقدر
على قدر ما يكون لدي الزوجين من الرضي بالقدر بمقدار ما تكون نفسيتهما مطمئنة ومرتاحة عند حدوث المشاكل الزوجية , وكلما قوي الرضي بالقدر عند الزوجين وقويت علاقتهما بربهما , كلما ازداد الاطمئنان والراحة وقد بين لنا ابن القيم – رحمه الله – المشاهد التي تتعلق بالأمر المقدر على الإنسان والتي إن عرفها الزوجان وتفكرا فيها لم يقلقا عند حدوث المشكلة فقال إذا جري على العبد مقدور يكرهه فله فيه ستة مشاهد :
*مشهد التوحيد : وهو أن الله هو الذي قدره وشاءه وخلقه .
*مشهد العدل : أنه ماضي في حكمه , عدل فيه قضاءه .
*مشهد الرحمة : أن رحمته في هذا المقدور غالبة لغضبه وانتقامه .
*مشهد الحكمة : أي إن حكمته سبحانه اقتضت ذلك , وأنه لم يقدره عبثاً .
*مشهد الحمد : أن له سبحانه الحمد التام على ذلك من جميع وجوهه .
*مشهد العبودية : أنه عبد فيصرفه الله تعالي ن=تحت أحكامه القدرية كما يصرفه تحت أحكامه الدينية .
عن هذه المشاهد الستة عظيمة جداً إن درب الزوجان أنفسهما عليها , فإذا نزل البلاء الأسري عليهما كفقر أو خسارة مالية أو وفاة ولد أو حادث سيارة أو غيرها من الابتلاءات فإذا تذكر الزوجان مشهد التوحيد أو العدل أو الرحمة أو الحكمة فإن هذه المعاني ستسلي نفسه ونفسيته , وستخفف عنه حرارة المصيبة , وستجعله يتعامل معها بنفسية مطمئنة .
- القميص الثالث : الصبر والصلاة
إن القميص الثالث والذي يريح النفس عند نزول البلاء الأسري الاستعانة بالصبر والصلاة فهما الدواء الشافي والكافي , وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه إنه نعي إليه أخوه وهو في سفره , فاسترجع ( أي قال : إنا لله وإنا إليه راجعون ) ثم صلي ركعتين وقال : فعلنا كما أمر الله ( واستعينوا بالصبر والصلاة )
فالصبر مفتاح الفرج واجر الصابرين عظيم عند الله تعالي والصلاة فيها سكينة وراحة , فإذا حدثت المشكلة الزوجية وصبر واسترجع أحد الزوجين ثم توضأ وصلي ركعتين ودعا فيهما مخاطباً ربه أن يسهل عليه الأمر ويفرج عنه الهم فإنه يشعر بالراحة بعدها , وأنه ليس بمفرده يواجه الصعاب , وإنما معه القوي العزيز الذي لا يعجزه شئ ولا يقهره شئ تبارك وتعالي فتزداد الثقة في نفس المبتلي سواء أكان زوجاً أو زوجة , ويتعامل مع المشكلة بثبات وحكمة , كما تعامل مع حدث الوفاة ابن عباس رضي الله عنه
- القميص الرابع : علاج المصائب
بعض الأزواج و الزوجات يصدمون عند حدوث مشكلة زوجية , ولا يحسنون التعامل معها إلى درجة أنهم يعقدونا أكثر , ويزيدون من حجمها حتى لا يستطيعون التعامل معها بعد ذلك علاجها , والذي يريح نفوس الأزواج ويجعلها مستقرة , معرفتهم بطرق ووسائل علاج المصيبة إذا حصلت , وقد ذكر أبو عبد الله الحنبلي صاحب كتاب ( تسلية أهل المصائب ) عن أبي الفرج ابن الجوزي سبع طرق لعلاج المصيبة , ثم أضاف عليها المؤلف ستة طرق أخري , وهي كالتالي :
*الأول : أن يعلم بأن الدنيا دار ابتلاء , والكرب لا يجي منه راحة .
*الثاني : أن يعلم أن المصيبة ثابتة .
*الثالث : أن يقدر وجود ما هو أكثر من تلك المصيبة .
*الرابع : النظر إلى حال من ابتلي بمثل هذا البلاء .
*الخامس : النظر في حال من ابتلي أكثر من هذا البلاء فيهون عليه .
*السادس : رجاء الخلف إن كان من مضي يصح عنه الخلف كالولد .
*السابع : طلب الأجر بالصبر في فضائله وثواب الصابرين .
*الثامن : أن يعلم العبد أنه كيفما جري القضاء فهو خير له .
* التاسع : أن يعلم تشديد البلاء يخص الأخيار .
العاشر : أن يعلم انه مملوك , وليس للملموك في نفسه شئ .
*الحادي عشر : أن هذا الواقع وقع برضي المالك فيجب على العبد أن يرضي بما رضي به السيد .
*الثاني عشر : معاتبة النفس عند الجوع بأن هذا الأمر لابد منه .
*الثالث عشر : إنما هي ساعة فكأن لم تكن .
فمن درب نفسه من الزوجين على هذه العلاجات للمصيبة الزوجية فإنه سيتلقى المشكلة بصدر رحب , ويحسن التعامل معها .
- القميص الخامس : أسباب تعين على الصبر
عندما نقول لأحد الزوجين وهو يعاني من مشكلة زوجية أصبر فإن الزمن جزء من العلاج , فإنه يتضايق ويضجر , ونحن لا نلومه , لأن الصبر دواء مر ومكروه , ولا يستطيع أن يتحمله كل زوج أو زوجة , وقد بين لنا ابن القيم الجوزية هذا المعني وفصل في الأسباب المعينة على الصبر فقال :
( ما جعل الله من داء إلا جعل له دواء , فالصبر كريه على النفس , فلذلك جعل الله له أسبابا لكي يعين بها على المصيبة ).
- القميص السادس : الرؤية الإيجابية
إن من الأمور التي تخفف وقع المشكلة الزوجية رؤية الخير والمنافع في الابتلاءات و المصائب الزوجية ونريد أن نؤكد هذا المعني الآن من خلال المنهج العمري لعمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما قال ( ما أصبتني مصيبة إلا وجدت فيها ثلاث نعم :
الأولى : أنها لم تكن في ديني
الثانية : أنها لم تكن أعظم مما كانت
الثالثة : أن الله يعطي عليها الثواب العظيم والأجر الكبير
وأنا اعرف رجلاً لم يكن لديه هذه النظرة الإيجابية , وقد تزوج أكثر من مرة ودائماً يشتكي من الحياة الزوجية ومشاكلها , وقد تكررت المشاكل معه في كل تجربة زوجية والمشكلة ليست في زواجه ولا زوجته , ولكن المشكلة تنحصر في نفسه التي تنظر إلى المشاكل والخلافات دائماً على إنها سلبية و مشكلة كبيرة .
- المشكلة السابعة : التصميم لحل المشكلة واحتوائها
إن الإرادة تصنع الأعاجيب فكلما كان للزوجين إرادة وعزم على احتواء المشكلة والتغلب عليها , كلما كان موفقين في تجاوز أي مشكلة زوجية في علاقتهما الأسرية .
فكم من محاولة حرص الزوجان على القيام بها لعلاج مشكلة معينة وفشلت ؟! ثم ما هي الوسائل التي اتبعه الزوجان لتفادي ذلك الفشل ؟! كل هذه التصرفات والأمور تحتاج على إرادة قوية وتصميم على علاج المشاكل .
إذا نظرت إلى حل المشاكل كوسيلة تتعلم منها الأمور فإن ذلك يعني أنه حتى لو لم تحل المشكلة وفقاً لما يرضيك كلياً , فسيكون بإمكانك الاكتساب من الخبرة السابقة , مما يجعلك في وضع أفضل في المرة القادمة , و إذا رغبت فيما يذكر بما اكتسبته من ذلك أسال نفسك الأسئلة التالية :
•هل تعلمت أي شئ من مواجهه المشكلة والسعي لحلها .
•هل أنا قادر الآن بشكل أفضل على حل مشكلة متشابهة .
•هل اشعر بثقة اقوي في إمكانيتي في معالجة المشاكل بشكل عام .
ولا شك أن هذه النصائح جيدة يمكن للزوجين الاستفادة منها في احتواء المشاكل الزوجية , مع استعانتهم بالله تعالي فهو الميسر والموفق للتصدي بصواب للأحداث الصعبة .
- القميص الثامن : استشعار معية الله
كلما استشعر الزوجان معية الله تعالى في حركاتهما وقيامتهما وقعودهما كلما شعرا بالطمأنينة و السكينة حتى ولو واجهتها الصعاب, فشعور الإنسان دائما أن الله تعالى معه يقوى من عزمه , و يشد من إرادته , كما قوى عزم موسى علية السلام عندما خاف أصحابه لما رأوا البحر من أمامهم والعدو من خلفهم , فنطق العقل الخائف وقالوا( إنا لمدركون ) الشعراء /62 ولكن موسى علية السلام يعيش بمعية الله كاف عبده , ويدافع عن المؤمنين ولن يخذل الله عبده فقال وبثقة راسخة ( إن معي ربي سيهديني ) , كما طالت المشكلة الزوجية على أيوب عليه السلام وزوجته , ولكن صبرهما و استشعارها بمعية الله التي ثبتهما وكانت سبباً في نجاتهما وسعادتهما فليكن الزوجان مع الله تعالي دائماً , فإنه نعم المولي ونعم الوكيل .
- القميص التاسع : الوقت جزء من العلاج
إن المشاكل الزوجية أو الأسرية ليست كالمشاكل الكهربائية أو الصحية والتي يستطيع الإنسان أن يعالجها في دقائق معدودة , وإنما تحتاج إلي وقت , والوقت جزء من العلاج فطبيعة النفوس إنها متقلبة وعجولة , ولا تنضبط بقالب واحد كقالب الثلج أو الطين , وإنما طبيعة الإنسان مهما استطعنا أن نضبطها فإنها تتحرك وتتغير , وذلك بسبب ما أودع الله تعالي فيها من الشهوات و ألاهواء فالذي يتعامل مع النفسية لابد أن يعرف هذه الحقائق , وهي التي تساعده على حسن التعامل مع النفوس وعلاجها لتكون سوية مستقيمة , فإنها تحتاج إلى صبر و حلم , وما لم يكن أحد الزوجين متحلياً بهاتين الصفتين فانه يستعجل قطف الثمرة قبل صلاحها , وهذا يضر الثمرة أكلها .
ولذلك نؤكد بأنه ليس كل المشاكل الزوجية تعالج بجلسة مصارحة واحدة وفي دقائق محدودة , وإنما بعض المشاكل يحتاج الزوجان فيها إلى وقت والوقت كما قلنا جزء من العلاج .
- القميص العاشر : فهم النفسية
أن فهم نفسية كل طرف للأخر ومعرفة مفاتيح النفوس ومغاليقها يساعد على احتواء المشاكل الزوجية , فلابد من معرفة :
ما يحب كل طرف من التصرفات ؟
وما يحب من الكلمات ؟
وما يحب من مشاعر والتقديرات ؟
وما يحب من اللمسات ؟
واليك هذا المثال التوضيحي :
نفترض أن شخص حاول أن يدفع الحصان إلى الأمام بضعت أمتار من خلال دفعة من الخلف, و الحصان ثابت يرفض أن يتقدم , والشخص يدفعه بكل قوته , ولم يستطع يحرك خطوة واحدة , وهو في هذه الحالة رآه خيال ماهر في التعامل مع الخيول , فقال له ماذا تفعل؟ فقال : أريد أن أحرك الحصان إلى الأمام بضعت أمتار , ولقد دفعته من الخلف بكل خطوة ولم يتقدم خطوة
فقال الخيال : هل تسمح لي أن أقدمه لك ؟
قال تفضل ..
فذهب الخيال أمام الحصان ووضع أصابعه الإبهام في فمه , وبدأ الحصان يلحس أصابعه , وبدأ الخيال يتبعه إلى الأمام ..
ثم أوقفه عند الهدف المنشود , والرجل ينظر إليه باستغراب شديد ..
ثم التفت الخال قائلاً : إذا أردت أن تحرك الحصان فيما يحبه هو , لا فيما تريد أنت !!
ونحن نقول أنها قاعدة عظيمة في فهم نفسيات يمكن للزوجين استخدامها , ومعرفة ما يحب كل طرف و ما يكره , واستثمار ذلك في فن احتواء المشاكل الزوجية..