كاتب الموضوع :
lonesome
المنتدى :
روايات أونلاين و مقالات الكتاب
رسالة كراهية حارة صادقة !
في ذروة قصة عبدة الشيطان إياها (التي اتضح أنها تلفيقة كبرى) كنت أقف عند (عبده) بائع الجرائد في حينا جوار طفل صغير يشتري علبة ثقاب، أطالع بلا احتفال عناوين الصحف التي امتلأت بأخبار عبدة الشيطان .. وكانت هناك صورة لطالب وطالبة يقفان في الشارع يتمازحان، وقد وضع المحرر علامة سوداء على العينين لهما مع تعليق عبقري يقول: "التقيا في ميدان التحرير واتفقا على عبادة الشيطان !"
كنت أقرأ هذا الهراء حينما دنا منا رجل يبدو أنه مخبول تمامًا .. راح يرمق عناوين الصحف ثم راح يصيح بعينين زائغتين والزبد يسيل من شدقيه: "دول لازم يُحرق حيًا (هكذا) !" .. ثم انطلق في وصلة سباب للأقباط وكيف أنهم أقسموا ألا ينزعوا اللون الأسود إلا عندما يرحل الإسلام عن مصر .. لم أفهم ما دخل الأقباط في الموضوع ؟.. الكلام كله عن عبادة الشيطان إن لم تخنني الذاكرة .. كان مجنونًا تمامًا فلم أرد عليه حتى انصرف طبقًا لقاعدة (ما دام ما مدش إيده خلاص) ..
هنا رأيت (عبده) البائع يميل على الطفل الراعش ممتقع الوجه ويسأله في رفق:
ـ"عاوز حاجة تانية يا (مايكل) يا حبيبي ؟!"
هل فهمت ؟ .. هذا الأداء المسرحي المرعب الرائع كان أمام طفل قبطي بريء !!.. فما الرسالة التي تلقاها هذا الطفل ؟.. وما العق دة التي غرست في روحه ؟.. وكيف سينظر بقية حياته لي أنا أو البائع المسلمين اللذين بالتأكيد لا نريد حرقه حيًا ؟..
هذه هي المشكلة .. أنت تزرع الكراهية بلا توقف ثم تتوقع أن تحصد التسامح .. منذ ثلاثين عامًا والناس تتعامل على أن كراهية المسيحيين ركن جديد من أركان الإسلام .. الرجل يسرق ويزني ويكذب ويتكاسل عن العبادات، لكن حينما تأتي سيرة الأقباط تشتعل النار في عينه ويتحول إلى المدافع الوحيد عن دين الله .. هل نندهش بعد هذا لو تعامل الأقباط بالمثل ؟.. النتيجة أن هناك اليوم الكثيرين من المتعصبين وسط الأقباط يعاملون المسلمين نفس المعاملة وأسوأ .. ألا رحم الله العظيم أحمد بهاء الدين الذي حذر من انتشار شريط (ديدات) و(سواجارت) في بيوت المصريين، وقال كلمته التي لن أنساها بعد عشرين سنة: "كأن النار بحاجة إلى من يسكب عليها هذا البنزين ! .. إن هذا الشريط مقبول في الغرب حيث يوجد انفتاح ثقافي يسمح بهذا الجدل الديماجوجي ..لكن ليس عندنا "..
لم يصغ له أحد وظل المصريون يتداولون الشريط كما يتداولون شرائط المصارعة الحرة ..
نصحنا المفكرون كثيرًا أن هناك فارقًا بين معاداة اليهود ومعاداة الصهيونية ، بينما تجد أن عبارة كراهية اليهود شائعة في الأدبيات العربية .. هكذا تلعب إسرائيل على نغمة ذكية كالعادة هي أن العرب لا يكرهونها إلا لأنها دولة يهودية .. ليس لأن الصهاينة نازيون وقتلة ولصوص أرض ولكن لأنهم يهود.. والعالم الغربي على أتم استعداد لتصديق هذا ..--
نفس الشيء يحدث على نطاق عالمي واسع .. اليمينيون على الطرفين ازدادوا تطرفًا .. يكفي أن ترى مجادلات المسلمين والهندوس في أي منتدى يضم الاثنين لتصاب بالرعب ..
المشكلة أن الفجوة تزداد اتساعًا وصار من العسير جدًا إصلاحها .. كيف يمكن وقف عجلة الحقد الدائرة عند الطرفين ؟.. هل تتصور أن تدخل على مواقع هؤلاء المخابيل لتقول إن الإسلام ليس كذلك وإنهم يفهمونه خطأ .. الخ ؟
حجم الكارثة:
في الحقيقة أنا ضد نشر ما يقال عن الإسلام مهما كان شنيعًا، وقد قلت هذا للصديق الشاب الذي كتب مقالاً عن ذلك المدعي الذي هاجم الإسلام في مدونة على شبكة الإنترنت .. كان رأيي أن نشره لمقاطع من كلام المدعي يروج له أولاً.. ثم يهيج المشاعر بشكل لا يمكن التحكم فيه .. تصور أن يخبرك أحدهم أن فلانًا يتحرش بزوجتك ويعاكسها .. ثم يطالبك بأن تهدأ وتحكم العقل !.. أي عقل ؟.. المنطقي أن تأخذ سكينًا وتنطلق لذبح فلان هذا . إذن هذا البلاغ ليس سوى تحريض على القتل .. ما حدث في الاسكندرية نموذج جيد جدًا لهذا، ولولا قوة الدولة –التي ندعو الله أن تظل كذلك - لتساقطت الرءوس ..
لكنني قررت خرق قاعدة عدم الكلام هذه عندما بدأت أعي حجم الكراهية الموجهة ضد الإسلام، تلك التي شعرتها في شبكة الإنترنت وتنذر بخطر عظيم .. عندما سقط مركز التجارة العالمي أعلن (أسامة بن لادن) أن العالم انقسم إلى فسطاطين .. هذا هو ما حدث بالفعل وما قام به حرفيًا ..
مؤخرًا ثارت ضجة حول اثني عشر رسمًا كاريكاتوريًا نشرت في الدانمرك وتظهر الرسول صلى الله عليه وسلم بشكل لا يليق.. دخلت شبكة الإنترنت لأعرف تفاصيل الموضوع معتقدًا أنه ذات العبث التقليدي الذي يتكرر من حين لآخر .. فقط لأفاجأ بطوفان من الحقد والكراهية السوداء لم أتوقع وجوده وبهذا الحجم .. في أحد مواقع المدونات blog يعلق الغربيون وأكثرهم أمريكيون على غضبة العالم الإسلامي على هذا الكاريكاتور (قمت بحذف ما هو مستفز أو فاحش أكثر من اللازم):
يقول أحدهم: " إن قيم حرية التعبير هي كفر بالنسبة لهؤلاء المسلمين .. لا جدوى من التهدئة .. يجب إبادتهم نوويًا .."... فيرد آخر: "إن الدانمركيين يضربون أنوفهم بأصابعهم ساخرين من المحمديين .. آخر الحملات الصليبية قد بدأت يا شباب وعلينا أن نلحق بها .."
ثم هناك اكتشاف لغوي جديد هو كلمة يطلقونها على المسلمين ومركبة من كلمتين .. إنها Koranimals التي لن أترجمها لكن أي طفل يعرف معناها .. ويبدو أن أحمق ما أصدر فتوى بإباحة دم رسام هذا الكاريكاتور .. تلك الفتاوي التي تثير العالم علينا ولا تقدم ولا تؤخر ..هكذا تحول الأمر إلى قضية رأي حر يحاول المسلمون وأده، بدلاً من مجرد رسام قليل الأدب تجب مقاضاته ..
يطمئنهم أحدهم أن سلمان رشدي ما زال حيًا .. إذن هؤلاء المسلمون غير جادين .. فيقول آخر إن مترجم رشدي الياباني مات طعنًا .. مترجمه الإيطالي ضرب .. انفجر الفندق الذي يقيم فيه مترجمه التركي ومات 37 شخصًا .. وناشره النرويجي مات رميًا بالرصاص .. هذه المعلومات العجيبة لم أسمع بها من قبل لكنها ضخمة إلى درجة انك تبتلعها لأنه لا أحد يكذب لهذه الدرجة ..
يقترح أحدهم: "لماذا لا نبدأ حملة رسوم متحركة ونضع عصا في عش الدبابير ؟؟ لماذا لا نرسم كاريكاتورًا يبدو فيه المسيح وهو يلوم محمدًا على دعوته للعنف ؟" فيرد آخر : "هم يعرفون أنهم لا يستطيعون الدفاع عن الإسلام بينما الجميع يعرف حقيقة هذا الدين ومؤلفه .. لذا يحاولون ذبح الحقيقة (كما حدث مع المخرج ثيو فان جوخ المخرج الهولندي).."
ثم تجد وصلة فائقة تقودك إلى موقع مخصص لقصة ستريبس رسمها من يطلق على نفسه (عبد العزيز) لكنه غربي كما هو واضح ، وعنوانها (محمد وأسلوب اتبعوني وإلا !!).. القصة تتجاوز كل الحدود وتمتلئ برسوم هازئة تسخر من كل ما يعتبره المسلمون مقدسًا .. لكنها رسوم متقنة رسمتها يد عالية الموهبة، وهنا مكمن الخطر لأنها تقوم بما يقوم به ألف مقال .. وفي الصفحة الأولى يقول الرسام ومؤلف السيناريو: "بما أن غربيين كثيرين قد اعتنقوا الإسلام، فإن عليهم أن يطبقوا الشريعة حرفيًا وإلا عوقبوا بتهمة الكفر، وهي عقوبه قاسية فعلاً !.. في الصفحات التالية نعرف ما يجب على المسلم الجيد أن يعرفه"
في الصفحات التالية يستعمل كل ما وردفي الأحاديث الضعيفة أو الإسرائيليات ليجعلها من حقائق الإسلام .. يتهكم على قصة ذي القرنين وحادثة شق الصدر والوضوء ويزعم أن الإسلام يدعو لذبح القطط والكلاب، وفي كل مرة يذكر ما يفترض أنه نص من القرآن أو الحديث أو صحيح البخاري يدعم ما يقول .. مع رسوم متقنة فعلاً، والكتاب بعد هذا قابل للتحميل مجانًا أو يشحن للعنوان الذي تحدده في سهولة تامة .. إنها رسالة كراهية حارة صادقة نفثها الفنان من أعماق روحه .. هذا هو ما يلخص الأمر ..
الحل:
هنا ألخص مقاطع كاملة من كتاب د. جلال أمين المهم عن عصر التشهير بالعرب والمسلمين. يقول الدكتور: "بعد ما كانت التهمة الجاهزة ضد من يعادي مصالح الغرب هي أنه شيوعي لا يؤمن بالله بالدرجة الكافية، صارت التهمة الموجهة له أنه يؤمن بالله أكثر من اللازم !.."
ثم يهاجم بقسوة مبدأ تحسين صورة الإسلام أمام الغرب .. هل يمكن تجاهل الفارق بين مخاطبة شخص حسن النية يريد الإنصات لك ومستعد لتصحيح ما لديه من أخطاء، مع شخص سيئ النية على استعداد لعمل أي شيء للإضرار بك وقضيتك ؟. وهكذا لن يفعلوا إلا أن يحجبوا صوتك عمن تريد مخاطبتهم، أو يستفزوك فتندفع لقول ما لم تكن تريد قوله.. إن لهجة الغربيين في الكلام عن الإسلام ليست ما يثير الرغبة في تحسين صورة الإسلام عندهم، فهم أساءوا الكلام عن شيء نبيل، ومحاولة تبرئة النفس أمام ظلمهم الصارخ لا تخلو من إذلال ...
يرى د. جلال أننا نرتكب أخطاء كثيرة عند الذهاب للغرب لتقديم شهادات حسن السير والسلوك هذه:
"الخطأ الأول هو صيغة (الإسلام لا يختلف عن المسيحية.. ما تظنونه مختلفًا عنكم ليس مختلفًا على الإطلاق) .. إن هذا يعني التنازل عن خصوصيتك بل التنازل عن الإسلام أصلاً.. وقد قال لورد كرومر منذ مائة عام: إن إسلامًا يتم إصلاحه لا يعود إسلامًا أصلاً..
"الخطأ الثاني هو التبرؤ ممن يكرههم الغرب عن طريق القول إنهم ليسوا مسلمين أصلاً، فلا أحد يحتكر فهم الإسلام الحقيقي، وحتى محمد عبده المجدد العظيم كان أكثر حياء من استخدام هذه التفرقة .. دعك من أن هذا المنطق مردود عليه لأن الغربيين سيسألونك من أين تعرف أن هذا الفهم الفاسد ليس معتقد الغالبية من المسلمين ؟
"الخطأ الثالث هو المبالغة في إظهار فضل المسلمين على الحضارة الغربية .. فالإسلام له ألف سبب يبرر وجوده غير أن يكون مجرد وسيط بدأت منه الحضارة الغربية ..
"الخطأ الرابع هو اعترافنا الضمني بأحداث سبتمبر 11 .. وهي حادثة لم يجر فيها أي تحقيق حتى اليوم فلماذا نقدم شهادة حسن سير وسلوك عن شيء لم يثبت بعد ؟
"حتى عناوين الندوات التي يدعونا الغرب لها غريبة . مثل (دور المرأة في الإسلام) أو (الإسلام في عصر الحداثة).. بمعنى أن هناك تناقضا واضحا بين الإسلام والحداثة لابد من الدفاع عنه .. فهل يقبلون أن ندعوهم إلى مؤتمر عن (استخدام المرأة كرمز جنسي في الإعلام الأمريكي) أو (تناقض تصرفات الحكومة الأمريكية مع نموذجها الأخلاقي ) ؟".
لا يوجد ما يقال بعد هذا الكلام سوى أن الخطأ خطؤنا قبل أن يكون خطأهم، ونشري لهذه الإساءات ليس مقصودًا به إشعال النفوس ولكن التجاهل الصحي.. إن محاولات الدفاع عن ديننا كأنه متهم وسط هذا السعار أقرب لإذلال النفس .. فلنتجاهل هؤلاء الحمقى ونتفرغ لفهم سبب تخلفنا ونظمنا القمعية وكراهيتنا للعلم، ولنحسن معاملة الآخر لأن التعصب لعبة لاثنين، والغرب لم يفعل سوى أنه يلعب ذات اللعبة التي نجيدها ..
|