لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > سلاسل روايات مصرية للجيب > روايات أونلاين و مقالات الكتاب
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات أونلاين و مقالات الكتاب روايات أونلاين و مقالات الكتاب


موضوع مغلق
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-07-07, 01:55 PM   المشاركة رقم: 16
المعلومات
الكاتب:

البيانات
التسجيل: Sep 2006
العضوية: 12318
المشاركات: 5,238
الجنس ذكر
معدل التقييم: بيجاسوس عضو له عدد لاباس به من النقاطبيجاسوس عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 122

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
بيجاسوس غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : lonesome المنتدى : روايات أونلاين و مقالات الكتاب
افتراضي

 

القطرات الاخيرة



كأن الأمر كذلك: عندما قامت ثورة 1919 امتدت يد الزمن العملاقة تعتصر ضرع مصر الحلوب، ولسنوات عديدة سالت منه بسخاء قطرات مثل العقاد وطه حسين ونجيب محفوظ – الطبيب والأديب كليهما – وسيد درويش وأم كلثوم وعبد الوهاب .. الخ .. الزمن يمضي وقد مر نحو القرن، وهاهي ذي القطرات الأخيرة تتدفق من الضرع قبل أن يجف: هيكل .. صلاح جاهين .. بيكار ..جلال أمين ... لا ندري كم من الوقت يجب أن يمضي قبل أن يمتلأ الضرع بالخير ثانية، لكني أعرف جيدًا أن إسماعيل دياب كان بين تلك القطرات الأخيرة..
وصوت إحدى سيمفونيات بيتهوفن ينبعث من جهاز الهاي فاي – من بين أشياء نادرة امتلكها في حياته – وأمامه فنجان القهوة، كانت تعن له فكرة ساخرة فيضحك، ويمتزج الضحك بشخشخة السعال في صدره الذي أرهقه التدخين .. هناك في تلك الشقة الصغيرة – التي لا يملكها - في ميدان الجيش كان يغمس فرشاته باللون وبضربات محكمة خبير يولد على الورق غلاف جديد .. غلاف تشم فيه رائحة رواية لتولستوي أو دستويفسكي أو بلزاك .. وبشكل ما كنت أشعر أنه ينتمي لذلك العالم وانه كان صديقًا شخصيًا لجوركي وديكنز وموباسان .. كان يتذوق الأدب كأفضل نقاده وكانت ثقافته موسوعية ..
أرمق الصورة المعلقة على الجدار خلفه وأتساءل عن معناها .. صورة زيتية لرجل ملقى على الأرض محطمًا منهكًا .. يمد يده إلى إناء فارغ مقلوب أمامه .. ما معنى ذلك ؟
اسمه إسماعيل دياب .. كان يعرف الكثير لكنه لم يتصور قط أن رسومه محفورة في جيلين على الأقل ممن لم يقرءوا الأدب إلا مرسومًا بريشته الساحرة شبه التأثيرية .. منذ كانوا أطفالاً يقرءون قصص دندش وباسل في مجلة سمير حتى عرفوا أن هناك من يدعى جي دي موباسان وبلزاك ...
كنت تلمح في وجهه الطيب المجعد الذي رأى كل شيء، وشعره الأشيب تلك السمات التي لا تخطئها العين .. سمات الناسك الذي يردد: "فلتزأر العاصفة" ويرمق الحياة في ترفع باسم.. تلك النظرة التي رأيتها من قبل في عيني نجيب محفوظ وغاندي وماركيز وتشيكوف ومانديلا.. يشعل لفافة تبغ أخرى ويقول في فخر: "أنا لا أملك أي شيء وأحمد الله على هذا .."
اسمه إسماعيل دياب .. لم يكن يتكلم كثيرًا عن نفسه .. وبصعوبة بالغة تعرف أنه ابن الإسماعيلية .. تخرج في كلية الفنون الجميلة عام 1962 .. هذه الدفعة ضمت أسماء ليست أقل من اللباد وجميل شفيق وعبد الغفار شديد ..
كانت تجاعيد وجهه خارطة مفصلة لتاريخ الصحافة المصرية بعد الثورة .. لقد عمل في أخبار اليوم وروز اليوسف ودار الهلال (مجلة سمير) ودار المعارف والأهرام والهيئة العامة للكتاب .. وكان في حياته سر أكثر جمالاً هو أنه شقيق الأديب محمود دياب .. لم أعرف هذا إلا عندما أخبرني به .. محمود دياب .. الكاتب الثائر الذي تنبأ بالتحولات المرعبة التي توشك أن تعيد الاستعمار الخفي إلى مصر .. مسرحية دنيا بيانولا .. مسرحية تتنبأ بالخراب الذي يقودنا إليه الانفتاح، وللمرة الأولى نرى تيمة العائد من الخارج ليهدم بيت الأسرة القديم وهي تيمة استعملها الجميع فيما بعد .. يوسف السباعي كان ضمن الموجودين في العرض الأول وقد كان رحمه الله من قادة كتيبة الانقلاب ضد مثقفي الستينات، وقد أدرك بفطنته الإشارات التي يرسلها هذا العرض .. وقد ظل يشاهد الأحداث متذمرًا ثم انفجر فجأة واصفًا المسرحية بأنها كلام فارغ وتهريج .. هنا انفجر فيه محمود دياب بدوره .. وكانت هذه نهاية المسرحية ..وبعد أيام احترق المسرح كأن الأقدار تأبى إلا أن تشارك في هذه اللعبة العبثية ..
محمود دياب يدرك حقيقة أن الزمن لم يعد زمنه وأن قواعد جديدة توضع للعبة، وهو ذا يعتزل العالم في شقته الواقعة خلف مستشفى هليوبوليس .. يرقب الناس من الشرفة مشمئزًا مندهشًا من قدرتهم على الحياة وسط هذا الزيف .. يوم 10/10/1983 يموت محمود دياب غريبًا محبطًا كما مات من قبله ومن بعده جمال حمدان ورجائي عليش ونجيب سرور وآخرون لن يتوقفوا عن الدهشة فالحزن فالانكسار فالموت ..
الآن يخيل إلي أنني أفهم الصورة الزيتية المعلقة على الجدار وراء الفنان ..
اسمه إسماعيل دياب .. وكانت ذكرى أخيه من اللحظات النادرة التي يتكلم فيها عن نفسه كثيرًا وبلا توقف ..يتكلم عن أولاد أخيه هشام وهالة وهبة .. أذكر يوم جلبت له مقالاً طويلاً نشر في مجلة وجهات نظر عن محمود دياب، ورأيت الفرحة الطفولية تغزو وجهه ..كان يحتفظ بكل ما كتب أخوه ولا اعتقد أنني كنت واجدًا أية نسخة من الظلال في الجانب الآخر إلا تلك التي أقرضني إياها .. دعك من الهرميتات الصوفية التي كان يطالعها أكثر من مرة أسبوعيًا والتي أثرت حنقه عندما اعترفت بأنني لم أفهمها أو فهمتها ولم أفهم المراد بها ..
لم أكن أعرف أن له ابنًا في العقد الرابع من العمر.. (وائل) مصمم جرافيك في الأهرام.. وابنة هي (جيهان).. موظفة في الثقافة الجماهيرية .. كان يقول لابنه: "يا بني أنا عمري ما كنت معاك أب .. أنا صاحبك وأخوك.".
تلقى الكثير من عقود العمل بالخليج، لكنه لم يسمح لنفسه بالسفر خارج مصر إلا للسياحة .. من على شاكلته جميعًا لا يعرفون لأنفسهم عملاً ولا بيتًا ولا قبرًا خارج مصر .. سافر لأمريكا عام 1978 وقضى ثمانية أشهر يدرس تصميم المناهج الدراسية .. قضى في الرياض يومين لا أكثر .. ثم عاد .. دائمًا يعود .. لم يقم أي معرض خاص قط .. معرضه الدائم كان على أغلفة الكتب .. مرسمه الصغير في المسافرخانة بالحسين احترق عام 1997 ومن وقتها استقر في شقته الصغيرة بميدان الجيش .. يعمل في تصميم روايات مصرية للجيب الموجهة للشباب ويبدي رضاه عن هذا العمل .. رسومه تحفر نفسها بقوة في تعاريج مخ جيل كامل.. لا يتحدث عن أجره فهو يقبل أي مبلغ يكفيه ليحيا .. بينما دور النشر الأخرى جميعًا تتصارع من اجل الاستئثار به .. فلتزأر العاصفة .. فلتزأر العاصفة ..
الآن يتكلم عن اللوحة المعلقة على الجدار .. لقد رسمها يوم 6 يونيو عام 1967 عندما عرف الحقيقة .. إنه ذات الشرخ الذي تجده في نفسية كل مثقفي الستينات ..يسهل أن تعرف ما شعر به في تلك اللحظات القاسية ..
كان في عالم الرسم يعشق التأثيريين .. يعشق جوجان ورينوار وديجا .. لكنه كان يحمل حبًا خاصًا لرمبرانت .. هذا الجو المظلم الذي يخترقه الضوء الذهبي القادم من اليسار .. هذا الزيغ كان يروق له، خاصة عندما عرف أن رمبرانت كان واهن البصر في أيامه الأخيرة .. في الوقت ذاته كانت عدسة عينه تزداد إعتامًا واستطاع ان يرى العالم كما رآه رمبرانت .. وأن يفهمه ..
بالنسبة للمصريين كان يعشق بيكار ومحمود سعيد .. صديق عمره محمد قنديل الذي تزوج ابنه – ابن إسماعيل دياب - ابنته .. زهران سلامة .. اللباد .. جميل شفيق .. رمزي مصطفى ..
اسمه إسماعيل دياب .. وعندما توفي في صمت وسلام في ذلك الأسبوع الصاخب الحزين، كان العالم يتحدث عن وفاة رفيق الحريري وثابت البطل .. لكن الشباب الذي عشق أعماله – الآلاف منهم - أقام له حفل تأبين لا يوصف على شبكة الإنترنت وفي منتدياتها .. طلاب مدارس إعدادية .. طلاب جامعة .. خبراء كمبيوتر .. خبراء علم وراثة .. أطباء .. مهندسون .. معلمون .. محاسبون .. كلهم بكوه بحرقة دون أن يطلب منهم أحد شيئًا، وولد اقتراح بعمل معرض دائم على الإنترنت له، كما اقترح البعض أن تصدر القصص التالية بغلاف أسود لأنهم لا يقبلون أن يروا رسامًا آخر على الأغلفة .. والعالم يتحرك ولا يشعر بكل هذه الشموع الموقدة في ذكراه وسط ظلام شبكة الإنترنت .. ولو شعروا بها لأصابهم الذهول ..
اسمه إسماعيل دياب .. أبي ومعلمي ..وقطرة أخيرة من ذلك الزمن الجميل الذي ضاع .. كان فنك أجمل من حياتك .. وكانت حياتك أجمل من فنك .. فشكرًا على كل شيء.

 
 

 

عرض البوم صور بيجاسوس  
قديم 02-07-07, 01:57 PM   المشاركة رقم: 17
المعلومات
الكاتب:

البيانات
التسجيل: Sep 2006
العضوية: 12318
المشاركات: 5,238
الجنس ذكر
معدل التقييم: بيجاسوس عضو له عدد لاباس به من النقاطبيجاسوس عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 122

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
بيجاسوس غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : lonesome المنتدى : روايات أونلاين و مقالات الكتاب
افتراضي

 

روش طحن



منذ البداية لا أنكر أنني وقعت في غرام كتيب صغير كتبه الصحفي الشاب ياسر حماية ، ووجدت فيه حلاً لا بأس به لتفسير الكثير من التعبيرات التي استغلقت على فهمي من تعبيرات شباب اليوم. صحيح أنه كتيب مليء بالأخطاء المطبعية، وصحيح أنه يحتاج إلى إعادة تبويب تجعله أقرب إلى القواميس منه إلى الدعابة. لكن هذا لاينسينا حقيقة أن أول من حاول رصد الظاهرة هو واحد من داخلها وليس من الأكاديميين ذوي الياقات العالية خارجها.
ذات مرة كنت جالسًا في القطار أصغي لشاب يكلم صاحبه، فلو كانت المحادثة باللغة السنسكريتية لفهمت أكثر. لا أنكر أن أكثر هذه التعبيرات يمكن فهمه من سياق الكلام وتعبيرات الوجه، لكن بعضها عسير فعلاً.
كل لغة تتطور مع الوقت، وأية مقارنة بين لغة (المنفلوطي) ولغة (صنع الله إبراهيم) تريك الفارق الهائل.. قارن بين لغة (شكسبير) ولغة (جون جريشام) مثلاً.. وحتى القواميس الإنجليزية الرصينة صارت تحوي قدراً لا بأس به من العامية وربما الشتائم. أذكر المعركة الأدبية النارية بين (العقاد) و(ميخائيل نعيمة) حول لفظة (تحمم) التي قال الأول إنه لا وجود لها في اللغة العربية، بينما أصر (ميخائيل نعيمة) على أنها لفظة مفهومة لأي شخص، فلماذا نسمح لشاعر من البادية ـ والكلام لـ (نعيمة) ـ أن يخترع لفظة لا وجود لها، مثلما اخترع (امرؤ القيس) لفظة (تتفل) لأنها تناسب القافية والوزن وأعلن أن معناها (ثعلب) من الآن فصاعداً، بينما نمنع شاعراً آخر من ابتكار لفظة مثل (تحمم) ؟
حتى على مستوى المحادثة، يسهل أن تجد فارقًا شاسعًا بين لغة أفلام الماضي وأفلام اليوم .. لم يعد أحد يحيي الآخر بـ (سعيدة مبارك) أو يصف الجو بأنه (طقس في غاية البداعة).. هذه لغة تناسب الماضي الجميل حينما كان شوقي بك يذهب مع حبيبته إلى النيل ليركبا فلوكة و "تعال من فضلك خدنا"..وكان المراكبي مهذبًا يرد بصوت ملائكي: "دي ستنا وإنت سيدنا" ؛ فلم يطلب سعرًا فلكيًا ولم يخرج مطواة قرن غزال ويغتصب الفتاة أمام شوقي بك.
تتنازعني هنا كراهيتي ـ التي لا حيلة لي فيها ـ لهذه اللغة الجديدة التي يدور 80% منها حول معنى الاستهتار وعدم الاكتراث وأن الأمر لا يستحق. لغة فيها تحد غريب وقدر لا بأس به من الوقاحة، فأنا ما زلت مصراً على أن لفظة (بيئة) هي لفظة (بيئة) فعلاً. وماذا عن لفظ (موزّة) التي تعني (فتاة جميلة) ؟.. هناك قدر من الوقاحة والاستهتار بالأنثى كأنها شيء يؤكل لا أكثر، والغريب أن الفتيات يقبلن هذه اللفظة باعتبارها (مجاملة رقيقة). يتنازعني هذا المقت مع إيماني بأن على جيلي ألا يفرض تحفظاته على الجيل الجديد .. لقد حورب (سيد درويش) عند ظهوره باعتباره (شاباً لا يحترم أساطين الغناء)، وحورب (عبد الحليم حافظ).. واليوم يُحارب المطربون الشباب لأنهم ليسوا (عبد الحليم حافظ).. كان آباؤنا يزغرون لنا حين نستعمل لفظ (سكّة) ـ بفتح السين ـ بمعنى (الشيء التافه)، واليوم لا يفهم الأب ما يقوله أولاده حتى يوبخهم عليه.. هذه هي القصة دائماً إلى يوم الدين. الشباب يبدو غريباً جامحاً بالنسبة للكهول، والكهول يبدون ماموثات متحجرة عاجزة عن التغير بالنسبة للشباب، و(أحمد عدوية) صار تراثاً كلاسياً راقياً بالنسبة إلى (شعبولا).
أعتقد أن النقلة الأولى الكبرى في لغة الشباب المصري كانت في السبعينات مع مسرحية (مدرسة المشاغبين) التي ولدت مصطلحات جديدة، بل وطريقة جديدة تماماً في المزاح. قبلها كان الناس يضحكون من أسماء مثل (السناكحلي) ومن كوميديا الموقف مولييرية الطابع ومن سلاح التكرار الذي تكلم عنه (برجسون) كثيرًا .. التكرار .. التكرار .. وحتى يصفق المشاهدون فتلتهب أكفهم. جاءت (مدرسة المشاغبين) بأسلوب خاص جدًا من الدعابة؛ ولمدة عشرين عامًا ظل طلبة المدارس يكررون دعاباتها التي لا تخلو من وقاحة واستهتار. النقلة الثانية هي في التسعينات...
هنا يتعرض شبابنا لضغط يفوق بمراحل سُنة التغيير التي تكلمنا عنها.. الظروف القاسية التي يواجهونها، وعلامات الاستفهام التي تملأ المستقبل، ولدت فيهم تحدياً قد يتجاوز ما هو مطلوب أو صحي. إن لغتهم قد اتسعت لتحتوي عوالم الميكروباص والكمبيوتر ومترو الأنفاق والإنترنت..
المعلومات كثيرة جدًا .. الوجوه كثيرة جدًا ...لا سبيل لاستيعاب هذا كله إلا بالسطحية والمزيد من السطحية .. كل شيء يجب أن يتم بسرعة وبلا تعمق .. وهذا يظهر بوضوح في اللغة قبل أي شيء آخر.
لقد تنبأ أندي وارهول – الفنان المجنون غريب الأطوار - بأنه في عام 2000 ستكون فرصة كل إنسان للشهرة ربع ساعة لا أكثر ..يمكن أن نقول إن نبوءته تحققت.. ويمكن أن نضيف إلى الشهرة أن كل معلومة .. كل رأي .. كل انفعال .. فرصته في البقاء ليختمر ربع ساعة لا أكثر ..
أتذكر الموقف الطريف الذي حكاه د. (جلال أمين) عندما كان في الولايات المتحدة وضل طريقه بسيارته .. كانت هناك لافتات كثيرة جدًا تدل على كل شيء وهذه اللافتات جعلت الأمور تختلط عليه .. وهنا خطرت له فكرة غريبة: إنه كان بحاجة بالضبط إلى كم أقل من المعلومات كي يتخذ قراره !.. هذه عبارة جريئة جدًا لا يجسر على قولها إلا من هو في وزن (جلال أمين).. بالفعل كم المعلومات المتدفقة على الشاب عبر الفضائيات والإنترنت وآلاف الصحف يجعله في حيرة حقيقية .. لا وقت لتكوين رأي أو استيعاب أي شيء .. في الماضي كان هناك فيلم أجنبي واحد يعرض أسبوعيًا في برنامج نادي السينما، وكنا نرتب يومنا كله من أجل ساعة العرض هذه، ونلتهم عشاءنا أمام الشاشة .. ثم يعرض الفيلم فتستوعب كل حرف منه .. يتسرب إلى كل خلية من خلاياك .. أما اليوم فمن النادر أن تستكمل الفيلم إلى منتصفه قبل أن تقلب القناة بحثًا عن متعة أسهل..
هناك موضة جديدة أطلق عليها اسم (الروشنة الدينية) هي أغان دينية ملحنة بإيقاع عصري.. وترى الفيديو كليب في التلفزيون، فترى مجموعة من الشباب المتأنق أناقة الحراسات الخاصة يقف متخشبًا كأنه يحرس موكب (إبراهيم بيه)، وهو يردد أسماء الله الحسنى .. سرعان ما تدرك أنه لم يتسرب إلى أرواحهم مما يقولون إلا النغمات .. فقط يحركون شفاههم .. هذه أغان تم تصميمها ببراعة لسد حاجة الأفراح وذلك النشاط المصري الوليد: حفلات افتتاح المحلات الجديدة .. في مرة أخرى راقبت شابًا يرقص في ميوعة وانتشاء على أغنية شعبان عبد الرحيم فائقة الشهرة (أنا بأكره إسرائيل)، فساءلت نفسي: هل يعي أية كلمة من الكلمات التي يرقص على لحنها ؟.. هل يفهم ؟.. هل يهمه أن يكره إسرائيل أو يهيم بها حبًا ؟
إنها السطحية في كل شيء ..
إن لغة (الروشنة طحن) تعبر عن هذا كله .. وسوف تجد من يرصدها بشكل أكاديمي يومًا ما، أما في المرحلة الحالية فإنني أشكر ذلك الشاب المتحمس الذي قرر جمعها في كتيب حتى لا تضيع. وذلك تحسبًا لليوم الذي يتكلم فيه أبناؤه فلا يفهم حرفًا مما يقولون. يومها تبدو عبارة مثل (كله في الأمبلايظ) عتيقة لها ذات رنين (طقس في غاية البداعة) في مسامعنا !

 
 

 

عرض البوم صور بيجاسوس  
قديم 22-07-07, 09:02 AM   المشاركة رقم: 18
المعلومات
الكاتب:

البيانات
التسجيل: Sep 2006
العضوية: 12318
المشاركات: 5,238
الجنس ذكر
معدل التقييم: بيجاسوس عضو له عدد لاباس به من النقاطبيجاسوس عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 122

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
بيجاسوس غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : lonesome المنتدى : روايات أونلاين و مقالات الكتاب
افتراضي

 



451 فهرنهايت : عندما تصير النار هي الحل !



لأسباب واضحة اختار مايكل مور عنوان (فهرنهايت 911) لفيلمه الشهير الذي يهاجم عصابة بوش بضراوة.. لقد استطاع بأنفه الحساس أن يشم رائحة ذلك العالم الشمولي الكابوسي الذي تتحدث عنه الرواية.. حرارة ما جرى في 11 – 9 كانت هي الدرجة المناسبة لحرق ملكة النقد والتعقل لدى الأمريكيين، ولم يخيب الأمريكيون أمله .. لقد شاهدوا الفيلم في حماس .. ثم انتخبوا بوش لفترة ثانية بالحماس ذاته.. !.. إن المواطن الأمريكي يتعامل مع هذه الأمور بمنطق عسير الفهم نوعًا: يبكي لدى مشاهدة فيلم عن فظائع أمريكا في حرب فيتنام ثم يذهب ليتطوع هناك في الأسبوع ذاته .. لم لا ؟.. أليس هو ذات المواطن مستلب الوعي الذي تتحدث عنه رواية برادبوري فائقة الشهرة ؟
رواية راي برادبوري التي كتبها عام 1953 - والتي احتفل العالم منذ عامين بمرور خمسين عامًا على صدورها - صارت معلمًا ليس في أدب الخيال العلمي فقط، ولا في الأدب السياسي فحسب، بل إنها أضافت مفاهيم جديدة إلى اللغة الإنجليزية ذاتها .. ولسوف تجد أن الكلام عن السلطة الشمولية القمعية وغسل وسائل الإعلام لعقل البشر لا يكتمل إلا بذكر (451 فهرنهايت) و(1984) رائعة أورويل و(عالم جديد شجاع) لهكسلي .. وليست مصادفة أن مور قدم مقاطع كاملة من (1984) في فيلمه المذكور ...

***


دركت أن صناعة كاملة للخوف قد ازدهرت في الولايات المتحدة‏,‏ وان الأخ الأكبر الذي تحدث عنه جورج أرويل في رائعته‏451‏ فهرنهايت قد اظهر بعضا من ملامحه‏.‏



د‏.‏ عبدالمنعم سعيد – جريدة الأهرام 24 فبراير 2004

***

طبعًا هذا خطأ.. إن (451 فهرنهايت) قصة برادبوري بينما أورويل صاحب (1984) .. لكن الخلط بين القصتين شائع في أذهان الجميع .. فكلا القصتين جاء من ذات العالم ..
راي برادبوري كاتب الخيال العلمي الأمريكي الملتزم الذي ولد عام 1920 .. والذي اشتهر بمجموعاته القصصية (الرجل المرسوم) و(شيء شرير من هذا الطريق يأتي)، هو كاتب متشائم كأكثر كتاب الخيال العلمي المعاصرين، الذين لم يعودوا في سذاجة هـ. ج. ويلز الذي أيد الحرب العالمية الأولى باعتبارها (الحرب التي ستنهي الحروب جميعًا)، ثم اتضح أن التقدم لا يلغي الحروب بل يأتي بالحروب المتقدمة !.. يجب ألا ننسى أن الإنسان استعمل الطاقة الذرية كقنبلة قبل أن يفكر في أي استخدام سلمي لها .. وبرادبوري يؤمن كآخرين أن سيطرة السلطة الشمولية على أنفاس البشر هي مسألة وقت لا أكثر ..
كثير من الناس لم يقرءوا الرواية لكنهم بالتأكيد شاهدوا الفيلم العميق الذي قدمه فرانسوا تريفو عام 1969 .. وفي كل مرة تدور مناقشات لا تنتهي .. هذا نوع من الأعمال الأدبية التي خلقت لتبقى أبدًا ..
يسهل على من يحلل القصة أن يجد علامات تشابه لا حصر لها مع الواقع الأمريكي (الجمهوري) المعاش اليوم .. كما يسهل عليه أن يدرك أن السيناريو يتحرك طبقًا لخطة واضحة دقيقة .. لكن ماذا عن مصر ؟... نفس الشيء يحدث في مصر، ولكن على الطريقة المصرية الشهيرة .. أي (بالبركة).. لا توجد خطة ما .. لا شيء في مصر يتم وفق خطة من أي نوع .. ولكنه نوع من الغريزة الحيوانية التي علمتنا أن النار هي الطريقة المثلى للخلاص من المشاكل .. وأن من يفكر هو – على الأرجح – عميل أو شيوعي أو ابن كلب بشكل ما ..
إن (مونتاج) – لاحظ الاسم - رجل المطافئ يمارس عمله بحماس .. سوف نعرف أن رجل المطافئ في هذا العصر – وهو مستقبل غير بعيد - مهمته محددة جدًا : أن يحرق .. يحرق الكتب التي تعامل معاملة المخدرات ..ربما يحرق مالكيها كذلك .. ودرجة الحرارة المفضلة للحرق هي 451 فهرنهايت .. إن هذا العصر قد استغنى تمامًا عن الكتب واستبدل بها ثقافة الصور المرئية . كل بيت فيه تلفزيون عملاق لا يغلق تقريبًا .. أربع شاشات على الجدران وثمة طريقة إلكترونية تسمح لمعدي البرامج بأن يخاطبوك بشكل شخصي. إن مونتاج جزء من النظام .. أحيانًا هو النظام ذاته .. إلى أن يُلقى حجر في بركة حياته الراكدة .. هذا الحجر هو فتاة رقيقة ما زالت تحاول أن تعيش بالطريقة القديمة.. تسأل أسئلة .. تتمهل فلا يأخذها تيار الحياة المندفع .. إنها تقول له: "الصبية في عمري يتسلون بقتل بعضهم .. لقد أطلقت الشرطة الرصاص على ستة منهم العام الماضي .. ومات عشرة منهم في حوادث سيارات.."

***

" وصور إيذاء المؤمنين بالسيارة كثيرة: نذكر منها ما يلي
: 1- التفحيط والتطعيس، وهما عبث بالأرواح والأموال وقد مرّ حكمهما -- المزاح بالسيارة حيث يقوم بعض الشباب بالمزاح مع من هو خارج السيارة، فيتوجه بالسيارة إليه، ويزيد من السرعة كأنه يريد أن يدهسه، فلما يصل قريبا منه يضغط على الفرامل! ومثل هذا المزاح لا يجوز؛ لما فيه من ترويع المسلم وتخويفه. "


موقع كلمات - 12 ربيع الأول 1426 هـ

***

مونتاج) يعيش مع زوجته التي تنتمي لهذا العالم أكثر من اللازم .. زوجته التي لا تكف عن متابعة إعلانات التلفزيون وتنتحر كل ليلة، ثم تصحو في الصباح وقد نسيت ذلك!.. في الفيلم قامت الممثلة جولي كريستي بالدورين معًا كجزء من الرمز الصعب. ثم تأتي الطامة الكبرى من عجوز صممت ألا يحرقوا كتبها .. بل فضلت أن تحترق معها .. "كل هؤلاء المخابيل يفضلون الموت مع كتبهم .. هذا نمط سلوكي معتاد"
هذه هي الهزة التي تدفع (مونتاج) دفعًا إلى أن يسرق كتابًا أو كتابين ليعرف سر هذه الأشياء الممنوعة التي يفضل الناس أن يحترقوا معها .. وتدريجيًا يندمج في هذا العالم السحري، ويحاول أن يتفادى شكوك رئيسه الذي يقول له: "في الماضي كانت الحياة هادئة تسمح بالاختلاف .. ثم في القرن العشرين تسارعت الحركة .. صارت الكتب أقصر ثم اقتطعت لتكون مجرد تعليق في كتاب مختارات .. أدر عقل الإنسان في آلة الطرد المركزي لتتخلص من كل الأفكار غير المجدية المضيعة للوقت .. انشر المزيد من الرسوم الهزلية في الكتب .. أعط الناس صورًا أكثر .. الرياضات الجماعية ممتعة وتغري بعدم التفكير.."

***



" مباراة الترسانة مع إنبي انتهت بفوز الترسانة بهدف وترددت الشائعات بأن إنبي ترك المباراة للشواكيش مقابل انتقال عمرو سماكة لاعب الترسانة لإنبي في الموسم المقبل"


محمد رضا - جريدة الأهالي 13 إبريل 2005

***

يواصل رئيسه في المطافئ غسل مخه: "كلمة مثقف صارت سبة كما يجب لها أن تكون ..تذكر كيف كنت في طفولتك تكره الصبي الذكي في الصف، وتختصه بالضرب والتعذيب بعد الدراسة .. إنه خوفنا المبرر من أن نكون أقل من الآخرين .. خذ صراعاتك إلى المحرقة يا (مونتاج).. النار تحل كل شيء .. النار نقية طاهرة ..ولأسباب كهذه قمنا بتخفيض سن دخول الحضانة عامًا بعد عام .. حتى أننا اليوم ننتزعهم تقريبًا من المهد إلى الحضانة . أعط الناس مسابقات يربحون فيها إذا ما تذكروا أسماء الأغاني الشهيرة أو أسماء عواصم الولايات .. أو كم من القمح أنتجته ولاية (أيوا) العام الماضي !.. أحشهم بالحقائق سريعة الاحتراق حتى يشعروا بأنهم أذكياء .. !

***


" وسقط من الشباب من سقط جرحي خلال تدافع الحلوين لاستقبال البطل العائد وتهشمت بعض السيارات خلال نفس الاستقبال‏!‏ ولكن معلهش كلها خسائر لاتذكر مقابل الانتصار العظيم الذي تحقق بفضل البطل المغوار محمد عطية‏!!‏ وكله علشان مصر‏!!‏ ‏ وبالفعل استطاع الشباب ان يفرض التغيير ولكن فقط في هذه المجالات‏!!‏ وبنفس فلوس ماما وبابا انهالت ملايين المكالمات التليفونية علي القناة الفضائية "



لبيب السباعي - جريدة الأهرام 26 إبريل 2004

***

يقول مدير المطافئ: "التلفزيون يغرقك في بحر من الأصوات والألوان بحيث لا تجد الوقت لتفكر أو لتنتقد .. إنه يقدم لك الأفكار جاهزة .."

***


"مدينة الكويت، الكويت ( CNN) -- أحيا نجوم "ستار أكاديمي" حفلتهم على مسرح أرض المعارض في الكويت، الخميس وسط مشاعر الفرح والطرب التي تجلت داخل القاعة، وغضب وامتعاض المتظاهرين من الإسلاميين الرافضين فكرة الحفل أساسا. فبعد ساعات من انتهاء الحفل، أعلن النائب الإسلامي، وليد الطبطبائي، أنه سيقدم طلب استجواب برلماني في حق وزير الإعلام الكويتي محمد أبو الحسن، الذي أصدر قرار الموافقة على إقامة الحفل."



موقع منوعات - 8 مايو 2004

***

يقول مدير المطافئ: "دعني أؤكد لك أن الكتب لا تقول شيئًا .. لو كانت قصصًا فهي تتكلم عن أناس لا وجود لهم .. لو لم تكن قصصًا فالأمر أسوأ.. أستاذ يعتبر الآخر أبله، وفيلسوف يحاول خنق فيلسوف آخر .. كلهم يكافحون محاولين محو النجوم وإطفاء الشمس .. فقط النار تستطيع أن تطهر كل هذا"

***

"كما أكد د. مجد حيدر صاحب دار ورد السورية، والمشاركة فى المعرض من خلال جناح مؤسسة روزاليوسف أنه تم مصادرة خمسة عناوين من مطبوعاته: هى رواية إحدى عشرة دقيقة للروائى البرازيلى باولو كويليو. وروايتا الوميض والوعول للأديب السورى حيدر حيدر، وروايتا ليلة الغلطة والحب الأول الحب الأخير المترجمتان عن الفرنسية للأديب المغربى الطاهر بن جلون. أما نبيل نوفل مدير دار الآداب اللبنانية فأكد مصادرة عناوين من إصدارات الدار هى رواية مسك الغزال للروائية اللبنانية حنان الشيخ، وهى رواية صادرة من أكثر من ربع قرن وروايتا خفة الكائن التى لا تحتمل والحياة هى فى مكان آخر للأديب التشيكى ميلان كونديرا المقيم فى باريس، والمرشح لنيل جائزة نوبل للآداب، ورواية مريم الحكايا للكاتبة اللبنانية علوية صبح. هذا بالإضافة لعدد آخر من الكتب التى صودرت من عدة دور نشر أخرى منها كتاب الدنيا أجمل من الجنة الصادر عن دار النهار اللبنانية للكاتب المصرى خالد البرى. وديوان أدونيس أول حب أول جسد الصادر عن دار الساقى. كما منعت مؤلفات دكتور نصر حامد أبو زيد من العرض فى دار الطليعة. "


جريدة العربي الناصري 6 فبراير 2005


***

.. سرعان ما يصير (مونتاج) رمز النظام عدوًا له .. مطاردًا .. يضطر لحرق زملائه .. ثم يفر .. يعبر النهر لتزول رائحته عن كلاب الشرطة، وعلى شاشة التلفزيون يرى عملية إعدام كاملة لرجل آخر يفترض أنه هو (مونتاج).. لقد بحثت السلطات عن أي رجل يمشي وحده في الشارع .. ربما هو مؤرق أو غريب الأطوار .. كانوا بحاجة إلى أحمق يمشي في الشارع لينقذوا ماء وجوههم وهاهو ذا .. لقد تم إعدامه أمام العدسات من دون أن يظهر وجهه لحظة واحدة ..


***
.......................... !!!!!!!!

***

يندمج مونتاج مع الثوار الذين اعتزلوا المدنية .. يعيشون وحدهم بعيدًا عن العالم وقد جعلوا مهمتهم هي الحفاظ على تراث البشرية الأدبي والعلمي .. كل واحد منهم حفظ كتابًا بعينه حتى صار هو الكتاب ذاته .. رجل هو التوراه .. رجل هو هاملت .. رجل هو رحلة الحاج .. هذه أجمل مشاهد الرواية وهي التي يتذكرها الناس كلما تحدثوا عنها .. تنتهي الرواية وقد نشبت الحرب النووية وأبيدت عاصمتهم فلم يبق من أمل لدى البشر الباقين إلا أن يحاولوا استعادة ما اختزنوه في صدورهم من تراث ..
انتهت الرواية الرائعة التي هي أقرب إلى نبوءة تحققت فعلاً .. تحققت عندهم بسبب الشهوة إلى السيطرة على العقول .. وتحققت عندنا بسبب ذلك الخوف الحيواني الغريزي من التفكير .. ذات الخوف الذي جعل الخديوي عباس الأول يعيد البعثات العلمية إلى مصر - وكان علي مبارك ضمن أفرادها - لأن (الأمة الجاهلة أسهل في حكمها من الأمة المتعلمة).. وهي غريزة يبدو أننا لن نتخلى عنها بسهولة ..


 
 

 

عرض البوم صور بيجاسوس  
قديم 22-07-07, 09:07 AM   المشاركة رقم: 19
المعلومات
الكاتب:

البيانات
التسجيل: Sep 2006
العضوية: 12318
المشاركات: 5,238
الجنس ذكر
معدل التقييم: بيجاسوس عضو له عدد لاباس به من النقاطبيجاسوس عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 122

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
بيجاسوس غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : lonesome المنتدى : روايات أونلاين و مقالات الكتاب
افتراضي

 

عن أدب الرعب في بلد مرعوب



ليرحمه الله لأنه قد توفاه قطعًا .. عم (أبو اليزيد) البواب النوبي العجوز طيب القلب، وغرفته الضيقة العامرة بالبراغيث تحت سلم حضانة (حماية الأسرة) بطنطا، وغذاؤه الذي لا يتغير .. رغيف الخبز الأسمر والباذنجان الأسود المخلل الذي كنت أشعر دومًا بأنه جزء من بشرته هو نفسه .. أذكر بجلاء كيف أنقذ عم (أبو اليزيد) حياتي وحياة خمسة من زملاء الحضانة عندما أخفانا في غرفته في ذلك اليوم من صيف 1967 عندما جن جنون (عبد الناصر) فأرسل رجاله يسحبون الدم من بطون الأطفال. يومها جرنا عم (أبو اليزيد) إلى غرفته ونظر حوله بحذر ثم قال لنا هامسًا بلهجته النوبية الساحرة وبياض عينيه الأصفر يلتمع:

ـ"إنتي تقعدي ساكتة لاهسن عبد الناصر ياخد دم من بطنك"

وهكذا جلسنا صامتين في غرفته ونحن نتخيل ما يحدث للتعساء الذين يصرخون في الخارج، بينما رجال عبد الناصر يقيدونهم ويدسون الخراطيم ماصة الدماء في أحشائهم.. وأكلنا الكثير من الباذنجان الأسود على سبيل تزجية الوقت، وبعد ساعة رأيت أمي تركض إلى الحضانة .. لم أرها قط بهذا المنظر المبعثر المذعور المنهك .. نقدت الرجل الطيب بعض المال ثم أخذتني وراحت تجتاز الشوارع الخلفية حتى لا تقابل مصاصي الدماء الحكوميين. وفي الطريق إلى الدار رأيت النسوة يركضن في كل صوب صارخات وعلى وجوههن ذات التعبير الذي رأيته على وجه أمي.. شرحت لي أمي كيف أن هناك أزمة في الدماء بعد هزيمة جيشنا في سيناء، وكيف أن عبد الناصر أصدر أوامره لرجاله أن يمروا على المدارس ليسحبوا الدماء من بطون الأطفال..

فيما بعد عرفت أننا كنا في ذروة انعدام الوزن بعد ما فقدنا ثقتنا في النسر الأسطوري الجميل الذي جاء من أعماق التاريخ ليهزم الاستعمار ويوحد العرب ... وكنا على استعداد لتصديق أي شيء مهما كان سخيفًا .. إن هذه الإشاعة لا تصمد لأي تحليل متأن .. فليس الأطفال بالمصدر الأفضل للدماء، ولو كان هذا صحيحًا فالدماء لا تؤخذ من البطون .. لكنها إشاعة صممت ببراعة لتجمع بين البشاعة (دم يؤخذ من البطن) وإلهاب المشاعر (لا أحد يطيق إيذاء الأطفال)... إشاعة صممت كي تحدث هياجًا شعبيًا تصعب السيطرة عليه..

كان هذا أول عهدي بالإشاعات .. وفيما بعد قرأت كتاب صلاح نصر عن الحرب النفسية وسيكولوجية الإشاعة، فوجدت أن هذه الإشاعة من أبرع ما تم تصميمه لبلد يهوى تصديق كل شيء ..

كتاب صلاح نصر ذاته كان مصدر رعب لا يوصف لنا لأن السلطة غضبت على الرجل، وصار من يقتني كتابه عميلاً أو – على أقل تقدير – وغدًا .. أبي لم يرد التخلص من هذا الكتاب الثمين لهذا أخفاه تحت الفراش .. وعشنا أعوامًا نتوقع أن يقتحم رجال المباحث البيت ليخرجوا الكتاب من مكانه، ثم يوقفونا صفًا إلى الحائط ويفرغوا فينا الرصاص ..

أعتقد أنك قد فهمت الآن موضوع المقال باختصار شديد .. طالما سألوني عن مستقبل أدب الرعب في مصر، فكنت أقول بثقة: لا مستقبل له .. ليس الآن .. نحتاج إلى مائة عام على الأقل ودرجة معينة من الترف الفكري والاجتماعي والحضاري حتى نقرر أن نرعب أنفسنا بأنفسنا .. ليس هذا كلامي بل كلام عميد كتاب الرعب في القرن العشرين هـ .ب. لافكرافت .. يقول الرجل في مقال شهير جدًا كتبه عام 1926 ويحمل اسم (الرعب الخوارقي في الأدب): "يحتاج تذوق أدب الرعب إلى قدرة تخيلية عالية عند القارئ .. بالإضافة إلى قدرته على التجرد مما يحيط به من مؤثرات". كانت أمريكا مشغولة ببناء نفسها عندما كتب لافكرافت، لهذا عاش الرجل حياة ضنكًا ومات فقيرًا. نفس الشيء ينطبق على إدجار آلان بو مواطنه الذي كان يغري القط بالنوم على قدمي زوجته المريضة لتدفئتها.. إن محاولة قراءة لافكرافت وقت الظهيرة وسط زحام المواصلات تجعلك تعتقد أن هذا الرجل مخبول أو (رايق) لدرجة تثير الغيظ ..

أذكر أن فيلم (حرب الكواكب) – حروب النجم إذا شئت الدقة - لم ينجح في مصر .. وقتها كتب الناقد الراحل الرائع سامي السلاموني: الفيلم يدأ بعبارة تقول (حدث ذات مرة في زمن بعيد في مجرة بعيدة .. بعيدة).. هكذا فقد الفيلم أية أرضية له لدى المشاهد المصري الذي لا يستطيع السير في شارع سليمان دون ان ينكسر عنقه .. فكيف يبالي بما يحدث في مجرة بعيدة في زمن بعيد ؟!!

الناس تعشق أدب الرعب لتتطهر من مخاوفها الخاصة .. أن تعيش أفظع التجارب بشكل مقنن لتزداد ثقة في قدرتها على البقاء .. باختصار أدب الرعب هو بروفة موت دائمة...

لماذا يبحث المرء عن بروفة موت وهمية إذا كان فعلاً في بروفة موت واقعية دائمة ؟.. ماذا عن محاولة عبور الشارع وسط الميكروباصات المجنونة بسائقيها (المسجلين خطر) التي تحاول أن تدهم أكبر عدد من المارة ؟.. ماذا عن الوثب من الأتوبيس ؟.. ولو كنت تملك سيارة فماذا عن لجنة المرور ومحاولتك ألا تنظر أكثر من اللازم إلى الباشا كي لا يأمرك: إركن .. ماذا عن شهادة المخالفات لو وجدت أن عليك ثلاثة آلاف جنيهات بسبب استعمال آلة التنبيه ؟.. هل يمكن القيادة في مصر من دون آلة تنبيه ؟.. كيف سمعوا آلة تنبهك أنت بالذات وسط هذه الضوضاء ؟

ماذا عن فاتورة الكهرباء القادمة؟.. وماذا عن فاتورة الهاتف القادمة ؟.. ماذا تفعله لو وجدت أنهم يطالبونك بخمسين ألفًا من الجنيهات لاستخدامك خدمة زيرو تسعمائة أو مكالمات موبايل لم تجرها ؟.. هل تتركهم (يشيلوا العدة ) ؟.. وماذا عن إخطار جلسة المحكمة الذي لم تتسلمه وقد يؤدي بك لدخول السجن دون أن تعرف السبب ؟

ثم ماذا عن أساسات العمارة التي دفعت دم قلبك للحصول على شقة فيها ؟.. هل كان المقاول نصابًا ؟... هل تتحمل الزلزال القادم ؟.. هل تسقط فجأة من دون زلزال لتجد نفسك في الشارع تتسول أو تجد نفسك تحت الأنقاض وتطلع في نشرة التاسعة ؟

وماذا عن مدخراتك لو كنت تملك شيئًا ؟... ما هو القرار الجديد لمجموعة الاقتصاديين الهواة الذين يجتمعون كل صباح باحثين عن وسيلة جديدة لخراب بيتك ؟... لقد صار كل جنيه في جيبك أربعين قرشًا خلال عامين فهل تتحول الأربعون قرشًا إلى نكلة ؟ ... ماذا عن راتبك ؟.. هل ستظل تتقاضاه أم يقول لك عم جابر الصراف: (اتكل على الله) يومًا ما ...؟.. واللحم ؟... كيف يمكن أن تشتري اللحم يوم يصير ثمنه ستين جنيهًا ؟ وهذا سيحدث بإذن واحد أحد لأنه ما من أحد يبالي بمصائبك سواك ...

ماذا عن كوب الماء الذي تشربه والهواء الملوث الذي تتنفسه ؟.. ماذا عن الفراخ المحشوة بالهرمونات ؟.. هل لعبة الجينات تدور الآن في كبدك لتتكون تلك الخلية المحندقة الشقية التي تصر على ألا تموت ؟... هكذا يولد السرطان ببطء لكن بثقة ... كل معارفك وجدوا ذلك الورم في اكبادهم ويبدو أن من لا يجد سرطانًا في كبده اليوم إنسان محظوظ فعلاً..

وماذا عن الكتابة مع المشاغب إبراهيم عيسى في مكان واحد ؟.. كنت دائمًا أنبهر بشجاعة هذا الرجل لكني أجد فيه كذلك تضخمًا لغريزة الفناء الفرويدية... تشعر طول الوقت بأنه يتوق إلى أن يتم تدميره وأن يعود لحالة ذرة الكربون المسالمة .. في كتاب (عمائم وخناجر) وصل الأمر إلى أنه وصف مكانه بدقة في بناية روز اليوسف كي يسهل الأمر على من يريد ذبحه.. طيب هو دماغه كده .. لكن ما ذنبك أنت ؟

ماذا عن زوار الفجر ؟.. وماذا عن صوت البوكس لو وقف تحت شرفتك في الرابعة صباحًا وجاء (عادل بيه) يقول لزوجتك إنهم يريدونك لمدة نصف ساعة لا أكثر .. "مجرد إجراءات روتينية".. ثم تذهب فلا يعرف لك الذباب الأزرق طريقًا ؟.. ترى هل تتحمل التعليق على عروسة والنفخ ؟... يمكنك أن ترحم نفسك وتعترف ولكن بأي شيء بالضبط ؟

ماذا عن ابنتك العائدة من الكلية وقد بدأ الظلام يحل ؟.. ماذا عن ابنك وتلك الشلة المريبة تحيط به ؟.. كم من الوقت يلزم قبل أن يقدم له أحدهم أول جرعة من البرشام ؟... وامتحان الثانوية العامة .. هل هو من المنهج أم خارجه ؟.. الامتحان من المنهج يبشر بتحويله إلى حمار، والامتحان خارج المنهج يهدد بألا يجد كلية تقبله إلا (معهد الدراسات المحلية التناظرية التعاونية) . وماذا عن جلوسه في البيت بلا عمل بعد التخرج ؟... ينظر لك بعينين متهمتين يطالبك بعمل شيء ... مش خلفتونا ؟... يبقى تتصرفوا ...

ماذا عن أزمة المياه واتفاقيات حوض النيل ؟.. ماذا عن قناة سويس إسرائيل البديلة ؟.. ماذا عن ثقب الأوزون والتسخين الحراري ؟...

الحقيقة أن الناس في مصر محظوظون .. فهم ليسوا بحاجة إلى قراءة أدب الرعب لممارسة بروفة الموت .. إن الرعب ضيف دائم معهم خاصة أسوأ أنواعه: الخوف من الغد .. وكلما أمعنت النظر في المسألة ازداد اقتناعي بأن ستيفن كنج واحد فاضي .. وأن لافكرافت راجل (موش تمام). ليرحم الله الجميع.



 
 

 

عرض البوم صور بيجاسوس  
قديم 22-07-07, 09:09 AM   المشاركة رقم: 20
المعلومات
الكاتب:

البيانات
التسجيل: Sep 2006
العضوية: 12318
المشاركات: 5,238
الجنس ذكر
معدل التقييم: بيجاسوس عضو له عدد لاباس به من النقاطبيجاسوس عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 122

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
بيجاسوس غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : lonesome المنتدى : روايات أونلاين و مقالات الكتاب
افتراضي

 

المدونات والدستور ومرض (توريت) ..!



في العام 1884 وصف الطبيب الفرنسي (جيل دولا توريت) تسعة من المرضى يعانون مرضًا وراثيًا غريبًا يتكون من لازمة قهرية من التقلصات العضلية والسباب البذيء جدًا .. وقد وصف هذا المرض لدى الماركيزة (دي دامبريير) العجوز الوقور التي كانت تأتي بحركات غريبة بعضها قبيح جدًا، مع كثير من السباب، وقد بدأ المرض عندها منذ سن السابعة .. هذا هو مرض (توريت Tourette) الذي يعرفه الأطباء النفسيون جيدًا، والذي يعتقدون أنه منتشر اليوم أكثر مما نحسب..

هناك شواهد تاريخية سابقة على وصف المرض ومنها رجل من النبلاء الفرنسيين – نسيت اسمه – كانوا يقيدون يديه خلف ظهره كي لا يقوم بحركات بذيئة بإصبعه في حضرة لويس الرابع عشر !

إن السباب البذيء في كل مناسبة هو عرض مرضي يعرف باسم (كوبرولاليا)، ويمتاز بأنه يخرج من المريض تلقائيًا حتى لو لم يثر أعصابه أحد .. نفس الشيء ينطبق على الحركات القذرة باليد أو لمس العضو التناسلي باستمرار (كوبروبراكسيا) .. وهناك النوع الثالث (كوبروجرافيا) وهو الولع بكتابة البذاءات خاصة على الجدران (أدخل أية دورة مياه عمومية واقرأ ما كتب خلف الباب لتعرف أن المرض منتشر) .. هناك كذلك الولع بعرض الجسد العاري أمام أفراد الجنس الآخر لإثارة اشمئزازهم ..

ترى هل مرض (توريت) نادر حقًا كما اعتقد الخواجة الذي اكتشفه ؟

كنت جالسًا على ذلك المقهى جوار مجموعة من الشباب، وكان صوتهم عاليًا جدًا إلى درجة أنك لا تستطيع إلا أن تعتبر نفسك ضمن شلتهم.. لاحظت أولاً أن صوتهم نفسه تغير وأنهم يتكلمون بذلك الصوت الحلقي العالي وطريقة (التطجين) التي اعتدنا أن ننسبها للبلطجية وأصحاب السوابق (برغم أنهم ميسورو الحال كما هو واضح).. ثانيًا لاحظت أنهم لا يتكلمون إلا في ثلاثة مواضيع: السيارات .. الفتيات (المُزَز).. الموبايلات .. ويستحيل أن تجد موضوعًا آخر يخرج عن هذه الدائرة .. ثالثًا: كانت نسبة البذاءة في كلامهم مذهلة .. لا توجد جملة واحدة تخلو من اتهام أم الآخر بالعهر، أو ذلك الصوت السكندري الدال على الاحتجاج ، لكنهم كانوا بصراحة معتدلين في سب الدين؛ فلم يكونوا يسبونه إلا كل ثلاث جمل .. تأمل معي هذا الحوار العميق:

ـ"البلو توث ده ابن (.......).."
ـ"(لفظة من ثلاثة حروف تدل على الاستنكار) .. حاجيب لك واحد زيه بكره.."
ـ"(صوت سكندري حلقي يدل على الاحتجاج) .. (لفظة من ثلاثة حروف تدل على الاستنكار) .. ده انت ابن (......) .. بتاع بق بس .."
ـ"يا (...) أمك .. أنا عمري حلقت لك قبل كده ؟"
ـ"لما قلت إنك حتعلق البت فيفي يا بن (....) الكلب .. "
ـ"(صوت سكندري حلقي يدل على الاحتجاج)"
ـ"(لفظة من ثلاثة حروف تدل على الاستنكار) .."

ترى هل مرض (توريت) نادر حقًا كما اعتقد الخواجة الذي اكتشفه ؟

***

بحكم السن اكتشفت عالم مدونات الإنترنت blogs منذ فترة قريبة جدًا، ووجدت أن كثيرين من أصحاب المدونات بارعون حقًا وجديرون بأن يكون لهم عمودهم اليومي في الصحف بدلاً من الأقلام الحالية التي تعذبنا، لكني لاحظت كذلك مدى تفاقم ظاهرة (الكوبروجرافيا) .. يثير رعبي مدى ما يمكن أن ينحدر إليه المرء من بذاءة عندما يدرك أنه بعيد عن العيون فعلاً .. وأنه ما من أحد يراه سوى الله !.. نعم .. لا توجد مبالغة هنا .. معظم الناس لا يكفون عن الكلام عن الدين، لكنهم عندما يخلون إلى شياطينهم يتحولون إلى ما هو أسوأ .. والحقيقة المخيفة التي أدركتها هي أن كثيرين من الناس لا يعتقدون أنهم مرتدون إلى الله ولا أنهم سيخضعون للحساب.. يقولونها بألسنتهم لا قلوبهم .. فلو كان لديهم أدنى شك لكانوا أكثر حذرًا في كلامهم .. وإلا فكيف يفسر المرء أمام نفسه كل هذا القدر من البذاءة وقذف المحصنات والكذب ؟... وكما يقول أبو نواس:

ألم ترني أبحت اللهو نفسي .. وديني واعتكفت على المعاصي ؟

كأني لا أعود إلى معاد .. ولا ألقى هنالك من قصاص

كان هناك مقال نشر على الإنترنت للكاتب الشاب الموهوب (محمد فتحي) – وهو عضو هيئة تدريس في كلية الإعلام بالمناسبة - عن فيلم (عمارة يعقوبيان)، وفكرة المقال تتلخص في أن تيمة الشذوذ الجنسي في الفيلم أثارت حفيظة أعضاء مجلس الشعب، بينما هم لم يبالوا بالمشاهد ذات الإيحاء الجنسي الصريح .. وهذا أثار دهشة الكاتب .. بس خلاص .. أختلف مع الفكرة ولم يرق لي المقال كثيرًا، لكن الأمر ينتهي عند هذا الحد، والموضوع يحتمل الخلاف والجدل بشكل متحضر: أنا لا أرى رأيك ومبرراتي كيت وكيت ..

فوجئت بالردود التي تحمل أسماء مستعارة تتهم الكاتب الشاب بقائمة التهم المعدة مسبقًا لمن نختلف معه في وجهة النظر (العمالة – الإلحاد – الشذوذ) قد يختلف الترتيب لكنها ثلاثية إجبارية مع الذكور، بينما مع الفتيات تتحول المنظومة إلى (العهر – العهر – العهر).. هكذا انهالت الشتائم على الكاتب بعنف لا يمكن وصفه إلا بشهوة (الكوبروجرافيا) حتى تحولت الصفحة إلى مستنقع ...

أحد الأذكياء أرسل يقول: " الكلام بيبان من عنوانه ، وانا فهمتك من عنوانك ياتوحة".. الكثيرون اتهموه بالعلمانية وأنه عميل للمباحث .. المعتدلون اتهموه بأنه مراهق .. أحدهم قال له :" زكر فإن الزكرى " كاتبًا الآية القرآنية بهجاء خطأ .. إلى درجة دخول "لا للتوريث" في الموضوع والدعوة إلى الجهاد و.. هناك آلاف الشتائم التي لن تطيق سماعها منطوقة فما بالك بها مكتوبة ؟.. دعك من الأخطاء الهجائية التي تجعلك تتساءل: اتعلموا فين دول ؟.... هناك داء جديد هو داء (ذالك) و(لاكن) و(فتايات ) وداء نصب خبر (إن) "أعتقد أن الفيلم وقحًا" ..

انفجار شرس من الأخوة المرضى المبتلين بالـ (كوبروجرافيا) .. حتى تراجع المحترمون العقلانيون من فرط التعب والقرف.. هؤلاء يوصلونك للحظة تسكت فيها من الاشمئزاز فيحسبون أنهم انتصروا وأفحموك.. وهي نفس براعة وقوة منطق العربجي الذي يشتمك بالأم وهو على ظهر عربته الكارو فتصمت، ومن ذا الذي يضيع وقته وكرامته في الجدال مع عربجي ؟ .. النتيجة هي أن الكاتب انسحب من الموقع ...

***
لا أعرف الكثير مما يحدث في كواليس جريدة الدستور، برغم أنني نشرت فيها مرارًا، وأعتقد أن علاقتي جيدة جدًا بكل صحفييها .. لا أوافق رئيس تحريرها اللامع إبراهيم عيسى في نقاط عدة، وأرى أن الجريدة تجنح لاندفاع الشباب أحيانًا كثيرة.. والواقع أن هذا ما أراده إبراهيم عيسى بالضبط : أن تصدر صحافة جامحة من محررين في العشرينات من العمر ولهم .. لكن هذا لا يناقض رأيي الذي أقوله في كل مكان تقريبًا أن عيسى أهم ظاهرة صحفية عرفتها مصر في التسعينات، وأنه ذكي جدًا ، وأنه من أشرف الصحفيين، ولسانه الزلق الجامح يقوده إلى المهالك بإصرار غريب .. ولئن كانت أموره المالية قد تحسنت فهذا يعود لمزيج من توفيق الله وموهبته، فلا دخل لصفقات غامضة في هذا .. وقد كتبت عنه منذ عام في موضع آخر: "هناك موضة شجاعة عارمة في كل الصحف والمجلات .. الكل صار معارضًا جريئًا من دون سوابق تبشر بهذا .. ترى شبابًا في الثامنة عشرة من عمرهم يكتبون مهاجمين النظام بكل وضوح وبالأسماء، موضة شجاعة عارمة أرحب بها طبعًا بشرط أن تستمر وأن يكونوا مستعدين فعلاً لتحمل التبعات.. أما أنا فمنذ ست سنوات أو سبع كنت اقرأ مقالات (إبراهيم عيسى) و(علاء الأسواني) و(عبد الحليم قنديل) وسواهم من الشرفاء الذين فتحوا صدورهم للحراب عندما كان الجميع صامتين، وكنت أقول لنفسي: رباه !.. هؤلاء قوم بلغوا من الشجاعة مبلغًا .. "

هذا كله مفهوم إلى أن قرأت مدونات الإنترنت التي تتحدث عما يحدث في كواليس الدستور، وبالتحديد ما تلا انسحاب الفنان (عمرو سليم) و(خالد البلشي) و(عبير العسكري).. مستحيل أن يكون هذا الذي أقرؤه حقيقيًا .. إنه لكابوس !.. تشكيك في ذمة عيسى المالية وشرفه واتهامه بالعمالة للأمن، مع عدد لا بأس به من الشتائم التي لا يمكن التلميح لها .. المعركة تشتعل أكثر .. هناك من يرد باسم (عيسى) ومن يرد باسم (عبير العسكري) مناضلة الدستور النبيلة التي ضُربت في كل المظاهرات تقريبًا، وهناك قذف للمحصنات واتهام لصحفيات بما لا يمكن ذكره، ونشر للغسيل القذر من صحفيين شباب موتورين لم يحققوا شيئًا في هذه الجريدة أو شعروا بغبن حقوقهم (لابد أن تكون من الدستور لكي تعرف أن خالد كساب يستعمل لفظة قشطات كلازمة في كل كلامه).. والمدونات تزداد طولاً حتى صارت تملأ كتابًا كاملاً، وفي النهاية تشعر بأنك لا تقرأ جدلاً وإنما هي ذئاب مسعورة تتصارع .. الصديد المكبوت في النفوس يخرج حينما لا يوجد رقيب، ميل للعنف لا يمكن وصفه .. ها هو ذا مرض (توريت) يفصح عن نفسه ..

الأمر لا يحتاج لصحفي كي يحلل الأمر .. الأمر يحتاج إلى عالم نفسي يفسر لنا سر كل هذا العنف .. هل هو انعكاس للعنف العارم في المجتمع ؟.. الأمر يحتاج لعالم دين يخبرنا لماذا يقذف الناس بعضهم البعض ويتهمون زميلاتهم في العمل في شرفهن بهذه البساطة، لمجرد أنه لا أحد يراهم إلا الله ؟.. لماذا تدهورت فكرة الحساب والعقاب في النفوس لهذا الحد ؟

بعض التفسيرات تقول إن أغلب هذه الردود من رجال أمن يهمهم تشويه الجريدة وسمعتها .. إن الدستور جريدة جامحة فتحت النار على الجميع تقريبًا، ولها أعداء كثر يهمهم أن يمزقوا ثيابها على الملأ .. بالنسبة لي أرى أن هذا التفسير يفترض أن الشباب جميعًا بخير .. إذن من أين جاء الشباب الذين قابلتهم على المقهى، والذين لا يكفون عن إطلاق الأصوات السكندرية الحلقية ؟.. على كل حال أتمنى أن يكون هذا التفسير الأمني صحيحًا فهو يريحني بشكل خاص، ويخبرني أننا لسنا بهذا الغباء .. أن ندمر كل شيء جميل بنيناه معًا، وذلك الاستعداد الكامن في الجينات العربية للحرب الأهلية حتى على مستوى جريدة ..

ما زلت مصرًا على أن الدستور في إصدارها الأول كانت أفضل وأمتع، لكن هذا لا دخل له برأيي النهائي .. الدستور عمل جماعي رائع وإبراهيم عيسى قيمة صحفية يمكن أن نختلف معها بشدة لكننا نحترمها بشدة أكبر .. فلتمارسوا (الكوبروجرافيا) في مكان آخر من فضلكم ، أو لتطلبوا العلاج لدى أقرب طبيب أمراض نفسية .. قولوا له إن اسم مرضكم هو (متلازمة توريت).. وهو سيتصرف والشفاء قريب بإذن الله !




 
 

 

عرض البوم صور بيجاسوس  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)
facebook




جديد مواضيع قسم روايات أونلاين و مقالات الكتاب
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 07:16 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية