المنتدى :
خواطر بقلم الاعضاء
بعد الرحيل
قريتنا , تلك الجنه الضاحكه اللعوب , الضائعه بين الجبال المشرئبةِ الأعناقِ نحو السماءِ , كانت يوما مسرحا للطيور القادمه من وراء الافق . ترتاح في ضواحيها بعد عناء السفر الطويل , تتمرغ على اعشابها الخضراء النديهِ , حيث المياهُ سيول والبيادرُ تشبعُ من الجوعٍ .
كانت ضيعتنا لا تعرف الاسياج والنواطير .
يرتاح الغريب على حافة الدرب , ويتحلى بالعناقيد المتدليه على حفافي ضيعتنا , ويحمل في كيسهِ ما يكفيه طيلة السفر .
لم تعرف الهم يوما قلوبنا , والدمعات البكرُ , الصادقهُ كانت تسيل عندما يبعد احدنا الموت , هذه البيوت كان يعانق بعضها البعض . تطل من شباكِك , فترىى وجوها تشرق عليها الابتسامه . تنادي , فيجيبك الف صوتٍ . تقعُ ألف يد تمتد إليك . تسافر فيبكون لفراقك . تعود ، فيحتفلون بقدومك.
اليوم كل شيءٍ قد تغير في ضيعتي . صرت أعيش فيها كالغريب .
أببكي , أتألم , أموتُ , فلا يدري بي أحد .
قد تبدلت الوجوهُ . والاشياءُ ، والعادات , فأرتفعت الاسياجةُ حول الضيعه , والبساتين قليله التي تعرف لون الخضرةِ في ضيعتنا.
تطل من شباكِ فلا تطالعك غير الوجومِ , والصمت. تقع , فترى نفسك وحيدا في البؤس , والفاقةِ.
أشعر كأن قلب قريتي قد توقف عن الخفقانِ . تلك الدروب أفقرت ، والبيوت فرغت بعد أن رحل ساكنوها.
على قرميد منزلنا الاحمر , المتداعي , حسونٌ عجوزٌ , يضرب جناحيه في ثقلِ , يبكي , ينادي , فلا يسمعه أحد.
|