كاتب الموضوع :
أدهم صدقي
المنتدى :
سلاسل روايات مصرية للجيب
بين د. نبيل فاروق ود. أحمد خالد توفيق
أعزائي الليلاسيين، أحب هنا أن أدلو بدلوي بين الدلاء بشأن التصويت لاختيار أفضل كاتب من بين الكتاب الستة المقترحين أعلاه
أولا وقبل كل شيء، لا مفر لي من الإعتراف أنني لم أقرأ كل ما سطرته أيدي هؤلاء الكتاب، فمثلا السيد أدهم صدقي، لم يحصل لي يوما الشرف أن أقرأ له أي شيء، ولكي لا أكون مجحفا بحق الآخرين، فأنا سأقتصر هاهنا فقط على اسمين، أستطيع أن أدعي أنني على معرفة كافية بإبداعاتهما وطريقة كتابتهما، وإن كنت كما قلت آنفا، لم أطلع على جميع ما أنتجوه، ولكن منذ متى كان الكم هو المعيار الحق في تقويم التجارب الإبداعية، فشاعر تونس الأول أبو القاسم الشابي، رغم تركه لديوان وحيد صغير، بسبب وفاته المبكرة، لا يزال يحتل مكانة سامية في دنيا الشعر، في حين أن الكثيرين من معاصريه، ممن دبجوا مجلدات ومجموعات شعرية، وطأتهم أقدام الزمان، وأصبحوا في خبر كان، لأن التاريخ، كما عودنا دائما، مغربل صارم جدا، لا يعترف إلا بالمواهب الصادقة الحقيقية، وقد كان الشابي موهوبا بحق...
الدكتور نبيل فاروق، هذا الرجل الذي لا زلت أكن له كل الإعجاب والتقدير وأنا ابن الرابعة عشر، وأنا اليوم وقد صرت شابا وتغربت في بلاد الله الواسعة، وتحصلت على معارف وتعلمت لغات، لا زلت أنظر إليه بنفس الإعجاب والتقدير...
لقد جاء الدكتور نبيل فاروق في زمن صعب، واستطاع بكل اقتدار أن يشق لنفسه طريقا فريدا وفي نفس الوقت محفوفا بالمخاطر.. مخاطر الفشل .... فالساحة الأدبية في تلك الفترة لم تكن مستعدة لتقبل هذا النوع من الأدب، أعني أدب الخيال العلمي، فالرجل أخذ على عاتقه هذه المهمة، واستطاع في وقت وجيز، أن يستهوي شريحة واسعة من القراء، معظمهم من الشباب، بفضل العالم الفريد الذي كان يخلقه في كل ما يبدع، وبفضل موهبته الفذة في إضفاء الإثارة والتشويق على قصصه ورواياته، وبفضل تناوله المدهش لقضايا متنوعة، سواء كانت علمية، اجتماعية، تاريخية، أو سياسية، كل هذا يدعمه كمه المعرفي والثقافي الواسع، بالإضافة إلى اسلوبه الكتابي البسيط، ولغته الواضحة الجميلة، البعيدة عن الركاكة، فحاز على إعجاب الشباب العربي من المحيط إلى الخليج، وصار هؤلاء يتابعون أعماله ويقبلون عليها إقبال الظمآن على نبع ماء صاف، وكان نجاح... نجاج لم يدر ابدا في خلد دار المؤسسة العربية الحديثة...
كل هذا والنقاد عن كاتبنا الكبير غافلون، بل هناك من انتقد كتاباته وقال إنها أدب مراهقة لا يرقى إلى الأدب الجاد الحقيقي ... ومثل هذا الكلام سمعه ولا يزال يسمعه الدكتور نبيل فاروق، وكم يؤلمه ويجرحه، وهو يرى هذا التناقض... معدلات الإقبال على أعماله هائلة وتدر أرباحا طائلة على دار النشر، والجرائد لا تنفك تقدم له عروضا للكتابة على صفحاتها، والنقاد ــ أو كم أطلق عليهم الدكتور نبيل فاروق نفسه: الديناصورات التي ستنقرض يوما مع مرور الزمن ــ لا يلتفتون إليه ولا زالوا في تعنتهم يدعون أن ما يكتبه لا يعدو أن يكون مجرد قصص للشباب لا ترقى إلى مستوى الأدب الحقيقي... على الرغم من أن ما تسطره يدا كاتبنا لا يقل في جودته ومستواه عن أي إبداع من هذا النوع لأي كاتب غربي، وأنا نفسي عرضت بعض أعماله على نخبة من الطلبة الألمان من محبي روايات الخيال العلمي الذين درسوا معي الادب العربي، وأبدوا إعجابهم الشديد بإبداع كاتبنا... فواحسرتاه على حالنا، لوكان الرجل كاتبا في دولة غربية لشدوا عليه بالنواجذ، واعتبروه معلمة من معالمها...
أما عن الدكتور أحمد خالد توفيق، فإنه حينما دخل الساحة، وجدها مفروشة، ووجد نخبة كبيرة من القراء تقبل على ها النوع من الادب، فلم يواجه مشاكل البداية وشق الطريق، واستفاد من كل هذه العوامل، وكان لنبوغه وتفرده الإبداعي الفضل فيما وصل إليه اليوم، حتى أن مجموعة كبيرة من القراء التي تربت على إبداعات نبيل فاروق، صارت اليوم متحمسة جدا لما يكتبه خالد توفيق، بل وصار كاتبها المفضل...
أسلوب خالد توفيق ساخر ساحر، يذكرني دائما باسلوب الكاتب الساخر اللاذع المازني، ولغته فصيحة جدا، وأنا من اشد المعجبين بلغته المسبوكة وتعابيره الفصيحة، ومعرفته الجيدة أين يستعمل العامية، فيشد القارئ بطريقته الذكية هذه ويأسره، والمواضيع التي يتناولها تنبئ أنه مثقف ثقافة واسعة حيرتني مرارا وتكرارا، فالرجل متمكن من علوم ومعارف متنوعة، حتى الدقيقة منها فيما يكاد يدخل في الإختصاص، فمثلا روايته (شيء من حتى) من سلسلة فانتازيا، تبين مدى معرفته الواسعة بكل شاذة وواردة في ميدان اللغة العربية، يكاد لا يتحصلها إلا أهل الإختصاص... بالإضافة إلى إجادته لكتابة الشعر فأنا اطلعت على مجموعة من قصائده التي كتبها كلها على بحور الخليل، تؤكد اقتداره ومواهبه المتعدد،فهو في رأيي الشخصي، مثال للكاتب العالمي المعاصر الذي جمع من كل معارف عصره طرفا.. ولا غرابة أن صار يحتل مكانا واسعا في قلوب القراء.... (للموضوع بقية)
|