المنتدى :
الدراسات والدواوين الشعرية
عبد العزيز إبراهيم , شعرية الحداثة
أقصد بـ(شِعْرِيَةُ الحَداثَةِ) هي الحداثة العربية التي بزغت شمسها في منتصف القرن التاسع عشر، وتتالت حلقاتها التحديثية منذ ذلك الوقت حتى أيامنا الأخيرة من القرن العشرين، حيث كثر الحديث عنها واختلف الرأي حولها. وإن انصبت هذه الآراء على أنها تنويرات غربية حاولنا أن نتجرعها على دفعات حسب زمنيتها التي تغطي سنوات قاربت المئة والخمسين مصورة ما عصف من رياح على هذه الأرض أثّرت اجتماعياً ونتجت عن تحولات مادية لعب الاقتصاد والثروة الطبيعية فيها عوامل لفرض الحضارة الغربية نتيجة تقدمها العلمي الهائل، يقابل ذلك تخلف حضاري يظهر في فقر الفكر واستلاب الحرية والإحساس بالغربة وكانت محصلة ذلك الصنيع أن فقد المواطن العربي ثقته بالمطروح في الساحة لكونه فقيراً يعوزه الصدق وهو أول ما يطلبه في قضية التحديث.
لقد دعت الحداثة إلى احترام الآخر "المتلقي"وهذا مالم تقتنع به الحداثة العربية، ليس على مستوى التنظير، بل الممارسة الفعلية في ما نكتب ونحن نزعم أننا "حداثويون" نوجه خطاباً إلى الآخر شعراً كان أم رواية...الخ. وفاتنا أن التحديث يتم من الداخل لأن عملية النهوض لن يتمكن منها إلا القائم بها، فإن كرّرنا قول الآخر فليست تلك الأقوال حداثة.
ولم نزل بعيدين عن هذه العملية،عملية التغيير نحو موكب الحداثة، فإن قيل لنا إن دراسات كثيرة ملأت الساحة، أقول إنها تنقل فكراً يترجم ما كتبه الغربيون عن حداثتهم، وإن حاولنا أن نكتب عن حداثتنا فإن اللغة الواضحة هي ما نحتاج إليها لا المصطلحات التي كثر تداولها حتى احتاج القارئ إلى معجم كي يحدد المراد منها، فكان ذلك العرض فوق مستوى التلقي لفقد صلة الفهم من الرسالة الصادرة عن الباعث (الشاعر/الكاتب) إلى القارئ (المتلقي) وتلك أزمة الحداثة إنَّك لا تفهم المقول!!!...
من هذه الأزمة النقدية حاولت أن أشارك في المقول من خلال بحوث كتبتها في السنتين الأخيرتين نُشِرَ بعضها. ارتبطت جميعها بخيط اسمه الحداثة تمثلت في مدخل وستة فصول. جمع المدخل رؤيتين: الشرقية والغربية من خلال تباين تلك الرؤية والتي تشكل جذراً للحداثة، دون أن أنسى أن الرؤية الغربية هي الأخرى قد افترعت إلى رؤيتين أدبيتين إحداهما مثالية النشأة والأصول والأخرى مادية الفلسفة ترى في الأدب انعكاساً للمادة وتكون حداثتها مختلفة عما في غرب أوروبا وأمريكا.
أما الفصول الستة فقد عرضت في الأول منها إلى لغة أهل الحداثة من خلال ما كتبه الدكتور إبراهيم السامرائي –رحمه الله- الذي مثلت كتاباته اللغوية نقداً واعياً لها. وفي الثاني وقفت عند أبعاد التجربة وأثرها في شعر الحداثة.
وفي الثالث نظرت إلى الصورة الفنية في شعر الحداثة بعد أن تجاوزوا اللغة وأغربوا في التجربة. فكانت صورهم مهشمة. وفي الرابع كانت ظاهرة الغموض مرضاً رافق شعر الحداثة حيث نأت هذه الظاهرة بالمتلقي من أن يعقد صفقة فهم مع شعراء الحداثة، فيلجأ إلى التظاهر بالفهم وتلك حالة اغتراب عاشها القارئ وهو يقرأ شعر الحداثة. وفي الخامس وقفت عند إنشاد شعر الحداثة لعلي أمكن السامع منه إنْ هو تجاوز القراءة إلى السماع. أمافي السادس فقد اتخذت مما يحدث عند شعراء الحداثة من حالات قد تكون بدايات واعية للتجديد وقد لا تكون لاسيما إذا نظرنا إلى شعر الستينات في العراق الذي شهر أصحابه سيف التمرد دون أن يكون لسيوفهم المشرعة أيُّ زاد يبرر حداثتهم. واتخذت من رفض القصيدة الأدائية شاهداً على أزمة التوصيل في هذا الشعر.
ويلاحظ في المعروض من القول، أن بعض الشواهد أو الآراء التي تطرح بين سطور الفصول قد تتكرر، وهذا أمر طبيعي لأن توظيف النص يحتاج إلى ذلك، وأذكر على سبيل المثال تعريف الحداثة، وأثر المذاهب الأدبية الغربية في الحداثة الشعرية عند الغربيين وعلاقة ذلك في أدبنا أو حداثتنا العربية من حيث التأثر والتأثير.
أما اعتمادي على التراث العربي القديم، رأياً أو شعراً فإن مَردَّ ذلك يعود إلى قناعتي أن من تنصل من جذوره فقد هويته، ومن أغلق الباب دون تطوره عاش التخلف وبَعُد عن ركب الحضارة. وهذا يعني أن الحداثة التي أُريد لها أن تكون رؤية نقدية تشكل بديلاً عن نقد أدبنا، تكون فعلاً لا يمتلك حقَّ الحياة في دراساتنا المعاصرة وفي الوقت ذاته فإن الوقوف عند النقد القديم يكون فعلاً عقيماً لا ينتج فيه إلا الخيبة وهذا ما لا نفكر به إن أردنا لأدبنا ونقدنا رؤية معاصرة تربط أدبنا المعاصر بتراثنا العظيم.
وقد يسأل المتلقي: وما قيمة ما تزعم وتيار الحداثة لا يعرف لعرباته وقفة؟... أقول إن مواجهة المثقف العربي للحداثة غير ما يواجهه من تخلف عن ركب الحضارة وامتلك فيها إرثاً ليس من السهولة بمكان أن يتجاوزه من ساق عقله مع الحداثة وقد أهمل ذاك الإرث الذي ظهر في الدراسة الأدبية عند العرب و ترك مكتبة شغلت مخطوطاتها سعة في العقل الغربي. وبالتالي فإننا إن قلنا بهذا الإرث الفكري فلا ينبغي أن نقف عنده بل نطلّ على تراث الآخر المعاصر بلغة واضحة حتى يتمكن القارئ من فهم دلالاتها وسياقاتها المعرفية من أجل خلق ثقافة "حداثوية" لأن الغموض في الطرح والإبهام في السياق يدفع بنا إلى العزوف ومن ثم البحث عن البديل تساوقاً مع سنة التقدم التي ترفض المراوحة في المكان نفسه. واختيارنا للحداثة لا بديل له.
عبد العزيز إبراهيم
العراق /الديوانية في 2/1/2004.
للتحميل من هنا
|