بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الخامس و الثلاثون
مشكلة عويصة
-لقد طال غياب وحشك , لقد تعدت ساعة و نصف !
نظر (ياكو) لها , كان في حالة يرثى لها , لا يقدر على رفع عينه تجاهها , كانت تتحرك حول الشجرة التي يستند عليها , و جسمه مليء بالعرق , كان يود أن يترك تركيزه لحظة واحدة لكنه كان يعرف ثمن ذلك , هو يفضل الموت على تضييع هذه الفرصة , أما (تاكامي) فكانت قلقة بشدة على حياته , كانت تدرك أنه قد وصل إلى أقصى درجات تحمله منذ فترة ليست بالقصيرة , و هو يتسنفذ طاقته الداخلية , و لو لم يسرع وحشه ربما مات , لكنها لم تكن تملك شيئا تفعله سوى الانتظار , كانت كل دقيقة تقف خارج الحديقة و تتلفت حولها لعلها ترى هذا الوحش , ثم تصاب بخيبة أمل فتعود أدراجها , تقف بجوار (ياكو) قليلا ثم تتجه للخارج لكن في جهة أخرى , ظلت هكذا حتى سمعت صوتا وهي خارج الحديقة تبحث عن الوحش , جرت بسرعة شديدة إلى الداخل , فوجدت الوحش يضع المنديل أرضا ثم يختفي تدريجيا , وقفت أمام (ياكو) بمسافة مترين على الأقل , بدا لها أنه قد استعاد جزء من حيويته , تنهدت وهي تضع راحة يدها اليسرى على صدرها وتقول:
-حمدا لله على رجوع الوحش , لقد كنت خائفة من تأخره !
نظر نحوها (ياكو) ثم قال بصوت واهن :
-احضري خريطة !
لم تدر ما تفعله حينها , فهي لم تكن تملك خريطة , فنظرت حولها بقلة حيلة كأنها تبحث عنها حولها , قال لها (ياكو) بصوت واهن :
-حسنا , فلنسترح اليوم و غدا لنبحث ع...
لم يكمل ما كان يريد قوله , فقد تهاوت رأسه على صدره و فقد وعيه ليغيب عن هذا العالم تاركا (تاكامي) بمفردها هنا ...
*************************
فتح (ياكو) عينيه ببطء شديد , كان يقبع في حجرة فندق يبدو أنه سيء الحالة , تلفت حوله فلم يجد (تاكامي) , فقام فجأة من على الفراش يبحث عن عصاته , لكنه سمع صوتا جعله يستريح يقول له :
-أتبحث عن عصاتك ؟!
ابتسم (ياكو) وهو يتلفت حوله و يقول :
-لا يوجد وقت لمثل هذه الألاعيب تاكامي , هيا أين أنتي ؟!
-هنا !
قالتها فالتفت خلفه فلم يجد شيئا , لكنه فجأة وعلى الفراش ظهرت (تاكامي) جالسة عليه , اتسعت عيناه من الدهشة , لكنها قالت بمرح :
-لا تندهش , فهذه تعويذة خاصة بعائلتي , تعويذة إخفاء , لكنها ليست جيدة جدا , لو أنت ماهر كنت قد عرفت مكاني بسهولة !
ابتسم وقال لها وهو يتجه إليها ليأخذ عصاته :
-لابد و أن هناك العديد من الحيل التي يجب أن أتعلمها في عالمنا !
قالها و استرجع عصاته منها , ثم اتجه نحو الفراش مرة أخرى حيث كان معطفه معلقا على حامل بجانبه , قالت له وهو يهم بارتداءه :
-لقد أتعبتني أمس , فقد اضطررت إلى حملك , و تأجير سيارة حتى تقلنا إلى هذا الفندق الرخيص , وقد أخبرته أننا عاشقان و قد أغشى عليك في أول تجربة لك مع الخمر , فقد صدقني هذا السائق كما فعل موظف الاستقبال في هذا الفندق , هذا بالطبع بعدما طبعت بعض قبلات زائفة بأحمر الشفاة على خدودك الوردية هذه !
قالتها و أطلقت ضحكة طويلة , حيث جرى (ياكو) نحو مرآة متسخة , و مسحها من الأتربة بكم معطفه بدون وعي منه ثم أخذ يقرب وجهه من الجزء الذي يعكس الضوء منها , يجذب ذقنه و خديه حتى تأكد من خلوهم مما قالت , فنظر نحوها وهو غاضب بشدة وهي في قمة ضحكتها , فقالت له وسط ضحكاتها :
-لا تقلق نفسك , فقد أزلت بقايا هذا الزيف بعد وصولنا , كنت أتمنى أن ألتقط لك صورة و أنت بهذا الوض...
لم تستطع إكمال جملتها من شدة ضحكتها , لم يقدر (ياكو) سوى أن ينظر بعيدا عنها , حيث قد بدأت في إمساك بطنها من شدة الضحك , لكن هناك , و على الطاولة , جذب انتباهه شيء جميل يحتاجه , اندفع تجاه المنضدة و التقط الخريطة و فضها من الكيس البلاستيكي و اتجه نحو الفراش , في تلك اللحظة توقفت (تاكامي) عن ضحكاتها و التفت بجدية قليلا تنظر نحو الخريطة التي فضها (ياكو) على الفراش بأكملها , أخذ يتتبع بعض خطوط السكك الحديدية , يتنقل بإصبعه بين أسماء عدة مدن حتى وقف باصبعه على مدينة تدعى (كوشيرو) و صاح منتصرا :
-إنها هناك !
نظرت (تاكامي) في الخريطة ثم سألته :
-وهل تعرف تحديدا أين مكانها ؟!
-كلا , لم يملك من الوقت الكافي لذلك , لكننا عندما سنذهب إلى هناك سوف يقول لنا المكان بالتحديد !
ردت عليه قائلة :
-حسنا هيا نعد أنفسنا للذهاب إلى هناك !
استغرقت رحلة الذهاب إلى تلك المدينة قرابة ساعة كاملة , بعدها أخذا يبحثان عن مكان يصلح للاختباء , فوجدا حديقة مهجورة , تمتلئ بالأشجار و غير منظمة , دخلا فيها , ثم قال (ياكو) :
-كاي !
تحولت عصاته لتتخذ الشكل المميز لها , ثم قال :
- واشي كين باكيمونو !
ظهر النسر الذهبي مرة أخرى , أعطاه المنديل وقال له :
-أرجو أن تبحث لنا عن مكان صاحبة هذا المنديل سيدي !
مد النسر جناحه فطار المنديل داخله حتى وصل إلى منتصفه , ظهر ضوء أصفر ذهبي ثم اختفى النسر بعدها , استدارت (تاكامي) لتتجه نحو شجرة قريبة و قالت وهي تهم بالجلوس:
-تعالى لتجلس معي هنا , فالوقت أمامنا طوي...
لم تكمل جملتها , فقد بترها ظهور النسر مرة أخرى , اتسعت عيناها دهشة , لم تكن تدرك أنه سيصل بهذه السرعة لصاحبة هذا المنديل , قالت بلهفة وهي تقف بسرعة من على الأرض :
-هل وجدتها ؟!
ابتسم النسر و قال بصوت يملؤه الثقة :
-نعم , بالطبع , هيا لتذهبوا إليها !
لم تفهم (تاكامي) ما كان يقصده بقوله هذا , لكن (ياكو) قد أمسك يدها اليمنى و جذبها معه وهو يدخل داخل النسر , وجدت نفسها فجأة بداخل النسر , ظهر ضوء أصفر أخذ ينتشر حتى غطى على الرؤية كلها , فأغلقت عيناها وسمعت صوت صفير حاد فوضعت يدها على أذنيها , ثم فجأة انتهى كل شيء كما بدأ , فتحت عيناها بحذر فوجدت نفسها في حديقة بمكان آخر , و النسر بجوارها , و (ياكو) ينظر إليها وهو يبتسم و قال لها :
-مرحبا بكي في عالم وحشي الخاص !
ابتسمت ولم تعلق , لكنها جالت بنظرها فيما حولها , وجدت نفسها أمام مبنى ضخم , لونه أبيض , مكتوب عليه (مصحة للأمراض العقلية و النفسية ) , شهقت (تاكامي ) من الفزع , و نظرت تجاه الوحش و قالت له :
-هل توجد صاحبة هذا المنديل هنا حقا ؟!
أومأ النسر برأسه , ثم قال ل(ياكو) :
-هل تريد مني أي شيء بعد الآن ياكو ؟
-لا , شكرا سيدي على مساعدتك لنا !
قالها و اختفى النسر بعدها , ثم نظر (ياكو) تجاه المبنى ثم قال مشجعا نفسه أولا قبل (تاكامي) :
-هيا لندخل و نسأل عنها بالداخل !
صمتت (تاكامي) و لم تعلق , بل تبعت (ياكو) في سيره إلى داخل هذه المصحة .
*********************
وقف (رانمارو) أمام نافذة الغرفة التي كانوا بها ينظر نحو الأسفل , كان لا ينظر باتجاه محدد , فقط سارحا بأفكاره فيما هو مقبل عليه , لم يتبق معه سوى (هارونا) , (تابيتو) , و (ساكورا) , كانت الأخيرة نائمة على الفراش , و بجانبها جلست (هارونا ) تحرك أناملها بين ثنيات شعرها , بينما جلس (تابيتو) على مقعد في منتصف الحجرة , كان يبدو و كأنه في قفص اتهام ...
-لقد مضى على مغادرتهما قرابة الأربعة ساعات !
قالها (تابيتو) محاولا تغير جو الغرفة للحوار , فجأة استدار (رانمارو) إليه و سأله :
-قل لي تابيتو , مم كنت تهرب ؟!
صمت تابيتو قليلا ثم نظر تجاه (هارونا) التي استدارت تنظر إليه هي الأخرى , فزفر في ضيق واضح و قال :
-هل لابد و أنا أجيب على هذا السؤال ؟!
رد عليه (رانمارو) قائلا :
-بالطبع يجب عليك ذلك , و إلا فلن تستطيع أن تصحبنا في رحلتنا الطويلة المبنية على الثقة بين الأصدقاء .
قال كلماته الأخيرة و هو يضغط على كل كلمة منها , فنظر له (تابيتو ) لبرهة ثم قال بحزن شديد :
-حسنا , سأخبركما بما حدث لقريتي , انا كنت عضوا في قرية تدعى السهم الأبيض , قرية كانت موجودة بجزيرة كيوشو , تابعة لسيطرة مدينة فوكوكا , بالطبع كانت تعتبر ثاني أقوى قرية في المملكة اليابانية بعد قرية الريح البيضاء في القوة في جناح الخير بالطبع , لكن للأسف بعد سقوط قرية الريح البيضاء , أأخذت سياسة كل من كارا و بوكاهاتسو تتغير نحو إصطياد القرى الصغرى و تدميرها , بالطبع كنا نحاول منع تدمير ما نستطيع من هذه القرى , لكن الأمر كان أشبه بهجوم منظم , لم يتم ذلك إلا بعد عدة سنوات من إنهيار قرية الريح البيضاء , بالطبع أخذت وقتا حتى أتت النيران على مجموعة من القرى تقع تحت حمايتنا , و بهذا لم يتبقَ أمام أعدائنا سوى عقبة واحدة , و هي قريتنا ...
وقف و اتجه نحو النافذة هو الآخر , كان ينظر للأفق بنظرة تملؤها حزن كبير , ثم تابع :
-بالطبع كانت تحتاج قوى الشر لوقت تعد فيه قوتها , لكننا كنا في موقف حرج جدا , فلحماية ما تبقى من قرى الخير استلزم ذلك استنزاف معظم قوتنا , و لهذا ضعفت دفاعاتنا قليلا , و هذا ما كان متأكد منه أعدائنا , لهذا أسرعوا في الهجوم علينا , لم يفرق بين تدمير قريتنا و تدمير قرية الريح البيضاء سوى عشرة أعوام , و باقي الأربعة أعوام هربت ممن يحاولون اصطياد قوانا و استعبادنا لمصلحتهم , هربت من مصير أشبه بما تعرضت له (تاكامي ) !
قال جملته الأخيرة و عيناه تترقرق بالدموع , نظر نحوه (رانمارو) ثم قال بصوت حزين :
-هل تعني أن ما تبقى من قرى سوف يخضع لسيطرة الشر ؟!
التفت إليه (تابيتو) وهو يمسك بمنديل في يده اليسرى و يزيل ما تبقى من آثار الحزن من عينيه , ثم قال له :
-نعم , فللأسف ما تبقى من قرى في مملكتنا ليس بالقوة الكافية و لا الشجاعة اللازمة للوقوف أمام هاتين المنظمتين , بل هناك ما هو أسوأ !
التفتا إليه باهتمام , و تابع :
-لقد انتشرت عدة شائعات قوية تفيد بأن هناك من يحاول توحيد قوى كارا و بوكاهاتسو , فإذا حدث مثل هذا الأمر فحقا سيكون جد خطير من سيقف في وجه هذه القوة الجديدة !
اتسعت عينا (رانمارو) من الفزع , و قبل أن ينبس بحرف واحد تابع (تابيتو ) :
-هذا غير الإشاعة القديمة بأن هذا الشخص كان السبب الرئيسي في تدمير قريتك , بل و البعض قال أنه هو مدبر العملية برمتها !
حتى الآن , و حتى هذه اللحظة , كان (رانمارو) قد تاه وسط صحراء الواقع البغيض , و ضل طريقه وسط هذا الظلام الكثيف , لكن ها هو بصيص ضوء قد بدأ يطل مرة أخرى يرشده للطريق الذي يجب أن يتخذه حتى يظهر برائته , من لهفته الشديدة , من حماسته جراء هذه المعلومة , اندفع و أمسك ياقة قميص (تابيتو) الأزرق , وصرخ في وجهه :
-قل لي من هذا اللعين , قل لي أين أجده ؟!
صدر صوت (تابيتو) محشرجا وهو يقول له :
-اتركني رانمارو , هل تتصور أنه لو عرفنا مكانه لكنا تركناه , اتركني !
أفاق (رانمارو) لما يفعله , فترك (تابيتو ) و نظر نحو الأرض و قال بصوت حزين :
-أنا آسف تابيتو , لقد انجرفت وراء عواطفي , آسف !
أمسك تابيتو برقبته و أخذ يتحسسها بيده اليسرى , كان يبدو أنه قد اختنق قليلا , ثم قال بعد فترة قصيرة :
-لا عليك صديقي , لكن ما سبب هذا كله ؟! أنت لم تقل لي لماذا ستعيد بناء قرية الريح البيضاء مرة أخرى ؟!
تحرك (رانمارو) تجاه باب الغرفة , ثم فتحه و خرج منها و أغلقه خلفه دون أن يقول أي حرف ردا على تساؤل (تابيتو ) , نظر الأخير بدهشة شديدة نحو (هارونا ) و قال :
-ماذا حل به ؟!
نظرت إليه و قالت له :
-لا تقلق , سأخبرك بكل شيء ...
فاتجه يجلس نحو مقعده السابق , ثم أخذ ينصت باهتمام لسبب حنق و اندفاع (رانمارو ) , كما سمع كيف تقابل هو و محدثته , استمرت المحادثة طوال فترة الظهيرة حتى الغروب دون توقف .
***********************
خرج (رانمارو) غاضبا من الغرفة , لم يكن غاضبا من شخص سوى نفسه , كيف نسي وسط غمار كل هذه الأحداث أن يبحث عن الحقيقة ؟ لقد كان يؤنب نفسه على هذه الأحداث , ساقته قدماه نحو السطح على هذا الفندق الشخم , فتح باب المؤدي إليه ثم ولج لداخل السطح , كانت الشمس لاتزال في كبد السماء , سار بصمت عابرا علامة (h) المميزة التي تعتبر مهبطا للطائرات الهليوكوبتر , سار عليه دون أدنى اهتمام , كان السطح به عدة غرف على يسار المدخل , ثم هذه العلامة في الوسط , و في جميع الأركان توجد كومات من الصناديق المغلقة غير الدالة على هوية ما بداخلها و في صمت تام سار حتى وصل إلى الأفريز الخاص بالسور , وقف ينظر نحو الأفق بدون أدنى تركيز , كان يحاول أن يفرغ عقله مما به , لكن صدر صوت فرقعة صامتة خلفه , التفت في حدة فوجد...
-مرحبا بك أيها العظيم رانمارو , لقد اشتقت للقائك , أحب أن أقدم لك نفسي , أنا الثلجية رئيسة كارا , و هذه هي إيكويا مساعدتي و ذراعي اليمنى !
اتسعت عينا (رانمارو) من الدهشة , واندفع في عقله العديد و العديد من التساؤلات حولهما , لكن سرعان ما تحدثت الثلجية و قالت له :
-بالطبع عزيزي لولا وجود مساعدتي لما عرفت أن أجدك , فالفضل يعود لها في أن أجدك ...
-ماذا تريدين مني ؟!
قالها بجفاء و برود واضح , لم يكن في حالة مزاجية تسمح له بالتعارف أو بتبادل التهاني ,رمقته بنظرة صارمة و قالت :
-أنا يعجبني من يهتم بوقته كثيرا , لهذا لن أطيل عليك , أنا لا أعرف عن مجموعتك شيئا , و لا أعرف ماذا تنوي فعله , لكني جئت أخبرك بأمرين...
وضع (رانمارو) يده في جيب سترته اللامعة الحمراء المرسوم على ظهرها علامة أحدى الشركات الرياضية الشهيرة , ثم قال لها :
-وما علاقة رئيسة منظمة كارا بفرد ضعيف قليل الحيلة مثلي ؟!
كانت نبرته يشوبها السخرية قليلا , فرمقته بنظرة أكثر صرامة و قالت :
-لا وقت لدي للأحاديث الملتوية , كلما قل وقت لقاؤنا كلما كان أفضل بالنسبة لي !
رمقها هو الآخر بنظرة أكثر صرامة و قال لها :
-نفس الشعور بداخلي أيضا تجاهكي , ماذا تريدين ؟!
-بالطبع أنت تريد الثأر لمن دمر قريتك و قتل والديك !
كانت هذه الجملة كفيلة باستثارة كل حواسه مرة واحدة , نظر إليها بعينين متسعتين من الغضب الشديد , كان بداخله بركان ثائر , فكيف لمن دمر قريته أن يأتي و يقول له مثل هذا الكلام , جال بخاطره هذه الفكرة , لكن بددتها تعقيب الثلجية بقولها :
-بالطبع أريد أن أؤكد لك شيئا واحدا , نحن لم ندمر قريتك ,نحن لم نقتل والديك !
ظلت عيناه متسعة , و لكن من الدهشة هذه المرة , فرد قائلا :
-ما هذه الألاعيب التي تقومين بها معي ؟! جميع العالم يعرف جيدا من دمر قريتي و احتلها , أنها منظمتكم الحقيرة كارا !
ضاقت عينا الثلجية و قالت :
-لولا أنني في عجلة من أمري لكنت قد عاقبتك على ما لفظته للتو من إهانة لمنظمتي أيها الحقير , لكن لا وقت لدي للأسف , لكن ثق جيدا أنني سوف أعاقبك , فلنعد لما كنت أقوله , أنا أقول لك بنفسي أنني لم أدمر هذه القرية العنيدة , تدمير هذه القرية شرف لأي منظمة , يجب أن تدرك أنني ما تنازلت عنه بإعلاني للحقيقة أمامك إلا لوجود ما هو أهم من هذا المجد ..
جذب كلامها انتباهه , فصمت , فتابعت هي قائلة :
-هناك شخص غريب جاء إلينا قبل الهجوم على قريتك , هذا الشخص عرض علينا تدمير القرية , و وضع لنا خطة محكمة , سرنا بالطبع عليها مع الاحتياطات , لكننا عندما وصلنا القرية لم نفعل شيئا سوى تدمير الدرع الواقي , و قتل ما تبقى من أهلها و أسر الآخرين , أما الرؤساء فلم نلمسهم , حيث وجدناهم مقتولين قبيل وصولنا بقليل ...
كانت كلماتها تحرق قلبه , كان يود أن يقاتلها , لكنه كان يريد أن يعرف أكثر و أكثر , استمرت هي في الكلام و قالت :
-هذا الغريب يريد توحيد كارا و بوكاهاتسو معا تحت لوائه , يظن أنه قوي لهذه الدرجة . إنه مغرور !
-ما علاقة هذا بي ؟!
قالها في برود شديد , فردت بسرعة :
-للأسف لم نستطع جميعا أن نتوصل لمكان مخبأه , لكننا توصلنا لنقطة نستطيع أن نتوغل عن طريقها عبر دفاعاته , هذه النقظة هي أنت !
هنا لم يفهم ما أشارت إليه , فقال لها :
-هل يمكن أن تشرحي باستفاضة أكثر ؟!
ردت في صرامة :
-أنت لا يلزمك معرفة التفاصيل , يكفيك ما عرفته , لكننا عرفنا أنه لا يمقت شخصا في هذه الدنيا مثلما يكرهك , و لا يريد أن يقتل شخصا سواك أنت , لهذا ...
قالتها و أشارت بيدها اليسرى فتقدمت (إيكويا ) وتابعت هي كلامها :
-أريد منك أن تصطحب هذه المرأة معك , إنها تدعى إيكويا , وهي ماهرة في اقتفاء الأثر , فهي التي قد أوصلتني إليك ...
صمت (رانمارو) وهو ينظر تجاه الأرض , ثم قال بصوت غاضب :
-تريدين مني أن أكون طعما لهذا الوغد الحقير , نعم أنا أريد أن أقتص ممن قتل أبواي و دمر قريتي و أزالني من عالمي , لكنني لن أكون أبدا أداة في أيديكم أيها الخونة !
قالها و شهر عصاه و قال :
-كاي !
تحولت العصاة لشكلها المعتاد , و غطى المعطف الجلدي نصف جسمه تقريبا , كان طرف العصا يتوهج بلون أحمر ناري , ضيقت الثلجية من نظرتها ثم قالت له :
-هذا يدفعنا للحديث عن الأمر الثاني , أنت إذا فكرت في أن تقف في طريقنا ...
في لحظة وقفت وراءه , بل سرعتها كانت أسرع من ذلك , اتسعت عيناه في دهشة شديدة , كانت يداها تمسك بسيف غريب لم يعرف من أين أتيت به , كان تحيط عنقه بهذا السيف , ثم تابعت :
-فسوف أقتلك قبل أن تفكر في هذا الأمر !
قبل أن يفكر , أو حتى قبل أن يدرك ما كانت تقوله , اختفت فجأة من وراءه كما ظهرت , رجعت لمكانها ثم تابعت قائلة :
-لا تستخف بقوتنا أيها الصعلوك الضعيف , أنت ليس سوى حشرة مهملة , لو لم تعرف مقدار نفسك جيدا فسوف نخبرك فعليا بهذا , لديك شهرا كاملا للتفكير في عرضي , بعدها سوف أجدك كما وجدتك هنا , و عندها سوف يتحدد مصيرك ...
فجأة اختفيا بصوت فرقعة خفيفة مثلما ظهرا , أمسك (رانمارو) بعصاته واعتصرها في قبضة ييده اليمنى , وقال في حنق :
-اللعنة !
****************************
اندفع (رانمارو) بقوة و عنف فاتحا باب الغرفة بصورة أفزعت من بداخلها , حيث هبت (هارونا ) واقفة في تحفز , في حين نهضت (ساكورا) مفزوعة من نومها , أما (تابيتو) فقد شهر عصاه تجاهه , عندما نظروا له , خفض (تابيتو) عصاته , و سقطت (ساكورا) على فراشها , أما (هارونا) فقد أرخت نفسها و قالت له بصوت غاضب :
-ماذا هناك لكي تدخل علينا بمثل هذه الطريقة ؟!
لم يعلق بل أغلق الباب , و قبل أن يغلقه قام بالنظر يمنة و يسرة ليرى إذا كان هناك من يتبعه , دب هذا الفعل الشك في نفس (هارونا ؟) و (تابيتو) , اتجه (رانمارو) ليجلس على الفراش و يقول بصوت مسلوب :
-لقد حدث شيء رهيب !
قبل أن يقول ما حدث فجأة صدر صوت غريب , نظر الجميع تجاه نقطة بيضاء ظهرت من اللا شيء , حملق فيها الجميع , فجأة كبرت هذه النقطة و ظهر لها أذرع , امسكت بكل من بالغرفة , حتى (ساكورا) رفعتها من على فراشها ثم جذبت تلك الأذرع الجميع إلى داخل هذه النقطة , تعالى صراخ الجميع , شعر كل منهم و كأنه يدور في دوامة مائية , و الضوء من حوله أبيض تماما , فجأة أسود كل شيء , وجد كل منهم نفسه قد سقط على أرضية عشبية , قام كل منهم وهو يتلفت حوله و العرق يغمره , لكنهم تراخوا عندما وجدوا (ياكو) و (تاكامي) يقفون أمامهم , قالت لهما (هارونا ) بحنق شديد:
-لماذا الجميع اليوم يفعل أشياء غريبة ! ماذا حدث ؟!
قالتها وهي تضع يديها في وسطها وهي تحملق في كليهما , لكن بدت نظرة خوف على وجهيما بصورة جعلت (رانمارو) يقول بسرعة :
-ماذا حدث ياكو ؟!
نظر إليه (ياكو) و أجابه :
-أعتذر أولا عن طريقة استحضراكما هكذا لكن كان لابد من التصرف سريعا , لقد وجدنا ناجومي!
ردت (هارونا ) :
-هذا إذن شيء جيد !
استدركت (تاكامي) قائلة :
-لكن السيء هو أن هيكارو ليست معها , لقد تم اختطافها !
-ماذا؟!
صرخ (رانمارو) بهذا و نظر إلى (ياكو) الذي أومأ برأسه مؤكدا كلام (تاكامي) , فتسائلت (هارونا) :
-وهل تعرفون من اختطفها ؟!
رد (ياكو) :
-قالت ناجومي أن أفرادا تتبع قرية ما في مدينة شين يانج الصينية قد جاءوا و اختطفوها منذ سنتين , و قاموا بإيداع ناجومي في مصحة عقلية !
تسمر الجميع مما حدث , لكن (رانمارو) سرعان ما قال :
-لا يمكن أن نترك شخصا ضعيفا يحتاج للمساعدة , هذا إضافة لكونها فردا من قريتي السابقة و عضو حالي مهم في قريتي الحالية , سوف نقوم بعملية إنقاذ لها , ما رأيكم ؟
نظر الجميع بدهشة إليه , كان يبدو أنه مندفعا قليلا هنا , فردت عليه (تاكامي) بقولها :
-هل تدرك معنى ما تقوله ؟! إنك سوف تهجم على قرية لا نعرف عنها شيئا ...
-وكذلك هم لا يعرفون عنا شيئا !
رد عليها (رانمارو) فقال (ياكو) بسرعة :
-نعم , هذا إضافة لأننا سوف نهاجمهم بغتة , هذا سيضع عامل المفاجأة في صالحنا !
نظرت (تاكامي) إليهما ثم قالت :
-أنا أريد مثلكما أن أنقذها , لكن الهجوم على قرية أمر لابد من تنظيمه , و هذا يحتاج إلى وقت و جهد للاستعداد !
رد عليها (رانمارو) بقوله :
-حسنا , فلتكوني مسئولة عن تنظيم قواتنا , أما بخصوص الوقت فسوف نمضيه في التدريب حتى نضع خطة جيدة , فما رأيك ؟!
صمتت مندهشة مما قاله , فهي أكثرهم دراية بأمور المعارك , لكنها في الوقت ذاته لم تتحمل مسئولية جنود من قبل , كما أنها لا تعرف قوة كل منهم , سارع (ياكو) بقوله :
-أنا أضم صوتي لما قاله أخي !
-وأنا كذلك !
قالت (هارونا) هكذا , فنظرت إليها (تاكامي) غير مصدقة , فقال (تابيتو ) :
-أنا معكم في هذا الأمر أيضا !
حملقت فيه أيضا , لكن ما أدهشها صراحة كان ما قالته (ساكورا ) :
-وأنا معهم يا أختي , إنهم أناس طيبون , و لابد لنا من أن نساعدهم !
فقد فهمت هذه الصغيرة الموقف خطأ , لكنها قالت شيئا صحيحا أثر في نفسها , فكل ما يقف هنا يناصر الحق , و يريد دحر الظلم , كما أنهم سيعرضون حياتهم للخطر في سبيل إنقاذ صديقتها , ابتسمت , ابتسمت من أعماق قلبها قبل وجهها , فقد استردت روحها القديمة , روحها إبان تدمير قريتها العظيمة !
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع....... .....