بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الثلاثون
إنقاذ تاكامي!
قفزت (ساكورا) من على مقعدها و أخذت تجري متجهة للخلف , فجرى ورائها الباقيين , محاولين أن يمسكوها , لكنها قد وصلت للباب الذي يفصل العربات عن بعضها , حاولت الصغيرة فتح الباب لكنه كان ثقيلا جدا , فوصل إليها (رانمارو) أولا و حملها و ضمها إلى صدره وقال لها في أذنها برقة و حنان :
-لا تخافي لقد عرفنا مكانها و سوف نعود إليها.
ظل الفضول يجتاح نفوس الراكبين لكن لم يجرأ واحد منهم على التحرك لسؤال هؤلاء الغرباء , ظل القطار متحركا في اتجاه مدينة ( سينداي ) , لم تمر ربع ساعة حتى توقف القطار في المدينة , فتحرك الأربعة بسرعة نحو المخرج , أمسكت (هارونا) بالصغيرة و حملتها , نظر (رانمارو ) إليهم , ثم بدأوا بالجري , كانوا يجرون على قضيب القطار متجهين نحو الجهة التي أتوا منها , لكن من المحطة كان هناك عين تتبعهم و ترقب حركاتهم , و على العكس , لم تستغرب تلك العينان هذه القفزات السريعة الطويلة مقارنة بالبشر العاديين.
-سوف نصل في غضون نصف ساعة , أتمنى أن تكون بخير.
قالها (رانمارو ) و هو يبتسم (لساكورا ) التي كانت تمسك في ملابس (هارونا ) بقوة , لقد كان يشبه ما فعلته عندما حملتها (تاكامي ) خارجة من منزلها دون أن تعرف السبب , ودت الصغيرة لو أنها سألتهم كيف يفعلون ذلك , لكنها كانت مهتمة بتثبيت نفسها على أن تشبع فضولها.
مرت حوالي نصف ساعة وهم يسيرون بمحاذاة شريط القطار سرعة كبيرة , في نفس الوقت كانت (هارونا ) تتفحص المنطقة التي تقع على يسارها , أما (ياكو) فكان يتفحص المنطقة التي على يمينه , أما (رانمارو) فكان يتفحص الطريق أمامه بين القضبان...
-وجدتها...!!
صرخ (ياكو) مشيرا لجسم أسود ملقى على جانب القضبان وهم يجرون بسرعتهم , فتوقفوا جميعا , و اتجهوا نحو (تاكامي) في حين أمسكت (هارونا ) جسد (ساكورا) لتمنعها من النزول عنها و الذهاب نحو (تاكامي) , فهي لازالت صغيرة , و لا تستطيع احتمال أي صدمة أخرى.
وصل ( رانمارو ) للجسد الملقى على الأرض , كانت نائمة على وجهها , فنزل (رانمارو ) ثاني ركبتيه , أمسك بجسدها و قام بجذبه ناحيته حتى انعدل وضعه , كانت مغطاة بتراب , و أوراق أشجار , و دماء , كانت الدماء تغطي أجزاء متفرقة من جسدها , لكنها كانت متركزة في ساقها اليسرى , كما يبدو وجود جرح ما في بطنها , وضع (رانمارو) اصبعيه السبابة و الوسطى على رقبة (تاكامي) فوجد نبضها ضعيف جدا , كان لون جسمها أصفر باهت , نظر (رانمارو ) تجاه (ياكو ) و (هارونا) ثم قال لهما :
-هل يمكن أن ننقلها إلى أي مستشفى ؟ هل يوجد ما يعالج هذه الأمور ؟!
نظرت (هارونا ) بأسف و قالت بحزن شديد :
-يبدو أننا قد جئنا متأخرين , لقد فقدت دما كثيرا , لا أعرف إن كانت ستصمد لدقائق قادمة , فكيف ستصمد حتى نصل إلى مستشفى ؟!
أطرق الجميع رأسه ناظرا نحو الأرض في صمت مطبق , كان (رانمارو ) يعلم أن ما تقوله صواب , لقد فقدت تلك الفتاة دماءا كثيرة حقا , صرخت (ساكورا ) في (هارونا ) , و استطاعت خلال لحظة الصمت هذه أن تفلت من يدها , فاتجهت مسرعة نحو جسد أختها , ثم قفزت لتحضنها بكلتا يديها الصغيرتين و هي تبكي , لم يدرك (رانمارو ) ما يفعله حقا , لكنه كان متأكد أنه لا أمل ...
-هل تسمح لي؟!
نظر الجميع تجاه مصدر الصوت , فوجدوا شابا لا يتعدى الخامسة والعشرين واقفا على بعد عشرة أمتار منهم , فقال له (ياكو) وهو يتجه إليه :
-لا شكرا , لا نحتاج لمساعدة .
لم يتحرك الشاب , لكنه بدلا من هذا قال :
-أوراهارا !
بعدها تحول , تحول من كونه بشري عادي , تحول ليصبح غير عادي , ظهرت الحلقة ذات اللون الأبيض حول رأسه , ذهل الجميع من هذا التحول المفاجئ , لقد قام (ياكو ) ليبعد هذا البشري المتطفل عن المكان , فإذا به يتحول ليصبح مثلهم , لم يقف الشاب في مكانه , لكنه تحرك نحو (ساكورا ) و رفع يده اليسرى الممسكة بالعصا ,وقال :
-كاي !
تحولت العصا لتغطي بمعطف أبيض شاهق لامع بخطوط بنية باهتة طولية تبدأ من القمة و تنتهي متجمعة عند نقطة في أسفل المعطف , نقطة أمامية تنتهي عندها جميع الخيوط الأماية , نقطتين جانبتين , و نقطة خلفية ينتهي عند كل منها الخيوط الخاصة بها, كانت رأس العصا يبرز منه شكل ملاك صغير , بجناحين صغيرين , كانت عصا غريبة الشكل تنم عن وحش أغرب , انتبهت (هارونا ) لخطر اقترابه , فوقفت في طريقه حائلا بينه و بين (تاكامي ) , فتوقف وهو يبتسم و قال لها :
-اعذريني , فلا يوجد وقت أقول فيه من أنا , فكل ثانية تضيع تقلل من فرصها للنجاة !
قالها و أشار بيده نحو (تاكامي ) , نظرت (هارونا ) تجاه (تاكامي ) ثم استدارت لتقول له :
-وما أدرانا أنك صديق و ليس عدو ؟!
نظر الشاب إليها و قال باسما :
-ألا ترين أنها ستموت ؟ ماذا سأستفيده إذا قتلت شخصا هو أصلا على حافة الموت ؟! صدقيني , أنا هنا لمصلحتها و مصلحتكم !
صمت الشاب , فنظرت (هارونا ) ل(ياكو ) ثم إلى (رانمارو ) فلم يتكلم منهما أحد , فأفسحت الطريق بتحركها يمينا قليلا , فتحرك الشاب متجها نحو (تاكامي ) , فقالت (هارونا) له عندما مر بجوارها :
-إذا حاولت الغدر بنا ...كاي !
صدرت ثلاث أصوات مختلفة ناطقين هذه العبارة , تلفت الشاب حوله , فوجد أن (رانمارو ) و أخيه قد نشطا عصويهما , في حين أن (هارونا ) قد نشطت قوتها , و امتد أظفر اصبعها الوسطي الأيمن للأمام متخذا لشكل عصا صغيرة مدببة , لم يتكلم , لكنه أكمل طريقه حتى وصل أمام (تاكامي ) وقال :
-لا تخافوا , فأنا لست بأحمق حتى أثير حنق المنبوذ !
قالها و هو ينظر تجاه (رانمارو ) الذي كان قد حمل ( ساكورا ) من على جسد أختها ليسمح لهذا الغريب بفعل ما يريده , حينها نظر (رانمارو ) نحوه و عيناه تطلق شرارا , كان يود لو أنه في ظروف أخرى لقام بتلقين هذا الوغد درسا , لكنه يحتاج إليه لينقذ (تاكامي ) كما يزعم , فلم يكن يصدقه (رانمارو ) في قوله أنه هنا لمصلحتهم...
- سوكاي جوكوزي كارادا !
قال تلك التعويذة وهو مغمض عينه كأنه يستجمع قواه الروحية , أضاءت طرف العصا بلون أبيض به لمحات من البنية بقليل , ثم امتد شعاع من هذا اللون من طرف العصا , فأحاط بجسد (تاكامي) الراقدة بلا حراك , ثم رفعها عن الأرض بضع سنتيمرات , بعدها أحاطت تلك الطاقة بالمشرفة على الموت , هنا فتح الغريب عينه , نظر (رانمارو) فيهما , فوجد أنهما قد تلونتا كاملتين بلون أبيض , هنا تدرج لون الطاقة من الأبيض نحو البني , في حين بدأت فيه بعض الجروح و الخدوش بالاختفاء سريعا , كان يبدو و كأنه يقوم بإعادة بناء الجسم كله , مرت فترة من الوقت تقارب النصف ساعة , لم يتحدث فيها أي شخص موجود بالمكان , لكن في المقابل كانت كل نفس بها كم هائل من الأسئلة لهذا الغريب , كان يبدو عليه أن الارهاق قد أصابه , لكنه كان يتحامل على نفسه , مرت دقيقتان بعد ذلك , بعدها أنزلت الطاقة الروحية (تاكامي ) للأرض بسلاسة , ثم اختفت الطاقة من حولها تدريجيا كما جاءت تدريجيا , أصبحت (تاكامي) الآن أكثر حيوية , اختفى لون الأزرق البشع من على شفتيها , و رجع لون جلدها لطبيعته بعد اصفراره بشدة , أما الجروح فكأنها لم تكن ...
-طاخ !
استيقظ الجميع من غفلتهم و انشغالهم بتعافي (تاكامي) بسقوط هذا الغريب على الأرض , كان يبدو أنه قد وصل إلى أقصى طاقته بالفعل, اندفع (رانمارو) تجاهه , ثم حمله بمساعدة أخيه حتى وضعوه جالسا بجانب أحد الكثبان الرملية الصغيرة بجانب القضبان الحديدية , نظر (رانمارو ) للغريب بعد وضعه على الأرض , ثم قال :
-يبدو أنه نائم الآن !
لم يعلق أحد بعد ذلك , مرت الفترة الباقية من النهار دون أدنى جديد , اعتنت (هارونا ) و (ساكورا ) ب(تاكامي) حتى نهاية اليوم , بعدها قبيل الغروب بدقائق قليلة فتحت عيناها , لكن جسدها لم يكن يقوى حتى على الكلام أو فتح عينيها أكثر من دقيقة , أما في المقابل , فاعتنى (رانمارو ) و (ياكو) بالغريب , لم تمر فترة بسيطة على استيقاظ (تاكامي) حتى استيقظ هذا الغريب أيضا , لكنه كان أفضل حالا بكثير منها , فلم تمر ساعة واحدة حتى استرجع قواه مرة أخرى , جلس معهم حول (تاكامي) في حلقة أشعلوا نارا في وسطها من حطب و خشب , و شجيرات اقتلعوها من الأرض الرملية هذه , جمعها (رانمارو ) و أخيه , جلسوا صامتين للحظات , لكن (رانمارو) افتتح الحوار في هذا الليل الطويل بقوله :
-أنا شاكر جدا لما فعلته لتاكامي , لكن هل تسمح لنا فلدينا العديد من الأسئلة لك !
قالها بصفة مباشرة أدهشت باقي الموجودين , لكنها لم تدهش الغريب , الذي نظر إلى النار المشتعلة وقال :
-أنا اسمي تابيتو , أحد أبناء عائلة شيوكازوكو النبيلة , قوتي الروحية كما رأيتم اليوم هي الشفاء , فأنا أستطيع شفاء الجروح , من الممكن أن تعتبروا فرع عائلتي من النوع الطبي في مجتمع البشر...
نظر حوله فوجد الجميع يركزون باهتمام , لكن انفجر (ياكو) متسائلا :
-لا يهمني من أي عائلة أنت , لكن ما يهمني حقا هو كيفية اخفائك لطاقتك الروحية ثم استعادتها مرة أخرى !
صرخت (هارونا ) وهي تنظر بحدة نحو (تابيتو) بعد متابعتها لكلام (ياكو) قائلة :
-نعم , كيف فعلت هذه ؟!
نظر (تابيتو) باستغراب واضح , و التفت نحو (رانمارو) ثم سأله بنبرة اندهاش :
-هل لم تخبرهم بهذه الطريقة؟!
لم يدر (رانمارو ) ما يقوله , فهو أيضا كان مندهش من هذه الخدعة , فكيف له أن يعرفها؟
-أنا لا أعلم عم تتحدث !
قالها (رانمارو) وهو يهز كتفيه ورأسه في دلالة على عدم معرفته , نظر ( تابيتو ) باستغراب ل(رانمارو) ثم نظر نحو الجميع , فوجدهم يحملقون فيه بقوة و أعينهم مثبتة عليه , ففهم أنهم لا يدركون حقا كيفية هذا الأمر...
-الأمر بسيط , أن الخدعة تكمن في سوما !
صمت الجميع غير مدركين ما يقوله , لكن مالبث أن ومضت نقطة وسط بحر ظلام دامس في عقل (رانمارو) , فقال بسرعة :
-سوما , نعم , لقد تذكرتها , إنها قطتي , ولكن ما دخلها بما حدث لك ؟!
نظر تجاه (تابيتو ) الذي تنهد و أرجع رأسه و ظهره للوراء متكئا على أحد الكثبان الرملية ليريح جسده المنهك وسط هذه الأرض الجرداء القاسية , ثم قال :
-انظر عزيزي الصغير , سوما هذه ليست سوى جيل كامل من نوع فريد من القطط , هذا النوع لديه القابلية على امتصاص الطاقة الروحية , ليس الأمر كذلك فقط , لكنه نوع يعيش أساسا على امتصاص الطاقة الروحية من الأشخاص , بشرط تعرض الشخص لتعويذة ما تضعف من قدرته على استخدام طاقته أو تحرمه منها !
قال كلمة ((أو تحرمه منها )) هذه وهو يغمض عينه اليسرى , و كأنه يشير لما حدث ل(رانمارو ) , صمت (رانمارو ) يفكر فيما قاله هذا الغريب للتو , لكنه قال له :
-لكن قطتي قد ماتت بفعل تعويذة الساحر الذي حاول قتلي !
صمت الغريب للحظة ثم قال :
-لا , هذه القطط لا تموت , كل ما يحدث أنها تطلق ما بداخلها من طاقة مخزونة , ثم تختفي لتظهر في مكان آخر منهكة ضعيفة , هل لاحظت شيئا غريبا غير عادي في معركتك مع هذا الساحر الذي قد أشرت إليه ؟!
أخذ (رانمارو) يعتصر ذهنه ليتذكر ما حدث بالتفصيل , مرت فترة تقارب الدقيقة يحاول فيها بقدر استطاعته تجميع شتات أفكاره عن هذه الحادثة ليجد الشيء الغريب فيها , و قد وجده ...
-نعم , لقد حدث شيء غريب , ففي اللحظة التي قتل فيها الساحر , كنت في وسط الهواء على ارتفاع طابقين عن الأرض , كنت موقنا من الموت , لكن , حينئذ ومضت قدمي بضوء أخضر غريب , مالبث أن عدّل وضعي المائل , و أنزلني برفق شديد إلى الأرض , لكنني بمجرد ملامستي للأرض اختفى هذا الضوء , ولم أكن أجد له أي تفسير.
نظر الجميع إليه وهو يتحدث , فقام (تابيتو ) من مكانه و اتجه نحو حقيبة (رانمارو ) التي بها ماء ليشرب منها وهو يقول بصوت عالي يدل على راحة صاحبه لإثبات وجهة نظره :
-أرأيتم ؟ لقد أعطت هذه القطة طاقتها المخزنة لرانمارو , فاستخدم جزء مها لاشعوريا عندما تعرضت حياته للخطر ...
قال الجزء الأخير ثم رشف بضع قطرات من الماء القليل الموجود بتلك الزجاجة البلاستيكية لإحدى شركات المياه المعدنية , ثم مسح فمه بكمه بحركة لاإرادية , أرجع بعدها الزجاجة في مكانها بالحقيبة ثم رجع لمكانه , و في أثناء ذلك صمتت (هارونا ) تفكر في نفسها :
((-إذن فقد كنت تلك القطة تتبع رانمارو في الأصل ؟! ربما , و ربما لا , لهذا السبب فقد رجعت لقوتها بعد مكوثها معي ليلة واحدة , لقد امتصت من قوتي ما شاءت حتى شبعت , يالهذه القطة الجشعة !))
قطع حبل أفكارها سؤال (ياكو) ل (تابيتو) :
-حسنا , لكن كيف إذن عرفت أننا سحرة ؟ ولماذا تبعتنا ؟!
جلس (تابيتو ) في مكانه , واسترخى كما في السابق , ثم نظر للصغيرة التي تحتضن جسد (تاكامي) , أشار إليها ثم قال :
-هذه الصغيرة هي السبب في معرفتي أنكم سحرة!
نظرالجميع تجاه (ساكورا) النائمة بعمق في حضن أختها , لم يفهم (ياكو) كيف أن تلك الصغيرة كانت سببا في كشفهم لهذا الغريب , فنظر له نظرة تساؤل , فأكمل :
-حسنا , لقد كنت على متن نفس القطار الذي كنتم فيه , كنت أتسريح قليلا , لم أكن نائما , لكني كنت قريبا منه , حتى سمعت تلك الصرخة , فانتبهت و كل حواسي معلقة خوفا من وجود هجوم محتمل علي , لكني فوجئت بتلك الصغيرة تصرخ وهي تشير في اتجاه الخارج , فنظرت غريزيا للخارج , لمحت امرأه تطير بفعل قوة اندفاع القطار , بعدها وجدت تلك الصغيرة قد غادرت مكانها و جرت نحو الباب , راقبتها , و راقبت كيفية لحاقكم بها , و ما قاله هذا الشاب ذي الشعيرات الرمادية لها , فأحسست بأن وراءكما سر , فانتظرت حتى وصولنا للمحطة , ثم نشطت قوتي خلسة , فوجدت فعلا أنكم لستم بأشخاص عاديين , كما اكتشفت هوية المنبوذ , فدفعني فضولي لمتابعتكما , فأزلت طاقتي مرة أخرى , ثم تابعتكم من بعيد , حتى وصلتم إلى هنا !
ظل الجميع صامت , فما قاله صحيح , فصرخة ( ساكورا ) قد نبهت كل من بالعربة إليهم , كانوا يعلمون هذا جيدا , لكنهم لم يضعوا في حسبانهم وجود من يستطع إخفاء طاقته بمثل هذا الشكل...
-حسنا , لكن لماذا لم تخف مني؟ أنت تعرف أنني المنبوذ , و أنني متهم بقتل والداي , فلم لم تخف مني؟
نظر (تابيتو ) له , ثم قال :
-هذا بسبب أنني لا أصدق هذه الكذبة السخيفة , فأنت لم تقتل أبواك !
صمت الجميع مندهشا مما قاله الغريب , فوجود شخص يثق في براءة (رانمارو ) كان بمثابة حلم جميل , لكنه تحقق في الواقع , فسرعان ما سأله (رانمارو ) :
-هل تعني حقا ما تقوله ؟
-نعم , أعني كل حرف منه !
-لكن لماذا أنت واثق من برائتي هكذا ؟!
تراجع (تابيتو) أكثر إلى الخلف , وشبك يديه خلف رأسه , و نظر للسماء اللامعة بنجومها , ثم قال :
-إذا رجعنا بالزمن خمسة عشر عاما قبيل حادثة تدمير قرية الريح البيضاء بعام واحد , كانت هناك إشاعات عن وجود حركة تدار في الخفاء لتدمير القرية , تلك التي كانت تعتبر شوكة في حلق أولئك الأشرار , لكن الغريب هذه المرة هو أن تلك الحركة استهدفت توحيد مجموعتي كارا و بوكاهاتسو , وذلك من أجل هدف واحد , القضاء تماما على شوكة هذه القرية , و جعلها عظة لمن لا يعتبر ...
تنهد (تابيتو ) من الحزن , ثم تابع :
-كانت هناك إشاعة قوية تسري عن وجود قائد لتلك الحركة , و هذا القائد يمتلك قوى كبيرة جدا , لكن لا أحد يعرفه , لم تكن قرية الريح البيضاء ضعيفة , أو لقمة مستساغة , فهي التي وقفت تصد الخطر عن البشر العاديين لمدة أكثر من خمسة قرون مضت , و هي القرية التي كانت تملك خيرة العائلات النبيلة , لقد كان فخرا لمن كان يتخرج من مدارس قتالها , يالها من أيام !
قالها و صمت , خُيل للجميع أن هناك دمعة تترقرق من عينه , لكنه تمالك نفسه ثم أكمل بسرعة حتى لا يعلق أحد :
-كانت القرية من القوة حدا تجعل أي هجوم عليها ضربا من المحال كي ينجح , لم تكن تلك الثقة من غرور , لكنها نابعة من قوة و ثقة بقدرات تلك القرية العظيمة , لكن للأسف بعد عام تم الهجوم على القرية , و فوجئ الجميع بخبر تدميرها بسبب خيانة عائلة يوشاهارو , أحد أعرق و أقوى عائلاتها , ومقتل قائدها و زوجته على يد ابنهما الرضيع , بل و محاكمة هذا الطفل بواسطة حاكم المنطقة , و إدانة هذا الرضيع , و نبذه , و عزله عن مجتمعنا , و تلقيبه بالمنبوذ , بالطبع لم يستسغ أحد هذا القرار الغريب , لكن ما حدث كان عظيما , و كانت صدمة قوية , للأسف بعد انهيار قرية الريح , لم يقف أمام الشر أي مخلوق بعدها خوفا من تدميره , و انحنى الجميع لرغبة الجماعتين السوداوتين ,كارا و بوكاهاتسو , لم يقف سوى الشجاع البطل جنتو , لكنه وحيدا , مهما كان فهو سيحمي الخير في منطقة واحدة , أما باقي العالم فسيكون في خطر ...!
نظر حوله , فوجد الجميع يطرق بحزن , أحس أن ما قاله كان سببا في تغيير الجو هنا , لكنه كان مخطئا...
((-هذا اللعين جنتو , لقد عايرني بضعفي وعدم مقدرتي على حماية نفسي , لكنه كان محقا , كيف لشخص يرغب في حماية أصدقاءه , حماية أحباءه , حماية الخير من الشر , اظهار برائته , كيف يمكنه وهو بهذا الضعف أن يحمي حتى ...نفسه؟!
-لكن هذا كان من شهرين , أما الآن فأنا شخص آخر
هذا ليس بعذر , لازلت أنا ضعيف كالعادة , أحتمي بمن هم حولي , لقد كان محقا , أمامي قرون عدة حتى أكون قادرا على حماية نفسي !!))
كانت هذه الأفكار تنساب في عقل (رانمارو) بقوة , أوقدت نارا بقلبه , كان يحب(جنتو) كثيرا , لكنه للأسف لا يستطيع إزاحة فكرة كونه السبب الرئيسي في هجر (ساكورا ) له , نظر (ياكو) و (هاونا) بحزن نحوه , على غرار (تابيتو ) لم يكونا حزينين مما ذكره من وقائع أليمة بقدر خوفهما على مشاعر (رانمارو) , فجأة تغيرت نظرة (رانمارو ) , تبدل الحزن الواضح في عينيه الدامعتين إلى إصرار , رفع راحة يده اليمنى , و حملق فيها لثواني , ثم قبضها بقوة , وكأنه قد اتخذ قرارا حاسما , رفع بصره نحو (تابيتو ) الذي كان مندهشا من تغير نفسيته بتلك السرعة وقال له :
-لهذا السبب , لهذا السبب قررت إعادة بناء قرية الريح البيضاء و رفع الراية التي كانت تحملها وسط عالمنا المظلم.
يتبـــــــــــــــــع....