بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الخامس و العشرون
تاكامي
**بعد مرور شهرين ...**
((-لقد اقترب الموكب من المصيدة ))
تحركت يد فتاة لا تتعدى العشرين ربيعا لتلتقط جهاز اللاسلكي من جوارها و تقربه من فمها و تضغط على زر خاص به بإصبع الإبهام و ترد قائلة :
-حسنا أنا مستعدة .
قالتها و أبعدت الإبهام عن الزر , ثم حركت يدها لتعيد الجهاز إلى مكانه السابق , بعدها تحركت للأمام زاحفة على بطنها و في يدها اليمنى عصاة قصيرة في نهايتها رأس تمساح و هي تمتم :
-أف , نفس العمل كل يوم , هيا , فلتقترب مني أيها العصفور الصغير .
قالتها و توقفت عن الحركة عندما وصلت إلى الأفريز المحيط بسطح أحد ناطحات السحاب العملاقة في العاصمة الشهيرة (طوكيو) , توقفت ثم أخذت تنهيدة و زفرتها و أنهتها بقول:
- تيريسوكوبو بيجون !
أضاء طرف العصى بلون أبيض شاهق بدت بعده السحب و كأنها رمادية اللون من نصعان هذا الضوء , و لكن لم يتكون شيء , إلا أن الفتاة حركت عينها ببطء شديد و هي تضع مرفقيها تحت ذقنها و كأنها تستمتع بمشاهدة شيء مسلي و قالت :
-هنا التمثال , و ها هي النافورة , هذا هو الطريق , لابد و أن أرى السيارات الآن .
قالتها و أطبقت حاجبيها , حيث بالفعل مرت السيارات من هذا الطريق , كانت ألوانها زرقاء , و تحمل فوقها كشافات لثلاثة ألوان مميزة و هي : الأحمر و الأبيض و الأزرق , لم تكن تلك سوى سيارات الشرطة العادية , و لكنها كانت بأعداد ضخمة و تحرس سيارتين ليموزين سوداء من النوع الذي يركبه الساسة الكبار...
-أها , اقترب من مصيدتك أيها الفأر الصغير , نعم , جيد أنت في نطاق تعويذتي !
قالتها و ابتسمت , ثم...
-كانشيكي أتسوسا !
أيضا شع هذا الضوء الأبيض مرة أخرى , و أيضا لم يحدث شيء , لكن...
-واحد , اثنان , ثلاثة , أربعة , خمسة, خمسة في المقعد الخلفي لسيارة رجل مهم كهذا , هذه ليست سيارته , فلنر التي تليها , نعم واحد في الأريكة الخلفية , و اثنان يجلسان أمامه , لابد و أنه هنا !
قالتها و ابتسمت أكثر , ثم قالت و هي لازالت تبتسم :
-حسنا إذن , سأختارك يا من تجلس في منتصف الأريكة الخلفية , فإن لم تكن أنت الرئيس فهذا من سوء حظك .
بعدها رفعت عصاتها ووجهتها كمن يشير بإصبعه نحو نقطة متحركة , فكانت تحرك العصا ببطء شديد , و بسير متعرج حتى صاحت :
-لقد أمسكت بك.
أمسكت بيدها اليسرى يدها اليمنى كمن يثبت شيئا و يخاف أن يهرب منه , ثم نطقت :
- فوكين زيتسوماي !
حدث كل شيء كما سبق , و لكن هذه المرة...
-توقفوا !
صدرت هذه الصيحة من داخل السيارة السوداء , فتوقف على الفور هذا الموكب الحاشد , صاحبه اندفاع عشرات الرجال شاهرين أسلحتهم الرشاشة نحو السيارة المنكوبة , فُتح الباب , اندفع شخصان منها انضم لهما ثالث كان يجلس بجوار السائق حاملين رابعا بين أيديهم , كان الأخير ثمينا و كرشه يبرز خارج بدلته الفخمة , اندفع الحشد القادم نحو الثلاثة و تناطرت كلمات الإستفهام و الإستغراب , لم يفهم الجمهور المحتشد حول هذا الموكب من الناس شيئا واحدًا , نظرت فتاة كانت تسير و تحمل في يدها جرابًا من الخشب المرصع بقطع من الفضة و الذهب و البلاتين في تناسق و تناغم و و جمال بلامبالاة نحو هذا الهرج , زفرت و أكملت طريقها متخطية الجموع الغفيرة التي جاءت لتستقصي الحدث و تنامى إلى مسامعها صوت بوق سيارة الإسعاف المميز معلنة وصولها إلى المكان.
*************************
دلف رجل يقارب حوالي الأربعين من العمر داخل حجرة يبدو أنها لشخص هام , جلس على المقعد المجاور للمكتب , فرفع الشخص الجالس على المقعد الخاص بمكتبه رأسه و تحدث قائلا :
-ماذا هناك يا (نايتو)؟ هل من جديد ؟
-نعم سيدي , لقد نجحت (تاكامي) في المهمة التي وكلت لها , و قد أٌعلنت وفاة الرجل في تمام الوقت الذي أردته سيدي.
ابتسم الرجل و قال :
-هذا جيد إذن , هذه الفتاة جيدة حقا , لم تخب نظرتي أبدا في أي قاتل من قبل كما لم تخب نظرتي بك.
أحس الوافد الجديد بالحرج و رفع يده اليمنى ليعدل من وضعية نظارته الطبية لإخفاء إحراجه ثم أكمل الجالس كلامه و هو يرجع بظهره ليجلس باستراحة أكبر على مقعده المريح قائلا :
-أوكل لتلك المميزة مهمة الفيلا الجديدة !
نظر (نايتو) نحو الجالس باهتمام و قال بتردد :
-هل أنت متأكد سيدي من ذلك ؟! إنها مهمة لم تعتد على مثلها بعد كما أنها بالغة الأهمية و الخطورة .
-لا تناقشني (نايتو) , لقد بلغت هذه الفتاة مكانة لا يمكن أن نتجاهلها بعدها , يجب أن نعدها الإعداد الجيد المناسب لقدراتها و ليس لسنها , هل فهمتني (نايتو) ؟!
-نعم , نعم فهمتك سيدي !
قالها و قام استعدادا للمغادرة , فاستوقفه الجالس و قال له :
-اجعل أحد أعواننا يراقب (تاكامي) من بعد حتى نطمئن على سلامتها !
لم يقل (نايتو) شيئا بل أومأ برأسه , ثم غادر الغرفة و هو لايزال مصمما على رأيه السابق , أن الفتاة تلك ليست مستعدة لمثل تلك المغامرة.
**************************
سار خادم داخلا مجتازا الردهة الواسعة لهذا القصر الفخم ليدخل عبر الباب إلى غرفة حيث جلست فيها سيدة تناهز منتصف الثلاثينيات , و بجاورها طفلة صغيرة لا يتعدى عمرها الخمس سنوات , كانت جميلة , مرحة , متألقة , شعرها أصفر و عيناها أخضر مما أضاف لها جمالا و جاذبية خلاف جمال وجهها , أدخل الخادم فتاة يبلغ عمرها الخامسة و العشرين عاما إلى الداخل ثم غادر , جلست الفتاة علي المقعد المخصص لذلك , كان يبدو أنه نوع من الاختبار , ابتسمت السيدة و قالت بترحيب و لهجة سعيدة :
-أهلا بكي , ما اسمك ؟
ردت الفتاة بغرور و بتعالي :
-اسمي (ماهيرو) , و عندي 25 عاما , و لقد سبق لي العمل في أماكن كثيرة لدى أناس معروفين مثل السير ...
وأخذت تتكلم بدون توقف لمدة قاربت على الربع ساعة , أراحت السيدة مرفق يدها الأيسر على الطاولة الموضوعة بينهما و هي تطلق تنهيدة لتوقف بها سيل الكلام هذا فتوقفت الفتاة و نظرت باستغراب للسيدة التي أسرعت قائلة :
-حسنا , إذا تم اخيارك سوف يتم ابلاغك , تفضلي .
-حسنا , و أنا متأكدة من أني التي سوف أفوز !
قالتها بثقة شديدة للدرجة التي رفعت عندها السيدة حاجب عينها الأيمن و رددت في نفسها:
-(( يالكي من مغرورة , بل لو لم يكن هناك سواكي فلن أختارك! ))
ضغطت السيدة على زر أحمر اللون موضوع على المنضدة فدخل بعدها بلحظة خادم و أشار للجالسة فقامت و اتجهت بثقة نحو الباب و غادرت , و ما إن غادرت حتى أطلقت ظهرها إلى الوراء بسرعة فاصطدم بظهر الأريكة بصوت مسموع و أطلقت عندها تنهيدة طويلة من التعب و قالت :
-ياله من يوم ! لم أعتقد أن البحث عن جليسة لطفلة صغيرة سوف يصبح بمثل تلك الصعوبة !
صمتت بعدها الأم و هي تراقب ابنتها الصغيرة وهي تلعب بكرة مطاطية صغيرة , تقذفها بيدها إلى أعلى و تجري محاولة التقاطها قبيل وصولها إلى الأرض , في أثناء ذلك قد تقع على الأرض , أو أن الكرة تسبقها و تتدحرج على الأرض فتجري الفتاة ورائها , تابعت الأم ابنتها و هي تلحق بالكرة و ...
-أخ , من هذا الذي يلعب هنا ؟!
قالتها الفتاة التي دلفت لتوها من الباب , حيث اصطدمت الكرة بقدمها اليمنى , فقالت ذلك و هي تبتسم ببراءة , هبطت نحو الأرض لتصبح في مستوى الفتاة , نظرت الفتاة إليها و عينها متسعة بدون أن ترمش , لم تكن قد رأت مثل هذا الوجه من قبل , ابتسمت الفتاة أكثر و مدت يدها و أمسكت بالكرة و لاحت بها أمام وجه الصغيرة فانتبهت لوجود الكرة معها , فتابعت سير الكرة في يدها , بعدها أطلقت الفتاة الكرة قاذفة إياها إلى داخل الغرفة , فصفقت الفتاة بيدها و قفزت قفزة خفيفة اندفعت بعدها وراء الكرة , ازدادت ابتسامة الفتاة اتساعا و هي تراقب ما فعلته الصغيرة لتوها , ثم أفاقت من سعادتها تلك بشعورها بمن يضع يده على كتفها , فارتعش وجهها للحظة حتى تعود إلى أرض الواقع ثم نظرت نحو اليد التي نبهتها , فإذا بالسيدة تضع يدها على كتفها و تقول لها :
-متى ستنتقلين لتعيشي معنا يا ... بالمناسبة ما اسمك ؟!
اتسعت عينا الفتاة في دهشة و ابتسمت و قالت في فرحة مصطنعة :
-هل ..هل تعنين حقا أني قد قُبلت بالوظيفة ؟!
-نعم , ولكن قبلها ما اسمك ؟!
-اسمي (تاكامي) !
-أوه , اسم جميل , أنا اسمي (ماهومي) , و تلك هي ابنتي...
وأشارت باصبع يدها اليمنى نحو ابنتها و تابعت :
-وهي اسمها (ساكورا) !
ابتسمت (تاكامي) و هي تقف بمساعدة (ماهومي) , نظرت نحو (ساكورا) التي أفلحت أخيرا في الامساك بالكرة , عندها جرت نحوها و بيدها الكرة و هي تبتسم و تقول بصوت طفولي رقيق :
-تفضلي , ما رأيك فيها ؟!
هبطت (تاكامي) مرة ثانية إلى الأرض و لكن جالسة على قدميها و هي تمسك الكرة بيدها اليمنى ثم تتفحصها و كأنها ستشتريها و (ساكورا) تتابعها في اهتمام , فقالت لها :
-إنها جيدة , ألا تحبين لعب الكرة يا أبلة ؟!
ابتسمت (تاكامي) , فجلست (ماهومي) بجوارها و أمسكت بيد ابنتها و قالت لها :
-انها ليست بأبلة , إن اسمها (تاكامي) , و سوف تعيش معنا في المنزل إلا لو كان عندك مانع !
اندفعت (ساكورا) قائلة :
-كلا , كلا , لا يوجد عندي أي مانع على الاطلاق .
ابتسمت (تاكامي) , و ألقت بالكرة في الهواء لأعلى ثم التقطتها و قالت ل(ساكورا) :
-أنا أحب أيضا لعب الكرة , هيا بنا نلعب .
قالتها و رمت الكرة في الهواء و قامت لتلحق بالكرة , فاندفعت (ساكورا) تنافسها على حصولها للكرة , و (ماهومي) تراقبهما و على شفتيها ابتسامة , لقد أفلحت في إيجاد جليسة ممتازة لابنتها , كلا , لقد أفلحت في إيجاد أخت كبرى لابنتها .
***********************
-أوه ياله من يوم !
قالتها (تاكامي) و هي ترتمي بجسدها لتستقر على الفراش بظهرها و هي تحدق في السقف بنظرة طويلة سارحة بخيالها في شيء واحد , لقد جاءت هنا لتقوم بالتحضير لعملية قتل السيدة (ماهومي) , لقد نجحت في ذلك بالفعل , فها هي تقبع داخل القصر المحاط بحراسة مشددة , ولو أرادت لقتلت (ماهومي) , لكن ما كان يقلقها كان شيئا مختلفا ...
((-إنني أعلم جيدا مهمتي , و لكن , (ساكورا) تلك , لا أستطيع الصمود أمامها , ما إن أراها حتى أجد نفسي أبتسم رغما عني , حقا شيء غريب , شعور لم أشعر به منذ...))
صمت تفكيرها , اضطربت مشاعرها داخلها حينما أرادت طرق باب هذه الحجرة الموصدة , أغلقت عينيها و قالت في نفسها بصرامة :
-(( غير معقول (تاكامي) , كل هذه الفترة و لم تنسِ ما حدث ؟!! كم أنت لمثيرة للشفقة , لم أتوقعك ضعيفة هكذا ))
حركت رأسها في حركة تلقائية كأنها تنفي هذه الاتهامات , ثم اعتدلت جالسة على طرف الفراش تنظر عبر شرفة حجرتها نحو القمر المضيء الذي يتخلله ضوؤه من خلال السحب التي تحاول حجبه بشتى السبل , في وسط هذا صدر صوت عدة طرقات رقيقة على الباب , فانتبهت , قامت من على الفراش و اتجهت نحو الباب , فتحته بمفتاحها الخاص , فاندفع شخص نحوها داخل الغرفة بسرعة , التفتت فإذا بها ترى (ساكورا) قد اتجهت نحو فراشها و تسلقته في نعومة طفولية حتى استلقت على الفراش , جلست على الوسائد و غطت نفسها بالغطاء و قالت :
-لن أنام بعد الآن إلا معكي , لقد أخبرت أمي بذلك و قالت لي أنني يمكنني أن أنام إذا سمحتي لي بذلك .
-ضحكت (تاكامي) و قالت لها :
-ولماذا تريدين أن تنامي معي ؟! ألا يكفيكي أنني معكي طوال اليوم ؟!
نظرت (ساكورا) نحوها ثم نظرت نحو الفراش و أغطيته التي تمسك بها أكثر و ترفعها لتصل إلى رأسها لتخفي خجلها ثم قالت :
-وذلك...وذلك ....وذلك لأنني أعتبرك أختي الكبرى , هل تسمحي لي بمناداتك بأختي ؟!!
حركت (تاكامي) رأسها فجأة للوراء لا إراديا , و فتحت مقلتيها على اتساعهما , فهي , هي التي جاءت تريد شرًا بهذا البيت , هي من تتربص بأمها , كيف لهذا الحنان و الحب أن يقابل الكره و العنف ؟!! , تسمرت (تاكامي) في مكانها , لم تدر ماذا تقول , لم تدر ماذا تفعل , فقط ابتسمت , لقد أدركت شيئا واحدا , هي أيضا تريد أن تصبح أختا كبرى لها , ربما , نعم ربما ...
-حسنا , هيا افسحي لي مكانا .
قالتها و اتجهت لتنام بجوار (ساكورا) , اندفعت الأخيرة لترتمي في أحضانها و تحتضنها , لأول مرة منذ زمن بعيد يدق قلب (تاكامي) , لم يكن سوى حب افتقدته , حركت يدها اليمنى لتسير على شعر (ساكورا) في حين احتضنتها يدها اليسرى , و أغمضت عينيها ...
-((هيا , اقذفي الكرة لنا تاكامي .
-كلا , لا يجب أن نلعب , ألا تدركان ما نحن فيه؟!! لقد دمرت حياتنا , و نحن مشردون , يجب أن نكون أقوياء.
-كـــــــــــــــــلا نريــــــــــــــــــــــــد أن نلعـــــــــــــــــــــــــــــــــــب.
-كــــــــــــلا نريـــــــــــــد أن نلعــــــــــــــــــــــب
-كلا نريد أن نلعب.
تخافتت الأصوات تدريجيا حتى اختفت تماما , نظرت (تاكامي) حولها فوجدت نفسها في مكان آخر , في ليلة مظلمة شاهدت فيها نفسها و هي تدخل منزل كبير حيث استقبلها رجل و رحب بها و أدخلها , بعدها اختفى كل شيء , ظلت الصورة مظلمة , أصوات تتردد في جنبات الفارغ الهائل داخل عقلها , صرخات , و صرخات , و صرخات , أمسكت رأسها بيدها ووقعت علي ركبتيها و هي تصرخ , تصرخ , تصرخ ...
-أختي!
ظهر هذا الصوت الحنين , هذا الصوت الدافئ , دخل الظلمة كشمس تشرق بعد ظلام ليل دامس , تلمست طريقها نحو شمسها الجديدة , نظرت إليها , وجدت (ساكورا) تجري نحوها , و ضوء أبيض ينتشر في الفضاء , و عشب أخضر ينبثق في الأرض , كان كل شيء يتحول إلى جنة , جحيمها أخذ يتقهقر , يتقهقر , و (ساكورا) و جنتها تقترب منها , و تقترب , أخذت المسافة بينهما تضيق و تضيق , لكن...
-لا تنسي مهمتك تاكامي!
صدر هذا الصوت فجأة , و تردد كصدى عالٍ في عقلها , أمسكت رأسها بيدها و هي تنظر نحو (ساكورا) و قالت :
-كلا , لن أق.أقوم بت.بتلك المه.المه.المهمة !
قالتها و اختفى الصدى من رأسها , لكن...
-لقد قتلتني ساكورا , إنها قاتلة أمك و ليست أختك ابتعدي عنها , ابتعدي عنها .
ظهرت صورة السيدة (ماهومي) و هي تمسك قلبها بيدها و هو متحجر مصبوغ بلون أبيض و الدم يسيل من يدها و من مكان قلبها و لونها أصبح باهت كأنها قد قتلت فعلا بواسطة (تاكامي) , نظرت (تاكامي) نحو (ساكورا) و هي تشير إليها بيدها اليمنى و هي ترتعش , جسمها كله يرتعش , فجأة توقفت (ساكورا) عن الجري , تحولت المراعي الخضراء إلى صحراء قاحلة , انطفئ نور الشمس المشرقة ليحل الظلام مرة أخرى , تحولت (ساكورا) إلى وحش كبير له أنياب , جرت بكل طاقتها نحو (تاكامي) و هو تقول لها :
-لقد قتلتي أمي , لن أسامحكي , سوف أقتلكي عوضا عنها , سوف أنتقم لها منكي , أنتي لستي بأختي , أنتي قاتلة , قاتلة , قاتلة , قاتلة ...))
-كلااااااااااااا !!!
صرخت (تاكامي) بعلو صوتها , و اندفعت للأمام و هي تلهث كمن كان يجري دون توقف طوال عمره , جسمها كله مليئ بالعرق , انتظرت لحظات حتى جمعت شتات نفسها , نظرت حولها , و جدت نفسها لازالت في غرفة نومها , تنهدت ارتياحا , و قالت :
-يا لهذا الكابوس , لم يفارقني يوما واحدا منذ أن جئت هنا , أتمنى ألا يستمر معي للأبد.
قالتها و تحركت لتزيح الغطاء عنها فاصطدمت يدها اليسرى بجسم ضئيل , أزاحت جزءا من الغطاء فكشفت عن (ساكورا) , تذكرت أنها قد جاءت لتنام معها , نظرت إليها و ابتسمت , لم تكن تحمل لها ضغينة , بالعكس , بل أحست أنها بالفعل الشمس التي أشرقت في حياتها المظلمة , أمسكت بيديها الاثنتين رأسها حتى لا يهبط بقوة على أرضية الفراش فتستيقظ (ساكورا) فزعة , ثم أزاحت الغطاء بلطف و يسر , اتجهت بهدوء شديد إلى باب غرفتها و فتحته , دلفت منه إلى الممر المؤدي للمطبخ , دخلته و فتحت صنبور الماء لتتساقط قطراتها في كأس أحضرتها من دولاب بالمطبخ , ثم ارتوت , بعدها أحست براحة , أحست أنها رجعت إلى سابق عهدها , فاليوم كانت الليلة الموعودة , فقد جاءتها الأوامر بقتل السيدة (ماهومي) الليلة , أخذت نفسا عميقا , لقد قررت قتلها الآن.
اتجهت (تاكامي) نحو غرفة (ماهومي) و قد رفعت عصاتها إلى أعلى كسلاح , كانت تسير بتردد , لقد أحست بمدى خطورة بقاءها هنا أكثر من الوقت المحدد , فربما يتغلب عليها احساسها المفقود منذ زمن و يمنعها من آداء واجبها , فتحت باب غرفة (ماهومي) , و سارت ببطء نحو سريرها , لكن...
-ما الذي يحدث هنا بالضبط ؟!!
هكذا نطقت (تاكامي) بدون شعور و هي تنظر نحو فراش (ماهومي) , فهناك , وعلى الفراش , وجدت السيدة مقتولة , كانت قد قتلت منذ قليل , صدر صوت في الشرفة , فاتجت برأسها تنظر نحوها فوجدت شخصا يحدق فيها ,تحدث الشخص بسرعة قائلا :
-لقد خفت ألا تنفذي المهمة .
-ولماذا جاء لك هذا الشعور السلبي ؟!!
قالتها و استدارت لتواجه (نايتو) وجها لوجه , دخل (نايتو) الغرفة , قال لها و هو لايزال يتحرك :
-يبدو أنني قد خفت عليكي ألا تقومي بمهمتك , و لكن يبدو أن ظني كان خطأ.
ترقبت (تاكامي) (نايتو) و هو يجوب الغرفة بينما يتحدث , فوجدته يتجه نحو الباب , فقالت له :
-إلى أين أنت ذاهب ؟!!
نظر إليها (نايتو) بسخرية و قال لها :
-بالطبع لأقتل تلك الصغيرة النائمة , ابنتها (ساكورا) !
تسمرت (تاكامي) في مكانها , لم تدر ماذا تقول , أحست بصراع داخلي رهيب في نفسها , كانت هناك رغبة عارمة جارفة في معارضة تلك الأوامر , لكنها لم تتحرك , نظر إليها (نايتو) , تابع و هو يغادر الغرفة تاركا الباب مفتوحا خلفه :
-يبدو أن شكي كان في محله و خوفي جاء في ميعاده , سأكمل ما بدأتيه هنا حتى يحسب لكي , و لكن لا تنسي أن تشكريني في النهاية .
خرج من الغرفة تاركا (تاكامي) لازالت في حالتها , متسمرة في مكانها , لم تعرف ماذا تريد أن تفعله , لكن ...
-(( -وذلك...وذلك ....وذلك لأنني أعتبرك أختي الكبرى , هل تسمحي لي بمناداتك بأختي؟!! ))
تردد صوت (ساكورا) في عقلها , تردد بقوة , اندفعت صرخات ثورة تجتاح قلبها , احتلته بنجاح ثم انتشرت لباقي جسدها , أحست كأن هناك وقود يغلي داخلها , تخيلت منظر (ساكورا) و هي تصرخ , اندفعت كالمجنونة خارجة من غرفة (ماهومي) متجهة نحو غرفتها , فهي تعرف أن (ساكورا) الليلة عندها و (نايتو) لم يعرف ذلك بعد , دفعت باب حجرتها بقوة و اندفعت للداخل , أزاحت الغطاء بسرعة عن (ساكورا) , أخذتها بقوة و ضمتها إلى حضنها , أفاقت (ساكورا) مفزوعة و هي تقول :
-ماذا ..ماذا هناك ؟!!
لم تدرك ماذا يحدث , ففجأة وجدت (ساكورا) نفسها و هي في حضن (تاكامي) في الهواء الطلق , لقد قفزت بهما (تاكامي) عابرة خلال شرفة حجرتها , صرخت , صرخت بأعلى صوتها , تبددت صرختها في سكون الليل , انتبه (نايتو) و هو يفتش في غرفة (ساكورا) في الطابق الثالث , فتمتم بحنق :
-اللعنة...تاكامي !
اندفع خارجا من غرفة (ساكورا) حيث كانت في الجزء الخلفي من المنزل , تجاوز الممر حتى وصل إلى الردهة , اندفع مشيرا بعصاه إلى الباب فانخلع من مكانه بمفصلاته في عنف ثم أصبح في الشرفة , أخذ يجول ببصره في الليل المظلم , في السماء , في الأرض , أخذ يدقق النظر , و لكنه لم يجد شيئا ...
-أيتها اللعينـــــــــــــــــــة!!!
صرخ بأعلى صوته , صرخ بكل حنقه , صرخة تشتت في ظلمات الليل الطويل معلنة عن بدء جولة جديدة من الصراع.
يتبــــــــــــــــــع......