بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الثامن و الأربعون
كشف المؤامرة
قالت (تاكامي) محدثة (تابيتو) :
-هل جربت نظام الترقي هذا من قبل ؟!
نظر نحوها و لم يجبها , كان يبدو منذ فترة أن هناك شيئا ما يشغله مثل الجميع , بالطبع كان الجميع منشغل بالتحضير للتحدي , لهذا كان الجميع متوترا , حدقت (هيكارو) لساعتها الذهبية الأنيقة , ثم زفرت في ضيق و قالت :
-لا أصدق , لقد مضت ساعتان كاملتان , لا أدري هل سينجح أم ماذ...
بترت عبارتها عند ظهور ضوء وهاج قوي صادر من تلك البوابة , غطى الجميع أعينهم بأيديهم , وعندما نظروا تجاه البوابة عند خفوت الضوء وجدوا شخصا واقفا أمامها , رويدا رويدا خفت الضوء و انحسر حتى اختفى تماما , في حين ظهر من كان بالباب , كان (رانمارو) واقفا و ممسك بعصاته , معطفه قد غطى كامل جسده بمعطف أحمر سميك لامع تتخلله خطوط سوداء طولية و دائرية بصورة أنيقة بديعة , مرسوم على المعطف من الأمام رسمة التنين المجنح ينفث نارا عظيمة , كان ينهج بشدة , صمت الجميع , بعد لحظات صدرت صيحات ترحيب شديدة به , أما (رانمارو) فقد كان يتذكر وهو مبتسم ما حدث , فقد نجح في تعويذته , تدمر التنين الذي كان أمامه , أو لنقل قد تبخر , ظهر مكانه هذا الرجل المصري القديم قائلا له :
((-لقد نجحت في تحدي ضعفك , قبلت تعريض نفسك للموت في سبيل تحقيق حلم الجميع , تخليت عن الأنانية البشرية لحب الذات من أجل الآخرين , طلبت الموت فوهبت لك الحياة , مبروك عليك تحقيق مبتغاك !))
يتذكر وقتها أنه نظر نحو معطفه , فوجده قد غطى كامل جسده , لم يتذكر أنه قد فرح في حياته مثلما فرح في تلك اللحظة , بعدها غادر المكان كما دخل , بطريقة لا يعلمها , و أخيرا وجد نفسه أمام الجميع هنا , وسط صيحات الترحيب و التهليل , خرج (أكيهيرو) من الصف و اتجه نحوه , احتضنه كأب يحتضن ولده , بالطبع كانت فرحته مثل فرحة أصدقائه تفوق الجميع , استدار يواجه الجميع , رفع يد (رانمارو) اليسرى بيمناه و قال :
-لقد نجح في التحدي , لقد حقق ما كنا نريده , لهذا أعلن باسمي , وباسم مجلسنا الحاكم , بأننا نفخر بقبولنا تكوين قرية الريح البيضاء في مدينتنا , وقائدها هو رانمارو , سنكون عونا له , قوتنا يده التي يستخدمها , آرائه هي التي سنسير على دربها , قراراته سوف تكون كالسيف على أعناقنا ..!
هلل الجميع لذلك القرار , إذا كان أحد بالخارج لشعر بوجود قنبلة قد انفجرت بالمكان , حقا شيء جميل أن يتم تحقيق الحلم...
-أرى أنكم قد احتفلتم بدون توجيه دعوة لي ...!!
صدر هذا الصوت من خلف الجميع , اتجهت أنظار الجميع نحوه , فوجدوا خمسة أشخاص يقفون هناك في مدخل الساحة , الثلجية و إيكويا على اليسار , اللورد و رجل آخر على اليمين , أما بينهما , و الذي كان متقدما قليلا , و الذي تحدث , كان رجلا في حوالي الثلاثينيات من عمره , شعره أسود ناعم , عيناه عسلية , لحيته طويلة نوعا ما , كان يمسك بعصاته , نظر الجميع نحوهم في ذهول تام , تحدث (أكيهيرو) قائلا :
-ما الذي جاء بكارا هنا ؟!
عندما قال هذه الكلمة تعالت أصوات رجاله لتنشيط عصويهم , نظر الغريب نحوهم ثم قال :
-أنا لم آت هنا كي أقاتلكم !
ضيق (أكيهيرو) عينيه و هو يقول :
-إذن لم جئتوا هنا ؟!
ابتسم وهو يقول :
-جئت كي أتحدى قائد قريتكم الجديد !
شهق الجميع , نظروا نحو (رانمارو) , كان بالطبع في حالة يرثى لها , نعم قوته الروحية قد ازدادات لكن ليس بالقدر الكافي , اضافة إلى كونه قد استنفذها في القتال , و أصابه الانهاك البدني و النفسي , نظر (رانمارو) نحو (أكيهيرو) وقال مستفسرا :
-ماذا يعني بأنه سوف يتحداني؟!
رد (أكيهيرو) دون أن يحيل نظره عن الغريب :
-يعني هذا أنه سيتحداك في قتال , فإذا فاز عليك يصبح هو رئيسا للقرية , هذا ما كانوا يريدونه !
شهق (رانمارو) عند سماعه بذلك , نظر نحو الغريب نظرة تملؤها الكراهية , ثم قال :
-ومتى سيكون هذا التحدي ؟!
رد الغريب :
-سيكون الآن , فالتحدي عزيزي يكون في نفس الوقت و المكان الذي يتم فيه عرض التحدي !
عصر (رانمارو) بقبضته على مقبض عصاته التي يمسك بها , لم يكن قد فرح بتكوين القرية حتى يظهر هذا الغريب , لكن..
-كيف عرفت بمكاننا و بمخططاتنا ؟!
تسائل (رانمارو) , فضحك الرجل , كان (رانمارو) يسير خارجا من الممر المعبد , مارا بأصدقائه , فجأة شعر و كأن طاقته قد ازدادت فجأة , نظر نحو (ناجومي) فوجدها تبتسم له , فقد شعر أنها قد نقلت له بعض الطاقة , أصبح الآن أمام الغريب و رفاقه , في حين تراص جميع من خلفه على هيئة صف طويل كي يروا ما سيحدث في شغف ...
قال (رانمارو) :
-لم تجب على سؤالي !
توقف الغريب عن الضحك ثم أشار بيده , فجأة تحرك (تابيتو) من مكانه ليظهر بقفزة فلاشية بجوار الغريب , دهش (رانمارو) و رفاقه , صاح (ياكو) فيه :
-لماذا ذهبت نحوه تابي...
بتر (ياكو) عبارته , فقد تحول فجأة (تابيتو) إلى شخص آخر , تمتم (رانمارو) في حنق :
-كايتو !
في حين تمتم (ياكو) و (تاكامي) و (ناجومي) و (هيكارو) مصعوقين :
-نائب القرية !
التفت نحوهم (رانمارو) في حدة كما فعل الجميع , تسارعت الأفكار داخل عقله بسرعة , كايتو هو نائب القرية الذي ...
تحدث الرجل الغريب قائلا :
-سأقول لك عزيزي رانمارو ما حدث منذ أربعة عشر عاما , لم يكن الخائن هما والداك , بل كان نائب القرية عزيزي كايتو , بالطبع كانت خدعة عبقرية أنا من وضع خطتها و نفذت جزءا منها , فقد نجحت بقوتي في جعل جميع قادة القرية آنذاك يشكون في أبواك , بل دفعتهم كي يحاربونهما , كانت معركة قوية و جميلة , بحق كان والداك رائعين ...
اعتصر (رانمارو) قبضته أكثر و أكثر تحت تأثير كلام هذا اللعين , لكنه تمالك أعصابه كي يعرف المزيد مما حدث , تابع الغريب بنشوة المنتصر :
-كانت خطتي بعيدة المدى , كنت أريد أقوى انتقام ممكن من عائلتك , من والديك خصيصا و منك كذلك , لذلك فقد تحكمت فيك بقوتي و جعلتك تلقي تعويذة عليهم , بالتالي ظهرت أمام الجميع أنك من ألقاها , بالتالي ستتحمل أنت تبعة ذلك ...
كانت عينا (رانمارو) تشتعل نارا حقيقية , لكنه تماسك بإرادة فولاذية , في نفس الوقت شعر بازدياد في طاقته الروحية , لم يكن يعرف هل لازالت (ناجومي ) تمده بالطاقة أم كانت طاقته هو , تابع الغريب كلامه وهو سعيد للغاية :
-بالطبع تم نفيك , لكني لم أكن أريد ذلك فقط , فبعد أربعة عشر عاما , قررت أن أستدعيك لتزور عالمنا الذي نبذت منه ...
تمتم (رانمارو) مصعوقا :
-أيها اللعين لا تقل لي ...
بتر عبارته عندما أومأ الغريب بضحكة عالية مؤيدا كلامه , ثم تابع :
-نعم , أنا من أرسلت لكارا طالبا قتلك , و أنا من تحكم في ساكورا العزيزة حتى تأتي لتمر من طريق منزلك , و دفعتها كي تستخدم سهمها الذي أخفيته عن الساحر فلم يشعر به بتاتا سوى عند اختراق صدره , ما رأيك بتلك اللحظة الجميلة ؟! أتتذكرها جيدا عزيزي !
قالها و ضحك مرة أخرى , أما (رانمارو) فبداخله شعر بنارا حقيقية قد اشتعلت بقلبه , ردد في بطء :
-أيها اللعين !
استمر الغريب في ضحكاته قليلا ثم توقف و نظر نحو (رانمارو) الغاضب , ثم تابع :
-بالطبع كان لا يستقيم أن أجعلك تسير بدون مرشد في طريقك , فدفعت لك كايتو في طريقك , علمك كيفية التدريب , و نصحك عدة نصائح , و أخبرك قليلا عن عالمنا , بعدها تركتك تجول قليلا في عالمنا , لم أكن أتوقع لقائك بجنتو في معركة باكوشو , صراحة أذهلتني بتلك المعركة , لهذا السبب دفعتني لضرورة إعادتك لطريقك الذي قد رسمته لك من قبل ...
زمجر (رانمارو) وهو لا يزال معتصرا قبضة العصا قائلا :
-طريق تكويني لقرية الريح البيضاء !
ابتسم الغريب مانعا نفسه من القهقهة ثم قال :
-نعم , طريق بناءك لقريتك اللعينة القديمة , لم تكن تعرف ماذا مطلوب منك كي تفعله , لهذا دفعت لك كايتو لكن متخفيا في صورة شخص آخر, فقد خفت أن تكون قد شككت بشخصيته الأصلية , كما سيتعرف عليه من بصحبتك من رفقائك القدامى في القرية , لهذا تعرف عليك بشخصية تابيتو بطريقة تجعلك لا تشك فيه , و لكي أجعل القصة محبوكة أكثر جعلته يشارك واحدا من عائلات الشي يو كي يجعلك تشعر بضرورة وجوده , مما يقلل ذلك من شك الجميع نحوه ..
نظر الجميع تجاه (كايتو) المخادع في حنق , لقد كان يخدعهم طيلة تلك الفترة , تابع الغريب :
-بالطبع قد وجهك كايتو بدقة نحو هدفنا , جعلك تجمع الشروط جميعها حتى تكون قادرا على تكوين القرية , و عند وقت اختيار مكان المدينة برز بفكرة بدت لكم بديعة و سهلة , وهي الاستعانة بأحد حلفاء قرية الريح البيضاء ...
قالها و سار نحو الأمام قليلا حتى يصبح مواجها ل(رانمارو) , توقف بعد عدة أمتار ثم تابع:
-بالطبع هذه المدينة معروفة بدعمها الدائم لحركات مثل قرية الريح البيضاء , كذلك أفراد مثل جنتو , كانت هذه المدينة مطمح حركات كارا و بوكاهاتسو , لكنهما لم يعرفا بكامل قوتهما من هم أفراد مجلس الحكم هنا , لهذا قررت وضع خطة بسيطة تكون أنت عضوا فيها , أدفعك نحو هذه المدينة , فتفعل أنت المستحيل من أجل تحقيق ما يريدونه من طلبات و تنتصر في التحدي , و بهذا تستطيع أن تفوز بحق تكوين القرية , و يصبح مجلس حكم القرية تابعا لسلطتك , حينها فقط أبرز أنا و أتحداك و أفوز عليك , فأفوز برئاسة القرية , وولاء مجلس الحكم لي , فأخرج من كل هذا فائزا , حققت انتقامي منك ومن عائلتك البغيضة , دمرت مدينة كانت تعتبر قلعة حصينة في وجوهنا , بل و حولت قوتهم في صالحنا , و أخير فزت بقرية جديدة أجعلها عاصمة لحكمي على المملكة اليابانية ...
قالها و أخذ يقهقه بصوت مرتفع , فقال (رانمارو) مقاطعا ضحكاته :
-إذا كنت تبغضني بهذا الشكل , فلماذا لم تقتلني مع والداي آنذاك ؟!
بتر الغريب ضحكاته العالية , و نظر تجاهه وقال له :
-هل تعرف أن رجالي جميعهم قد تسائلوا نفس سؤالك , حتى كايتو نفسه كان متعجبا من هذا , عزيزي رانمارو , إذا كنت قتلتك وقتها سأكون قتلت طفلا صغيرا لا يعرف عن الدنيا أي شيء , لكن الآن أنت شخص مختلف , لديك طموحات و أحلام , لديك هدف تريد تحقيقه , حقيقة تريد أن تكشفها , لديك قيمة لحياتك , الآن عندما أقتلك لا أكون قد قتلت رانمارو الإنسان فقط , بل قتلت قيمتك الكبيرة المتمثلة في آمالك و طموحاتك و أحلامك و أهدافك , قيمة عندما أسلب حياتك ستجعلك تبكي بدموع دموية على عدم استطاعتك تحقيقها , حينها فقط سأكون مستريحا في انتقامي , فهنا فقط يكون انتقامي أقوى و أشد و أعمق تأثيرا ...
ضيق (رانمارو) من عينيه وهو يصرخ فيه :
-أيها اللعين المغرور , كيف يتأتى لك الثقة في أنك تستطيع أن تفوز علي ؟! إنه قتال تتعادل فيه نتيجتي الفوز و الهزيمة , لا تكن متفاخرا و مغرورا وواثقا من نفسك هكذا , سوف أهزمك شر هزيمة !!
نظر الغريب نحوه ثم رد معقبا على كلامه :
-لا تستهين بي يا هذا , فأنت قد أدركت الآن أن كل شيء أفعله يكون محسوبا و مخططا بدقة , نعم أنا حاليا ليست لدي الطاقة الكافية لهزيمتك , فقد كنت أزود كايتو بطاقة التخفي و تقمص شخصية ذاك الطبيب اللعين , لكني قد أعددت كل شيء من قبل , ألم تتسائل ولو للحظة واحدة لماذا دخلت عالمنا بعد مرور أربعة عشر عاما بالتحديد ؟!!
صمت (رانمارو) محدقا به , فما كان يقوله كان صحيحا , فكل خطوة خطاها هذا الغريب , كل حدث شارك فيه كان مخططا له من قبل , لكن لماذا في هذا السن بالذات ؟! تابع الغريب:
-بالطبع يا عزيزي لن تدرك هذا بغبائك , قوتي تتمثل في القدرة على التحكم بوحوش الأشخاص , و التحكم في الأشخاص أنفسهم مثلما تحكمت في قادة قريتك السابقة و جعلتهم يعتقدون بأن أبويك خائنان فعلا , و كما تحكمت بساكورا كي تمسك جعبتها و تطلق سهمها , لكني قبل مغادرتي للقرية , بعدما نفذت مخططي كله قد ألقيت عليك تعويذة قوية جدا , تعويذة تحكم في وحشك , تعويذة تجعلني قادرا على تدمير وحشك !!
اتسعت عينا (رانمارو) في فزع , إن تدمر وحشه فلن يستطيع أن يحاربه , و بالتالي سيكون سهلا جدا عليه أن يقتله , ليس هذا صحيحا , أخذ يقول لنفسه ذلك , حيث وجد جسده يهتز بشدة , تابع الغريب وعلى وجه ابتسامة انتصار كاسحة :
-بالطبع هذه التعويذة قوية جدا , قوية للدرجة التي جعلتني لا أقدر على الوقوف طيلة أسبوعين كاملين , لكنها كانت تستحق ذلك , هذه التعويذة يمكنك اعتبارها درة أعمالي , فهي كالقنبلة الموقوتة , تعمل فقط عندما أقوم بتنشيطها , لكن لها عيب واحد ...
حملق (رانمارو) فيه بغضب مثلما فعل الجميع , في حين لم يأبه الغريب بتلك النظرات , بل على العكس , كان يضحك بداخله بكل قوته , تابع قائلا :
-كان العيب الموجود فيها أنها تفسد عند مرور خمسة عشر عاما على إلقاءها , و إذا مرت فترة سبع سنوات و نصف على فترة إلقاءها تحدث لها حالة من الخمول , لهذا يجب تنشيطها بتعويذة ما قبل أن أقوم بتفعيل فتيلها لتنفجر فيك عزيزي, لهذا فقد دفعتك في عالم السحر بعد مرور أربعة عشر عاما , حتى أترك لك عاما كامل تمرح فيه و تلعب في عالمنا وتحقق أهدافي التي رسمتها مسبقا, بعدها أقوم بتدمير كل ما بنيته في ثواني معدودة !!
زمجر (رانمارو) بغضب قائلا :
-لكنك لم تقم بتنشيطها بعد , هل تنتوي ذلك في أثناء معركتنا أيها اللعين ؟!
كان يفكر في اجتناب جميع تعاويذه , بالطبع كانت مهمة صعبة , لكنه هو الحل الوحيد , قال الغريب بحزن زائف :
-لقد أحزنتني رانمارو , ألم أقل لك لا تستخف بي ؟! أتعرف ما هي تلك التعويذة عزيزي؟!
ضيق (رانمارو) من عينيه و قال :
-بالطبع لا أعرف , فأنت الوحيد الذي تعرف ما قد فعلت !
ظهرت ابتسامة كبيرة على وجه الغريب , كان يشعر بنشوة قوية كلما جعل (رانمارو) يندم على شيء ما أو يغضب من شيء آخر , تحدث قائلا ببطء شديد :
-شو..تو.. ما..شي..رو , شوتو ماشيرو , أتعرفها !
اتسعت عينا (رانمارو) في ذهول و اتجه محدقا نحو (كايتو) الذي ضحك بصوت عال , قال الغريب جاذبا انتباه (رانمارو) نحوه :
-لقد فعل كايتو تلك الخدعة بمهارة , لقد أحضر الطعام بطرقعة أصابعه الموضوعة خلف ظهره , في نفس الوقت الذي قال تعويذة التنشيط , هل كان الطعام لذيذا ؟!
شعر (رانمارو) بغليان في رأسه , لم يكن يريد فقط قتل الغريب , لا , بل أراد أن يمسك (كايتو) و يقوم بتعذيبه طوال الليل على الخديعة التي نصبها لأبويه و نصبها له مع هذا المخادع , جالت جميع أحداث حياته السحرية في عقله , كان عقله يتوقف عند كل منطقة كان يتواجد فيها (كايتو) أو (تابيتو) الزائف , كل كلمة قالها ساهمت في خداعه , كيف دفعه نحو فخ قد تم نصبه له منذ أربعة عشر عاما , كيف ساهم بنفسه في إكمال صورة تدمير القرية دون أن يدري , ظهرت شرارات نارية من طرف عصاته مع اندفاع عامود اسطواني من رأسه نحو السماء , كان لونه أحمر قاتم , ضيق الغريب من عينيه و قال :
-لن أدعك تفعل ما تريده ...
رفع عصاته التي يوجد في نهايتها رأس إمرأة يخرج من رأسها تفرعات تشبه الثعابين , رفع أيضا (رانمارو) عصاته , لكن الغريب كان أسرع منه , قال :
-شوتو ماشيرو كينمو !
تلونت مقدمة عصاته بلون فضي , انطلقت دفقة من الآشعة الفضية نحو (رانمارو) مصطدمة به في أقل ثانية , لم يستطع تجنبها , حينما ارتطمت به بدا للجميع أن طاقته بدأت تخبو , اختفى العامود الأحمر , بعدها اختفى اللون الأحمر من على معطفه , خر ساقطا على ركبتيه وهو يمسك صدره بكلا يديه , كان يشعر بنار حارقة في قلبه , تلون المعطف باللون الفضي , و أخذت شرارات فضية اللون تخرج من جسده , سقط صريعا وسط صرخاته العالية , حاول رفقائه التحرك لكن (أكيهيرو) ومن معه وقفوا حائلا بينهم و بين (رانمارو) فصرخت (تاكامي) :
-افسح الطريق , لو انهزم سيضيع كل شيء !
صرخ (أكيهيرو) مهددا شاهرا عصاته في وجه (تاكامي) :
-لا تقولي شيئا لا نعرفه , نحن مثلكم نريده أن يفوز , و نريد أن نقفز على هذا المخادع لننتقم منه مما قد حدث , لكننا لا نستطيع خرق الأعراف و القوانين , ستكون سبة أكثر إذلالا لنا من تدمير مدينتنا , نحن نريد أكثر منكم أن نقتل هذا الثعبان , نريد أن نعذبه بما فعله في قرية الريح البيضاء و بما كان يفعله طيلة هذا الوقت , لكننا لن نخرق عاداتنا المتوارثة , نحن حماة التراث و الماضي لن نخرقه و نوصم أنفسنا بهذه الصفة البذيئة التي طالما ابتعد اسم مدينتنا طوال القرون الطويلة السابقة عن الاقتران بها !
اتسعت عينا رفقاء (رانمارو) في دهشة , كانوا يظنون أنهم سيجدون المعونة منهم , بالطبع كانت (تاكامي) و (هارونا) و (هيكارو) و (ريميكا) أكثر فهما من (ياكو) و (ناجومي) , لكن فكرة وقوفهم يشاهدون سقوط هرم أحلامهم الذي قد انتهوا من بنائه للتو و مصرع أعز أصدقائهم أمام أعينهم شيئا لا يمكن أن يحتملونه , صفق الغريب بيديه وهو يبتسم قائلا :
-حقا يا للنبل الذي أنتم عليه , لو كانت لديكم شعرة خسة واحدة لكنت شككت في تمسككم بالأعراف و التقاليد البالية , و أحضرت معي جيشا من كارا , لكني أعرف مبدائكم , و متأكد من مدى تمسككم بتقاليدكم , لهذا جئت ومعي لجنة ترحيب بسيطة كي نحتفل بتحقيق أهدافنا التي طالما حلمنا بها ...
ضيق (أكيهيرو) من نظرته وهو يحدق به كما فعل الآخرون , كان يود أن يفرغ كل ما بداخله من غضب في هذا الغريب اللعين , لكن وقف حائط منيع سميك يسمى (( التقاليد )) بينه وبين تحقيق ما يريده , كما وقف هذا الحائط الفولاذي بين جميع رجاله وبين جانب الشر البغيض الذي لايراعي عرف ولا تقليد , ضحك الغريب كما ضحك معه زبانية جهنم الذين يرافقونه , قال الغريب لهم :
-هيا , أعلنوا ولائكم لقائدكم الجدي...
بتر عبارته صوت يقول بصرامة :
-هل تظن أنك ستتخلص مني بتلك السهولة ؟!
تحولت أنظار الجميع نحو المتحدث , تحولت أنظار الكل نحو المتكلم , اتسعت عينا الغريب في فزع عندما حدق ب(رانمارو) الساقط صريعا على الأرض , ظن أنه يحلم , ظن أنه قد سمع صوتا خادعا ...
-هل تظن أنك بتلك الحيلة القذرة ستقتلني ..!!!
شهق الجميع , منهم من شهق دهشة و فرحا , منهم من شهق دهشة و فزعا , فقد رفع (رانمارو) رأسه , وضع قبضتيه على الأرض و اعتمد عليهما كي يقف , وقف مترنحا للحظات , بعدها تمالك نفسه , كان شاحب اللون , يغطي وجهه تراب الأرض , ازدادت دهشة الجميع حينما بدأ اللون الفضي في الانحسار , و ظهر اللون الأحمر مكانه , بدأ يحتل مكانه الطبيعي طاردا الغازي المحتل وسط صرخات الغريب :
-مستحيل , مستحيل , هذا مستحيل , لا يمكن , كان يجب أن تكون ميتا الآن , هذه التعويذة لا يمكن أن تكون مخطئة , لقد جربتها عشرات المرات من قبل , لا يمكن , مستحيل !!!
صرخ بأعلى صوته , كان يبدو عليه الانهيار , لم يكن بمفرده في حالة الذهول تلك , كان كل من موجود بالمكان كذلك , عندما اكتمل تحرير معطفه و جسده من طاقة الغريب الفضية و استعادة طاقته الحمراء النارية , قال له في صرامة :
-لقد لعبتها بكل مهارة , أعترف لك بذلك أيها اللعين , لكن هناك شيء لم تعرفه ...
قالها و رفع عصاته , اندفعت طاقته الروحية كالحمم تغلي غاضبة عند خروجها من فوهة بركان , ارتعد الغريب و خر ساقطا على ركبتيه في حين صاح (رانمارو) :
-الآن سأنتقم لوالداي, الآن سأنتقم لأهل قريتي , الآن سأنتقم لرفاقي , لساكورا , لنفسي منك أيها اللعين...
أغمض عينيه , ثم فتحهما , اختفى البياض الموجود بها , كانت كل فتحة عينه تتلون باللون الأحمر المشابه للون الحمم الخارجة منه , قال بصوت جهوري يبدو أنه صادر من أعماق الجحيم :
-ريون مونوجاتاري سوبيتا !
أضاءت عصاته بضوء أحمر باهر , كان مصاحبا لصوت ضجيج عال , كان الضوء و الضجيج في زيادة , يبدو وكأنه انفجار نووي صغير , وضع الجميع أيديهم أمام أعينهم اتقاءا لهذا الضوء القوي المؤذي للعين , فجأة اهتزت الأرض , بعدها خفت كل شيء , اختفى الضوء , اختفت الضوضاء , عاد كل شيء كما كان , فتح الجميع أعينهم ناظرين نحو (رانمارو) , بدلا من العصا وجدوا شيءا غريبا , وجدوه يمسك بسيف عملاق , سيف لونه أحمر ناري , أو يبدو و كأن نارا تسري داخل نصله , كانت الأرض الموجودة تحت النصل بها شرخ كبير و عميق , أما مقدمة النصل كان يخرج منها رياح هوجاء عاتية , تدمرت أشجار الغابة المقابلة لهذا النصل , تمتم (أكيهيرو) في شرود مذهولا :
-هل استطاع في دورة الترقي اكتساب سيف عائلته ؟!
كان يبدو أن السيف به طاقة تزمجر لكي تخرج , كان معطف (رانمارو) و شعره يتطايران من تحت تأثير السيف , أمسك (رانمارو) السيف بكلتا يديه و صرخ :
-لن أدعك تخرج من هنا حيا أيها اللعين !
رفع السيف لأعلى خلف ظهره ثم هوى به , لم يعرف أحد ما حدث من السيف غير تكون ضوء أخذ في التشكل على هيئة كرة حمراء من الحمم , انطلقت بسرعة شديدة نحو هدفها , كانت الأرض من تحتها يحدث بها شرخ عميق وتصدعات متفرعة من هذا الشرخ بمجرد مرورها السريع فوقها , في حين تكون إعصار من الرياح حولها , اتسعت عينا الجميع من الدهشة , لم تدم تلك طويلا حيث وقع انفجار ضخم , تسبب في تكوين سحابة ضخمة من الأتربة , مع اندفاع موجات من الرياح مركزها منطقة التصادم , تسببت تلك الموجات القوية من الرياح في تطاير جميع من بالمكان للخلف ساقطين على التربة متدحرجين فوقها عدة مرات , ثم توقفوا , هدأ كل شيء و لم يتبق سوى سحابة التراب الضخمة مع لمعان شرارات نارية بالداخل يمكن رؤيتها بصعوبة مع سماع صوتها كل لحظة و الأخرى , تحولت أنظار الجميع مع تساؤل واحد ...
-هل نجح رانمارو في التغلب عليه ؟!!
يتبـــــــــــــــــــــع...........