كاتب الموضوع :
abcz
المنتدى :
سلاسل روايات مصرية للجيب
الحلقة الأولي
ارتفع دوي الرعد عنيفا يصم الآذان في تلك الليلة من ليال ديسمبر شديدة البرودة .. حتي أن شوارع (تل أبيب) قد خلت من المارة تقريبا .. وانكمشت كل صور الحياة .. تاركة المجال لأصوات المطر الذي يرتطم بأرصفة الطرقات في عنف ..وتزاحمت صور الشتاء الخالدة لتبعث البرودة القارصة في أوصال الجميع ..وعلي الرغم من ذلك اندفعت تلك الشابة في معطف مطر شمل كل جسدها تقطع الطرقات بحسم شديد كأنما تعرف اتجاهها جيدا .. وما هي الا لحظات محدودة حتي كانت تقف أمام منزل عتيق منزو في أحد الشوارع الجانبية ثم أخرجت من جيبها مفتاح صغير دسته في رتاج الباب مباشرة ولم تنتظر الإذن بالدخول إذ دفعت الباب وخطت بقدمها مباشرة إلي الداخل .. وبداخل المنزل وأمام مدفأة عتيقة انكمشت عجوز كبيرة السن فوق مقعد وثير.. وعلي الرغم أنها لم تستدر نحوها إلا أنها قالت لها بكلمات حملت كل حزم وصرامة العالم وهي تقول: لم أكن أعتقد أني سأضطر إلي الانتظار كل هذا الوقت حتي تأتين .. لم يبد علي الشابة أنها ألقت بالا لعبارتها وإنما انهمكت في خلع المعطف المبتل وهي تقول بلا مبالاة: لقد ساء الجو في (تل أبيب) كثيرا ولا أري أية مبررات لإقامتك فيها خاصة بعد ان تقدم سنك و ساءت .. قاطعتها العجوز بصرامة هذه المرة قائلة: لم أعتد أن يتجاهل أحد أيا من عباراتي .. أطلقت الشابة ضحكة جزلة حملت الكثير من الشماتة وهي تقول: جميل منك أن قلتيها بصيغة الماضي .. ثم اتبعت وهي تقترب منها بوجهها أكثر: لكل منا زمنه يا عزيزتي .. ثم استدارت بعيدا عنها لتداري مشاعرها وهي تقول بحسم أكثر: من الأفضل لكلينا أن تتطرقي مباشرة إلي الموضوع الهام الذي أرسلتي إلي العائلة بشأنه.. سعلت العجوز هذه المرة بقوة كأنما فاجأتها هذه الكلمات ثم تابعت صورتها التي استقرت فوق المدفأة وبجوارها استقرت صورة أخري كأنما تستعيد ذكريات شبابها قبل ان تقول كأنما تتجاهل عباراتها: لابد أن العائلة باتت لا تدين لي بالاحترام المناسب حتي انها لم تكترث لمطلبي كثيرا ثم صمتت فترة قبل أن تتبع بلهجة خاصة : حتي أنها لم تجد غيرك لارساله لي في المهمة التي أردت تكليفهم إياها .. !! لم تكد تتفوه بالعبارة حتي أطلقت الشابة ضحكة رنانة شقت صمت المكان وهي تقول: يبدو ان شيطانة العائلة السابقة تجهل مع من تتكلم هذه المرة .. ثم راحت تتظاهر بالعبث في أظفارها وهي تتبع : وما لاتعرفه هذه الشيطانة السابقة ( سونيا جراهام) هذه المرة أيضا أنها تتحدث لأخطر أفراد عائلة (جراهام ) علي الاطلاق .. فأنا (تفيدة جراهام) ملكة العائلة المتوجة عبر كل أجيالها بلا نزاع حتي أن الأب الروحي للعائلة أدون (عتريس جراهام) قد أكد هذه الحقيقة بنفسه مرارا ... قالتها وأطلقت ضحكة أخري أشد سخرية وقسوة من سابقيها وهي تميل نحوها قائلة بسخرية لازعة: ماقول (سونيا جراهام) شيطانة العائلة السابقة فيما قلت ..ثم أنها حدقت في عينيها مباشرة وهي تقول بقسوة: لقد مضي زمنك منذ أمد بعيد يا عزيزتي .. قالتها وانطلقت في ضحكة هستيرية ساخرة ...
**** **** ****
ها هو ذا هناك ..
قالها (أكرم) وهو يشير بيده نحو (س-18) الذي احتل مقعدا خلف منضدة صغيرة في نادي (الكواكب) الليلي للآليين والذي تم انشاءه مؤخرا في مدار المريخ .. بعد حركة التوسعات الأخيرة التي نجمت عن (اتفاقيات عطارد) للتبادل المشترك فيما بين كوكبي (الأرض) و (جلوريال) ... ولم يكد (أكرم) ينطقها حتي سبقه (نور) نحو (س-18) صارخا: (س-18) هل جننت ... ما الذي أتي بك إلي مثل هذه الأماكن المشبوهة ..!! لم يبد علي (س-18) أنه وعي عبارته وهو يرفع يده الممسكه ببرميل نحو قائلا: في صحتك ياسيدي ..هئ .. ثم تجرعه مرة واحدة .. حتي أن (نور) نظر نحو أكرم بذهول قبل أن يقول هذا الأخير: أوصل بك الأمر إلي احتساء حمض الكبريتيك المركز في وجودنا .. قالها وهو يقترب منه كأنما يتشممه أكثر قبل ان يتبع ذاهلا: وبالصودا أيضا...!! ياللكارثة..ياللكارثة...!!! أما (نور) فلم يبدو عليه انه أنه قد انتبه لعبارته وهو يصرخ فيه قائلا: هيا يا (أكرم) عاونني بالله عليك حتي نأخذه من هنا فأنت تعرف أن دوريات شرطة الآداب الكونية تمر من هنا باستمرار .. ولن يكون ما سيحدث في صالحه لو عثرت عليه إحدي هذه الدوريات وهو يترنح في الطرقات .. قالها واندفع نحو (س-18) في محاولة منه لزحزحته من مكانه .. أما هذا الأخير فقد ترنح في مكانه صارخا .. ابتعد عني يا سيدي .. دعوني وشأني .. وعلي الرغم من محاولات (نور) المستميتة إلا أنه لم يقو حتي علي زحزحة زراعه من مكانها .. حتي أنه قد توقف في مكانه وشعور مرير من اليأس يسيطر علي كيانه وهو ينقل بصره بين (س-18) و(أكرم) الذي رفع كتفيه بقلة حيلة في حركة فهمها (نور) علي الفور .. فحتي مساعدته له لن تجدي في زحزحة (س-18)من مكانه قيد أنملة .. ولم يكن (نور) في حاجة إلي الكثير من الذكاء ليدرك هذه الحقيقة فهو يعلم بما لا يدع مجالا للشك أنه لو تضافرت جهود جميع رواد المكان علي زحزحة جسد (س-18) من مكانه لما أجدي ذلك .. ولم يطل تساءله طويلا إذ اندفع (أكرم) خارج المكان تتابعه تساؤلات (نور) التي لم تدم طويلا فما هي إلا لحظات حتي كان (أكرم) قد دخل للمكان وهو يقود ونشا كبيرا وبمساعدة بعض الآليين العاملين في المكان تمكن الجميع من حمل (س-18) خارجا وهو يردد بآلية صفيرا منغوما لأغنية ( أمان يالاللي أمان ) الشهيرة ثم لا يلبث بين الحين والآخر أن يصيح قائلا :( أنا جدع ...هئ....)!!! بينما راح (نور)يضرب كفا بكف وهو يردد في أسي شديد: ياللفضيحة .. ياللفضيحة ..
**** **** ****
هل لاحظت ما لاحظته أنا يا (نور) ..؟
قالها (أكرم) بأحرف ذاهلة وهو يوجه حديثه نحو (نور) الذي كان يتوسط أفراد الفريق قبل أن يومئ هذا الأخير برأسه قائلا: لست وحدي من لاحظ ذلك يا (أكرم) .. لقد لاحظ الجميع أن ذلك المخادع (س-18) يتكلم .. اتسعت عينا (سلوي) بذهول وهي تقول: ماذا تقصد يا (نور) نظر نحوها وعبارات الدهشة مازالت مرتسمة بملامحه وهو يقول: نعم يا (سلوي) لقد كان(س-18) يخدعنا طوال الوقت فهو لا يردد عبارة واحدة كما كنا نتخيل جميعا .. بل إنه يتكلم بطلاقة .. بل ويغني أيضا .. اتسعت عيناها في ذهول كذلك فعل الجميع وهم يحملقون في (س-18) الذي توقف في ركن الحجرة المجاورة بعد أن حطم كل الأسرة الموجودة بالمنزل بعد محاولاته العديدة للنوم علي إحداها ..!! ثم إستدارت نحو (نور) مرة أخري قائلة بنفس الذهول: وماذا يعني ذلك يا (نور) .. حاول ان يفتح فمه للاجابة .. ولكن فجأة ارتج المنزل بأثره ثم راحت اجزاء من السطح تتهاوي حولهم فإندفع الجميع إلي الخارج بينما راحت (نشوي) تصرخ في فزع قائلة: ماذا يحدث يا أبي..؟؟ أهو زلزال..؟؟ أما (نور) فقد توقف في مكانه في هدوء بعيدا عن المنطقة التي تكومت فيها انقاض المنزل المنهار وهو يتابع بعينيه مع الجميع (س-18) الذي خرج من تحت الانقاض في سهولة مطلقة وهو مازال يرفع عقيرته بالغناء مرددا مقاطع الأغنية الشهيرة: (البانجو مش بتاعي والله برئ يا بيه .. الذنب ذنب اصحابي هما إللي رموني علييييييييييييه ).. أما (أكرم) فقد التفت إلي(نور) قائلا بتعجب: ماذا كان ذلك يا (نور)...؟!!! فأجابه (نور) بهدوء شديد: انها وسيلة اتصال القائد الأعلي بنا يا (أكرم) يبدو أنه هناك مهمة جديدة تنتظرنا ...قالها وراح يتساءل في أعماقه عن طبيعة المهمة الجديدة ...
يتبع .....
|