كاتب الموضوع :
القناع الأحمر
المنتدى :
سلاسل روايات مصرية للجيب
هذان فصلان جديدان
4- عجوز ساحر ..ـــــــــــــــــــــــــــ
في حقيقة الأمر ليست لدى فكرة عن ترجمة تلك النقوش .. الحل الوحيد هو أن أذهب إلى المكتبة العامة .. لعلي أجد بغيتي هناك ..
الآن الساعة العاشرة مساءً ..
حقا شكرا على تذكيري بالوقت .. حقا قد مرّ الوقت دون أن أشعر به .. حان الآن موعد النوم .. جسمي كله مرهق .. سأحاول أن أقرأ بعض الرسائل التي استلمتها اليوم ..
الرسالة الأولى .. من الأم ( مارشا ) ..
عجبا منذ متى كانت الأم ( مارشا ) تعرف الكتابة ، و لماذا تراسلني أصلا ..
الرسالة الثانية .. من ( ماجي ) حبي الأول و الأخير .. مراهقة الشباب ..
الرسالة الثالثة و الأخيرة .. من ؟.. دكتور ( لوسيفر ) غريب .. يبدو أنني سأبدأ بها ..
" أيها المخلوق المسكين المدعو ( رفعت ) ..
عندما أراك على قيد الحياة أشعر أن هناك الكثير من المرح ،و عندما أسمع عن موتك أشعر بالتعاسة لأن هذا المرح سيزول ..
ألن تأتي إلى ( رومانيا ) .. هناك الكثير من المرح .. لا تتأخر ..
مع تحيات د/ ( لوسيفر ) .. "
سخيف هذا المشعوذ .. و لكني لا أنكر جميله عندما أنقذني من الوحوش في جانب النجوم ، و خاصة الغاضب جدا .. إنه يعاملني مثل لعبة القط و الفأر .. متى تأتي اللحظة التي يمل فيها ، و يحاول التخلص مني ..
سأكون له بالمرصاد .. لن أسمح له بالانتصار أبدا ..
حسن لأقرأ الرسالة الأولى من الأم مارشا ..
" عزيزي ( رفعت ) الرجل النحيل .. يبدو أنك ستواجه خطرا رهيبا في الوقت القريب ، هذا ما عرفته من مصادري الخاصة ، احترس من هذا الخطر .. و لا تتسرع كعادتك ، حاول أن تكشف ما هو الخطر .. لقد بلغتك لأني ما زلت أعتقد أنك تستحق الحياة ..
مع تحيات الأم مارشا .. "
الأم مارشا تحذرني .. يا للهول .. هل تقصد بالخطر ظهور الأشباح ، أم شيء آخر .. سوف أحاول أن أعرف هذا عما قريب ..
الرسالة الثانية من ( ماجي) ..
" …………………………………………………………………..
………………………………………………………………………………."
لا داعي لذكر ما فيها أعتقد أنّ هذا خاص بي ..
أنا مرهق للغاية ، سوف أحاول أن أنام ، حتى أواصل بحثي ،غدا ..
***
" نام يا ( رفعت ) نام .. فالأيام القادمة تحمل لك أحداث رهيبة .. رهيبة جدا ..
نام فلم يبق على الصباح سوى ساعات .. نام لعل هذا آخر نوم و تستيقظ منه ..
مقولة عن لسان المؤلف .."
***
الساعة السابعة صباحا ..
رنين الهاتف المزعج .. من هذا المأفون الذي يتصل بي في الصباح الباكر ..
هتفت بهذه الجملة في ضجر و ضيق ، و أنا ألتقط السماعة و أضعها على أذني قائلا بصوت جامد :
- يا فتاح يا كريم ..
- دكتور ( رفعت ) أنا الدكتور ( فريد نافع ) ..
قلت له في ضيق :
- أعلم أنك الدكتور ( فريد ) هل من جديد ؟..
- نعم يا دكتور .. لقد رتبت لك لقاء مع العجوز الساحر ، سوف أنتظرك الآن أمام مكتبي لكي نذهب سويا إليه .. لا تتأخر ..
- حسن يا دكتور ( فريد ) .. سوف آتي ..
هذا غريب .. بهذه السرعة حصل على لقاء مع العجوز الساحر ، و وافق الساحر على هذا اللقاء .. على أية حال سوف أعرف كل شيء بعد قليل ..
أخيرا جهزت نفسي بسرعة خارقة ، على الرغم من حالتي الصحية ، سوف أذهب إلى مكتب هذا المجنون ، على الفور ..
كنت أتمنى أن ألقي التحية على جاري ( عزت ) ، و لكن للأسف لا أملك من الوقت ما يكفي ، لذا واصلت طريقي ، وركبت سيارتي ، منطلقا إلى مكتب الدكتور ( فريد ) ، الشوارع كما هي لم تتغير ، و الناس كما هم لم يتغيروا ، لا سكان المريخ احتلوهم ، و لا هجوم من الزواحف الضارية هدموا بيوتهم ، الهدوء هو السيد في هذا الحي ، ما بك يا ( رفعت ) ، ما هذه الأفكار الرهيبة التي تتخيلها ، حرام عليك ، اترك الناس في حالهم ، و واصل طريقك ، و عقلك منتبه ، و إلا ذهبت في خبر كان ..
ها هو المكتب .. كما توقعت الدكتور ( فريد ) ينتظر أمام سيارته ، أوقفت سيارتي بالقرب منه ، و أنا أقول بحدة :
- ما هذا يا دكتور ( فريد ) .. ألم نتفق أن نذهب إلى العجوز الساحر ، عندما أقرر أنا ذلك ؟..
- لا بأس من بعض التغيير يا عزيزي .. فأنا لا أطيق صبرا ، لكي أعرف هل للساحر علاقة له بالأمر أم لا ..
قال هذا ، و هو يجلس بجانبي في سيارتي ، ليرسم على شفتيه ابتسامة جميلة لكنها في نظري مقيتة للغاية ..
قلت له بعصبية ، و أنا أقود السيارة في بطء :
- حسن يا دكتور .. أتمنى أن يسير كل شيء على ما يرام .. لو تكرمت هل يمكنك أن تخبرني أين يقطن هذا الرجل الساحر ؟..
أجابني في بساطة :
- ليس بعيدا من هنا على بعد شارعين من مكتبي ، شقته ؟أمام محل تجاري مشهور في حي راق ..
- يا له من ساحر راق جدا ..
قلت عبارتي الأخيرة في استهزاء ، و أنا أوقف سيارتي ، أمام الشقة التي قام بوصفها لي الدكتور المحترم جدا ..
سألني الدكتور ( فريد ) فجأة :
- ماذا ستقول له ؟..
ألم تفكر في هذا أيضا ؟..
قلت هذا في سري ، و أنا أجيبه في هدوء :
- سوف أسأله مباشرة .. هذا كل شيء ..
صعدنا إلى شقة العجوز في صمت مهيب دون أن يهمس أحدنا بكلمة واحدة ، و عندما وصلنا باب الشقة ، بلعت ريقي ، و أنا أنظر إلى رمز لجمجمة ، على أعلى الباب ، فقلت في همس :
- ما رأيك في هذا يا دكتور ؟.. أليس هذا شاذا ؟..
قال الدكتور ( فريد ) و هو يطرق الباب في توتر واضح :
- هذا عادي بالنسبة لما سمعنا عنه .. أليس ساحرا !!! ..
فتح الباب في هذه اللحظة ليطل علينا وجه غريب الملامح قليلا ، ربما بسبب العينان المخيفتان ، و الوجه المجعد و الرأس الأصلع ، و صوته المرعب الذي تساءل في دهشة ، لتبرز أسنانه الصفراء المخيفة :
- ماذا تريدان ؟..
- مرحبا .. جئنا لطرح بعض الأسئلة عليك ..
قلت جملتي ، و أنا أنظر في عينا الرجل في هدوء ، محاولا بث الطمأنينة في قلبه ، على الرغم من نظراته التي يبثها لنا كلها شك وقلق ، فقال في صرامة :
- هل لي أن أعرف ما نوع هذه الأسئلة ؟..
قال الدكتور ( فريد ) في سرعة :
- إنها أسئلة تدخل في مجال تخصصك ..
نظر إليه العجوز قليلا ، و أنا أتساءل هل سيوافق الرجل أم لا ؟.. و لكني شاهدت العجوز يفسح لنا الطريق قائلا :
- إذا كان هذا ما تريدانه ، فتفضلوا ..
يعرف أصول الضيافة حقا ..
دخلنا إلى شقة العجوز .. لا لم تكن هناك كلاب سوداء ، أو قرون معلقة ، إنها شقة عادية جدا ، ما عدا كتاب أسود عتيق جدا بجانب بلورة معتمة ، على سجادة أنيقة جدا .. ذوق هذا الرجل عال جدا ..
- والآن أيها السادة هل يمكن أعرف ما الذي تريدوا أن تسألوني عنه ؟..
قلت في هدوء و أنا أتأمل محتويات باقي الشقة :
- إنه أمر يتعلق بصديق يدعى ( بلال ) ..
ما أن سمع العجوز هذا الاسم حتى قال في ضيق واضح :
- إذا كنت تقصد صاحب الشعر الأحمر .. فأقول لك أنه شاب متعجرف للغاية .. و لقد تشاجرت معه قبل مدة ..
سألته بنفس الهدوء :
- هل يمكن أعرف سبب هذا الشجار ؟..
إنه أمر تافه .. و لكنه جعل منه أمرا كبيرا .. لقد طلب مني أن أفحص قلادة ذهبية كان يمتلكها ..
- إلى هنا و هذا عادي ما الذي بعد ذلك ..
تردد العجوز قليلا ثم قال :
- لقد طلبت منه أعرف مصدر هذه القلادة ، و لكنه رفض أن يخبرني من أين حصل عليها ، و أنا بالتالي رفضت أن أفحصها ، فاتهمني بالشعوذة و النصب و الاحتيال ..
-وماذا فعلت أنت ؟..
بالطبع هاجمته في عنف ، و اتهمته بالعجرفة ، و قلة الأدب و الذوق ..
- فقط هذا الذي حدث ..
- نعم ..
قال الدكتور ( فريد ) في قلق :
- إذا أنت لم تقرأ عليه تعويذة ما ..
تساءل العجوز في دهشة :
- لماذا ما الذي حدث له ؟..
طلبت من الدكتور ( فريد ) أن يروي كل شيء بالتفصيل على العجوز .. و بعد أن انتهى صديقي المحترم من روايته قال العجوز بدهشة كبيرة :
- هذا مدهش للغاية .. لكني أؤكد لكما أنه ليس لي علاقة بالموضوع .. بالمناسبة ، هل يمكنني أن أفحص القلادة ..
أخرجت القلادة من جيبي ، و أنا أقول في اهتمام :
- أعتقد أن جزءا كبيرا لحل المشكلة يكمن في كشف غموض هذه القلادة ..
التقط العجوز القلادة في لهفة ، و ألقى عليها نظرة طويلة ، قبل أن يقول في هدوء :
- اتركها في حوزتي ليوم واحد ، و سوف أحاول أن أفهم لغزها ..
قال الدكتور ( فريد ) في قلق :
- وهل يمكنك أن تكشف سر غموضها ..
قال العجوز و هو يتجه إلى كتابه الأسود في بطئ :
- هذا يتوقف على معرفة الرموز المنقوشة على القلادة .. لابد أن تتركها هنا كي أدرسها جيدا ، تعال غدا ، من المحتمل أن أكون قد حللت هذه النقوش ، و كشفت سرها ..
ما الذي يقوله هذا العجوز ، أي هراء هذا .. ، و لكن الرغم من ذلك قلت له في ضيق :
- حسن .. و لكن حافظ عليها .. فهي ضرورية لنا ..
شاهدت العجوز يبتسم في غموض ، كيف عرفت أنه يبتسم في غموض ، ألست خبيرا بعد كل هذه السنين .. ليقول :
- لا تقلقوا .. تأكدوا أنني كلي شوق لمعرفة فك هذه الرموز .. لأنها تمثل لي كشفا جديدا ، ربما تساعدني في العمل الذي أسعى لإتقانه ..
تأملت العجوز بعمق ، و أنا أنظر إليه بقلق .. ما هذا ؟.. ( رفعت إسماعيل ) يصدق كلام ساحر .. ما هذه الترهات .. و لكن يبدو أنه ليس هناك طريقا آخر .. ، نظرت إلى الدكتور ( فريد ) نظرات لا معنى لها .. ، و أخيرا قال كلمته الخالدة :
- لنغادر المكان ..
بالطبع لنغادر .. فتح الله عليك يا دكتور ( فريد ) ..
غادرنا الشقة الكئيبة ، و أنا متأكد من نظرات العجوز التي تشع بالغموض تشيعنا .. إنه شعور لا يفارقني منذ أن وطئت هذه الشقة .. نزلنا الدرج ببطيء ، و كلانا يسبح في أفكاره السوداء اللانهائية .. حتى وصلنا السيارة ..
- سوف أقود عنك هذه المرة .. أعتقد أنك متعب ..
قال دكتور ( فريد ) هذه العبارة ، لأستيقظ من أفكاري السوداء ، و أنظر في وجهه بضيق ، فكرت قليلا ، أريد مكانا ، أريح في أعصابي ، و أطرح تساؤلاتي .. هل يمكن ذلك ؟..
أ- أرجو أن تذهب بنا إلى مكان عام مريح للأعصاب ..
قلت له هذا ، و أنا أغمض عيني ، في تفكير ، عميق ..
- حسن .. هناك مكان قريب أعرفه .. سوف تشعر بالراحة .. أنا متأكد من ذلك ..
- أتمنى أن تكون صادقا يا عزيزي ..
- بعد قليل سوف نصل .. تأكد من ذلك ..
القلادة .. الأشباح .. اللعنة .. الحب .. ( ماجي ) .. أين أنت يا ( ماجي ) .. لماذا لم نتزوج .. لماذا أصبحنا هكذا .. بدون زواج .. بدون عائلة .. بدون أطفال .. دكتور ( لوسيفر ) .. هل سيقتلني في آخر الأمر .. هل سيمل مني .. جانب النجوم .. لماذا كانوا غاضبون مني .. أنا مسكين .. أحتاج إلى الراحة .. راحة طويلة جدا .. أخطار و ظواهر و متاعب و آلام و حب فاشل ، ( هويدا ) .. ( عزت ) ..
- لقد وصلنا أيها النائم .. لقد وصلنا ..
- (بلال ) .. أحقا ستقتله الأشباح .. و هل أستطيع مساعدته ؟.. و ماذا عن العجوز ؟.. أنا لا أرتاح له .. و دكتور ( فريد ) .. لماذا صوته عالي ، حتى ، و أنا غارق في الأحلام ، يخترق صوته أذني ..
- لقد وصلنا .. استيقظ ..
حقا إنه دكتور ( فريد ) .. فتحت عيناي في بطء ، و أنا أنظر إلى الدكتور ( فريد ) الذي نظر إلى بدهشة غريبة .. كأنه يتساءل :
كيف ينام بهذا العمق ؟..
أنا مرهق أيها الأحمق .. أتعبتني السنون .. أهلكتني الأيام .. على أية حال هذا قدري و يجب أن أسير فيه إلى نهايته ..
- حسن يا دكتور .. أنت متأكد أنه مكان مريح ..
- نعم أنا متأكد ..
ترجلنا من السيارة .. و ذهبنا .. و جلسنا .. و طلبنا .. كوبان من عصير البرتقال البارد ..
- حسن يا دكتور ( رفعت ) .. هل عندك أفكار يمكن أن تفيدنا ..
- لا أعلم هل تفيدنا أم لا ؟.. المهم .. أولا : ما دور القلادة في مجابهة الأشباح ؟.. و هل هي كافية ، لأن تبعد الخطر ، أم أنّ هناك أمر آخر .. أمر أقوى بكثير من القلادة .. و هل فك رموز القلادة ، سوف يفيدنا ، أم أنه سوف يزيد الأمور تعقيدا .. و في النهاية ، هل تعتقد أن الساحر صادق ؟ .. ألا تشك أنه سوف يستولي على القلادة ؟.. ما رأيك في كل هذا ؟..
أجابني ، و هو يرشف العصير في بطء ، و ينظر إلى أعلى متأملا السماء في عمق ، و هو يقول في هدوء :
- أسئلتك .. تحتاج إلى أن نغوص اللغز إلى نهايته لكي نعرف هذه الأجوبة .. و بالنسبة للساحر لم يكن أمامنا خيار لابد لنا من تصديقه .. هل لديك اقتراح آخر؟..
و أي اقتراح .. لابد أن أنتظر إلى الغد .. لكي نذهب إلى العجوز .. ثم ماذا عن ( بلال ) كيف يقضى وقته الآن .. هل يستطيع التكيف مع هذا الأمر المخيف .. و هل يستطيع في النهاية أن يحقق حلمه ، و يتزوج من حبيبته ، على الرغم من كل المخاطر التي تحيط به ، و تهدده في أية لحظة .. مسكين هذا الشاب ، ألم يجد سوى هذه الفتاة ..
- هل عدت إلى تأملك مرة أخرى ؟..
دكتور ( فريد ) مرة أخرى ..
- لا .. لقد كنت أفكر .. ليس أمامنا إلا الانتظار إلى الغد .. ربما يكون العجوز قد فك الرموز ، و اكتشف السر ..
نعم الانتظار .. فقط الانتظار ..
***
هذا الفصل يرويه العجوز الساحر بنفسه ..
5- سر القلادة ــــــــــــــــــــــــــــ
لماذا اتجهت إلى السحر و الشعوذة ، هل هي أسباب خاصة بي ، أم أن هناك أسباب أخرى .. لا أعلم .. أعرفكم بنفسي أنا أدعى ( نادر ) أبلغ خمسون عاما .. كثير .. لا أعتقد ذلك .. هوايتي .. لابد أنكم عرفتم .. السحر و ما يتعلق به من أشياء غريبة .. ما علاقتي بالقصة هذه .. حسن لا تتعجلوا .. سوف أقول لكم .. البداية .. أين كانت البداية ؟.. تذكرت .. كنت يومها في شقتي أطالع كتابا جديدا حول اللعنات ، و أسرارها .. و فجأة سمعت صوت طرقات على الباب .. ذهبت لأرى من الطارق .. فتحت الباب .. و فوجئت بشاب ذو شعر أحمر طويل .. يقف مرتبكا ، و هو ينظر في وجهي في خوف .. هل أنا مخيف إلى هذه الدرجة ؟ .. أنا لا يهمني ذلك .. لأنني أعلم أن عقولهم فارغة لن تستطيع التوصل إلى ما وصلت إليه من علم كبير .. تأملته بدقة ، و أنا أرصد ملامح القلق الواضحة على وجهه ثم حاول التخلص من كل هذا ليقول بصوت منخفض خوفا من أن يسمعه :
- لقد دلني بعض الأصدقاء عليك .. أريد استشارتك في أمر ما ..
فكرت في جملته ( دلني بعض الأصدقاء عليك ) .. هكذا إذن يتم الأمر .. لم أطل في تأمله كثيرا بعد جملته الأخيرة حتى لا أزيد من قلقه أكثر ..
- تفضل .. و لكن تذكر أن وقتي محدود ..
دلف الشاب إلى الداخل ليتأمل محتويات الشقة في استغراب ، ثم جلس إلى أقرب مقعد إليه ..
- حسن أيها الفتي ما هي استشارتك ؟..
أخرج الشاب من جيبه قلادة غريبة خفق لها قلبي في عنف ، أنتم تعرفون أنني أهتم كثيرا بأشياء كهذه ، لأني من النظرة الأولى عرفت أنها تعود لزمن بعيد جدا .. لا تستغربوا .. خبرتي في هذا المجال كبيرة ..
- أولا أحب أن أقول لك أن اسمي ( بلال ) ، و أريد رأيك بشأن هذه القلادة ..
تناولت القلادة في لهفة .. و أنا أسأله في اهتمام :
- من أين حصلت عليها ؟..
نظر إلى الشاب في دهشة ، و هو يقول في عنف :
- ليس هذا من شأنك .. كل ما أريده منك ما الذي تعرفه عن هذه القلادة ؟..
يبدو أن هناك سرا خطيرا يخفيه هذا الشاب .. لن أستسلم بسهولة يجب أن أعرف مصدر هذه القلادة .. أنا متأكد أن ورائها أسرارا كبيرة ..
- يبدو أنك لم تعرفني جيدا أيها الشاب .. أريد أن أعرف مصدر هذه القلادة حتى أستطيع أن أجيب أسئلتك .. ما رأيك ؟.. هل ستخبرني أم لا ؟..
يبدو أن الشاب سوف ينفجر ، هذا ما لاحظته من نظراته الحادة وقفته الصارمة و جملته الحادة :
- أنا مخطئ لأنني أتيت إلى هنا .. أنت لست سوى ساحر مشعوذ سخيف ..
ماذا يقول هذا الشاب ؟.. هل يتهجم على في شقتي ؟.. سوف أريه حجمه إذن ..
- تأدب أيها الشاب .. أنت في بيت محترم ..
- محترم .. هذا واضح للغاية .. خطأ حياتي أنني أتيت إلى هنا ..
- للمرة الأخيرة أقول كن هادئا .. و لا تفقد أعصابك .. و إلا ..
- هل تهددني أيها العجوز الأخرق ؟؟.. أنت وقح للغاية أيها الساحر ..
- لا الأمر زاد عن حده .. رجل في مكانتي ، و يعامل هكذا ، و أين في بيتي .. لا أنا لن أقف ساكنا .. بالطبع دفعته بيدي ، و أنا أصرخ في وجه :
- هيا اخرج ولا تعد إلى هنا أبدا .. هل فهمت ذلك أيها الغر التافه؟ ..
الحقيقة أن الشاب صدم من ردة فعلي .. هذا جيد يستحق ذلك .. و بسرعة اتجه نحو الباب ، و هو يرمقني بنظرات نارية مخيفة .. أنا لم أبالِ ، فمن يكون هذا الشاب لكي يشعرني بأي ذرة من الخوف .. المهم أنه فتح الباب ،وقبل أن يغلقه خلفه قال كلمة واحدة :
- سوف تندم ..
ماذا يعني هذا الشاب هل يهددني .. لن يستطيع أن يفعل شيئا مجرد شاب أعصابه مرهقة من أمر ما يشغله .. أنا متأكد من ذلك .. هناك شيء ما يقلق الشاب ، و هو ما جعله يفقد أعصابه هنا .. مثلما قلت لكم ، خبراتي عديدة ..
لقد جعل حلقي يجف .. اتجهت إلى المطبخ ، و فتحت الثلاجة ، و تناولت زجاجة عصير باردة .. و صببت لي كوب ، و تناولته ببطء ، و عقلي معلق بالقلادة .. حقا إنها تستحق الاهتمام .. و لكن يجب أن أكتشف سرها .. اتجهت إلى المكتبة و بحثت عن الكتب التي تتحدث عن القلادات الغريبة و الظواهر الغامضة .. للحق لم أجد هذا الكتاب .. ماذا أفعل ؟.. يجب أن أعرف و أعلم و أكتشف هذه الأسرار ، عقلي لا يتحمل هذا الغموض .. لأدع هذا إلى الغد .. أما الآن أنا مرهق للغاية .. سوف أنام ..
***
هناك حركة غامضة في الشقة لقد شعرت بها .. هناك من يتحرك .. أنا متأكد من ذلك و لكن يجب أن أتماسك .. أتماسك .. أحقا ما أراه .. يا إلهي !! ..
***
أحلام و كوابيس .. هذا ما شعرت به ، و أنا أغوص في دوامة النوم .. قلادة عجيبة تتوهج ، بألوان مختلفة .. أريد أن أعلم .. هذا حقي .. أنا الآن في طريق طويل واسع .. و في نهايته .. منزل أسطوري .. كيف عرفت ذلك ؟.. لا داعي لترديد أنني خبير غير ذلك .. هل أتجه إلى هذا المنزل .. و لكن لماذا أشعر بالقلق و الخوف .. يبدو أن هناك أمرا ما .. تقدمت ببطء ، و أنا أتلفت حولي في توتر .. لماذا أشعر أن هناك عيونا تراقبني .. عيونا براقة لامعة .. و صوت زمجرة يأتي من بعيد .. على الرغم من كل هذا أتقدم .. يجب أن أعرف السر لن أتراجع أبدا .. مهما يكن .. هذا قدري .. البحث ، و المعرفة .. المنزل يقترب شيئا فشيئا .. أشجار مخيفة يغطيها الليل الحالك من كل جانب .. وصلت المنزل ، تلفت حولي مرة أخرى .. لماذا أشعر بالقلق ؟.. الباب .. أقصد البوابة حقا كانت بوابة تاريخية ، سال لها لعابي ..بضعة جماجم تزينها .. دفعت البوابة .. و دخلت .. الحديقة المقفرة الغامضة المخيفة .. و الجدران المتهدمة على الجانب إلى الآخر من الحديقة .. اتجهت بخطوات سريعة .. باب المنزل الموارب .. لماذا هو موارب ؟.. لم أبالِ .. دفعت البوابة، و قلقي يزداد .. الظلام الحالك لا أستطيع رؤية شيء.. ما هذا الذي في جيبي، و شعرت به الآن .. أخرجته .. كشاف .. هذا جيد لا أعلم كيف أتى إلى جيبي, أنرته ، و أنا أتقدم صالون كبير ، و ثلاث حجرات في الطابق الأعلى .. أين أذهب ؟.. سوف أستكشف الحجرات .. الحجرة الأولى ..لا شيء فيها سرير قديم .. و طاولة ..
الحجرة الثانية .. مكتبة .. هذا جيد .. فحصت الكتب .. أغلبها موجودة في مكتبتي ، و لكن هذا الكتاب إنه الذي أبحث عنه تناولته و أنا أقلب صفحاته في سرعة .. ما هذا ؟.. كلها صفحات فارغة .. لا شيء مكتوب .. لماذا ؟.. أريد أن أعرف .. أن أعلم ..
الحجرة الثالثة .. لا شيء فيها سوى .. رسم كبير لقلادة كبيرة على الجدار الأمامي .. حقا إنه تشبه القلادة التي رأيتها مع الشاب .. هذا غريب .. كيف أتت هنا؟ ، و ما علاقتها بهذا المنزل؟ ..
صوت الزمجرة يصل إلى مسامعي .. المنزل تصدر منه أصواتا غريبة عجيبة .. أخرج من الحجرة بسرعة ، و أنا أتلفت .. و أنزل إلى الصالون .. الأصوات تتزايد ..
- أين ستهرب أيها العجوز ؟..
من قال هذا ؟.. يا إلهي !! ..
- مهما حاولت ستموت ..
صرخت بأعلى صوت هاتفا :
- من أنت ؟..
و فجأة ظهر أمامي شاب له ملامح قاسية و جسده الشفاف تنبعث منه شرارات مرعبة و هو يقول بصوت له رنين مرعب :
- كما قلت لك أنت ستموت .. لن تكشف سرنا أبدا ..
أي سر .. أنا في حلم .. نعم أنا في حلم ..
- مهلا أنا في حلم فكيف ظهرت أنت ؟..
ابتسم الشاب كاشفا عن صف من الأسنان النارية .. قائلا :
- من الواضح أنك لم تفهم شيئا .. أنا شبح .. و عالم الأحلام من السهل الغوص في أعماقه ، و أنت خطر على وجودنا ..
خطر .. لماذا ؟.. لأني أبحث عن المعرفة ..
- أي خطر هذا ..
- يجب أن تموت .. يجب أن تموت ..
سمعت جملته الأخيرة التي كررها بتلذذ و هو يقترب مني رويدا رويدا ..
صرخت .. و صرخت .. و صرخت .. و فجأة ..
استيقظت من النوم والعرق الغزير يغمرني .. الحمد لله ..كان كابوسا مرعبا .. رهيبا .. لقد أوشك قلبي أن تتوقف نبضاته من شدة الرعب و الخوف ..
غادرت السرير .. و نظرت إلى ساعتي .. الخامسة صباحا .. لا بأس .. سوف أذهب إلى المكتبة العامة .. يجب أن أجد الكتاب ..
تناولت الإفطار .. و ارتديت ملابسي .. و خرجت ..
المكتبة العامة .. أخيرا وصلت .. دلفت إلى المكتبة ، و بسرعة اتجهت إلى القسم الخاص .. بالكتب القديمة .. اللعنات .. الظواهر الغريبة .. السحر و الشعوذة .. نعم هذا هو الكتاب .. أسرار الماضي القديم .. تصفحت الكتاب بسرعة لكي أتأكد ، و بالفعل وجدت الرسم المميز للقلادة .. أخيرا .. أخذت الكتاب ، و عدت أدراجي إلى الشقة .. و وضعت الكتاب على طاولة قريبة من مقعدي المفضل ، الكتاب لونه أسود غريب ..
أنا جائع .. أكلت القليل من الطعام .. و جلست على مقعدي المفضل .. و قبل أن أقرأ كلمة واحدة ..
طرقات على الباب ..
من هذا يا ترى ؟..
ذهبت لأرى من الطارق .. فتحت الباب .. طالعني عجوزان أحدهما مظهره راقي ، و الآخر يشبه مومياء محنطة .. و كان يرمقني بنظرات غريبة .. هل هو كائن من كوكب آخر؟ ..
- نريدك استشارتك في أمر ما ..
صمت لحظة ، و أنا أنظر في إليهما في عمق .. ثم أشرت لهم قائلا :
- تفضلا إلى الداخل ..
نظرت إلى الذي يشبه المومياء ، و هو يتأمل محتويات الشقة في فضول ، و يلقي نظرة طويلة على الكتاب الأسود كأنه يريد ، أن يسبر أغواره ..
- حسن .. تفضلا بالسؤال ..
قلت هذا ، و أنا أنتظر لما سيقولانه .. هل هو أمر مهم للغاية ، أم هو أمر تافه ..
- أحب أن أعرفك بنفسي ، أنا الدكتور ( رفعت إسماعيل ) ، و زميلي الدكتور ( فريد نافع ) ..
هذا جيد .. دكتور ( رفعت ) و دكتور( فريد ) لماذا أشعر أنني سمعت اسم الدكتور( رفعت ) ربما ..
- هناك قلادة معي أريد رأيك بشأنها ..
أخرج القلادة من جيبه و ناولها لي .. يا إلهي إنها نفس القلادة التي كانت مع الشاب ، يجب أن أكتم انفعالاتي جيدا حتى لا يلاحظا شيئا .. أخيرا عادت القلادة لي .. هذا مذهل ..
- حسن .. ما علاقة الأمر برأي في القلادة ..
قال الدكتور ( رفعت ) :
- هناك شاب يدعى ( بلال ) ذو شعر أحمر ، تهاجمه الأشباح في كل منزل يسكنه أما هذه القلادة فهي ما يبدو أنها تبعد الخطر عنه مؤقتا ، لذا نريد معرفة السر وراء ذلك ..
إذن اسمه ( بلال ) .. أنا أعذره إذن ، فمن تهاجمه الأشباح في كل مكان .. فهذا أمر يدعو العصبية الشديدة .. و لكن على الرغم من ذلك قلت في حدة :
- ذلك الشاب الأخرق ، تشاجر معي ، لأني أردت معرفة من أين حصل على هذه القلادة .. فلم يخبرني ، و اتهمني بالشعوذة ..
- اعذره .. فأعصابه هذه الأيام على شفا الانهيار ..
تأملت القلادة مرة أخرى في شوق ، و أنا أقول في هدوء :
- حسن ، سوف أحاول اليوم فك رموزها ، اتركوها عندي ، و أقبلا غدا ، ربما تكون عندي أخبار جديدة ..
نظر إلى الدكتور ( رفعت ) في قلق و شك .. أنا أعلم أنه يشك ، و لكن ليس أمامه بديل ، فهو لن يخسر شيء ..
- حسن نحن موافقان ..
تبعتهما حتى أوصلتهما إلى الباب ..
القلادة ، و أسرارها .. يجب أن أبحث .. اتجهت إلى الكتاب الأسود ، و قلبت صفحاته ، حتى عثرت على الرسم المميز للقلادة .. الرموز واضحة ، و ترجمتها واضحة .. يا إلهي ما هذا ؟.. إذن هنا تكن نقطة الضعف .. ورقة و قلم أين أجد ورقة .. أخيرا وجدت ورقة ..
كتبت بسرعة الترجمة ، و النقش .. هذا رهيب للغاية .. الأمر أعقد مما تصورته .. على الرغم من ترجمتي لهذه الرموز فما تزال هناك أمور عديدة تحتاج إلى تفسير .. على سبيل المثال ، الصوت الغامض الذي ينبعث من حجرة المكتب .. لحظة هذا صحيح .. هناك صوت غامض ينبعث من حجرة المكتب .. في الحقيقة شعرت بالقلق .. تركت الورقة لتسقط على الأرض .. و اتجهت إلى حجرة المكتب .. فتحت الباب في بطء ، نظرت إلى الداخل .. لا أحد فمن الذي أصدر هذا الصوت .. دخلت المكتب ، و أنا أرمق الكتب في توتر .. ذكرى الكابوس ، تعود إلى عقلي بنفس التفاصيل ، و خاصة الشبح الذي قال ، أنني يجب أن أموت .. أنا خائف .. الصوت لم يتوقف .. ما زال ينبعث .. و لا أعرف مصدره .. و فجأة سمعت .. جملة من كلمتين ..
- سوف تموت ..
يا إلهي إنه نفس صوت الشبح الذي رأيته في الكابوس .. هل حانت نهايتي؟ .. صرخت بأعلى صوتي مرددا :
- عرفت نقطة ضعفك .. لن تستطيع إيذائي أبدا ..
انبعثت ضحكة ساخرة من منتصف الحجرة لتزيد من خوفي و الرعب الذي تزايد في قلبي .. و فجأة ظهر .. نفس الملامح القاسية ، و الأسنان النارية ، و النظرة الصارمة الحاقدة .. هل هذا كابوس آخر .. أم أنه حقيقي ..
- مثل ما قلت لك سوف تموت .. لقد كشفت نقطة ضعف فينا .. و يجب أن يدفن سرك معك ..
ماذا يقول ؟.. هل يريد قتلي ؟.. و لكن كيف ؟.. إنه شبح ..
- لعلك تتساءل كيف أقتلك و أنا مجرد شبح ..
ضحك ضحكة مرعبة وهو يضيف :
- هذا سهل جدا ..
الحقيقة أنني لم أنتظر لكي يبرهن كيف يقتلني و هو مجرد شبح ، غادرت الحجرة المكتب في سرعة .. و سمعت صوت ضحكاته الساخرة تلاحقني .. هل هذه النهاية .. أين وضعت القلادة؟ .. لقد قال الدكتور ( رفعت ) أنها تبعد الخطر مؤقتا .. يجب أن أعثر عليها قبل أن يجدني .. لماذا نسيت أين وضعتها الآن؟ .. أهذا وقته؟ .. سمعت صوته خلفي يقول :
- لا فائدة من هربك ..
نظر إلى الكتاب الأسود و هو يضيف :
- إذن هذا الكتاب الذي استعنت به لكي تعرف نقطة ضعفنا ..
لن تصدقوا ما حدث .. لقد حدق في الكتاب في شراسة ، و فجأة اشتعل الكتاب ليصبح رماد .. لا فائدة يبدو أنه سوف ينال مني ، حاولت أخرج من باب الشقة ، و لكنه أغلق على الطريق ، و هو يقول في شراسة :
- قلت لك لا فائدة .. هذه نهايتك ..
لن أستسلم ، ذهبت إلى المطبخ ، النار .. سوف أحاول عن طريق النار ربما أستطيع أن أبعده عني .. أشعلت الموقد ، و جلبت قطعة قماش ، و أحطتها بقطعة خشب .. لقد أتى ..
- هل تعتقد أن النار يمكن أن تنال مني .. إذن أنت مخطئ ..
ما هذا ؟.. اقترب مني رويدا رويدا .. و هو يمد يده نحوي ، و فجأة أحسست برأسي يذوب ، و عقلي ، يحترق .. هل أنا أموت .. هل هذه النهاية ..
***
|