كاتب الموضوع :
hind2006
المنتدى :
الارشيف
جرى عمر ذي الربيعين من العمر نحو حضن والدته وهو يصرخ باكيا، وبكلمات متقطعة غير مفهومة كان يشير لأخته سندس التي أبت أن تقسم معه قطعة من البسكويت
صرخت نادية في ابنتها وقد ارتفع ضغطها: - سندس أعطي أخاك بعض البسكويت
هزت الطفلة ذات الأربع سنوات كتفيها غير مبالية بصراخ والدتها ثم ابتعدت عن المكان، لم تستطع الأم حينها سوى إلقاء بعض الشتائم واللعنات على ابنتها وهي تحاول جاهدة أن تهدئ من روع ابنها الذي ارتفع صراخه:
- حسنا حبيبي لا تبكي عندما سنعود إلى البيت سأعطيك البسكويت الذي تحب ولن أعطي سندس أبدا منه.
باءت محاولتها بالفشل لأن الطفل لم يتوقف عن البكاء ومطالبتها به الآن وبكلمات غير واضحة: - إيدوه الآن (أي أريده الآن)
تنهدت نادية بضيق: - يا إلهي من أين سأحضره لك الآن؟
وعندما لمحت التكشيرة في وجهه التي تسبق موجة أخرى من البكاء الجالب للصداع حاولت أن تلاطفه بادعائها: -لقد اتصل بابا الآن وقال أنه أحضر لك حلوى كثيرة وبسكويت
غير أن محاولاتها باءت بالفشل وكادت تفقد أعصابها وتصفعه.
نظرت إلى والدتها التي تجلس منذ مدة بالقرب منها، لكنها فاقدة الإحساس، لا تشعر بوجود أحد حولها، لا يضايقها صراخ الأطفال ولا تزعجها الفوضى التي يحدثونها، لقد اختارت أن تهرب منذ وفاة والدها، عن هذا العالم وهي تنتظر أن تلحق به، ساكنة هادئة غير عابئة بالدنيا ولا بابنتيها، لم تبالي بما احتاجتاه وهما مجرد طفلتين صغيرتين في سن المراهقة، ولن تبالي وكل واحدة منهما قد شقت طريقها في هذه الحياة، شعرت بالغضب داخلها نحو هذه المرأة التي لم تعد تعرفها.
قطعت عليها حبل أفكارها صوت مفاتيح على باب الشقة، عرفت أنها ضحى التي عادت من عملها، وزاد غضبها أكثر، لا تعلم لماذا، ربما لأنها دائما كانت تنتقدها وكانت تحاول أن تكون الرقيب عليها في كل خطواتها، ولم تتنفس الصعداء إلا بزواجها وابتعاده عن هذا المنزل الذي تعتبره كالجحيم أو أسوء.
دخلت ضحى الغرفة فقبلت رأس والدتها وسلمت ببرود على أختها ثم نادت الطفلين لتقتسم بينهما الحلوى وقطع البسكويت التي أحضرتها معها
عندما ابتعد الطفلان كل واحد منهما في ركن بعيد عن الآخر يقضم حصته سألتها نادية بجفاء:
- كيف حال العمل معك؟
علمت ضحى أن نية أختها بطرحها لهذا السؤال ليس التحقق من أحوالها حقا وإنما لتشمت بها كما تفعل في كل مرة.. وبنجاح. فردت عليها باقتضاب:
- بخير
بعد مدة قصيرة من تخرجها من معهد الصحافة عينت ضحى في الجريدة التي تعمل بها حاليا لكنها إلى حد الآن لم تتمكن من كتابة ولو مقال واحد وبسيط في الجريدة، هذا ما أشعرها بالإحراج أمام أصدقائها القدامى الذين سمعوا خبر تعيينها بالجريدة الذائعة الصيت، والذين يسألونها كلما التقت بهم، متى سينزل أول مقال لها؟ فكانت تجيبهم ذلك الجواب الذي كرهته : - سيكون ذلك عما قريب
لم تكن تعلم متى سيأتي هذا الوقت، لم تكن لتأبه كثيرا للأمر رغم أن ذلك يزعجها حقا، إلا أن تلميحات أختها المتكررة والبغيضة كانت تجعلها أكثر غضبا لأنها لم تستطع بعد تحقيق ذلك النجاح الذي لطالما حلمت به وعاشت عليه.
قطعت عليها نادية أفكارها قائلة في سخرية ظاهرة:
- إذن متى سنرى لك مقالا بالجريدة، منذ متى تعملين هناك؟ شهرين؟
صححت لها نادية: - شهر وعشرون يوما
ردت نادية ساخطة: - وما الفرق..أليست هذه هي الجريدة التي كنت تتشدقين علينا بها
-أنا لا...
كانت تريد أن تصرخ في وجه أختها لكنها أخيرا ابتلعت الكلمات الساخطة التي كانت سترد عليها بها، فما الجدوى من أن تناقشها في مسائل تخصها هي وحدها،عضت على شفتيها من الغيظ قبل أن تقوم من مكانها معلنة: - سأذهب لتغيير ملابسي
ما إن ابتعدت ضحى حتى اتسعت ابتسامة على شفتي نادية، لطالما أحبت إغاظة أختها ومشاهدة وجهها يصبح مثل معجون الطماطم، إنها تعتبرها مثل جرعة مهدئة لأعصابها المتشنجة دائما بسبب الأطفال.
نزعت أزرار معطفها بعصبية ثم رمته على السرير، كانت لا تزال تغلي غيضا من الكلام اللاذع الذي استقبلتها به أختها، كم تكرها عندما تتصرف بتعالي، لطالما كانت أنانية وحقودة، وكأنها ليست شقيقتها، وكلأنهما لم تنزلا من بطن واحدة، وكأن الدماء التي تجري في عروقها ليست نفسها تلك الدماء التي تجري في عروق أختها، منذ وفاة والدهما أصبحت فتاة مختلفة تماما، واعتقدت أنه بعد وفاة والدهما ومرض والدتهما قد أصبحت حرة وتفعل بحياتها ما يحلو لها، لكن ضحى التي تكبرها بعامين كانت صارمة معها أكثر حتى من والديهما، وكانت تحاسبها على أخطائها المتكررة والتي وصلت إلى حد الفظاعة، كانت أياما سوداء من الخوف والترقب بسبب سوء تصرف أختها، ولم يرتح بالها حتى تزوجت من أحد أساتذتها الذين كانوا يدرسونها بالثانوية، لقد رفضت ضحى في البداية لأنها أرادت لأختها أن تنهي تعليمها، لكن مع إلحاح أختها وإقناعها بأن هذا ما كانت تريده وافقت على العريس الذي تقدم إليها، فكرت بعد ذلك بأنه كان الحل المثالي لهذه الفتاة وإلا كانت ستجلب لاسم العائلة فضيحة كبرى.
تناهى إلى سمعها صوت زوج أختها في الردهة، فابتسمت قليلا، فقد كان شخصا لطيفا وقد أحب أختها حد الجنون، فقط لو تعرف نادية ذلك، إنها محظوظة لأنها وجدت شخصا يحبها ويحنو عليها، بالرغم من معاملتها القاسية معه.
سمعته يسأل نادية عنها:
- هل ضحى هنا؟
-نعم ، إنها في غرفتها.
سمعته يسأل أختها: - هل هي نائمة، كنت فقط أريد أن أسلم عليها
نهضت من على سريرها ثم اتجهت حيث كان يقف، عندما رأت وجهه البشوش كل الألم الغضب الذين شعرت بهما قبل قليل زالا وعوضتهما ابتسامة مشرقة وصادقة وهي تقول بمرح: - أنا هنا.. كيف حالك عبد الله؟ وحال العمل؟
رد بمرحه المعهود: - إنني بخير وأنت؟
- بخير
- كيف هي أحوال العمل
حاولت أن تكون صادقة معه وتحكي له كل الصعوبات التي تواجهها لكنها لم تستطع خصوصا وأختها بالقرب منهما تحدق إليهما بصمت فأجابته محاولة أن تظهر السعادة في لهجتها: - إنه جيد...
ثم صمتت قليلا قبل أن تستطرد: - سأذهب لأعد الشاي
وقبل أن يعترض كانت قد توجهت إلى المطبخ لتحضير الشاي فقد كانت تحتاجه كثيرا، لعله يخفف قليلا من توترها.
|