كاتب الموضوع :
hind2006
المنتدى :
الارشيف
جلست كالعادة على مكتبها ضجرة حتى الموت، أخذت جريدة المساء وطالعت صفحاتها بإهمال، وفي النهاية قلبت الصفحة الأخيرة حيث توجد شبكة الكلمات المتقاطعة، لقد أصبحت مدمنة كلمات متقاطعة في المدة الأخيرة، فكرت في صوت مرتفع: - ديانة هندية قديمة؟ ...أمم... آه نعم البوذية
ثم انحنت على الورقة تملئ الفراغ قبل أن ترفع رأسها بانتصار فقد كانت تقترب من إنهاء حل الشبكة، لكنها جمدت لثواني في مكانها عندما لمحته بالقرب منها يسألها بتوتر: - أين أجد مكتب الآنسة إحسان القادري؟
تأملت الشخص الواقف أمامها كان طويلا جدا ونحيفا مقوس الظهر أسمر البشرة يدل الشيب الذي غطى معظم شعره الأجعد أنه في الخمسينات من العمر، تنهدت قبل أن تجيب:
- إنه هناك
وأشارت بيدها إلى حيث يوجد مكتب إحسان الفارغ ثم عادت لتشرح: - لكنها كما ترى ليست موجودة، لم تحضر بعد.
بان التوتر على وجهه، وبرزت نقاط صغيرة من العرق على جبهته، لاحظت ضحى ملفا أزرق بين قبضتي يديه المتعرقتين فدفعها الفضول لتسأله: - هل الأمر مهم؟
نظر إليها في تشكك قبل أن يحرك رأسه إيجابا وهو يقول في انزعاج:
- حسنا.. لا بأس .. سأعود مرة أخرى..في...
ودون أن يكمل جملته استدار عنها راحلا، كان مرتكبا، مترددا لا يعرف ما الخطوة التالية التي سيتخذها، شعرت ضحى به، وكأنه طفل صغير تاه عن منزله، ونسي طريقه إليه، فوقفت تناديه: - سيدي
توقف ثم استدار نحوها بسرعة وكأنه كان ينتظر أن يتخذ أحد القرار عنه ونظر إليها بأمل صامت قرأته في عينيه الخائفتين.
قالت بلطف: - سيدي، هل هناك ما يمكنني تقديمه؟
عادت إليه تلك النظر المترددة، لكنها طمأنته بعينيها، فتح شفتيه ليقول شيئا قبل أن يعود ليطبقهما عرفت أنه خائف، لكن من ماذا هذا ما لم تستطع استنتاجه فعرضت عليه أخيرا:
- يمكنك انتظارها، فمواعيد حضورها وانصرافها غير منتظمة، لكنها لابد أن تمر على المكتب في أي لحظة
سألها في تردد: - ألا تستطيعين التحديد أكثر في أي لحظة؟
ابتسمت له مطمئنة: - لا أدري.. لكنني متأكدة أنها ستمر من هنا.
اقترب من مكتبها وقد بدا عليه الإصرار هذه المرة: - حسنا سأنتظرها.
ابتسمت له راضية وأعطته كرسيا كان بالقرب من مكتبها ثم سألته: - هل تشرب شيئا؟
- كوب ماء من فضلك.
وفي طريقها نحو بوفيه الجريدة لتحضر له كوب الماء حاولت أن تفكر في السبب الذي يجعل هذا الغريب يطلب إحسان، يبدو أن الأمر ضروري.. بل إنه خطير، هل يتعلق بذلك التحقيق السري الذي تقوم به إحسان، قالت بأنها قصة جديدة ستثير ضجة كبيرة، لكنها لم تفصح لأحد عن موضوعها.
عندما عادت إلى مكتبها لمحت إحسان تقف بمواجهة ذلك الرجل والقلق باد على ماحياها، كان الرجل يمد لها بالملف الأزرق الذي رأته يحمله قبلا، عندما وقفت بالقرب منها لاذا بصمت مريب، أدركت ضحى أن شيئا ما يجري بينهما، وأن الملف الذي أخذته إحسان يحمل معلومات لا يمكن توقع مدى خطورتها. قدمت الكأس إلى ا لرجل دون أن تشعره أو تشعر إحسان بأنها قد لاحظت غرابة تصرفاتهما.
دفع الرجل محتوى الكأس إلى حلقه دفعة واحدة ثم أعاده إلى ضحى وعلى وجهه ابتسامة امتنان، كانت عينا إحسان تراقب تحركاتها وهي تبتعد عنهما وكأن الأمر بينهما لا يعنيها، ليس فقط لكونها مبتدئة في هذا المكتب، بل لأنها لا تدخل في أمور الآخرين ودس أنفها في ما لا يعنيها بالرغم مما هو مشاع حول طبيعة الصحفيين الفضولية، وحبهم للثرثرة.
***
دخلت المستشفى حاملة علبة الشكولاته التي تحبها صديقتها بين يديها، جالت بعينيها نحو المكان قبل أن تتوجه نحو قاعة الاستقبال حيث وقفت شابة جميلة مرتدية زي الممرضات، كان مستشفى خاص، لذلك لاحظت آثار النظافة العالية والأجهزة المتطورة والعناية الكبيرة بالمرضى والاستقبال الجيد للزوار، سألت عاملة الاستقبال التي ابتسمت لها بتكلف:
- أريد أن أزور مريضة دخلت البارحة إلى هنا.
- وما اسم النزيلة؟
ضحكت ضحى في سرها على كلمة "النزيلة" تلك بدل كلمة "مريضة"، لكن مع هذه المرأة حق فالمستشفيات الخاصة أصبحت تشبه إلى حد ما فنادق خمس نجوم من حيث الغرض التجاري الذي تقوم عليه أساسا والراحة التي توفرها والثمن الذي تطلبه.
- لمياء حقي
ردت ضحى بثقة
طلبت الموظفة منها الانتظار، ثم طبعت الاسم على لوحة مفاتيح الكمبيوتر وبعد لحظات قليلة رفعت رأسها إلى ضحى مبتسمة: - قسم الولادة غرفة رقم 12
وقفت ضحى مترددة قليلا قبل أن تسألها مرة أخرى: - وأين هو قسم الولادة؟
أشارت لها عاملة الاستقبال: - اصعدي الدرج ثم اتجهي يمينا
شكرتها ضحى ثم ابتعدت صاعدة الدرج وقبل أن تلتفت جهة اليمين كما أخبرتها عاملة الاستقبال لفت انتباهها شخص يخرج من إحدى الغرف تذكرته فورا عندما جاءت عينيها في عينيه، إنه الرجل الغريب الذي حضر إلى المكتب يطلب إحسان قبل يومين، لاحظت أن يرتدي بذلة بيضاء، هل هو طبيب، عندما حركت شفتيها لتبتسم له، أشاح ببصره عنها بتوتر واضح ثم عاد ودخل الغرفة التي خرج منها لتوه، ماتت الابتسامة على شفتيها، كان غريبا، ألم يتذكرها، لكن تصرفه أكد لها أنه رآها وتذكرها جيدا، لكن لماذا هرب منها؟
بقيت واقفة مكانها لحظات طويلة وهي تعيد في ذهنها تلك ذلك الوجه الذي شحب فجأة لدى رؤيتها وكأنه رأى شبحا، حرك قدميها أخيرا نحو غرفة صديقتها مجبرة نفسها على نسيان ما حصل، فكرت:
- على الأرجح إنه مجنون.
|