كاتب الموضوع :
hind2006
المنتدى :
الارشيف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا جزء بسيط من القصة أتمنى أن ينال رضاكم
كانا جالسين أحدهما مقابلا الآخر، ساد صمت طويل يلفه توتر كل منهما قبل أن يقطعه إسماعيل في نبرة حادة وحاسمة:
يجب أن نعلم الشرطة بكل ما وصلت إليه.
حرك رشيد يديه في الهواء وهو يشخر بسخرية فأكمل إسماعيل كلامه وهو يقف متوجها نحو الكرسي خلف مكتبه:
- إسمع يا رشيد الأمر في غاية الخطورة ولا أعتقد بأنه وقت تحقيق البطولات وإظهار الشجاعة، فالحقيقة الوحيدة التي تترائ أمامنا هي الخسارة، وأنا لا أريد أن أخسر أكثر مما خسرت حتى الآن.
رد رشيد في تحد: - لم تكن الخاسر الوحيد يا إسماعيل، لقد كنا كلنا، الجريدة وعالم الصحافة ، إن إحسان اختارت أن تكشف الحقيقة لكنها بالفعل لم تكن لتريد أن تموت، ليس فينا أحد يريد أن يموت، لكن المخاطرة أحد أسباب الوصول إلى الحقيقة في عالمنا، ولا أعتقد بأنك لا تريد معرفة الحقيقة.
- بل أريدها بالتأكيد. قال إسماعيل في حسم، ثم أكمل كلامه:
لكن أعتقد بأنه يجب علينا أن نشرك الشرطة بما قد نعرفه من معلومات هذا سيساعدنا على اكتشاف الحقيقة بأسرع وقت ممكن.
نهض رشيد من مكانه وهو يلهث من الغيض: - لا أفهم حقا يا إسماعيل، لم أعتقد بأن الصدمة كانت قوية عليك إلى هذه الدرجة، أنت تعلم جيدا أن الشرطة لو تدخلت في الموضوع، فهذا يعني أنه علينا أن نتوقف عن التحقيق، كما أن الشرطة مع احترامي الشديد لما لديها من وسائل في كشف الحقيقة، إلا أنها بالتأكيد قد تكشف كل أوراقها أمام الجناة وبالتالي فسيكون لديهم الوقت للمراوغة، وإخفاء الأدلة.
نظر إليه السيد إسماعيل مطولا وكأن كلام رشيد قد أقنعه، ثم قال في حسم:
حسنا سأترك لك المجال فترة بسيطة من الوقت ليس أكثر من أسبوعين لتسلمني تقريرك الصحفي كاملا، وإن لم تفعل...
قاطعه رشيد قائلا:
إلى ذلك الحين افعل ما تشاء، أما الآن فعلي الذهاب إلى مكتبي.
وقبل أن يقوم من مقعده، قال له اسماعيل لكن في نبرة أخوية أو أبوية صادقة:
- أرجو أن تكون حذرا، فأنا لا أريد أن أخسرك أنت أيضا.
ابتسم رشيد في أسى و قال: - لا تقلق علي كما أنني لست وحدي.
جلس إسماعيل على كرسيه الكبير والمريح وهو يقول:
- هل تتحدث عن تلك الصحفية ما كان اسمها؟
- ضحى
أحس بغرابة وهو ينطق اسمها، ربما كان اسمها عاديا مثل أي اسم آخر يسمعه، لكنه عندما يربطه بشخصها هي بالذات تصبح لديه رنة خاصة، يصبح اجمل اسم سمعه ونطق بأحرفه، يا إلهي لا يعقل أن يصل تفكيرك إلى هنا، فكر رشيد، إنها فتاة غريبة الأطوار، كما أن علاقتك بها لا تتعدى العمل.
- كيف تجدها؟ سأله إسماعيل
- لو عشت حياتي كلها لكي أفهمها فإنني بالتأكيد سأفشل.
- أنا أسألك عن عملها كيف تجده، وليس عن شخصها، رد إسماعيل ثم سأله في نبرة محذرة:
- لا أعتقد أنك بدأت تعجب بها؟
قام رشيد من مكانه وكأنه تلقى شتيمة لتوه وهو يرد على صديقه: - ماذا تقول هل أنت مجنون، أنت تعرف جيدا أنني مضاد للحب والإعجاب، أما عن اللهو فأنا لاأمانع، لكن ضحى ليست أبدا من النوع الذي يعجبني،أما عن عملها فأنا أقول بأنها ممتازة. والآن سأذهب قبل أن تسقط علي تهمة أخرى باطلا.
ثم خرج من الباب وهو يسمع ضحكة صديقه العالية، لكنه تذكر شيئا ثم عاد يواجهه قائلا:
- غذا لن نحضر إلى الجريدة أنا وضحى، ستكون لدينا مهمة خاصة، سنذهب عند لولا.
أشار له إسماعيل بيده معلنا عن موافقته: - في أمان الله.
***
فتحت باب المنزل، كان هادئا كما العادة باستثناء يوم الجمعة حين تأتي أختها نادية هي وأبنائها، لم تكن تعترض على الإزعاج الذي يحدثه الأولاد بقدر ما كانت تزعجها تعليقات أختها السخفية، والآن أضافت إلى ذلك موضوع بيع البيت. نزعت معطفها وحذائها ووضعتهما في المكان المخصص بالمدخل، ثم توجهت نحو الصالة الصغيرة لترمي حقيبتها وملف أوراقها على أقرب أريكة. ثم توجهت نحو غرفة والدتها، وقبل أن تدخل كانت الممرضة التي كلفتها ضحى برعاية أمها خلال النهار مقابل مبلغ شهري، قد خرجت من المطبخ، ابتسمت لها وهي تقول: - مساء الخير عزيزة، كيف كان يومك؟
ردت الممرضة التي تجاوزت الأربعين من عمرها بابتسامة هادئة: - بخير والحمد لله، و الوالدة أيضا بخير لقد تناولت طعامها قبل قليل وأعطيتها دوائها, أعتقد بأنه يجب علي الذهاب الآن.
- حسنا. ردت ضحى باقتضاب ثم انتظرتها حتى خرجت، ودخلت إلى والدتها التي كانت نائمة، أو أنها تتظاهر بذلك، فضحى لم تعد تفهم أمر أمها بتاتا، قبلتها على خدها، وغطتها جيدا قبل أن تطفئ نور الغرفة وتنسحب إلى الخارج.
****
لم تستطع النوم فقد كان تفكيرها مشغولا بأمر ما، تقلب زوجها في فراشه وهو يتأفف من الإنارة المسلطة على عينيه: -ألا يمكنك أن تطفئ هذا المصباح أريد أن أنام.
لم تكن لترد عليه، ليس لأنها لم تسمعه بل لأنها تتعمد ذلك، استدار نحوها ثم قال لها:
نادية أرجوك نامي الآن وغدا صباحا فكري كما يحلو لك.
- لا أستطيع يا يحى لا أستطيع أن أنام وأنا لم أسوي مسائلي مع ضحى
اعتدل يحى في جلسته وهو يتأفف ثم قال:
- إذا كنت تعتقدين بأنها ستبيع منزل جدتها فأنت تحلمين، أنت تعرفين أختك أكثر مني،لكن ما لا أستطيع أن أفهمه هو لماذا تريدين بيعه هل أنت محتاجة للمال؟ هل أنا مقصر عليك بشئ.
نظرت إليه نادية بشئ من الاحتقار قبل أن تقول:
وهل تعتقد بأن ما تصرفه علي وعلى أولادك يكفينا أو يسد حاجاتنا، لو أنك لم تفوت على نفسك فرصة الذهاب في تلك البعثة إلى الإمارات لكانت حياتنا أفضل مما نحن عليه، ولما احتجت إلى بيع المنزل.
شعر يحى بالغضب من كلام زوجته المستمر حول تضييعه لبعثة الإمارات تلك، تلك البعثة التي تركها لأحد أصدقاءه الذين كانوا في أمس الحاجة إليها أكثر منه، كما أنه لم يكن راغبا في الابتعاد عن زوجته وأبناءه، بالرغم من أنه لايلاقي منها إلا كل جفاء، نظر إليها في حسرة قبل أن ينقلب للجهة المقابلة ويتلحف جيدا حتى رأسه، وهو يتحسر على حبه الكبير الذي يكنه لهذه المخلوقة الجاحدة.
كانت شابة يافعة مليئة بالحيوية، لم تكن قد رأته يدخل باب الفصل وهي لا تزال ترقص و صديقاتها مجتمعات حولها منهن من تصفق ومنهن من تضرب الطاولة بيديها والثالثة تغني لها وهي قد شدت على خصرها منديل إحدى صديقاتها، ترقص بخفة متناغمة مع الموسيقى الصادرة من الأخريات. تنحنح حتى ينبأهن بوجوده، انتبهت إحداهن فتوقفت عن التطبيل، ثم توقفت التي كانت تغني عندما أشارت لها الأخرى بحركة من رأسها عن وجوده في الفصل، أما هي فصرخت فيهم غير منتبهة بعد لوجوده:
- هيا يا فتياة لماذا توقفتن، هيا أنا أحب ان أرقص على هذه الأغنية.
لكن لا مجيب، فاستدارت إلى المكان الواقف فيه، فشهقت بأعلى ما في صوتها واختبأت تحت إحدى الطاولات، كان منظرها طفوليا ومضحكا في آن، لكنه اغتال ابتسامة كادت تخون شفتيه، وحاول أن يكون جادا بصفته أستاذا للغة العربية في مؤسسة تعليمية محترمة وقال في لهجة صارمة:
إذا كنتن قد أنهيتن حفلتكن فاخرجن لتتممن ما تبقى من الاستراحة في الساحة حتى يدق جرس الحصة.
مرت الفتيات من أمامه مطئطآت رؤسهن من الحياء، فلربما كان هذا الموقف صعبا عليهن خصوصا أمام أستاذهن الجديد والبالغ الوسامة أيضا، هذا ما فكرت به كل منهن. إلا هي خرجت مرفوعة الرأس، بالرغم من أن وجهها قد أصبح قرمزي اللون بسبب الخجل والارتباك الكبير الذي جعلها تتعثر على إحدى الطاولات، لكنها عادت ورفعت رأسها ثم مضت قدما نحو الخارج. كانت إنسانة عنيدة ومغرورة، ربما هذا ما جعله يحبها، لكنه لم يعرف أبدا بأن الغرور والعناد قد يكونان يوما ما جحيما لحياته.
|