كاتب الموضوع :
منى توفيق
المنتدى :
البحوث الإسلامية
على أن هناك سببا هامّاً ، كان له دور في إثارة المتاعب حول أبي هريرة لكثرة تحدثه وحديثه .
ذلك أنه كان هناك يومئذ محدّث آخر يحدّث عن الرسول صلى الله عليه وسلم ويكثر ويسرف ، ولم يكن المسلمون الأصحاب يطمئنون كثيراً لأحاديثه ذلكم هو كعب الأحبار الذي كان يهودياً وأسلم .
*************
أراد مروان بن الحكم يوماً أن يبلو مقدرة أبي هريرة على الحفظ، فدعاه إليه وأجلسه معه ، وطلب منه أن يحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في حين أجلس كاتبه وراء حجاب ، وأمره أن يكتب كل ما يقول أبو هريرة ..
وبعد مرور عام ، دعاه مروان بن الحكم مرة أخرى، أخذ يستقرئه نفس الأحاديث التي كان كاتبه قد سطرها، فما نسي أبو هريرة كلمة منها .
وكان يقول عن نفسه :" ما من أحد من أصحاب رسول الله أكثر حديثاً عنه مني ، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو بن العاص ، فانه كان يكتب ، ولا أكتب " ..
وقال عنه الإمام الشافعي أيضاً : " أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره " .
وقال البخاري رضي الله عنه :" روي عن أبو هريرة مدرسة كبيرة يكتب لها البقاء والخلود " ..
وكان أبو هريرة رضي الله عنه من العابدين الأوّابين ، يتناوب مع زوجته وابنته قيام الليل كله .. فيقوم هو ثلثه ، وتقوم زوجته ثلثه ، وتقوم ابنته ثلثه. وهكذا لا تمر من الليل ساعة إلا وفي بيت أبي هريرة عبادة وذكر وصلاة . وفي سبيل أن يتفرّغ لصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم عانى من قسوة الجوع ما لم يعاني مثله أحد ..
وإنه ليحدثنا كيف كان الجوع يعض أمعاءه فيشدّ على بطنه حجراً ويعتصر كبده بيديه ، ويسقط في المسجد وهو يتلوى حتى يظن بعض أصحابه أن به صرعاً وما هو بمصروع .. ولما أسلم لم يكن يئوده ويضنيه من مشاكل حياته سوى مشكلة واحدة لم يكن رقأ له بسببها جفن .. كانت هذه المشكلة أمه فإنها يومئذ رفضت أن تسلم .. ليس ذلك وحسب ، بل كانت تؤذي ابنها في رسول الله صلى الله عليه وسلم وتذكره بسوء ..
وذات يوم أسمعت أبا هريرة في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يكره ، فانفضّ عنها باكياً محزوناً ، وذهب إلى مسجد الرسول .. ولنصغ إليه وهو يروي لنا بقيّة النبأ : "فجئت إلى رسول الله وأنا أبكي ، فقلت : يا رسول الله ، كنت أدعو أم أبي هريرة إلى الإسلام فتأبى علي ، وإني دعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره ، فادع الله أن يهدي أم أبا هريرة إلى الإسلام ..
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اهد أم أبي هريرة ، فخرجت أعدو أبشرها بدعاء رسول الله ، فلما أتيت الباب إذا هو مجاف ، أي مغلق ، وسمعت خضخضة ماء ، ونادتني يا أبا هريرة مكانك .. ثم لبست درعها ، وعجلت عن خمارها وخرجت وهي تقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .. فجئت أسعى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبكي من الفرح ، كما بكيت من الحزن ، وقلت : أبشر يا رسول الله ، فقد أجاب الله دعوتك .. قد هدى أم أبي هريرة إلى الإسلام .. ثم قلت يا رسول الله : ادع الله أن يحبّبني وأمي إلى المؤمنين والمؤمنات ..
فقال : اللهم حبّب عيدك هذا وأمه إلى كل مؤمن ومؤمنة .
*************
وعاش أبو هريرة عابداً ، ومجاهداً.. لا يتخلف عن غزوة ولا عن طاعة .
وفي خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولاه إمارة البحرين .
وعمر كما نعلم شديد المحاسبة لولاته . إذا ولّى أحدهم وهو يملك ثوبين ، فيجب أن يترك الولاية وهو لا يملك من دنياه سوى ثوبيه .. ويكون من الأفضل أن يتركها وله ثوب واحد .. أما إذا خرج من الولاية وقد ظهرت عليه أعراض الثراء ، فحينئذ لا يفلت من حساب عمر ، مهما يكن مصدر ثرائه حلالاً مشروعاً .
دنيا أخرى.. ملأها عمر روعة وإعجازاً . وحين وليّ أبو هريرة البحرين ادّخر مالاً ، من مصادره الحلال ، وعلم عمر فدعاه إلى المدينة ..
ولندع أبو هريرة يروي لنا ما حدث بينهما من حوار سريع :
قال لي عمر : يا عدو الله وعدو كتابه ، أسرقت مال الله ؟
قلت : ما أنا بعدو لله ولا عدو لكتابه ، لكني عدو من عاداهما ..
ولا أنا من يسرق مال الله..!
قال:
فمن أين اجتمعت لك عشرة آلاف ؟
قلت:
خيل لي تناسلت ، وعطايا تلاحقت ..
قال عمر : فادفعها إلى بيت مال المسلمين ..
ودفع أبو هريرة المال إلى عمر ثم رفع يديه إلى السماء وقال : اللهم اغفر لأمير المؤمنين .
وبعد حين دعا عمر أبا هريرة ، وعرض عليه الولاية من جديد ، فأباها واعتذر عنها .. فقال له عمر : ولماذا ؟ قال أبو هريرة : حتى لا يشتم عرضي ، ويؤخذ مالي ، ويضرب ظهري .. ثم قال : وأخاف أن أقضي بغير علم وأقول بغير حلم ..
*************
|