" إنها ليست نهاية العالم , يا عزيزتي " قال بلطف " أنا ما زلت ذاهباً الى المؤتمر, لكنني سأعود حالما ينتهي وسوف نؤجل خططنا حتى وقت لاحق من السنة"
" هل تعني أنك ستذهب بدوني؟"
" أنا سأغيب فقط أسبوعاً, هل هذه مأساة ؟"
لم تجب . عندما يقرر جوستين فلا جدوى من الجدال , وفي قلبها هي عرفت أنها ليست على ما يرام لتذهب معه في رحلة طيران طويلة عبر الأطلسي تتبعها دفعة من الارتباطات الاجتماعية . لكن الترقب بأن تترك بدون أحد سوى ميللر لتتحدث معها ملأها بالكآبة .
" هل يجب ان تكون هنا ؟ أنت قد تلتقط جراثيمي " قالت ببساطة .
للإجابة هو جاء وجلس على السرير وأخذ يديها بيديه .
" لا تكوني بائسة يا طفلتي . إنه حظ تعس, لكن بقدر ما أحب ان تكوني معي فأنا لن أدعك تخاطري بصحتك"
كان لديها شوق مفاجئ بأن تتمكن من لف ذراعيها حول عنقه وتصب خيبة أملها كطفلة تنشد الراحة, لكنها قد تتخيل ارتباكه إن هي أفسحت في المجال لمثل هذه العاطفة . لاحقاً هي نسيت الحافز الى الهجر , والمزاج المفرط الحساسية الذي كان نتيجة الانفلونزا . هي لم تكن من قبل بحاجة الى كتف لتبكي عليه .ريحانة
بعد ظهر يوم الجمعة عاد جوستين الى المنزل ليجد اندريا جالسة بجانب نار المكتبة . عندما فتح الباب هي كانت غارقة في التفكير , والكتاب على حضنها منسي في حلم ما نهاري .منتديات ليلاس
" هل قال الطبيب ألين أن بإمكانك النزول الى الطابق السفلي ؟" قال , مبتسماً على تعبيرها البعيد.
قفزت , وانزلق الكتاب على السجادة .
" نعم , هو قال , فقط لمدة ساعة او اثنتين " قالت عندما التقطه جوستين ووضعه جانباً" غداً يمكنني النهوض لتناول الفطور , لكنه يقول بأنني يجب أن أبقى في الداخل لعدة أيام "
" أنا أصدرت التعليمات الى هوبارد ليرى أنك تفعلين ذلك. هو لديه سلطتي الكاملة ليحجزك اذا لم تهتمي بنفسك " قال جوستين , وألقى الى حضنها برزمة صغيرة مربعة .
" ما هذا ؟" سألت .
" افتحيه وانظري "
مزقت اللفافة وفتحت علبة الكرتون في الداخل . فيها كانت زجاجة عطر فرنسي , وملفوفاً بورق ناعم سوار ساحر من سلسلة من الحجارة الكريمة .ريحانة

" تعويض بسيط عن فقدان أضواء نيويورك الباهرة " هو قال . وضع السوار على معصمها وأصابعه مكثت للحظة على نعومة ذراعها .
" هل ستفتقدينني يا أندريا ؟" سأل بنعومة , وتعبير غريب على وجهه الاسمر .
" نعم ... بالطبع " قالت بارتياب .
انتقل بعيداً لكنه ظل يراقبها .
" يقولون ان الغياب يزيد القلب هياماً " قال " هل توافقين ؟"
" أنا لست أدري, اعتقد أن ذلك يتوقف على الظروف " هي قالت بحذر .
وصلت أندريا الى باريس باكراً في فترة بعد الظهر وأمضت الليلة في فندق أوصت به وكالة السفر. في اليوم التالي هي وجدت بنسيون رخيص لكنه نظيف في شارع جانبي قرب ساحة سان ميشيل وأخذت غرفة في الطابق العلوي . كان مختلفاً جداً عن الجناح الفخم الذي شغلته في زيارتها الأولى للعاصمة الفرنسية .
كان السرير حديدياً من الطراز القديم مع درابزين من النحاس ورقاصات تصرصر, والأثاث الوحيد كان خزانة خشبية ثقيلة , وطاولة وكرسي منتصب . ستار حريري باهت يخفي حوض الغسيل وبيديه في الزاوية , لكن رغم ذلك كانت الفرشة جديدة نوعاً ما والشراشف نظيفة .
دفعت أندريا ايجار أسبوع واحد مقدماً , وأفرغت حقيبة ثيابها ومن ثم ذهبت الى مطعم صغير على زاوية الشارع لتناول غداء متأخر.منتديات ليلاس
أمضت بقية فترة بعد الظهر تتمشى وعادت الى البنسيون حوالي السادسة , وكانت قد اشترت بعض اللفائف, وعلبة جبنة وبعض الفواكه لتأكلها في غرفتها . بعد السابعة هي ذهبت الى السرير وتمددت تراقب الشمس وهي تهبط خلف الاسطح والمداخن وراء النافذة الضيقة .
لثلاثة أيام هي وجدت في فراغ مظلم من اليأس, محتجزة عن الحياة الصاخبة من حولها, خالية من كل شعور ما عدا الألم الخامل لبؤسها .
عندئذ , في اليوم الخامس من هربها المتهور من المنزل , هي وجدت نفسها قرب كاتدرائية نوتردام, فأرادت أن ترتاح فدخلت الى الكاتدرائية العظيمة وجلست في الظلام الهادئ.
كان هناك العدد المعتاد من السائحين يتجولون , لكنها لم تشعر بهم . كان الجلوس هناك مسالماً مع نور الشمس المتسرب عبر النوافذ الزجاجية الملونة الجميلة ويتساقط في برك من اللمعان الأزرق والأخضر والوردي الأحمر.

بعد ساعة ونيف , هي خرجت الى الشارع , مع التصميم بأن لا تدع ما حدث يهزمها . للمرة الأولى في أيام هي أكلت وجبتها المسائية مع بعض الشهية وبدأت تفكر بشكل بناء حول الاسابيع التالية . هي كانت واثقة تماماً بأنها تستطيع الحصول على وظيفة كمانيكان , فإن لم يكن على الفور , فعندما تبدأ الاستعدادات لعروض موضة الخريف . لكنها لم تكن متأكدة أن من الحكمة ممارسة مسيرة حياتها في عالم الموضة لفترة . ربما هي تستطيع ايجاد عمل في احد المحلات التي تمون السائحين البريطانيين والاميركيين .
لم تجد أندريا صعوبة في رؤية مدير المحل الأول الذي جربته , عندما المساعد الذي تحدثت معه رغم أنها كانت زبونة هامة . لكن رغم أنه تحدث اليها بمودة , هو أسف بأن لديه هيئة موظفين كاملة وان لا أمل بمكان شاغر . وهو شرح أيضاً ان هناك اجراءات للتغلب عليها قبل ان يستطيع الغريب الحصول على عمل في باريس.
لقيت نفس الجواب في المحل الآخر لكنها , رافضة الخضوع , هي شرعت الى المحل الثالث . عندئذ , فيما كانت تنتظر لعبور الطريق , سمعت صوت صراخ " أندريا ! ماذا تفعلين هنا ؟" وعندما التفتت , هي رأت ليوني بيشيه تسرع نحوها .احتمالان ومضا في ذهنها . أن تركض . او أن تزعم بأنها كانت غريبة .
" أية مفاجأة سارة يا شيري . لماذا لم تعلمينا أنك هنا, أم أنك وصلت لتوك ؟" أمسكت ليوني يدها بحرارة .منتديات ليلاس
كان قد فات الأوان للهرب ومن العبث انكار هويتها .
" لماذا ... هاللو . كيف حالك؟ " قالت بأسى .منتديات ليلاس
" مشغولة جداً لدرجة أن رأسي يدور , الى اين انت ذاهبة ؟ هل يمكننا ان نتناول القهوة معاً؟"
بحثت أندريا بعصبية عن سبب معقول , لكنها قبل ان تستطيع أن تجد سبباً , قالت ليوني " لكن كم أنت نحيلة يا صغيرتي , هل كنت مريضة ؟"
تورد مؤلم لطخ خدي أندريا وهي تجنبت النظرة المهتمة للمرأة الفرنسية .
" لا , أنا على ما يرام"
احست بارتباكها ومندهشة من تحيتها المحافظة , اقترحت مدام بيشيه بأنهما يجب ان يذهبا الى مطعم قريب.
" الآن اخبريني , منذ متى أنت هنا, وكيف حال جوستين ؟" سألت .
" هو ليس معي" قالت اندريا ببساطة .
" أنت وحيدة ؟"

" نعم , أنا وحيدة " قالت بحزم " أنت ترين ... نحن انفصلنا "
" لا ! لكنني لا استطيع أن أصدق ذلك " حدقت ليوني اليها مندهشة "بالتأكيد أنت لا تعنين ذلك"
عضت اندريا على شفتها وأطرقت برأسها .
" لكن ماذا حدث ؟ كيف حدث؟" سألت ليوني بذهول.
" انها غلطتي " قالت بصوت منخفض " أنت ترين ... أنا تزوجت جوستين من أجل ماله "
وعندئذ , بدون ان تحاول الاعتذار او توقر نفسها , هي اخبرت ليوني بالحقيقة حول زواجها وفشله .منتديات ليلاس
" أنت تحبينه يا صغيرتي المسكينة " قالت بنعومة " إنه في وجهك وصوتك عندما تتحدثين عنه . إنه السبب في كونك نحيلة وشاحبة . ذلك هو السبب في عدم تحملك البقاء معه , لأنك اردت المال , والآن أنت تتألمين للحب. هل اخبرته هذا ؟"
" لا , لا , كيف أستطيع؟ إنه سيربكه فقط . هو لا يؤمن بالحب . هو لا يحتاجه " قالت اندريا بشراسة " ألا ترين , لهذا السبب يجب أن أغادر , أنا لا استطيع الاستمرار بالعيش معه في حال هو عرف ذلك"
" كيف تعرفين انه لا يشعر بنفس الطريقة ؟ ربما هو يحبك ويخشى ان يقول ذلك. الرجال يكونون جبناء عظام عندما يأتي الأمر للتصريح بما في قلوبهم "
اطلقت اندريا ضحكة مريرة .
" جوستين لا يخشى من أي شيء " قالت بخمول " هو الرجل الأكثر وثوقاً بين من عرفت " " هل فكرت ما الذي سيفعله الآن ؟"سألت ليوني .
" اعتقد هو سوف ... يطلقني " قالت اندريا , ورعشة خادعة في صوتها .ريحانة
" ربما , او هو قد يجدك ويجعلك تعودين معه "
" كيف يستطيع ؟ هو لا يعرف اين أنا , واذا عرف فأنا لن اذهب"
" لكن , كما تقولين , هو واثق جداً, وقوي جداً, وذاتي الارادة . انه لن يكون من الصعب عليه ان يجدك .هو يستطيع ان يدفع لمخبر خاص ليجدك "
" نعم , اعتقد ذلك. لكنه لا يستطيع ان يرغمني على العودة " قالت اندريا بصعوبة .
" لا؟ اعتقد انه يستطيع ذلك بسهولة اذا شاء . أنصحك , اذا كنت تحبينه فعلاً , الاتصال بشخص كبير في عائلته وتشرحي له وضعك وهو بدون شك سيتفهم الوضع ويسعى الى اعادة المياه الى مجاريها "
" معك حق, ان الوحيدة التي تستطيع ان تتقدم مع جوستين هي عمته لورا " قالت اندريا .
" هيا اذن , عودي على أول طائرة واتصلي بها على الفور ولك مني أطيب التمنيات . وداعاً" قالت ليوني .

" وداعاً"
وبالفعل استقلت اندريا أول طائرة الى لندن . وعندما هبطت في مطار لندن اتصلت هاتفياً بالعمة لورا وطلبت مقابلتها لأمر هام .
شرحت اندريا الى العمة لورا كل شيء بالتفصيل فتفهمت الوضع واتصلت هاتفياً بجوستين , الذي كان في حالة ضياع بسبب غياب اندريا, واخبرته بأن اندريا عندها وانها تريد حضوره فوراً.منتديات ليلاسمنتديات ليلاس
" أنا سأحضر على الفور يا عمتي العزيزة " قال جوستين.
عندما وصل جوستين التفتت اندريا الى زوجها وقالت بعد ان عانقته " سنبقى معاً ما بقيت الحياة " وعادا معاً الى المنزل .

تمت