الجُـزء الأول
.
.
.. عيون الرهاف ..
.
.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مساء / صباح يليق في صرحكم رائع..
كان مقصد من مقتطفات أخذ فكرة بسيطة في ( عيون الرهاف ) ..
شكراً ، وشكراً بحدود السماء على لطفكم..
**********
لا تلهيكم رواية عن الصلاة بوقتها
قراءة ممتعة.
**********
.
.
.
ضمي مَلامح صورته ..
ضميه .. لعله يفيق ..
يَشهق .. أو يَردّ النَّفسْ ..
ضمّيه لعَله حبس ..
صٌوته .. رعشة عرٌوقه ..
وخيم حزين الصمت فُوقه ..
مات .. مات
من قبل ما يكتب له فـ قٌربك حياة ..
من لبسه ثوب البياض ..
من سبل عيٌونه ..
مسح غبرة جبينه ..
وش يفيد ..
اللي زرع نصلٍ حديد ..
في قلبه الطيّب نسى ..
قولي عسى .. ما تلمحي ..
فـ طرف ثُوبك له دما ..
يا خٌوفتي .. اللي سبح في نهرك الجَارف ..
غد اموته ظما ..
ضمّي ملامح صورته ..
ضمّيه لعله يفيق ..
يشهق أو يرد النفس ..
صوته جرس ..
ينحب على بوابة الليل ..
يوقظ خدر جرحك ..
يتل من عينك احبال الدّمع
ضمّيه لعله سمع ..
انك تحبينه ..
ولا ..قلتي تحبيه ..
ولا .. قلتي تحبيه ..
بدر بن عبدالمحسن.
**********
الماضي
( قبل عشرون عاماً )
في يوم ممطر، صرخات مقتولة، آهات و لوعة، و حرمان.. في حارة قديمة يسودها الحُب، و الكره، و الغضب، و قسوة تشربت حزن مراراً، و زمن الذي غدرَ بِهمَا.. هي مظلومة، و طفولتها مغدورة !
كان أبو منيفة نائم على فراشه، جسده ثقيل و هو يمسك يدين اخوه، و موت يشوفه زائر
بصوت مرهق : تكفى يأخوي ياطراد تكفى تنتبه على هالبنتين.. مالي من بعد الله إلا هم..
طراد، و الذي يمسك يد اخوه و بصوت خائف : أبشر يأخوي ازهلها… بناتك هُم بناتي يأخوي الله يهداك مير لا تشيل هم دامني حي..
منيفة التي تقف على مشارف حزن، و يدينها صغيرة تحتضن حدائد نافذة، و تبكي بخوف من مجهول، و اختها صغيرة شادن تمسك طرف ثوبها، و تبكي !
نظر أبو منيفة، و هو يمسك يده اليمين بيد بنته منيفة، و ينظر لها نظرة مودع : يأبوك انتبهي على نفسك..
ويكح، و يأخذ نفس ضعيف : استودعتكم الله.. ترى يأخوي هالبيت اللي ساكن فيه و محل اللي ابيع فيه مطاحن.. هو وحيد اللي بقى لهن.. تكفى يأخوك حطهن بعيونك وصيتي بناتي يا طراد…
طراد بحزن : ولا يهمك يأبو منيفة.. أنت بس قوم لنا بسلامة…
لتسقط يد أبوها، و تبكي بحرقة
منيفة : يُبـه.. يُبـه.. طلبتك تقوم..
***********
ماهي إلا دقائق ليمسك يد منيفة، و أمسك طفلة شادن و يقربها لحضنه، بخطوات سريعة خرج من منزل أخيه
في ليلٌ مظلم و مخيف، صوت الرعد و الأمطار التي تبلل ثوبه
منيفة بحزن : عمي خل اشوف أبوي.. عمي لانترك أبوي لوحده..
طراد بخوف يلتفت بين حينة و الأخرى
ليمشي في طريق الحارة ضيقة، و يصل إلى إحدى البيوت ، ليطرق الباب بقوة
ثواني و إذا برجل كبير يفتح الباب
ليتفاجأ بحضور طراد، و طفلتين !
بعقدة حاجبيه : عسى ما شر يأبو ضاوي؟؟
طراد باختناق : يأبو مصلح .. أخوي يطلبك الـحّل.. ومثل ما أنت شايف أبيك تقوم بغسله وتكفنه…
ابو مصلح بحزن : لا حول ولا قوة إلا بالله.. إنا لله وإنا إليه راجعون..
طراد : شف وش اللي تحتاجه وأنا رقبتي سدادة.. مير لزوم اوصل بنات لبيتي …
ابو مصلح : ولا يهمك.. توكل يا طراد …
طراد: دوم ما تقصر يأبو مصلح.. يلا اشوفك عقب..
ابو مصلح : على خير.. على خير يا طراد..
اغلق باب ابو مصلح
**********
يمشي طراد سريعاً نحو منزله، طرق الباب ، فتحت له زوجته و هي تتأمله من فوق لتحت !
و بكره أم ضاوي : خير!!! رغم انه ما وراك خير..
طراد، و انفاسه سريعة : يابنت الحلال جيبي لي ماي.. عطشان يأم ضاوي.. خليني أخذ نفس..
أم ضاوي : وراه جايب بنات أخوك!!!! عسى ما شر؟
طراد بعد أن شرب ماء، و بلل ريقه
يجيب : أخوي أبو منيفة عطاك عمره..
أم ضاوي بقسوة : عظم الله أجرك في أخوك.. بس ليه مجرجر هالبنات معك ؟؟؟؟ ما فهمت !!!
طراد : يعني ما يبي لها فهم هذي ياصيتة .. بنات أخوي بيعشون فيذا.. تحت نظر عيني..
أم ضاوي بقهر : أنت بعقلك يعني فوق اربي عيالك تبيني اربي بنات اخوك…
طراد بصوت منخفض : يابنت الحلال.. هذولي عيال أخوي.. يعني بالله تبيني أرميهم بالشارع ….
أم ضاوي : ينحرقون مالي شغل فيهن .. واسمع ياطراد علم يوصل ويتعداك… بنات موضي ما يجلسن دقيقة عندي… ضفهم عند خالهن… أنا منيب ملزومة اتحمل مسؤولية غيري..
تنهد طراد : لا حول ولا قوة إلا بالله.. يامره افهمي.. هالبنتين اللي ما تبينهن وراهن خير… خير كثير ….
أم ضاوي : الله الغني … شل قشهن ويطلعن … ماعاد إلا هي يجلسن بنات مضاوي عندي …
طراد بحدة : يامضاوي اللي ذبحتيني بسيرتها.. يامره اعقلي حرمة لها زمن طويل من الله اخذ امانته….
ام ضاوي : اي هي ميته وانا اللي انقهر …. اطلع برا ياطراد وخذ بنات أخوك.. يـلا…
منيفة بخوف، و هي تكتم بكاءها، و بكاء طفلة شادن، نزلت لعندها و ضمتها لحضنها
و بطفولة مقتولة : ياعمي انا واختي بنعاود لبيت أبوي… فيذاك بيتنا..
طراد، و هو يفكر بمخرج : وش هوله يا منيفة؟؟؟؟ بعدين ذا أيام كثرة الحرامية وقطاع الطرق، وبسم الله سكنهم مساكنهم شياطين دنيا تطلع لا ظلم ليل…. انا اقول يا عمتس ادخلي، واجلسي بغرفة ضاوي وساري ترى هم بحسبة اخوانتس اللحين..
منيفة بعناد : بس يا عمي اللي تقول عنهم اخواني ما يجوز اجلس معهم بنفس غرفة…
طراد : شفتي كيف فطانة بنت أخوي.. بسم الله عليتس فطينه طالعه على عمتس..
لتقاطعه أم ضاوي بغضب ناري : ذا اللي ناقص يابنت مضاوي ….
لتمسكها، و تسحبها عند الباب : اطلعي برا ياجعل مابقى بنات… وأنت اخرج ولا أبي اشوف وجهك.. والله ثم والله ياطراد يا ان ارميك معهن…
خرج طراد خوفاً منها : لا بالله انهبلتي… ترى اللي طاردتيهن بنات أخوي رضيتي وإلا ان ارضيتي….
أم ضاوي : باللي مايحفظك..
********
الحاضر
( في وقت الحالي )
في جو عاصف، سكون ناس في منازلهم، يقود سيارة و هو يرفع صوت المذياع على محطة الاخبار.. في طريق وعر و ضيق، و الحر شديد.. شمس الحارة، و المكيف عطلان ، رافع أكمام ثوبه أبيض إلى مرفقيه، و فوق كتفه الأيمن غترته الحمراء مُهمَلة، و صوت تسرب
" حقيقة حول حرب سامة أرهبت الشعب سوري.. "
لينقطع صوت، و يضرب على ( المسجل )
و بنبرة قهر : يعني مالقيتي إلا هاللحين ياهبوب تلعبين بوقت الاخبار !!!!
أخيه الذي يجلس بجانبه ، و هو يمسك بإصبعه إبهام عناقيد من خرز و يستغفر
بنظرته صارمة و قوية : ضاوي.. هبوب كل ما لها وتشد، وأنت تتحلطم على شيء ماهوب بيدنا..
ضاوي بغبن : لا والله بيردها هبوب نجد.. يلا غردنا من صوتك خل نقصر طريق ..
ساري : بحكي لك قصة عن الخيل يقال فيذاك زمان انه بالحيل هاوي خيله..
ضاوي بفضول : اسلم ياساري..
ساري : الخيل من كثر ماهلت مزون مطر على فارسها غدا أكبر فارس بقريته، وصيته يوصل بكل مكان بزمانه وعشق له وحدتن يقول قمر ابعد وهي تجلس بمكانك ...
ضاوي : هالله الله.. أي عطنا علم زين..
ضحك ساري، و هو ينظر للطريق !
و بصوت حدّة : انتبه على نوق!!!! ياضاوي.. وقف ياولد..
ضاوي وعينيه التي تتسع بصدمة : عوذى وين راعيها؟؟؟؟ وش هوله تاركهم مهملين!!!
ساري : وقف..
ضغط على فرامل، و احتكاك المحرك ليصدر موجة من الغبار شديد
و بكحة ضاوي : غربل الله ابليسكم.. وينه راعيها؟؟؟ والله لا اعمله ان الله حق..
ساري : لا والله وفقه .. ابي انزل وأشوف وش سنع هالنياق!!!؟؟
ليترجل كُلٌ من ساري الذي اقترب ولامس إحدى نياق ، بينما ضاوي ذهب ما بين يمينه و شماله أرض رملية ناعمة، و بعض الأشجار صحراوية مزروعة على مد نظر
و يرى من بعيد بعض الخيام ليذهب نحوها، و هو من تعب و حرقة الشمس أصابه العطش.. حين وصل وقف أمام الخيمة
و بصراخ : يأهل بيت.. يأهل بيت..
و يستيقظ رجل ليخرج من الخيمة و يبتسم : اقلط ياولد الشيوخ...
ابتسم ضاوي مجاملة لهِ : ياعم لك نياق ضايعه تهجول بسكك ، مايصير ياعمي ذنبهم برقبتك ..
العم تغيرت ملامحه لضيق : سامحني اخذت لي غفوة ولهيت .. والله أنك تقلط وترتاح وتعين من الله خير ..
ضاوي : تسلم ياعم.. مير انا ماسك خط انا وأخوي ولزوم ما تؤخر عن أهل ..
العم بغضب : والله أنك ماتردني.. أنت رجال واضح انك أجودي وانا ماهوب اللي يرد ضيوف ..
بعد ان جلس ضاوي بجانب رجل عجوز، و الذي أمسك بدلة قهوة
ليتناول فنجال قهوة منه
و بهدوء : كثر الله خيرك ، لكن وراي خط مثل ما قلت لك.. وأنت ماقصرت جعلك تسلم..
العم : الود ودي تجلس فيذا وتشوف براد ليل..
ضاوي وقف و قَبلَ رأس العم : عساك على قوة..
خرجا ليمشين سوياً حتى يصعد ضاوي و ساري لسيارة ، بينما عجوز بعصاته يهش على نياقه
ساري : وراه طولت!!!!
ضاوي : شيبة هذا كسر بخاطري، غريب أقلها يجيب له عامل يساعده..
ليقف العم مشيراً له بالسلام
و بإصرار غريب : والله انك تتفضل معي.. و تتعشا أنت وأخوك الأجودي.. ما لك لوا عشاكم الليلة عندي ازهلها..
ابتسم ساري : ياعم لا تكلف على نفسك.. واعذرنا..
العم بإصرار: اقلطوا.. ياولدي خل هبوب يخف شوي..
ضاوي، و هو يأخذ برأي ساري
ساري بهدوء : ولا نرد عزيمتك ياعم ..
**********
شمس يوم حارقة، و هي تميل حتى تمسك ( مخمة ) و تكنس، و قلبها الذي يغلي من قهر ، و فستانها بارد ربيعي بنقوش زهور بلون عقيق الأحمر، و خاتمها الذي يحتضن اصبعها الأوسط بكل رقة
لتصرخ ذات عقل ناقص : يا منيفة خمي زين، كود ضاوي يحن ويطل علينا..
و ترمي ( مخمة ) و حبيبات عرق على جبينها و تهفهف بيديها : وراه ما تكملين عني.. وإلا فالحه بالأوامر بس..
ضحكت بخبث : يمه منك يامنيفة.. هاللحين ما اشتقتي لنظرة عينه.. يمه منها كذوب ..
لتشاركها ضحكة : هبوب ماهوب ناوي ترسي على بر.. عسى الله يكفينا شرها.. ويعطينا خيرها..
شادن : منيفة.. تكفين خلينا نروح يم خميلة .. زمان ماشفتها..
منيفة، و هي تكمل ما بدأت بهِ لتلتفت على اختها
و بهمس : لا تسمعك صيتة ما احنّا ناقصين هرج ثاني..
شادن بتهور : وش بيصير يعني؟؟؟ عمي طراد ماهوب فيذا.. وهي ماغير جالسة بغرفتها.. وانا مليت أبي اخرج شوي …
منيفة : طيب ياشادن ياكثر ماتحنين على رأسي..
لتقترب شادن و بحب : عاد وش اسوي احبك..
منيفة تضحك : طيب ….
**********
بعد أن تناولا العشاء متواضع … جلسا أمام شبة النار ، ورائحة الحطب مميزة.. مع دخول صلاة المغرب
ضاوي : كثر الله خيرك… كلفت على نفسك واجد ياعم..
العم بسرور : والله انه شيء بسيط… عليكم بألف عافية… إلا ياوليدي بسألكم من أي عرب انتم؟؟؟
ساري بهدوء : من عرب بادي ياعم…
ضاوي ابتسم : إلا يا عم ما عندك عامل يساعدك فيذا نياق..
العم : والله ياوليدي أنا مهتويهم بالحيل… عندي عامل وعطيته اجازة عقب كم اسبوع ويعود علي …
ساري : نستأذن منك ياعم…
العم، و الذي يتأمل خروجهم و بمحبة، يتصل على أهل بيته و لكن ما من مجيب !!
كرر الاتصال، و طرف الآخر لا إجابة !!
**********
كانت مغلقة باب على نفسها، و هي تدعي في أعماق قلبها
( ربي يستر عليها من عيال حرام.. )
تسمع صوت تكسير, و خطوات عملاقة تتضح بأنهم ( الحرامية.. )
تبكي بألم و قهر، حين ضرب باب برجله ليرى طفلة ذات الثالث عشر عاماً اقترب، و هي تبعد بخوف أمسك بها ليشدها إلى صدره بيده يُمنى يضغط على مكان نبض و فوهة المسدس بجانب رأسها الأيسر
و بغموض: فين مكان الذهب والحلال؟؟؟
تجيب أفنان بصرخة مكتومة على هيئة بكاء !
يهمس بقرب إذنها : يالبزر اسكتي….
افنان تحاول تملص منه و هروب، تسمع رنين الهاتف أرضي
ليدخل صديقه، و يهتف له بقهر : قم مشينا مالقيت شيء.. لا ذهب ولا فلوس!!!!!
ليشير له بصمت
وهمس لأفنان بخبث : افتحي خط بس ياويلتس لو تكلمتي بحرف …
و هي تهز رأسها موافقة
اقترب ممسكاً بأحكام بجسد طفلة افنان، لترفع سماعة الهاتف
و تسمع نبرتهِ حانية : الووو…
افنان بصوت مختنق بالعبرة
الرجل كبير : افنان ياجدتس أنتي معي.. وراه طولتي؟؟؟
افنان : هلا جدي .. وراه طولت وما جيت!!!
ابو عياش: أمتس ما بعدها جات البيت!!!
لتبكي افنان، و ينتفض أبو عياش
و بغصة : ياجدتس وراه تبكبكين!!!
لينقطع الاتصال…
**********
ساري : طيب توكل على الله..
ضاوي : ماهوب قبل ما تحكي لي عن سالفة قصة..
ضحك ساري : مهم هاللي حبها وعشقها طلبها من أبوها... وهي وافقت لكن شرطت شرط كسر ظهره..
ضاوي، و هو يضرب بإصبعه إبهام على مقود سيارة
و بفطنة : لا تقول أنها تبي الخيل..
ساري : بالفعل ذا اللي صار.. ويوم اللي عقبه جابت الخيل وأخذته.. وقالت له تعرف تعطيني مقفاك .. وباعت الخيل وجاء لها خيراً كثير.. ضفت نفسها وأهلها.. لكن مشكلة ماتهنت لا بفلوس ولا بأملاك.. حاولت تبحث عنه ولا لقيته.. كُل الأرض يوم صارت لها عزول.. وماتت وهي نادمة..
ضاوي : والله انها خسرت حب وجاه.. عسى الله يكفينا شر خساير..
ساري بغموض : آمين..
**********
في قلب الحارة، لعب الأطفال للكورة، و ناس الذين يعملون في المحلات، وصف طابور من الأطفال حتى يتسارعن على من يأخذ خبز من المخبز، وهو يصرخ بهم
راعي المخبز : بالدور كلن يمسك دوره يلا..
ضحك ساري : أربع سنين وبعدها الحارة نفس ماهي.. ما تغير شيء..
ضاوي : أي والله صدقت.. يا اني ولهان على مرقوق والدة..
ساري : ضاوي تراك لزوم تأخذ لك موقف.. أمي ما راح توافق أنك تأخذ بنت العم..
ضاوي بحزن : ماعليه.. متى ما لان رأس أمك أخذها..
ساري : تسذا تظلم نفسك وتظلمها معك.. خل تشوف دربها..
ضاوي و بحرقة : بنت عمي ياساري لي.. لين ما تأخذوني لقبري ساعتها خل تأخذ غيري..
وقف سيارة و ركنها أمام باب منزلهم مباشرة، ترجلا و ابتسم ساري لأخوه ضاوي، فُتِحَ الباب من جهته و أمسك بالحقيبة ، أما ضاوي الذي طرق باب..
***********
على جانب الآخر
كانت جالسة على فرشة أرضية ، في ساحة كبيرة و هي تحيك أسعف نخل و تأكل بعض تمرات، من ثم تشرب من فنجال القهوة..
أم ضاوي : ياشادن.. شادن وسمخ..
شادن بضعف : نعم خالتي..
أم ضاوي بقسوة : تخلخلت عظامك.. شوفي من عند الباب.. واعرفي مين عقبها افتحي باب..
شادن : طيب...
تقدمت شادن بخطوات لتهمس من خلف باب : مين؟؟؟
ابتسم ضاوي : أنا ولد عمتس ضاوي ياشادن..
شادن بخجل : طيب دقيقة افتح باب..
**********
تباعدت شادن، و دخلت سريعاً بغرفتها و هي تنادي أختها بصوت منخفض : منيفة.. يامنيفة..
منيفة التي كانت تمسك سنارة و تعمل على نقشتها الفنية، رفعت رأسها و هي تتأمل ملامح أختها، و بريق عيونها
بهدوء : ايوه شادن وش فيك تسذا؟؟؟
شادن تجلس بالقرب منها على طرف سرير
تبتسم : تخيلي منهو اللي رجع من ديار بعيدة..
تنهدت منيفة : مين يا شادن ؟؟؟؟
شادن : وش فيك؟؟ ولد عمنا ضاوي وشكله حتى اخوه ساري معه..
اغمضت عينيها و هي ترثي حالها، معقولة بعد أربع السنين من غربة ترجع ياضاوي.. كان هذا حديثها بداخلها.. صرختها مكتومة، دموعها التي حاولت سقوط، لتمسحها بقسوة قبل أن تنزل على خديها، و تكمل ما بدأت به
شادن : طيب خلاص ما راح أهرج .. بس لزوم نخرج فيذا يامنيفة..
منيفة بهدوء : عندك حل ثاني.. إذا خالك وضاح تركنا لأجل عيون حرمته.. ترى نار خالتي صيتة ولا حرمة خالي غثيث..
شادن بغيض : الله وخال.. اللي حتى ما نشد ولا كلف على نفسه يسأل عن بنات اخيته.. ماعليه وانا أختك ترى أنا سمعت من عمي طراد.. أنهم فتحوا جامعة فيذا قريب من حارتنا..
منيفة : ومين قال لك بدرس؟؟؟
شادن: أجل تبين نجلس تسذا.. على ملابس اللي تخيطنها ..
منيفة، و هي تنظر لأختها صغيرة و التي تبلغ من عمر السابع وعشرون عاماً ملامحها رقيقة كانت تشبه كثيراً لوالدها، بينما منيفة فملامحها حادة و أقرب إلى تقاسيم وجه أمها
منيفة : هالملابس اللي متذمرة منهم هي رأس مالي هاللحين.. وبعدين ياشادن.. ربي ما عطاني أكمل تعليم بس حمدلله هذاني اشتغل.. صح ماهوب قد مقام بس شيء باليد ولا بدونه..
شادن : انا ما قلت شيء.. انا هرجت مع عمي طراد يسجلني بالجامعة .. تكفين يامنيفة ندرس جميع.. والله انك افطن مني وازين بعد..
ضحكت منيفة : واللي تقول لك ماهوب يم دراسة.. يا حبيبتي ياشادن ترى انا ما امنعك تكملين دراستك جامعية إلا والله بفتخر فيك.. وخل اختك منيفة على هالخياطة..
***********
على جانب الآخر
فرحة صيته برجوع أبنائها، تدمع عيونها و هي تحضن ضاوي الذي جلس أمامها يقبل رأسها و يديها
صيتة : حمدلله على سلامتك يأمك..
ضاوي : الله يسلمتس يأم ضاوي.. علومتس وشلونها صحتس؟؟؟
صيته : منيب بخير يوم انك تغيبون كل هالغيبة.. أربع سنين.. أنت ياضاوي كبير وعذرينك!! مير أنت ياساري وش عذروبك؟؟؟؟؟
ساري ابتسم، و هو يجلس بجانبها و يكبس يديها و قدميها
بهدوء : بعد يايُمَه وظيفتي صعبة بالغصب اللي اخذت لي إجازة..
ضاوي : ما عليتس فيه يالغالية.. ترى ماسكين خط وجوعانين بالحيل…
صيته بغضب : يخسى جوع.. اصبر .. يامنيفة.. منيفة…
ضاوي مبتسم، و النار تحرق جوفه مجرد ما نطقت والدته باسمها..
و هي تقف بعباءتها، و بكل خجل
منيفة : سمي..
صيته بحدة : جهزي عشاء لعيال عمك..
منيفة بنبرة باردة : بس ياخالتي
مطبخ فاضي .. وعمي طراد له فوق اسبوع ولا جانا..
ساري، و هو ينظر لوالدته !!
ساري : وش سالفة الوالد يُمَه؟؟؟!!
صيته بتوتر: ما فيه شيء.. وأنتي اشوفك تردادين يا بنت موضي.. انقلعي عن وجهي .. الله من قلة سنع…
ضاوي وبحب : يُمَه.. وراه كل هالعصبية.. هاللحين انزل للسوق وأخذ اللي ناقص بالبيت ولا تكدرين خاطرتس…
صيته بقهر : اسمعني ياضاوي .. دام انكم رجعتوا عندي.. ماعاد لهن قعدة ضف قشهن وخذهن لخالهن…
ساري برحمة : يُمَه تراهن بنات عمي ولا ارضا عليهن.. بعدين اكسبي ثواب فيهن …
صيته : انت بذات اسكت.. من يومك ما ترضى عليهم بشينه… أنتم رجال البيت.. وبيتنا صغير.. قم ياضاوي هاللحين اي بالله هاللحين تسري بهم لخالهن..
ضاوي : مالك لوا.. يُمَه تراني مهتوي منيفة وأنتي تعرفين غلاتس عندي..
صيته بغضب : والله أنك ما تأخذها…
ضاوي بغضب مماثل : اي ليـه! وش تنقدين عليها؟؟؟؟
صيته : يا أمك طعيني بنت موضي ما منها زين…
ساري : يُمَه مايجوز توصفينها..
صيته : علمن يوصل ويتعداك.. بنت موضي ما تأخذها لو أنك تجلس عزوبي…
ضاوي بقهر : يُمَه… ياريحة الجنة أنتي… يعني تهقين لا اخذتها بأنساتس..
صيته بوجع : قم اذلف عن وجهي… وأنت تأخذهن ولا أشوفهن…
قبل رأسها، و هي تدفعه
ابتسم ساري : يُمَه انا اللي افداك.. بعد ما تحملتي عشرين سنة عجزتي تتحملين كم يوم.. وأنتي يالغالية ما تجهلين كفالة يتيم.. بنات عمي يتامى .. اكسبي أجر مرة ثانية.. ما أنتي بخسرانة..
صيته بضيق : بس يا أمك وين بتجلسون!؟
ضاوي بخبث : اتزوج منيفة و ساري يأخذ شادن…
ساري الذي، وكأن لدغة ثعبان لسعته و بارتباك، و تهكم : أنت خذ بنت عمك ولا تنشب لنا.. يا شايب..
ضحك ضاوي : هاه يازين المزايين ياصيتة.. تكفين توافقين.. يا حلوة اللبن ..
ساري : يا أمي وفقي رأسين بالحلال..
صيته بقهر : اقول تأكلون عقلي بهرجكن مير انا غاسله يديني منكم.. قم فارقني يا ضاوي قم..
ضاوي : ولا يهمك أبي اخرج.. يلا ساري قم نشوف وش وضع الحارة..
ساري بهدوء : سرينا يأخوك..
**********
بعيداً في محلات التجارية تحديداً في محل الذهب و المجوهرات.. كانت عشوق تختار من اطقم ذات العيار الثقيل
والدتها التي تجلس على كرسي، و بتعب
عشوق : خلاص أبي الأطقم ثلاثة، وأبي بعد هالأسورة..
التفت على والدتها
ابتسمت لها بحب : هذاني خلصت يُمَه.. يلا مشينا
بتعب : يأمك يلا.. تركنا البيت من وقت..
عشوق، و هي تمسك بأكياس الذهب، وثم تقترب من سيارتها لتساعد والدتها بصعود، و هي تضع الأكياس في المقاعد خلفية
أم عياش : هاللحين أنتي واثقة بالمربية اللي تركتيها لبنتك أفنان تراها وغده وبزر يأمك..
عشوق بحب : أيه يُمَه واثقة بالمربية.. هاللحين أبوي وراه ما عاود من نجد !؟؟
ام عياش تبتسم : والله أن أبوك حب نياق تسري بعروقه.. وما الله رزقه بولد يساعده ويسانده.. وياما وصيته يتزوج…
عشوق بضيق : يُمَه وانا ويني في هالموضوع كله..
ام عياش : انتي مره ياعشوق ويبي من يستر عليك.. انجزي والله قلبي ماهوب مطمن من شغالتك… انا مدري وشلون طاوعتك… وخليت هالبزر نايمه لوحدها.. عسى الله يحميها من عيال حرام..
عشوق بقلق : هالحين بدق عليها ونسمع صوتها..
**********
في جانب الآخر
صوت رنين الهاتف نقال مرمي أمام خادمة، و التي تعرضت لضرب مبرح من قبل ثلاث شباب متلثمين.. ببنيتهم قوية وضخامة أجسادهم، البيت الذي انقلب إلى اعصار من فوضى، كراسي مرمية، و أوراق مبعثرة، و بعض قطرات الدم، و كلّ ذلك و طفلة أفنان بأيدي مجرمين، كبلوها بأحبال متينة، كان بكائها، و خوفها مزعج، و تصمت بوضع قماش خفيف يمنعها من أي صرخة مقتولة !
اثناء نزول عشوق للمنزل رأت الباب مفتوح على طرفه، دفعت باب، و تلجمها صدمة !
***********
( في نفس الحارة في إحدى البيوت )
و هي تلملم بعض بقايا ملابس، و بغيض ترميها في الغسالة
تذهب مباشرة إلى غرفة نومها لترى زوجها مستند على عصاته، و يتحسس بالجدار حتى لا يتخبط يميناً و شمالاً
و بصراخ : أنت قم انقلع.. ماعندي عشا ازين به لك ولولدك..
أبو لافي : يا مره انا جوعان.. خافي ربك انا عَمِي.. اخذتس حتى تواليني (تساعده) .. ماهوب تسذا…
العنود : وش هو؟؟؟ وش قلت ياشايب يا أعمى.. أنت مصدق نفسك اقول انقلع أنت وولدك..
أبو لافي بحزن يغرقه : يامره تعوذي من شيطان.. انا رجالً كبير ولا أخذتس إلا توكليني وتشربيني …
العنود : معصي.. ثم معصي.. قم انقلع.. ولدك جيران يشتكون منه كثير وبعد من عيال أهل الحارة.. وانا مليت منك ومن ولدك.. فاض بي كيل..
أمسكت بيده بشدة، و رمت ثيابه على أرض، و هو بحزن يستغفر و جوع أهلكه هلاكاً مؤذياً !
العنود، و هي مبتسمه اتصلت على صديقاتها، و ماهي بثواني حتى صالة هادئة تصبح ممتلئة بضحكات !!
***********
( في سوق )
تجلس عجوز، تبيع من اغصان من المساويك
اقترب منها لافي
و بحُزن : ياخالة وش عندك؟؟؟ انا جعان...
العجوز بحزن : ياوليدي خذ مسواك ما عندي غيره.. وإذا سنونك نظيفة حطها بجيب ثوبك…
لافي، و دموعه تنزل من محاجره و بقهر
يردف : مابي مسواك.. عطيني أي شيء.. لو ماي..
العجوز بوجع، و هي تمد له ورقة حمراء
و بحزن : والله ياوليدي مامعي إلا ذا.. رح خذ فيها اكلً صايرن عظم..
ابتسم لافي بانكسار : مشكوره..
ابتعد لافي من عجوز، و ذهب إلى أقرب بقالة أخذ فيها خبز و ماء، ذهب مباشرةً إلى منزل أبيه، ويجده ممد على أرض ممسك بعصاته، أقترب منه و هو يساعده حتى يجلسان على درجتين من مدخل البيت
لافي يبتسم بحزن : يُبَه فديتك.. جبت لك رغيف خبز..
ابو لافي، و هو يحضن ولده و بقهر رجال
يهمس : سامحني يأبوك.. سامحني يالافي ..
شادن : 27 عاماً
لافي : 10 عاماً
عشوق : 45 عاماً
**********
نهاية الجُـزء الأول..
**********
اختكم و بقلم : عيون الليل