وبينما كريه يسير في طريقه إلى النفايات. ير الناس متجمعين في إحدى الشوارع حول فتاة قريبة من سنّه. قد فقدت عقلها. كانت تضربهم وتحثو عليهم التراب. فلم يستحمل الناس ما تفعله فأخذوا يضربونها. فأصبحت تبكي وتضرب نفسها حتى بدأت الدماء تخرج من جسمها ثم بدأت تحاول التخلص من ملابسها.
لم يتجرأ أحد أن يوقفها أويحاول انقاذها، بل اكتفوا بالنظر إليها. وجد كريه السيدة خديجة من بين المشاهدين فسألها ماذا يجري؟ فقالت هذه الفتاة أتت إلى هنا منذ يومين وأظنها
فقدت عقلها تبكي وتصيح طول الليل وتهاجم الناس. نظر إليها فرأى فتاة يغطي الطين والتراب ملابسها وجزءً من جسمها ورائحتها كريهة، فكانت تقضي حاجتها في ملابسها.
شعر كريه أنها وحيدة تشبهه فتقدم إلى الفتاة وبدأ يحاول أن يوقفها عن إيذاء نفسها. وهي تهاجمه وتجرحه بأظافرها. حتى تمكن منها، وأخذها إلى منزله. استمرت الفتاة تصرخ أحيانا وتبكي أحيانا أخرى. أدخلها في غرفة وأحكم ربطها وتركها حتى تهدأ. دخل عليها وما يزال يضع الكرتون فوق رأسه. فوجدها تعبة ومرهقة من المقاومة. أحضر لها الماء وغسل فمها وبدأ يطعمها شيئا فشيئا. فكانت تأكل وتشرب بشراهة. فأكلت وأكلت حتى شبعت، ثم أعطاها مسكنات للألم و قال لها يجب أن تستحمي. كانت لا تتكلم فقط تنظر أليه وتحرك أصابعها بطريقة غريبة ولم تتكلم. نزل كريه إلى جارته وقال: هل لديك ملابس زائدة للفتاة. فأعطته ملابس كانت أعدتها لتتخلص منها. فأخذها منها وشكرها.
دخل كريه المنزل وأعد البانيو ثم نزع ملابس الفتاة وحملها ووضعها في البانيو. بدأت الفتاة تقاوم مرة أخرى وتصرخ في الحمام. وتضرب كريه حتى ازالة الكرتون من على رأسه. فلما رأت وجهه هدأت ولم تعد تقاوم ودخلت إلى البانيو. فبدأ يحممها وهي تلامس وجهه وعينيه وتبتسم. استغرب كريه قال العالم كله يخاف مني ولكن انت تهدأ نفسك بالنظر إلى وجهي.
أخرج الفتاة من البانيو وكأنها طفلة صغيرة. وبدأ يلبّسها الملابس ويسرح شعرها. نظر إليها فوجدها جميلة. فتسائل يا ترى ما الذي حصل لك لتفقدي عقلك. ثم أخذها إلى غرفة النوم ووضعها على السرير. وبقي معها حتى نامت.
خرج من غرفة النوم وأقفل الباب الخارجي عليهما لكيلا تهرب أثناء نومه. ثم نام على الأريكة في الصالة . وفي منتصف الليل استيقظ مرعوبا على صوت صراخها. دخل عليها الغرفة فوجدها نائمة على الأرض وقد قضت حاجتها في ملابسها اقترب منها، ووضع رأسها في حضنه، فتحت عينيها وهدأت لما رأته بجانبها. قال لها انتظري. نزع عنها ملابسها وأدخلها للحمام، ثم حممها مرة أخرى، ثم أعادها إلى الصالة بجانبه. ولما نامت حملها ووضعها على السرير وبقي بجانب الباب ينظر إليها.
استيقظ في الصباح على بكائها، تؤشر إلى فمها تريد أن تأكل. فقام وأعد لها طعام الفطار ثم بدأ يطعمها. ثم جلس معها يحاول أن يتحدث إليها يريد ان يعلم أي معلومات عنها. وجد وكأنه يتحدث مع طفلة صغيرة تريد فقط أن تأكل وتلعب. أطلق عليها اسم "
عبير" فبدأ يعاملها كطفلة. وكان يلاعبها باستمرار ويحملها على ظهره ويدور بها في المنزل ثم بدأ يحضر لها الألعاب والعرائس. ويحممها ويغير لها الملابس.
لم يعد كريه يخفي نفسه. فكانت
عبير تشعره بأنه شخص طبيعي. أحبها وأحب طفولتها. وأصبح يقضي معها الساعات الكثيرة. كانت السيدة خديجة تزورهم وتهتم بهما وتصرف عليهما. وتحاول أن ترد له الجميل الذي قدمه لها عندما كانت محتاجة.
تمر الأسابيع والشهور وكريم وعبير لا يفارقان بعضهما. فكانا إذا خرجا يضع كل واحد منهما كرتون على رأسه. فكان يخاف على عبير ولا يريد ان يفقدها.
لم تزال عبير تتصرف بطفولية وتأتيها بعض الحالات التي لا يمكن أن تسيطر على نفسها. فتفقد أعصابها وتصرخ وتقاوم ولا ترتاح حتى ترى وجه كريم. وتلامسه بيديها. أحب كريم عبير بجنون. ولا يتخيل حياته من غيرها. وهي تعلقت به وتعامله كما لو يكون أبيها.
أصبح الجيران ليس لهم حديث سوى "
الكريه والمجنونة". فالكل ينظر لهما ويشفقون عليهما. اعتادوا أن يرونهما بالكرتون على رأسيهما. ولم يعد أحد يؤذيهما. بل أصبحوا يعاملونهما بمعاملة حسنة. ويصبرون على صراخها آخر الليل.
مرت سنة على بقاء عبير مع كريم. وارتباطهما ببعضهما فكانا يأكلان وينامان بجانب بعضهما. فهو يرتاح بوجودها بجانبه وهي ترتاح وتشعر بالحنان معه. وكانت دائما تقبله على خده ولم تشعر بأنه مخيف.