المنتدى :
سلاسل روايات مصرية للجيب
هزيمة كبرياء
إنه هو
هذا ما همست به ( ناديه ) لنفسها عندما وقع بصرها على وجه
( صادق ) وسط رواد الحفل ؛ وهذا ماهتف به قلبها ...
لم تكن رأته أو التقت به منذ فُسخت خطبتهما قبل أربع سنوات
ودون أن تدرى ؛ تسمرت قدماها وهى تُحدق فى وجهه غيــــــر
مُصدقه ....
هو أيضاً ..تسمَّر فى مكانه .. تطلَّع إليها فى دهشه تمتـــــزج
بكثير من اللهفه عبر عشرات الوجوه التى تعبر أمــــام نظـــره
والتى لم يعُد يرى فيها سوى حواجز تحول بينه وبين الفتاة التى
أحبها فى صباه ....
وفى لهفه ؛ تحرك كل منهما نحو الآخر خطوة ثم توقفا ...
كانت تتمنى لو ارتمت بين ذراعيه وذابت فى صدره ...
وكان يتمنى لو ضمها إليه وذابا فى حُبٍ وحنان .. ولكن أحدهما
لم يفعل ... لقد بذلت أقصى جهدها لتسيطر على انفعـــالاتهـــا
وبذل أقصى جهده ليغلب مشاعره وهما يعاودان تقدمهما نحــــو
بعضهما البعض قبل أن يتطلع اليها ويقول باسما :
- إذاً فهو أنت .. لقد تصورت أنى أخطأت الرؤية ...
هزت كتفيها متظاهره باللامبالاه وهى تقول :
- نفس شعورى ....
سألها وهو يُخفى لهفته فى أعماقه :
- ماذا تفعلين هنـــا ؟؟!!
أجابته وهى تتشاغل بالنظر حولها حتى لاتفضحها عيناها:
- إنه حفل الشركه التى أعمل بها ...
رفع حاجبيه فى دهشه حقيقيه وهو يهتف :
- الشركه التى تعملين بها ؟! ومنذ متى تعملين هنا؟!
أجابته وهى تواصل التشاغُل بالنظر حولها :
- منذ شهر واحد ..
قال :
- إذاً فنحن نعمل الآن فى شركة واحدة ...
شعرت بنبرة لهفه فى صوته ؛ ولكنها تجاهلتها وهى تسأله :
- أتعمل بنفس الشركه ؟!
لوَّح بكفه هو يقول فى زهو :
- أننى مدير الدعاية بها ....
مدير الدعايه ؟؟!! إذاً فهو رئيسها المُباشر الذى كان من
المفروض أن تلتقى به الليله !!!
هو مديرُها ؟؟!! لا ..لن يُمكنها احتمال هذا .. ولن تعمل أبداً
تحت رياسته .....
وفى شموخ رفعت أنفها قائلةً :
- لست أظننى سأستمر فى العمل ....
سألها فى دهشه :
- لماذا ؟؟ إنها شركه معروفه ونصف شباب مصر يتمنون
الإلتحاق للعمل فيها .....
قالت بعناد :
- إلا أنا ......
لم تسمع منه جواباً أو تعليقاً لفترة تزيد على نصف الدقيقه
فأدارت عينيها اليه فى تساؤل ؛ وأربكها أن رأته يتطلع اليها
فى اهتمام ؛ وتضرج وجهها بحمرة الخجل فأشاحت به بعيداً
قبل أن يسألها هو :
- ماذا فعلتِ فى هذه السنوات الأربع ؟؟
غمغمت فى عصبيه :
- أُهنئك لأنك تذكر الوقت جيداً ..
همس :
- كانت أجمل أيام عمرى ...
قالت فى توتر :
- هذه السنوات الأربع ؟!
أجابها وهو يميل نحوها :
- بل تلك التى سبقتها ...
خفق قلبها فى قوه ؛ وبذلت قُصارى جهدها لإخفاء مشاعرها
وهو يُضيف :
- ايام خطبتنا .....
قالت وهى تفرك كفيها بشدة :
- تذكر أنك أنت الذى فسخت الخطبه لا أنا ...
اعتدل وقال فى ضيق :
- كنت مضطراً .....
سألته فى حده :
- لماذا ؟!
مضت لحظات من الصمت وهو يشرد ببصره بعيداً فبل أن يُجيب:
- كبريائى أجبرنى على هذا ....
قالت فى انفعال : أنت الذى صنع منها قضية كبرياء ...
أجاب فى توتر : كانت كذلك بالفعل ....
هزت رأسها نفياً فى عناد وهى تقول :
- بل كانت مشكله عاديه يمكن أن يواجهها أى شابين مخطوبين
قال فى حده :
- لم تكن أبداً مشكله عاديه .. كيف كان يمكننا أن نبقى
خطيبين بعد أن التحقتِ أنتِ بالعمل وبقيت أنا عاطلاً ؟! كيف يمكن
لرجل شرقى أن يرتبط بانثى تُنفق عليه ؟!
أجابته بحدة مماثلة :
- كانت مشكلة مؤقته ؛ وكنت ستجد عملاً أفضل بالتأكيد
جاء دوره ليُشيح بوجهه وهو يقول :
- لم أكن أحتمل الإنتظار أيامها .....
أضاف فى عصبيه :
- ثم ان والديكِ أبديا استنكارهما لذلك الوضع أيامها..
قالت فى ضيق :
- كان عليك أن تحتملهما حتى نتجاوز الأزمه ..
أجاب محنقاً :
- لم استطع أيامها ....
تطلعت اليه لحظات فى صمت قبل أن تقول :
- ولكن ها أنتذا قد وجدت عملاً جيداً ..
هز كتفيه قائلاً :
- احتاج الأمر الى عام كامل قبل أن أحصل عليه ؛ ولكنى
استطعت لترقى فى سرعه بإخلاصى الشديد وكفاءتى ...
- هذه واحده من مميزات القطاع الخاص ..
تطلع اليها مرة أخرى فى صمت ثم سألها :
- وماذا عنكِ ؟!
هزت كتفيها قائلة :
- لم أحتمل سوى عام واحد ؛ ثم تركت العمل ...
قال :
- ولكنكِ وجدتِ عملاً هنا ....
قالت فى عناد :
- قلت لك اننى لن أستمر فى هذا العمل ...
أراد أن يرجوها أن تبقى ؛ وتمنى لو بقيت بالفعل ؛ إلا أن
كبرياءه منعه من أن يفعل ذلك ؛ فاكتفى بالقول :
- هـــذا شأنكِ ..
ثم ألح على ذهنه سؤال لم يمكنه مقاومته ؛ فسألها بغته :
- هل تزوجتِ ؟
لم تكن قد فعلت ... لم تكن قد قبلت خطبة غيره منذ افترقا
ولكنها على الرغم من هذا أجابته فى كبرياء :
- اننى مخطوبه ؛ وسيعقد قرانى يوم الخميس القادم ...
بدت على وجهه خيبة الأمل وهو يقول :
- حقاً ؟!
ثم لم يلبث أن اعتدل وشد قامته وهو يقول :
- مبارك ...
خفضت عينيها دون أن تنبس ببنت شفه ؛ فاستطرد هو فى
مرح مُفتعل :
- أنا أيضاً فى طريقى لعقد قرانى .....
رفعت عينيها اليه فى ذعر هاتفةً :
- عقد قرانك ؟!
أومأ برأسه فى عصبيه ؛ وقال مُحاولاً التظاهر بالمرح :
- نعم إنها زميلة لى هنا ؛ ونحن مُتحابان .. و
لم يستطع اتمام عبارته فبترها على الفور وساد بينهما الصمت
وكلاهما يتطلع الى عينى الآخر فى أسى قبل أن تقول هى :
-أتمنى لك مُستقبلاً سعيداً ...
تمتم فى خفوت :
- وأنتِ أيضاً .....
مدت أصابع مُرتجفه لمُصافحته والتقت أصابعهما وهى تغمغم
مُقاومةً دموعها :
- الوداع ....
ردد فى مرارة :
- الوداع ....
أولى كلٌ منهما الآخر ظهره ؛ وابتعدا فى خطوات مُتثاقله بطيئه.
.. لقد فرقتهما مرة أُخرى تلك اللعنه .....
لعنة الكبــريــــاء .......
وفجأة توقفت .. وتوقف ..
وفى آن واحد التفت كلا منهما إلى الآخر ..
وفى هذه المرة , اندفعا نحو أحدهما الآخر فى لهفة لم يستطع أحدهما كتمانها ..
وبكل اللهفة فى أعماقها , هتفت هى :
- (صادق) .. إننى لست مخطوبة , ولن يعقد قرانى على سواك.
هتف فى حب وهو يحتضن كفيها براحتيه :
- وكذلك أنا يا (نادية) .. لقد كذبت عليك , ولا يوجد فى قلبى مكان لسواك.
وعندما سأل صاحب الشركة عن مدير الدعاية , ومندوبة الدعاية الجديدة , أخبره مدير آخر أنهما قد غادرا الفندق معاً , واتجها إلى أقرب مأذون ..
وتزوجا ..
وكانت أكبر دعاية للشركة ..
وأكبر هزيمة للكبرياء.
نبيل فاروق
|