كاتب الموضوع :
شتات الكون
المنتدى :
المنتدى العام للقصص والروايات
رد: رواية: أحببتُ حُطاما سَبق أوان الرحيل\ بقلم شتات الكون
.
.
.
خرجت من الباب الخلفي للمطبخ اغلقت باب المطبخ خلفها وذهبت لناحية اليمين تمشي ببطء، الصورة علقت برأسها، اشتياقها لمناهل يزداد وذكرياتها معها لا تتجلّى من أمام عينها لربما سبب ذلك هذا الشهر هو نفسه الذي توفيّت فيه، تنهدت بضيق واصبحت أمام "المخزن" رأت المزلاج مفتوحًا، عقدت حاجبيها، دفعته للخلف، ليصطدم في جسد نحيل نوعًا ما
صرخت: يممممممممممممه...
بينما هو كان يُراقبها من فتحت الباب الصغيرة علم إنّها وصايف، لم يُبدي بأي حركة تردد من فكرة الخروج أمامها وهي بِلا عباءة تستر بها جسدها وتردد ما بين غضبها منه لو خرج هكذا وكأنه أرنب سحري خرج من قبعة السّاحر الخفي ربما ستضربه!
فتحت الباب وكان هو في مواجهتها حينما صرخت خرج لكي يُريها نفسه
كمكم فمها ثم ابتعدت: اشششششششش انا نواف.....
وصايف وضعت يدها على قلبها واغمضت عينيها لتمتص طاقة جديدة لتنهمل عليه بالحديث الهامس وهي تتلفّت يمينًا ويسارًا مُحرجة من الوقوف أمامه هكذا
: انت شفيك؟....استخفّيت...جلدك يحكّك؟
نواف ضحك على شكلها وبهذلت ملابسها التي من الواضح إنها مبللة
نظر لعسليّة عينيها ووسعهما: اشتقت لك.
رفعت إحدى عصا المكانس واخذت تضربه على كتفه وبهمس وهي مازالت حانقة: شوقك هذا بودّرنا(سيجلب لنا المصائب)...
ثم شدّت على اسنانها: وش قلنا حنّا؟.....إلّا تبي يطيحون علينا......إلّا تبي ننجلد؟
نواف اقترب منها خطوة: تبالغين؟
وصايف اقتربت خطوة للأمام نسيت نفسها وهي تضربه على كتفه: وش اللي ابالغ؟.....نواف تكفى روح....الحين البنات يطلعون فجأة وشوفونا...غير كذا جدّي هنا......وربي يقطع راسي!
نواف مشى خطوة وخطوتين وهي تجاريه بهذه الخطوات للمضي للوراء حتى التصق ظهرها في الجدار
اغمضت عينيها وكتمت انفاسها شدّت على اعصابها بشكل ظاهري لمرأة العين
همس: ليش خايفة؟
اخيرًا جرأّت نفسها ودفعته: اقسم بالله صرت اخاف منك......انت مهما قلت احبك...ومهما قلت مابي اضرّك...إلّا انك جالس تضرني...تكفى روح...
نواف انهار امامها منفعلًا: اقسممممممم بالله ما راح اسوي لك شي....اللي صار في ذاك اليوم اقسم لك بالله ما يتكرر....
وصايف اجتمعت الدموع في عينيها زفرت بضيق: صاير تضايقني!
نواف مسح على وجهه وولّى بظهره عنها ثم عاد التفت عليها بشكل سريع: وانتي صايرة جبّانة وخوّافة....ومتغيرّة علي.
وصايف نزلت دموعها على خدّيها وبدأت ساقيها ترتجفان
تخشى من خروج إحدى بنات عمها على حين غفلة وتراهما
تخشى من الفضيحة حقًّا
: وانت صاير ما تحسب حساب لأحد.....بالله اذا جا احد وشافنا....
نواف : ماحد بيجي ماححححد بيجي...
وصايف بقلق نظرت للمين واليسار: قصّر حسّك.....
نواف سحب منها المكانس وتوجّه بهم إلى المخزن وضعهما ثم اغلقه
وعاد ينظر لها لتقول: خلاص امش...تكفى....
نواف برجاء: خمس دقايق تكفين...
وصايف شعرت بالتورّط في هذا الحُب لا تنكر إنها تحبّه ولكن هو مندفع بشكل مُخيف لناحيتها، غير ذلك روحه طائشة لا تدري ماذا سيفعل إن بقيت معه لدقائق، والأهم هي تقف أمامه دون استحياء منه! كاشفة عن شعرها وجسدها تخشى من قدوم أحدهم ورؤيتها معه هكذا ولكن لم تخشى من مراقبة الله لها!
طيش في طيش...على مسميّات متفرّعة...تنطوي تحت لسان الحُب الغشيم....وربما حُب الشهوة!
اقترب منها ليقول: كنت بس ابي اشوفك وامشي...
وصايف بحذر ابتعدت عنه: هذا انت شفتني يلا امشي...
وقبل أن يُردف حرفًا واحدًا
سمعا صوت الباب الرئيسي للمنزل ينفتح وخطوات قادمة لمسامع آذانيهما
وصايف وقع قلبها في الارض همست: يا ويلي...
نواف اتجّه لناحيتها سريعًا مسك يديها : اششششششش....بروح وانتي ادخلي في المخزن.....
هزّت رأسها له ، والآخر تردد من العبور للناحية الأخرى يخشى من ان يتواجه مع من دخل فبقي في مكانه ينظر ويراقب ووصايف دخلت في المخزن تراقبه من الفتحة الصغيرة وهي تقضم اظافرها!
.
.
قبل نصف ساعة من مجيئة إلى منزل جدّه، كان في غرفة فهد الذي اطبق على نفسه الباب، ومنعه من الدخول لمدة ثلاث دقائق ولكن اصراره جعله يستسلم ادخله في الغرفة
نظر له والآخر نظر إليه يقسم فهد ليس على ما يُرام يُخفي شيئًا عظيمًا عنّي، محاولة التحاشي والتصدد تُعني الأمر بالنسبة إليّ خطيرًا
غير احتضانه المفاجأ لوصايف هذا أمر يُدهش العقل وتفكيره
: يعني مصر ما تقول؟
فهد بملل: وأنت مصّر تخلّي في ام السالفة شي ...
ريّان ابتسم رغمًا عنه: متوتر.....ومرتبك......وعليك تصرفات عمرك ما سويتها...
فهد مسك ياقة بدلته وبغضب: الله يلعـ
قاطعه ريّان بانفعال: لا تلعن......انا عارف في شي.....بس قولي....هالشي له خص برحيل...
فهد نظر له: لا....
ريّان مسح على وجهه: طيب....
فهد تعجّب من استسلام ريّان، ولكن حمد لله وشكره جلس على طرف السرير،
ريّان: هالشي كيف خلّاك تتحوّل لحنون وتحضن وصايف؟
فهد ألتفت عليه سريعًا لم ينتهي؟ من اسالته بل سيأخذ منحنيات أخرى لحث فهد للتحدث.
فهد: هالشهر يصادف وفاة المرحومة مناهل....
ريّان بتذكر: اوه صدق.....كيف كذا راح عن بالي....
فهد بحده: لأنه بالك مشغول بس في رحيل....
ريّان نظر له : ثنتينهم بنفس الأولويّة....
فهد باستنكار: متأكّد؟
اخيرًا استطاع قلب الطاولة على ريّان لمصلحته وليس مصلحة نفسه يريد ان يشغله بشيء آخر، كي يُشيح بنظره عن أمره
ريّان: كأنك تعاتب؟
فهد ابتسم بسخرية: ما عاتبت بس مستغرّب أنك نسيت...
ريّان باندفاع في الحديث جعل فهد يشعر بالحرقة ويشعر بتأنيب الضمير: عمري ما نسيت....بس يمكن سالفة التنّاسي اشغلتني من اني اركّز على حنّا في اي يوم....وفي اي شهر وفي اي سنة!.....كم تمنيت نسيان اشياء واشياء وعجزت من نسيانها!
.
.
.
مُجبر على اللّعب في اوتارك يا ريّان أنا مُجبر لكي لا افلق قلبك إلى نصفّين.
.
.
اخذ طريق آخر في الحديث: ومن ضمن هالاشياء المشاعر العاطفية؟
سكت ريّان وكأنّه فهم دوّامة أخيه يُخرجه من قوقعة ويدخله في أخرى
لن يترك لهُ مجالًا في اللّعب معه على هذا المنطلق: جالس تخلط الحابل بالنابل بس عشان تدوّهني وتخلّيني اغض البصر عنك....
وبانفعال: قدااااامك النقيب ريّان امثالك مرّوا علي كثير...يحاولون يهربون من الاسالة.....عشان نجاتهم...وانت تهرب عشان ايش يا فهد؟
فهد ضحك رغمًا عنه: ههههههههههههههههه.......تراني ما نيب مجرم.....
ريّان بنبرة ذات مغزى: جالس تطلّع روحك وتشتتني وانت تحرقني.....
فهد نهض: اخسي يا ريّان.....احرق نفسي ولا احرقك....بس ما ابي اوجعك....
ريّان بانفعال شديد: يعني في شي...
فهد هز رأسه: وما اقدر اقوله.....
ريّان سكت ونظر لفهد،
بلل شفتيه ثم اردفت: بالنسبة للمشاعر العاطفية......انت تحب مزون.....وللعلم...
فهد نظر إليه شعر وكأن ريّان ينتقم لنفسه بسبب عدم معرفته بذلك الشيء الذي قلب حاله إلى حال آخر
نظر له وهو يُكمل: أنا ما اشوفها إلا بعين الاخوّة....هي حالها حال وصايف...ورحيل.....عن اذنك...
ثم خرج من الغرفة تارك فهد في بركانه، يغوص ويطفو بهِ اطلق زفير غاضبًا على نفسه وعلى حديثه مع ريّان بينما ريّان خرج لينظر لخالته التي استقبلته بقولها: ريّان....
التفت عليها: آمري...
ام وصايف تفرك بيديها بشدّة: اتصل لي على ليث....
ريّان سحب هواء عميق ولم يزفره هز رأسه: ان شاء الله......بتروش وبنزل وبتصل عليه...
ام وصايف ابتسمت على مضض ثم ذهبت لغرفتها
وريّان اغلق على نفسه في غرفته،
.
.
ارجوك يا الله ألطف بحال رحيل
إن كانت في مصيبة ففرّجها عنها يا الله
أنا لا اتحمّل تجرّع غصّات رحيل برحيل نفسي
يُصعب عليّ تخيّل الأمر الذي طوّق فهد ليجعله يلتفت وراء معنى "الأخت"
هو يعي المعنى ولكن لا يُظهره واظهاره بهذه الطريقة في هذا اليوم جعل قلبي يغص في ألحان الرحّيل...
هو ضربني بأسواطه ليُقلق عقلي في أماكن مجهولة
وانا ضربته لأعلّقه ما بين التصديق واللاتصديق!
.
.
سمع رنين هاتفه وكان جدّه هو المتصل اجاب عليه بهدوء: هلا جدّي.
.
.
تجد من ثُقب ألمها أملًا يظهر بسبب شهادتها وخبراتها التي أمتدّت إلى ما يُقارب السنتين من عملها، هذه نُقطة إجابيّة تمكّنها من العمل رغم صعوبة الحصول على عمل في وقتنا الحاضر، قدّمت اوراقها وسيرتها الذاتية.
قرؤوا وجهات عملها التي عملت بداخلها سابقًا والتي بدأت مسيرتها في العمل في مدينة الرّباط في إحدى المستشفيات الحكوميّة الشهيرة عملت هُناك لمدة سنة ثم انتقلت إلى ولاية ماساتشوستس وعملت في مستشفيات خاصة واخرى حكومية لمدة تُعتبر طويلة ، غير الأعمال التطوعيّة والخيريّة والتي كانت على مستوى شبه عالمي ساعدّاها في كسب خبرة ليست هيّنة لذلك هي استطاعت في الواقع مساعدة رحيل دون الخوض في مسائل قد تُجلب لها جُلبة لا تستطيع الخلاص منها، اتفقت معهم سيكون اوّل شهر تجريبي ومن ثم يقررّا على التوظيف الرسمي لها، سيتم إيداع نصف الراتب لها خلال هذا الشهر، تكره العمل في المستشفيات الخّاصة ولكن تحمد لله انهم استقبلوها فلن ترفض هذه الشروط، جلست تتنهّد بضيق
والأفكار تأخذها في منحنيات كُثر، تذكّرت أمرها...وضاق صدرها تمامًا حينما شربت ذلك السّم اكتشفت أمر لم تستطع أن تصدّقه، وودّت لو حرقت نفسها بدلّا من استيعابها على فعلتها تلك!
ومُنذ ذلك اليوم وهي تُعيد حساباتها من جديد، مكالمتها مع ركان بمزاجها العكر كان بسبب ضيق روحها عليها ولكن كان هذا قبل معرفتها بالأمر فظنّت إنّها انسلخت كليًّا من ركان ولكن رأت نفسها تعود إليه من جديد، هي لا تجهل بالحُكم الشرعي ما زالت على ذمّته إجراءات الطّلاق طويلة ولم تنتهي بعد وباستطاعتهما العودة .
فهي في العدّة ولكن الآن العدّة اصبحت اطول!
اليوم أجرت تحليل دم لتؤكّد الشكوك، مسحت على شعرها، سمعت رنين هاتفها نظرت للأسم وكان والدها
ستُجيبه يُكفيها صدًّا عنه بعدت خصلات شعرها: الو...
قال بنبرة غضب: كدا تعملي فيني يا بنت...مترديش على اتصالاتي.....ولا تطمنّي ئلبي عليكي......
سوزان حقًا هي في مزاج متوتر، هو لا يُريد الإطمئنان هُناك أمر آخر يدعوه للإتصال بها
اعتادت على اسلوب والدها وحفظته
: أنا بخير....
قال بعد صمت وكأنه يُكافح غضبه: متى عاوزة ترقعي على مِصر؟
سوزان حّكت رقبتها: في حاجة يا بابا......أنا مش راقعه دي الوئتي....عاوزة أبقى لوحدي!
سكت، ثم اردف: حاب أولك انا راح اتجوّز....الاسبوع القاي.....وحابب ترقعي وتحضري الفرح.....بس واضح ما ليش خاطر ليكي...
بللت شفيتها اغمضت عينيها وسمعت طرق الباب ازدردت ريقها وظنّت الممرضة اتت بأوراق التحاليل التي عملتها في الصبّاح الباكر ولكن كان الدكتور فاون هو من دخل، كاد يخرج ولكن اشارت له بأن يدخل ويجلس
ولكي تُنهي المكالمة : مبروك يا بابا....مش حأَدر (اقدر) ارجع بالوئت دا....وآسفة انا مشغولة بالوئتي.....مع السلامة.
اغلقت الخط قبل أن تسمع ردّه ثم ابتسمت لوجه الطبيب الفرنسي(فاون) ليردف الآخر لها: bonjour
ثم قال(مترجم): اتمنى أتيت في وقت مُناسب...
هزّت رأسها لتؤكد له:اجل....هل هُناك أمر طارىء؟
مدّ لها الملف(مترجم): الدكتور جوسف...معجب حقًا بسيرتك الذاتية والتي اخبرتهُ برغم موجزها عن خبراتك....وودّ أن يضعك في أختبار ليؤكّد مهاراتك ويبرهنها على الواقع!
سوزان شعرت بالغثيان ولكن حاولت ان تسيطر على نفسها بسحب هواء عميق لرئتيها(مترجم): هذا الأمر يدعوني للفخر....
الدكتور فاون(مترجم): لهذا فهو يدعوكِ لحضور المؤتمر الصحي في مدينة فرساي لتنوبي عن حضوره!
الأمر ثقيل وصعب، وأتى بشكل مفاجأ لها نظرت له بدهشة
حتى به ضحك(مترجم): هههههههه اعلم غريب!.....ولكن وجد بكِ ما اثّر به....من الناحية العلمية....اخبرتك سيرتك الذاتية حافلة بالإنجازات والاغراءات الطبيّة التي تُنم عن مدى تمكنّك....في هذا المجال!
سوزان مسحت على شعرها ولتختصر عليه الحديث(مترجم): يود منّي أن أعّد خطابًا؟
الدكتور فاون(مترجم): اجل....خطابًا يتمحوّر حول أمراض الدم الوراثية ومختومًا بإظهار مجهودنا هُنا من بحوث وغيرها.
ثم اخذ نفس (مترجم): لا عليك سأكون معكِ خطوة بخطوة....من اجل اطلاعك على كل شي.....
سوزان نظرت له بحيرة لا تريد ان ترفض لكي لا تخسر العمل ولا حتّى ثقتهم بها!
(مترجم): ومتى سيكون؟
الدكتور فاون نهض(مترجم): بعد ثلاثة ايّام....بالمناسبة مدينة فارساي مدينة جميلة.....جدًا ستستمتعين هُناك...وغير ذلك فهي تبعد عن باريس بما يقارب التسعةَ عشر كلوميتر....ولكِ أحقية البقاء هُناك اسبوعًا كاملًا كمكافأة على قبولك بالحضور في المؤتمر.
نهضت مبتسمة: jolis (جميل)
ثم صافحته: اشركم على مدى ثقتكم بي.....اتمنى ان اكون عند حسن ظنكم.....
الدكتور فاون صافحها: Je vous en prie.
هزت رأسها باحترام له ثم خرج من المكتب ودخلت سريعًا الممرضة اعطتها الملف بعد أن القت عليها السلام ثم خرجت
شعرت روحها ستخرج، هي تعلم النتيجة واحدة رغم إجراؤها للعديد من التحاليل المنزلية، صُعقت اصلًا كيف؟ وفي فترة قصيرة مثل تلك
الأمر طبيعي جدًا، ولكن تخاف...هما مبتعدان على مبدأ الحماية
هما اصلًا تطلّقا....ولكن الإجراءات باتت معلّقة حتّى يومنا هذا!
.
لا مجال للهروب يا ركان....ربما نحن الاثنان مجبران على ان نعيش الخوف معًا بدلًا من الهروب منه على سبيل الحماية.
.
نظرت لورقة التحاليل، عقدت حاجبيها حينما تأكدّت الشكوك، يُعني انها كانت حامل قبل أن تُغادر تلك اللّحظة التي افلقت قلبها واعجزت خيالاتُها من التوقف عن ربط الاحتمالات المُخيفة، ها هو حملها أتّم شهرًا وهي لم تشعر، ربما الظروف جعلتها لا تهتم بتلك الإشارات التي ظنّتها بسبب الإرهاق والأرق....ورغم ما حدث ...حينما تعرضّوا للصدمات....وحينما ركضت لمسافات لتنجو بعد خروجها من المطار....ورغم شربها للكحول ما زال باقيًّا ومستمسكًا بها، خارت قواها وجلست على الكرسي بندم على ما فعلتهُ وعلى شربها كادت تقتل طفلها بسبب الهموم!
بكت بدموع وبللت شفتيها ،ماذا تفعل؟
هي اعلنت انسحابها من حياة ركان، وركان يجدد حمايته باتصاله في ذلك اليوم
رنّ هاتفها ونظرت للاسم
وبكت هُنا بصوت!
.
.
.
وصلا إلى الشقة يمشي بخطوات هادئة وبطيئة تنهاه أُخته بمبالغتها في الاهتمام به عن المشي السريع بقولها" وش هالعجلة ....بشويش على نفسك" يبتسم لها، ثم طوّق رأسها لناحية صدره قبّله وهو يقول
: جعلني ما افقد هالإهتمام.
رفعت رأسها له وهي تبتسم وتفتح باب غرفته: من يوم يومي اهتم فيك حتى بعد زواجي من ليث...
ركان ازاح يده عنها ومشى بِخُطى اسرع من ذي قبل وجلس على طرف السرير: لا والله ليث سرقك منّي...
ضحكت هُنا وانحنت لكي تُزيح حذاؤه فقال باحترام: قدرك أعلى من كذا!
أمل ابتسمت في وجهه: ترا عادي اخوي ما فيها شي....وبعدين اخاف تنحني وتفتح خيوط جرحك....
ركان: سمحت لك تلبسيني اياهم ....بس خلاص...عاد....ترا الجرح مو في بطني في كتفي....شفيك.....بسيطة....
أمل لم تُعيره اي اهتمام ازاحت الحذاء عن قدميه، ثم وقفت لتسحب وسادة اخرى لتضعها خلف الوسادة الأساسية لكي يستلقي عليهما!
: ارتاح.... بروح اتروّش وبطلع اسوي لك اكل....
ثم قالت بهدوء: صدق ليث بيجي هو في الطريق...
ركان سحب نفسه قليلًا وهو يتألم ولكن لم يُظهر ألمه لكي لا يقلقها: سمعتك وانتي تكلمينه....
أمل: ارتاح على ما يجي...هو عنده مفتاح الشقة يعني لا تخاف ما راح تقوم تفتح له....
ثم وضعت هاتفه على الكومدينة بعد ان اخرجته من حقيبتها: هذا جوّالك
ركان ابتسم لها بحنان: خلاص روحي ربي يعطيك العافية...
ابتسمت له ثم خرجت، وتذكر سوزان، خائف من جنونها، ومن عنادها الذي سمعه في مكالمته لها يشعر بِها أمر، امر مزعج لهُ، سحب الهاتف
اتصل عليها، يريد ان يشدد عليها بصرامة العودة للقاهرة ...وإلّا هو من سيسافر ليثنيها عن بقاؤها هُناك
.
نظرت للشاشة....ما زال يتصل
.
وهو ما زال ينتظر
.
.
سحبت نفس عميق وبللت شفتيها اجابته: هلا ركان...
ركان بغضب: اسمعيني زين سوزان...اقسم بالله اذا ما رجعتي القاهرة....أنا اللي بجي لك...ارجعك بنفسي...
سوزان مسحت ارنبة انفها بطريقة سريعة: مالك داعي.....
ركان بانفعال: سوزان ...اقسم بالله انك في خطر....انا ما ودّي اقولك بس انتي جالسة تضغطيني وانا تعبان.....
سكتت ورنّت في مسامعها كلمته "تعبان" خافت وبلهفة اردفت: إيه اللي حصل؟
ركان اغمض عينيه: صوّبوني بالمسدس...
نهضت من على الكرسي وبصوت منفعل: ايشششششششش؟
ركان سريعًا اردف: انا بخير....الرصاصة ما جات في مكان خطير.....
ثم بصوت رجاء: ارجوك سوزان ....يرحم لي والديك ارجعي للقاهرة.....ارجعي....ما اضمن ايش ممكن يسوون لك...وانتي برا ما عندك الحصانة القويّة اللي تحميك....
سوزان سكتت ونزلت دموعها لتنساب على خدّيها ،لا تريد خُسران هذا الحُب لا تريد أن تتجرّعه ولا حتّى تخيّله، يا الله ماذا تفعل؟ الظروف تُجبر حبّهما على أن يكون عصيًّا لا يتماشى مع ما يُريدانه، يجعلهما يخضان في جبهات حربيّة لا قُدرة لهما على مجابهة جنودها المخيفة، والآن عليها أن تحميه من جنونها ومن ضغطها الذي انبتتهُ في فؤاده، عليها أن تكون لهُ درعًا في هذه الحرب العاصفة لقلبيهما!
: أنا بحاجة اجلس لوحدي...مش عاوزة ارقع للقاهرة.....
ركان ارتفع صوته: تبين تتتتتذبحيني انتي؟
سوزان عضّت على شفتها السفلية،هي لا تريد ذبحك ولا ذبح نفسها بل تُريد مخرجًا تستطيع من خلالهُ إحداث شرخ في عالم آخر يجعلها تعيش معك بهدوء دون خوفٍ ولا قلق
: في حاقات حصلت وما فينيش اسيبها وهيّا في النص....
ركان بشك: مثل ايش؟
سوزان: شغلي.....
وبكذب: وقّعت على عقد مع مستشفى خاص مدّته ستة اشهر واذا بسيبه لازم ادفع لهم مبلغ وقدره...
ركان اطلق شتيمة مقهورة من قلبه، مسح على جبينهُ يُدرك كل الأبواب مُغلقة في وجهه هو عاجز من ردعها من هذا الجنون وعاجز من النهوض والسّفر لها في ظّل هذه الظروف
: كم المبلغ؟
سوزان لا تريد ان يكشفها: ركان بليز...
ركان : متغيرة ....والله متغيّرة علي يا سوزان.....ما هوب هامّك خوفي...ولا قلقي عليك....
سوزان بنبرة ضعف: مشتاقة يا ركان....مشتاقة وخايفة وقلقانة من إني اخسرك!
ركان خانهُ التعبير
ارتطم في أمواج حُبه، اخذ يستمع لنبضات قلبهُ التي تُهديه أهازيج عُشقه السرمدي،
.
ركان هي تحبّك وأنت لستُ جاهلًا بهذا الأمر لا تضغط عليها استمع لها الآن فقط، أرح مسامعك لنبرة صوتها الأنثوي اللّذيذ والذي لهُ قدره على سلب روحك المُتعبة لتُمسك بها من غضاريف الألم إلى اغصان الإسترخاء والهدوء، استمع لكلماتها وإن كانت لا تُرضيك انت على يقين من إنّها ستُهدّأ من اعصابك وستأخذ من انفعالاتك لتُلغيها بعيدًا عن خلاياك المُهتزّه على اثر اوتار صوتها الحانّي، اغمضك عينيك اهدّأ لا تُردف حرفًا قد يُجرح قلبها المجروح اصلًا!
.
سكت ثم قالت: شوف.....اجراءات الطلاق مستمرة...وهم عرفوا حنّا نفذنا اللي طلبوه....يعني ما في شي يخوّف...
ركان بقلق: ما اضمنهم....
سوزان ازدردت ريقها: اوعدك شهر وحرجع القاهرة....واوعدك احمي نفسي وإن تطلّب الأمر حملت في شنطتي سلاح!
ركان
ألتمس نبرتها، وتغيّر صوتها عن اوّل مكالمه له
التمس قبولها للمضي في علاقتهما بدلًا من قطعها ففهم
ففي المكالمة الأولى كانت تُعاتبه وكانت في مرحلة انهيار مسيطر على كيانها وانفعالاتها
أما الآن شعر وكأنها هادئة، كم ألتمس لهفتها لسماع صوته، تُريده أجل هي تُريده ولكن تتألم من هذا البُعد!
: إن اوجعتي قلبي والله ما راح اسامحك!
سوزان مسحت على بطنها وهي تزدرد ريقها: اوعدك ما راح اوجعه....
ثم بحذر قالت: لا عاد تتصل....ما حضغط عليك بجنون حبي ليك....افضل حاقة نعملها نتواصل مع بعضينا عن طريق الأيميل كدا...راح نضمن....حمايتنا لبعض!
ركان: سوزان....
سوزان اغمضت عينها لتنساب الدموع : نعم...
ركان بشك: فيك شي؟
سوزان فهمت تغلّب مزاجها عن مكالمتها الأولى : لا بس انت صدق على حق.....انت تبي تحميني وانا مش جالسة اساعدك في الحماية.....مجبورين نتألم اشوي عشان.....عشان...نحمي بعض...
ركان بتدقيق وتركيز عالي في حديثها: نحمي بعض!؟
سوزان جلست على الكرسي بخذلان رجليها من الوقوف: مابي الفت الانظار حوليك باتصالاتي.....انا استوعبت اني جالسة اضغط عليك...
ركان بتنهد: ان شاء الله تنتهي هالفترة وارجعك قبل ما تخلّص العدّة...
اردفت بوجع: العدّة مطولة يا ركان!
ركان ظنّ أنها لا تفقه في هذا الأمر وظن انها تسأله
فقال: عدّة المرأة المطلقة الغير حامل ثلاث شهور..
ثم اتلى عليها الآية الكريمة: (وَالمُطَلَّقَاتُ يَترَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ).
ابعدت عن اذنها الهاتف وبكت بِلا صوت، اختلج صدرها بالدموع، تريد نزف هذه الدموع وإلّا ستختنق!
هل ظن انها لا تعلم بهذا الحُكم؟في الواقع لم يُوجعها أمر التشكيك بعدم فقهِها في هذا الأمر الشرعي اكثر من عدم انتباهه لِم تقصده!
هو مستبعد تمامًا من أن تكون حاملًا كما هي استبعدت لن تضغط عليه خاصة بعد علمها بإصابته والآن هو في حالة مرضية تُجبرها على التماسك وعدم الإنهيار واظهار ذلك له.
هي الآن فهمت إلى أيّ مدى ركان يحبّها استيقظت من سُبات حُبّها الثقيل لتعي ثقل الظروف التي تعيشها من زاوية أخرى معه!
هزّت رأسها وهي تّرجع الهاتف لتقول: ايوا صح....نسيت.....ركان....انتبه لنفسك مضطرّة اسكّر....عندي شغل...
ركان بخوف: تكفين لا تكثرين خروج برا....تكفين سوزان...لا توجعيني....والله لو يصير لك شي..اموت....
سوزان غصّة لا تدري ماذا تقول
: اوعدك ما راح يصير لي شي.....باي...
اغلقت الهاتف بعد سماع كلمة "استودعتك ربي"
.
.
شعرت وكأن العالم كلّه ينتهز الفُرص لتضييق عليها امر السعادة
بكت لا تجرؤ على نُطق الحروف بقولها "أنا حامل" ستُثقله وستضع على اعتاقه اطنانًا من الحمول، هو ابتعد من أجل حمايتها وهي ستبتعد من أجل حمايته وحماية جنينها، شعور متضارب ومتداخل في بعضه، لا تجرؤ على نُطق سعادتها من حَمل قطعة صغيره بداخلها منه، مسحت على بطنها وبكت وكأنها تُعزّي نفسها على ثقل هذه الظروف التّي استحلّت غُددها الدمعيّة، واستحلّت ضربها بسوط عذابها الثكّل على قلبها الضعيف.
.
.
يا الله
ماذا فعلت؟
لا أجد حسن التّصرف وأنا في أوّج شتاتي
بدأت حقًّا بالتّخبط أنا لا ادري لِم قُلت ذلك؟
ولكن اعلم جيّدًا إنني لا أملك الشجاعة في حُب احدهم
أنا عذراء في مشاعري....لم يسبق لي حُب أحدهم حتّى ليث
ولكن فكرة التخلّي والخُذلان وربما الشعور بالإحراج من ردّت فعله في رفض الزواج مني هو من جعلني اتقوقع على هذه النّاحية التي يرونها على مبادىء مُغايرة منّي!
أنا ضحيّتهم ....الجميع يهتف ويصفق بكفّيه صارخًا انتما لبعض....انتما مُناسبين ولكن ماذا حدث؟
أحدث ليث في حياتي شرخًا من الخجل، لا اعلم ماهيّة رفضه في مثل ذلك اليوم ...لماذا لم يرفضني قبل أوانها؟
علّقوني...وعلّقوا آمالي....اصبحت ارفض الجميع لكي لا أُخذل....هل انا لا أملك المميّزات التي تجعلني أُنثى متكاملة لكي يرفضني؟
ولكن ها هو رعد ....احبّني دون رؤية تلك المعالم الجسدية الأنثوية.....ربما اخلاقي كانت سببًا في جذبه....أنا حقًّا مُحتشمة لا ألفت الأنظار...ولكن....لا أدري بدأت حقًّا بالهذيان والضيّاع في الأسباب!
هذياني هذا.....
جنون من نوع آخر...كًّل شيء مُرتبط بالماضي.....حلمت كثيرًا...ووقعت على واقع مُخالف لسراب أحلامي...حققّت طموحًا واسعًا في دراستي....ولكن ما زُلت اشعر بالكآبة.....ربما حديث جدّي كان لاذعًا بما يكفي....كان يصرخ في وجهي قائلًا" بجيبين لنا العار" ولم اجلبه إلى الآن ولكن يخشى من إنني اجلبه يومًا...اشعر وكأنه ينتظر هذا اليوم....لا ادري هل خوفه بسبب قلّة ثقته بتربيّة ابنه لي...أم بوالدتي؟
أهذي.....أتذبذب....انحني...وانكسر...كالغُصن اليبس!
اشعر بانكسار عزيمتي في مواجهة الظروف التي تُجبر كياني على قبول أشياء كُثر لا أحبّذها...
اخشى من جنون رعد....في نشر كذبتي على مسامع الطابق الطبّي كلّه...اخشى من ان أًصبح فضيحة يتداولها موظفات وموظفون المستشفى كخبر عاجل مُثير للإهتمام.
ماذا اصنع يا ربي؟
ادخلت نفسي في متاهات أنا لا اقوى على مواجهتها....هل اذهب واخبره بأنني لستُ مرتبطة بأحد ولكن لا اريدك؟
كيف انقذ نفسي من حبل الموت؟ أجل رعد من الواضح متمسك بي
وانا كسرت عُوده قبل أن يشتّد...ماذا اصنع؟
همومي كثر ولكنني لا أُبيح بِها خشيةً من سوء الفهم، أنا حقًّا لستُ مستعدة بالإرتباط بأحد....لا اريد لا رعد...ولا محمدًا!
وامري في رفض محمد غريب....لا اريد أن ارتبط به وكُنت يومًا مخطوبةً لأخيه.....ليست خطبة رسمية ولكن تداولها الأهل بكلمة"دانة محيّرة لولد عمها ليث" اغلقُ باب رزقي في لُقيا زوج افضل من ليث!
أغلقوا افواه كُثر ودّت لو تتقدم لرؤية كياني الأنثوي من أجل الخُطبة....لن اقول قطعوا رزقي بالمعنى الصّريح الثابّت!...ولكن أمّلوني كثيرًا بليث!
أنا اقسم للجميع لا أحبّه ولكن ....ِشوّهوني....جعلوني سخرية للجميع....كيف غيّر وبدّل رأيه من دانة لرحيل...ماذا رأى في رحيل لكي يترك دانة؟
ألم تكوني مخطوبة؟
نعم...
ولكن افل قمر العريس وتجلّى في سماء الرّحيل.
وبقيتُ أنا ما بين النجوم اختطف شهابًا ليُنير دربي ....ولكن لم ارى سوى انعواج ظلّي يا أنا!
وقتها الجميع بدأ يسأل ألم يكن ليث "محيّرًا" لدانة ماذا حصل؟
يجيبون ببرود "الأفكار والرغبات تتبدّل" ما بال رغباتي أنا
وما بال افكاري لماذا لا أحد يُعيرها أي اهتمام؟
دعوكم من هذا ....أنا احزن على نفسي ليس على ليث....الجميع بدأ ينظر لي بشفقة تجعل قلبي يخفق بشدّة.....اعلم والدي كُسر في لحظتها ولكن لم يُبدي بانكساره لكي لا يخسر أخوّته مع عميّ "علي"....والدتي اصبحت تردد وتهتفت تظنّ إنني اُغرمت به لدرجة لن استطيع نُسيانه كانت تجرحني بقولها" الله يرزقك باللي احسن منه ويمسح على قلبك وذاكرتك وتنسينه!" الجميع واثق من قبولي بهِ وبحبي العذري الذي يظنون زرعوه بداخلي ولكن لم يفكرُّوا يومًا إنني خجلة من هذا الرفض لا من حبي له......اخجلوني من ردّت فعلهم ...وانكسارهم الجَلل منه...لأنه لم يكن هُناك حب في الأصل بل كان هُناك قبول لدرجة التكيّف والإستعداد على الخوض في الحياة معه فقط لا غير.
والآن تدور السنين لأجد نفسي.....مُجبرة على خطوبة أخيه...
يا الله ....
دانة استجمعي قوّاكِ...اعترفي لرعد بكذبتك اعترفي!
.
.
مسحت على شعرها، أجل ازاحت من على رأسها الحجاب واغلقت مكتبها، صلّت المغرب......وبقيت بعدها تُمارس مهنتها على اكمل وجه، إلى ان أتت استراحتها الرسمية والتي كانت مع دخول وقت صلاة العشاء...صلّت وبقيت في المكتب لم تخرج...لا تريد ان تواجه بكذبتها....لا تريد....سمعت رنين هاتفها....
تنهّدت ثم اجابت: هلا موضي...
موضي بصوت مخنوق يدّل على تعبها وجهدها كما انّ نبرتها المبحوحة تدّل على بكاء اخيها لفترات طويلة: اخبارك دانة؟
دانة"لستُ بخير ولكن أحاول التأقلم على هذا الوضع...لكي اصبح بخير مشروط!"
: الحمد لله بخير....
موضي سكتت، ثم قالت: دانة....صدق اللي سمعته؟
دانة وقع قلبها هُنا: شنو؟
موضي بتنهد: دكتور رعد اتصل علي...وبصراحة خفت عندي استدعاء للمستشفى بسبب العجز...وانا مالي خلق اداوم...ولكن فاجأني...متصل بس عشان يسأل عن شي خارج ميعاد الدوام......واللي زاد دهشتي كيف تجرّأ واتصل على رقمي الخاص!
دانة وكأنها فهمت: اي؟
موضي: يسالني انتي صدق مخطوبة ولالا....انا اختبصت......
دانة ازدردت ريقها : وش قلتي له؟
موضي بتردد: انا عارفة سالفة جدّك.....وسالفة انه يبيك لمحمد.....هو صار بينكم شي؟
دانة جلست على الكرسي: لا..
موضي: والله احترت فكّرت صار شي....
دانة بخوف: وش قلتي له؟
موضي بهدوء: قلت له.....لا....
ابتسمت بسخرية، ولكن اطمأنت قليلًا: طيب...
موضي: شنو طيب؟....الرجال ما سأل إلّا انه ..
قاطعتها دانة: موضي مشغولة ......انتهت استراحتي...
موضي ألتمست هروبها: بينا اتصال بعدين...
دانة : ان شاء الله...
اغلقت الخط....واتكأت بيدها على المكتب لينتثر شعرها للأمام، اصبحت كاذبة مع مرتبة الشرف سينظر لها بعين انكسار لمشاعره وبعين الكاذبة، لا يهم أن يراها هكذا ولكن الأهم انها تخلّصت من ضجيجه، نهضت سريعًا لفّت حجابها ولبست نقابها ، ستخرج لتشتري قهوة تُعيد بِها اتزان تفكيرها ، لن تبقى هُنا لكي لا تجن!
.
.
وصل....فتح الباب...روحه ليست معه...وقلبه ينبض سمفونيات حُزن كثيرة....هُناك بالقُرب من أذنه اليُمنى أهازيج تُعزّيه على وقع النّاي وفي وفي اليُسرى يستمع لكلمات جوقة بوتيرة حزينة تكرر بلا إنسانية
" أحزن..اشدو بحُزنك للعالم ألحان..ألتهب بعين أثمك دون وجدان..أحزن يا ليث..أحزن..لأنك تستحق الحُزن والعناء"
يمشي بثقل، والصورة تنبثق من جديد في ذاكرته، لعقت من خلاياه مساحة كبيرة ، وإن كان الأمر مدبّرًا كيف يُشيح بنظره عن نظرتها له، عن حُبّها العميق الذي يُخالج صدرها، كيف يتقبّل إزاحة مشاعرها لشخص آخر وهي على ذمّته؟ كيف تجرّأت على الإعتراف بذلك أصلًا؟
.
.
آه رحيل، الجميع تمنّى رحيلك بينما كُنت وقتها لا أتمنى سوى خروجك من السجن لتعويضك، لغسل ضميري، لأجعلك تنظرين للعالم من زاوية أخرى ولكن ماذا فعلتي بي اليوم؟
جعلتيني حقًا انظر للعالم بزاوية أخرى، بعثرتي بداخلي مشاعر حُقد، وكُره ومشاعر أخرى لا تستفيض بنورها إليكِ!
أنا اصبحتُ حُطامك يا رحيل من بعد اليوم.....انتِ رمادي...وأنا حُطامك.
كسرتني....هشمتني....ألقيتِ بي على شاطىء الأشواك....لم يبقى منّي شيء
استهلكتني وكثيرًا!
.
.
مشى....اغلق الباب من خلفه....وربما سمع صداه ركان وهو في غرفته لأنه انطق
:للللللللللليث...تعال...
تنهد يحاول الصمّود واخفاء الغضب من معالم وجهه ولكن مجاهدته في ذلك عقيمة.
توجّه لغرفة ركان
الذي نظر إليه بهدوء
: الحمد لله على سلامتك...ما بغيت تطلع من المستشفى...
ابتسم ركان : الله يسلمك....
ليث جلس على طرف السرير وضع يده على ساق ركان: بكرا طيّارتكم على الساعة تسع الصبح....
ركان بخوف وقلق: متأكد انك قد هالخطوة؟
ليث ببهوت: بإذن الله....بس لا تحرمني من دعواتك...
ركان سكت، ثم نظر له: سوزان راحت فرنسا...
ليث عقد حاجبيه: قلت لها لا تسافر....ليش سافرت اصلا ...ابوها في شي هاللي سافرت؟
ركان بضيق: مادري هي تعاند ولّا تحاول تهرب من نفسها ومن مشاعرها ناحيتي؟
ليث سكت، ثم نظر لعينين ركان: تدري عاد.... حبّك غلطة يا ركان.
ركان ابتسم وهو يتنهد: واجمل غلطة وربّك.....اول مرة احس بهالشعور...ليث الحُب حلو.....بس يوم يصير بظروف تبن مثل ظروفنا.....يقطّع من قلبك اشياء واجد!
ضحك على نُطق"تبن" ليهز رأسه: طيب كلّمتها؟
ركان: كلمتها ترجع بس تقول ما تقدر....عندها شغل وموقعة على عقد ما تقدر تترك كل شي بسرعة....بتحاول تبقى هناك شهر....
ليث ليبث الاطمئنان بداخله: الله يحفظها...
ركان رفع نفسه من على الوسادة: فكّرت اسافر لها
ليث شخصت عيناه: لا تفكّر!.....الوضع كلّش ما يسمح...فكّر بنفسك اشوي وبأمل على الأقل.......مانكر هي جالسة تعرّض نفسها للخطر بس الخطر الي بجيها ولا شي قدام اللي بجيك لو رحت .....ابتعد عشان لا تلفت الانظار .....ودام اجراءات الطلاق خذت مجراها...بإذن الله ما بصير شي....
ركان ازدرد ريقه: قلبي....مو مطمن.....مابي اخسرها .....عليها اخطاء اوك ما انكر.....تصرفّاتها غربيّة بحته.....بس حبّيتها ليث.....ما هوب ذنب إني حبيت...عشان كذا......مابي يجي يوم وتكون فيه وجع قلبي....ابي اعيش بسلام وهدوء معها ياخوي!
هزّتهُ كلمة " يا خوي" وشعر وكأنه السبب في جلب المشاكل على رأس ركان، رغم أنه نصحه في الإبتعاد عنهما، وحتّى سلمان صرخ في وجهه " لا دّخل نفسك فينا...اسلم على يلدك(جلدك)" ولكن ابى ذلك بقيا معهما، يساعدهما من خلف الكواليس، وحينما شعر ليث بحاجته بعد تخرجه من كليّة الحقوق، ولّاه قضيّة رحيل ولكن بعد اصرار كبير من ركان نفسه، وهنا اقحم ركان رأسه في المصائب.
اقترب منه اكثر طبطب على كف يده: ما بصير إلّا اللي ربك كاتبة.....لا صير سلبي....بإذن الله ما راح يصير لها شي....وإن بقيتني اسافر انا هناك واحميها بنفسي والله لأسافر بس انت آمرني وانا بنفّذ.
ركان ابتسم وهو يطبطب فوق يد ليث التي تشد على يده: ما تقصّر يا ليث......بس مابي احملك فوق طاقتك كافي همومك.....انت انهي الأمر مع هالكلاب....وبإذن الله انا بقدر اتصرّف بعدها....
ليث ابتسم بوجه باهت وشاحب: وانا معاك يا ركان....بس تكفى...الحين ابعد عن الشر.....اهتم بصحتك.....وترى امل بتركها أمانه عندك....
ركان: لا توصيني على اختي...
ليث: لو حصل وصار لي شي.....أمل أمانه عندك.....ورحيل
قاطعه : ليييييث شالكلام.....
ليث ارتفع صوته قليلًا: توقّع اي شي...مانيب ملاك...يمكن خطّتي تفشل...ويمكن موتي دنا...
ركان بنرفزة: بدينا بهالحكي ...ليث.....اقسم بالله إن ما سكت عن موّال التوصيّة لأجلس هنا ولا ارجع السعودية...
ضحك ليث بخفة: خلاص طيب....بس ما اوصيك أمل ورحيل أمانة عندك.....رحيل وصّلها لأهلها....وبكذا تنتهي الأمانة!
يوصّيه حتّى على رحيل، خاف حقًا
: ليث من الآخر قولها صاير شي؟....الحمير اكشفوك...
ليث ابتسم: ما سويت شي عشان يكشفوني....
ركان ضرب كتف ليث بقوة: أجل كل تبن....ولا عاد تطري الموت...
ضحك الآخر ليقف: وين أمل؟
ركان نظر له بنظره: لا طيّر قلبها بكلامك الشين...
ليث: هههههههههههه طيب وينها...
ركان: راحت تتروّش بس اظنها خلصت والحين بغرفتها....
ليث غمز له ولكي يغيّر من مزاجه الذي تعكّر بسببه: بروح لأختك!
ركان حدّق به بعصبية: أختي زوجتك لا تقولها كأنك..
قاطعه ليث: ههههههههههههههه خلاص آسف.....علامك معصّب.....
ركان بانفعال: انقللللللللع...
ليث اشار لأنفه" على هالخشم" وهو يضحك بخفة ثم خرج، لينظر لأمل التي خرجت واتت بالقرب من غرفة اخيها ولكن ليث أمسك بمعصم يدها
وهو يقول: تعالي ابي اكلمك...
أمل نظرت لعينيه: بشوف ركان...
ركان سمعها : ترا ركان ما هوب بزررررررررر يا أمل.....مانيب محتاج لا حليب ولا حفايض!
ليث ضحك بصوت عالٍ وأمل ضحكت ورفعت صوتها: شفييييييييييه؟؟
ليث نظر له: مقهووووووووور مني....
ركان : ترا اسمعكم....
أمل ابتسمت ومشت خطوة "لتطل" عليه برأسها: علامك......شكل الجوع ضرب فيوزاتك؟
ركان: لا زوجك غاثني...
ليث اصبح خلف أمل هو الآخر "طل" على ركان ليصبح رأسه فوق رأس أمل ولكن بينهما مسافة بسبب فارق الطول: افا ...
ركان نظر له: انقلللللللللللع...
أمل ابتعدت وهي تضحك والتفتت على ليث: وش قايل له...
ليث : اتركيه عنك وتعالي...
ثم سحبها معه لناحية غرفتها، دخلا....واغلق الباب خلفه
أمل نظرت لوجهه، كيف رغم ابتسامته وضحكته إلّا أنه حزين و شاحب
ازدردت ريقها من نظراتها التفحصيّة لها
: اي شنو فيه؟....وش بقول لي؟
ليث تقدم لها: بكرا طيّارتكم بإذن الله على الساعة تسع الصبح...
أمل هزّت رأسها: تمام......
ليث: جهّزتي اغراضك؟
أمل بنفس عميق: باقي اغراضي اللّي هنا...
ليث بجدية: اخذي اي شي مهم .....ما عاد لكم رجعه لهنا ابد!
أمل سكتت ثم قالت: يدري ركان بذا الشي؟
هز رأسه وهو يقول: اي.....
اقترب اكثر: أمل....
نظرت له، ولخطواته التي تقرّبه منها همهمت بمعنى "نعم"
ليقول: ركان أمانتك......لو جا وقالك بسافر....امسكيه بدينك ورجلينك واسنانك.....امنعيه من انه يسافر .....
أمل نظرت له، يخيفها مرةً أخرى، شعرت بجديّته في الحديث
ازدردت ريقها وانعقد حاجبها الايسر، : ليث لا تخوّفني...
ليث مسك كفّي يديها: ما اخوفك بس امنعيه....لو حصل وعاندك وسافر....اتصلي علي فورًا!
أمل اجتمعت الدموع في عينها: طيب....
ليث نظر لوجهها، تمعّن كثيرًا به
تصّد عن نظراته، تحاول مُجارات دموعها من النزول على خدّيها، يكره النّظر إليها هكذا ، تذكّره بتلك اللّحظة التي قلبت حياته رأسهًا على عقب، يشعر وكأنه ينظر لذنبه ولمعصيته، ازدرد ريقه وشدّ على كفيها ليقترب اكثر
ويقبّل جبينها مطولًا لتغمض عينيها وتنساب دموعها بهدوء
: ما اوصيك على نفسك...وبإذن الله ايام قليلة وبكون عندكم....
ترك كفّيها سيخرج
|