كاتب الموضوع :
شتات الكون
المنتدى :
المنتدى العام للقصص والروايات
رد: رواية: أحببتُ حُطاما سَبق أوان الرحيل\ بقلم شتات الكون
وضع يده على كتفيها صرخ: بسسسسسسسسسسسس.......ولا كلمة.....كلام الشوّارع لا عاد اسمعه على لسانك..
رفعت نفسها صارخة في وجهه بعينين باهتتين، تتحدّاه بعدم إهتمامها للألم: قوللللللللللللل لها تنادي الدكتورة.......قووووووووووول لها..........قوووووول.......
كانت منهارة ، منهارة بشكل ارعب قلبه الذي بدأ ينبض بالخوف من شكلها ونزيفها الذي لم تشعر به إلى الآن، نظر لحُبيبات العرق التي تُلامس جبينها بكل جبروت ، نظر لعينيها اللامعتّين بالألم الذي تأبى من ان تنطق به ،وضع يديه على كتفها خشي عليها من هذا الحال، حاول أن يدفعها ليُجبرها على الإستلقاء ولكن جسدها أصبح كالخشبة المسندّة على اللّاشيء في الواقع!
تحدث بصوت جدي: قولي لي وش تبين من الدكتورة وش اللي يألمك...
دخلّت الممرضة حدّثت ليث إنها جلبت ابرة المهدّأ
وانهالت رحيل عليها بالسب والشتم وكثُرت حركاتها العشوائية حتّى بها رفست برجليها ليث دون أن تشعر، لو كانت محررة وهي على هذا الحال لأدمتها في الواقع بجنون!
صرخت مصرّحة إنها تريد أن تخرج من المستشفى، فهم الأمر ليث اشار للممرضة وأمرها بالخروج، سوزان لم تعد هُنا لتمسك حالتها وأحالوا حالتها لدكتور آخر.
تحدّث ليث بعد أن سحب لرئتيه هواءً ثقيلًا متماشيًا مع غضبها وجنونها هذا : رحيل....هدّي......تراك جالسة تنزفين حاسة ولا مو حاسة؟
صرخت في وجهه: انقلع عن وجهي.....ناد الدكتوووووووووورة ابيها تكتب لي خروج....برجع السجن.......برجع......مابي أظل هنا......
ليث تحرك، سحب الإبرة وافرغ المحلول في علبة "المغذي"، الحديث الآن سيزيد حالتها سوءًا، ووضعها في الأصل سيّء عليها ان تهدأ، لكي لا تزيد بحركتها جنون ألمها الذي لا تُعيره أي إهتمام، وجهدها في الصراخ اتعب جسدها و انزفها في الواقع!
صرخت : انقلع براااااااااااااا........قلت لك نادها.....
لايدري كيف جنّت هل بسبب حركته؟ وعناده قبل دقائق قصيرة؟ أم تفعل هذا بسبب وجوده؟...بقَيت على هذا الحال.....تشتمه.....تصرخ...تطلب منه الخروج حالًا......تكرر: ابي اطلللللللللللللللللع ارجع السسسسسجن....ما تفهم؟
يرتفع صدرها بصرخة وينخفض بأنّه وأنين بدأت تستوعبه لم يستطع أن يقترب منها وهي تتلّوى بالصراخ والألم يريد أن يبدأ مفعول المهدّا ليقترب منها ، نظر ليديها اللتّان تشدّهما محاولةً في تحريرهما انتبه للحّز الذي أحدثته في معصم يديها، مرّت أربع دقائق ، وهي تكرر
: ابي اطلللللع.....انا مو تعبانة......ابي اطلععععععععع.....ابي ارجع السجن.....بعيد عنك......ابي اعيش لحالي......ابي......حياتي بعيد عنك.....بعيد عنكم كلكم....ابي اضم حُبي......ابي حُبي....ابيه.......ابييييييييييه........ما ابيك انت!
نزلت دمعه خائنة من عينها اليُسرى بينما عينها اليُمنى مسكت احزانها لتتحجّر في محجر عينها المحمر، أخذ ينظر لها بثبات، مُبتعد عنها لكي لا يُبدي بردات فعل تزيد من الأمور سوءًا..يبحلق في هويّتها الجديدة..يحاول تفكيك تركيبتها التي اجتمعت في عُقدة التعقيد..توّقفت ذاكرته عن استرجاع رحيل في صورتها التي ألفها..والآن اتجّه في واقعيّتها التي كسرت بداخله أشياء وأشياء كثيرة لا يحبّذ مواجتها إطلاقًا!
وهي تكرر: أبي حُبي.....ابي ...اعيش بعيد عنك...عنكم!
ولكن ماذا تقصد(أبي حُبي أبيه ما أبيك أنت) هل ما أتى في عقله هذا ما تُعنيه ، هل تقصد أنّ هُناك شخص آخر امتلكتهُ في قلبها هل تقصد هذا؟ أم إنها تُهذي .....بهت لونه مع تكرارها هذا....ازدرد ريقه وشدّ على قبضة يديه لكي يمتّص غضبًا متسللًّا من هِضاب سوء الظن!
رفع قدمه اليُمنى ناويًا على ارتكاب حماقات كثيرة، تحت صوتها الذي أخذ ينفخض شيئًا فشيئًا بسبب مفعول المهدّأ الذي حاول أن يطبّق على جَفنيها بنُعاس لئيم يُخرسها على عدم الإعترافات التي ودّ لو تُكملها الآن
سمعها وهي تشهق بلا دموع وتطبّق عينيها بهدوء: أبي حُبي....ما ااااابييييكم ااانتم...مااااابيييكككم!
سبع دقائق من العواصف، من الجنون من التغلّبات والحديث المُثير للجنون، ضجّ في فؤاده غِيره وتساؤلات كثيرة ماذا حدث؟
ما كيميائية رحيل الجديدة؟ وماذا تقصد؟ لماذا يحاول ألا يستوعب الصدق في نبرتها في طلب حُبها المزعوم ، ربما تقصد والدها ولكن لا يظن لالا.....اقترب منها .....نظر لوجهها الشاحب بالصُفرة ، لأرنبة أنفها المحمرّة، لحاجبيها المعقودين لإرتخاء يدَيْها على جانبي السرير..وقعت عينيه على ساقُها الأيمن المثني بشكل جزئي....وإلى بقعة الدم....وجفاف الدم على ساقيها كلتاهما......شخصت عيناه....ثم ابتلع ريقه بجفاف حاد.....وأغمض عينيه بعد أن شعر بلذعة تسلع تفكيره بِلا رحمة، كنحلة مزعجة تدور تدور ثم تثبّت نفسها على الموضع الذي تُريده لتنتقم وتُغرس أبرتها الصغيرة فيه تأديبًا!
مدّ كفّي يديه ....ليُنزل طرف ملابسها ويغطي بهما ساقيها برجفة عميقة.....الآن لا يفكّر بشيء سوى......حديثها الذي قالتهُ ثم غابت في راحة النوم المجبورة عليه ......سحب الغطاء ووضعه على جسدها.....ثم انحنى مقتربًا من وجهها ، سمع صوت تنفّسها التي تُقطعه شهقة لا إرادية تخرج لتُقطع عليه ضجيج الأفكار......رمش مرتين ....بذهن شارد يسمع فيه
صدى صوتها (أبي حُبي....)، اقترب منها اكثر، يحدّق بها كالمجنون أي حُب تسلل في قلبكِ وأنتِ في ظلمة السجنون؟ أي حُبٍ امتلكتيه وأنتِ بلا حريّة؟
وأنا الطّليق الحُر لم أمتلك معانِيه؟
هل أنت متأكد يا ليث؟ هزّ رأسه بجنون واتكأ على مخدتّها بيده اليُمنى حتى جعل رأسها يتدحرج خطوة جنونية ليلتصق جبينها بقبضة يده التي ترّص على الوسادة، تنّهد بصوت مسموع يُريد أن يُسمع العالم عن ضيقته، دائمًا وأبدًا تأتي الإعترافات واحدة تلو الأخرى عليه ، حديث محمد افلق جزء من قلبه وحديثها أخرس كيانه كلّه وقَسم ظهره !
شدّ اكثر على المخدّه ليقترب رأسها منه.......
همس: حُبك؟
وبنبرة مخيفة ، ومن المؤكد إنها ستهابها لو كانت في وعيها وفي شخصيتها التي يعرفها في السّابق!: شتقصدين يا رحيل؟
ثم طبّق وجهها بيديه بشكل سريع وبردّت فعل انفعالية للغاية لو كانت في وعيها لصرخت به بالابتعاد
همس كالمجنون: ما اسمح لك تقولين لي هالكلام وكأني جدار....حتى لو تقصدين ابوك......ما تقولين له حُبي.......ما تقولين له!
هو يعلم انها لا تقصد ابيها، يعلم هي مكسورة من ابيها ولكن ما الشيء الذي يُثبت ذلك لا يدري شدّ على وجهها قليلًا بجنون وبعثرة ما يفكّر به
لا لا هي تقصد ابيها! ضاع....حقًّا ضاع ....
شتم بصوت مسموع: الله ياخذ بو سلمان.....الله ياخذ اللورد....الله ياخذ......ستيفن..الله ياخذني وافتك!
شدّ على اسنانه وهو ينظر لها بعينين حاقدتين انحنى ليقترب من شحوب صُفرة وجه ذبل من لؤمه وفقد طعم الحياة!
هز رأسه يمنةً ويسرى: إلا الخيانة يا رحيل...إلا الخيانة!
ثم عضّ على شفتيه ، لا يعرف ماذا حلّ به، موقف الشرطيّان ادخلا في قلبه غيره وغضب، وحالها وهلوستها...ادخلاه في عالم عدم تمالك الكيان ولملمت شتاته، ودّ لو يخنقها ...يريد ان تستيقظ...يريد أن يتحدّث معها الآن يريد أن يستفسر عن مقصدها ولكن ......اغمض عينيه......ثبّت جبينه على جبينها واخذ يتنفّس بنفس مسموع......لو كانت تعي ما يدور حولها وشعرت بلهيب انفاسه لصرخت ضاجة تُنهيه عن الإقتراب هذا!.....شدّ على رقبتها من الخلف بعدما وضع يده اليسرى خلفها.....أخذ يتذكّر وجهها ....وهي في المحكمة....صفعة والدها لها.......وقوفها ترتجف أمام القاضي....تذكر صفعته لها قبل خروجه إلى الجامعة!......شكلها المبهذل في الشقة....صراخها......واعترافها الآن الناتج عن كل هذه الكوارث......يريد أن ينتقم منها ....يريد أن يحرق قلبها كما احرقت قلبه بغيرة ومشاعر أخرى لا تتلّون في معانيها بشكل صريح!
همس: رحيل.....
شدّ على رقبتها: تكفين لا تخليني أجّن عليك ....تكفين ...لا زيديني هموم تكفين...يكفيني إللي فيني يا رحيل!
فتح عينيه ابتعد قليلًا ، ارتجف جفنه الأيسر ثم ....وضع رأسها على الوسادة......ابتعد ....واخذ يجول...في الغرفة ...يمشي.....بخطوات ثقيلة.....لن يبرح مكانه إلّا بعدما تجلس.....يريد أن يستوعب حديثها المُر.....وكلامها الذي بثّ بداخله سُّم عنفواني غريب....التفت عليها من جديد يُريد أن يستوعب لفظها في نُطق (حُبي..) يريد ألّا يتيّقن أن يكون لها حبيب بديلًا عنه!، مسح على وجهه وارتجفت أحاسيس الغضب بداخله
ثم تذكّر نزفها، وخشي هُنا ان تسوء حالتها فخرج لمناداة الطبيب بوجه عابس ونفس متسارع وعينين تسرقان النظر إليها بتوّعد عظيم !
.
.
.
.
التنّاقض يجعل من شخصيتنا الإنقسام إلى عدّت شخصيات غير معروفة يلتهم طمأنينة حياتُنا دون ان نشعر، يجعلنا نبحث عن بصيص أمل للخروج من قوقعة التلّون تارة نلوّن تلك الزاوية على مبادىء وتارة نمحي الوانها على مبادىء أخرى، يفهم حديث ابنه، ويعيه ، ولكن هذا ما آلت به القوانين التي التزم بِها مُنذ الصغر كيف يغيّرها الآن! دعوكم من القوانين
لا ينكر انّ رغبته صارمه في الأمر، لا يريد من إحداهنّ ان تخرج كليًّا مبتعدةً عنه!
تحدث صارم: يبه انا مو فاهم ليش رافض ولد خالتي....وانت اللي تعرفه زين.....وشاركت في تربيّته......ترفضه وتحطونها براس اختي وتقولون له هي رافضتك...ولا بعد مو قايلين لي......ليش؟
بو صارم : ولد خالتك رجال ما يعيبه شي.....بس عهود ما هيب نصيبه!
صارم وثار الدم في وجهه: ليش؟.....منو منتظر من عيالي عمّي يجي يطلب يدها......فهد ولا ريّان؟....ولا فيصل ؟
بو صارم رفع يده: صارم ....احترمني ولا ترفع صوتك.....وانا قلت لأمك تنهي الموضوع.....
صارم بجدية: يبه جالس تناقض نفسك.........رافض محمد......والحين ما تبي تزوّج اختي عشـ...
قاطعه بصرخة : صاااااااااااااااارم اقطع الكلام..ولا عاد تهرج فيه مرتن ثانية!
صارم سكت ثم اردف: يبه .....عهود من حقها تقرر موافقة ولا لا.......عهود من حقها تعرف....ذياب جا وتقدّم لها......ومو من حقنا نمنع نصيبها ......
بو صارم يشعر بالتعّب والإنهماك في هذه المواضيع التي بدأت تخرج من يدّه ومن قيد تخطيطاته لها
اردف: ومن حقي كأبو اتمنى لها الافضل!
صارم نظر لعينين والده: ما اظن في افضل من ذياب.....لا توقّف نصيبها على توقعات يمكن تصيب وتخيب.....بشوفة عينك...محمد رافض دانة....ودانة رافضته .....من حقهم يبدون رايهم والكل يحترم هالراي......
بو صارم خرج من طوره: يعني بكرا ...لم تجي تبي تعرس ما تبي من بنات عمّك؟
صارم حرّك يديه : مادري يبه مادري....وش يصير....مادري كيف راح أفكّر وقتها.....مادري......
دخلت للتو.....إلى المنزل.....وصلت .....ودلفت الباب....وسمعت الحديث الذي افلق قلبها الى نصفين ( محمد رافض دانة...) لم يستوعب عقلها الجزء الثاني من الحديث بل بات مفقودًا، تنهّدت.....وسمعت البقيّة ...وفهمت ذياب متقدم لأختها........وهي تعلم بذلك...ولكن لا تدري انه يحاول من جديد.....اظهرت نفسها قبل أن يرد أبيها على أخيها.....ظهرت لهما بوجه محمر وعينين منتفختين ...وجسد منكسر من الدّاخل والخارج......نظروا لها ونظرت لهما.....
صارم عقد حاجبيه: منو جابك؟
ابتلعت حديث وغصّة، إلى الآن لم تخرج من صدمة اعتراف رعد....واسترجاع ذكرياتها واستيعابها لأمور كُثر
نظرت لأبوها وبنرة مخيفة : يبه وافق على ذياب.......ذياب رجال كفو......واسال عهود لو تبيه ولا لا.......لا توقّف رزقها ........عيال العم.......يمكن ما يبون من العيلة دام جدّي هذا تفكيره ودام هذا نظرته......راح الكل يعانده.......وأبي افهمّك شغله يبه
واشارت لنفسها بأصبها السبابة المرتجف: رفضت محمد لأني انا مابي ازوّج مو لأني ابي اعاند واكسر الكلام......بس تكفى يبه......اهتم لراينا......لا تصير مثل جدّي......واسال عهود ....عن اذنكم
بو صارم ازدرد ريقه ، نظره لها وهي تركض على عتبات الدرّج، ولحقها صارم سريعًا، تخبّط في نظرته للأمور لم تعجبه فعلت والده ابدًا ....ولكن "دام" إنها لم تُعجبه عليه أن يُعيد نظره في أمر رغبته بتزويج ابنتيه لإحدى ابناء عموتهم......وكيف يضمن ان يكون احداهم يريد الزواج منهنّ كيف؟ لا يريد ان يوقف نصيب الاثنتين ولكن يريد قُرب عائلته ، وابيه افسد الأمر كلّه!
.
.
.
ركضت ودخلت الباب، كانت ستُغلقه ولكن صارم وضع كف يده ودفعه بهدوء ودخل
يكرر بصرامة وعينين غاضبتين: مع من جيتي؟
لا تريد النقاش ولا تريد أن يراها أحد وهي في أوج ضعفها ، وفي ايلآن نفسه تريد من يُطبطب عليها ....لذلك نظرت إليه
: صارم....تكفى مابي اتكلم...تعبانة.....منهد حيلي.....مافيني على الكلام....المهم جيت...ووصلت هنا.....تكفى اعفيني من الكلام.....منهد حيلي....
سكت ونظر لوجهها الذي تحدّث له بالكثير من الألم ، ونبّههُ على وجعها الذي تحاول اخفاؤه
اقترب منها لَان صوته: اسم الله عليك من هدّت الحيل......
نزلت دموعها على خديها هزّت رأسها تؤكد : والله هدّوا حيلي يا صارم.......حاولت ابتعد بخيري وشري...وهم يلحقوني....جدّي .....يبي يدفني وانا حيّة......
اقترب منها مسح على رأسها مهونًا عليها: لا تقولين كذا يا دانة.....
دانة انفجر ينبوع الحديث من فاهها: خدعني....ووقفني قدام محمد...ارخصني....يا صارم...حسسّني وحده حقيرة...يبي لها الستر بأي طريقة.....
صارم اوجعه حديثها و أوصل لفؤاده شيئًا من قهر شديد وحنق على فعلت جده، غضب من الداخل وطبطب عليها من الخارج وقبّل جبينها مخففًا عنها: محشومة يا عين اخوك انتي....لا تقولين كذا وتقهريني عليك.....
ازدرت ريقها ثم ابتعدت وهي تمسح دموعها قالت: ابي انام......
صارم بتفهم : طيب.....لا تبكين....امسحي دموعك وسمي بالرحمن....
هزّت رأسها له ،بينما هو خرج غضبانًا من فعلت جدّه،
وتناقض ابيه ، سحب الهاتف من جيبه ، عازمًا على ان يحدّث اخته عهود ويجبرها على العودة إلى المنزل، لا يريدها ان تبقى هُناك يخشى من ان يجن جنون جدّه ويفعل ما يفعله في غفلتهم! الآن يجزم جدّه قادر على إقهار الجميع وإجبارهم على ما لا يريدونه.
اتصل عليها وهي كانت جالسة أمام جدتها تتحدث سمعت رنين هاتفها اجابت: هلا صارم....
اتاها صوته الصارم: اسمعيني ....الحين ارجعي بيتنا.....ارجعي.....
عهود بحلقت بعينها لبنات عمّها: طيب...
اغلق الخط في وجهها
ووصايف تقول: يعني جدّه .....انتقلتوا هنا بسبب شغل جدي؟
الجدّه وهي تجدّل خصلات شعرها الأحمر ذلك اللون الناتج من وضعها للحناء لتصبغ به شعرها الأبيض: اي....جينا للخبر.....قبل حوالي اربعين سنة او اكثر....عشان شغل جدّك.....ولا حنّا ديرتنا نجد......هناك أرضنا وبيتنا..وصرنا نتردد لديرتنا زيارة الشكوى لله.....
اصايل دخلت في الجو: اجل اشتقتي لهناك يا جدّه...
الجدّه ابتسمت لتزداد خطوط تجاعيدها على خديها: اوه يا بنتي....كيف ما اشتاق....والله اني اشتقت لأرض لمتنا......واحفظتنا......وارسمت قصصنا وذكرياتنا.....عليها...سقى الله ذيك الأيّام..كّنها جميلة وما تنسي!
هيلة اخذت تصفّر بفمها: اوه اوه....على الكلام....
بشكل غير متوقع لسعتها جدّتها بالعصا على فخذها: قايلة الف مرة لا حد يصفّر ...يا قليلة الأدب....
عهود ضحكت هنا وهي تنهض: هههههههههههههههههه قلعه
ثم اردفت: انا بروح بيتنا....
وصايف نظرت لها بشك: قلنا بنمشي بعدين....
الجدّه : لا ما تمشون قبل لا تتغدون...
شعرت بالورطة: صارم اتصل علي....يبيني ضروري....
اصايل وكأنها فهمت الأمر: خلاص طسي....
هيلة تحرّك حاجبيها بعبث: بتفوتك قصة ......حسنا وعبد العزيز....
لم تتوانى الجدّه من ضربها بخفة مرةً اخرى ولكن هيلة صرخت: آآآآآآآآآآآي جدّه والله يعوّر.....
الجدّه: من يومنّك صغيرة عوبا عوبا يا كافي الشر....ما تعرفين الحياء والمستحى....
هيلة بدفاع : طيب انا وش قلت...
عهود وهي تهتز ضحكًا انحنت على رأس جدّتها وهي تسلّم عليها: يلا جدّه مع السلامة...
الجدّه: سلمي على امّك.....
اصايل بهدوء: ترا جدّه حتى حنا بنمشي...
الجدّه : والله ما تمشون لين تتغدون معي....
وبنظره حادة: ولا قمتوا تسّحبون خوفن من جدّكم وصراخه؟
وصايف فتحت عينيها على الآخر
وهيلة بضحكة تبرير: لالا.......مو عشان كذا....
الجدّه : والله اني اعرفكم.......بس ما راح تمشون....
اصايل بتنهد: خلاص ما راح نمشي....
.
.
بعض المشاعر تسحب صاحبها للتساؤلات، وللتوقعات التي تُثير القلق في الرأي، ومن الممكن أن تتحوّل إلى مشاعر أخرى بسبب تعقيدات التفكير، هو عقله معقّد، مشغول بالكثير، خائف ومتردد، من أن يُرد مرة اخرى لنقطة البداية، هو يقسم انه يحبّها ولكن جُرح منها كثيرًا بسبب رفضها له مرتين
.
.
.
"انا ذياب وأنتِ عهود قلبي"
.
.
.
.
تنهّد برزت عروق الغضب لتنبعج على طول جبينه، لا يريد ان ينكسر مرةً ثالثة، ولا يريد هذه المرة الاستعجال في إبداء ردّت الفعل المتسرعّة والحديث المطوّل مع والدته سيترك الأمور تسير، إلى أن تأتي إليه طوعًا
خرج من غرفته ليخرج قبل أن يتعمّق في تفكيره!
.
.
.
الأخذ بالثأر واخذ الحق بيديك، يجعل منك شخصًا تائهًا في هفوات اللاتفريق بين الحق والباطل، يجعل منك شخصًا ضعيفًا بردّات فعل تورّث الرّماد عقوبةً!
ولكن الشعور بالانتصار وقتها يُريح القلب، يجعل منّك شخصًا طائرًا على غيمات السرور،
وكيف لا يشعر بذلك والعقوبة أتت لهم دون جهد منه! دون عناء رغم تخطيطاته على الإيقاع بهم
مرّ في الممر الذي يؤدي إلى غرفة105 يُريد أن يرى كيف تجرّد من صّحته وكيف أُدميّ جسده!
ابتسم بسخرية طرق الباب خشيةً من أن تكون عائلته حاضره لديه
انتظر رده، لم يرى ولم يسمع إلا السكون
فدلف من الباب
واغلقه بهدوء، ثم التفت لتقع عينيه على صاحبه المتجبّر والمنافق له بكل الأمور، صاحب الدواهي العُظمى وصاحب الخُطط التي كانت سببًا في طرده من عمله يومًا!
رغم انه كان مقربًّا إليه ، يعزّه يعامله كأخويه محمد وليث وربما اكثر!
ولكن ماذا فعل بالأخير؟
طعنه
رفع صوته: اوه اووووووووه .....مويهر........متكسّر....والله ما اصدّق.....اليوم هذا بالنسبة لي عيد!
فتح عينه اليُسرى ببطء شديد بسبب حاجبه المجروح والذي تمّت خياطته بالأمس ، وعينه اليمنى مُغطاة بشاش بسبب اصابتها الشديدة، حاول ان يبتلع ريقه بصعوبة لم يتمنّى يومًا رؤية صاحبه هكذا يتشمّت به ويضحك بسخرية على سوء حالته ولكن هو من جعله يتوّحش عليه بكره عميق
اقترب فيصل اردف: اجل تكسّرت ضلوعك هااا؟
أغمض عينه بتعب لا يريد أن يتجادل معه ، لا يريد أن يسمع عتابٍ منه ولا حتى كلمة طيّبة
ولكن فيصل لم يتوقف: اجل تبي تهرب خايف تنسجن؟
ثم ضحك: هههههههههههههههههههههههههه جزاك وأقل من جزاك الحادث....
ثم اردف بجدية: والله ما تدري قد ايش فرحت لم سمعت خبر الحادث!
تنهّد بضيق واخيرًا اردف: لا تشمّت فيني ....لا يجيك يوم....واجي انا اتشمّت فيك!؟
ضحك من قلبه، ضحك الأيّام.....والذكرّيات وصُحبة الطفولة....وأيّام الصداقة.....وثقة السنين وترابط اليَدين..وتكاتف ساعديهم على اكتاف بعضهما البعض...انقهر ....وتحوّلت الضحكة إلى صوت منفعل وغاضب
: كيف قدرت تخوّن فيني؟
سكت، هل يُخبره إنه كان غيورًا منه!، هل يُخبره أنّ الحسد تورّم في قلبه إلى أن اشعل فتيل الحُقد عليه واشعل ضوضاء الخُطط نحوه ليُنحّيه عن امتيازه واجتهاده الذي غطّى على كل ما يفعله من صواب؟!
بلل شفتيه تحدّث بهدوء: فيصل.....انا....
قاطعه بصرخة: كيييييييييييف طاوعك قلبك تسوّي فيني كذا........تخليني صغير بعين الكل....ولا اعرف شي....كيف هان عليك..تطعني بقفاي يا ماهر...وتسرق احلامي......كيف؟
لا جواب يخرج من شفتيه، ولكن يشعر بألم الكلمات وألم الجسد، وكرامته لا تسمح له بالتواضع والإعتراف بالخطأ، وعزّة نفسه لا تسمح له بالإنهيار والخضوع لفرض لسانه في نُطق التأسف نادمًا على كل ما فعله!
سكت وإخذ موقف الإستماع والإنصات لفيصل
الذي انحنى على السرير: قولي وش سويييييييييييييت لك عشان تجازيني بهالجزاء؟.......وانا اللي حسبتك مثل اخوي؟.....ووثّقت فيك......وش الخطأ اللي بدر مني وخلّاك تنتقم مني يا ماهر؟
ماهر نظر إليه بعينه المحمرّه وبنبرة شاحبة: ما سويت شي!
فيصل بصرخة: أجلللللللللللللل ليش خوّنت فيني؟
اغمض عينه وحاول أن يُبعد رقبته للناحية اليُسرى بصعوبة، فيصل ابتعد
وضحك منقهرًا من جديد اردف كلماته الأخيرة: لا تبرر ولا تقول شي......يكفيني اشوفك متكسّر وعاجز....يكفيني ويرضيني من الداخل يا ماهر.....يرضيني.....
ثم خرج من الغرفة، متوجعًا على صداقة تحوّلت إلى رذاذ يتبعثر في مهبّات الريح الخفيفة، لم يتوقع يومًا ستتحوّل مشاعر حبّه الأخوية إلى كره لناحية ماهر الذي لازم صداقته مُنذ اثنا عشر سنة ويزيدون!
تنهّد بضيق ومشى في الممر بخُذلان الأيام له..طُعِن مرّتين وأخذ يتجرّع لوعة هذهِ الطّعنات بصمت، زفر الخيانة التي داهمته لتّدخله في مصيبةٍ كهذه، مشى بلا عقلٍ وبلا نفسٍ منتظم، آلامه وضعه ، وآلامه عجزه ،وقهرته فعلته...وردت فعله كانت طامة كُبرى عليه...مشى دون ان ينظر لِم امامه
واصطدم في كتف...
رفع رأسه ونظر إليه بتعجب: محمد؟
محمد عقد حاجبيه: شاللي جابك هنا؟
فيصل حكّ جبينه: جيت ازور صاحبي؟
محمد بثبات نظر إلى عينيه: ماهر؟
فيصل ابتسم وابعد نظره عن اخيه هز رأسه: تبي الصّدق جيت اشمّت.....
محمد ...يفهم شعور اخيه ولكن لا يحق له ان يشمت بما حلّا لصاحبه يخشى عليه من أن تدور الأيام ويدخل عليه يراه بوضع مزري واشد من حال ماهر المسكين!
فنهره: عيبببببببببب عليك تشمت.....قول الحمد لله والشكر......واطلب ربي يعافيه......الرجال خسر عينه اليمين......وتكسّرت ضلوعه.......واحـ...
قاطعه فيصل بمشاعر ملخبطة: بس بس....ما ابي اسمع شي عنه!
ثم لغيّر الموضوع طرأ في عقله أن يقفز إلى موّال حديث ليث: مكلّم ليث؟
محمد بلل شفتيه هُنا واخذ يمشى بهدوء وتابع خطواته فيصل بهدوء ايضًا: اي.....
فيصل : شقلت له؟
محمد بإنكار لكل ما تلفّظ به: ولا شي......
فيصل توقف ووقف أمامه: واضح انّك جايب ام العيد معاه......
ثم قال: واضح ليث.....ماكل تبن من كل النواحي....فلا تزيده!
محمد ضحك وهو ينظر لعينين اخيه:ههههههههههههههههههه شف من يتكلّم....
فيصل ابتسم رغمًا عنه : والله ما الومك.......تضحك....بس صدقني الحياة تافله في وجه اخوك......وعشاني حاس فيه....ببطّل هالفترة تبحّث عنه!
محمد رفع حاجبه اليمين: بس هالفترة؟!
فيصل بنبرة مقصودة: اي........فيني فضول ودي اشبعه ....
محمد بطنز: ما في شي....بس انت تتوّهم.....
فيصل اشار على شنبه: هالشنب مو على رجّال....اذا اخوك مو في مصيبة كبيرة؟
مات ضحكًا هُنا محمد وأخذ يكح: هههههههههههههه كح كح....الله ياخذك وش مصيبته ......اكيد مصيبته رحيل وبس....
فيصل وضع كفّي يديه في مخبأه الجانبيين: هو مصيبة رحيل صدّقني!
سكت محمد ، ثم مشى بخطوات بطيئة: لا تجلس تخوّفني يا فويصل......
فيصل: حاسني قلبي ....والله.. وأحاسيسي عمرها ما كذبت!
محمد تنرفز من نبرة الجديّة من صوت اخيه: الله ياخذ أحاسيسك هذا اللي اقول لا عاد تحس وتنشب في حلوقنا......
فيصل طبطب على كتفه: طيب طيب......ماشي....
محمد ابعد يده عنه: ولا عاد اشوفك في الطوارىء......
فيصل بطنز: طيّب يا مسعف البشريّة انت....
محمد وهو ينفصل بطريقه عنه ويرفع صوته: انقلع..
ضحك الآخر متجهًا إلى الباب الذي يُخرجه من قسم الطوارىء والحالات الحرجة!
.
.
.
.
أحببتُك
وأودعتُ نفسي في جُنبات عٌشقك الذي يُلامس قلبي بهدوء نبضك الجميل
علّمتني الهيام الذي خشيت من إنني أقع في قاعه المُظلم
ولكن وقعت وما اخشاه لم يحدث، ألتقفتني من ظلامه وجنّبتني عنفوانه بيديك الناعمتين، وبهمسك الذي يُودّع بداخلي الطمأنينة!
.
.
.
مُنذ أن وصلت وهي تُبكيه، تُبكيه فُقدًا، وعُشقًا، تبكيه ألمًا وخوفًا من القدر على ألّا يُجمعهما مرةً اخرى، لم تبدّل ملابسها، لم تأخذ قسطًا من الراحة
كل ما تتذكّره وجهه وكل ما تريده الآن سماع صوته، تشعر برجفة جسدها وتشعر بخوف من افكارها ، انقلبت على جانبها الأيسر لتنساب دمعة باردة من عينها اليُمنى بهدوء، احتضنت شموخ أنفها بلؤم شديد، اعتصرّت فؤادها بيدها اليُمنى
لا تهدأ هذه العضلة ، لا تتوقف لتُريح العالم، لا ترى النور ولا الظلام، عصيّ من فكرة الهدوء .....غاضبة من فكرة السّلام......تشعر وكأنها بدأت روحها بالإنسلاخ الكلّي من جسدها، بكت بصوت هذه المرّة، بكت لترتاح ولكن يضجّ الضجيج نفسه ولا يهدّأ...لا يصمت أبدًا!
انفتح الباب عليها ، سمعت صوته: سوزان.....ما تئوميش يا بنتي.....تاكلي لك لُوئمة تسدي بيها جوعك......
كيف تأكل، كيف تتهنأ بالعيش وكأن شيئًا لم يكن خرج صوتها بنبرة قاسية على نفسها: مابي....
كان سيتكلم ولكن رفعت صوتها: عاوزة نام.....
تنهّد بضيق ثم اغلق الباب عليها، هي ليست بحال للحديث، ليست بحال للجدال ولا النقّاش.....
سحبت ساقيها للأعلى لتقرفّص نفسها وتبكي بهدوء، وبعد مرور دقيقة
نهضت وهي تكرر: ماقدر ماقدر....
سحبت الهاتف...ثم اتصلت...
.
.
.
ندم على تقصيره ناحيتها، ندم على إهتمامه بقضيّة رحيل أكثر من أخته، ندم على الإهتمام بحبه ، شعر إنه حقًّا أناني كيف نساها؟ كيف وثق بليث لدرجة أزاحها من عقله لأيّام طويلة؟
يشعر بالتهاب جُرحها الذي تحاول لملمته من عينيها، اصفرار وجهها واحمرار عينيها يدلّان على الوجع الذي تعايشت معه، يشعر بانكسارها
ربما انكسار فُقد الطفل الذي شعرت به من داخلها ومن مشاعر أمومة ربما نبضت في عقلها لفترة!
تحدّث بهدوء: الله يعوضكم يا أمل....لا تزعلين نفسك....ولا تضايقين عمرك......هذا قضاء الله وقدره!
رمشت مرتّين، وكأنها تُخبره هي من انهت هذا الطفل قبل أن يكبر هي قاتلة الآن ، ودّت لو تُخبره إنها تملك آثام كثيرة لا تستطيع التخلّص منها ، وآثامها متشكّله على هيأة ليث! والآن على شكل ألم ونزيف موجع!
همست تجاري اخيها بالحديث: الحمد لله....
ركان ابتسم: الحين قولي لي.....ليش ما كلمتيني......وقلتي لي عن تعبك....دام ليث بعيد؟
.
كلاكما بعيدان تائهان في حلقة الرحيل من اللاشيء، تُلاحقان الزمان في أخذ ما تريدانه دون الإلتفات لغيركم!
.
خرجت نبرة موحشة : ما حبيت اشغل لك بالك....واخوفك علي.....
ركان استفزّته : وش تشغليني؟.....أمل.....غلط عليك أنك ما علّمتيني لو صابتك مضاعفات وماحد حس فيك.....كان صـ...
قاطعته بنرة عتاب: انت صار لك أيام ما تتصل علي....ظنيتك مشغول....وما حبيت اخوفك على شي ما يسوى!
ركان بصدمة: شي ما يسوى؟
لم تُجيبه، فقال: أمل...
أمل رفعت نفسها لتسند ظهرها على الوسادة: ركان الحين صار اللي صار وانا بخير....صدقني بخير....
لا يُصدّقها، يشعر بضعف تنفسها وعدم انتظامه يشعر بضيق روحها على جسدها، ويقرأ شتاتها من عينيها.
همس: مرتاحة مع ليث؟
كيف قفز إلى هذا السؤال لا تدري؟ ماذا وجد من حولها او فيها ليطرحه هكذا بلا حواجز وبشكل غير متوقع
هزت رأسها: الحمد لله اي....
ركان كان سيتحدّث ولكن سمع صوت الرنين وقعت عيناه على الاسم الذي يُضيء الشاشة، وشعر بلذعة كهربائية تسير في قلبه وتُثير بهِ العواصف...تنهّد بضيق.....
أمل نظرت إلى تغلّباته: اذا الشغل رد.........
ركان وضع هاتفه على الصامت ثم ابتسم في وجهها: مكالمة مو مهمة.....
أمل نظرت إليه، كيف استطاعت أن تخونه؟ وكيف استطاع ليث أن يخونه؟ كيف استطاعا هما الاثنان على الأتحاد في معنى واحد في اتجاه ركان؟ لمعة في عينها دمعة اثارت شغب تفكير ركان الذي وضع يده على ساقها
: امل لا تخوفيني عليك.....وش فيك يا قلب ركان.....
أمل بكت : تمنيت امي جنبي وانا بهالوضع......
ركان نهض من على الكرسي وجلس على طرف السرير سحب كف يدها الأيمن وقبّله بحنان اخوي عظيم في مشاعره: انا جنبك يا عين اخوك....انا معك في كل الظروف.....اعترف يا امل اني قصّرت في حقك.....بس والله مو بقصد منس....والله....سامحيني يا قلب ركان.......سامحيني خليتك تخوضين اشيا كثير لوحدك....
أمل اُعتصر قلبها ولم تتحمّل في أن تبقى صامدة انهضت نفسها لتقترب منه وتحتضنه لتشعر بحنان ابوي فقدته مُنذ سنين طويلة ولتلتمس في طبطبته حنان أموّي غاب عنها مدّةٍ طويلة وقاسية ....بكت كل الأشياء...بكت آلامها واحزانها....واخذ يطبطب عليها متنهدًا بضيق لحالها!
.
.
متناسيًا تلك التي انهارت باكية لعدم ردّه، معتصرّة بيديها الجوال بقهر وضعف!
.
.
.
تناول غداؤه، ونظر للمجلس الذي اصبح خاليًّا من تواجد ابنيَه ابا ليث وابا صارم كلاهما الآن اصبحا متحاملين عليه لقراره المستعجل، والغير صائب في نظرهما، حديث محمد اشعل بداخله نيران من الغضب، لا يريد ضجيج آخر غير ضجيج حفيدته رحيل، لا يريد من محمد يُثير الريّاح الغربية ليُجلبها لهنا عتوًّا في نثر المصائب ولا يريد من دانة الإستمرار في عنادها له..لأنّ الأمر لن يكون في مصلح الجميع وسيخرج من يده تمامًا الحديث الذي سيقوّل عليهم!
تنهد بضيق، وسمع انفتاح الباب ودخول ابنه ابا فهد
دخل وسريعًا توجّه إليه وانحنى ليقبّل رأسه
: اخبارك يا الغالي؟
هز رأسه وهو يكرر بلا نفس: اخباري تسرّك...تسرّك....
جلس عن يمين والده ثم قال: علامك يبه؟
نظر إليه الجد بتفحّص وبتدقيق، ابا فهد لا يزوره في هذا الوقت ولا يأتي في هذه الساعة ففهم الأمر: دازينّك علي؟....قالوا لك...تدخّل بالسالفة وروح كلم ابوك.....المخرّف؟
ابا فهد بتدخل سريع: محشوم يبه......محشوم.....
الجد: انا عقب هالعمر.....وعقب ما كبّرتكم......تتكبرون علي....ولا تطيعوني.....وتحطون قراراتي في الزبايل؟
ابا فهد تنهد حقًّا كان عليه أن ينتظر ليوم آخر لتخفيف وطئت الحدث ولكن شعر بضيق اخيه وأحّب ان يحدّثه وهما في حرارة الموضوع!
: يبه......انت على عينا وعلى راسنا....وطاعتك واجبه.......وما بعد كلمتك وقرارك كلام وقرار.....بس يا يبه......أمّنتك الله تقولي تشوف اللي سويته صح؟ ولا هوب غلط...يوم تجمع الاثنين بدون ما يدرون عن نواياك ....وتجبرهم على النظرة الشرعية؟
الجد نظر إليه منفعلا: ما غلطت....والنظرة الشرعية ......هذا انت قلتها شرعية من شرع الله.......
ابا فهد : بس لازم تكون برضا الطرفين وانت ولا عطيتهم خبر....يمكن لو معطيهم خبر ما صار هالرفض....
الجد وكأن الكلام لم يعجبه: لو معطيهم كان ما شفت إلا غبرة ولد اخوك....وعناد بنت اخوك......
ابا فهد بعقلانية: ودامك تدري ليش تحاول تجبرهم؟
الجد ضرب بعصاته على الأرض: هالاثنين بالذات ما بيرتحون إلا لم يجيبون الكلام اللي يلوط الآذان لهالعيلة!
لا يدري كيف يحاوره بهدوء لذلك قال: يبه.......انت ليش حاط ببالك ....يمكن في يوم احد يجيب العار لهالعيلة......خوفك هذا هو اللي بخليهم يفكرون يجيبونه لك.....على طابق من ذهب!
الجد باندفاع وصرخة: وبنتتتتتتتتتتتك وش سوّت؟
والآن ستبدأ التناوشات في ماضٍ مُبعثر بعثر وسحق قلوب كُثر، ملّا من هذا النقاش وكان متوقعًا الدخول فيه
فقال: يبه رحيل ما اغلطتتتتتتتتتت لمتى وحنّا نكرر هالموّال؟
الجد : تدخّل السجن وتنحكم ثمان سنين.........ويكتبون بسجلها .....قضية محاولة الشروع بالقتل........وتقول ما اغلطت.....
ابا فهد وكأن جراحاته تجددت وكأن احزانه انهملت أمام عينيه طوعًا لحديث والده الذي لم يحسب حساب لا لعمره، ولا حتى تحسبًا لضيق روحه عليه.
تنهد وهو يكرر: قضية دفاع عن النفس....بس عيال الحرام.....خلوها شروع بالقتل....يبه رحيل مظلومة......
الجد بنبرة تهز الأبدان: مظلومة!....بس من بصدّق من الناس......مَن بيسكت لو سمع عنها؟.....مَن يا عبد الرحمن مَن؟
بو فهد وضع يده على لحيته ليمسح عليها ويستمد منها قوةّ ضئُلت بداخله! ، ابيه يؤلمه، يقتله دون لأن يشعر...يمرر على قلبه سيفه المتصدأ ليسممه!، يهتم لحديث النّاس ولا يهتم به.......لا يهتم به ابدًا!
تحدث بجراءة: اذا تشوف رحيل غلطانه.......وسجنها جريمة ما تغتفر في نظرك حتى لو كانت مظلومة..لا تعيد غلطتها بسجنك لدانة في بيت مغصوب....ولا هوب مرغوب من قِبل راعيه......دام محمد نطق ما يبيها......لا تجبر الأنفس لين تمّل وتطفش وتسوي اللي انت خايف منه ..هروب منك!
ثم نهض: راجع يبه قرارك.....اللي بيدمّر اثنين مالهم دخل بسالفة رحيل!
خرج وهو يُرمي قُنبلته الأخيرة دون ان يلتفت الى تهجّم وجه ابيه ، والذي اخذ يكرر الاستغفار بصوت مسموع..هّز رأسه وهّز اشواقه لها..راح بذاكرته لتلك الأيام التي يُمسك فيها يديها الصغيراتان..ذهب للرائحة التي تحبّذها..لركضها هُنا وهُناك ما بين الورود البنفسية والوردية التي زرعها لها خاصة..كانت ممّن يجن حينما يشتم رائحة "الرّيحان" لا تستطيع التّماسك أمام هذهِ الرائحة حتّى بها تأكل منه الشيء الكثير..رحيل قاسية في رحيلها في ظُلمة السجون..رحيل شيء كبير في قلبه وعقله..ولكن الآن يُدافع عنها بطريقته التي تُفلق القلوب!
|