كاتب الموضوع :
شتات الكون
المنتدى :
المنتدى العام للقصص والروايات
رد: رواية: أحببتُ حُطاما سَبق أوان الرحيل\ بقلم شتات الكون
لا يقوى على الحزن ولكن لا يستطيع الإنفصال عنه..وكيف الذي يقطع الوعود يخون؟ قطع الوعد بمقبال حياته؟ لتترمّد الزهور في ربيعها وتسقط كحطام متآكل على نفسه، هو أكل نفسه بنفسه ولم يعد قادر على إيقاف هذا الجنون، حتى توبته لله عزوجل غير قادر على لفظها بلسانه وبجوارحه بشكل سوِّ، متوقف عن ذنوبه ولكن متهاون في عباداته، يسهب في التفكير، يؤّخر الصلاة..ويصلي بذهن شارد..خائف وقلق بشكل مفرط ، حياته في تلك المجموعة كانت صاخبة، مليئة بالعطاء الفكري بمقبال المال ولكن لم يلمس دمًا مباشرة على مبدأ الموت، رغم انه يؤمن آنذاك خاصة بعد كشف الحقائق كونه متسبب في ضرر الكثير من الناس، ولكن لم يرى جثث دامية امامه مقتولة بيديه، حتى دخوله في المشاجرات لا تنتهي بالموت، ولكن مقتل ستيفن ورجاله احاطوه لينعشوا المواجهة بذبذبات تيار يمر بقساوة على جسده ذو الحمل الثقيل المتصل بالحياة ثم ينقطع ذلك التيّار لتبقى دائرة حياته مفتوحة بخوف!
وجود طلال الصغير يخفف من توترة، ولكن بؤس تحرير وسؤالها المتكرر عن عمها يعود بهِ للخريف.
لا يقدر على إحداث جرح أخير في قلبها في فقد عائلتها، في الواقع لم يبقى لها أحد،
.
.
بو سلمان: تحرير بنت اخوي..مالها احد بعدي يا بتّال....ابي تكوّن عيله لها وتكبّرها...وتصير لها ذخر!
.
كان يتمنى بل أبدا له بأمنياته في إحدى الليالي الثلجية في الكوخ البعيد في المنطقة الريفية في شمال امريكا، كان يتمنى من ان تَكثر سلالتهم، فأخيه توفى في حرب الخليج ولم يخلّف أبناء كثر ولم ينجب سوى تحرير، وسلمان توفيَ وهو شاب في ريعان شبابه، وهو لم ينجب سوى سلمان، كان يتحدث وفي عينه ألم يكسوه الثلج المتساقط معنويا ليضببه بشكل دموع قطرية للتتكور وتصبح ندى لامع يراه البعيد ولكن لا يراه القريب من وجهه!
اخبره في تلك الليلة عن قساوة ستيفن له وخداعهم لعقله
كيف كسروا ظهره على حد قوله
ليردف: اقتلوه جدام عيوني..ما تهنيت فيه..احرموني منه ومن ريحة هلي..ما قدرت اسوي شي...صرت مينون...خايف ومو عارف شسوي!
:
لم يفهم شعورة جيّدًا آنذاك ولكن تعاطف معه وبشكل كبير، تلك الهمهمات هي من جذبتهما لبعضهما البعض اكثر، ليتعرف على مخططات ابا سلمان الذي اصبح حُطاما ليُسابق أوان رحيله مبكرًا على فقد ابنه الشاب.
مجموعة منظمة وبشكل دقيق قائمة على الفساد، بجلب العقول لها لتنتفع بهم على منطق العلم والأساس الفكري المتقدم.
انخدعوا وفقدوا أجزاء منهم والبعض الآخر فقد احباؤه، اما هو فقد اشياء كثر بتّال في الواقع فقدها ولم يعي فقده لها إلّا الآن..بعد سفرة وتركه لتحرير وكُّل لتجارب إشعاعية كادت تنهي حياته ولكن وجد فيها متعته ..تخصصه في بدايته يتناوب ما بين الفيزياء والكيمياء ..درس الكيمياء بشكل طفيف ولكن يبدع فيه بشكل مذهل..خاض تجارب عدة بها اشعاعات خطرة ولكن كان يأخذ احتياطاته بحذر شديد وفي بعض الحين يحدث تسرب اشعاعي هو ظن في وقتها نجى منه وفي الواقع بعد مضي الوقت ادرك امور عدة بعد عودة عقله فهم ما لم يستطع فهمه في وقت ضياع رغباته أمام الحياة.
وربما يتيقن آنذاك و لم يستطيع مواجهة هذا الأمر ربما أُثرت عليه بشكل سلبي لتسبب له تلك الاشعاعات عقم مؤقت أو ربما دائم لا يدري ولا يريد التفكير في هذا الأمر ولا يريد ان يخضع لفحوصات طبية لتسحق شكوكه باليقين.
خسر هو خسر نفسه..اصبح دمية لهم لا ينكر ولكن العائد عليه بالمال يهوّن عليه المصائب آنذاك ولكن بعد مقتل ابا سلمان وحديثه والحقيقة وثقل الأحداث وتحرير،كل شيء بات بؤسًا في عينه.
سمع صوتها ألتفت نظر لها..باهتة تحرير وجدًا..عينيها جاحظتين من الأرق والتعب..وجهها شاحب وبشكل كبير لا به لمعت حياة ولا رغبة التمسك بها..جسدها كان ممتلأ بسبب الولادة ولكن الآن اصبحت اضعف بكثير مما تركها عليه في السابق، بقلقها تحرق سعررات حرارية عالية، شعرها بدأ يتساقط..قصر من نفسه وكأنه خضع لقص ذاتي بشكل مفاجأ،حزينة تحرير وبشكل كبير.
اقترب منها وهو يحتضن طفله النائم
ابتسم لها:نام..
تحرير تنظر لطفلها: عطني ارضعه..
بتال بهدوء ينزل الصغير على سريره: صدقيني مو جايع..حلمان وجلس يبكي..
اقتربت من السرير، تنظر لطفلها، تتكأ على الجدار تغمض عينيها
تفتحهما ببطء شديد
ينظر لها بتال :روحي نامي..تحرير..ارتاحي..
تحرير تنظر له وبدمعة حارقة:عمي ما يرد..جوّا(كوا) قلبي بصدّه...خايفة صاير فيه شي..ما عندي أحد من ريحة هلي غيره..اموت بتال لو صاير فيه شي اموت...
لذلك هو لم يجرؤ على اخبارها..يخشى عليها من الموت يخشى عليها من ان تجن
.يقترب يحتضنها ويقبّل رأسها
تبدأ بالهذيان من جديد: عمي ريحة ابوي..عمي ابوي بتّال..عشت بضيم يتمي وانا ادور في حضنه ريحة لو نتفه بس تذكرني في هلي..ما شفت لا امي ولا ابوي بس شفتهم بعيونه بتّال..مابي بعد افقده..مابي يتجدد علي يتمي..مابي حرب ابوي تقصف قلبي..ولا أبي صرخات امي وهي تولدني اسمعها في خيالي..من يديد..انا تعبانة وايد...وايد بتّال..كلهم راحوا وهدوني(تركوني)..خلوني لحالي بتال..خلوني لحالي...ما عندي سند..ما عندي أحد...صايرة جنّي مقطوعة من الشيّرة(الشجرة) ...
سكتت وهي تبكي ليشد عليها وينظر للفراغ..كيف سيخبرها، وكيف يخفف عنها وكيف يقطع هذا الرثاء المستمر لأشهر، ابعدها عنه، كلما أخّر الخبر كلما تقاعست تحرير للوراء، طوّق وجهها قبّل جبينها وأرنبة أنفها بوجع.
نظر لها وبهمس
بتال: تحرير..بعترف لك..بس ابيك تصيرين قوية..مو عشاني ولا عشان نفسك..لا..عشان طلال محتاجك ومحتاج قوّتك..
تزدرد ريقها تنظر له ولكلماته التي ينطقها بثقل،
حارت بالنظر لعينيه
وشد على اكتافها ليهمس:جاني خبر عنه...
تحرير تنهمر دموعها لتشق طريق اليتم مقدمًا، نبرة بتال لا تنم على انّ الخبر خير، اعتصرها قلبها من جديد لتنوي الحداد قبل اعلانه، ازدردت ريقها لتحني رأسها على الجانب ثم تلوذ به للأمام
تحدث بثقل ما بداخله: البقاء براسك يا تحرير..
اخذت تتنفس بعمق شديد، اغمضت عينيها وكادت تفتح فمها لتصرخ ولكن بتال وضع يده على فمها ليكتم رغبتها خشيةً على ابنه ووالدته من ان تسمعها، انحنت تحرير بثقلها على جسده واحتضنها بشدة ليعانق رغبته في البكاء، ولكن لم يبكي دموعه جفت من الداخل..جفت مع رغبته منذ اشهر في نزولها، شد عليها ومسح على رأسها لتشعر تحرير بيتمها من جديد.
تبكي وبشدة تعض على يدها لتكتم صرخات لو تخرج لصدّعت الجدران بحزنها لا تريد هي الأخرى ان تزعج ابنها
شدّت على بتال لتدرك أهلها جميعهم اصبحوا أموات...لم يتبقى لها أحد بعد..والدها توفي لم تتعرّف على وجهه إلّا في الصور ووالدتها كذلك...حبّها وفلذة قلبها سلمان توفي..قبل أن يحققوا الأحلام معًا...توفوا جميعهم...لم يبقى لها أحد...لا أحد سيقول" أحبج يومنج تعصبين يا الغبية"..تزداد أنينًا ليرتفع صوت سلمان" ويه ويه ويه تبجي المينونة عشان شنو؟ عشان ناقصتج عشر درجات؟"..تتشبّث في بذلت بتّال لتسمع" ما تسمينه سلمان...حلفتّج بالله ولدج ما تسمينه سلمان"...تشد على عينيها تغوص في الأصوات"يبه فيج شي...بنّيتي اسم الله عليج وعلى قلبج...انسيه يبه"..."احبج تحرير".." ولدي بسميه على اسم ابوي فخامة غانم".."يا المينونة حاسبي على روحج بتبردين...دخلي داخل المطر وايد".."بنتي محتاجة شي".."تحرير ولدي سلمان يبيج على سنة الله ورسولة".."بكلم ابوي وبقوله احبج".."تحرير لا زعلين علي يومني ما رديت عليج والله كنت نايم"..."لا تتسرعين يا بنتي واستخيري ولا تستحين مني...ولو ما تبينه لا تتردين وقولي لي".."خير تحريروه مسوية ثقل ما قلتي لأبوي عن ردج".." قلب قلبي انتي ..ما بقيتي تسمعيني صوتج يا العندليب ههههههههه"..."اسم الله عليج تحرير الحرارة شبّت فيج أوديج المستشفى احسن"..مات سلمان ومات والده غانم...ولم يبقى سوى ذكريات أصواتهم وصورهم في قلبها...تدفن وجهها في كتف زوجها لتخرس اصواتهم والذكريات تشهق و
تبكي : منو لي بعدهم..من بقى لي ...راحوا..كلهم..راحوا...
بتّال كسرت قلبه في هذيانها، اعتصرت شيء بداخله ليخرج ويقفز
وينطق وهو يقبّل رأسها: يا عين بتال..وانا وين رحت..تحرير اذكري الله...الله يرحمه...
تحرير تشد عليه اكثر: يعوّرني قلبي حيل ...عوروا قلبي وايد...ليش راحوا جذيه وتركوني...ليش بتال..
بتال يسحبها ليجلس على السرير ويجلسها بجانبه ويحتضها من الجانب الأيسر
يمسح على شعرها: قضاء وقدر..قولي الحمد لله على كل حال..
تحرير بنفس غير منتظم بسبب البكاء: ماتوا كلهم...ماتوا..مالي احد بعدهم...
يطوق وجهها يقبل جبينها مرتين بحزنه: انا اهلك كلهم ...اذكري الله..
تنظر له تشد عليه تهذي: الله عاقبني...الله عاقبني يا بتال...خنتك بقلبي..خنتك بفقدي لسلمان..الله عاقبني في عمي..
بتال ينهرها: اششششش...قولي استغفر الله...هذا يوم عمك وهذا حده...لا تجزعين...ما يجوز...
ترمي نفسها عليه لتشد وتكرر كلمات مبهمه
وهو يطبطب عليها سيحاول ان يحتوي جنونها وجزعها هذا
اخذ يتمتم بآيات قرآنية قصيرة لتهدأتها..ثم نهض واجبرها على الاستلقاء ليطبطب على اوجاعها ثم يكمل ما تيسر من القرآن..يتفهم شعورها، ان تصبح الشخص الوحيد على قيد الحياة وبقيّة اعزاؤك ميتون شيء يدعوك للحزن ويدعوك للإنشطار ولكن لابد من الإيمان بقضاء وقدر الله، هذا الحزن في يوم من الأيام سيتلاشى، سيصبح لا شيء ولكن لا بد من الصبر في بداية موجة الكدر والحزن..لابد من التماسك وعدم إعطاء الشيطان فرصة للتدخل..ليزداد الشعور سوءًا!
.
.
ماذا نجني من الحُب؟
بما يمدّنا الحُب؟
أتعلمون أنّ الحُب حياة لولاه لما استطعنا العَيش، حُب الأشياء بلا تفريط في الواقع حياة وتقبل لها، والبغض والكره نقصان للحياة وتقليص لها.
ولكن حبنا نحن الاثنان اتجه في طريق آخر، طريق الحلال أجل، ولكن على وجهة النقص في بداياته، حُب "يقرص" القلب في كل ثانية ودقيقة يختطفه ويجعل نبضه متسارعًا على نوتات مرعبة هذا النوع من الحُب مُتعب وكأنه يخبرك بصعوبة النيل منه، ولكن يبقى شعور مختلف ،جميل ولكن خانق تحاول التماسه في كل لحظات اتجاه تيارات نبضاتك لرأسك ويختفي فجأة، يُرجفك ويلتهم ما تبقى منك، وجميل هو حين ترافق نبضاته التي توصلك على مشارف الإلتقاء وإن كان صعبًا ولكن ليس مستحيلًا، ها هما ثمرتا الحُب اصبحا مقترنان ببعض في الظاهر والخارج، ينامان معًا ويستيقظان معًا ويمرضا معًا اجل، اُجهدت بتربيتهما ولكن لذيذ شعور الأمومة اخذ يدفّأ مناطق فُقدها لوالدتها ولوالدها الذي يكتفي بالإتصال عليها ما بين الفينة والأخرى، لا يكفيها هذا الإتصال ولكن والدها لا يشجعها على الاستمرار فيه مرارًا وتكرارًا، اسلوبه لم يتغير اسعد بولادتها بالتوأم ولكن لم يكفيها صوته، كانت تريد وجوده ولكن لم يفعل، حينما دخلت في المخاض اشتدّت رغبتها الى اهلها جميعهم ووقوف أمل بجانبها ساندها عاطفيًا وبشكل كبير، لم تمر ولادتها بسلام انجبت الأول"سلمان" بكل يسر ولكن في الصبي الآخر اضطرُّوا لإجراء عملية قيصرية بسبب توقف نبض"ليث" تجرعت الم الولادة الطبيعية وكذلك القيصرية، بقيت أمل في منزل اخيها لتهتم بها وبالصغيران لمدة بما تقارب الشهر والأسبوعين، ركان لم يقصر ابدا قدم على عاملة منزلية من اجل تخفيف الثقل، انقضت تلك الاشهر بثقلها وخفتها في بعض الأيام، هذين الطفلين قرّبا علاقتهما الزوجية بترابط اقوى من ذي قبل، توقفت هي عن العمل في الواقع ووافق ركان على عملها في إحدى المستشفيات الخاصة ولكن بعد ولادتها توقفت انسحبت تريد ان تحضى بلحظات امويّة مقربة من الصغيرين لا تريد ان تبتعد عنهما وهما في هذا السن، ستعود للعمل في الوقت المناسب بينما ركان فتح مكتب محماة بمساعدة ليث في غضون اشهر قليلة وأخذ يزاول عمله سريعاً، انخرطت سوزان في الحياة هنا المختلفة عن المجتمع الذي عاشته سابقًا، تقبلت العادات والتقاليد والأهم تقبلت الدين بصورة إقناعية من الداخل دون صغوطات، فركان ترك لها المجال لإستيعاب كل شيء على مهل، وضعت طفلها في مهده بعد أن أرضعته.
في الواقع ليث الصغير نوعًا ما خامل مناعته ضعيفة يحتاج لرعاية كبيرة بعكس سلمان، تحاول الاهتمام بهما جيّدا ولكن تخشى على ليث من تعبه هذا..التفتت على سلمان ما زال نائما، ثم نظرت لركان وهو يجلس على الارض وحوله الاوراق، اعتاد على الجلوس هكذا، يرتدي بجامة المنزل ويرتدي نظاراته يضع ملفات كثيرة عن جانبه الأيمن واكواب القهوة عن يسارة لم يخرج لمكتبه للآن يريد مراجعة بعض النقاط المهمة للقضية الاخيرة التي امسكها، اقبلت عليه تمشي ببطء بجلابيّتها المنزلية المخصرة وشعرها المنسدل على ظهرها..جلست ببطء بالقرب منه حدّقت به، واوقفته بنظراتها عن متابعة ما يفعله.
نظر لها..ونظر لنقطة حبه العميقة التي توسطّت في قلبه، نظره لحبيبته، زوجته، ام ابناؤه، شريكة حياته، نظر لأمله ولأشياؤه الجميلة، كيف في ذلك الوقت اجبره ليث على ترك هذه القطعة التي ادمت عقله قبل قلبه ، مؤلم فراقهما آنذاك ولكن يحمد لله على كل حال، فالله عوّض هذا الصبر بحملها لتبقى على ذمته ويستعيد ما ترك وما تُلف، ابتسم ازاح "النظّرات" عن وجهه.
تساءل: مشت أمل؟
تهز رأسها وهي تسهب بالنظر إليه بكل حالمية
يقترب منها وتنجذب لناحيته كالمغناطيس
يهمس: نظراتك تقول..خذني بأشواقي في حضنك..
تقترب وتغمض عينيها تقترب ببطء لتقبّل خده الأيمن
أحبك ئد الدُنيا دي كلها.. وتهمس: أحبك ركان..
لم تعد تتحدث بلهجة والدتها، وشعر بها تتهرب من أشواقها لناحيتها رحمها الله حتى انه اخذ يبتعد عن الحديث معها باللهجة المغربية .
في السابق حينما يتقاسمان هذه اللهجة تشتعل حيوية وتزداد عذوبة اما في الأوان الأخير اخذت هذه اللهجة تُضمحَل من كيانها الذي يرتعش باشتياقة لوالدتها المتوفية لذا امسك الكلمات ولهجتها ليبعدها عن الحزن فأخذت تميل لنبرته وكلامه وتارة للهجتها الأم"المصرية"، طوّق وجهها قبّل أرنبة انفها ليبدي بإمتنانه لهذا الشعور وهذا الحب الذي سيخلّد في الذاكرة، اخذ يمطرها بقبلات الإمتنان لوجودها معه قبّلها على جبينها قُبلة دافئة حانية ليطفي رغبات الشيطان من ابعادهما عن بعضهما البعض، ارتخت ملامحها لتطمئن في دفء قربه احتضن جزءًا من جسدها الأيسر لتضع رأسها على كتفه وتنظر له.
بقلق أموي: خايفة ركان على ليث..
ركان يخنع رأسه قليلًا جذبها إليه اكثر اخذ يمسح على شعرها
همس وهو يقبّل رأسها بعمق: ما فيه إلا العافية...بشوفة عينك اليوم ما نمنا بسببه مو بسبب سلمان..لا تحاتينه..
ضحكت بخفة لتميل برأسها وترفعه للأعلى لتنظر لوجهه: فحوصاته كويسة شوفتها..بس ما زال اشوي حركته مش متل سلمان...
ركان ليغيّر مزاجها قليلا ويشتت هذا الخوف الأموي عنها: بالله خليه كذا معادلة موزونه...سلمان شين وهو هادي...تخيلي اثنينهم نار ...والله اهج من البيت...
رفعت حاجبها الأيسر: تهج؟
ضحك هنا لتردف: ههههههههههه ما راح اسيبك وقتها...
ركان يشدها اليه: وظنّك راح اقدر اصلا اتركم.
سوزان بمصداقية: لا...
ثم ابتعدت لتنظر للأوراق وتنبه: الساعة صارت عشرة...ما حتروح المكتب؟
ركان حك جبينه: إلّا بروح...نسيت نفسي وانا اقلّب بهالاوراق...
نهضت من على الأرض واخذت تجمع الاوراق: قوم جهز نفسك وانا برتب الاغراض..
نهض واقترب منها احتضنها من الخلف ليهمس: ربي لا يحرمني منك...
تضع يدها على يديه المحاوطة لبطنها: ولا يحرمني منك..
حررت نفسها منه: راح تتأخر..
ركان يضحك بخفة: هههههههه بشوف هالمدلّع وبمشي...
سوزان بتنبيه: حسي عليك تبوسهم...ذول مع البوس جرس انذار..
ضحك ليأيدها: والله انك صادقة...بوسة على جلسة بكى...
تضحك وهي تلم الأوراق لتدخلها في الملف..مشى ركان لناحية السرير..نظر لصغيريه..ابتسم واخذ يحصّنهما بذكر الله.. اتت بالقرب منه سوزان نظرت له
تحدثت بلطف: على كدا ما حتروح على الشغل..
فاضت مشاعر الابوّة منه، نظر لهما ..يتذكر اول ما ولدتهما كانا صغيرين وجدا يستطيع ان يحملهما اثنينهما بيد واحدة، ليث كان وزنه ناقص وبشدة على عكس سلمان خاف من فقدانه ولكن الطبيب طبطب على قلقهما بكلامه الطبي الذي ضمد خوفه وخوف سوزان من ان ينفتق، تربيتهما صعبة وجدا شارك سوزان السهر، وشاركها الخوف عليهما يرحم سوزان وجدا في بعض الحين تنهار وتبكي من التعب لأنهما لا يناما جيدا وان نام ليث استيقظ سلمان ولا يتركا لها مجالا للراحة لذا اخذ يعاونها في امر النوم..الى ان كبرا قليلا واصبحا قليلا مختلفين بشكل بسيط، تذكر وقت تسميته لهما، في الواقع قبل ذلك حينما تم الكشف على سوزان وعلما بحملها بالتوأم لم يصدق من شدّت سعادته وبعدها حينما اتضح نوع جنسهما اخذ يفكر بالأسماء لم يبدي بها كان يريد من سوزان ان تبدي بتسميتهما ولكن هي تركت له هذه المهمة فلم يتردد في تسمية الاكبر بعدة دقائق من اخيه بسلمان والآخر بليث، يذكر احتضان ليث له ويذكر بكاؤهما وهما في الممر المنعزل والمبتعد عن الضجيج بكى سلمان من جديد وبكى لوعة اشتياقه له وليث الآخر بكاه وكأنهما كانا ينتظران هذه اللحظة للإنفجار،حمد لله على نعمة وجودهما في حياته نظر لسوزان
وبجدية: والله الواحد ما وده يداوم ويترك هالنتايف ذول..
سوزان تنظر لهما: روح وسيبك منهم..في ناس بحاجة ليك..
ركان اقترب منها قبل جبينها:باذن الله ما راح اتاخر..عن اذنك...ببدل..ملابسي..وبطلع..
سوزان ابتسمت:جهزت لك ثوبك وكل شي..
عاد يقبلها على خدها: ويلوموني في حبي لك...
تضحك بخفة وهو يخرج من الغرفة ليتجه الى الخلاء همست : الحمد لله لك يارب على هالحياة الحلوة..الحمد لله حتى يبلغ الحمد منتهاه.
ثم نظرت للصغيرين بعطف اموي ونظرات تبعث الدفء لهما بشكل ملحوظ.
.
..
.
..
.
..
اغلقت الباب على نفسها تنهدت بضيق، حياتها اشبه بالدوامة التي تدور بعجلتها وتعود للنقطة ذاتها، الماضي يطوّقهما هما الاثنان بشكل قاتل، اصبح حبهما لبعضهما البعض يؤذي قلبيهما وعقليهما بشكل جنوني، اصبح كل شيء خارج عن السيطرة ولم تعد بعد قادرة على أن تُبدي بمحاولات لملمت علاقتهما أكثر لتصبح طبيعية، يقتلها هذا الحب، تقتلها حقيقة ليث الذي لا يعرف يمارس حبه في منحناه الصحيح طالبته بأن يمهلها ويمهل نفسه لتقبل بساطة وجودهما تحت سقفٍ واحد وطلبته من ألّا يتعدى حدود قربهما الحميمي ولكن ليث اصبح يقطع العهود دون أن يوفي لها، اسهب في مشاعر حبه..حبه لها اصبح ظاهريًّا كما تمنتهُ سابقًا لم يعد ليث غامضًا في مشاعره وصراحته بها لم تتوقع يومًا من أن تؤذيها، يحبها ويخشى فقدها ولا يحب مواجهة ما يعقب ذلك، يحبها بمتناقضات عقله تحس به ينازع حقيقة أمر اقترانهما كما هي نازعت الأمر وخرجت منه بالتقبل، ذلك التقبل الذي لم يأتي سريعًا ولكن حينما شعرت بالقيود اجبرت نفسها عليه تقبلت وغرقت في مشاعر أخرى ربما ليست منطقية ولكن كفيلة من أن تجعلها تعيش بعيدًا عن الضوضاء ولكن تعبت من ان تجبر نفسها على قربه هذه النقطة هي التي تضربها وتلسع عقلها من إدراك حقيقة ليث وحقيقتها، عاشا ثلاثة اشهر مبتعدين جسديًا متقاربين روحيًا مع وجود تيارات ماضية تؤذيهما ولكن هي تحاول التجاوز وليث يحاول إلّا انه يفشل..ادركت هروبة من الواقع يصبح في طرف لسانه بلفظ الكلمات السليطة وإلقاء اللّوم على الإخرين كما يفعل معها بالسابق، يقسي وكأنه ينتقم من نفسه ولكن في الواقع يقسو عليها، طلب منها التنازل ولكن اصرّت على الابتعاد..نقض العهد وحاولت أن تتماشى مع الأمر بطبيعة الحال ولكن لم تتجاوز تلك اللّحظات بعد ولم تكبح مشاعر السوء بل تضخّم الأمر في فؤادها رغم لطف معاملته، عقلها العصي لم يمحي سوء صور ليث في الماضي وعقلها يحارب قلبها، لم تريد فعل ذلك..لم ترد أن تجرح قلبه بنفور أو ببكاء أو بردت فعل تجعله قاسيا عليها كما هو في الماضي، ولكن ذاكرتها تجاوزت شعور الإطمئنان في حضرته لتستبدله بشعور الرهبة والقلق وعدم التحمل..يخنقها هذا القرب..تشعر وكأنها قُيّدت في غرفة صغيرة وجدا جدرانها قريبة منها لحد الإختناق تحاول الهرب ولكن تصطدم في إحدى جدرانها، تتعرق ..تسحب اطنانًا من التنفّس تريد التجاوز..تريد أن تنظر له كما تنظر اليه وهو بعيد وفي قلبها حبه ولكن عقلها يعصي الأمر وخلاياه تزيد من جرعة الألم باستنزاف طاقتها وهي تتذكر" اتركنيييي"، "حررراااام عليكككك"، "شسويت فيني"،كلمات تدل على ردت فعلها وهي فتاة لم تتجاوز صدمة ما حدث لها في ليلتها المظلمة تتساءل كيف آل بها الفضول إلى ضياع الشرف؟كيف؟ وكيف آل بها بعد كل هذا إلى حبه والخوف من قربه، تتحطّم
..تعّض على وسادتها لم تتجاوز الحادثة بعد رغم السنوات التي مضت!..لم يمهلها ليث في نسيان الأمر. ربما مدرك انها لن تنساه ابدًا..مضت عدة سنوات ولم تمضي هذه الذكرى..ولم تتجاوزها..طالبته بألا يقترب..قطع وعدا..ولم يفي..ها هي عادت للنقطة ذاتها..تبكي..كان وقتها ينعت بكاؤها بعد تلك اللّحظات على اوصاف تشعلها وتزيد من رغباتها في الرحيل من تحت ظلّه ولكن الآن..لم يهرب..بقي صامدًا ينظر لإنهيارها عن قرب...وكأنها تشرح له مسيرة ضعفها خلال هذه السنوات أمامه..هو يدرك كل شيء ولكن الفارق البسيط الآن يواجه كل شيء بكل حواسه..تنهض من على السرير تنظر له..تبكي بصوت عالٍ وتسحب نفسها بثقل شديد..شعرها مسدول على اكتافها..وجهها محمر..تنظر له..يقف هو الآخر..
تتحدث كالمجنونة: اطلع برا...مو انت كذا...دايم...تطلع..ليش الحين ما طلعت. اطلع....لا تكمل علي وتسمعني كلام..حفظت شريط لسانك...مدلعة...تبالغين...وكأنه اول مرة يصير بينا كذا....اطلللع...اطلععع..
يقف على حافة انهيارها، ينظر لوجع قلبها، هو ما زال في نظرها مغتصب وهي ما زالت في عينه مغتصبة يحتقر نفسه اكثر بردت فعلها هذه، لم تنسى حتى كلماته التي يردفها بسبب وجع ذاكرتها، هو الآخر لم ينسى نفسه..لم ينسى كيف كان وحشيا وكيف أوسم طُهر براءتها ليلوّثها برغباته المحرمة..ابتعادهما عن بعض لن يرسي على التقبل..ربما المواجهة سبيل في وضع الخط الصريح لحياتهما..هو متعب من كل جانب، بالأمس والده اكتشف امر صدق زواجه بها ورحيل تعامله وكأنه لا شي، لا ترفض قربه ولكن تقتله ببرود مشاعرها..تقتله وهي ترسل رسالتها المبطنة له، تخبره عن عذاب السنين وكيف حوّلتها تلك السنين إلى كتلة جليدية لا يذوب هذا الجليد ولا يستطيع ان يثلج عقله، هزّت من كيانه بالشيء الكثير لا تمنعه من توجّه رغباته ولكن تقتله بردات فعلها، رحيل ميّته وأمل تحترق منه كلتاهما جعلتاه يعيش في طور جديد من التأنيب..تأنيب ضمير مؤذي لصحته، تأنيب ضمير يجعل عينه لا تغفى يجعله يواجه اخطاؤه بلا هروب كما يفعل سابقًا..ليس لديه دائرة تمكنه من الهروب في الأصل، رحيل ميتة ليتها تحتظر لتشعره بوجوده في حياتها ولكنها ميتة والأخرى تحتضر وتحرقه..أمل في ليلتهما تلك احرقت قلبه واودعت ثقب صغير مؤذي في دماغه..تبكي وتسمعه كلماته الوحشية التي القاها عليها في الماضي، لن يستطيعوا المضي طبيعيًا بعد كل هذا ولكن لن يفرّط بها ولا بركان..سيصبح أنانيًا في حبّه!
مسح على رأسه: أمل لا تجرحيني...
تبكي وتتعرّى من كتمانها: ما جرحت..وتنازلت من إني اجرحك...بالمقابل انت مستمر تجرحني...وهذا وانت تقول تحبني!
هزت رأسها بيأس ودموعها تتساقط كحبات اللّؤلؤ: ما تعرف تحب يا ليث..ما تعرف...
ينهار بحديثه غاضبا: كل ما صرنا بعاد ..كلما ثقل الموضوع..ثلاث شهور أمل...وغير هالثلاث شهور سنوات مضت على هالحادثة...وهذا انتي ما نسيتي!؟
أمل تقترب منه تصرخ: ولا اااااانت نسيت...ما نسيت...
يزم شفتيه يسحب نفسا: وعلى اسلوبك هذا ما ظنتي بنسى...
أمل تبكي وتبتسم في الآن نفسه: تحمّلني المسؤولية من جديد...رجعت على طبعك القديم؟
صرخ في وجهها: جالسة تسدينها بوجهي يا امل...انا احبك وابيك...ابي نعيش على قولتك طبيعيين بالمقابل انتي...
تصرخ وتقاطعة: بالمقابل انت...ما زلت على طبعك..ما زلت تجرحني...ليث..ما تاخذ رغباتي على محمل الجد..قلت لك لا تقربني..وانت تقربني وانا اختنق بس انت مو مصدقني..كيف اقنعك بالله بشعوري؟
يمسح على وجهه تحمر عينيه بضيق: انا تعبت...يا أمل...مرا تعبت...انتي ما تدرين انك جالسة تهينيني وانا.
قاطعته بصرخة: لا تقول هههههنتك...انت هنتني...ما طلبتك شي ثقيل...طلبتك وقت بس...عشان انت تتقبل فيه انك مزوّج اللي اغتصبتها.. وانا اتقبل قربـ..
لم يترك لها مجالا اقترب منها كمكم فمها بدلًا من رغبة صفعها عليه
ينظر لعينيها بحنق: اششششششش ..ولا كلمة...يكفي تخبّط أمل..أنتي اصلًا مو عارفة شتبين وشنو تقولين!
اخذت تنظر له تحاول ان تبتعد ولكن تحدث وجفنه الأيسر يرف: انتي يا أمل ما تجاوزتي اللي صار...انتي ما هوب انا..حتى شوفي نفسك وشكلك..وكلامك...ما زلتي تشوفيني شخص سرق منك الحياة...
ابعدها عنه بقوة ليجلس على السرير ويكمل: حتى حبك هذا....وَهم..اجبرتي نفسك عليه بس بدون إيمان فيه!
أمل تبكي وتشهق وهي تنظر له تصرخ: احببببببببك....والله..
نهض هنا كالأسد لينقض عليها ويقترب منها ويقلّص عليها مسافات الهروب
صرخ في وجهها: وين حبك هاااا...وينه؟....في أحد يحب شخص وخاف منه في نفس الوقت؟
تبكي اكثر تنظر له تحاول التحرر من يديه تصرخ: وفي احد يحب ويذل اللي يحبه؟..ولا يقدّر مخاوفه!؟
شعر وكأنهما على مقربة الجنون نفض يده منها وابتعد انفعل ليبرر وكأن التبرير مواجهة أخرى لتجرّع حقيقة كونه رجل فاسد في الماضي وضع ختم على امرئتين مسكينتين ليوسمهما بسمومه..هو ندم..وكلتاهما يضجان بالأمل والرحيل لإشعال حطامه اكثر
: يومنك تجيني تترجيني آخذك...مو قصدي أذلك....
وصرخ وهو ينظر لها ترتجف تحتضن جسدها وتعبث في بجامة نومها السوداء كسواد شعورها ما زالت تبكي وما زال بكاؤها يؤذي مسامعه ولا يوقف تأنيب ضميره
: كنت بهَم تفهمين شنو يعني بهَم؟...مات سلمان...ركان دخل في حالة اكتئاب انتي ادرى فيها...رحيل مسجونة...وأنا تايه ومحصور ما بين تنفيذ اللي يبونه ...اثقلتوني...وطلعتوني من طوري...تركتوني اتخبط واطلع بصورة اللي ما يبالي وانا بداخلي نار...ناررررررر...
وتقدم منها ليضرب كتفها الأيسر في صدره وهو بالمقابل ضرب بكف يده على الجدار: وانا ضميري ياكلني لأني اغتصبت اخت أعز أخوياي...ما تدرين قد ايش اوجعتيني بجيّتك وروحتك تترددين علي تبيني استرك...كلتي قلبي..طعنتيني في ضميري...
نظر لها وهي مطأطأة برأسها: عشت في تذبذب....ما بين ركان...وحالته...وما بين إني اداري حزني على سلمان...وحزني على اللي عشته...وعليك...قسيت على نفسي عشان اجاري كل شي....وانتي كنتي تقسين علي بدون ما تحسين.
امسكها من اكتافها رفع وجهها بطرف يده بقوة: .من لم عرفت انك اخت ركان وانا آكل بنفسي بس عجزان ...عجزان اعترف بخطئي لأني خفت.....سالفة اعترف..يعني جالس أوسم بنفسي إني مجرم ...صرت جبان...اعترف يا أمل صرت جبان ..حتى سلمان لم نصحني ازوّجك ما قدرت هربت من هالفكرة لأنها توجعني وتحسسني قد ايش اوجعت ركان...صداقته معي وخيانتي له...ماعرفت ارتب افكاري...قسيت على كل شي ومررته ولا كأنه صار شي وجيتيني واشعلتي كل شي...وصحيتي ضميري زود يا أمل...وزاد تذبذبي خاصةً بعد ما انسجنت رحيل..زاد همي أكثر..وصرت أخاف أواجه كل أغلاطي!
امل بقهر: ليش شويت فيني كذا؟ ..وليش حتى لم تزوجتني ذليتني وطعنت في شرفي ولا صدقتني لم قلت اول مرة اروح هناك بدافع الفضول؟
ليث: مادري...لا تسأليني عن ردات فعلي وانا مذبذب...لا تسأليني عن نفسي وانا في الماضي...
وبعتب:ليتك ما تبعتي فضولك ليتك....
أمل لتوجعه: وليتك ما تبعت رغباتك ...ليتك....
ليث ابتسم بسخرية: حياتنا ما بتمشي طبيعي...
امل بانفعال شديد: دامك تجيني بالقوة وتجبرني ولا تهتم لمشاعري عمرها ما راح تمشي طبيعي...
ليث: بعدنا عن بعض ما بمشيها طبيعي..
امل تنهار بالحديث والدموع: وقربنا ما بسويها طبيعية..افهم ليث ..تكفى افهم..
ليث سكت نظر لعينيها ولضعف حالتها وهي ترتجف...اشار لها: اسالك بالله حبتيني صدق؟
تنظر له تنهمل دموعها لتعيد له السؤال: انا اسألك بالله تحبني؟ اذا تحبني لا تضغط علي...
ليث يقترب منها ينظر لها: تكفين لا تضغطين علي أنتي.. امل اطالبك تتنازلين عن هالطلب اطالبك تشيلين هالذكرى والخوف..اطالبك يا امل تحبين وجودي بقرب المسافات مو بعدها...
امل تنظر له: وانا اطالبك ما تهيني ...
ليث ينفعل: تشوفين هالشي إهانة لك؟ لا بالله جنّيتي..
تتخبط في قرارتها واستقرار مشاعرها لتبكي: اتركنا نعيش مثل الأخوان..انا احبك ليث ومابي اخسرك..تكفى لا تخسّرني وجودك بعنادك...
ينصدم من لا منطقية تفكيرها، ادرك تعقيد علاقتهما أكثر، لا يدري هل هو يحتاج لطبيب نفسي أم أمل أم رحيل أم جميعهم اصبح متذبذب أكثر، وامل اصبحت اكثر وضوح اليه حبها لم يصل الى مرحلة الاطمئان لناحيته حبهما هما الاثنان ناقص، لا به أمل ولا بهِ ربما صدق..هل يتخيلان الحُب دون الشعور به؟
ليث بوهن: ايقنت حياتنا بتمشي بشكل غير طبيعي يا امل..لا ترتجين تكون طبيعية في يوم...دامك تشوفيني اهينك..
امل تنظر له: اجل طلقني..
ابتسم بسخرية على وضعهما لم يرد عليها خرج من الغرفة، وانتهت ذكرى تلك الليلة التي عصفت بقلبهما، نظرت للمكان، تحبه...هي تحبه ولكن بشروط اجل حبها غريب، ربما يدعوه للتنرفز والغضب ولكن هي لم تنسى والأمر هذا يدعوها للتذكر فتريد الابتعاد عنه، تريد ان يبقيا معا دون اقتراب، ربما جنون ما تفكر به ولكن لم تستطع تجاوز رهبة شعورها في تلك الليلة وهو ليس مقتنع بذلك، يحبها وهي تحبه ولكن المتناقضات تقتل هذا الحب بدلا من ان تقويه، تشعر وكأن هذا الحب له القدرة في جذبها لبؤرة الأرض ليدفنها في قاعه وتختنق به، حب ليث مؤذي وجدا، لذا تشعر بالإختناق من عدم قدرتهما على العيش بهناء.
سمعت طرق باب الشقة الى الآن لم تنزع العباءة من على جسدها
مشت وفتحت الباب
اصايل: يلا نزلي نمشي...
امل بتعب من الذكريات ومن السهر مع زوجة اخيها: عطيني ثلث ساعة اتروش وابدل...
اصايل اشارت لها: هذا انتي لابسة عباتك...
امل تركت الباب مفتوح: توني راجعه من بيت اخوي...واحسني منهلكة الف..
دخلت اصايل : اذا تعبانة مرا خلاص لا تروحين معنا
كانت ستتحدث ولكن قطعت حديثها بدخولها وصوتها العالي: لااااااااا عاااااد أملوه...تكفين اجلي التعب بعدين...
ضحكت امل هنا: هو على كيفي يعني؟
اقتربت منها هيلة لتضع يدها على بطنها وهي تقول:قلب عميمه شسوي؟
امل تبتعد عنها ولكن هيلة تمسك بها لتجبرها على الجلوس لتجلس بجانبها الأيمن
لتواصل وهي تحدّث الجنين: متى تجي..بالله ما كأنك طولت؟
اصايل تنظر لأمل:جاتها الحالة الحمد لله والشكر...
امل تضحك: ههههههههه هيلووووه بعدي عني...والله العظيم احسني شايلة اجبال وانتي تزيدين ثقل ...
هيلة ترفع يدها: ترا يدي يدي اللي حطيتها مو فخذي..شذا...وجع...لانتي ولا رحيلوه ما تعطوني فرصة اتعرف على عيال اخوي...
امل :خليهم يجون بالسلامة وبتتعرفين عليهم..
اصايل بجدية نظرت لأمل: أموله اذا تعبانه لا تجين بكرا "اوردي" بروح مزرعة جدي نفس العادة...
هيلة تتحدث بحماس: احلى شي صار بعد رجوع رحيل..رجعتنا للنخل الأسبوعية...
ثم نظرت لأمل بجدية:صدق اذا ما فيك..حيل هجدي...بكرا ورانا..هيصة...
امل ابتسمت على مضض وبهدوء: احتمال ما اجي واروح بيت اخوي..
هيلة: بالله ما كأنك زودتيها؟كل هذا حب للتوأم...
امل تضحك حقا هيلة تحفف عنها ثقل احزانها: عيال اخوي بعد..تبيني اكرهم؟...غير كذا..احسني مو على بعضي هالاسبوع وما فيني شدة الطريق الطويل..
اصايل: براحتك..اهم شي راحتك وراحت ولد اخوي...
هيلة تنظر لبطن امل:اي والله بعد قلبي..هالله هالله فيه أملوه...
امل نهضت:بقوم اتروش سريع واجيكم...
ومشت
هيلة فتحت هاتفها سريعا لتصلها رسالة تنبيهية من عهود من خلال السناب..دخلت سريعا لتشهق: الحقيييييرة...شوفي شوفي..
ثم نهضت لتناول اختها الهاتف...لتضج بالضحك بعد أن رأت عهود ممسكة بيد ذياب وكاتبة تعليق(ابنساكم..ابنساكم..وانسى ايامي وياكم)..
: فك الحياء منها هالبنت...ذياب ما قصّر..خلخل بلوطها!
سحبت هيلة الهاتف لتبتسم:اي الوسخة تذكرين...يوم الملكة اشوي وتموت علينا من الحياء والحين شوفي...الله لا يغير عليهم كنت احاتيها التبن...
اصايل: آمين يارب...والله متحمسة لزواجها اكثر من دانة...
هيلة تضحك:هههههههههههههه والله حدي..احس زواجها بنهيص صح..دانة ما تشجع على الخبال كثرها.....
وبشكل مفاجأ اردفت:متى بس اعرس انا بعد...هيضوا مشاعري على العرس...
اصايل تنفجر ضحكا:ههههههههههههههههههههههههه..... انطمي لا يسمعك جدي ولزقك في واحد من عيال عمك...
هيلة بمزح:عاد انا خاطري في ريان...
اصايل: هااا اكلم رحيل تتوسط؟
تنفجر ضحكا الاخرى:ههههههههههههههههههههههههه.....والله لو ايش ماخذته..ياخي جدّي هالإنسان...يخوّف...يذكرني بمحمد اشوي على ليث..وانا هالاثنين غاسلة يدي منهم...
اصايل: مالك إلّا صارم اجل...
هيلة : هالولد حيل هادي...وماحسه رومنسي...
اصايل تضربها على فخذها:انطقي اجل دام ماحد عاجبك...
هيلة تفرك مكان ضربتها: كسر...بالله يعني لازم من عيال العم...خلاص ابي من برا..نحسّن النسل على الأقل...نجيب غير هالشواذي اللي بجون...
اصايل: ههههههههههههههههههههه حقيرة والله...أي شواذي...ما شفتي وجهك قبل...
هيلة : والله انا ضد زاج الاقارب يا شيخة...لو فعلا واحد منهم خطبني بموت...
اصايل تكش عليها:جدي مو حولك الحين مشغول برحيل...
هيلة تنفعل من جديد:والله غريبة حالة جدي من جات رحيل وهو تقل مسحور حيل متغير حيييييل...
اصايل تعلم السبب..ولكن تشعر بالغرابة قليلا لقبوله برحيل سريعا هكذا
: رحيل من جات والكل تغير...تحسين كل شي رجع طبيعي...
هيلة بتأييد:اي والله..
ثم نهضت لتصرخ: أااااامل اخلصي علينا عاد لا تنسين نفسك بالحمام....
وبهبل: انتبهي ولد اخوي لا يغرق...
اصايل تنظر لها :يا سخفك...
بينما امل فتحت جزء من باب الحمام لتقول: اشوي واطلع يا قلق...
ثم اغلقت الباب بقوة وضحكت هيلة لترمي نفسها بجانب اختها وتكمل مشاهدة فلمها من خلال هاتفها.
.
.
تعود للمكان من جديد..لم تكتفي منهم بعد..هي تعالج نفسها بتواجدها في المكان الذي احتضن طفولتها بشكل مغاير عمّ عاشتهُ في منزل والدها،جميع الذكريات الجميلة هنا..وحتى في منزل أبيها ولكن خروجها منه في آخر اللحظات التي وضعت بينها وبين الحياة الطبيعية حصونا مشيدة يقيّدها بشكل ما، تشتاق للجميع ولنفسها ولكن هنا الهدوء هذا المكان يبقيها في طمأنينة اكثر.
جدها لم يعاتبها مثلما يفعل ابيها.وهي في الواقع تشعر إنها اكتفت من سماع العتاب فتفضل البقاء هنا لتسحب منهم هذه المشاعر رويدًا!..خالتها يوميًا تأتي لتطمئن عليها هي ووصايف التي كبرت لتصبح جميلة وجدًا..تشبه بجمالها خالتها تذكرّها بمناهل وكثيرًا ولكن افعالها هي الفاصل في واقعية من تكون..هي الأخرى ذابلة هادئة وتميل للصمت..تشعر هناك خطب ما بها..ولكن لم تستطع تجاوز الحدود التي وضعتها السنين لتقتحم صمتها وفي الواقع هي لا تريد اقتحام صمت أحد..تريد فقط هدوء بلا ضجيج..هدوء مشاعر..وهدوء المكان..رغم أنّ مشاعرها تشتعل تارة بالقهر وتارة بالكره وتاره بالحنين وتاره بالحب!
.
.
أجل...مشاعرها لناحية فيصل انطفأ وميضها بشكل تدريجي ..اشتعلت نيران مشاعرها فجأة حينما قام بخطبت مزون ابنت خالها..شعرت وقتها أن الحياة حقًّا سُرقت منها رغم إنّها تؤمن فيصل يعد من المستحيلات والأحلام..ولكن بها رغبة صارمة من الداخل بأن يبقى بِلا زواج للأبد..من أجل ألا يثير زوبعة مشاعرها لناحيته..كرهت شعورها المستحيل هذا كرهت نفسها...كيف تحب شخصًا لا يحبها..كيف تستقر هذه المشاعر في قلبها وتثير تراب قهرها في سماع خطبته..لم تحضر ملكته..لأن مشاعرها كانت منهارة والجميع ظن إنها متعبة بسبب حملها ولم يضغط عليها أحد في المجيء..وبقيت هي لوحدها تصارع جنون تجاذب المشاعر وتنافر الأحداث من واقعها..تقسو رحيل على نفسها وجدًا...لم تتحمل..هي تدرك مشاعرها لا إرادية ولكن تكره شعور الضعف الذي ينطوي وراء رغبة البكاء..عبثت في تلك الليلة في هاتفها لتشغل عقلها بالتفكير بعيد عن حقيقة ما يحدث..وصلت إلى خبر عاجل للفنانة "ماري" وخروجها من السجن..بكت هنا..اجل بكت سعدت إنها نجت من السجن..تفهم شعور الحرية وتفهم شعور كيف يصبح الإنسان مهضومًا ..أخذت تبحث عن حساباتها في مواقع التواصل الإجتماعي..وجدته قامت بالتواصل معها عن طريق "الإنستغرام"..لم تصدق ماري كونها رحيل ولم تجيبها..ولكن بعد ساعة رسلت لها تسجيل صوتي تطلبها من أن تُسمعها صوتها..وفعلت رحيل ذلك..سعدت ماري وجدًا..واخذت رحيل تشق طريق الفضفضة والحديث مع الفنانة المظلومة والطبيبة سابقًا..ترسل لها رسائل صوتية عدة..وهي تبكي..وهي منفعلة..تبيح لها بمشاعرها لناحية رجل آخر غير زوجها..تبيح لها بإنعدام مشاعرها لناحية ليث..وشعورها المقرف الذي تشعر به بعد قربه..سمعت لنصائحها لحديثها..هدأت نفسها واطمئنت وبعد شروق الشمس نامت..كانت ليلتها تلك ظلماء وحالكة بسوادها..تمنّت لو يعودون بإرسال رسائلهم ليتساءلون عن قرارها الأخير تقتل ليث أم لا؟ تقسم لو حدثت تلك الرسالة في ليلتها لوافقت...ولكن عادوا برسائلهم بعد مضي أسبوع على ملكة فيصل..كان شيطانها يوزّها لفعل أمور كثر..أُولها التخلص من ليث ومن نفسها..ولم تفكر برجوى..الطفلة المنتظرة..تنهدت وكثيرًا.
تحدث ليقطع سرحانها: علامك يبه رحيل ..
رحيل تنتبه له:هاا...تبي شي جدي..
يضحك بخفة وتنظر لها جدتها وهي تقول: ليث ما هوب نازل..
تهز رأسها: بريّح اشوي قبل ما يروح دوامه...
الجده بحنان:وراك نزلتي وتركتيه..انتي بعد ما نمتي زين..قومي..روحي ريحي..
رحيل تنهزم أمام حنيّتها ولكن قاطعها الجد قبل أن تقول(ابشري): أتركيها على راحتها...
سمعوا صوته يصلهم ..وعينيه تحدقان بها وتلمعان وتشعان بمشاعر جمَّا
:السلام عليكم...
.
.
دخلت هي الأخرى مع ابنتها
نهضت رحيل سريعًا..تشتاقه..تتوق إليه..يشعلها الحنين ليجعلها في كل لحظة من رؤيته..ترتمي في حضنه..تقبل جبينه..ويده..لا تكتفي..بل تحتضنه كطفله تاقت روحها للحنان وتبحث عن دواعي سروره ليدخل في قلبها، احتضنته..ورجوى ايضًا احتضنته تلتصق به وكأنها تخشى من أنه يختفي!..لا يجلس هنا إلّا لساعات الزيارة تضع رأسها على كتفه..تسحب نفسًا من ريحة عطره..عطره الخاص..الطبيعي الناشئ من عذوبة مشاعره الأبوية التي تتدفق على مجرى صمته وعتاب عينيه..تعلم هو ما زال يتألم..ما زال موجوع ولكن لم يتبقى على قدوم رجوى سوى أيامًا قليلة..الإسبوع القادم ستدخل شهرها التاسع...ستسليه رجوى ستنسّيه الآلام هي تؤمن بذلك..تطيل الإحتضان الجميع في هذه اللحظات تدمع عينيه..يشعرون بضياع رحيل الذي منعهم من إكمال مسيرة وممارسة القساوة عليها مباشرةً..تتهوه أعينهم على كيانها الخائف الذي يلتصق بأبوة مسممه بالوجع..لا احد يتكلم ينطوون خلف الف كلمة واخرى يدعونها تُشبع هذا الحنين لتداوي جروحها البارزة والظاهرة لهم..خطوط باهتة ولكن اوجعت أفئدتهم..تمضي دقيقة على هذا الإحتضان تبتعد لتعود بتقبيل رأسه ثم تحتضن خالتها ام وصايف..تشد عليها..تشتم رائحتها تضيع في حنانها ولطف طبطبت كفيها على ظهرها..تشعر جروحها تلتئم بإحتضانهم..وحوشها تموت من الداخل وتمضي في كهوفها السوداء..هذا الإحتضان مُسكن لكل شيء ..تغمض عينيها لتعود الى مشاهد الطفولة.. تُقبل خالتها على خدها وجبينها ويدها..تبتعد لتحتضن وصايف التي ابتسمت لها..تشد عليها بقوة..ثم تبتعد..لتبتسم..ينظر لها جدها بألم على حالها..السجن كما توقع استبدلها الى حال آخر..بينما جدتها مسحت دمعه كادت تسقط على خدها...أخذ والدها يسلم على والديه وكذلك زوجته أقبلت عليهما لتقبّل رأسيهما.
وبعدها تحدثت رحيل : طمني عليك يبه..
يبتسم في وجهها..ينظر للندب الباهتة يتوجع ولكن يبتلع الألم في جوفه:بخير يبه بخير..
الجد:عساه دوم...
ام وصايف ابتسمت: هااا يمه رحيل..إن شاء الله امورك بخير..والجنين بخير...
رحيل ما زالت مبتسمة: انا ورجوى بخير..
ونظرت لوالدها..
لتقول وصايف:مصممة تسمينها رجوى؟
رحيل تهز راسها: أي....ليش مو حلو الاسم؟
وصايف بهدوء :الّا حلو..
رحيل تنهض لتقول الجده : وين؟
رحيل تبتسم: بروح أجيب ماي...
ثم تحركت بثقلها لتخرج..
فتنهد بو فهد: ما هوب عاجبني حالها..
الجد بحنان: الحين صارت أحسن من أوّل وأنا ابوك..وينها لم جات..ولا كأنها رحيل..شلعت قلوبنا بحالتها!
.ام وصايف: بعد قلبي الجروح اللي فيها ..تاكلني أكال..لا هي طفت ولا هيب مختفية..ظلّت وسم على وجها ..كسّر الله يدين اللي سببوا لها كل هالجروح...
الجدة:اللهم آمين...بس لا تحاتونها...رحيل تغيرت..لهَت مع حملها..ومعانا انا وجدها..وجيتكم وروحتكم تسوى عندها ملايين..
بو فهد: الله يكون بعونها وبعون قلبي...
الجد ليؤكد:بكرا لا تنسى قبل لا تجي المزرعة جيب اللي وصيتك عليه..لتجهيزات الغداء.
بو فهد بهدوء:ابشر يبه...
تحدثت الجدة:وانتي يمه وصايف اخبارك؟
وصايف:بخير يا جده...الحمد لله..
تتمتم الجده:الحمد لله...
.
.
دخلت المطبخ..تشعر قلبها يعيد بنبضه طبيعيًا للحياة..
دخلت المطبخ لتراه..يقف أمام الثلاجة..لم تعيره أي اهتمام ولكن هو التفت عليها ينظر لها وهي تنحني وتسحب علب الماء الصغيرة من "الكرتون" بالقرب من الثلاجة ..ستأخذ علبة واحده والدها لا يحبذ شرب الماء البارد..ثم فتحت الثلاجة لتسحب علبتين باردتين..تحدث
:عمي جا؟
تهز برأسها كادت تخرج ولكن أمسكها ليتحدث مع العاملة: ناني ودي علب الموية..
العاملة تهز رأسها تسحب العلب من يد رحيل لتضعهم في صحن الخاص ثم خرجت
تحدثت رحيل: نعم؟..شتبي؟
ليث ينظر لها ولعينيها ينظر للندبة لكل شيء.
وجودها حقا عقوبة كلما يراها يتذكر ركان وسلمان وفرحته بالدخول في المسابقة مرر يده على الندبة التي خلّفها...انحنى قليلا ليقبّل مكانها تحت ثبات رحيل.
ليقول: اليوم بجي بدري..خليك جاهزة راح نطلع...
رحيل بحده ولكن بصوت منخفض:مابي اطلع..
يشد على كف يدها وينظر لها بحنيّة: بنطلع رحيل..كلها ساعة زمان وراجعين...
رحيل بهجومية: اذا ناوي على الطبيب النفسي..فأنا سبـ...
قاطعها: لا..ما راح اوديك...بس ما مليتي من جلست البيت..يا جلسة في البيت يا النخل وبس؟
رحيل بثبات نظراتها:مرتاحة كذا...ما اشتكيت لك أبي اطلع..لمكان ثاني..
ليث برجاء:انا ابي اطلع معك..الليلة ليلتك..وبفضى لك...
رحيل تزفر انفاسًا مكثفة: ماحب اروح اماكن الزحمة اقولك من الحين والخُبر كلها زحمة...
ليث ابتسم: بوديك مكان ما فيه زحمه بس جهزي نفسك..
سحبت يدها منه هزت رأسها ثم خرجت من المطبخ..ليبلل شفتيه ويتنهد بضيق
على حاله معها ومع الجميع وحتى مع نفسه..ثم خرج من المطبخ وعاد يصعد لغرفتهما.
دخل الغرفة وسمع رنين هاتفه يرتفع..مسح على لحيته ثم جلس على طرف السرير ليسحب هاتفه أجاب بعد أن رأى اسم المتصل
: هلا فهد..
علاقتهما متوترة وجدًا خاصة بعد تلك الحقائق، فهد يبدو أنّه استحقره والتهمه بغضبه وجدًا بينما ليث في الواقع لم يخبره بشيء يستفيض حمض غضبه بشكل كارثي هكذا ولكن علم فهد يكابر بقسوته حتّى بهِ تحوّل إلى فهدًا كاسمه حينما يطأ أحدًا على بساط أرضه يلتهمه..لذا هو يأخذ موقفًا ضده في منطلق تخليه عن رحيل وعدم زيارته لها..علاقتهما لا تحتمل الكلمتين على بعضهما البعض..ينفران من تواجدهما في المكان نفسه..لأسباب منها..فهد يزيد ثقل العتاب على ليث..ومنها أيضا ليث لا يمتلك الفرصة لإخبار فهد بكل شيء..هو ليس أنانيًا ليكسر ما تبقى منهم يحاول ألّا يضعف أمام رغبات الإعتراف بكل شيء من اجلهم بمقابل تعبه وادّعاؤه انه بخير..
اجابه: اتصل على رحيل ما ترد؟
بلل شفتيه..اتصاله لم يكن من أجله ومن أجل عينيه بل من أجل الإهتمام المفرط الخانق لرحيل
:تحت..عمي تحت وجوالها فوق..بقيت شي؟
فهد بصوت جدي:لا..فما..
قاطعه: متى بتظل مقاطعني كذا؟
وبجدية: فهد...يمكني اغلطت ببعدي عنها ذاك الوقت..بس حط ببالك عيني سهرت ليالي عشان احميها...عمري ما نفيتها من حسابات حياتي...بس حالي من حالكم ما قدرت أواجه....
تنهد..لم يجعل لهُ مجالًا ليتمم جملته حتّى..ألتهمه ولكن مبرره غير منطقي..وغير مشفي لجراحاته..هو الآخر ربما يريد أن ينتقم من نفسه ولكن بطريقة مؤذية له ولليث ولمن حوله ...حال رحيل مؤذي للعين والرّوح ..رحيل لم تعد رحيلًا باقٍ وثابت في القلوب بشكل لطيف..أصبحت حقًّا فتاة المآسي..فتاة محمّلة بالأوجاع التي تخرج بشكل لا إرادي من جسدها حتّى وإن لم تظهرها أو حاولت اخفاؤها من أن تظهر..لتحرقه..وتحرق غضبه الذي باعد بينه وبينها..اشعره هذا الوجع بسذاجة وجعه الذي لا يصل إلى مستوى وجعها..دمروها حقًّا لا ينكر ذلك..دمارها النفسي والجسدي لربما ازداد بسبب بعدهم جميعًا ولكن ليث ماذا فعل؟ زاد الأذى ببعده وبزواجه الثاني...
: وزواجك الثاني وش تسميه؟
.
.
يبدو أنهما لن يرسيا على بر أمان الحديث إلّا بعد فيضان بركان الحقائق
ولكن هيهات ليث لا يريد أن يزيد الحِمم لا يريد أن يصبح مكروهًا أكثر من هكذا..والأهم لا يريد أن يزيدهم وجعًا..يكفيهم هذا الكم من الوجع!
: زواجي جا بلا تخطيط...لا تلومني على شي...مثل كذا فهد...يشهد الله رحيل بقلبي...
فهد يقاطعه بحنق: بقلبك وتزوّج عليها..وهي مسجونة...وفوقها أنت مبتعد عنها...
ليث يصب جلّا غضبه: وانتم ابتعدتوا..
فهد يصرخ ولأنه في سيارته يقودها إلى حطام انفعالاته: وثقنننننننننا فيك....فكرنّاك رجّال!
يصرخ الآخر بحنق: حدّك عاااااااااد فهد...انا سكت لأني مقدّر..وضعك..بس بعد الآن ما اسمح لك تهيني...أنا عانيت وقاسيت...ما قلت لكم عن كل اللي عشته ولا راح اقوله...ما اقول إلّا الحمد لله إنها عدت واستقرت على كذا..ورجعت انا ورحيل سالمين..أنا ابتعدت غلطت ببعدي ما انكر...زواجي مالك دخل فيه...ما كان اصلا زواجي من أمل هدف لتأذية رحيل...لي اسبابي في هالزواج...وما تخليت عن رحيل..وقفت معها خطوة بخطوة..ذقت معها اصناف الوجع وهو طري...وجعها اللي تشوفه الحين بايت يا فهد...حتى لو أوجعك...يبقى خفيف وبارد عليك...ما ذقت حرّته ولا قوّته وقتها...بس انا ذقته وعشته..لا تلومني ..ولا ابيك تلوم حتّى نفسك...ذيك الأيام راحت...وحنّا عيال اليوم...
اركن سيّارته جانبًا..اخذ يسحب اطنانًا من الهواء العميق
: ابيك تعلمني بكل شي...ابيك تفهمني كيف صارت القضية وكيف تلفقت لها....ابيك تقول لي كل شي وكأني ما اعرف شي من الأساس.
ليث مسح على رأسه..لا يريد من عجلة الزمان أن تعود به للوراء..للماضي الذي سحق منه الكثير ليبقى حطامه هكذا ...لا ينجو من عتبات الرحيل...وسباقات الأمل في التخلّي..متعب وجدًا
تهجد صوته: ليش تحب تأذي نفسك؟
يرتفع صوت فهد وهو يزأر: أبي افههههههم كيف رحيل صارت كذا؟
ليث نظر للغرفة: الزمن جار عليها...القضية مو سهلة....انسجنت بعمر صغير وش ترتجي من أحوالها؟...هي الحين بخير..!
فهد يخرج من السيارة يقف أمام البحر يتوه في هفوات ضيقه على أخته وخوفه عليها ...وانشطار ذهنه بينها وبين وصايف التي خانت كل خلايا عقله
: ما هيب بخير...تحتاج لطبيب نفسي...
ليث: محتاجته بس رافضة تروح..وانا ما اقدر اجبرها..وحاليًا هي حامل...بعد الولادة...
قاطعه وهو يصرخ وكأنه مكبوت يريد الإنفجار على أي كلمة يردفها ليث: اصلًا كيف قبلت أنها تحمل؟!
سكت ليث...فهد حقًا بدأ يتجرّأ عليه بسبب فقدانه لعقله..هو لو يعلم رغبت الحمل من رحيل ذاتها لجن أكثر..تنفس بصوت مسموع: فهد...هدي...الصراخ والعتاب...واللوم ما يفيد...لفات الفوت ما ينفع الصوت...وقلت لك...رحيل الحين ...هي في أفضل حالاتها...وبإذن الله بكّون بخير...
فهد مسح على لحيته بلل شفتيه: تكسرني نظرتها...حزنها..ضعفها...هروبها من بيتنا...وهروبها من عتاب ابوي..أو اي احد يحاول يعاتبها حتى بنظرته...تكسرني...
ليث: ولا تحاول تكسرها...خفف عنها..لا زيدها بحزنك ...رحيل تكره الشفقة...تكره نظرة الانكسار اللي بعيونكم...عطوها الطاقة اللي تبيها...ولا تعاكسون طريق ابتسامتها وحتّى لو كانت مجاملة!
سكت فهد نظر للسماء..يجاري مشاعر جمّا بداخله انصبّت لتُثقل عاتقه..تنهد بضيق: حسبي الله عليهم دمروها...
ليث سكت حك جبينه اغمض عينيه ليسمع: مع السلامة
اغلق الخط...ليبقى الآخر في حزنه
والآخر يُجاري مشاعره الهائجة ما بين الغضب اتجاه وصايف وما بين الخوف على رحيل وما بين محاولة كبح الغضب والقسوة حتّى على نفسه، يخشى على رحيل وكثيرًا يخاف..يختلجه الخوف..ويضيق به التنفّس حينما يفكّر بوصايف..يحاول ألّا يقسو على تلك الأخرى ..لكي لا تضيع..ويحاول أن يزن مشاعره تجاه كل الرّغبات..وفي اتجاه رغبته التي أماتها لناحية مزون والحياة...هو تخلّى عن مشاعره..ولكن الحياة تُهديه مشاعر قلق أخرى على أُختيه وأخيه...مشاعر متخبطة ما بين هذا وذاك...يحاول التنفّس..استنشق عبير الهواء ليُهدّأ من جموح خيول غضبه...ينظر للبحر..يطلبه من أن يسحب منه هذه الطاقة السلبية..يرجو صوته بأن يرتفع مع ارتطام الأمواج..لعلّى روحه تهدأ...تعود لمكانها الصحيح...ويهدّأ عقله عن هذا التفكير..أخذ يتمشى..ببطء شديد...فالمشي يساعد على تخفيف التوتر وإزاحة القلق...سيعطي نفسه مجالًا لتفريغ طاقته السلبية بالإبتعاد عن كل مسببات القلق له!
.
.
هي روحي..مبسمي وابتسامتي ومدمعي ودمعتي..هي شيء غير قابل للنقاش..شيء يُشبه المغناطيس في جلب الروح للإلتصاق بروحها رُحبًا..هي شيء لا يسع قلبي المُراهق في وضع وصف دقيق له ولكن هي الحياة التي لم أراها بعد..هي شيء يُذكر ويسرّع من نبضات القلب..أجل أنا احبها..الجميع يندفع وراء هذا الحُب بوصفه عبثًا بالـ"المراهقة" ولكن اشعر بذلك أنا..هذا الحُب ناضج..ولكن مراهقة جسدنا وعقلنا ..تُفسده لا انكر..تفسده حتّى بهما يجعلانا نتصرّف بجنون وبِلا منطقية ...كخوفي الذي جعلني اصارع أول نوبات التشنّج...النوبة التي سرقتني من الحُلم إلى الألم ثم إلى الأمل من النجاة من هذا الذّنب!..صدرت هذهِ النوبة النّاجمة عن الضغط الشديد من قلبي..وكأنها ختام أبدي على هذا الحُب..أجل خشيت من وجودهم جميعًا..خشيت عليها في الواقع...أنا اخشى غضبنا نحن الذكور...وبشكل خاص ذكور"السّامي"...نتحوّل إلى قُساة...خشيت عليها من فهد...وحتّى من وصول الخبر إلى ريّان ولكن لم يصل..سقطت من على تّل حُبنا ..لأنعي ما تبقى منّا...وصُعِقت بالحادثة...بالتوبيخ الذي أتى على صورة مأساوية للعيون...صارم كُسر..بل اشعرني بحماقتي...وبإستهتاري...أدركت كل شيء بعد استيقاظي...أدركت في بعض الحين الرّغبات التي تحّث الجوارح للعيش وتذوق الحياة على منحنيات التهوّر تصبح مميته في بعض الأوقات...تصدر ضجيج...مؤذي وحاسم للتخلّي..ولكن أنا لم أتخلّى...لم أرغب في التخلّي أصلًا...
اذكر بكائي..اجهاشي مفجوع بعد استيقاظي في المستشفى
انظر له: موّتووووووووها؟....يااااااااا كلااااااااااب موّتوهاااااااا...
أبكي ...لم تجف دموعي آنذاك...اذكر نظرات صارم كانت صارمة تخترق مسامعي...يقترب وبه رغبة شديدة في صفعي لا أنسى ذلك اليوم...كمكم فمي ..
: اششششششششششششش....انكتم...وصايف بخير...
أشهق من جديد وكأنني طفل ...يصارع مخاوف أكبر منه ..تجول في داخله بشكل هذياني مخيف: ما صااار بينا شي...
دموعه مسترسله بالنزول: ما صاااااااار شي...قول..لفهد لا يذبحها...قوووووول....له........
يجلس على طرف السرير يحدّق بي كالمجنون: لك وجهه تكلم؟...لك وجه يا نوافوه الملتعن؟
نواف يلوذ بنفسه ..وجهه محمر..علامات ضيق التنفّس تظهر عليه..أذنيه تحترقان بالحُمره...دموعه لم تتوقف إلى الآن يبكي
.
.
يبكي قلبي..شوقي..ألمي..ووجعي..كل شيء يُبكي وصايف في ذلك اليوم ..كل شيء يظهر ليلوّن المعنى الحقيقي للحُب...الطائش على حد قولهم..الحُب المجرّد من الحذر والإنتباه...الحُب العصّي ...والحُب المتهور...بكيتها ...وبكيت نفسي وتهوّري وجنون أفعالي..وكأنني أدركت إنني احرقتها ...وقُربي لها حقًّا احتراق على مرأى الأعين أمام الجميع.
.
.
حاول النهوض ولكن تقدم لهُ صارم ..الذي تيقّن بجنون أخيه...خشي عليه ..بسبب استرساله في الحديث..وبكاؤه...واحمرار وجه
دخل عليهما محمد آنذاك نظر إلى رغبة نواف في النهوض ومحاولات صارم في ابقاؤه على السرير
: نواف ..اهجد...
نواف يبكي: تركوني....ذبحتوها يا الحمييييييير...أنا عارف...
محمد ينظر لصارم الذي صرخ: والله... اقسم بالله لو ما هجدت لا أكمل عليك الناقص...بروحي انا ما نيب طايقك ولا بطايق..هبالك...قلت لك وصايف بخيييييير...
تقدم محمد وضع يده على صدر نواف تحدث بهدوء: وصايف بخير...ما فيها إلّا العافية...لازمتك راحة نواف...أهجد لا تتحرّك كثير.
ينظر لهما يتبادل النظرات: لا طلعوني كذا....لا طلعوني...لا تاخذوني مسخرة لكم...ولا تخاذون مشاعري...
قاطعه صارم وهو يصرخ: انكتم...انكتم وبسّك قرف اقرفتنا..حسبي الله عليك....وحسب الله عليها...وانا اقول هاجد كل هالفترة ليش...اثاريك ...يا الكلب...تخون ثقتنا فيك في مين...في بنت عمك...
صرخ نواف لتسقط دموعه: والله..ما بينا شيييييييييييييييي....كل اللي بينا مشاعر...مشاعر ....مشااااااااااااااااااااعر ...مابينا شي زود عن الحب...
صارم يصرخ: بزراااااان ما عليكم شرهة....وزين لحقنا على فضايحكم من بدري...قال إيش قال حُب...نعنبوا شرّك الللي يحب يخون ربه؟...الله ياخذك أنت وحبك فوقك...والله لو يدري ابوي والله لا يعلّق رقبتك على باب البيت...وهي بيسلخها عمي مثل الذبيحة..
محمد تدخل سريعًا: صارم...اطلع برا....اطلع....اتركه يهدا..لا زيد النار حطب...
نواف مسح أنفه: احبها..قول للحمار ما بينا شي...لا يذبحها....لكبرت باخذها...والله ماحد ياخذها غيري...والله لو تزوجت غيري انتحر!
أتى صارم بالقرب منه لم يتحمل ضجيج أخيه في الواقع كمكم فمه: انكتم...انكتم..
نهض محمد ليسحب صارم: صاااااااااارم اذكر الله....هو بالقوة صحى ...هدي...اتركه عنك...
صارم اشار له: اعقل....اعقل يا نوافوه لا والله اذبحك أنا...اهجد وعن الخبال والسربتان اللي مال أمه داعي...
ثم خرج من الغرفة..ونظر إليه محمد.
.
.
|