كاتب الموضوع :
شتات الكون
المنتدى :
المنتدى العام للقصص والروايات
رد: رواية: أحببتُ حُطاما سَبق أوان الرحيل\ بقلم شتات الكون
.
حكايات عابثة تُزهر بالقرّاء تتموّج بردّات فعل غريبة، لا ندري هل لهذهِ الحكايات التي في الواقع لا تُقرأ ولا تُكتب بل تُرى وتُسمع نهايات أم إنها من الإستثناءات ذات النتوءات الصغيرة اللامنتهية، تراه يحاول كبح غضبه وهو يتحدث، فهمت يريد الإستقرار هنا..ربما ما فعلته مؤخرًّا بدأ يغيّر من مفاهيمه ويزيد خوفه عليها..ليحاول بشتّى الطرق في لُقيا بدائل أخرى لحياة موجهة نحول الطريق المنير..بقائهم هنا يُعني القُرب من الأهل..رغم انها تتمنّى الاستقرار في الشمال في تلك القرية البعيدة عن التكلّف..في المنزل الشعبي البعيد عن ضوضاء البشر وسموم تلوّث المصانع..تريد البقاء هناك تشتم رائحة حنين والدتها..وحنين أيّام الطفولة ولكن الجميع انتقل إلى هنا...وها هو والدها يريد البقاء هنا في"الخُبر" ربما من أجل ابقاؤها بالقرب من "عمتها" أم وصايف..راشد أدرك شيئًا غفل عنه لسنوات طويلة..الفتاة بحاجه لفتاة مثلها تقاربها في الأفكار والعقول..ربما مزون لم تجد به ما يسمح لأنوثتها في تبادل حديث مجنون معه بسبب صرامته الرجولية حتّى بها خرجت من قوقعة هذه الرغبة لتقفز للجنون بِلا إدراك.
لا يريد بعد الآن خسارة جديدة يكفيه إنّها خسرت جزء بسيط من بعض الممارسات اليومية بيدها..يريد من هذا الكسر أن يجبر ولا يريد تسويف إبداء الخطط التي ربما تزيد من استقرار مزون النفسي..هنا الجميع موجود..اخته ووصايف القريبة منها..في الرياض لا أحد هناك سواهما..قدّم على نقل..ولكن النقل لن يأتيه برمشت عين..هناك إجراءات ربما ستطيل الأمر لشهور عدّة لذا هو غاضب..اغلق الهاتف..وهي بقيت على مقربه بسيطة منه ولكن لم يشعر بها..سمع رنين الهاتف ليجيب
بهدوء:هلا ام وصايف..اخبارك كيف احوالكم...؟
يأتيه صوتها المخنوق: بخير ..بخير..طمني عنكم؟..واخبار مزون؟
راشد يمشي للأمام ليبتعد قليلًا ويدخل لغرفته وهو مولّي بظهره عن مزون التي تنظر له بغرابة من رغبته في الاستقرار هنا
اغلق الباب وراؤه: كلنا بخير ...
وبجدية: صوتك ما يطمن...
ام وصايف بضيقة: تعبانه ياخوي..خايفة على رحيل..
راشد يسكت..هو الآخر يتضايق ولكن ليس من رحيل ولكن عليها ..ما حدث صعب..مفلق للقلب..يناقض العاطفة برغبة التعاطف..مسح على وجهه
بهدوء: ما جاتكم؟
ام وصايف:اللي فهمته ما تبي تشوفف أ...الوكاد البنت مجروحة منا..
راشد بجدية: الله يعين القلوب..بس أهم شي رجعت وانطوت ذيك الأيام الصعبة...
ام وصايف:اي الحمد لله...إلّا قول لي..شصار على سالفة استقرارك...
راشد بجدية: قدمت على نقل للخُبر..بس تعرفين الوضع مطوّل..وبعد كم يوم بنزل الرياض عشان إجراءات تلزمني بالحضور..فبنزّل عندك مزون من بعد اذن بو فهد ...غير بروح مدرستها اسحب ملفها وانقلها لمدرسة هنا...
ام وصايف:ميسره بإذن الله...ومزون بعيوني وبو فهد ما بقول شي..
راشد بجدية: مزون بحاجتك يا اختي...في أمور عارف ما تقدر تفضفض لي عنها..محتاجة لحنان من جنسها بعد..
ام وصايف بتفهم: قلت لك تزوّج..ما رضيت...البيت يحتاج لحرمة تديره..وتنظمة..ما راح اقول انت ما سويت كذا إلّا سويت وكثر الله خيرك...بس الشغل ضغطك..وإلا ما يصير فيه نقص..وإن حاولت تسده ما بتقدر..بس الحرمة غير حتى وهي تشتغل غير يا راشد..ومزون بحاجه لأم...
راشد بضيقة: عارف..بس حاولت اصير لها أم وأبو وشكلي ما سديت فراغ أمها.
كانت تسمع من خلف الباب حديثه..ترقرقت عينها بالدموع..انهز شيء بداخلها يقال له الندم..شعرت بتعب ابيها من نبرته..هل يشعر بالخيبة أمام ما حدث؟
ام وصايف: اشهد انك كفيت ووفيت وعطيت يا راشد...
راشد بهدوء: بإذن الله بكرا بجيك ازورك...مير عارف إني مقصّر بحقك...
ام وصايف:حياك في أي وقت يا اخوي..وجيب معك مزون..تجلس مع وصايف وتغير جو...
راشد :إن شاء الله...تصبحين على خير.
ام وصايف:وأنت من أهل الخير.
اغلق الخط وطُرق باب غرفته..أذن بالدخول
ودخلت له بوجهها الباهت
تحدث: ما نمتي؟
هزت رأسها بلا ثم تقدمت لناحيته وجلست بالقرب منه
لتنظر لعينيه:يبه..
راشد ابتسم ومسد على شعرها بحنان: عيون ابوك انتي..
مزون تجاهد بألّا تبكي هي لم تعتاد على البكاء، وليس من طبعها كثرة إذراف الدموع، تحدثت بنبرة شاحبة: يبه ...والله انت كفيت ووفيت...لا تلوم نفسك..
راشد رفع حاجبه الأيسر: تصنّتي علي؟
مزون اقتربت منه:لا..مو قصدي..بس يبه..حاسه فيك..لا شيل همي وهم يدي..والله انا ما كان قصدي احزنك...
راشد سكت، ثم ربت على كف يدها السليمة: يبه مزون..انا نسيت...
قاطعته:لا تضغط عمرك..انا متفهمه كل شي يبه..اللي سويته ماله دخل بوجود امي ولا لا..كان طيش مني وسويت كذا..وتوبة اعيدها..لا تجلس تلوم نفسك يبه..تكفى يبه لا تحزن نفسك والله انه دنيتي تضيق بشوفة عيونك الحزينة..
ابتسمت وقبّل جبينها: ما نيب حزين يا عين ابوك...
مزون قبلت يده: طيب ليش تبينا نستقر هنا؟
راشد ضحك: ههههههههههههههههههه...سامعة المكالمة كلها..وتقولين مو قصدي..
ابتسمت رغما عنها بتعب: و الله احاتيك يبه..عارفة اللي سويته ضايقك...وعارفة الحين خايف علي وتحاول..
قاطعها: لا شيلين همي...انا طلبت نقل لهنا..لأني ابي اعيش جنب اهلي وخلّاني..بالرياض ما عندنا احد..واختي بحاجة قربي لها...
مزون بحنين: ليش ما نستقر في الشمال..في بيت جدي في سكاكا؟
راشد بجدية: وين يا بنتي...هناك الكل طلع من القرية...وإذا بنروح هناك نروح العطل...اما نستقر صعبة...
مزون بتفهم هزت رأسها: تمام اللي تشوفه..
نهضت وقبلت رأسه:تصبح على خير..
راشد طبطب على يدها:وأنتي من أهل الخير..
خرجت واغلقت الباب
.
.
.
الخروج من الشك إلى يقين الضربة موجع..ومفلق للقلب..هي استنزفت جميع أحزانها في السجن ولكن ما بال عودتها إليها وكأنها ستُسجن من جديد؟
مُنذ أن اصبحت على الطائرة للعودة هنا تلخبطت مشاعرها بشكل مفرط، وبقاؤها في وحدتها زاد الأمر سوء..تشعر وكأنها الآن تعيش أُولى ايامها في السجن..المكان بارد موحش..تسمع صوت حشرات الليل من خلف النافذة..تشتم رائحة الرطوبة النتنة..تشعر بسجنها من جديد ولكن بطريقة وفيرة وعلى مستوى آخر.
مجيئة هنا...اتعبها هل ستتعب في كل مواجهة بمقابل رؤيتها لأهلها..هل سيثقل هذا الجسد أكثر ليضيق على روحها ويتسع في حُزنه الصامت..لا تستطيع النوم..من الواضح غدًا الجميع ربما سيأتي هنا..ستقابلهم مثلما قابلت اليوم فهد.
اشتاقت للجميع..ولكن كيف يرونها بعد كل هذه السنوات؟ لا تريد ان تستمع لعتابهم ولا لوجوههم المنصدمة..تنهدت وكثيرًا..يتعبها الليل تشتاق الشمس..تريد سماع صوت العصافير لتسلّيها من الخوف..متى تخرج الشمس؟
ها هي عادت من جديد إلى أُمنياتها البسيطة..
استلقت على جانبها الأيمن..وضعت يدها على قلبها..لِم الآن لا ينبض..ها هي تحاول بالهروب من الواقع إلى صورته ولكن تشعر كل شيء تبعثر ليبقى حُطامًا هي تحبه..تحب فيصل ولكن مشاعرها الآن باتت مقتولة على شطّ التعب المموّج بالرماديات المصغّرة من حياتها..تحبه..تعود برغبة الجنون من احتضانه ولكن يبهت هذا الشعور بمقابل البرود وبمقابل التخلّي..هي تخلّت عنه منذ تلك اللّحظة التي رأته فيها..ولكن الآن تعود للثقب الضيّق لتسترق منه حياة لتجد صدق مشاعرها بالحب ولكن ببرود قاتل..تحبه ولكن ليس لها القدرة على المجاهدة في تعظيم حبها بالمشاعر العُظمى.. تتخلّى عن هذا الشعور جانبًا لتبقى مستلقية على فراش واقعية ارتباط جسدها ببرود وميثاق زواجها بليث!
حياتها مليئة بالمفاجآت بردات الفعل الغير مألوفة..ستوجع ليث ولكن ليس بالموت..وجودها في حياته عقوبة هي عقوبته تؤمن بذلك..لا تجرؤ على العودة في منزل أبيها بعد خُسرانها لكل هذا..لن تجعل الجميع يشيرون لها بشفقة بعد إظهار الحقيقة المرّه ستتشبّث به..ستحقق من وراؤه رغبات جنونها..ستضيّق عليه الآفاق.
نهضت من على السرير إضاءات الغرفة مُنارة..لا تحبذ الظلام ولا تطيقة..تستطيع أن تخفف من الإضاءة بقدر بسيط فقط ولكن لا تجرؤ على مُجاراة الظلام..نظرت لإنعكاس صورتها في المرآة حينما اصبحت أمامها..ماذا خسر ليث؟
لا شيء تزوج..ومضى في مرحلة تأنيب الضمير وهذا ما رآته ..آلام الضمير لا شيء أمام ما عانته..تريد أن توجعه أكثر..ولكن الآن لا تدري بأي وجع تبتديه معه..نظرت لنُدبته التي ورّثها لها..تقسم إنها ستعيدها له بطريقة أشد عُنفًا..لن تتنازل عن ذلك..بهت لون الجرح ولكن ما زال معلّق على احبال أيامها المستقبلية..تشعر إنها بشعّت من وجهها الشيء الكثير..وبحلقت بعدها في طول شعرها..وللجروح الصغيرة التي ارتسمت على وجهها..اغمضت عينيها.
لتسمع صوت بكاء فتاة بلغت من العشرون أربعون سنة..تبكي وهي شبه عارية في الخلاء..نشيقها يزداد مع لذعة الماء البارد، قلبها يلين ويذوب ويتجمد في الآن نفسه..تبكي بشكل هستيري بعينَي جاحظتين ودم مُنساب من على جفن عينها اليمين..راودوها عن نفسها من جديد..كادوا يفتكون حرمات الله..ولكن دخول الشرطيّتين عليهن بعد صوت ارتفاع الشجار اغلق افواه الشياطين من إلتهامها..سحبوها للإنفرادي بقيت طيلة الليل..تنظر لملابسها التي احتفظت ببقع دم خرج من انفها وفمها وجسدها نظرت لتمزيقهن..مزقّوا روحها ويجبرونها على اتخاذ موقف الوحش للهجوم..بزغت الشمس ودخلت الخلاء لتغسل روحها قبل جسدها..اليوم ناولوها ملابس جديدة والممزقة سترمى..خرجت بعد ذلك..لتخرج بشبح رحيل..وبوحش نظراتها.
كلما ضُربت..وطُعِنت وبكت..كلما زاد بهوت رحيل في داخلها لتظهر بصورة حُطامها..فتحت عيناها نظرت لنفسها وسمعت الرنين..توجهت للهاتف .ظنّت ليث هو من يتصل ولكن رأت رقم غريب..
لم تجيبه ..وبعد مرور دقيقة رأت رسالة باللغة الانجليزية"أتخذتي القرار؟"، حظرت الرقم وحذفته لن تجعل أحدًا يسيّرها على رغباته.
وضعت هاتفها على الصامت واستلقت على السرير..تحاول النّوم ولكن بِلا جدوى.
.
.
تنظر له بحالمية الشعور الذي لا يوصف بكلمات ولا حتّى بالأفعال..قلبها الآن اطمئن..يرفرف ما بين أجواء السعادة..حلما تحقق..وحبها احتضنته بكفّي أُمنيات السنين التي عقبت وفاة والدتها..كان ينظر لها وهو مبتسم وهي تنظر له بعينين ناعستين ترغب في المزيد من الحب والعطاء وترغب في النوم..مُتعبة مضت عليها أيّام قاسية ..منعت النوم من عينيها..
تحدث بشوق: اشتقت لك سوزان..
.
.
وانا اشتقت، وحننت، وهمت، تركت العالم ورائي وأتيتُ إليك مُبصرة في عالمنا الجديد
.
.
سوزان بلهجة سعودية ثقيلة نوعا ما: أنا اكثر..
يمسك بكفي يديها يحتضن نعومتها، ويمسك قلبه الذي يتنفّس برمشها المتكرر وبنبرتها التي هزّت حصون اشواقه وكأنه لم يكتفي بهذا الوجود.
.
اتمنى لو نمتلك القدرة على احتضان روح من نحب بصور مثالية في القلب، نضعه دون أن نضع حسبان لحجم روحه في الأُذين الأيمن أو البطين الأيسر لا يهم ولكن الأهم نجعله يمكث في إحدى الأربع حجرات، ليشعر بدفىء النبض..أو يصبح جزءًا من الجسد..يشعر بتيارات العاطفة حينما تتدفق من أعصاب الشوق إلى مركز الهُيام من الدماغ.
.
.
ركان بجدية: اتمنى حياتنا نبتديها من جديد وننسى الماضي..
سوزان تهز رأسها بهدوء: اوك..
ركان ولأن الحب وجب عليه أن يكون مكتملًا في جانب رضا الله ليتبارك
قال: الحياة بكون مختلفة عن اللي عشتيها..سوزان..انا ابيك زوجة لي دنيا وآخرة..ابيك تحافظين على صلاتك وصيامك وحشمتك..ابيك تتعرفين على ربي أكثر..عارف انك عشتي تذبذب ديني..بس معليه أنا معك خطوة بخطوة..لين تقتنعين بكل شي بدون جهد.
سوزان تتفهم كل شيء وتزيد رغبتها في العيش بسلام
شدّت على يده: مش حرفض لك طلب..ومش حزعلّك..وراح اعمل اللي تطلبوا مني ركان..
ركان بحكمة: لا..انا ما طلبت شي لنفسي..انا من زود حبي لك ..اطلب هالشي لنفسك خوفا عليك..خلينا نحب بعض ونكمل هالزواج بصورة صحيحة...
سوزان هزت رأسها
ليكمل: بشتري كتب دينية وانا ما بقصر..بس الأهم تكون عندك رغبة في التغيير..
سوزان ابتسمت: عندي رغبة أعيش باطمئنان...
ركان طبطب على يدها فهم ما ترمقه إليها: كلما صار الإنسان قريب من الله..كلما اطمئن قلبه وتوكل عليه...
سوزان هزت رأسها لينهض ويمسك يدها لينهضها: خلينا نتوضّأ ونقيم الليل.
.
شعرت برغبتها في البكاء..لا تدري لماذا ولكن هي سعيدة من أجل تغيير مجرى حياتها..لتصبح قريبة من ركان ..وقريبة من الإطمئنان والإستقرار النفسي والديني..تعلم ركان يمتلك حسًا وحكمة في الأخذ والعطاء في أمور الدين سبق ورأت اسلوبه ولكن الظروف لم تمكنه من شرح الصورة لها بشكل اكبر وأوسع ولكن الآن يستطيع وهي ستتقبل..لأنها تريد العَيش بلا تذبذب وبإستقرار ديني بعيد عن التزعزع الذي عاشته..تنفست بعمق..وصلا للخلاء..ودعاها تتوضأ أمام عينيه ليرى صحّة وضوءها وهي
تبتسم.
.
.
لا تدري هل هي مفرطة في التعاطف أم ماذا؟
كيف استطاع الزواج من أخرى..وهي في السجن؟
كيف قدر على فعل ذلك؟
ولِم الجميع متقبل لكل هذا؟
الجميع يقسوا..يحطّم فؤادها دون أن يشعروا من المؤكد رحيل بحاجة لعاطفة تُغدق عليها الحنان والتخفيف ولكن هم عوضًا عن فعل ذلك يزيدونها بؤسًا..تقلّبت على سريرها..لم تستطع النوم..تفكّر برحيل وجدًا..حزينة عليها ومن اجلها..تشعر بقسوتهم عليها حتّى ليث قاسٍ وبشكل بطولي لا يسبقه أحد في مستواه، حضنت وسادتها..تريد أن تخرج من عقلها تلك الأفكار ولكن لم تستطع نظرة لعقارب الساعة..الوقت اصبح الثانية والنصف بعد منتصف الليل..من الواضح لن تتمكّن غدًا من الذهاب إلى الجامعة..الإرهاق يقلّبها..وقلبها موجوع..نهضت لتذهب لغرفة اختها هذه الليلة لن تقضيها لوحدها.
رغم إنها قضتها بدايةً لوحدها..ولكن تشعر بالجنون يحيطها من كل جانب..خرجت من الغرفة..مشت بخطى دقيقة وبطيئة..الهدوء يسكن الممر..ولكن سمعت صوت محمد ..ربما يحدّث دانة..مشت سريعًا لغرفة اختها..فتحته..نظرت لأختها تحت الإضاءة الخافتة نائمة بعمق..وبرودة الغرفة تجبر جسدك على البحث عن دفء الفراش للإسترخاء..مشت بخطى بطيئة لا تريد إخافتها..جلست على طرفه تحدث
اصايل: هيلة..هيلة...
تململت الأخرى وهي تهمهم..ولكن أصايل قالت: هيلة زحفي اشوي بنام عندك..
وكأنها بدأت تستفيق بشكل جزئي عن نومها: شفيك؟
اصايل بعينين محمرتين:أبي انام عندك..عجزت انام..
هيلة عقدت حاجبيها وفتحت عيناها ببطء شديد: علامك؟
اصايل بنبرة مخنوقة:ضايقة..
جلست بثقل لتقول:اسم الله عليك..تعالي.
ثم زحفت للتترك لها مجالًا للإستلقاء .
استلقت اصايل لتدخل في موجة بكاء لتُكمل ساعاتها الطويلة
خافت هيلة هنا
: اصايلوه شفيك؟ لا تخوفيني بسم الله..
تحيط خصرها لتدفع وجهها في حضن اختها وبرجاء:تكفين اقري علي...ابي انام عجزت انام..
رقّى قلبها وخافت من حالها..اصايل تبكي بجدية بينما هيلة اردفت:انادي امي؟
تهز رأسها بلا
لتقرأ هيلة:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)
اصايل حاولت اغماض عينيها تحت دهشة هيلة التي لا تدري بالسبب الذي جعل حصون أختها تنهار ليلًا هكذا!
.
.
.
قرر ان يتقدم خطوة بالإتصال..فكّر كثيرًا ماذا يفعل؟ كيف يلملم دانة من بعثرت الماضي..وكيف يجعلها تتأقلم عليه بشكل أبدي..في الواقع هو مقهور من فعلت رعد ومضايقاته له..يثق بها..دانة هادئة تعرف الله حق معرفته..تبعد نفسها عن الشبهات كل ما يهمها تحقيق الطموح..الجميع يعرف هذا..فهو لا يظن بها بعد حديثها الصريح..ولكن واقعيا يخشى عليها من هذا الضغط النفسي..فهو رآها كيف انهارت في المواقف امامه بدخولها في حالة هلع شديدة..اتصل عليها..يعلم الوقت متأخر ولكن إن اجابت كان بها وإن لم تجيب ..سيخلد للنوم.
ولكن المفاجأة إنها اجابته
: أخبارك دانة؟
غفت ربما لمدة نصف ساعة..لم تستطع النوم مُبكرا بسبب بعثرة البوم الصور والسهر مع عهود قبل ساعات..عهود مضطربة مثلها في امر الزواج ولكن من زاوية السعادة وهي من زاوية التعاسة..قبل ساعة خرجت..وبقيت هي تقرأ وتراجع بعض المعلومات الطبية التي يُلزمها من أن تتذكرها..استحمت وحاولت النوم..نامت بعد صراعات التفكير ولكن صوت الهاتف أيقظها..اجابته بنصف وعي من عقلها الخامل
ليأتيه صوتها على بحة النوم والتعب: الو...
ابتسم رغمًا عنه..بحتها أوصلت إليه عمق نومها وهو أيقظها من أحلامها ربما ولكن ما يهمه الآن إنها اجابته
: صحيتك من النوم؟
سكتت..ثم اعتدلت بالجلسة على السرير أدركت محمد هو من يتحدث..مسحت على وجهها لتنظر إلى ساعة الحائط..قلبها يؤلمها من شدّت رغبتها في النوم..بللت شفتيها..حاولت أن تحسّن من صوتها وتتحدث بشكل طبيعي إلا أن بحّت النوم عالقة في بلعومها
: ما صار لي كثير من غفيت..
محمد بلل شفتيه، ثم مسح على شعره ليجلس على طرف السرير: ما قلتي لي شخبارك؟
دانة عقدت حاجبيها بسبب الصداع: بخير...
ثم سكتت وبتردد: وأنت؟
وبجدية: عصبيّتك راحت؟
ضحك رغما عنه:ههههههههههه والله ما هوب من طبعي العصبية ولا سبق الأحداث..
دانة ابتسما رغما عنها، اختلّا توازن الأشياء في لحظة سُكر عقلها برغبته في النوم
: زين..
محمد بجدية: دانة..انا مانيب عارف كيف أبتدي معك بصراحة..وأنتي بوضعك ما تساعديني ابتدي بشي.
عادت لحقيقة الأمر، واطلقت بشكل لا إرادي تنهيدة
لتردف بعدها بجدية: وش كنت متوقع مني محمد؟..انا مجبورة..وحتى موافقتي عليك جات من دون تفكير ومن خوف..مضايقات رعد هي من اجبرتني في الواقع..
شتم رعد تحت مسامعها لتغمض عينيها بهم
: والله الود ودي ادفنه بقسم الطوارئ...الكلب اللي ما يستحي ورا ما قلتي لصارم؟
دانة تتنفس بعمق: ما حبيت اعطيه اكبر من حجمه..وشوفني الحين اكلمك بوضوح عشان تكون في الواقع..محمد انا مضغوطة..جدي..الماضي..كل شي يضغطني..حتى سالفة زواجنا تضغطني..
محمد بضيق: زواجنا خيرة...بغض النظر عن طريقته وكيف جا...يشهد الله علي اني مرتاح ومقتنع فيك...
دانة بنبرة ضعف: ويشهد الله علي ما أبي أحطك في طرف يتحمل نفسيّتي..وتعبي!
محمد شعر بإختلاج صوتها وبتشجيع على استمرارية الحديث: انا زوجك دانة..بتحملك وبحمل كل شي عنك..بس كلي رجاء انك تتقبليني..
دانة تشعر بالإهانة وجدا: جدي أهان كياني محمد..رماني بالماضي على ليث وهالمرة عليك..الوضع مرا صعب علي...شعور إنه أهاني ما اقدر اجاوزة
محمد بتفهم: ما عاش من يهينك يا بنت عمي...وتحييرك لليث غلط ما انكر...
تنفعل لتبرر: حيروني له ولا خذوا رايي إن كنت موافقة ولا لا؟!...معامليني وكأني جدار!
محمد استجمع شجاعته ليردف: انتي نصيبي دانة من البداية...انتي اللي راح أعيش معها حياتي انسي كل شي وأبتدي معي من جديد.
دانة بقلة حيلة وضعف: محمد لا تفهمني غلط..والله اني ما حملت بقلبي ذرة شعور لليث..بس قلت لك كل شي احسه عشان ما تحملني على فهم غلط..مافيني حيل بعد احد يفهمني غلط..وسيء الظّن فيني!
ابتسم رغما عنه: تدرين..واضح انك صريحة..
دانة فهمت يريد التخفيف عنها: انا صريحة..وأحب الصراحة..بس لنضغطت ما أعرف اتكلم..وأخبّص ويمكن تخبيصاتي تخلّي اللي قدامي يفهمني غلط..
وكأنها ترمقه بحديثها هذا: واضح بحبك من المكالمات الصوتية وبتعرف عليك اكثر..
سكتت بحيرة
لتقول: عطني مساحة اتقبل فيها كل شي..
محمد برضا من هذه المكالمة:بعطيك بوجودي في هالمساحة.
دانة بقبول هي الأخرى ستحاول تطبيق حديث موضي: طيب..
محمد: مابي اكثر عليك كلام..عارف وراك دوام..تصبحين على خير.
دانة بخفوت: وأنت من اهل الخير.
.
.
دخلت عليه وهو يصلي الفجر..تعجبت من تأخيره للصلاة..وحمدت الله شاكرة لعدم بزوغ الشمس ليدركها..أشارت للخادمة التي تناديها دومًا بـ" يا بنتي"لتضع دلة القوة وصحن التمر جانبًا، ثم قالت
:روحي يا بنتي نامي..وجلسي تسع الصبح..
الخادمة: زين ماما..
خرجت وبقيت تنتظر انتهاء زوجها من الصلاة، نظرت له وبدأت تهلل وتستغفر، انتهى من الصلاة وطوّى سجادته وهو يقول
: اعوذ بالله من الشيطان الرجيم..راحت علي نومة الوكاد كانت بتفوتني الصلاة..
الجده تطمئنه: الحمد لله ما طلع الضَو..وباقي على وقت الشروق ..
تقدم لناحيتها وهو يتكّأ على ثقل الماضي
لتقول:عساك ريّحت زين؟
الجد: لا بالله..عيني سهرت الليل..ونمت لي ساعة..وخذني النوم إلا على صلاة الفجر..
الجده تضع يدها على فخذه: هونها وتهون يا بو عبد الرحمن...قم نام...
الجد بانكسار: لا والله ما نيب نايم..بنتظر وليدي ليث يجيني يوديني لبنتي رحيل...
الجده عقدت حاجبَيْها:هاوووو علامك..الحين الفجر وين يجي ووديك...
الجد مسح على لحيته: ازهمي عليه...
الجده بقلق شديد على حاله : اصبر لين يصير الصبح وتطلع الشمس..يمديك تغفي يا بو عبد الرحمن وترتاح..
الجد تنهد واسند ظهره على المسند من خلف ظهره..بهِ شعور غريب يوارده وبشكل كبير بعد رؤية ليث وحقيقة عودة رحيل..ذابت القساوة التي يختبّأ خلفها طيلة هذهِ السنوات ليجبر من حوله يتحولّون إلى تماثيل من أحزانهم!
قسى من أن يُطرى اسمها أمامه..اجبر ليث على البقاء معها..مؤخرًا أدلى لهم بفكرة الإنجاب..ولكن الآن قلبه طرب شوقًا لرؤية طفلته..أتى أوان الظهور على حقيقة ضعفه وخوفه عليها..سينتظر..سينتظر إلى حينما تشرق الشمس..في الواقع الصداع بدأ يحتضن مُحيط رأسه..وهو يُقاوم!
الجده: قِم خذ لك غفوة..تجدد فيها قوّتك...
الجد مدد جسده بالقرب منها وببطء شديد: برتاح اشوي..وصحّيني..
الجده: تامر أمر.
.
.
.
يبحلق في الجرائد التي لم تكف عن نشر الخبر، قوّته سقطت في وقتٍ واحد ،خسارته لا تعوّض أبدًا الكثير من شركاؤه توفوا أثر ذلك الإنفجار..يده اليمنى"اللورد" وأكثرية شركاؤه من مختلف الدول جميعهم توفوا لم يتبقى منهم أحد..علم ببقاء ليث على قيد الحياة لأنّ اللورد إلى آخر نفس له لم يشركه معه بعقد رسمي لينضم إلى مجموعتهم في الواقع!
..وحتى الأوراق التي تُدينه اختفت..بسبب الإنفجار..احترق كل شيء ولم يبقى سوى رمادهم..هذه القوة ضعفت..شركاؤه الذين نجوا..فضّوا الشراكة خوفًا من زوبعة الإعلام..من بقيَ معه رجال قليلون يتشبثّون به بسبب قوته وضعفهم وهذا ما لا يريده..يريد إعادة كل شيء إلى عهده وقوّته..بنشر خبر مقتله لليث ووضع التهمة عليه كليًّا..ولكن هو الآخر محمي ولديه حصانة ما دام لم يخرج من بلده..وفرصته رحيل..التي اصبحت كومة من الأمراض النفسية وهذا يعود بفضلهم! ..سرد عليها كل شيء لتزداد حنقًا ولكن ها هي الأخرى لا تستجيب..يومًا عن يوم يضعف..لا يدري ماذا يفعل..
طُرق الباب عليه
دخل حارسه الشخصي (مترجم) : سيدي أليفر.لا بد أن تخرج اليوم من واشنطن..الإعلام ما زال يلفّق الحقائق..والتحقيقات جارية...نخشى من أن...
قاطعة وهو يضرب على الطاولة(مترجم):اعلم...ماذا حدث لرهيل..؟
"جميعهم ينطقون اسمها بهذا الشكل وبهذا الفحيح"
الحارس (مترجم):لم تجيب...على...
تنهد اليفر وسحب نفسه من خلف المكتب ليُقاطعة(مترجم): أوقفوا الإتصالات والرسائل..علينا أن ننجو بأنفسنا أولًا ثم نعود بالنظر إلى أمرها..فانسحاب ديفيد الروسي..وجافيد لم يُبقي لنا أية قوة..المحامون جميعهم انسحبوا..وأخشى من أن تتم رشوة بعضهم ليخرجوا في الإعلام..ويفضّوا ما في جوفهم...
الحارس بلا رحمة(مترجم):من الأفضل أن نقتلهم...
اليفر هز رأسه(مترجم):لا هكذا ستزداد الأمور سوءًا..وسنلفت الأنظار ...لا تضيع الوقت...هيّا دعنا نخرج...
هز رأسه وتبعه من خلفه
.
.
استيقظ باكرًا يحمد الله على نعمته..كل شيء على ما يرام..صحة والدته والجنين بخير..ابتهجت أساريره حينما اخبرتها الطبيبة بثبوت الحمل..يشعر بوالدته وبمخاوفها وإن حاولت تُظهر خلاف القلق..يشعر بها إلّا أنها انشغلت قليلّا بهِ بعد موافقة عهود..توترها خف..وبدأت تطمئن لكل شيء..نزل من غرفته المكان
هادئ..هو اليوم مبكرًا من استيقاظه من أجل عمله.. فوالدته ووالده مازالا نائمين... لن يفسد بحركته نومهما..سيخرج على مهل..خرج واغلق الباب..بهدوء
توجّه إلى سيارته..فتح الباب سمع
رنين هاتفه..ركب السيارة
ثم اجاب: ارحب صارم..يا صباح النور..
صارم يشعر بالتوتر والقلق..لم ينم جيّدًا يفكر وكثيرًا بأخيه..يخشى من ان يُجلب لهم المصائب واحدة تلو الأخرى ما سمعه بالأمس. ايقظ مارد التوتر في داخله، ها هو جلس من نومه على غير العادة ارتدى ملابسه وجلس في المطبخ ليتناول وجبة الإفطار رغم ما زال هناك وقت طويل على حصته الأولى..والطابور الصباحي يتأخر عنه وكثيرًا..ولكن اليوم فعل ما لا يفعله مُسبقًا ليزيد شكوك صارم!
: ذياب..بعد اذنك ابي سيارتك ...وخذ بدالها سيارتي....
ذياب بتعجب: حلالك السيارة..بس ليه؟
صارم بجدية: براقب نواف..شاك مسوي بليّة ومابيه ينتبه لسيارتي فباخذ سيارتك...
ثم خرج من المنزل ليركب سيارته هو الآخر..
ذياب: لا حول ولا قوة إلّا بالله...وهذا ما عقل؟
صارم بدأ يقود سيارته: وشكله ما راح يعقل ابد..
ذياب بهدوء: طيب وين التقيك عشان اعطيك اياها..
صارم بهدوء:عند اشارة الحي القريبة من بيتكم..دقايق وانا عندك...
ذياب بجدية: على هونك لا تسرع...
صارم بهدوء:ان شاء الله...
ثم اغلق الخط..ليتصل على فيصل الذي في الواقع في غرفة محمد يحك جبينه..الحزن ما زال يلتهم قلبه ولكن يحاول ألا يلتفت عليه..هو الآخر انشغل بأمر نواف. شك بهِ وكثيرًا مُنذ خروجه من "المخزن"وادعاؤه من التدخين وهو لم يشتم رائحته عقله لم يتوقف عن الشكوك..فهو مدمن تدخين يعترف بذلك يشتم رائحته سريعًا ولكن في تلك اللحظة لم يشمه..بينما البقعة لم تكن محط شك في نفس فيصل..بقعة الكحل التي ورثتها له وصايف فأتى في عقله المخزن متسخ وبه فحم للشوي ومنافع أخرى وربما التصق به..ولكن حقًا زادت شكوكه حينما دخل المخزن ولم يرى أحد.
ووجوده هناك في مثل ذلك اليوم وارتباكه وادعاؤه بالتدخين يُقلق مع ارتباطه بما سمعه بالأمس..لذا لن يترك صارم لوحده من المؤكد نواف واقع في مصيبة وصارم إن كشف امره لن يكون خيرًا له.
نظر لمحمد ليكمل حديثهما: في ملكتك..شفته طالع من المخزن...ولم شافني تعلل انه يدخن...بس كذاب ما شميته دخان...
محمد يرتدي بذلته ويسحب المنشفة لينشف بها شعره: أجل شنو يسوي؟
فيصل بجدية: والله عجزت اخمّن وش يسوي..وانا التهيت بعدها بالعشا وبالحَط والشيل...بس امس واضح كان يكلم بنت..يمكن يكلم بنت وزابن بالمخزن...
محمد : مراهقة على ليفل مرتفع...الله يهديه..والله اذا صدق زي ما تقول بيهرب وبيطلع معها..على هالتخمين صارم والله ما بخلي فيه عظم صاحي..لا هو ولا هي!
فيصل قوّس شفتيه: عشان كذا نطلع سوى..وما ودي فهد يجي...هو الثاني حار ويفور بسرعة...
محمد:انا ما اقول الا الله يستر...واضح نوافوه ما هوب راسي على بر من هالخبال...
كاد يتكلم ولكن سمع الرنين
اجاب:هلا صارم...
صارم بجدية: اطلع قبل لا يهج نواف الحمار...انا رايح ابدل سيارتي مع ذياب..
فيصل ضحك رغما عنه: هههههههههههههه....يا حبيبي على ذا الاكشن...
صارم بمزاج سيء اغلق الخط في وجهه
ليضحك فيصل: جاك الموت يا نواف....ولد عمّك مشحون...
محمد سحب مفتاح سيارته: كلنا مشحونين وشكلنا كلنا بنفرّغ في نواف...يلا نمشي...
فيصل ضحك على جملة أخيه وخرجا معًا.
.
.
ارتدت الزّي المدرسي..نشاطها زائد ولهفتها تتفاغم لتتصاعد نبضات قلبها..تشتاقهُ، تتوق إليه..تحبه..لا بل تعشقه..ومن أجل كل هذهِ المشاعر تتجرّأ تنسلخ من قوقعة التردد والخوف الذي باعد بينهما لتطلبه بكل جرأة رؤيته..تثق به..وهو اقسم على ألّا يُفسد معانّي حُبّهما..قامت بتجديل شعرها على جانبها الأيسر..نظرت لوجهها وابتسامتها البشوش..وضعت مرطّب شفاه بلا لون..ارتدت عباءتها وسحبت الحقيبة..مسكت هاتفها
لترسل" الحين بطلع"
ثم احنّت ظهرها لتضع الهاتف في"جوربها" الطويل..فالمدرسة تمنع الهواتف النقالة..وهي ستعود إلى المدرسة بعد رؤيتها له..حاولت ان تثبته وفعلت ذلك..خرجت من الغرفة وهي تضع الحجاب على رأسها..نزلت من على عتبات الدرج وهي تقفز بسعادة...نظرت لوالدتها اقتربت قبلت خدها
لتقول: صباح الورد..
ام وصايف ابتسمت: يا صباح العسل...سويت لك سندويشات..خذيها معك تشوفينها في المطبخ..وطلعي فهد ينتظرك...برا...
وصايف بحب قبلّت خدها من جديد: مابي بشتري من المقصف...والحين بطلع...
ثم مشت متجة للباب تحت انظار والدتها : الله يوفقك وزيدك علم ...
ثم نهضت لترى ريان ينزل
ابتسمت في وجهه: طمني وانا خالتك ان شاء الله احسن؟
اقبل عليها ليقبّل رأسها: لا تحاتيني..اموري طيبة...
ام وصايف: اليوم خالك بزورنا...ان شاء الله عاد يمدي يشوفك..
ريان: بطلع بدري اليوم إن شاء الله يمدي..يلا خالتي عن اذنك..
ام وصايف: الله معك...
.
.
ركبت السيارة بينما هو حينما رأى فيصل ومحمد يخرجان من المنزل ترجّل من سيارته
ليتقدم لهما وهو يقول: ثواني وبجي...
فهد رفع صوته:هااا بتروحون...
يصل نظر له :اي واضح اليوم بصير اكشن...
محمد ضحك رغما عنه: يا حبك لهالسوالف..جوّك وأجواءك..هههههههههههه.....
فهد ضحك: ههههههههههع ودي اجي معاكم...بس عندي حصة اولى وما اقدر...
فيصل ضرب صدره:لا تحاتي حنا نكفي ونوفي...روح...
محمد لمح نواف يخرج من المنزل فهمس: يلا...طلع...
فهد نظر لنواف بتنهد: الله يهديه..عن اذنكم...
ثم تقدم لناحية سيارته ونظر لأخيه
وهو ينزل من على عتبات الدرج
تحدث:ريان وقف لحظة...
وصايف تحسب الدقاىق للمضي وفهد يطيل الأمر..ازدردت ريقها شعرت بالتوتر قليلًا..
ريان وقف ونظر لأخته ثم نظر لفهد: شفيك؟
فهد اقترب منه: ريان..أبيك تأثر معي في ابوي ..عشان ما يروح لرحيل..
ريان رفع حاجبه: انا ابي اروح...
فهد مسح على رأسه لا يريد أن يخبره ولكن اضطر: رحت شفتها امس..ووضعها لو يشوفه ابوي...والله بينصدم...ووقّف قلبه!
ريان بعصبية: تروح ولا تقول لي؟
فهد : ما كنت ابيك تشوفها...وانت بذيك الحالة...
ريان ينهي الامر ينزل من على عتبات الدرج: اليوم شايفها شايفها...والله لا يعوق بشر...ما حد بموت قبل يومه!
تنهد بضيق فهد وركب سيارته
.
.
نلعب في الرمال الدافئة ندفن جزءًا من الساق..نضحك..ونرفرف على قوس الأحلام لننزلق على عتبات المرح..نركض..نشتم هواء البحر..نصرخ..ونرجم بعضنا البعض بالصدف بعد تجميعه من على شاطئ العقير..بعد خروجهم من
" النخل"دخلوا إلى مدينة الأحساء ليمسكوا خط ميناء العقير القديم..كل شيء سلسل..والحياة جميلة..والأصوات تتهاتف من خلف المقود
" عاش عاشش سواقنا...كل الدجاجة وانحاااااش"
ترتفع القهقهات..يضحك هو بعينيه المتجعدتين..تميل عهود لترقص بشعرها على غناء دانة بصوتها الشجي" أنا حلوة..حلوة..دنيانا حلوة حلوة..بحرنا حلو...وجدنا حلو.." يصفقن تكمل تأليف كلمات من عقلها الذكي..يستمرون في الرقص..يصلون إلى الشاطئ تستقر السيارات في مكان واحد..يهرعون بدفن أنفسهن تحت التراب..وبقية الأولاد يلعبون الكرة بعيدًا عنهن..بينما هي..تركض..تفرد يديها في الهواء تدور حول نفسها من أجل أن ينفرد فستانها لتصبح كما تقول" سندريلا" تتبعها هيلة في الدوران وكذلك اصايل وعهود..يلتقط والدها صور عشوائية لهن..يكملون هوس اللّعب بالرمال..لا تنكر تحب طعم التراب..تغافلهم لتأكل منه بقدر بسيط..ثم تنهض وتضحك حينما تكشفها دانة وتبتعد عنهم لتنزوي بالقرب من التوأم.
استعادة بذاكرتها طيلة الليل لحظات الطفولة التي نستها خلال الثمان سنوات..تذكرت كل شيء..واكتشفت ذكرياتها لم تعد مؤصدة في ناحية قربها من جدّها في الواقع..تتقلّب يمينًا ويسارًا..لترى طيف ذكرى جديدة..تستلقي على ظهرها..تعيش حرب مأساوية ما بين رغبتها في النوم..وما بين الهروب من الذكريات..تشعر بالتأزم من كل شيء..ذكريات الطفولة..وذكريات السجن..وذكريات المشاعر لا شيء راكد في قلبها..تسارعت نبضاتها نهضت وكأنها أسد يريد الإنقضاض على فريسته...بالأمس رتبت كل شيء بعد بعثرته هل ستعيد البعثرة الآن؟
صرخت لم تتحمل هذا الكم الهائل من الضغط...صرخت وهي تتأفف..توجهت للستارة ازاحتها فتحت النافذة...تريد أن تتنفس...تريد هواء نقي..اغلقت التكييف..وازاحت من على جسدها البجامة ذات الأكمام الطويلة لتبقى "بالبدي" الأبيض الواسع ذو النصف كم..جسدها يتعرق..تمشت هنا وهناك..تريد ان تخرج من نوبة الذكريات..رؤية فهد اسهرت عينيها وجلبت جلبة غير مريحة لحث عقلها على تذكر ما خشيت نسيانه وهي في السجن!
خرجت من الغرفة ستتوجة لشرب الماء..تشعر بجفاف حلقها..مشت بخطى سريعة سحبت الكأس واملئته بالماء شربته وأبقته في يدها لتعتصره وسمعت باب الشقة ينفتح..
.
.
نام بعد عتاب أمل..شعر بالراحة رغم كل شيء حصل..نومته مريحة وود لو تطول لساعات اكثر ولكن ، ارغم نفسه على الإستيقاظ من اجل خوض حرب جديدة مع ظروفه..وفي الواقع يريد الهروب من امل..أمل محقة اصبحت اكثر صراحة من ذي قبل..لم يجد فيها واقعية الحديث..دوما ما تظهر له الجانب العاطفي..ولكن يبدو الظروف اجبرتها على ان تكتشف حقيقة حياتهما بصورة مأساوية هو لا ينكرها مُسبقًا ولكن لا يعترف بعلاقته معها على أي طريق كان..كان يهرب رغم أنه يحبها لا ينكر وهي تحبه..ولكن لا يستطيعان تجاوز حقيقة أمر"الإغتصاب" سيفي بوعده لها..من بعد الآن لن يقربها..سيعيشان على مبدأ بعيد عن الحياة الزوجية المشتركة بالجسد، سيترك هذا الجانب..ولكن لن يتركها في منتصف الطريق.
يعلم جيّدًا طلاقهما..سيصيبها بالجنون وسيجدد الكسر..هي تعيش في حالة تأنيب ضمير مما حصل وتعيش في اجواء مذبذبة..وهو لا ينكر انه يعيش هذا الضياع بطريقة اخرى..ولكن انفصالهما سيزيد من عذاب نفسيتهما الاثنان.
لا شيء طبيعي في حياتهما..لكن يخشى ايضًا طلاقهما يصبح صدمة كبيرة على ركان ويبتعد عنه وهو الذي لا يريد بُعده..هو ممنون له بكل شيء وقف معه في قضية رحيل ..لا يريد أن يجازيه بسوء بمقابل حسن عمله له.
صعب الأمر..ولكن لا شيء هادئ الآن ليمكّنه من التفكير من زاوية اخرى..سيُبقي امل على ذمته..لن يؤذيها لا بفعل ولا بقول..سيبقى معها على الحدود التي لا تفسد مزاجها وحياتها..فقط يريد العيش بسلام معها ومع حُبّه لها!
بدّل ملابسه بعجل وحاول ألا يصدر ازعاج لمسامعها فهي لم تنم طيلة الليل تبكي..شعر بها ولكن ترك لها مسافات التفريغ ببعده..وها هو الآن يهرب منها ليجد نفسه في شقة رحيل..ليواجهة بعثرت حالها..اغلق الباب من خلفة..تقدم وهي مشت لتخرج من المطبخ تشد على الكأس
ينظر لها ولجحوظ عينيها وانتفاخهما ليدرك عدم نومها..صوت تنفسها يُسمع..نظراتها الحادة تقتل ضميرة وتجدده بالأسوأ..متعب يقسم انه متعب..أينما يولّي بوجه يجد من يضغط عليه وعلى ضميرة...
تحدث: رحيل..
لا يدري كيف فاجأته هكذا..لم يتوقع أن تصل لهذه الدرجة من الحقد..رفعت يديها والقت عليه الكأس...ليرتطم على طرف ذقنه.
.
.
هي قسمت على أن تخلّف له ندبة مثلما فعل بها قبل سنوات..تريد أن تترك له ذكرى في جسده يقال لها" ندبة بسبب رحيل" ، ظهر لها في الوقت الخطأ وفي الرغبات الخاطئة..لم تترد في رفع الكأس ورمية عليه بقوة..هي مشحونة بالعنف والغضب وتريد التخفيف..شدّت على الكأس..وهي تذكر موقفهما في الماضي..ذكرياتها تعيد عليها لقطات وحشية من السجن ومن مكوثها في المستشفيات..لذا تريد أن تنتقم منه..تريد أن تحدث له ألمًا بندبة تلازمه طوال الحياة.
.
.
سقط الكأس على الأرض انتثرت الشظايا..لتتنفس بعمق..ثم مشت عنه..لتتركه يداري صدمته..مسك ذقنه..شعر بالألم..نظر لكف يده..لم يجد أي دم..ولكن ومن المؤكد إنها خلفة كدمة على هذه المنطقة المخفية بلحيته..اشتدّ حنقه...هو ايضًا يريد التفريغ..ولكن يحاول أن يمسك نفسه..بمقابل هي تترك نفسها لتوجعه.
تذكر قسمها..وتذكر لعبتهم عليه..كيف يجاري الحياة..كيف يجاري امرأتين مجنونَتَيْن دخلتا في حياته بطريقة سريعة ومؤذية.
متعب..يريد الهروب من كل شيء ولكن لا يسعه الوقت..رفع صوته منفعلا
:رحييييييييل
ثم مشى بخطى سريعة لناحية الغرفة
.
.
انتهى
التقيكم على خير يوم الثلاثاء
|