كاتب الموضوع :
شتات الكون
المنتدى :
المنتدى العام للقصص والروايات
رد: رواية: أحببتُ حُطاما سَبق أوان الرحيل\ بقلم شتات الكون
Part20
.
.
.
قبل لا ندخل في البارت حبيت أنوّه على كذا نقطة عشان نصير في الصورة السليمة مُنذ البداية، شخصيات الرواية ليسوا منزّهين كل التنزّيه فهم بشر يصيبون ويخطئون، والأحداث فيها من الواقع والخيال النّاطق، لم اقتبس الأحداث من حياة أحد أبدًا أبدًا، وليس هدفي تزيّين الحرام، بعض تفاصيل الأحداث لم أحبّذ التطرّق لها لأسباب عدّة حفظًا للحدود التي وضعتها لنفسي، كتبت اشياء كثيرة من وجهة نظر مختلفة خاصة لشخصيات الرواية، بعض الأحداث ربما كُتبت لتكون خارج دائرة المألوف بطريقة ما، فيه تعدد باللهجات لمناطق السعودية ودول أخرى إن اخطأت فيها اعتذر للجميع حاولت بجهد أن اظهرها بشكل صحيح ولكن اعلم اني بشر أُصيب واخطأ فألتمس لكم العذر من الآن، و يُسعدني ان اشارككم ايّاها بصدر رحب..فأنا اتقبل النقد ووجهات النظر بأدب ورُقي، روايتي ايضًا تحتاج لتأني في القراءة كما أنّها معقدة بعض الشيء، كتبت أجزاء كثيرة منها ولكن اعتذر منكم لن استطيع أن اشاركم اياهم في دفعة واحدة لعدّة اسباب منها ما زالوا على قيد التعديل غير إنّي مقيّدة بظروف خارجة عن إرادتي..لذلك سيكون هناك بارت واحد في الأسبوع "اليوم" لن يكون محدد..في الواقع لا استطيع تحديده استنادًا لظروف حياتي الشخصية.
.
.
.
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
(لا تلهيكم الرواية عن الصلاة، اللهم بلغت اللهم فاشهد)
.
.
.
.
.
يؤلمه أن يرى شحوب وجهها، يرى تقلّباته طريقًا وعرًا من الوجع، لا يقوى على أن يراها تتلوّى بالصّمت، هي ابنته الوحيدة..ابنته الذي أودع حياته كلّها من أجلها، اصبح مُلازمًا لها لكي لا يُشعرها بفقد أمها، اعطاها حنانًا وحُبًّا عميقًا ومُسهبًا فيه لكي يسّد طريق الفُقد ويسد ذرائع الإشتياق بالقدر البسيط، وإن أوجعتهُ وإن ابكتهُ يومًا فهو لا يستطيع أن يُقاوم رغبته في المجيء لها وترك العمل وراؤه، ابتعد من أجل أن يتخلّص من ثقل الألم الذي أودعتهُ في صدره، خاف من نفسه وضجيجها..عاقبها على بُعده ولكي يسد باب الغضب تقوقع هُناك.
المقطع الذي انتشر نشر السُّم في جسده وبثّه بشكل سريع..خاف عليها..خاف عليها من نفسه ومن النّاس والمجتمع عامة..خاف من النّفوس الضعيفة تستقطب ضعفها، وخاف من عائلته ومن حُكمهم عليها، ولكن كل هذا تلاشى أمام سماعه لحالتها من قِبل الطبيب خرج مذعورًا ليبتعد يُريد أن يستوعب ما قاله..يدها لن تعود كما في السابق ..الكسر أثّر عليها سلبًا..ستحرّكها..ستتعامل معها بشكل آخر في منتصف الأفعال الطبيعية.
ربما بعض الحركات من رفع اثقال أو من حمل أشياء خفيفة لن تكون قادرة على فعلها بعد الآن..ستكون حركتها محدودة!..بسبب قلبها الطيّب خسرت شيئًا ثقيلًا ..يدها ستكون ذكرى مؤلمة لها..بقيّ في مدينة جدّه..لفترة ولكن لم يستطع أن يكبح خوفه ...فهو لم يعتاد على أن يكون شرسًا معها..لم يعتاد على ضربها بسوط غليظ..ولكن حدث الأمر وخرج عن سيطرته بعد أن اثارت جنونًا أدّى بيدها إلى التعطيل..إلى الألم..إلى الأشياء التي تُفلق قلبه وتوجعه!
في لحظات تذكّر ابنت اخيه رحيل..تذكّر غُربتها..وتذكّر قُربها من أبيها..يا تُرى كم عانت من أجل أن تعتاد على صلابة وقساوة والدها الذي ابتعد..هل ذبلت مثلما ذبلت ابنته الآن..فهو يرى ذبول عينها الخارج على دائرة ألم بُعده وألم شوقها وحاجتها له..هل ذبلت رحيل هكذا..انفلق قلبها..وأخذت تضّج برغبة وجود جلّادها أمامها؟
لا يريد الإنغماس في التخيّل إلى ما آلت إليه، هي الأخرى أحدثت جرحًا عميقًا في القلوب ولا يسعها أن تطبب هذهِ الجراحات سريعًا ولكن ربما قلبه الآن يتفهم كل شيء يتفهم كيف يُلملم جرحه لأنهما الاثنتان بحاجة إلى من يشّد على يديهما وإن أخطئتا فالبُعد في حضرت ما ذاقاه من ألم خطئًا آخر ربما يُلهب تلك الجراحات العصيّة ويُفسدها أكثر!
.
.
اقترب منها أخذ يُمسد على شعرها المُلتصق قليلًا على جبينها بسبب حُبيبات العرق المُرتسمة في خرائط تيه الإشتياق الصادر من صوتها والواصل إليه، انحنى قليلًا
اخذ بيديه يطوّق وجهها ويُمسح حُبيبات العرق.
اردف: يا عين أبوك..
تهجّد صوتها في النُطق لتعض على شفتها السُفلية بخجل: يبه آسفة..
وانخرطت في نوبة بكاء بصوت شهقاتها المتعالية
لم يعتاد على أن يراها تبكي، تلوذ بنفسها خجلًا بنظرات الإنكسار التي تصدر من عينيها إليه
: أششش..لا تتعبين نفسك يبه..لا تتكلّمين..
تردف: سامحتني؟
يهز رأسه: وما سامحت نفسي.... وصّلتك لهالحال يا قلب ابوك أنتي!
ازدردت ريقها نظرت بعينيها المحمرتين لعينيه
حاولت أن ترفع رأسها قليلًا لتشد بيدها السليمة على يده لتقرّبها من فاهها
وتقبّلها: يبه انا استاهل ...أنت مالك دخل باللي صار..أنا جبت هالوجع..
وشهقت ببكاؤها: لنفسي..ما كان علي اهرب من المدرسة...
راشد مسح على رأسها: خلاص مزون ...أنسي..أنسي..أهم ما علي صحتك..والحمد لله الجهات المختصّة..خذوا حقي وحقك...والمقطع وقفوا من انتشاره..
مزون أخذت نفسًا عميقًا لتعقد حاجبيها
: ما صيدي يصير تسذآ يا بو مزون...
ابتسم رغمًا عنه حينما تحدّثت بلهجتهما الأم...قبّل يدها
مسح على جبينها مرة اخرى
: اللي صار ما ارضاني يا مزون..وقهرني..بس اللي زوّد قهري..تعبك وطيحتك وجعانه بقل حيلة على الفراش..حسّيت وقتها قلبي أرتبش وخاف من الفراق..
مزون بللت شفتيها تحاول أن تسيطر على رغبتها في البكاء ورغبتها في احتضانه
يُكفيها هذا الوجود، وهذا التسامح الكريم من قِبله
تحدثت بنبرة وجع: والله اللي سويته من غبائي يبه اعترف...ولا توقعت في يوم اصير صيده كذا..واحتار ولا اقدر اسوي شي...يبه والله أنا تربيتك ومالي بالسوالف ذي...وما هقيت انخدع يا يبه...لم هربت مع صديقتي ..هي خدعتني غدى عقلي مني وخفت...وكنت برجع بس خفت عليها...وبقيت معها...
لا يريد منها أن تتحدّث بما جرى يعلم كذبت في الحقائق والآن لا يريد أن يستمع لهذه الحقائق اللّئيمة يُكفيه اعترافها بخطئها ويكفيه وجعه!
: يا بوك مابي اسمع شي من اللي صار..بس يا مزون...لا تعودينها...بعد ما فيني حيل والله...
مزون بعينين مدمعتين: راح أقضب الوطا ولا عادني بسوي شي..يبه بعد هالدرس الثقيل..ثق فيني ثقة تامة مزون تغيّرت وضعفت ...ولا عادها بتثق بالنّاس..
ثم عادت تبكي...بينما هو انحنى ليقبّل جبينها بحنان وأخذ يطبطب على يدها السليمة
: لا وانا ابوك لا..ما بي اشوفك ضعيفة ولا ابي اشوف خوفك من النّاس..لكن من حذر سلم...لا تعطين الثقة التامة لأحد..ولا تصيرين شكّاكة...الإعتدال في الأمور وأنا ابوك...يسد باب أوجاع كثيرة...
ثم ابتعد: نامي يا مزون نامي...
مزون برجاء وبعينين مدمعتين: تكفى لا تروح وتخلّيني أنا بليّاك ما اسوى شي يبه...
كُسر قلبه، طُعن من نبرتها
ارتجفت شفتيها واهتزّ قلبه ليردف: ما بتحرّك من مكاني...نامي ...نامي يا عين ابوك انتي رّيحي..
تنفسّت بعمق شديد نظرت لعينيه ، هّز رأسه وكأنّه يحثّها على إغماض عينيها لم تنبس بكلمة شدّت على يده واغمضت عينيها، وهو أخذ يتأمّل ابنته بقلب أبوّي حنون وخائف ومتضرر وتالف ممّا سمعه من الطبيب
ولكن وكّل أمره إلى الله ..قبّل كف يدها واخذ يقرأ عليها بصوته الحاني ما تيسّر من القرآن الكريم.
.
.
ذابل..وجهه مصفر..منعزل..وينظر للسقف بشرود..يشعر الآن حقًّا بالحُب..يشعر بوميضة واشتعاله في صدره..يشتاق لها..الجنون يحثّه على التفكّير في طريقة للُقياها..بالأمس هرب من الجميع وخرج لا يريد أن يحتفي بسعادة الجميع لـ"لشوفة الشرعية" لعهود..هرب وأخذ يجول في الأماكن التي تمتّص وتشتت خوفه واشتياقه.
يعلم اخطأ فضح نفسه بنفسه ولكن يُدرك حبّه صادق ..ولكن هذا الحُب لا يكفي..لا يروي.
العيون تلك لا تُلامس قلبه لا تجعل نبضاته تهدأ تحثّه على الإقتراب على اقتراف ما لا يعيه عقله..حينما قارنها بمناهل لم يقصد أذيّتها ولكن لو تعلم مناهل كانت تكّن لهُ مشاعر في ذلك الوقت ماذا فعلت؟ لذلك هو أخبرها مناهل لا تخاف أحد
جريئة..غير مترددة..ذات يوم..كانا يلعبان في مزرعة (النخل)جدّهم ما بين النخّيل الضخمة التي يخشاها في ذلك العمر..يتمشان..يُلاحقون الدجاج..يقطفون مشمومًا ذو رائحة زكيّة..يركضون هُنا وهناك ليشعلون الإبتسامة لترتسم على وجهه جدّهم الذي يحتضنهم آنذاك بطيب كلماته ودفىء حضنه..امسكت يده..اجبرته على المرور من خلال القطعة الخشبة المسندة ما بين حافة السّد ليستطعا المرور من خلالها للجهة الخلفية من المزرعة..هو يخشى العبور والوقوف على تلك القطعة يظن أنها ضعيفة وستسقطهما ولكن ماذا فعلت..امسكت بيده...اخبرته بألّا ينظر للأسفل..عبور الماء تحت تلك القطعة الخشبية ليس عميقًا..السّد ليس خطرًا..لا يُثير الخوف في نفسها ولكن كان يُثير خوفه..سحبته..جعلته يعبر من خلاله وهو يصرخ
" منااااااااااااااااااااهل بطيييييح"
...تضحك بعبث...تسحبه وهي تنظر لوراؤها...تصرخ بسعادة
"سكّر عيونك وامش..انا ماسكة يدك يا خوّاف"
..فعل الأمر ..عبرا معًا..يسمع ضحكها..يسمع نبرت صوتها المشجعة له...وحينما عبرا..اردف" بالله كيف بنرجع ...ما نيب مار منه مرة ثانية"...تبتسم ..تدور حول نفسها ..تُسقط نفسها على ظهرها لتنظر إلى السعف الذي ظلّلَ عليهما أشعة الشمس..ابتسمت" راح امسك يدك وما بتركها وما راح تطيح نفس ما سويت "..ثم ركضت..لتتجّه إلى شجرة "الكنار"..تسحبه بيده اليُسرى تركض..لا تخاف البُعد ..لا تخاف الحشرات..ولا تخاف ظّل السعف ..ولحاء النخيل..تعبر هنا وهناك تضحك..تسحبه وهو خائف يقتربون من الشجرة..تقف أمامه..تقطف ثمرة منها تقدمها له تبتسم" أحبّك نوّاف" كانت تشدد بشكل غليظ على حرف الواو..اعترفت بحبّها البريء ..ثم سحبته ليركضا إلى الداخل..إلى عمق وكثافة النخيل وإلى ما يخافه.
توقّفت الذكريّات..توّقفت الأحلام...توّقف كل شيء..هو يحب مناهل كأخت له..ولكن قلبه يحب وصايف حقًّا بنظرة مُختلفة..يحبّها بخوفها وترددها ولكن في بعض الحين هذا الخوف يستفزّه..يحثّه على إخراجها من القوقعة ولكن لم تخرج..وها هي ابتعدت مسافات طويلة..كيف يصل؟
.
.
نحاول الوصول ولكننا لا نصل يا وصايف..جميع الزوايا مبهمة
جميع الطرق مسدودة..جميع المخاوف أمامنا..ليت عُمرنا يتقدّم عشر سنوات للأمام
ليتَ قلبي يهدّأ قليلًا ..ليت عقلي يتوقّق عن التفكّير
ليت لساني قُطِع حينما عقدتُ تلك المقارنة اللئّيمة
أحبك وصايف..أحبّك وكثيرًا..ليتكِ تعلمين بحجم هذا الحُب
بحجم هذا العُشق..بحجمي أنا يا وصايف..أنا المنسي وأنا المتضخّم في المشاعر!
.
.
انفتح الباب عليه..انقلب على جانبة الأيمن ليولّي بظهره
سمع صوت والدته المرتفع: نوّاف...نوّاف وانا أمّك قِم..الساعة ثنتين الظهر..قوم صل وساعد اخوك ببيت جدّك...شكلك ناسي اليوم ملكة اختك...وش هالنوم اللي تسلّط عليك...
اغمض عينيه..يهرب..من صوتها..يشدّ على اللّحاف ليغطّي بهِ إحمرار وجهه
شعر أنه يختنق..شعر أنه غير قادر على كبح مشاعر حُبّه..يريد لُقيا يسد بهِ جوع الحنين...يؤمن ..وكثيرًا...أن الإشتياق مؤلم..
"يتكّأ الإشتياق على مرفأ الذكريّات"...وها هي ذكريّاته..معها بدأت تتأرجح معه وما بين عينيه تشع لتفضحه..يتذكّر قُبلته المشتعلة بالحُب..يتذكّر غياب عقله..ومرور تيار مشاعره في قلبه ليُسارع النبضات ليفصله عن العالم ووجوده..ليصّر على بقاؤه رغم البقاء في وحل الذّنب عذاب ولكن عذابه كان لذيذًا وجد بهِ شيئًا ليُخرس فيه ضجيج لا يصنّفه بأي تصنيف..ولكن بالمقابل..هي اشتعلت ..هربت من ذنبه للنجاة..وابتعدت عقوبةً على ما قرفه في حقّها من أجل إسكات فوضاوية مشاعره من الدّاخل.
.
.
أتت بالقُرب منه..سحبت "اللّحاف"
: نوّاف وجع قِم ...اقولك قِم...
هزّته..فتح عينيه المحمرتين..ووجهه الشاحب اصبح مرئيًا
جلست على طرف السرير بخوف
: علامك؟
نواف بهروب حاول النهوض: هذاني قمت..
سحبت يده: قبل قولي علامك..صار لك فترة ضايق ..لا تفكرّني ما حسيت فيك...بس انشغلت بخواتك...قولي علامك..مسوي شي؟
نواف انهار بعصبيّته: هذا انتم ...تحسسوني قاتل لي أحد...لا ما هوب صاير شي...تطمني...فكوني من هالموال..المتكرر..
وكاد يمشي ولكن وقفت أمامه: نوّافوه..قولي وش فيك..مانت طبيعي..تعبان؟..محتاج شي؟
نواف تنهد مسح على رأسه يشعر بالضيقة من هذهِ الأسالة
كاد يتكلّم ولكن دخل صارم
: زين هزيت هالطول ...وش هالنوم اللي نازل عليك بأوقات المناسبات..
بلل شفتيه..كاد يمر ولكن ارتفع صوت والدته
: قولي قبل وشفيك...
ألتفت على والدته: ما فيني شي..ارتاحي...ما نيب داخل في مصيبة...لاني مفحّط..ولانيب حشّاش..ولانيب مدمن..ولانيب سكّير!
صُعقت والدته من حديثه الوقح
وتقدم صارم ليصرخ: نوووووافوه ألزم حدّك وابلع لسانك الوسخ...
نواف صرخ: وششششش تبون مني...اقوم من النوم؟...هذاني قمت...ليش بعد تحنون على راسي..قلت لكم ما فيني شي..اخلاقي زفت...لأني تو جلست من نومي....
ام صارم بانفعال: وبس نسألك تشتط ...وترمي علينا حكي مثل وجهّك...احشمني أنا امّك..ما سألت إلّا لأني خايفة عليك...
نوّاف ابتسم بسخرية: انا ما فيني شي...والله العظيم ما فيني شي...نفسيتي تعبانة وبس..ليش ما نتي مصدقتني..
صارم نظر لوالدته ونظر لأخيه
تقدمت والدته: صار لك فترة مو على بعضك..وتتصدّني عني وعن ابوك...قولي اللي في خاطرك...ولا تجلس تحوس افكارنا كذا...
نوّاف سكت مسح على وجهه عدّت مرّات
: ما في شي قلت لكم..وحقكم علي...راحت علي نومه ونسيت ملكة دانة اليوم...هذاني قمت وبقوم اسوي اللي تبون..عن اذنك..
ثم خرج من الغرفة تحت انظار صارم..الذي تبعه فيما بعد..
بينما والدتهما تنهدّت بضيق..
.
.
امسك معصم يده: قولي...وش وراك؟
ألتفت خلفه بسخرية: ولا شي..
نفض يده وهو يشد على اسنانه: نوافوه...تراني ما نيب غشيم قولي وش فيك؟
نواف نفض يده من أخيه: تعبان...وانتوا جالسين تضغطون علي..
حاول الدخول للخلاء ولكن صارم مسك يده: من ايش تعبان؟
نوّاف بجدية رمى حديثه: اشتكي من قلبي!
ثم دخل الخلاء وصارم شد على قبضة يده ظنّ أخيه يسخر منه..تأفف ثم ذهب لغرفته.
.
.
.
هل يُسمح لنا بتخطّي اليوم؟ أعني بحذف يوم من أيّامنا؟
هي تريد أن تحذف هذا اليوم، شعرت بالربكة وبالجديّة من قدومه سريعًا
تشعر بحماقة انهيارها في ذلك الوقت..تشعر بتسرّع لسانها في نطق الموافقة عليه
تشعر إنّها الآن ادركت جديّة الأمر.
غير مستعدّة للعَيش في قفص الزوجيّة
تخشى كل شيء..تخشى الحياة..تخشى محمد..تخشى جدّها..وتخشى نفسها ومشاعر جمّا.
مشت بخطى متسارعة لم تستطع من عدم المجيء لهنا..كان عليها أن تأتي إلى تمام الساعة الرابعة عصرًا ثم تعود للمنزل من أجل التأهّب لملكتها في هذهِ اللّيلة التي ستُنير ابتسامات كثيرة..هي حققت رغبة جدّها..اخرست الجدال والنّقاشات من عدمها..هذا القبول سيُسعد الكثير..ولكن الآن..تشعر بربكة قلبها..تشعر بجديّة الأمر..ومحمد لم يُزيدها إلّا توترًا حينما اعلمها برغبته في هذا الزواج ليكون حقيقيًا..تخشى من أمور كُثر هي تحاول الآن تجاوزها..خرجت من غرفة المريض..ستذهب للمكتب..لا تريد أن ترى محمدًا الآن حتّى لو على سبيل اللّمح..لا تريده..تريد الهروب..من الأشياء التي تتطفل عليها..من ضجيج جدّها..ومن موقف تلك اللّيلة وهي واقفة أمامه ترجوه بأن يسمح لها بالخروج من المجلس..أوجعها..ولكن ها هي الآن حققت رغبته..خضعت لأمور تكرهها.
تنهدّت..سارعت مشيها..عقلها لا يعي ما يدور حولها..اصطدمت في كتفها
: اوبس ..بسم الله الرحمن الرحيم...عيونك وين دانوه؟...
وبشهقة: وبعديييييييين تعالي الليلة ملكتك شلون جيتي؟
نظرت لها وهي تحرّك نقابها لتعديله: اف يا موضي لا صيرين لي مثل عهود حنّانة..تعرفينهم ما عطوني إجازة...وقللوا لي من ساعات العمل..
موضي مشت بمحاذاتها حينما بدأت تمضي دانة في الممر: طيب ليش...كان كلّمتي دكتور رعد ..
قاطعتها بنظرت: وش دخلللله هو....
موضي بجدية: يمكن يقدر يتوسّط لك عند المدير..
دانة : يا شيخة فكّيني بس هذا هي كم ساعة واصير بالبيت...بيمديني اسوي كل شي..
واصبحتا واقفتا أمام المصعد موضي توقفت هنا: عاد اسمحي لي ما بقدر اجيك..تعرفين..ما مضى كثير على وفاة اخوي...والحمل متعبني...
دانة طبطبت على كتف موضي: الله يرحمه..مسموحة..
انفتح باب المصعد
: ومبروك وهديّتك بشوفينها على مكتبك..
دانة : الله يبارك فيك وعقبال ما ابارك لك بالنونو..وما كان له داعي تكلفين على نفسك..
موضي وهي تبتعد وتلوّح لها: ما فيها كلافة..يلا وراي كرف...
اصبحت دانة داخل المصعد..وعادت تجول في وحل التوتر..سمعت رنين هاتفها..ألقت نظرة على الاسم وكانت عهود هي من تتصل لم تُجيبها..
انفتح الباب..خرجت لتمشي وتمضي في الممر...
.
.
متوترة..مشتعلة بالحرارة وبالخوف..لا تريد أن تواجه مصيرًا مغايرًا عمّ رسمتهُ في ذاكرتها..تريد حياة هادئة..ولكنّها بعيدة عن ضجيج الزوّاج..بعيدة عن حياة الإشتراك..ستتزوّج وممّن من أخ ليث..ورغبة جدّها...وقرار خوفها..تشعر بالضّيق وبالحرج..تشعر بانفصاليّة عقلها الآن..والرغبة في التّراجع عن كل شيء..مشت..ونظرت لمن حولها بهدوء..تقدمت لتدخل إلى الممر المؤدي بها إلى المكتب..
.
.
فتحت الباب..وقعت عيناها سريعًا عليه..رأته جالسًا على الكرسي وكأنه ينتظرها..خفق قلبها..كيف له أن يدخل إلى مكتبها الخاص دون أذن..وما بالها هي التي لم تقفله ..اليوم هي مشوّشة هل أتى ليزيدها تعقيدًا في التّفكير..تركت الباب مفتوحًا..
: لو سمحت رعد...تفضل...ما أرحّب بوجودك...
.
.
الكذب يؤدي بالإنسان إلى سوء الظنون، إلى الأشياء التي لا يُحمد عُقباها..هل كذبت ..اخبرتهُ بارتباطها ليكتشف عدمه..ليصّر على رغبته..ليكتشف بعد ذلك ارتباط اسمها حقيقةً بذلك المسعف الذي يُصبح ابن عمّها..اشعلت جنونه..اشعلت فتيل القهر من تلاعبها على أوتار قلبه..نهض..هو هادىء..وهي متوترة ..لم ينسى انهيارها في اليوم الذي حاصرها فيه..ولكن الآن يريد تبريرًا لكل هذهِ الأكاذيب..ولم يرى الفرصة السانحة إلّا الآن..تقدم..اُجبر على سحب يدها واغلاق الباب من خلفها سريعًا
كادت تصرخ..ولكن تقدّم سريعًا ليضع يده على فمها من خلف الغطاء
تحدث ما بين اسنانه: تلاعبتي بقلبي كثير يا دانة؟
ثم اخفض من ضغطه: ما راح اسوي شي كلها كم كلمة بقولها وبطلع...بس انتي لا تفضحين نفسك هنا!
شعرت بجراءته، شعرت بتبدّل حاله وانهياره الحقيقي، رأت بهِ شبحًا يريد اعتصارها لتختفي وهي التي أرادت اختفاؤه وتلاشيه مُنذ أول يوم رأت تلصص عينيه عليها.
ازاح يده ابتعد
: تكذبين..تقولين لي مخطوبة..واتفاجأ... أنك لا...وبعدها..فجأة...أسمع من الموظفين..بخطبتك من ولد عمّك...
دانة تنظر له..تجتمع الدموع في عينيها..تريد ان تصرخ..تريد أن تهرب..
ولكن اكمل: بإمكانك تعطيني فرصة..فرصة وحدة...بس...ليش كذا يا دانة..كسرتيني...وكثير..اوك...تمام...مو من حقي احاسبك...بس ليش تكذبين؟...ليش تتلاعبين فيني؟
دانة بصوت منفعل: قلت لك...ما ابيك...ولا بعد تبي تجبرني عليك؟...رعد لو سمحت اطلع برا...مابي فضايح...
يقترب بجنون وهو يمسح على رأسه..يصبح قريب منها وجدًا ضربت جزمة قدميه بجزمتها...كادت تسقط للوراء ولكن شدّ على كتفيها ليوقف نبضها وعقلها، شعرت نفُسها بدأ يضيق أخذت دموعها سببًا حقيقيًا للهطول...
انفعل: ما قصّرتي فيني يا بنت عمي...ما قصّرتي..
اخيرًا استوعبت قُربه ووقوفه بشكله اللّاواعي أمامها دفعته للخلف
وهي تنفعل بصوت مهتز: ألزم حدودك معي يا رعد..وهذا انت قلت لي يا بنت عمي!!..يعني تعرف إنّي عرضك وشرفك...وانّك مانت محرم علي...لا تنسى السامي عندهم عادات وتقاليد..ولا تنسى الزوّاج قسمة ونصيب...
صرخ: ليش كذبتي علي؟
انفعلت هي الأخرى: لأني ما كنت ابي الزوّاج يا رعددددددد....ولا عمري فكّرت فيه..اذا هالجواب بريحّك الحين تفضّل برا....مابي وجع راس أنا...
يتقدم خطوتين للوراء وجهه منفعل بالحمرة
يصرخ: يعني جابرينك؟
متوترة ترتجف..أخذ جسدها يترجف...صرخت فيه: مالك دخل في حياتي...وياخي افهم...الزواج قسمة ونصيب..وحنا ماحنا من نصيب بعض..اطلع برا رعد...مابي مشاكل ...اطلع يرحم لي والديك....الليلة ملكتي...والليلة بشارك فيها فرحتي مع اهلي..فلا تجي انت وتقلب لي الليلة فضايح وحزن...
رعد بلل شفتيه كان ينظر لها بحده بعكس نظراته التي تكون في السابق هادئة ومختبأة خلف ألف "ترليون" شعور..
أشار لها: ضربتيني هنا..
اشار لقلبه
وبتهجد: كنت ابي بصيص أمل بس...عشان اشوف ..راح تشجعيني من مواجهة اهلنا ولا لا..
سكتت تنظر له هي الأخرى بشكل مباشر
اكمل: جدّك ضر عمّي بو الوافي كثير..وبينهم عداوة على حسب كلامه...عشان كذا ما تجرّأت وجيت من الباب مباشرةً...كنت ابي اشوف ردّك...قبل لا أحارب أهلي..بس خيّبتي ظنوني..وكسرتي قلبي...مثل ما جدّك كسّر ظهر عمّي.
توقّف بِها الزّمن..رمشت مرّتين..عداوة؟...كسر ظهر عمّه
ماذا يحدث؟
تقدم لناحيتها: الله لا يهنّيك مع ولدك عمّك.
ثم خرج من المكتب وهي تنظر لفراغه..ترتجف يديها..وساقيها..شعرت بتسارع نبضات قلبها..وبالتحام الخوف جبرًا ليحتضنها...تنهدّت عشرات المرّات شعرت بضيق تنفّسها..سحبت النقاب من على وجهها اخيرًا...تحرّكت لتعود للوراء وتقفل الباب...ثم اسندت ظهرها عليه لتبكي..لتنساب الدموع على خدّيها..ارعبها رعد..اخافها...افلق رأسها بالاحتمالات المشؤومة.. هي تريد البكاء والآن وجدّت سببه جلست على الأرض وخلفها الباب تمامًا قرفصت جسدّها لتبكي بكل أريحيّة وبذعر
ارتفع صوت ضجيج نغمة هاتفها ولكن لم تنهض..ولم تنوي ذلك بقيت تبكي..تبكي خوفها..وتبكي على تسرّعها في القبول من هذا الزواج.
.
.
خرج سريعًا من غرفته..منزلهم ضجّ بحركته بسبب المُناسبة التي انتظرها جدّهم، لا يريد مواجهة أخيه، ولا يريد الدخول إلى عالم النقاشات والجدال..هو ايضًا وعى على نفسه حينما اصبح عليه الصُّبح وشعر بقهره يتجدد..ولكن ما كان عليه أن يورّط أخيه في هذهِ النُقطة من الهروب..الهروب من المشاعر والإنتقام منه بشكلٍ لا يُرى..سارع خطواته على عتبات الدرّج يُلاعب مفتاح السيارة ما بين سبابته وإبهامه..يدوّره حول اصبعه ثم يُمسكه ..لم يرى أحد من إختَيه..فخرج ..سريعًا وتقدم لناحية سيّارة أخيه قبل أن يحرّكها!
فتح الباب..لينفتح الباب الآخر فجأة..خفق قلبه وتنهّد بضيق..دخل اغلق الباب
وسمع صوت أخيه: تتهرّب كعادتك...مثل يوم سماعي للتسجيل الصوتي لليث!
اغمض عينيه فيصل أمتّص شيئًا من الطاقة ليردف: محمد...
محمد كان منفعلًا صرخ ليقاطعه: وش سوّيت أمس...ورّطت أخوك...ليث قد قال لك هالشي؟...قد شكى لك يا حمار!؟
انفعل الآخر ليلتفت عليه: لا...بس شفت أبوك...لو ما قلت هالكذبة كان راح يطلع وروح الشقة ولو راح وما شاف بنت اخوه كان قامت الحرب...
محمد ضرب على "طبلون" السيارة: اتركها تقوم...ولا أنك تكذب كذا...وتحسسني قد إيش تكره ليث..وتحسبه لك عدو!
فيصل ابتسم بسخرية: هذا همّك؟..الحين...ومن قال لك أنا اكرهه أنا انقذته...
محمد بصوت شبه منفعل: لا تكذذذذذب علي تتلصص عليه وتصنّت...وتسجيلات ومدري شنو..وتكذب...ما نسيت فويصل بس انشغلت بهمّي...ولا رجعت لسالفة التسجيل وبكذبتك ذكّرتني بكل حركاتك الي تبرر لي فيها من باب الفضول...
احتقن وجهه بالغضب صرخ: ظنونك وفّرها في جيبك يا حميد...تراه اخوي...ما هوب عدوّي...وأمس من الخبصة زّل لساني بهالكذبة..نروح لليث الحين ونقوله كل شي ونفهمه ونحطّه بالصورة عشان لا يخوره عند ابوي..
كاد يتحدّث ويصرخ ولكن قطع صوته الرّنين اخرج الهاتف من مخبأ ثوبه
اجاب دون أن ينظر: ألو...
فيصل اغتنمها فرصةً قاد السيارة مبتعدًا عن وجهة المنزل متحركًا على الشارع العام
.
.
أتاه صوتها، صوت مهزوز بهِ غصّة وبهِ عتاب
: مبروك الليلة ملكتك..
هو ليس بمزاجٍ عالٍ لكي تتصل عليه
وتتلزّق به ايضًا: اخلصي علي عزيزة وش تبين؟
عزيزة بانهيار الحروف الحادة: راضي عن نفسك؟...دمّرتني خسّرتني الفرصة الوحيدة من إنّي أكون أم..
انهار الآخر ليلفت نظر إليه فيصل الذي اندهش من صُراخ ه ومزاجه العكر في يومٍ كهذا
: أنتي اللي جبتيه لنفسك؟...خذتك بشروط وحطيتك قدام الصورة صح؟..أنتي وش سوّيتي؟..رحتي لعبتي من وراي...وخططتي على كيفك...والحين تطلعين بحياتي فجأة ليش؟..إن كنتي تحاولين ارجعّك على ذمتي فأقولك وفري وقتك...ولا عاد ترسلين أبوك بيت جدّي...ولا عاد تروحين شقّة اخوي...
صرخت الأخرى : ما رسلت احد..ابوي من حّر ما فيه راح لجدّك وأنا رحت الشقة عشان آخذ صندوق الملابس للبيبي...ولا في نيّتي ارجع لك!
محمد بصرخة جعلت فيصل يتحدث
محمد: أجل وش تبين..
فيصل بتدخل: حميد هد...
محمد نظر لأخيه بعينيه المحمرتين
ليستمع: خسّرتني فرصة إنجاب...كان قدامي فرصة وحده...أنا أعاني من تكيّسات بالرحم...واحتمالية استئصاله بنسبة خمسين بالمية خذتك عشان..ما اخسر فرصتي..بالأخير خسّرتني...يا محمد خسّرتني وكثير...بعد..
محمد اغمض عينيه سحب نفسًا عميقًا: انتي خسّرتي نفسك لأنك ما صارحتيني برغباتك مثل ما أنا صارحتك يا عزيزة...انتي جنيتي على نفسك...بنفسك...واذا تشوفيني مذنب بحقك.. ارسلي لي تقاريرك الطبية ...وعلاجك راح يكون على حسابي..وراح اشرف عليه بعد!
عزيزة ببكاء: اقولك بيستأصلونه..
صرخ: ارسلي لي تقارييييييييرك...وانا اشوف...ما اقدر اساعدك إلّا بهالشي..غيره يا عزيزة مستحيل...ارسلي التقارير على إيميلي وانتي خابرته الحين فمان الله...
واغلق الخط قبل أن يستمع لصوت صوتها الذي اجهشت بهِ بالبكاء.
ألتفت عليه فيصل وهما في طريقهما إلى الشقة
: ما أنت طبيعي يا محمد.
.
.
أجل ليس طبيعي يشعر بالضغط من كل زاوية ، يشعر برغبته في البطش والطيش والصّراخ أيضًا، هو مقتنع بزواجه من دانة ولكن يشعر بغضبه الآن
يشعر بالحرقة من الأحداث التي انصبّت على رأسه لتُثقله
نظر لأخيه ولم ينبس بكلمة واحدة.
.
.
وبعد مضي بما يقارب العشر دقائق وصلا إلى الشقة أركن فيصل السيارة ثم نزلا..لم يأخذا إلّا دقائق حتّى أصبحا أمام الباب..اتصل فيصل على أخيه ليفتح الباب لهما
فأتاه صوته المشبّع بالنّوم: نعم..
تحدث: افتح الباب أنا ومحمد برا..
ليث نهض من على السرير رفع "اللّحاف" المرمي على الأرض
أخذ يحرّك شعره ويبعثره ترنّح في مشيته قليلًا
: وش مجيّبكم وراكم حرب الليلة...
فيصل ابتسم بسخرية: حربنا بتبدي معك...اخلصصصصص افتح...
ثم اغلق الخط..مضت خمسة عشر ثانية وانفتح الباب ودخل محمد بخطواته السريعة وتبعه فيصل
نظر لهما بوجه مكفهر اغلق الباب ثم تقدم لناحيتهما
: شصاير؟
محمد نظر لأخيه والغضب يشتعل، والظنون تشتعل ورغبة الشجّار تزداد في قلبه
: أشياء واجد..
فيصل بلل شفتيها نظر لليث: أمس قلنا لأبوي أنك مزوّج على رحيل وشب علينا...
ليث جلس على الكنبة: وهذا الشي المتوقّع..
محمد انفعل متدخلًا: واضطر اخوك يكذب عليه وقول له رحيل هي اللي شارت عليك بهالشور..
ليث صُعق: إييييييييييش؟
فيصل ارتفع صوته: كان بجيك ...وكنّا نبّيه يهدّأ ويجلس بالبيت وكذبت...هالكذبة...
ليث نهض من على الكنبة: أنت زدت النّار حطب يا فيصل..ما خففتها...
محمد نهض ورمق أخيه بنظرات غاضبة: ومن متى هو خففها..
فيصل بصرخة: محمد..لا تقروّشني بكلامك....سويييييييت اللي اشوفه مناسب...الحين صرت غلط؟!
ليث صُعق من أجواؤهما اشار لهما: هيييييييي أنت ويّاه...احترموني واقف قدامكم...خلاص كذبت...الباقي علي..اطلعوا منها...
محمد تقدم لناحية اخيه: ليث ابيك تفهّمنا كل شي...وش سالفتك؟...هااااا....ليش تزوّجت ثانية؟...وليش...اتصلت علي في ذاك اليوم تطلبني آخذ رحيل لهنا؟
فيصل نظر لمحمد وإلى لسانه الذي علق على كشف الحقائق
ليث بصداع: مالي خلق اتكلم...وبعدين تعال...لا تشغل راسك بأوجاعي اشغل نفسك بليلتك..
صرخ محمد: مممممما نيب فاهمك ولا نيب فاهم هالتعبان..
وأشار لفيصل..
فيصل نهض ليتدخل: وشششش دخّلني أنا...
محمد: ليث...اذا في شي مخبّى وقوي...قوله من الحين..وحطنا بالصورة...عطنا المقسوم دفعة وحدة..
ابتسم بسخرية فيصل وهو يحوقل
وليث تحدث بعصبية: ما في شي مهم أحطكم قدامه....خلاص مشاكلي احلها بنفسي...
محمد لا يدري كيف أتت إليه الجُرأة ولا يدري كيف لتوترّه أخذه لينجرف وراء أحاديث ربما ستسحق قلوب وتفتح جروح ونقاشات أخرى
هو غاضب وبدأ يخلط الأمور في قارورة واحدة: كنت..تكلم ركان....تقول له نفذّوا تهديدهم....غير كذا...صورتك مع البنت نفسها اللي خذتها الحين...حل لنا هالألغاز...
.
.
ارتجف شيء بداخل ليث..وبحلق بشكل سريع على فيصل الذي أخذ يحّك رقبته بحذر وتشتيت عظيم لعينيه، شعر أنه مفضوح بدرجة كُبرى وعُظمى.
تحدّث بشكل هامس: شقول محمد...
محمد اشار فيصل: فضول وكلام هالحمار اللي عندنا صار يضخّم براسي..وما صرت استحمل افكاري حولك!
فيصل نهض ليصرخ: محمد صاير تخلط الحابل بالنابل وبس ودّك تهاوش وتكلّم...
ليث اشار لفيصل بصرخة: اسكت انت...اتركه يقول اللي بقلبه..وقول اللي قلته أنت!
فيصل اغمض عينيه واخذ يتنفّس بعمق شديد.
محمد : ابي افهم..ابي اشوف...هل فعلًا انت عقلت ولا ما زلت على أيّامك....
حقًّا محمد بدأ يدخل في متاهات سوء الظّن وهو من سمح لنفسه بذلك من أجل ماذا؟
من أجل اللّاشيء ولكن أراد الحديث والتفسير يريد تخفيف ضغط ثقيل واقع على صدره
ليث: محمد...صوتك لا يرتفع...
ونظر لفيصل: هذا فضول هذا؟...هذا يسمّونه حقارة يا فويصل...تجسّس علي..وتسيئون الظّن فيني..
فيصل بلل شفتيه حكّ جبينه: كان فضول...يا ليث...كان فضول وانتهى...
ليث صرخ: الحرمة اللي بالصورة نفسها هي اللي الحين على ذمتّي...حبيت اصحّح غلطتي...عندك اعتراض دكتورنا العزيز؟
محمد انفعل: وسجن رحيل؟
ضحك ليث..وألتفت عليه فيصل ليردف: محمد علامك تخبّص....وش جاك اليوم؟...كل هذا توتر؟
محمد: ابوي وامي...والكل حالتهم حالة..أي شي يطلع بكرا ..بتتحمّل مسؤولية عواقبه يا ليث....الكل ما هوب حمل للصدمات....إن كان في شي وتحاول تخفيه...حاول تقتله قبل لا يقتلهم ويفلت من يدك....الكل يا ليث بيضغط عليك الكل...حط ببالك الوضع برجعتك معها بيفرق من لم ترجع بدونها ..جهّز ردودك وجهّز كلامك للناس بعد...
ثم مشى: عن اذنكم...
خرج من الشقة وتوقّف ليث ينظر لفيصل الذي اخذ يشتت انظاره بعيدًا عنه
لا يدري ماذا يفعل ولكن هو الآخر انسحب للغرفة لكي لا يجرم في حق فيصل الذي أخذ يلوذ بنفسه بمشاعر جمّا، هو لم يتوقّع محمد سينبثق لسانه لمواجهة ليث بكل ما يهذي بهِ سابقًا، لا محمد على يرام ولا حتّى هو..جلس على الكنبة وانحنى على رجله ليهمس
: وش سويت انا وش سويت!
.
.
.
تمكُث بركود، تنظر للأشياء من حولها بسكينة عقلها وبإنشغال قلبها، أدركت كل شيء في وقتٍ أضاعت فيه كل الأشياء التي خشت فُقدانها، شعرت بفداحة الأمر وتراكمه على صدرها، تحبّه أجل ولكن تخاف...تخاف من العقوبة سمعت حديث خالها راشد كيف صوته تبدّل إلى قسوة وعتاب..لا تريد أن تسمع نبرة والدها لتُماثل دور وصراعات مزون... لا تريد أن تخسر خُسران عظيم..لم تمت مزون تحمد لله على ذلك..ولكن قلبها أخذ يرتجف كالعصفور الواقف على طرف غصن شجرة اللّوز في يومٍ عاصف..يبس عظمها تيبّس وعقلها خرج من وعاؤه لا تدري كيف تقوقعة في صندوقها المليء بالمخاوف...كيف آل بها الأمر إلى الإنهيار وإلى إفضاح النّفس وزيادة مكيال الشكوك من حولها..ريّان استوعب الكذبة واجهها واتلفت الهاتف لتُعلن لهُ الحقيقة بشكل غير مرئي..ماذا بعد؟
الآن تقسم إنّها ندمت..شعرت بتسرّع مشاعرها بالخوف...فهي عقدّت الأمور..وابتعدت عن حُبّها مسافات طويلة..لا تستطيع أن تحدّثه الآن..ولا تستطيع أن تُبدي بإشتياقها له..ولكن هي تشتاقه...مُتعبة من هذا الشّوق..يقتلها ويتآكل عليها هذا الحنين..تريده..حتّى إنّها تريد احتضانه...تُخبره عن خوفها وعن ضياع عقلها في وقت الخوف ..حتى بها ارتبكت حماقات "فتّحت" عين الشخوص المخيفة وتركّزها على مركز الذنب التي تخشى من افضاحه يومًا.
ماذا تفعل؟
فقط تشتاق..تضمحل مع شوقها..تصغر وتتناهى في إمضاء الحياة بشكل سوِ وعادل
تشعر بتعبها يزداد مع زيادة رغبتها من محادثته وحديثه..نظرت لوالدتها التي
قالت: يمّك وصايف..طلعت لك الفستان..وكويته وحطيته على سريرك...قومي وانا امّك...ألبسيه وجربيه....
نهضت من على الكنبة..دون أن تردف بحرفٍ واحد..كادت تخطو أولى خطواتها على عتبات الدّرج ولكن انفتح الباب على حين غرّه
لتدخل عهود واصايل بينما هيلة ما زالت في منزل جدّها ترتّب الأوضاع لهن
عهود : اخبارك خالتي..
التفت سريعًا وصايف ووالدتها تقدمت لهما بابتسامة بشوشه: يا هلا ويا غلا ...هلا يمه دخلوا...
عهود اقبلت عليها لتقبّلها وكذلك اصايل
ثم قالت اصايل: جينا ناخذ وصايف معنا بيت جدي كلنا هناك نجهّز...ونسوي لبعض الميك آب والشعر..
ام وصايف بفرح وبتأييد: زين ما سوّيتوا..اي اخذوا معكم وصايف وهالله هالله بزينة بنتي..
عهود ضربت على صدرها: لا توصّين حريص ...والله لا تطلع قمر الليلة...
وصايف نطقت: ماله داعي تراها ملكة...
اصايل تتقدم لناحيتها وتتعلّق بيدها: وإذا ملكة...نكشخ ..ونستانس...
وعهود اتت للتعلّق في يدها الأخرى: ونرقص بعد..
ام وصايف شعرت بالإرتياح من اقتحام بنات عمها لجوّها الكئيب: خذوا راحتكم يا بنات ريّان وفهد ما هوب هنا..
عهود ابتسمت: حنا بنطلع بس
التفت على وصايف: جيبي اغراضك..يلا..
وصايف باعتراض: ما بروح..
اصايل سحبتها على عتبات الدرج: مو على كيفك حبيبتي...
وصايف: بجهّز هنا..
عهود : لا وين بنكشّخ بيت جدّي مع بعض...
لم تردف كلمة واحدة كل ما فعلته صعدت لغرفتها سحبت عباءتها وعهود سحبت الفستان من على السرير لتضعه على ساعد يدها..والآخرى
اردفت: يلا.
.
.
|