كاتب الموضوع :
شتات الكون
المنتدى :
المنتدى العام للقصص والروايات
رد: رواية: أحببتُ حُطاما سَبق أوان الرحيل\ بقلم شتات الكون
قلبهُ طرب اليوم...فبعد سماع موافقتها..يوم يُصبح خاملًا ويومًا طربًا..لم يعجبه أمر رفض والدها له على مبدأ في الواقع لا يهمه ولكن قبله من منطلق انه كذب من أجل ألّا يخسره..كاد يحرقها..بتفكيره..وظنونه ..ولكن الآن يشعر وبشكل خاص اليوم يتجدد حبّه لها.."عهود" لن تصبح أمنية بل واقع يلمسه يتحقق ببطء اجل ولكن المُهم تحقق..الليلة سينظر لها ..الليلة ستتوجّه عينيه برؤية جمالها الذي كبر ونما بداخله..يحبها..يحب روحها..صريح هو في مشاعره بينه وبين نفسه...رغب بها وبشدّه كاد يموت بحسرته في رفضه مرّتين ولكن الليله...سيراها..أمامه..ستبقى عالقة صورتها في مخليّته للأبد...وضع يده على قلبه..يخفق بشدة..متحمس..ومتشوّق لرؤية تلك المحبوبة مُنذ الصّغر...سمع رنين هاتفه...
سحبه ليسمع: وجع وجع...انا قلت مانيب موافق على الشوفة...
يضحك: ههههههههههههههههه ومن تكون؟
يأتي صوته الآخر ضاحكًا: اخو العروس...
ذياب : اهم شي ابو العروس موافق...
صارم : ههههههههههههههه والله ابو العروس نشّف ريقك ...صح...اسمع بس..اترك عنك الحماس...ترا الليلة بس شوفة شرعية ما هيب ملكة...خالتي تقول رجعت البيت...وش هالعجلة؟
ذياب: هههههههههههههه رجعت ارتب حالي..امي الله يهديها مستعجلة على ما تجيكم من العصر...
صارم: والله الحماس طالع من حلقك...ذياب اهجد...
ذياب: ههههههههههههههه مقهور اخ صارم؟
صارم : والله مشوار قدامك...
ذياب شتمه ليردف بعدها: إلّا تبعص فرحتي يا قليل الأدب...
صارم: هههههههههههههههه لا يا النسيب ...والله اني فرحان لكم...
فجأة انفتح الباب عليه
ليرتفع صوته: اكلمك بعدين عروستك جات...لتعثو فسادًا في غرفتي...
ضحك ذياب والآخر اغلق الخط في وجهه
.
.
نظر لها وهي تصرخ: لييييييييييييييييش ما تقولون لييييييي الليلة شوفتييييييييييييي.؟
وضع يديه على اذانيه: وجع وقص في لسانك....وش هالصوت ...
تقدمت لناحيته وصدرها يرتفع وينخفض سريعًا: بالله أنا جماد ما ينوخذ رايي؟
صارم نظر لها واشار لها بيده: خلاااص ما تبين انزلي تحت خالتي قولي مابي!
عهود بربكة: وش انزل ما نزل...
صارم ضحك بخفة هُنا: هههههههههههه لا تسوينها سالفة....اصلًا مادري ابوي كيف وافق...والثاني متحمّس بزيادة الله يهديه قلنا له...ترا البنت بعدها تبي تدرس...بس الولد ما هوب جاي يستوعب...
غاصّت في خجلها أكثر لتردف: انزين...شوف...جاية لك ابي شي...
صارم كتّف يديه: اي وش تبين؟
عهود نظرت له بتردد: ابي اشوف ذياب...اقصد ابي صورة له...
صارم عقد حاجبيه : بالله؟...يعني ما تذكرينه...
عهود باندفاع: لا وين من شفته من زماااااان....وأكيد تغيّر...
صارم : هههههههههههه طيب انتظري لين الليل...
عهود بجدية: عارفة ما راح اقدر اشوفه اصلًا....عشان كذا ورني صورته...
صارم: ههههههههههههههههه...والله انتم الاثنين مهبّل...
عهود بخجل تُخفيه باندفاعها المتذبذب: بتوريني ولا اطس...
صارم يضحك ويشير لها: هههههههههههه تعالي تعالي يبه...الحمد لله والشكر بس....
.
.
نادم يشعر أنّه حقًّا تمادى وها هو خوفه عليها يدفعه لإرتباك حماقات جديدة ..ولكن يحاول ألّا يُقدم عليها لأنه ادرك اكثر من سيتضرر في الأمر "وصايف"هي من ستتلقّى العقُوبات وأشدّها بينما حساسيّة وصايف من جميع الأمور التي تخصّه تدفعهُ للجنون أكثر على مبادىء ومفاهيم من وجهة نظره المتهوره، يحاول الوصول إليها ولكن هي قطعت كل السُبّل..جفّ قلبهُ من الإنتظار لا يقوى أكثر على هذا الصّد..يفكّر بطريقة جنونية في التهوّر اكثر لرؤيتها ولكن ما زال يتأرجح على الإقدام فيها من عدمه..خرج ليتنزّه قليلًا وليجد مُتعة تُبعد تفكيره عنها ولكن لم ينجح في ذلك..وعاد بادراجه للمنزل ليقبع في غرفته..ويخلد لنومه الطّويل كما اعتاد عليه في أوان هذه الفترة الصّعبة!
.
.
روحه عادت تستنشق عبير الطمأنينة..لم يمكث هُناك فترة طويلة لتجعله يشتاق وتحثّه للعودة مُبكرًّا ولكن شيء ما في قلبه قفز حينما علم بالنوايّا الحقيقيّة..هو يعلم بِها مُنذ البداية ولكن فكرة المواجهة كانت تقتل رغبته في العودة..ذهب إلى هُناك وهو يفكّر في وضع النقّاط على الأحرف لمواجهة أعاصيرها وعاد ليواجه رياحُها الشمالية الحزينة..جلبها هُنا بعد أن أحدث في حياتها جرحًا وشرخًا لا يُمكن ترميمه..هي قاسية قست عليه بالحديث لِتُدخله في صومعة التصديق من كونها مجنونة للدخول في عالم الإنتقام من خلال طُرق متفرّقة صدّق وها هو نادم..هي في لحظة جنون ربما اردفت كلامها ذاك ولكن العدو استغلّ مواطن ضعفهما ليهتّزا هكذا دون شعور..يتألّم..هي وجعه ذنبه وعقوبته هي مرآة ما حدث بينه وبين أمل..هي كل الأشياء السيّئة التي ألتفّت وطوّقت خاصرته لتعصرّه انتقامًا..لن يلتقي اليوم لا بشتات أمله ولا بحُطام رحيله..يريد أن ينزوي بعيدًا عنهما..يريد أن يدخل في غيبوبة لتُعيده للنقطة التي ربما كان قادرًا ليُحدث فيها فرقًا كبيرًا آنذاك ولكن عقله العصّي رفض..يريد أن يعود لِم قبل ثمان سنوات في تلك اللّحظة التي انمدّت يده ليترك نُدبة على خدها الأيمن..تلك اللّحظة ما هي إلّا عقاب وشديد وموجع..يتجرّعه بجرعات بطيئة..رحيل تبّث سمّها اللاإرادي في وريده..حينما تأتي بسرابها إليه تخنقه وقلبهُ موجوع منها وإليها كل الأوجاع ولكن لا يستطيع تغيير ذلك..تنهّد عشرات المرّات..
ليردف الآخر
: مشتاق قلبي مشتاق...
يلتفت عليه: خذ لك أحلى طقطقة الحين..
لا يسمعهم بل يستمع لضجيجه..لخوفه لمواجهة كل شيء يخّص رحيل على وجه الخصوص..رحيل ليست كأمل..تَخلق من ضعفها قوّة لم يعتاد عليها في السابق بينما أمل تستلم أمام ضعفها لتصبح مُنكسرة وتجبره على الطبطبة التي تُحني ظهره ايضًا ولكن رحيل لا تستعطفه بل تزيده وجعًا وحُنقا..وندمًا على ما فات وضيّع!
ارتفع صوته: مشششششششششششششتاق قلبي مششتاق...
ارتعب وحدّق للخلف لينظر لأخيه وهو يصفّق بكفّي ويُكمل: على قلبي الحببِين...
يبتسم له دون أن يتحدث
فقال محمد وهو ينعطف يمينًا: علامك ضايق؟
.
.
كل الأشياء باتت ضيّقة وصغيرة ومؤلمة..كل الأشياء تحاول أن تجعلني ارتجف للخضوع لتلك المشاعر الحَمقاء..كل الأشياء تُزيد نبضي وجعًا وقهرًا..أنا لا اقوى على مُجابهة هذا الشعور الذي يجعلني حقيرًا أنا لا أستطيع أن أخون أخي ولكن وجودها في ذلك اليوم يُعني أملًا كبيرًا ولكن قطعته..شعرت ببشاعة حُبّي لها..تراكيبهُ مشتتة وغير مفهومة..مبعثر لا يجتمع أبدًا..هي ليست لي..بل لليث..وقلبي لي أنا..أُجاهد هذا الشعور..أجاهد وأموت في الآن نفسه!
.
.
يردد: مشتاق قلبييييييييييي مشتاق...
انفعل اخيه متنرفزًا: وش جااااااااااااك على الشوق انت ازعجتنا!
ابتسم تلك الإبتسامة التي يُداري بها ذنب حُبّه ربما: خييييييير أخ محمد فصلت علي؟
ألتفت عليهما ليث
محمد أركن سيّارته: بالع راديو جدّي؟...من دخلنا المطار لين ركبنا السيارة وانت لق لق لق....
ضحك فيصل...ليُجبر نفسه على ألّا ينسلخ من دوره: وش دخلك ...ليش مقهور؟
ثم نزل من السيارة وفتح الباب لأخيه ليث سريعًا: تفضّل يا أمير العشّاق..
محمد نزل من السيارة واغلق الباب واخذ "يتحمد ويتشكر" على اخيه
:...الحمد لله والشكر...
ضحك بخفة ليث واخيرًا قال: رايق...
فيصل اقبل على أخيه ليقبّل خدّه ويبتعد سريعًا عن يد ليث التي حاولت دفعه: اروق للحلوين بس...
محمد : ههههههههههههههه الله ياخذك...وش جايّك يا المنحرف...
مات ضحكًا فيصل على ليث الذي بدأ يمسح على خدّه ويردف: بوسة مع سعابيل ...يا الوسخ....
فيصل: هههههههههههههههههههههه هذا من الشوووووووووق...
محمد رمى عليه مفتاح سيّارته ليلقفه: امشوا قدامي حسبي الله دخلوا الشقة وسووا اللي تبون لا حد يشوفكم ويفهمكم غلط...
فيصل التقف المفتاح..ومشوا جميعهم متجهين للمدخل المؤدي إلى المصعد..ليث سيبقى في شقة محمد..لا يريد مواجهة العائلة اليوم..وصلا فتح فيصل الباب
ثم اغلقه بعدما دخل ليث ومحمد...
ليث مُجهد ومتعب ..وجهه باهت وبهِ حديث طويل لا يستطيع أن يشرحه أو حتّى يُردف به...ألقى بنفسه على الكَنب
والقى فيصل بنفسه جانبه..وسريعًا ما أحاط بيديه خاصرة اخيه
حتّى ضجّ محمد ضاحكًا: هههههههههههههههههههههههههههه هذا شفيه اليوم جالس يدوّر حنان؟
ليث رمق اخيه فيصل الشّاد على خاصرته حاول تخليص نفسه منه وهو يقول لمحمد: وشكله يفكرني حنان؟
ثم دفعه بقوة منفعلًا: فووووووووووويصل وربي تعبان مو فايق لروقانك الماصخ...
فيصل ضحك وهو يبتعد : مشتاق لأخوي بعد فيها شي...
واخذ يُكمل: مشتاااااااااااااااااق قلبي مشتتتتتتتتتتاق...
محمد بلل شفتيه ثم نظر لأخيه: الوايرات اليوم فاصلة....ما عاد فيه تيّار يمر!
فيصل اسند ظهره للخلف وهو ينظر لهما: حقيقي...تحبون النّكد...
ليث نظر له: وانت تفصل بروقانك في أوقات غلط..
ضحك محمد: هههههههههههههه اتركه عنك....أبي اقول لك شي..
فيصل سريعًا تدخل: انا بقوله...صبر...
ليث نظر لهما: شفيكم....ليكون فيه مصيبة جديدة؟
فيصل هز رأسه وهو ينظر لمحمد: لالا...بس بكرا اخوك بملّك...
ليث: ادري...
فيصل : أفا...
محمد مبتسمًا: انا قايل له..يا حمار...
ثم ألتفت على ليث الذي اخذ ينظر لهاتفه بعد سماع رنينه
لم يُجيب على ريّان واغلق هاتفه بأكمله!
ثم قال لمحمد: وش عندك؟
فيصل بلل شفتيه واخذ ينظر لهما
محمد: ابيك بكرا تحضر...
فيصل رمى على اخيه مفتاح السيارة: وربي فكّرت بقول سالفة خطيييييرة...
محمد توجع حينما اصطدم المفتاح بقوة على كتفه اليمين: كسّر الله هالإيدين الثقيلة...
ليث ابتسم رغمًا عنه عاد يُسند ظهره للوراء: لا اعذرني محمد ما بحضر..وقتها جدي بيغسل شراعي قدام الأولّي والتالي..غير كذا في ناس بتحضر..لو شفتها تفلت في وجها...
فيصل بتعجب: الله الله....اولًا مستحيل جدي يسوي كذا...ثانيًا من هالنّاس؟
ليث بتعب:جدي شارط علي شرط ولا نفّذته..وهو بيظن اني نقضته...غير كذا مابي اخرّب فرحتك يا محمد...افرح بعيد عني..
محمد بعصبية: وش تقول ليث...دامك جيت خلاص....تعال مادري وش شرط جدي بس والله ما راح يحرجك قدام الناس...
ليث بهدوء: اترك النار هادية....ابوي بكلمه عن رجعتي واكيد الحين شاب ضو...ملكوا ...بعدها طلعت في وجهم كلهم..
فيصل : لهدرجة ليث عاد...والله ما راح يصير من اللي تقوله...لا بيشب ضو ولا غيره ..
قاطعه: مانتم فاهمين شي...غير كذا اذا حضرت والجماعة كلهم هنا...فأكيد حريمهم بجون معهم ويبون يشوفون بعد رحيل..لا افتح علي باب ما ينتسكر..ما راح احضر...لين تهجد الأمور...
فيصل بتفكير: هي الأمور بتولّع بتولّع وش فرقت بكرا عن غيره...الوعد لعرفوا بزواجك الثاني...
محمد تكلّم سريعًا: والله ما تعرف تهوّن الأمور كل تبن فيصل...
ليث بضحكة خفيفة: صادق...الوعد لعرفوا اني مزوّج على رحيل ...
نظر لمحمد: عشان كذا...اترك الملكة تعدّي على خير...وبعدها بظهر للعلن...
نهض محمد: بقوم اشتري غدا وبجيكم نتفاهم ...
فيصل ببرود ظاهري فقط: بالله اشتر مندي...
محمد مر أمامه ورفس قدمه: الله ياخذ هالبرود...
ليث ضحك على ارتفاع صوت فيصل: مقهوووووووور قلببببببببببي مقهووووووووووووور....
.
.
ما سمعه كذب..لا يصدّق ما قالهُ أخيه..شعر أنّ قلبهُ خفق ووقع في الأرض
تذكّر كلمته لها حينما قال" وبعد ثمان السنين نقول رجع الميّت حي؟!"
ضاق تنفّسه..لم يتأهّب للُقيا قلبه..لا يريد رؤية وجع حياته كلّها..موجوع ومشتاق..وغاضب عليها..كيف تأتي هُنا بعد عبور الأيام والسنين القاسية على قلبه مرورًا ثقيلًا...ارتفع صوت ابيه
: شنوووو رجعوا ....انا قلت له ما يرجع لين يصير عندهم عيّل...علامه رجع الحين؟!
قاطعة ابا صارم: يبه علامك؟....استهدي بالله ...قول الحمد لله رجعوا بالسلامة.
كاد يتحدث ابا ليث ولكن وقوع ابا فهد على الكنبة وهو يتنفّس بصعوبة اخرس حديثه
الجد بخوف: عبد الرحمن...
اشار لهم بيده وهو يتنفس ويتحدث: ما فففيني شي..
أبا ليث أتى إليه سريعًا فتح ازرار ثوبه العلوي: لا تكلّم ريّح..
ابا صارم نظر لوجه أخيه: ريّح...لا قول شي..
الجد بخوف: يبه...بالهون على نفسك...
ابا فهد أخيرًا نطق وهو يلتقط انفاسًا بصعوبة: ضاقت علي روحي يا يبه!
اقترب منه مسك كّف يده وطأطأ ابا صارم رأسه
بينما ابا ليث نهض سريعًا لجلب الماء
اكمل: روحي رجعت...بس ضايقة على هالجسد..ضايقة يبه...
ارتجفت شفتي الجد شعر بحُزن وألم وثقل ابنه..طبطب عليه: إن أوجعك كلامي ..يا جعلّـ..
نظر ابا صارم لأبيه بحذر وابا فهد قاطعه وهو يزفر الحروف من فاهه: يا جعل هالقساوة والوجع اللي احس به تكفير لبعدي عنها...رحيل رجعت....رجعت أمانة امها...رجعت وانا ما نيب قادر اغفر لها يبه...اوجعتني ...كسرتني...الله يغفر لي بهالوجع بعدي عنها...قهرتني...وقهرتها من زود الوجع اللي أحس فيه!
ابا صارم ازدرد ريقه: عبد الرحمن قول لا إله إلّا الله...
عاد ابا ليث جلس بالقرب من أخيه ساعده في ارتشاف القليل من الماء ودخلت هُنا الجده وهي تضرب على صدرها: يمه عبد الرحمن وليدي...علامه...
ابا صارم نهض لناحيتها ليقول
: يمه....
اكمل ابا فهد: ما وفّيت بوصيّة امها يا يبه...
الجده تتقدم لناحيته أتت حينما نظرت لوجه ابا ليث المخطوف وهو يركض لناحية المطبخ فهمت كل شيء من خلال قلبها الذي ادّلها على طريق حُزن ابنها: وفيت يا بو فهد...وفيت يا جعلني فداك...لا تسوي بعمرك تسذا...ما اقوى على حزنك يا عبد الرحمن...طلبتك ما تضعف!
تحدث الجد: تبي تشوفها؟
هز رأسه بلا
ليكمل: منحرج منها بالحيل يبه!
صمت ابا ليث وكذلك ابا صارم
ليكمل: خذلتها بقسوتي...وبوجع قلبي يا يبه!
دمعت عين والدته التي اقتربت منه لتطبطب على فخذه: جعلني فداك يا وليدي...بالهون على نفسك...
نظر لوالدته بعينيه الدامعتين: كسرتها...بس والله من زود كسري كسرتها وكسرت اخوها ريّان...ومنعته من روحته لها!
الجد طبطب عليه: اذكر الله يا بو فهد...لا توجع قلبي عليك...لا تجلس تهوجس...
ابا ليث: ياخوي قول لا إله إلا الله...الوقت ما مر كله.. باقي وقت.. وكل الوقت لك...تقدر تعوّض اللي تلف...
ابا صارم يريد أن يطبطب على جراحاته: قلبك كبير وبيغفر...وانت ما خذلتها...انت حطيتها امانه بيد ليث اللي ما قصّر معها...
سكت واغمض عينيه ليضج فؤاده بقهر جنوني على ابنته كونها بُعدت في السجون وفي الغُربة بقضيّة فلقت دماغه إلى ارباع..ابتعد عنها وابعد اخويها عنها من شدّت قهره وكأنه يريد ان يُذيقها ما أذاقتهُ..يعلم أنها بحاجته لا تقوى على بعده..تحبه..ترا فيه الحياة ولكن ابتعد عنها ليُفقدها الحياة كلّها..هذا البُعد أتى من رغبة لا إرادية نابعة من الغضب..ولكن ها هو مكسور من نفسه ومنها..لايدري في اي طريق يقذف فيه غضبه ليبتعد عن قلبه ويُزيح عنه ثقل قساوته...ازدرد ريقه...لا يريد أن يستمع لطبطبتهم..لا شيء قادر على تخفيف شعوره لا شي...نهض
وتحدث الجد: اجلس يا بو فهد مانت طالع من بيتي وأنت على ذا الحال...
بو فهد: مخنوق...ابي اطلع...مانيب قادر اجلس..
الجده برجاء: تكفى يا عبد الرحمن...اجلس وأنا امّك..
بو صارم نهض: اتركوه انا بطلع معه...
ابا ليث هز رأسه لأخيه وكأنه يخبره بوجوب الذهاب معه وابا صارم فهم...خرجا..وبقي ابا ليث يطمئن الجد الذي شعر بثقل حديثه على ابنه..ووالدته التي أخذت تبكي وتُعزّي حُزنها على أيام رحيل وحال ابنها ادمع عينيه!
,
,
,
وصلا..أمر رحلتهما كالحُلم مر سريعًا دون أيّة عقبات ربما لو وُجِدت لن تذلل هذه العودة بكل سلامة، ولكنهما عادا..وكل واحدٌ منهما يحمل في داخله حملٌ ثقيل..هي كانت تفكّر بوجعها المتخبّأ خلف أسوار عاطفيّة قلبها على حُبّها الحزين بينما هو يفكّر بكل ما حدث من خلال النقطة الأولى..حينما ألتقى بهم..ألتحق في رِكابهم..ومن ثم معرفته بِأبا سلمان..ارتجف شيء بداخله..ربما ضميره ولكن الأكثر خوفه من الموت..نحن بطبيعة حالنا نتمنّى الموت في بعض لحظات الضّعف من الضّيق ولكن حينما نشعر إننا نلتقيه نرتعب ونخاف..ونرتد للخلف من لُقياه..هو شعر بالخوف من الموت..وحتّى على موت ابا سلمان..قُهر قلبه في تخيّل مشهد تحاوط الذّئاب عليه بِلا حول ولا قوة..يُرعبه أن يتخيّل ذلك..ويرى ضعفه..ويرى فيه انتحاريّة روحه..رحل ابا سلمان وهذا المؤكّد..وابقى لهُ تحرير..واهداهُ حياة أخرى!..يخاف المسؤولية..يخاف من نفسه ..يخاف من عاقبة الأمور..كل شيء سقط وتحطّم..ليبقى حُطامًا مؤلم للفؤاد والعين..حينما وصلا إلى مطار الملك خالد الدولي..اضطرت هي للذهاب إلى الخلاء لترتدي اطول (جاكيتًا) لها..ليس لديها عباءة..وهي تحترم قوانين كل دولة وأخرى..وضعت على رأسها قباعة شتوية..لا تتماشى مع جو الريّاض الساخن ولكن احترامًا للقوانين ولكل الأشياء ..التي تتمثّل في ركان ارتدتها..نظر لها بتّال..خرجا معًا..ركب سيّارة واحدة..لا يستطيع أن يُناقشها الآن في شيء...لن يسألها عن ركان ولا عن الحادثة..هي مُتعبة..ومحطمة..تتوجّع من الجُرح ولكن لا يستطيع أن يأخذها لأي مستشفى لا يريد توريط نفسه..لذا..ذهب بها إلى إحدى الفنادق..سيجعلها تمكث هُناك لن يأخذها إلى منزله.
لا يُريد أن يُثير غضب والدته..ولا حتّى جنون تحرير في فهمهما المغلوط له..ابقاها هُناك..وأوعدها غدًا سيأتي لنقلها إلى ركان..ولكن يريد اليوم أن ترتاح..خرج..سريعًا للتسوق قام بشراء عباءة و"حجاب"..وفطائر وعصير الليمون لربما يهدّأ من اعصابها التي تُلفّت خلال رحلتهما الطوّيلة..بينما هو قام بشراء خط سعودي..ليستطع فيه التواصل معها..وقام هو ايضًا بالشراء لنفسه وتبادل الأرقام..تحدث معها بهدوء..ولكن ما زالت
باهتة تكرر: ركان..
هّز رأسه بتّال: بكرا بجيك...نتفاهم وآخذك له...الحين انتي ريحي نفسك...
سوزان بعينين دامعتين: مش حئدر..عاوزة روح لِيه..
بتّال ازدرد ريقه: لازمتك راحة..انتي حامل..لازم تاكلين وترتاحين...بكرا قلت لك بجي..
سوزان نظرت له بشك: ماخذني كرهينة؟
كاد يضحك ولكن لا مزاج له..حقًّا لا مزاج له: لالا...بس بليز ابقي اليوم هنا..وبكرا ارجع لك ..ما اقدر اطوّل هنا..انظمتنا غير..ولازم نحترمها..حاليا بروح عند اهلي..صارت الساعة
نظر لساعة يده: تسع الليل..مابيهم يقلقون علي..
لن تشك بهِ أكثر..قلبها لا يحتمل الشّك الآن..هزّت برأسها علامةً للرضا ودّعها بتّال بالكلام ثم رحل وهي اغلقت الباب.
وارتجف جسدها من جديد..لم تسيطر على انهياراتها التي فاضت في هذِه اللّحظة..جثلت على ركبتيها ليستند ظهرها على الباب..بكت وكأنّها تريد هذا الإنفجار لترتاح..تحتضن بيديها بطنها..خف الألم ولكن ذعرها باقي..تحبه لا توّد أن تجرحه..لا تريد أن تُبكيه..ولكن الظروف تُجبرها.
.
.
وقلبي بك عالقٌ في منايا الحُب، يتجرّع لوعات سكرات الموت بالهيام عن بطء شديد، لا أقوى على هذا الشعور بعد الآن..ليس بي طاقة على تمكينها لي في الوقوف يا ركان..حُبّك يضعفني ويشدّني للهاوية..الهاوية التي تدفعني للاشيء..ربما هي تدفعني للبؤس..للُقيا مرآتي التي تُعكس سوداويّة ما عاشتهُ أمي ولكن بطريقة أخرى..بطريقة أجمل..بمشاعر أرقى..وبرجل أجدر..ولكن لا شيء مُكتمل يا ركان..هذهِ النوّاقص أوجعتنا..خلّدت في ذاكرتنا ألم ما إن ترف اجفانُنا عليه بكينا..بكينا يا ركان بكينا وكثيرًا!
.
.
اخرجت ما في جوفها من بكاء ثم أستلقت على الأرض..لا تقوى على النهوض ولا حتّى على المشي..بقيت مستلقية على جانبها الأيمن تُقرفص رجليها لتلصقهما في بطنها التي تحتضنه بيديها..تبكي "بنشيق" مُحزن...ثم اغمضت عينيها لتحاول الخلود للنوم.
.
.
ركب سيّارة أجرة ليذهب إلى البيت..عقله وتفكيره مشغول بأبا سلمان..وفي لحظة تهور وهو في الطّريق فكّر بالإتصال عليه ولكن تذكّر تحذيراته..وانصرف عن الفكرة..ما سيحدث لهُ كارثة مُظلمة..أحقًّا هي مُظلمة يا بتّال؟ ابا سلمان اخبرهُ بكل شيء..بكل شيء أجل..هو خُدِع من قِبلهم كما فعلوا بهِ استمالوه لناحيتهم..طوّقوه ..واخبروه بمهمته التي من المتوجب عليه القيام بها..جعلوه يخرج أمام ليث..بوجهة الشبيه لسلمان..سلمان الرجل الذي سرق الحياة من الجميع..سرقها من ابيه ومن حتّى صاحبيه..ليتهُ خضع لهم..لكان حيًّا الآن..ولرضخ ليث بكل قوانينهم..ولكن سلمان كان متنرفزًا من هذا الأمر بشكل جنوني حتّى أوقع نفسه في هفوات الموت..وأوجع قلب ابيه المخدوع ليصبح على هذِه الصورة..ولكن..ابا سلمان طيّب..حنون..لم يرى سوؤه مباشرة..اهداء الطمأنينة..حاول مساعدته في الإقلاع عن الشراب والإبتعاد عن المُلهيات ..ليتجه في طريق آخر..ربما طريق شر ولكنه أخف من وجهة نظره..بتّال يتفهمه..كان يريد أن يصحح اعوجاج عوده من أجل تحرير ولكن بتّال..لم يتوقف عن تحقيق رغباته واتّباع شهواته..التي باعدت بينه وبين زوجته لمدة خمسة شهور!
.
.
مسح على رأسه..نظر لهاتفه..سجّل رقمها..واتصل
وأخذ ينتظر..لم يتبقى من طريقه لمواجهتها إلا خمس دقائق تقريبًا
اجابته: هلا بتّال..
بتّال: أمي جالسة؟
يعلم أنها تنام في وقت مبكّر..لا تطيق السهر..تصلّي العشاء..تأكل الخفيف ثم تنام
ولكن يريد أن يتأكّد قبل
: لا نايمة..هي واخوانك..
انعطفت السيارة ونظر للبيوت التي تكبر أمام عينيه شيئًا فشيئًا..وصل قبل الخمس دقائق..اخطأ في الحساب!
اردف: انزلي فتحي لي الباب.
سكتت وكأنها تُرسل له وتُهديه صدمتها..بللت شفتيها
: انزين.
اغلقت الخط..واغلقت في حياتها محاولة النّسيان...النّسيان امرٌ صعب وحينما ترجو نسيان شيء يتكاثر في داخلك ليجبرك على عدم نسيانه..محاولتها في نُسيانه ما هي إلّا محاولة في تركيز صورته في قلبها أكثر..لا تريد رؤيته..هي بالكاد تجاوزت مشاعرها الملخبطة التي لا تنضب حول شبيه عشقها السّابق..اتصالات عمّها في الأوان الأخيرة..وهو يردف لها
بصريح العبارة: انسي سلمان...الحي ابقى من الميّت يا تحرير..ألتفتي على حياتج..
تحرير بشك: بتّال مكلمك؟
يجيبها بهدوء: لا..بس اعرفج...مينونة بحبج لوليدي..لا تهدمين حياتج وعندج ريّال مثل بتّال..سلمان مات خلاص..لا تقبرين نفسج معاه وأنتي حيّا!
تحرير اختلجتها نبرة بكاء: عمي ما اقدر..بتّال ويهه يجبرني اتمسّك بسلمان...
|