كاتب الموضوع :
شتات الكون
المنتدى :
المنتدى العام للقصص والروايات
رد: رواية: أحببتُ حُطاما سَبق أوان الرحيل\ بقلم شتات الكون
.
.
تقف بشموخ العلم ومعرفتها التامة بكيفية الإلقاء وكيفية الطرح لجذب انتباه من هم ينظرون وينصتون لها تُكمل جملتها" شكرا لكم جميعًا" ،يضج المكان بالتصفيق لتبتسم وتميل برأسها لناحية اليسار احترامًا مشت خطوة لتتقدم لمصافحة المدير القائم على رأس هذا المؤتمر، ليأخذ مكانها في الإلقاء ثم نزلت من على العتبة لتنزوي في ذاكرة اللامجهول، اصوات الكاميرات وهي تلتقط صور لأرجاء المكان ارتفعت.
ابتسمت تُجامل الوجوه التي تنظر لها، عاد الغثيان وعادت أوجاع الحُب لتتمكّن منها، جالت بانظارها لتسقط على شاب وسيم يبتسم لها وهو يتابع التسجيل لكلمة المدير، ابتسمت له على مضض ثم نهضت معتذرة من الرجل الذي عن يمينها ليترك لها مجالًا للعبور من امامه، ستذهب للخلاء لن تتمكّن من تهدأت معدتها بالتجاهل هُناك رغبة ملحة في لفظ عُشق يُثلج صدرها ويذيبه على عتبات الهُيام
مشت بخُطى تحاول ان تجعلها منتظمة ليضج صدى صوت طرق حذاؤها "السامري".
خرجت من القاعة وهي تُكمكم بطريقة خجلة فمها عجّلت بخطواتها، ليزداد الطرق مُعلنًا حالتها الطارئة، مشت...لتدخل للممر الآخر من الجهة اليُسرى لتعبر الرّواق والوجهة المطلّة على المسبح الخارجي المعزول عن الأنظار في الواقع والمنعكس من خلال الزجاج.
دلفت الباب سريعًا لتنحي على طرف المغسلة...افرغت بِلا كبح سائل كاد يقتلها قبل قليل، اخذت تكح وتبكي، تشتاق لهُ تريد ان تنعم معه في حياة جميلة وبعيدة عن كل ما يشوب تعكير صفوة حبّهما.
انتثر شعرها للأمام ليخفي وجعًا غائرًا في الفؤاد، مزاجها متغلّب وهرمونات الحمل جعلتها تتذكّر والدتها بشكل مكثّف ودّت"لو" لم تمت و"لو" من الشيطان ولكن سمحت لهُ في احداث الضجيج الذي يأكل من عقلها الشيء الكبير، لا تستطيع أن تغيّر من وجهة تفكيرها بأمها ولا بركان.
.
.
بداخلي بركان انفجر...اشتاق لأمي لصوتها الحاني الذي افناه الموت
لطبطبتها وتسكين أوجاعي، اشتقت لسماع لفظها حينما اعود من القاهرة وتتصل لتطمئن" توحشتك"، انا سأصبح مثلها لألقّب بـ"أم" ولكن اخشى من أخذ مصيرها لأجعل طفلي يتيمًا في وقت هو بحاجة إليّ اشد الاحتياج، لا اريد ان اموت ...اخشى الموت...واخشى من حزن طفلي يومًا فأنا لا ادري ما الذي قد يحدث فيما بعد انا بعيدة عن حياة ركان الآن.
وركان لا يعلم عن تلك الهدية التي تركها في حياتي، لستُ قادرة على تفسير ما يحدث وما قد سيحدث.....ولستُ شجاعة لقول"ركان أنا حامل" انا خائفة.....مسمومة بالقلق اخشى من اخبارة ليأتي طوعًا هنا وافتقده للأبد...انا حقًّا أعيش مصير مجهول....انا ذنب ركان وركان لا ذنب له!، ربما ذنبه حبه لي...وعشقي له اثم عظيم!...يترك ندوبًا على قلبي ...ندوب لا تشفى إلّا بعد الارتماء في حُضنه.....انا بحاجة لحضنه....ليديه الكبيرتين في تغطية مساحة خوفي من كل الأشياء...لا أريد ان اتجرّع هذه اللّوعات ولكنني مجبرة للتكفير عن اثم عُشقي!
.
.
غسلت وجهها مرّة ومرّتين ولم تُبالي للمساحيق التجميلية من ان تُمسح او تشوّه ملامحها المُتعبة...تبللت اطراف شعرها...رفعت رأسها لترفع جذعها تمامًا....أخذت تنظر للكحل الذي خُطّى اسفل جفنها...سحبت الحقيبة لتضعها على المغسلة فتحتها واخذت المناديل لتمسح المساحيق التجميلية وتعيد ترتيبها بكفّيها المرتجفتين...عاد الغثيان....ما بال حالها اليوم؟
لم تستطع ان تكبح هذا الشعور ابعدت الحقيبة وعادت لتنكب على المغسلة وتتجرع ألم تقلّصات عضلات بطنها في محاولة اخراج ما في معدتها من ماء في الأصل!....كحّت مرة ومرتين....اخذ جسدها يرتجف لؤمًا....رفعت رأسها.....اخذت تجّر انفاسًا متتابعة ....ادخلت يديها في الحقيبة لتبحث عن "علك" خالي من السكر...لتعيد بهِ اتزان معدتها ولكن تفاجأت حينما دخل رجل للخلاء!
هو صُعق وهي اندهشت لتلتفت للوراء وتكتشف الطامة....دخلت خلاء الرجاء....عينها اليسرى اخذت ترمش بعدّة مرات حتى سقطت دمعة تنّم عن جهدها المبذول.....خجلت منه سحبت حقيبتها
همست بالفرنسية لظنها انه ليس عربيا وفي الواقع ملامحه تدل على عربيّة اصوله ولكن رهبتها اوقفت عقلها من التفكير(مترجم): آسفة لم أكن اعلم...انه خاص...
شعر برجفتها ونظر لبعثرت الكحل والذي كان له دورا في جعله ينصدم، كانت تقرأ الخطاب برقي وروح مليئة بالثقة ووقوف شامخ بجمالها المُبهر وهنا تبكي لماذا؟
اشار لها (مترجم): لا عليكِ.
وهي تخرج سحبت حقيبتها متنرفزة من الوضع شتمت نفسها بالعربية ليلتفت: هو دا اللي نائصني بآ....
تحدث: القاءك جدا جميل...وواضح المستشفى اللي تشتغلين فيه له سمعته....
جمدت في مكانها ويدها تعلقت على مقبض الباب كيف؟ عربي اذًا!
لم تلتفت ولكن سمعت صوت هدير الماء، كان يُغسل يديه المتسخة بعد أن سُكب العصير عليه وهو يمشي بخطى سريعه ليسجل كلمة المدير الأخيرة اصطدم في"النادل" لينسكب على بدلته واخذ يزيل البقع بيده لانه لم يملك منديلًا وزاد الأمر سوء، اضطر لينحني ويغسل البقعة من امام بطنه ثم سحب نفسه للوراء وسحب منديل معلّق من امامه....نظر لتجمدها
ليمشي ويصبح بجانبها ابتسم بهدوء: معاك بتّال من السعودية .
عاد الغثيان من جديد، وهرعت راكضة لناحية المغاسل ليتعجّب منها، تركت الحقيبة من يدها لتسقط على الأرض وتنحني لتقتلها زفرات اخراج الحنين لركان....افرغت ما في جوفها واخذت تكح وتذرف دموع....حاولت ان تسيطر على جنون معدتها ولكن لم تستطع....تبللت هذه المرة ملابسها بالماء....اغمضت عينها بعدما افرغت هذا الوجع...ارشحت وجهها عدّت مرات ثم استقامة في وقفتها لتلتفت وتسحب حقيبتها...انحرجت من نظرات بتّال وهو يمّد لها منديلا
...مدّت يدها له وسحبت المنديل لتنشّف به قطرات الماء من على وجهها
: عن اذنك.
فقال: انتهى المؤتمر...
هزت رأسها وخرجت ليتبعها، جمالها في الواقع اثار بداخله اشياء كُثر تدفعه للإنجذاب بها، تبعها يريد ان يخلق حديثًا معها بينما هي خرجت تريد العودة للفندق
سمعت صوت من خلفها: تعبانة؟
ثم اصبح عن يسارها نظرت له وبصد اكملت طريقها بصمت
فقال: محتاجة شي؟
توقفت هنا، هي بحاجة كُبرى "لعلك اللّبان" سحبت نفس عميق
ثم قالت بلهجة لم تمارسها بشكل كبير ولكن ستترك اللهجة التي تضج بالحنين لوالدتها لكي لا تتألم بذكرى ركان ايضًا: عاوزة علك...
زمّ شفتيه: للأسف ما عندي...
ثم همّت بالمرور من امامه ولكن قال: اذا تسمحين لي....ننزل تحت تطلعين برا حتى تشمّين...
قاطعته وهي تلتفت وتمشي في الآن نفسه تحدثت: انا حامل!
نظر لها بعقدة حاجبيه وكأنه خسر فرصة....انحرج....وهي عادت تمشي للأمام قطعة عليه سُبل "التطبيق" عليها ...ولكن في الواقع تبعها!
.
.
.
اثار زوبعة في قلوبهم ثم خرج ليترك للغضب مجالًا في الإنخفاض
ربما الماضي يقتل اباهم بسكون الأحداث البسيطة التي تحدث لهم الآن
ابا سعد من المحتمل ما زال يحمّله مسؤولية خرجت سيطرته عنها، وجه ابيه في لفظ الحقيقة كان موجعًا ولكن ما باله يصّر على معالجة الأمور لوحده، لماذا يبعدهم عن طريق ابا سعد ليتصدّى أذاه لوحده؟
لماذا يُجبر قلوبهم على تجرّع لوعة الانقهار والإجبار؟ "دام" الحديث انفتح لن يغلقه...نهض...وتسارعت خطواته لناحية الباب
: لازم اعرف شنو السالفة بالضبط؟
خرج وترك خلفه اخويه اللّذان صرخا خوفًا على ابيهم!
بو صارم: بو فهد وقّف......دام حالك كذا لا تكلّمه.....مانت في حال نقاش وانا خوك.
بو ليث مشى خطوات شاسعة: والله انك بتذبح ابوي...تعال.....بو فهد تعااااااال....
.
.
بينما هو تبع خطوات فضوله وغضبه وقهره من الوضع الذي يعيشه مع والده، الوضع الذي جعله يبتعد عنه خطوات شاسعة...غير مُبصرة للنور....متجهّة للعُتمة التي تُثير الألم في لُب عقله....علاقته متوترة معه بشكلٍ يُثير غبار الماضي بوجع رحيل وبقاء حُطامُها الذي لم يحبّه قط!
دخل وسط صالة منزلهما لينظر لوالدته التي تقبع على الجلسة منحنية قليلًا للأمام تنظر لزوجها الذي يعبث بسبحته وشارد بذهنه يسمعها تقول
: علامك؟.....تكلّم وش اللي مضيّق صدرك؟
تقدم هنا، ضيق صدر أبيه واضح ومرئي أمام الأعين، تنهّد ومشى بخطوات متباطئة واخوته دخلوا من الباب ليتركوه بعد ذلك مفتوحًا نظروا لهم وصدورهم تهوي بخوف اشتعال الحديث بين الأب وابنه
نظر ابا فهد لوالدته التي نظرت لهم بتعجب لدخولهم عليهما بشكل مُريب ومفاجأ
ونظرت لزوجها الذي بات يحدّق في وجه ابنه ابا فهد بتحديق دون أن ينبس بكلمة واحدة!
قال ابنها: حلفتك بالله يبه تقول لنا وتوضّح السالفة اللي احنت ظهرك وصدّعت صدرك بحزن وثقل مسؤوليتنا كلّنا!
الجدّه فتحت عيناها على وسعهما لتتضّح صدمتها التي اختلجت تجاعيد الوقار بقلق وحيرة
همس ابا صارم: عبد الرحمن....لا تضغط عليه....ياخوي...هد من نفسك..بعدين نتفاهم...
بو ليث تقدم لناحية أخيه واخذ يؤكّد حديث سلطان :بو فهد.....تعال.....اجلس واذكر ربك بعدين نتفاهم....
بو فهد اقترب من ابيه مبتعدًا عن أخيه ابا ليث
تقدم ثم انحنى عليه ليقبّل رأسه ويده: يبه انا ما هوب قصدي ارفع صوتي على صوتك ولا هوب قصدي اطلع عن شورك... كلمتك يا يبه تمر على رقبتي ولو بقيت تقصه وتقطعه حلالك....بس يبه اسألك بالله تشوف اللي تسويه صح....أنت مقتنع فيه؟
الجدّه بصوت منفعل: شتقول يا عبد الرحمن..... ارفع علومك!
ثم نظرت لابنيها: شصاير؟
الجد نظر لابنه، نظر لحزن الثمان سنين التي انطوت عليه وحيدًا، نظر للتعب الذي يختلج بؤبؤ عينه، كسره بالصّد والبُعد وقهر نفسه الآن صدّ بوجهه عنه لا يريد أن يستمع لحُزن أول ثمرة زواجهما وحبّهما الذي ولِد بعد العشرة وبعد الإحترام المتبادل....يُكسره ان يرى ابنه في هذا الحال...مُتذبذب يبحث عن رضاه ويخشى عليه من الإنهيارات العاصفة والتي تقبع خلف ثنايا قلبه..هو الآخر متعب..في قلبه حُزن عميق..وأوطان من الأوجاع..لا يريد من وجه ابنه يثقب دائرة ضعفه لينهمل كل شيء أمامهم.
: يبه انا عارف بسالفة بو سعد جعله ما يشوف السعد ولا يطوله....هو يبيك ترجع للديرة صح؟
ابا صارم نظر لوالدته التي قالت بانفعال: لا ماحنا براجعين لهناك ولاحنا مستقرين فيها للأبد......نروح زيارة ونرجع اي....لكن نجلس ولا كأنّ صار شي...لا بالله ما سوّيتها وانا بنت ابوي!
ابا ليث اقترب هنا احتار من الأمر اخيه اخبرهما عن سبب خروجهم من "الديرة" ومجيئهم هنا ، ولكن يخشى من أمر خفي لا يحبذان اخبارهم به، بينما ابا صارم بلل شفتيه ليستعد إلى المصيبة الجديدة، حاول أن يسحب هواء بكميّة كبيرة لتهدأت قلبه المُعتل!
الجد تحدّث بصرامة: ماحنا براجعين يا حسنا....كرامتي اللي انهدرت هناك رجّعتها يوم اني جيت لهنيّا.....بس ليتهم يكفّون شرهم عني....ليتهم....
الجده بخوف: صاير شي؟....وش هالشر اللي طالك منهم؟
ابا صارم اقترب منها مسك كف يدها: ما في شي يمه....اذكري الله....
نظرت لحال ابناؤها الثلاثة وضياع الحديث من فاه زوجها الذي ينظر لابنه عبد الرحمن بتجاعيد جفنيه الحزينتين من ماضٍ لدغة وبثّ السّم في جسده لوقتنا الحاضر هذا
أثقل عليها القلق!
بو فهد شد على كف ابيه: يبه وش صاير؟.....انا وعلي وسلطان كلنا نعرف.....ليش جينا هنا....وكيف الكل صار ضدك على سالفة المخدرات!
نظر أبيه إليه بغضب وحنق......وكاد يتحدّث ولكن قالت
الجدة بانفعال: ما تحفظ السر يا عـ...
قاطعها ابا صارم: يمه....هذا مو سر...هذي حياتنا كلّنا...والمفروض عرفنا عن هالسالفة من وقتها......وحطّينا حد للقيل والقال!
بو ليث نظر لابيه: ليش تخبي علينا....وتحمّل نفسك فوق طاقتها.....ليش؟
بو فهد طأطأ برأسه وهو ينظر لأبيه الذي يجول بانظاره لهم بصمت
فقالت الجده: انسوا السالفة ولا عاد تذكرونها لا قدام حريمكم ولا قدام عيالكم.....انسوها الله لا يعودها من ايّام كّنها كدّرت حالنا وبدّلته من حال....لحال ثاني!
بو فهد بهدوء:يبه وش يبي بو سعد؟
مسح على وجهه وهزّ بيده العصا، ارتجفت كفّيه المتجعدتان بحمل هذا الأمر الذي هرب منهُ ليحفظ ما تبقى من كرامته شيء ولو كان بسيطًا....لم يتحمّل النّظرات والهمز واللّمز....والتنابز الذي ظهر بثقله على ظهره ليُحنيه ويكسره....خرج ليترك وراؤه بصمة لا صحّة لها من الحقيقة والواقع..هرب من المحيط الذي نبذه..هو موجوع..والأحداث التي حدثت لحفيدته اثقلت اعتاقه...فهو رأى شيء يُجدد عليه حزنه ليقسو بطريقة تُخرس فيها أفواه المجانين قبل آخر شخصٍ قد يكون اعقلهم.
ليقول بو ليث: ما راح نسوي شي انت ما تبيه يا يبه بس قول لنا....وش يبي....لا تتركنا ضايعين كذا ونفهمك غلط....صحّح افكارنا عن هالموضوع!
بو صارم ساكت ينتظر نطق ابيه، ولا يوّد التحدّث لكي لا يُثقل عليه فمعالم وجهه التي أخذت تتقلّب ما بين الغضب والإنكسار الواضح على مرتسم حاجبيه المعقودين اخافه!
الجد ضرب بالعصا على الارض ليصدر صداه على مسامعهم ضجيجًا اجبرهم على السكون والسكوت لينظروا إليه باهتمام مبالغ فيه من شدّت خوفهم من الكلمات التي سينطقها، تنهد بضيق وبصوت عالي زفر، تحوّل وجهه إلى الاحمرار ليعقد حاجبيه لينّم عن ضيقه، نظر هنا إليه ابا فهد
: يبه...
الجدّه خافت على زوجها، وألتمست شيء آخر، جالت بنظرها على أبناؤها لتهمس بشفتيها المرتجفتين: عبد العزيز.....هالرخمه وش يبي منك؟....ليش ينطري لي اسمه بعد هالسنين....شسالفته يا بو عيالي....تكلم....لا تجلس تسكت...تخليني اهوجس ...تكلّم....
بو صارم اقترب منه جثل على ركبتيه ليصبح عن يسار والده
تحدث بهدوء وقلبه غير مطمئن:والله ما راح ازيد ضقتك ضيقتين يا يبه....دانة خلاص لمحمد.....ما عادني مضايقك ولا راح اراددك في شي...بس تكفى يبه لا تجلس كذا لا تقهر نفسك...
بو ليث كاد يتكلم ولكن ارتفع صوت الجد: بعد ما خرّب سمعتي وشوّها بين العربان والخلايق......بعد ما لقّبني ببيّاع المخدرات في السوق...وكرّه النّاس فيني ....وجبرهم يبتعدون ولا يساعدوني.....الحين يرجع.....يطلب السماح...ويطلب القرب......عشان نصير نسايب...وننسى اللي فات ....بعد ما هدر كرامتي.....وبعد ما طعن بظهري...يطلبني السمّاح قدّام الجماعة وطلب يد بنيتّي دانة....
الجده بانفعال: اللي تقوله صدق؟.....وش تقول يا بو عبد الرحمن.....هذا جن .....ولا ناويها شر؟
بو ليث التفت عليها: يمه اهدي...اذكري الله....
انفعلت:يخسى ياخذ من بناتي لعياله الرخوم...ما عاد إلّا هي....يروح ياخذ لهم بنات عمهم ولا ما عطوه قليل الخاتممة؟
ابا صارم: يمه هدي اعصابك.....ما راح يصير شي من اللي يبيه....
ارتفع صوت بو فهد هنا: يخسى ياخذها ....ورجعه لهناك ماحنا براجعين....وان كان يطمح لهالشي يروح يبلّط البحر!
الجد بجدية: ولا عادنا بنعود للديرة لا بزيارة ولا باستقرار.....هنا راح نجلس لين اموت.....بو سعد ما يطلب السماح من الله....ولا هي من نيّته اصلا...لا بالله...هو يبي يقهرني وبس .....ويبي يطلّع علي كلام مثل عادته......وجاني من اليد اللي توجعني وهو يطلب السماح....و...يوم طلب بنتك يا بو صارم...
ونظر لابنه: طلبني اياها قدّام الجماعه لم رحت قبل ثلاث شهور هناك عشان اشوف ديرتي اللي ربيت فيها سنين وقلت منها اشوف جماعتي اللي حطيت لهم قدر على راسي وعيني إلّا اني اخطيت بذا الشي!....الوكاد هالبو سعد....كان يبي يصغّرني قدامهم ويطلّعني انا المخطي...طلب السماح قدامهم.....وطلب يد بنتك.....بنفس الوقت.....ما كانت بيدي حيلة غير اني اقول انها مخطوبة لولد عمها وخطبة المسلم على اخيه المسلم ما تجوز.....سكت....وبعدها طلعت.....من المجلس قبل لا يقول يبي وحده ثانية من بناتكم...أنا فاهمة زين...حركته هذي ما هيب إلّا مساومة على كف شره عني..ولكن انا ما اساوم حفيداتي ولا ارضى عليهم من هبّت الرّيح...طلعت من فمي هالكلمة عشان اسد حلقة واحط حد..لكن بشوفة عيونكم..
بو فهد اشتد قهره على افعال ابا سعد الحاقد!
الجده:هذا فصخ عقله؟.... من يوم يومه نذل...غرّته الدنيا بالجاه وبكم الريال اللي صار عنده نسى ايّامه الصعبة ووقفتك معه....الله ينتقم منه...ويسلبه راحته...
بو صارم قبّل رأس والده ليهوّن عليه فوجهه وطريقة تنفسه اخافته في الواقع: زين ما سويت يا يبه....وبو سعد هذا الله حسيبه....حسبي الله ونعم الوكيل فيه....
بو فهد سكت منحرج من ابيه ومن طيش حديثه في بداية الأمر واستفزازه له ليجعله ينفجر بالحقيقة وبلفظ وجعه!
الجد: بوصيكم وهذا انا اقولها لكم.....ان كنت حي ولا ميّت لا عاد تطب رجولكم للديرة...ابد!
ببو فهد: يبه لا تقول كذا ....لك طولة العمر ان شاء الله...
بو ليث بغضب: بو سعد هذا محتاج من يربيه على كبر..
الجده: علي.....والله ان رحت وتهاوشت معه....لـ...
قاطعها الجد: علي ماحنا راعين طلايب....ولا انا ابي اوصلها مواصيل ما تنتهي.....بو سعد ما يقدر يسوي شي.....
بو ليث بصوت مرتقع: وش اللي ما يقدر!.... وهو راح في ذيك السنة يدور في ولدي انه سربوت وخربان......ولا نسيت؟
الجد انفعل واشار له بعصاته:....وقتها صدق ولدك سربوت.....احد يسوي سواته....يكذب علينا كلنا..... هج يسافر عشان يدرس وهو راح يبربس من وراك......لو انه محترم نفسه ما ترك عظم للكلاب وخلاهم يتكلمون.....لو أنه رجّال وقتها ما ترك للعدو فرصة يتشمّت فيني!
سكت، لا يستطيع ان يبرر لأفعال ليث السابقه، فابنه وقتها صدمه...لم يكن ليث متزنًا في افعاله أبدًا...انكب على وجهه لتُثقله الذنوب ...وتُرهق قلوبهم أحاديث النّاس عنه....مسح على وجهه واشاح بنظره عن أبيه!
فتحدث الجد مكملا بصوت مرتفع ووجهه محتنق: ولم صارت سالفة رحيل اختبصت وخفت يوصل له الخبر.....ووقتها لو واصل كان علوم!...بس ربي ستر...واضطريت اترك ليث يجلس هناك معها.....واصلا هذا اللي المفروض اللي يصير.....هي بالاول والاخير زوجته....ما هوب عدل عليه يرجع هنا وزوجته تتحاكم سنوات ببلاد الغرب!
الجده: صادق وشورك في محلّه......يا بو عبد الرحمن....ليث ملزوم في زوجته ومجبور على وقوفه معها في الرخاء والشدّة!
اكمل الجد وهو يلتفت على ابنه سلطان(ابا صارم): ودانه......خايف عليها من القيل والقال في المستشفى .....خايف تغلط غلطة بسيطة وروحون يكبرونها هناك.....
وبغضب اكمل: بو وافي... ولد اخوه..... رعد اليتيم....دكتور....وقد قالي انه يعيل امه وساكن بالخبر واظنه يشتغل بمستشفى الفاهد اللي تشتغل فيه بنتك يا سلطان.....انا ما نيب بحمل الظنون والشكوك.....انا خايف عليكم وعلى عيالكم......بو سعد ما قصّر لمّع صورته بين العربان وخرّب سمعتي....مابي يطول شي من هالخراب لبناتي ....هو يبي يثبت للكل سوء تربيتي و ويبي يجبرني حاليًا ارجع لهناك...ويترك اعيال عمومتكم يدّخلون فيني.....رغم انهم شايلين يدهم عني وعنكم سنين....بعد الفضيحة اللي صارت.....وانا مستحيل ارجع للمكان اللي انطردت فيه سواء كانت الطردة مقصودة أو لا!
وكأن الغضب اخذ مأخذه ليجعله يوضّح امور خفيّة عنهم، اخذ يرسل لهم نواياه ليصمتوا اليه خشيةً من التحدّث واتعاب فؤاده الذي استنزف طاقته كلها،
تحدثت الجده: لا اله الا الله ...الله اكبر عليه هالظالم....حسبي الله ونعم الوكيل....
نظر لابا فهد: بس مانكر اني مقهور على رحيل يا عبد الرحمن.....مانكر اني خايف سالفتها تنتشر بين العربان وتصير الفضيحة فضحتين.....والكل يدخّل لي في سالفتها.....وندخل في سوالف الدّم والعار..
غصّ في الوجع، ها هو ابيه يضربه على وتينه الذي سخن من الأوجاع وتفجّر من القهر، بما يجيب ابيه؟ هل يجيبه بأنه خائف هو الآخر من الفضيحة وتلطيخ اسمه ام يخبره انه خائف عليها ولكن لا يريد إظهار ذلك؟ لأنه مُتعب!
احنى رأسه
لينطق ابا ليث: يبه اترك عنك الكلام وهدي نفسك وقول لا اله الا الله......بإذن الله ما هوب صاير شي....وبالأوّل والأخير حنّا المسؤولين عن عيالنا.....ما هوب هم...
ثم تذكر امر عودة ليث ابنه دون الوفاء بالوعد الذي قطعه مع ابيه، وانخرس من هذه المصيبة والده غير متاح للحديث ولا يريد الآن ان يضغط على اذيال غضبه لتتكاثر حنقًا ووجعًا عليهم!
قال ابا صارم: باذن الله يا يبه بكلم دانة.....وما راح يصير الا اللي...
قاطعه: اياني وياكم انت وعلي تكلمونهم عن الحقيقة وموضوع بو سعد....لا تفتحون عيون عيالكم على ماضي راح وولّى....
الجده بحزم: صادق ابوكم اللي فات مات....لا عاد تنبشون لهم بالماضي وتثيرون الحمية بنفوسهم وتفتحون ابواب ما تنتسكّر.....
بو ليث نظر لاباصارم ثم لاخيه ابا فهد الذي ابتلع صوته على طاري ابنته
: ما راح نقول.....شي....وبندفن السر هنا ولا هوب طالع لهم....باذن الله محمد راح ياخذ دانة......بدون ما نقول لهم الاسباب...
بو فهد نهض على مضض:عن اذنكم.
وتابعه ابيه بعينيه وهو يخرج
الجده: ما كان له لزوم تقوله الحكي اللي يوجع قليبه....
الجد بانفعال: كلمة وانقالت....يا حسنا...ولا بعادها ترجع.....ولا راح يتغير شي....بنته اوجعتني..وبالحيل..هدّت حيلي..ولو يوصل خبرها لهناك.....ما راح نعيّن خير...وخايفن عليها من خبال بو سعد.
ارتفع صوتها بغضب:بنته صانة نفسها ولا كنّك نسيت؟....دافعت عن نفسها....واحفظت شرفها..ما حد يقدر يقول غير تسذا...
وبصوت منفعل لعدم فهم ما يقصده زوجها!: ولو صاير العكس وليدي ليث ما هوب غشيم...كان طلّقها ولا عطاك خبر....بس يشهد عليها انها مظلومة....ووضّح هالشي لكم يا عبد العزيز مير أنت عصّي وقاسي ولا تبي تفهم بذا الشي..واساليبك هذي تثبت لهالبوسعد وربعه الشي اللي خايفن منه!
الجد ضرب بعصاته لسوء فهمها له ولتعبه تحت انظار ابا صارم الذي تمتم بالاستغفار وابا ليث الذي يتصدد بنظره عن ابيه..خرج عن طوره ليقول: لا ما نسيت ولو لا الله ثم ولد عمها ليث كان الحين حنا علك بحلوق الناس.....بس اشهد انه اجودي يوم تمسك فيها ولا طلقها وهي ببلاد الغرب...ووقف معها ليومك ذا.....سكري السيرة الحين....لا عاد نوجع بعضنا!
الجده اسندت يديها على الارض لتنهض بثقل ما سمعته وبثقل الزمن الجاثل على ظهرها: من يوم يومك ترمي كلمتك بوجه هالولد وتتركه يطلع مخنوق....ما قول إلّا الله يجازي من كان السبب في سجنها....جعله ما يسلم منها!
ثم استقامة بوقفتها لتتنهد وتستغفر وتذهب للغرفة الجانبية
ابا صارم: يبه الله يطوّل لي بعمرك هدي من نفسك اترك محمد ودانة....وانسى ليث ورحيل.....اذكر الله....
بو ليث:اخوي سلطان صادق...
الجد نظر لهم ثم تمتم بالاستغفار....واخذ يتنفس بصوت مسموع!
.
.
.
منظره وهو مكسور في الواقع حرّك بداخله شيء من الحنين لأيّامهما في الماضي لم يتخيّل يومًا أن تنتهي صداقتهما الودودة هكذا، ظنّ إنها لن تنتهي للأبد فهما أخوة وهل الأخوّة لها فترة انتهاء ؟
ضاق صدره...حقًا ضاق وشعر بالربكة الطفوليّة التي تختلجه وهو صغير حينما يرى مشهدًا مُهيبًا كدموع أبيه مثلا!، أو دموع والدته ها هي الرّبكة انتابته على طريق انسياب دموع صاحبه، يجزم حتّى لو سامحه لن يستطيع استيعادة صداقتهما كما كانت في السابق فهو قطع السّبل إليها لأنها مستحيلة، سيتركهُ يعيش بعيدًا عنه بدلًا من العودة بشك وريبة تُنقض عليه المعنى في تكوين الصداقة.
هو خسر ويقبل هذه الخسارة ولا يريد ان يُصبح ساذجًا، لم يعد يثق بهِ بعد اليوم حتّى بعد تلك المشاعر التي اهتزّت من تحت تلك السنوات التي انطوت لتجمعهما مع بعضهما البعض، اهتزّت وتصدّع المعنى الرّاكد في قلبه، مسح على وجهه...ثم ألقى نظره على المخططات التي أمامه، مخططات هندسية اضاعت هندسيّة أخوّتهما جعلتها تهتز وتنهدم ربما لسوء البُنية التحتية الهشّة التي لم يلحظها طيلة هذه السنوات، ولكن ما هي الدواعي التي جعلت ماهر وحشًا؟ هل هناك سبب أم لا يوجد بس سوّلت لهُ نفسه في المبادرة في لدغة وعضّة في آن واحد؟
ادار نفسه من على الكرسي ذو العجلات الخماسية، اصبح أمام النافذة مباشرة، شدّ على ساقيه ليضع ثقلة على قدميه ثم سحب نفسه على هذه الأثناء للأمام...تسللت أشعة الشمس من خلال الستارة الرسمية والمُناسبة لمكتبه....شبّك اصابع يديه....احنى رأسه قليلًا.....ماهر بالفعل كسره.....وهُناك أمر آخر....يخشى من أخيه محمد يعود لهُ ليناقشه على السبب الذي دفعه لوضع التسجيل الصوتي في غرفة ليث...ماذا يقول؟
هل أمر الفضول سيقنعه أم سيرفض قبوله؟ ....هو حقًّا فعله من أجل الفضول ومن أجل ان يكتشف امر العلاقة التي بين ليث ورحيل...ليكتشف امور هوت بهِ على ارض اشواكه....كان بالماضي يحترق بركود قوله الصامت" ليث ما يستحق رحيل" وكان يؤمن بها....واكتشافه برهن لهُ ذلك....لن يكذب على نفسه...سُعد كثيرًا حينما اكتشف انه متزوجًا بامرأة أخرى و اصبح سببًا في سجن رحيل....هو لم يكتشف الحقائق تفصيلًا ولكن اكتشف الأمر الرئيسي"رحيل انسجنت بسبب ليث" ...ظن حان موعد فراقهما ولكن الآن.....وقف على رجليه....اخذ يجول ذهابًا وإيّابًا....واذا تطلّقا....لن يحصل شيء مما دار في عقله في الماضي ليجزم في حاضره انه علق في مشاعرٍ ستزول مع الأيّام...ولكن يخشى حقًّا من الأيّام أن تخونه وتطول!
صاحبه عبد لله اعاده على واقع كان يهرب منه ويؤجّل اللّقاء بهِ.....ورؤية محمد لأشياؤه القديمة ...جعلته يواجهة الأمر بصرامة....
مسح على جبينه همس: استغفر الله......فيصل......لا تحط آمال.....رحيل اختك...وبس...اختك يا فيصل!
حينما ليث أردف "ابي رحيل"....شيء بداخله انكسر...أخذت الحيرة تطرقه طرقًا...ودّ لو تحدث واخبره "أنا ابيها" ولكن سكت.....وانطوى خلف لسانه بالصمت حتّى توارت عليه الأحداث ليرى أخيه بـ"بشت" زواجه...ويزّف عليها!....كره ليث وقتها...وكره الظروف....هو الاصغر ما بين اخوته فكان من المستحيل ان يتزوّج في سن صغير كذاك...وقبل أخوّته ايضًا!.....حلف ان يجعل وسم حبّها في قلبه آنذاك....لينضج بعدها...ويتألم بصمت..حاول وكثيرًا من أن يزيح هذا الشعور وكان يزيحه ولكن في فترات يعود إليه بِلا استئذان فغرق في تتبّع اخبار أخيه ليصل إلى حقائق بعثرة حياة ليث بشكل غير منطقي وغير واضح بالنسبة إليه.
.
.
بلل شفتيه لا يريد البقاء اكثر هنا، سمع رنين هاتفه سحبه من على المكتب
نظر للاسم"اصايل يتصل بك" ، عقد حاجبيه مضت ثلاث ساعات مُنذ ذهابها هي واختها هيلة للجامعة، ان اتصلت بسبب اعتذار احدى "الدكاترة" لن يذهب لجلبها فهو مشغول!
ولكن اجاب: هلا اصايل؟
تنظر لأختها بخوف، واخذت تشد بيدها اليسار على رأس اختها وتضغط على الجرح...وهما في الخلاء....دمعت عيناها حينما تأوّهت هيلة....تشكر الله وتحمده انها أتت في الوقت المُناسب...رأتها وشهدت لحظة اغماء هيلة بعد ان ضرب رأسها في السياج.....اوصلوا المسألة الى عمادة السنة التحضيرية كون هيلة سنة اولى في الجامعة...بدؤوا بالإجراءات....وأماني تمت إحاطتها هناك في المكتب مع التشديد بعد أن رؤوا كتب ممنوعة في حقيبتها.....وحينما استيقظت هيلة جعلوها تذهب للخلاء مع اختها لتغسل وجهها ثم تعودا إليهن....لإكمال الإجراءات...هيلة بكت تخشى من فصلها من الجامعة...واختها تصرخ عليها بألا تتحدث لأنها تريد ايقاف نزيف الدم من الجرح الذي أُحدث في خلف رأسها
اتى صوتها محشرج: فيصل....تعال الجامعة ضروري....
هيلة اغمضت عينيها فصرخت: هيلوووه لا تغمضين عيونك ...
فيصل عقد حاجبيها وصرختها تلك أتت بشكل جدّي فخاف
ثم قال:اصايل....شصاير؟
اسندت هيلة رأسها على بطن اختها واخذت تبكي وترتجف
فقالت اصايل: فيصل تكفى تعال....هيلة راسها ينزف...ضربتها بنت...و
قاطعها بذعر: تنزف؟
اصايل نظرت لأختها: ما اقدر اشرح لك شي...بس راسها فيه جرح...وينزف...وهي دايخه....
فيصل صرخ: وش تنتظرين حضرتك وديها عند الإدارة وطلبوا الاسعاف.....
اصايل بذعر: طيب تعال....تكفى....
فيصل شتم بلا سبب ثم قال: طيب...طيب..سكري.
خرج من المكتب وهو يُجري اتصالًا على أخيه محمد...متناسيًا شعوره..وكل شيء!
.
.
اصايل رفعت رأس اختها : خلينا نطلع...نشوف المصيبة حاولي تتحملين هيلة تكفين لا يغمى عليك....
هيلة مسكت المنديل بدل أختها وبصوت خافت تختلجه شهقات البكاء: يوجع اصايل ...يوجع....
مسكت يد اختها وهي تُجاهد دموعها من ألّا تنزل على خدّها: يلا هيلة...
مشت معها وجسدها يرتجف...ما زال الجرح ينزف ولكن بشكل اقل اصايل سحبت منديل جديد من حقيبتها ابعدت يد اختها لتضغط عليه، ألتفتّا لليمين...ودخلتا مكتب الإرشاد الجامعي....وكانت أماني واقفة....امامها كتابين جلبتهما في حقيبتها.....سقطت الأنظار على هيلة واصايل
فقالت اصايل: دكتورة لو سمحتي اطلبوا الاسعاف لاختي راسها ينزف....
هيلة كانت واقفة ترتجف ومتكأة بجسدها على اختها تبحلق في اماني باحتقار
قالت الدكتورة: طلبناها يا اصايل...
ثم نظرت لهيلة: ممكن اسمع اللي صار منك يا هيلة.....
اصايل بتدخل سريع :دكتورة هيلة ما هيب في حال شرح.....
الدكتور انزلت النظارة من على وجهها: لازم اسمع لكلا الطرفين عشاني بحول الأمر للجهات المختصة.....
هيلة تحدثت بالكاد: انتوا شفتوا الكتب اللي عندها....وشفتوا العناوين...الأخت هذي......
وبتوجع: منحطة......وقذرة!
أماني همّت في الاقتراب منها ولكن نهضت الدكتورة وضربت على الطاولة
: اماني!
ثم نظرت لهيلة: راح تتم احالتك لمركز الارشاد الأكاديمي...
اصايل رفعت يدها:دكتورة...
الدكتورة اكملت: اجراءات وقوانين وضوابط الجامعة صارمة وواضحة .....والموضوع كبير.....ويمكن يصير فيه....تدخلات واجراءات أمنية!
هيلة بكت هنا فقالت اصايل: دكتورة هيلة مالها شغل بالكتب...
اماني بكذب واجحاد: هي اللي عطتني اياهم.....وهي حاولت تقرّب مني ....عشان كذا رميتها على سياج الزّرع!
هيلة فتحت عيناها على وسعهما اشارة بسبباتها واصايل اندفعت: تكذب والله....تكذب....
الدكتورة اجرت اتصال وهي تشير لهم: الثنتين راح تتم إحالتهم لوحدة التوجيه والارشاد.....وهالكتب راح تتصادر للجهات المختصة.....
هيلة هنا نظرت بانفاس متسارعة لاصايل، اما اماني كتفت يديها وبدأ التوتر يرتسم على ملامح وجهها كرها لهيلة التي انفعلت لم تظن ولم تتوقع ستكون ردت فعلها قاسية ومندفعة هكذا ظنّت انها قادرة على استعطافها لناحيتها وعلى جذب انتباهها لهذه المواضيع التي ستوقع بها في ذنوب عدّة وعقوبتها لن تكون هيّنة ابدًا.
ارتعش قلبها حينما تذكرت امر وكأنها نسته في السابق امر والدها واخوانها شخصت عيناها إن وصل الأمر لهم لا تدري ما قد سيحصل لها فهي الوحيدة بينهم انثى والبقيّة ذكور إن استطاعت الآن تكذب لتحوّل العقوبة على هيلة ما إن يرتسم الأمر على خط الجديّة ستبان أمور ومصائب كثيرة لن تجعلها ترى النور بسلام بينما اهلها هل سيعرفون رغباتها وانحراف فطرتها على باب الحريّة وتعليقها على اعتاق مفرداتها البريئة مما تظن به؟
أن تميل كل الميل في هوى ذنوبها لا يعني هذا انها تحررت....بل يُعني انها قُيّدت بأغلال الذنوب الكبيرة....فليس من الفطرة ان تميل الأنثى للأنثى ويميل الذكر للذكر....
وإن كان من الفطرة ولا يعد من الذنوب لماذا الله عزوجل عاقب قوم لوط على فعلتهم وجعلهم كعبرة بذكرهِ لهم في القرآن الكريم ليصبح ذكرهم خالدًا على مر العصور؟....هذا يعني أنه ذنب عظيم يُجلب العقوبة الوخيمة على رأس فاعليها......بدليل صارم وقاطع وغير قابل للنقاش....ويحثّنا على الإبتعاد عنه والإنقياد لأمره.
...ولكن اماني حوّلت الأمر إلى معاني الحرية المغلوطة.....لتقنع نفسها ومن هن حولها به وبمعتقداتها الغريبة......الآن خافت من حريّتها وصبّت الذنب على رأس هيلة التي لم تعد قادرة على الإتزان....اجلستها اصايل على الكرسي ونظرت لها الدكتورة بنظرة اهتمام....مرت ست دقائق حتى نقلوا هيلة في سيارة الاسعاف
ارسلت اصايل رسالة سريعة لفيصل لأي المستشفيات سيتم نقل اختها فيه ليذهب هناك ويستقبلهم.
.
.
يحس انه اقترب من وقت معرفة سبب عدم قبولها به مرتين، ولكن سيؤخّر وقته هو يريدها وبهِ شعور خاص لناحيتها ولكن هُناك اسالة تطرق رأسه لسبب يجهله....فنفض هذه الاسألة وهو ينهض ويرتدي ملابسة ليخرج من المنزل.....فتح الباب ليرى في وجهه
صارم وخالته ابتسم
وانحنى ليقبّل رأس خالتها: يا هلا ويا مرحبا....نوّرتي يا خالة ...
تقدمت وهي تطبطب على كتفه: البيت منوّر بوجودكم.....
صارم ابتسم: اخبارك ذياب؟
ذياب هزّ رأسه: بخير...انت اخبارك؟
صارم: الحمد لله.
ام صارم ابتسمت: وين خويتي....ياني ولهانة عليها.....لو لا الظروف اللي نمر فيها لكان جيتها كل يوم....
ذياب: معذورة يا خالة معذورة...
ثم اشار لهم: تفضلوا...تفضلوا....
ثم تقدم ليفتح الباب الذي يوصلهم للصالة....تحدث بصوت عالي: يمه ...خالتي هنا...
كانت والدته في المطبخ سمعت صوته لتخرج وهي تنظر لأختها بسعادة: يا هلا ويا غلا ......ما بقيتي تزوريني؟
اقتربت منها واخذتها بالأحضان وهي تسلّم عليها بحنان: والله نيّتي بهالزيارة صار لها مدة بس تعرفين انشغلت....
صارم اتى هنا واقترب وقبّل رأس خالته: اخبارك يا خالة.....ان شاء الله بخير...ومبروك الحمل...
ابتسمت على مضض وخجلت: الله يبارك فيك....انا بخير ما اسأل إلّا عنك...
صارم: دوم يارب.....وانا بخير...ولهت على شوفتك....وسوالفك...
ام ذياب بعتب: انتوا اللي قاطعيني مرّة وحدة.....وانت بالذات ما تقول عندي خالة إن ما رحت لها اتصل عليها على الاقل...
احرجته وحك ارنبة انفه في الواقع نواف انساهم أمور كُثر حتى الوصل لأهلهم!
: حقك علي......بس من يوم ورايح بتملّين مني...
ضحكت بخفة: ههههههههههههه......لا وين أمل احد يمل من شيخ السّامي...
ام صارم ابتسمت ونظرت لذياب: لا بتملّين يا خويتي وبعد ما نصير نسايب .... الاوضاع بتقرّبنا باذن الله....
ام ذياب نظرت لأبنها الذي احمرّت اذنيه خجلًا: الله كريم...
ثم اشارت لهم: تفضلوا تفضلوا....
صارم: انا عندي شغل .....باذن الله بجيك وبجلس معك قبل لآخذ امي...
ام ذياب: اجل غداكم وعشاكم عندي اليوم ومابي اي اعتراض...
ام صارم : لا وين..
قاطعته: ولا كلمة يا ام صارم.....صار لي شهر ما شفتك....
ذياب: صدق يا خالة....الليلة ما راح يمديك تهربين...
ضحكت بخفة: هههههههههه خلاص بجلس....
ام ذياب نظرت لصارم: وانت تعال....وان قدرت جيب معك دانة وعهود....
صارم ابتسم: ان شاء الله.
ام ذياب اشارت لأختها بالجلوس في الصالة فزوجها في عمله...
صارم تمتلكه حيرة وتغلّف عقله من التحدث وتوضيح الأمر او امساك الأمر ورميه خلف اسواره....اشار لذياب: تعال ابي اكلمك...
هز رأسه وخرجا في"حوش المنزل"
ذياب باهتمام: آمرني....
|