- لست ادري عما تتحدث !
- إنظري إليّ جيداً.منتديات ليلاس
كانت لهجته آمرة ودون تردد رفعت ميلاني رأسها ونظرت إليه . واحست بقوة غريبة جامحة تشدها نحوه . امسك بيديها واقترب بوجهه من وجهها حتى انها شعرت بأنفاسه الدافئة فوق شفتيها ونظرت في اعماق عينيه السوداوين وتأملت ملياً شعره الأسود اللامع, جبينه العريض , أنفه المستقيم وشفتيه الرقيقتين . وارتعشت عندما شد يدها فجأة وهمس :
- لا يمكن ان تكوني فتاة عادية, لقد فتشت عنك في كل مكان .
شعرت انها تحت تأثير منوم مغنطيسي او تحت تأثير سحر قوي وصعب عليها انتشال نفسها من هذا السحر الذي سيطر عليها .
في هذه الأثناء تقدم منهما خادم فقطع عليهما السحر الذي كانا تحت تأثيره وسأل :
- هل ترغب سيدتي في تناول شراب ساخن؟
شكرته ميلاني لكن ادوارد أصرّ قائلاً :
- اشربي شيئاً ساخناً , ان ذلك سيريحك قليلاً بعد البرد القارس الذي تعرضت له هذا الصباح في الكنيسة .
- يبدو أنك لم تكن معتاداً على مناخ انجلترا , في أي بلد كنت مؤخراً ؟
- لقد كنت في افريقيا.
- طبيعي إذن ان تشعر بالبرد , هناك فرق كبير بين المناخ في افريقيا والمناخ هنا . كن حذراً من نزلة صدرية .
- هل يهمك أمري إلى هذه الدرجة ؟
كم تمنت أن تقول له طبعا ً , لكنها اجابت :
- إنني متيقنة أن هناك عشرات النساء يقمن بالاهتمام بك ويتمنين ان تطلب منهن ذلك في حالة شعورك بالمرض او حتى بالتعب.
- ستكونين اجملهن على الاطلاق.ريحانة
مرة اخرى شعرت ميلاني بأحاسيس غريبة تختلج في قلبها ففضلت عدم متابعة الحديث خوفاً من سوء العواقب فاستأذنت قائلة :
- يجب ان أذهب الآن , لأنني أرغب في القاء التحية على الليدي ايفلين قبل انطلاقي إلى لندن .

نهض قائلاً :
- سأرى ان كان ذلك ممكناً .منتديات ليلاس
مكثت ميلاني في مكانها تفكر . وعاد ادوارد بعد دقائق وتقدم منها قائلاً :
- إن الليدي ايفلين مستعدة لاستقبالك فوراً , وهي بانتظارك في غرفتها في الطابق الأول.
لم يفارق ادوارد ميلاني , فرافقها إلى الطابق العلوي وسعدت بهذه الفرصة لإلقاء نظرة على القصر , وتوقفت أمام إحدى اللوحات الزيتية وقالت له :
- حدثني عن هذه الشخصيات , لا شك انها تمثل أجداد اللورد !
- إن هذه اللوحات بحاجة إلى المسح من الغبار والعناية ! . اجاب .
- ليس هذا ما قصدت , إنني ارغب حقاً في معرفة تاريخ العائلة .
- أود ان اعرض عليك تماثيل راجبوت ايدوبار المصغرة , لقد اكتشفتها خلال إحدى رحلاتي إلى الهند .
- لقد حدثني والدي عنها , كما حدثني عن آثار الكرنك الرائعة وآثار دلفيا . آه كم اتمنى زيارة هذه المناطق.
ونظر إليها ادوارد مندهشاً وفهمت ميلاني انها أخطأت وزل لسانها .ريحانة
- ما الذي يمنعك من زيارة هذه البلاد والمناطق . فزوجك رجل غني للغاية وباستطاعته ان يدفع تكاليف سفرك إلى أي مكان ترغبين .
خافت من الحماقة التي ارتكبتها فلم تجب وفي هذه اللحظة توقف ادوارد امام باب ضخم وطرق بكل خفة . وفتح الباب ودخلا إلى خلوة الليدي ايفلين.
كانت الليدي ممددة فوق اريكة قرب المدفأة, تحيط بها طنافس متعددة الألوان والأشكال . وكان كل اثاث الغرفة قديماً بالياً كالليدي ايفلين نفسها .
كانت المرأة العجوز قد نزعت قبعتها السوداء عن شعرها الفضي وغطت كتفيها بشال من الصوف الرمادي . وشبهتها ميلاني في جلستها هذه بنساء القرية اللواتي كانت تقوم بزيارتهن من وقت لآخر.

مدت ميلاني يدها وسلمت على المرأة العجوز, فقالت لها هذه الأخيرة :
- شكراً على مجيئك يا عزيزتي . فقد تحملت أعباء السفر في هذا الطقس الرديء . كنت ارغب في رؤية وليم ايضاً, فلقد مرت فترة طويلة لم أره فيها وأنا أقدر مشاغله وأسفاره فهو شخصية هامة. لقد بدأ يكبر في السن وعليك الإهتمام به يا عزيزتي .
- لن أتوانى لحظة واحدة عن القيام بذلك.
- لقد اخبرني ادوارد انك ترغبين في العودة إلى لندن اليوم, والطرقات ليست سالكة ومأمونة في مثل هذه الأحوال الجوية وأرى أن من الأفضل تأجيل سفرك إلى الغد , ويسعدني أن اقدم لك كل ما تحتاجين إليه لقضاء الليلة هنا فلدينا عدد كاف من الغرف.منتديات ليلاس
- شكراً لك يا ليدي ايفلين لكن الطقس ليس بهذه الرداءة . إلى اللقاء وشكراً على الغداء اللذيذ.
ونظرت ميلاني إلى النافذة , فالعاصفة لم تهدأ بعد والثلج لا زال يتساقط بغزارة . فالتفتت إلى الليدي ايفلين وحيتها وتوجهت نحو الباب فيما كان ادوارد يستأذن ابنة عمه قائلاً:
- سأرافق السيدة وأعود إليك فيما بعد.
سألته ميلاني عندما احست بوجوده إلى جانبها :
- هل ستقضي الليلة في القصر؟
- اجل, سأنام الليلة هنا وغداً صباحاً سأنطلق إلى لندن .
- أيمكنني إذاً ان احصل على نسخة من كتابك قبل نشره غداً؟
- سأوقع بعض الكتب غداً ويسعدني ان أقدم إليك أول نسخة .
- هل يمكنك ان تحضره لي غداً إلى المنزل ؟
- غداً ؟. اجاب بتردد.
- اجل غداً , ذلك انني سأضطر للتغيب عدة أيام عن لندن وأود ان آخذ الكتاب معي .
- في هذه الحالة سأحضره لك غداً.
- أيمكنك ان تتناول الشاي في المنزل ؟. اضافت ميلاني .
- لا استطيع رفض هذه الدعوة اللطيفة , وسأنتظر موعد تناول الشاي على أحرّ من الجمر.
أربكتها كلماته فلم تنبس بكلمة وهبطت السلم على عجل , وعند دخولهما البهو تقدم رئيس الخدم قائلاً :
- إن الثلج لا زال يتساقط بغزارة ويستحيل عليك يا سيدتي مغادرة القصر هذه الليلة .

لم تجد فائدة في الإصرار , فوقفت محتارة وسمعت ادوارد يقول :
- لقد دعت الليدي ايفلين السيدة لقضاء الليلة في القصر , فأرجو ان تطلب من الآنسة ليزلي القيام بتجهيز غرفة خاصة بها .
- حسناً يا سيدي . أومأ رئيس الخدم .منتديات ليلاس
- أرغب بالجلوس في الصالون الأزرق يا ريك , هل اشعلت المدفأة ؟
- لقد جهزت المكتبة الصغيرة يا سيدي .
- حسناً سنجلس في غرفة المكتبة .منتديات ليلاس
وقاد ميلاني عبر الممر الطويل المزين بالأسلحة القديمة إلى ان وصلا إلى المكتبة .
في غرفة المكتبة توقفت ميلاني امام لوحة تعلو المدفأة تمثل باريس محاطة بالإهات الجمال.
لاحظ ادوارد إهتمامها باللوحة فقال لها مجاملاً:
- اطمئني يا سيدتي, إنك اجملهن على الإطلاق.
- لقد اخجلتني , إنني قلقة حقاً لعدم تمكني من العودة إلى لندن.
- من الذي ينتظرك هناك؟. سأل هذه المرة بإصرار .
- لا احد سوى الخدم . وقد ابلغتهم هاتفياً عن سبب تخلفي الليلة عن العودة إلى المنزل , فربما اتصل وليم من فيينا.
- هل تعتقدين انني أصدقك ؟ وانك قلقة من اجل ذلك؟
- ما الذي يعنيك بالأمر ؟
- إنه جواب سخيف , لأنني اهتم بكل ما يتعلق بك يا سيدتي , ولا اعتقد انك تشكين لحظة واحدة في هذا الموضوع .
واحست فجأة باقترابه منها فارتبكت وتسارعت دقات قلبها وتشاغلت بالنظر إلى اللوحة. وسمعته يقول :
- لدي الكثير الكثير اقوله لك, لكن كل ما يهمني الآن هو أنك أمامي فيمكنني ان أتأملك ما شئت.
رفعت عينيها عن اللوحة والتفتت إليه فرأته يقترب منها فالتقطت بعفوية كتاباً كان موضوعاً على رف المدفأة وتراجعت خطوة قبل ان تنظر إليه , وسارعت بتغيير الحديث.ريحانة

- لقد كنت تحدثني عن رحلاتك السابقة عندما دخلنا إلى هذه الغرفة !
- اجل , فلدينا متسع من الوقت للتحدث عن الرحلات . اما الآن فأود أن أقول لك إنني أجدك أكثر فتنة وجمالاً عما رأيتك من قبل.
- كن أكثر واقعية أرجوك!
قهقه ضاحكاً واخذ يقترب منها حتى لم يعد يفصل بينهما سوى مسافة قصيرة جداً, وحدق في وجهها قائلاً :
- ما هو الموضوع الأكثر واقعية ؟ هل احدثك عن حالة الطقس والزراعة؟ افضل ان اتحدث عنا نحن الاثنين .
وامسك بيديها قبل أن يكمل :
- إنه من غير الممكن ان نتحدث في موضوع آخر ليس له علاقة بنا .
وحاولت ان تسحب يديها لتجلس وقالت:
- يجب ان نحاول تغيير موضوع الحديث.منتديات ليلاس
وضحك مرة اخرى وجذبها نحوه ولم تشعر كيف اصبحت شفتيها بين شفتيه لكنها حاولت الإفلات منه فأحكم ذراعيه حولها حتى انها شعرت بعضلاته القوية تضغط على صدرها تكاد تسحقها. وعندما أفلتها أخيراً كانت تلهث بشدة وقلبها يدق بعنف وساقيها ترتجفان . فجرها إلى الأريكة وجلس بجانبها , ولم يكتف لحظة عن التحديق بوجهها المحمر .
كان هناك تعبير غريب في عينيه صعب عليها تفسيره مثلما صعب عليها تفسير تلك الأحاسيس الغريبة والجديدة التي اجتاحتها عندما قبلها .
فلأول مرة يقبلها رجل وتكتشف مثل هذه الأحاسيس المثيرة . وضعت رأسها على كتفه واستسلمت لدفء ذراعيه حولها وانفاسه على شعرها .
- هل سبق لك أن احسست بمثل هذا الشعور مع شخص آخر ؟
ودون سماع ردها أجاب :
- لم أشعر في حياتي بهذه السعادة التي أحس بها الآن . كنت اعتقد أنني لن أقابل أبداً هذا الشخص الذي يهبني كل هذه السعادة .
رفعت رأسها عن كتفه وتذكرت في هذه اللحظة انها تقوم بدور سينتهي غداً ولن تراه بعد ذلك أبداً. وتمنت لو أنها لم تقم بدور شقيقتها كارين المتزوجة , ولكن من اين كانت ستتعرف به وتشعر بمثل هذه السعادة.
عاد يشدها إليه مرة أخرى فتملكها الخوف هذه المرة وابتعدت عنه قائلة :
- كنت أتوقع ان تحدثني عن افريقيا , أليست هي آخر مكان قمت بزيارته؟