ودخلت ميراي الوصيفة الفرنسية الشابة إلى الغرفة ونظرت بدهشة الى التوأمتين وصاحت :
- إنه لأمر غريب حقاً, لم أكن أتصور يوماً ان يتشابه شخصان إلى هذا الحد .
فاجابت كارين:
- لن يستطيع احد ايجاد أي فرق بيننا . فمن الذي سيشك لحظة واحدة ان شخصاً آخر غير كارين سيحضر مراسيم الدفن ؟. قالت ذلك واخذت تقهقه بطريقة غريبة.
- لا هذا غير معقول , لن يشك أحد بالأمر يا سيدتي . اجابت ميراي.
- حسناً, اين هي ثيابي ؟ عليّ أن ارتدي هذا المعطف الذي كانت ترتديه ميلاني عند دخولها إلى المنزل .
- طبعاً يا سيدتي . اجابت ميراي . لقد رتبت ثيابك في الحقيبة . تجدين فيها كل ما يلزمك . وسيبدو الأمر وكأنك تكرمت على هذه الفتاة الفقيرة ببعض الثياب القديمة .
وقهقهت كارين بسخرية وقالت :
- هذه الفتاة الفقيرة ! إنك حقاً ماكرة يا ميراي , أرأيت يا ميلاني , انه لا يمكنني الاستغناء عنها أبداً.
ولم ترد ميلاني بكلمة وهي تشعر بالمرارة جراء سخرية ووقاحة كارين .
- هل ترغب سيدتي في نزع ثيابها والاستلقاء قليلاً في الفراش فترتاح من عناء السفر ؟
سألت ميراي وهي تنظر إلى ميلاني واضافت :
- لقد قلت للخدم انك ترغبين في تناول العشاء في غرفتك, ذلك انك تشعرين بالتعب بعد هذه الرحلة الطويلة .منتديات ليلاس
لم تجب ميلاني فكل شيء مدروس بدقة ولا فائدة من اعطاء رأيها .
- سألبس قبعتك يا ميلاني , قبعة الأرملة , علني اصبح أرملة عما قريب وأرث كل ما يملك ذلك الزوج العجوز . قالت ذلك والتمعت عيناها ببريق شيطاني .
صدمت ميلاني بكلمات اختها التي تتمنى وفاة زوجها بكل بساطة كي ترث امواله, ففضلت عدم التعليق على ما قالت فلن يجدي ذلك نفعاً, فنزعت القبعة عن رأسها ووضعتها فوق الطاولة .

وخلعت كارين بدورها الثوب الحريري الأخضر , وبعد أن اغتسلت ساعدتها ميراي في ارتداء ثوب اسود يشبه إلى حد ما الثوب الذي كانت ترتديه ميلاني . لكن ثوب كارين كان من الحرير الأصلي يساوي ثمنه مئة مرة الثوب الأسود الرث الذي كانت تلبسه ميلاني.
وعندما أنهت كارين من زينتها وتسريح شعرها شعرت ميلاني وكأنه تنظر إلى نفسها في المرآة في حلة جديدة . نفس لون الشعر الأحمر والبشرة البيضاء والعينين الخضراوين ونفس الطول. فقد كانتا متشابهتين في كل شيء واضفى اللون الأسود سحراً خاصاً على جمال كارين . وعندما انتهت ميراي من ترتيب هندام كارين صاحت ميلاني قائلة :
- إنك رائعة .منتديات ليلاس
- ان وليم لا يحب أن ألبس اللون الأسود . إنه شديد الغيرة , لكن كارل يعبد ذلك.
شعرت ميلاني بالحرج من وقاحة شقيقتها تتحدث بهذه الجرأة عن كارل ووليم امام خادمتها . فقالت في نفسها إن ذلك أمر عادي جداً بالنسبة إلى كارين .
- إن كارل يحب كل ما ألبس ويحب كل الألوان فلم يرى امرأة اجمل مني في حياته .
ونظرت إلى ميراي واضافت بلهجة غاضبة :
- هيا بنا يا ميراي. لقد اضعت من الوقت ما فيه الكفاية. يجب ان أرحل الآن .
وعاونتها ميراي في وضع عقد الزمرد حول عنقها . كانت ذلك بمثابة اللمسات الأخيرة .
- لقد نسيت الخاتم والحلي يا سيدتي. صاحت ميراي.
- ضعي كل ذلك في محفظتي يا ميراي . لن اضع كل هذه الحلي الآن فأخشى ان يشك الخدم بالأمر .منتديات ليلاس
كانت عينا ميلاني المتسعتين تراقبان شقيقتها بذهول وهي تتساءل : أهي حقاً ذاهبة لإجراء عملية اجهاض أم هي ذاهبة لموعد ما ؟ وكما لو ان كارين قرأت ما تكلمت به عيني شقيقتها فقهقت بطريقة شيطانية وهتفت بسخرية :
- ها ان الصغيرة ميلاني بدأت تفهم اللعبة ! اخبريها يا ميراي فليس لدي متسع من الوقت لأخبرها أكثر فإن كارل سيكون بانتظاري على أحرّ من الجمر . قالت ذلك وشعت عيناها ببريق غريب.
- طبعا . قالت ميراي . ان السيارة بانتظارك يا سيدتي , لقد شرحت للسائق ان سيدتي تطلب منه اصطحاب الفتاة الفقيرة إلى لندن , فلن ندعها تتدبر أمرها في هذا الطقس الرديء.
- لقد فهمت الخطة تماماً يا ميراي . اعطني القبعة الآن .

ووضعت القبعة بكل تأن فوق رأسها دون ان يؤثر ذلك في تسريحتها واسدلت الخمار فوق وجهها وقالت وهي تلبس معطف ميلاني:
- انه معطف بال حقاً! كان يجدر بك ان تلبسي معطفاً أكثر أناقة يا ميلاني .
واقتربت لتطبع قبلة على خد شقيقتها المذهولة واردفت :
- ستقلك السيارة إلى مكان الدفن غداً وتتناولين بعدها طعام الغداء في القصر كما جرت العادة ثم تعودين فوراً إلى المنزل . ولا داعي لأن تتحدثي إلى الحاضرين هناك وحاولي ان تكوني بشوشة ولطيفة وانصرفي في أسرع وقت ممكن . ستكون ميراي بانتظارك هنا وتذرعي بالتعب يوم الخميس في الليل وتناول العشاء في الغرفة.منتديات ليلاس
وعندما همت ميلاني بسؤال شقيقتها عما عنته بجملتها عن كارل كنت ميراي قد فتحت الباب واسرعت كارين خارجة وانطلقت دون ان تكلف نفسها عناء الشرح لأختها التي وقفت عند باب الغرفة مع ميراي تراقبها إلى ان اختفت في السلم فأغلقت ميراي الباب ونظرت الى ميلاني قائلة :
- آسفة يا آنستي أن أكون مضطرة لاخبارك بحقيقة الأمر . لقد ظننت بأن سيدتي كارين قد اخبرتك كل شيء قبل وصولك إلى هنا.
- آه , لقد اخبرتني اشياء كثيرة وعلى ما يبدو فأنت امينة سرها وهي تثق بك ثقة عمياء . فكل ما اتمناه الآن هو اللجوء إلى السرير لأنني اشعر بأن ساقي لم تعودا تقويان على الوقوف . لقد حذفتني كارين من الوجود بالنسبة لجديّ وخدعتني بقصتها عن كونها حامل للمجيء بي لتنفيذ مآربها وهذا لم يعد بشيء مستغرب عن كارين . لكن على أي حال لم يعد باستطاعتي العودة الآن إلى القرية ولا اريد التسبب بالأذى وتدمير زواجها فسوف أقوم بما مطلوب مني وبعدها سأبتعد عنها إلى الأبد . اجل , إلى الأبد .
انهت جملتها الأخيرة بكآبة والحزن يعتصر قلبها وهي تشعر بالضعف فلا فائدة من الكلام مع خادمة شقيقتها فكارين هي هي ولن تتغير . اما هي فعليها ان تفكر بمستقبلها ومن الأفضل لها ان تكون بعيدة عن طريق شقيقتها . وتمالكت نفسها وبدأت تخلع ملابسها فأسرعت ميراي التي كانت واقفة لمساعدتها وهمست :
- لا تقلقي فإن سيدتي قادرة على الاعتناء بنفسها , لكنها ليست شريرة ومن حقها ان تتمتع بشبابها فإن سيدي لا يستطيع ان يوفر لها كل شيء واعتقد بأن سيدتي قد اخبرتك بأن لا يستطيع منحها طفلاً وقد ادركت بذكائك انها ليست حامل لكن ارجو ان لا تتكتمي حول ذلك والا تدعي سيدي يلاحظ أي خطأ.ريحانة

- حسناًيا ميراي انها على أي حال لا زالت شقيقتي .
- انك طيبة جداً يا آنستي , هل تحبين ان تأخذي حمامك قبل العشاء؟
اجابت ميلاني بضعف :
- اجل, لكنني لست جائعة وافضل اللجوء بعد الحمام إلى السرير.
وقادتها ميراي إلى الحمام وبعد انتهائها اندست ميلاني في السرير الكبير وهي تشعر بحاجتها إلى والدها أكثر من أي وقت مضى واحست مرة اخرى بنوع من الحرقة والمرارة لتنكر شقيقتها وخداعها لها . لقد استغلتها دون ان تشعر حتى بتأنيب الضمير. وهمست في نفسها : لست بحاجة لمساعدتها ولا داعي للقلق عليها .
اطفأت المصباح وقررت الاسترسال في النوم وفكرت قبل ان تغمض عينيها بالدور الذي ستلعبه غداً في مراسيم الدفن فأحست بالخوف , ما الذي سيحدث لو اكتشف أمري ؟ ماذا سيكون مصير كارين ؟ وخافت من وقوع الكارثة فهي لن تخسر شيئاً . إن كارين هي التي ستتحمل عواقب الكارثة حال وقوعها . وتمنت ألا تنكشف وان تعود إلى القرية بسلام فهي غير قادرة على تحمل كل هذه الاكاذيب والخداع .منتديات ليلاس
ايقظت ميراي ميلاني في الصباح الباكر لكي يكون لديها متسع من الوقت لتحضير نفسها ولتصفف لها شعرها . ذلك ان شعر ميلاني كان أطول وأكثف من شعر كارين, فلاقت ميراي بعض الصعوبة في تسريحه . وما ان انتهت من هذه المهمة حتى شعرت بالرضى عما قامت به. فكان الشبه بين التسريحتين متطابقاً للغاية .
- لم أنته بعد ! قالت ميراي . إن سيدتي لا تخرج بدون ماكياج .
- اوه , لكنني احب أن أبدو طبيعية دائماً. كانت والدتي دائماً تقول إن الماكياج يقتصر على الراقاصات والفنانات .منتديات ليلاس
- كل النساء يفعلن ذلك الآن فلا يقبلن ان تكون الراقصات والفنانات اكثر جمالاً منهن .
ضحكت ميلاني لهذه الملاحظة , وتابعت ميراي :
- فالرجال دائماً لا يستطيعون مقاومة الجمال.

- لكن لا تنسي بأن الجمال ليس هو كل شيء.
فلم تعلق ميراي على ما قالت بل كانت منهمكة بوضع اللمسات الاخيرة على ماكياجها .
نظرت ميلاني إلى نفسها في المرآة فأدهشها جمالها . كانت تبدو مثل كارين بالضبط قبل مغادرتها المنزل البارحة . فهي لم ترتد من قبل مثل هذه الثياب الأنيقة والفخمة . ولم تلبس الحرير.
كانت تنظر إلى نفسها كمن ينظر إلى شخص غريب عنه . واحضرت لها ميراي عقداً وأقراطاً فبادرتها ميلاني قائلة :
- اعتقد انه ليس مستحباً اظهار الحلي في مناسبة دفن .
- ومن قال ذلك يا آنستي؟ انها افضل مناسبة للتزين بالحلي والجواهر . ان الجواهر ترمز إلى الدموع يا عزيزتي .
لم تقتنع ميلاني بما قالت ميراي وفضلت عدم التعليق على الموضوع .
- انتبهي جيداً يا آنستي وحافظي على هذه المجوهرات فقد دفع سيدي ثروة طائلة ثمناً لها .
- كوني مطمئنة من هذه الناحية يا ميراي . ريحانة
وفي هذه الاثناء سمع طرق على باب الغرفة وسألت ميراي :
- من الطارق؟.
- إن سيارة سيدتي جاهزة . اجاب الخادم.
وفتحت ميراي الخزانة واخرجت معطفاً من الجوخ الأسود ووضعته فوق كتفي ميلاني ثم اخرجت قبعة سوداء وضعتها فوق رأس ميلاني .
- إنني حقاً أنيقة ! صاحت ميلاني . لكن اين الخمار ؟
- ان الأرامل وبنات المتوفي فقط يضعن الخمار , اما أنت يا آنستي فستذهبين هكذا . فما الذي يدعوك إلى اخفاء هذه الوجه الجميل؟
ودون سماع جواب ميلاني فتحت ميراي باب الغرفة وخرجت الفتاة وهبطت السلم وهي تشعر بالإرتباك وهي تجتاز بهو المنزل, لكنها اطمأنت عندما رأت الخدم يتصرفون بطريقة عادية جداً فلم ينظر إليها احد بطريقة غريبة إلى ان وصلت إلى السيارة حيث كان السائق بانتظارها فأسرع لفتح الباب لها , وانحنى رئيس الخدم امامها احتراماً وانطلقت السيارة .