- وماذا تريدين مني ان أفعل ؟
- حسناً سوف تذهبين لحضور الدفن بدلاً مني وأنا سوف اذهب إلى طبيب خاص لأجهض الطفل.
فسكتت ميلاني مفكرة ثم قالت :
- حسناً , ما عليّ سوى الموافقة واعتقد ان زوجك يجهل وجودي ايضاً؟
- بالطبع , فهو كجدتي وجدي يعتقد انني يتيمة .
وشعرت ميلاني بنوع من التحدي في لهجة اختها , فقد حذفتها من الوجود بكل بساطة وهاهي اليوم عندما وقعت في ورطة سرعان ما جاءت تطرق بابها طلباً لمساعدتها , لكنها لن تستطيع ان ترفض , فسألت :
- كيف لي أنا أساعدك؟
- إن الأمر بغاية السهولة ! سأقول لك ما عليك القيام به بالضبط وبكل التفاصيل . فرغم ابتعادي فالشبه بيننا لا زال صارخاً.منتديات ليلاس
فردت ميلاني وقد شاب صوتها بعض التردد :
- لن يصدق احد ابداً انني أنت . وسأموت من الخوف إذا ما وجه لي احد معارفك , أنت وزوجك الكلام.
- حقاً يا ميلاني ! كم كان والدي يتحدث عن ذكائك . إنني متيقنة أنك قادرة على ذلك. سترتدين ثيابي وتركبين سيارتي . إنها مغامرة رائعة , فلا داعي للتردد والخوف وسوف تعودين بعد ذلك إلى القرية وكأن شيئاً لم يكن ولن يشك احد في الموضوع , فلا احد يعلم بوجودك او حتى بوجود توأم لي على قيد الحياة .
ودون سماع جواب اختها اضافت :
- حسنا علينا الانطلاق إلى لندن فوراً لقد طلبت من السائق ان يعود لأخذنا في الساعة الرابعة .
- هل أرافقك الآن ؟
- طبعاً! فلدينا اشياء كثيرة نقوم بها عند وصولنا إلى مالكولم هاوس وسأتركك هناك وانطلق إلى وسط المدينة .
ونهضت ميلاني وهي لا تكاد تصدق نفسها وتساءلت في نفسها كيف لي ان أقوم بمثل هذه المغامرة . لكن سأقوم بهذه المجازفة مهما كلف الأمر وسأساعد كارين مهما كانت العواقب.

وسمعت صوت كارين قائلة وهي تتوجه الى بهو المنزل :
- لقد نظمت كل شيء فأحضرت كل ما يلزم لكي تتنكري بطريقة يصعب على الخدم التعرف عليك قبل تبادل الأدوار.
لم تفهم ميلاني جيداً ما قصدت اختها فلا مجال لتتراجع عن قرارها , فصعدت إلى غرفتها لتحضر معطفها . وفي هذه الأثناء دخلت عليها كارين حاملة علبة في يدها .منتديات ليلاس
- عذراً يا كارين فأنا لا أملك إلا هذا المعطف فقد اشتريته خصيصاً لحضور دفن والدي.
- إنه من النوع الرخيص الثمن, لكن هذا ما يلزمك الآن وهذا ما ستضعينه فوق رأسك .
وفتحت كارين العلبة الصغيرة واخرجت منها قبعة سوداء يتدلى منها خمار أسود شفاف ومدتها إلى ميلاني التي ما لبثت ان اخذت القبعة ووضعتها فوق رأسها فأخفى الخمار القسم الأكبر من وجهها.منتديات ليلاس
- ان السائق ينتظرنا الآن بالسيارة امام الباب, هيا بنا سريعاً , ولا اريد ان تعلم جيزيل بالأمر فأخاف ان تتحدث إلى السائق . وحاولي إبقاء رأسك مطأطأ فلا يراه السائق وافعلي نفس الشيء فور وصولنا إلى مالكولم هاوس .
- ما الذي سأحتاج إليه هناك؟ .سألت ميلاني .
- لا شيء أبداً, سترتدين احد اثوابي في لندن وستقدم إليك خادمتي كل ما تحتاجين إليه .
- خادمتك؟ . سألت ميلاني بدهشة . هل تعلم أننا سنتبادل الأدوار؟
اجابت كارين :
- طبعاً. إنها الشخص الوحيد الذي أثق به هناك .
وضحكت قبل أن تضيف :
- إن ميراي فرنسية ولدى الفرنسيات دائماً مساعد او شريك في قضاياهن العاطفية فهي تعرف تماماً ما يجب القيام به .
- أهي التي تساعدك في مشاكلك العاطفية ؟
- اجل هذا هو دور ميراي. إنها الشخص الوحيد الذي يعرف أنك لست أنا وستساعدك في كل ما تحتاجين إليه, ولن تلاقي اية صعوبة . أسرعي الآن ولا تضيعي الوقت فعلي أن أعود إلى لندن في أسرع وقت ممكن . فقد سافر وليم إلى فيينا اليوم وسوف يعود صباح الجمعة .ريحانة

وجلست ميلاني امام المرآة وعدلت القبعة فوق رأسها واسدلت الخمار فوق وجهها فتقدمت منها كارين ووضعت المعطف فوق كتفيها واستعجلتها قائلة :
- لننزل الآن يا ميلاني فالسيارة في انتظارنا امام الباب .وحاولي ان تقولي شيئاً ما امام السائق . قولي مثلاً آه كم هي جميلة هذه السيارة . وهو سأجيبك , هذا لطف منك يا سيدتي ان تسمحي لي بمرافقتك إلى لندن في هذه السيارة المريحة وفي هذا الطقس القارس.
قالت ميلاني :
- يبدو أنك درست الخطة بكل دقة يا كارين إن ذلك يذكرني بأيام طفولتنا . كنت تحبين المغامرة وتضعين افضل السيناريوهات .ريحانة
- إنني فخورة بهذا يا ميلاني فهيا بنا الآن .
- أود أن أودع جيزيل قبل سفري.
- قولي لها فقط ان ذاهبة لقضاء يومين في لندن برفقتي فليس لدينا الوقت الكافي للإجابة على كل اسئلتها وإلا فلن ننطلق إلا بعد ساعات فأنت تعرفين فضول جيزيل .
- لا تقولي هذا يا كارين . إن جيزيل قامت بتربيتك فقد اهتمت بنا بكل صبر وتفان .
لم تجب كارين وتوجهت نحو الباب الخارجي فأمسكت ميلاني يدها وجرتها قائلة :
- لن تسافري قبل إلقاء التحية على جيزيل . سيؤلمها قدومك إلى المنزل دون السلام عليها , فأنه أقل ما يمكن أن تقومي به يا كارين .
- اوه , حسناً ! سأذهب للسلام عليها وسأشرح لها بنفسي سبب سفرك المفاجيء معي .
ونظرت إلى شقيقتها قائلة :
- ارفعي الخمار عن وجهك يا ميلاني فلا اريد ان تشك جيزيل بأي شيء . إنك تبدين فعلاً كالأرملة .
- لا طبعاً ! أنا ايضاً لا اريد ان تشك جيزيل بالأمر.
ودخلت التوأمتان إلى المطبخ فتسمرت جيزيل في مكانها وصاحت :
- الآنسة كارين ! تبدين كالأميرة في هذه الثياب الأنيقة .
- طبعاً يا جيزيل ! فقد حصلت على كل ما كنت اتمناه .
- لم تتبدلي كثيراً . قالت جيزيل وهي تتفحصها من رأسها حتى اخمص قدميها . رغم اناقتك وتسريحة شعرك الجديدة فلا زلت تشبهين ميلاني بشكل غريب ارجو ان تكوني سعيدة في حياتك الآن .
- إنني سعيدة جداً يا جيزيل . وساصطحب ميلاني معي لعدة أيام إلى لندن علها ترفه عن نفسها قليلاً من هذه الحياة المعزولة التي تعيشها في القرية , خاصة وان والدي قد توفي الآن .

- كان يجدر لك ان تلبسي الحداد يا كارين وتحضري مراسيم دفن والدك . قالت جيزيل معاتبة .
- اجل ! . اجابت كارين وهي تنظر إلى الأرض . ظروف قاهرة منعتني من المجيء , فأرجو ان تسامحيني كما فعلت ميلاني.
اجابت المرأة العجوز :
- حاولي الإهتمام بأختك يا كارين فلم ترسلي حتى رسالة واحدة لطمأنتنا عليك . انها بحاجة إلى كثير من العناية ! فهي بحاجة إلى بعض الأثواب الجديدة ويبدو ان احوالك المالية جيدة في لندن فلا تبخلي عليها .
- إنك على حق يا جيزيل , ستعود ميلاني بحلة جديدة وسأشرف على ذلك بنفسي .
ونظرت إلى الساعة المعلقة على الحائط وصاحت :
- هيا بنا بسرعة يا ميلاني يجب ان نقطع مسافة طويلة قبل الوصول إلى لندن فأنا لا احب السفر بالليل .منتديات ليلاس
وطبعت ميلاني قبلة على خد جيزيل العجوز اما كارين فلم تقبلها بل رفعت يدها مودعة . قالت كارين بعد انطلاق السيارة بدقائق :
- لن تشك أبداً في سفرك يا ميلاني . إنني لا احتمل العيش مع العجزة فالحياة مملة إلى جانبهم .
وهنا سألت ميلاني :
- كم عمر زوجك ؟ لقد سبق وقلن إنه يكبرك سناً أليس كذلك ؟
ولمعت عينا كارين غضباً فلم يعجبها سؤال اختها فجاوبت مرغمة :
- عمر وليم ستين عاماً.
- ستون عاماً ؟! ما الذي دفعك إلى الزواج منه ؟
- لا تكوني حمقاء يا ميلاني . أتعتقدين ان الزواج برجل في مكانة وليم الاجتماعية وحالته المادية أمر سهل. ليس لديه أي وريث في الوقت الحاضر . ولقد كانت فرصة العمر بالنسبة لي ان ألتقي برجل بمركز وليم .
- لكنه يكبرك سناً.منتديات ليلاس
- اعرف ذلك وقد اعتقدت ان ذلك ليس بذات اهمية إلى ان التقيت بكارل .
- ومن هو كارل هذا ؟
- إنك فضولية أكثر من اللازم ولن أقول لك اسمه الكامل فأخاف ان يفتضح أمرنا وقد تقولين شيئاً ما امام وليم او الخدم فتثيرين فضيحة .

صاحت ميلاني بغضب :
- أتظنيني قادرة على إيذاك ؟ سأعمل على مساعدتك هذه المرة وأختفي بعدها فاطمأني فسوف احافظ على سرك مهما كلف الأمر.ريحانة
- حقاً؟! لكن عندما يتعلق الأمر بكارل فأنا أخاف حتى من خيالي . وكل ما يمكنني قوله لك هو انه من أصل نمسوي وهو كونت جذاب إلى أبعد حد.
وضحكت ميلاني لملاحظة اختها الأخيرة :
- لكنه يحبني . وقد قال لي إنه لم يحب إمرأة من قبل كما يحبني .
- لكنك للأسف ّ اسرعت بالزواج من السير وليم وإلا لكان كارل من نصيبك .
وأدارت كارين رأسها نحو اختها وضحكت طويلاً قبل ان تجيب :
- آه ! مسكينة يا ميلاني . إنك حقاً ساذجة فإن كارل متزوج ولحسن الحظ فأن زوجته تقيم في النمسا .
لم تصدق ميلاني ما سمعت فلزمت الصمت بضع دقائق وقالت :
- أتحبين رجلاً متزوجاً! فلو ان والدتي لا زالت على قيد الحياة لأصيبت بصدمة كبيرة .
- هل كنت تتوقعين أن اتصرف مثل والدتي فأهرب معه مهما كلف الأمر ! إنك لا تعرفينني جيداً فأنا لا احب الفضائح .
- وبما أنك لا تحبين الفضائح فما الذي يدفعك إلى كل هذه المخاطرة ؟
- لن يكون هناك اية مخاطرة فبفضل مساعدتك فلن يشك احد بالأمر وبعد يومين سيعود كل شيء إلى وضعه الطبيعي قبل عودة وليم .
- لا اريد ان يراني وليم , فلابد ان يشك زوجك في بالأمر فيلاحظ بعض الفروقات بيننا .
- لن يلاحظ أي شيء, فلم يستطع احد التفريق بيننا من قبل.
فكرت ميلاني لحظة ثم قالت :
- لقد كنت يوماً اتحدث مع والدي حول التوائم وقلت له يومها , انه عندما تتشابه التوأمتان بالشكل الذي نتشابه به يمكنهما ان يقوما بألاعيب كثيرة دون ان يتمكن أي شخص من تفريق الواحدة عن الأخرى .منتديات ليلاس