الفصل الرابع

كانت الشمس قد اشرقت لتوها عندما اخذت باتريشيا تجوب الشاطئ ذهاباً وإياباً وهي لا تلقي بالا بجمال المنظر يا لها من إجازة نهاية الاسبوع عاشتها ! إن ثماني واربعين ساعة يمكن ان تغير حياة الإنسان , ربما تمشية بسيطة على الشاطئ تحمل الراحة لروح مضطربة .
وتذكرت نزهاتها التي قامت بها في نفس المكان مع والدها وبدأت تحس بالعاطفة تجتاحها كم هي قريبة هذه الذكريات وكم كان من السهل الحديث والتعبير عما يجيش في النفس.
لقد اعترفت بأسرارها سابقا إلى مايك قبل أن تضبطه في خيانته لها . لقد بدا الامر قديما رغم انه لم تمر عليه سوى سنوات قليلة .
اشياء كثيرة لدى جيف تذكرها بمايك فهي أصغر منهما في السن وقدرت ان سن جيف حوالي الخامسة والثلاثين وهو لديه نفس الثقة بالنفس وبساطة معالجته للأمور التي اكتسبها بمرور السنين والتي تثير الإعجاب والشك في آن واحد . فكرت انه بالقطع يشبه مايك , على اي حال فإن الأمر مهنيا يشكل مخاطرة كبيرة . قالت في نفسها وهي تفرك الرمال من فوق يديها :
- الموضوع مفهوم .

نظرت إلى ساعتها وعادت إلى شقتها وهي تجري بخطوات بطيئة متقافزة . لم يبق امامها من الوقت إلا ما يسمح لها بأخذ دش وارتداء ملابسها .
***
قضت باتريشيا فترة الصباح في المحكمة ثم عادت إلى مكتبها . وعندما جلست واستعدت لفتح دفتر المواعيد رن جرس الهاتف الداخلي.ريحانة
- مارجريت داريان هنا يا باتريشيا وقد فكرت انك قد تودين مقابلتها .
- طبعا , دعيها تدخل .
ما إن وقعت عينا المحامية على وجه مارجريت حتى احست انها تعاني من الاضطربات الشديد. قالت مارجريت بصوت مرتجف:
- لا احب ان اتطفل عليك هنا لأنني لم اخذ موعداً.
- لست في حاجة إلى موعد .
- إنني لا احب استغلال صداقتنا.
- ما هذه الحماقات التي تقولينها؟ اجلسي على الاريكة وقصي عليّ ما يجري.
- هل واضح عليّ الاضطراب؟
قالت باتريشيا وهي تفحص علامات القلق البادية على وجه صديقتها الذي عادة ما يكون رزينا.
- نعم .منتديات ليلاس
كان من الواضح ان طريق الإجراءات القضائية عليها بدرجة واضحة . كانت في الخامسة والاربعين من عمرها وإن كانت أصغر من ذلك. كانت السيدة داريان لا تزال امرأة جميلة وقوية بعض الشيء . قالت وهي تخرج ظرفا ضخما ابيض:
- هاك!
كانت باتريشيا تعرف محتواه دون شك لأنها هي التي ارسلته لموكلتها . كانت عبارة عن طلب مرسل من جيف ديفيز يطلب قائمة مضبوطة بكل المصروفات التي تمت لصالح ابنتها ميليسا وكذلك طلبا بزيادة زياراتها لريك.منتديات ليلاس
- لدي إحساس بأن هذا يتعلق بالتحقيق.
- ليس بالضبط وإنما هو محاولة للتخويف , هل ستجدين صعوبة في جمع هذه المعلومات؟
- لا , لا اعتقد ذلك.
- إذن أعدي قائمة كاملة بالمصروفات ودعيني ألقي عليها نظرة ثم نرسلها له . لا تقلقي . ستثبت انك في حاجة إلى نفقة ضخمة .
اطلقت مارجريت زفرة وقالت :
- كم أود ان أكون واثقة مثلك بسير الدعوى .
رأت باتريشيا عيني مارجريت منتفختين من الدموع فاخذتها بين ذراعيها وواستها :
- هيا ... هيا ! صدقيني إن كل شيء سيكون على ما يرام. اخرجت مارجريت منديلا ورقيا من حقيبة يدها .
- اعذريني يا باتريشيا لا اريد ان اثقل عليك .
- كفي عن هذا الهراء , كم مرة أتيت كي أبكي على كتفك عندما قطعت علاقتي بمايك ولا اعرف ماذا كنت افعل لولا وجودك بجانبي . هيا خبريني احسن كيف حال ميليسا؟

- دائما مشغولة لدرجة انها لم تجد وقتا لتشكرك على رداء الرقص الذي اعطيته لها .
لوحت باتريشيا بيدها علامة على ان الأمر لا اهمية له فاكملت مارجريت الحديث:
- إنها تقضي كل وقتها في الرقص ومن الممتع ان تشاهديها . ولكن كيف حالك أنت ؟ أليس هناك جديد؟
كيف لباتريشيا ان تحدثها عن جيف؟ وكيف يمكنها الاحتفاظ بثقتها عندما تعلم بالصلة بينهما وبين محامي الخصم ؟احست باتريشيا اكثر من اي وقت ان عليها ان تدفن عواطفها نحوه .ريحانة
- حسنا , لم اقابل حتى الآن امير احلامي.
سعدت المحامية وهي ترى البسمة ترتسم على شفتي صديقتها . وعندما غادرت السيدة داريان مكتبها كانت اكثر استرخاء وثقة بنفسها عما كانت عليه عندما دخلت .
بعد رحيلها ظلت باتريشيا لحظات تفكر وهي ساهمة وعيناها مركزتان على صورة والديها وهي اللمسة الشخصية الوحيدة في مكتبها حيث المراجع القانونية تملؤه, عاد جرس الهاتف الداخلي إلى الرنين مرة اخرى وسمعت صوت سوزان يعلن :
- السيد ديفيز هنا !
كانت باتريشيا مشغولة هذا الصباح حتى إنها نسيت ان تراجع مواعيدها المسجلة في مفكرتها .
ومع ذلك كان عليها ان تتوقعه فإن جيف ديفيز ليس من هؤلاء الذين يمكن ان يتراجعوا عند اول رفض. ولهذا القى عليها كلمة إلى اللقاء قريبا وهو يلوح لها مودعا في ليلة امس ! كم تغيرت الأوضاع منذ ان طلبت منه ببرود ان يأخذ موعداً من سكرتيرتها في اول لقاء لهما .ولكن الحقيقة هي ان عليها ان تهتم بقضية داريان قبل أي شيء. ريحانة
سارعت بأن خرجت المرأة من حقيبة يدها ووضعت لمسة خفيفة من احمر الشفاه فلا ضرر من ذلك. ولكن الوقت افلت منها حيث قالت لسكرتيرتها ان تدعه يدخل . حاولت باتريشيا ان تلجأ إلى الهدوء فاسترخت في مقعدها وسعلت لتسلك حلقها ولتتخلص من الغصة التي تكونت في حلقها .
قال جيف وهو يدخل الحجرة وينظر إليها نظرة ثاقبة :
- انت فاتنة اليوم ولكني افضلك في زي التنس.
- ارجو ان تحتفظ لنفسك بهذه التعليقات الفاضحة والتي لامكان لها في هذا الجو الجاد ولتقتصر علاقتنا على الجانب المهني.
- هذا امر طيب ! سنلعب حسب قواعدك لحين صدور اوامر اخرى هل يمكنني الجلوس؟
سارعا بالإجابة :
- طبعاً.
- عبر جيف الحجرة بينما بذلته الرسمية الرمادية المكونة من ثلاث قطع لم تعق حركته الرشيقة . جلس في استرخاء امامها ثم فتح اقفال حقيبة اوراقه الجلدية واخرج منها ملفاً. قالت باتريشيا :
- اتعشم ان تدخل في الموضوع مباشرة .
- ليس من عادتي ان ألف حول الموضوع وأدور , لقد صدر الحكم من خمس سنوات ومن وقتها ضاعف موكلي مرتين مقدار نفقة الإعاشة وهو مقدار كاف لمواجهة ارتفاع الاسعار.

قاطعته :
- هذا الأمر محل مناقشة , هذا يعتمد على الارقام التي اسست عليها حساباتك.
- لقد اعتمدت على الارقام الرسمية لوزارة المالية والتي تعد مقبولة ومناسبة .
- استمر إذن ! انت تعرف جيداً ان نسبة التضخم في لوس انجيلوس أعلى بكثير من نسبة التضخم على المستوى القومي ومن جهة اخرى لدي هنا الدليل انه خلال شهرين لم يقم موكلك بالوفاء بالنفقة مما دعانا لإقامة الدعوى ضده .
- هل يمكنني ان اذكرك انه خلال الشهرين المذكورين لم تقضي ميليسا عطلة نهاية الاسبوع مع موكلي حسب ما أمر القاضي.منتديات ليلاس
بدأت باتريشيا تفقد شيئا فشيئا برودة اعصابها وتصلب جسدها ورفعت من صوتها :
- لم تقضي ميليسا عطلات نهاية الاسبوع عند موكلك لأنها تقوم الآن بجولة مع فريقها للرقص.
- لقد التمس موكلي حضور هذه العروض ولكنه طلبه رفض.
- لقد ساندت مارجريت داريان ابنتها دائما اثناء العروض وكان وجودها ضروياً للغاية واقترحت تغيير موعد الزيارات.
- وهو أمر كان من المستحيل تحقيقه لأن موكلي كان مشغولاً بعمله ...
- ها قد وصلنا إلى مربط الفرس. من سنوات وموكلك يفضل عمله على ابنته !
- وهذا ليس بالأمر الغريب! خاصة ان عليه دفع هذه النفقة الباهضة كل شهر .
كان جيف قد رفع ايضا صوته واضاف :
- والآن تودين جره إلى المحاكم لتنزعي منه المزيد.
- اسمح لنفسي بأن اذكرك انه هو الذي اصر على ان تدخل ابنته مدرسة خاصة .
- ربما كنت تفضلين ان يهمل تعليمها!
فجأة احسن جيف بأن مواجهتها زادت حرارة فصمت ثم هز رأسه قبل ان يجيب بلهجة لطيفة :
- لماذا نتوتر هكذا ؟ واتعشم ان نسوي هذه المسألة بطريقة حضارية أكثر.
- انا مستعدة للمحاولة .
مال جيف فوق المكتب :
- إذا اردت رأيي وهذا الأمر سر بيني وبينك فإن احداً لن يخرج رابحاً في القضية الجديدة . ولست محتاجاً إلى أن اشير إلى شعبية ريك داريان . إن صحافة الفضائح ستجد منه مادة دسمة عندما تجريه إلى المحاكم واعتقد ان ماجريت ستتأثر ايضا من هذه الدعاية حيث ستجد نفسها تحت الاضواء.
- إذا كان موكلك متمسكا إلى هذا الحد بتجنب القضية فلم لا يسوي دفع المستحقات لمطلقته ولم لا يقبل هذه الزيادة التي لا تشكل أي استغلال له؟
- لنلق الأوراق فوق المائدة يا باتريشيا ونتحدث بصراحة . إذا جررتنا إلى المحكمة فإننا سنطالب بمد فترة الزيارة .منتديات ليلاس
- ولن تحصل عليها .منتديات ليلاس
- اتريدين ان تراهني ؟ انت تعرفين ان الأمور تغيرت خلال خمس سنوات والقضاء الآن اكثر استجابة لحقوق الآباء.

زاد ميل جيف على المكتب واحست باتريشيا برائحة ماء التواليت الذي اصبح مألوفاً لديها الآن .
- إنك لم تجب عن سؤالي , لماذا لا يقبل دفع المتأخرات وقبول التسوية ؟
رد عليها جيف :
- لسبب بسيط وهو ان موكلي لم يعد لديه موارد مالية .
لم تنخدع باتريشيا بلهجته الواثقة وهي تعرف ان ذلك ليس سوى خدعة لحماية شراهة موكله . مد جيف يده ليغطي يدها فغضبت لاستغلاله علاقتهما الخاصة بهذه الطريقة حتى يؤثر عليها سحبت باتريشيا يدها في الحال وقالت بصوت مثلج :
- لا اصدق كلمة مما تقول . إن ريك داريان يقتني ثروة حقيقية . ولا تحاول ان تؤثر على عواطفي فلدي النية الصادقة ان أنهي هذه القضية بانتصار موكلتي .ريحانة
- كوني عاقلة يا باتريشيا .
نهض فجأة وأراد ان يضع كفيه على كتفيها اللتين غطستا في مقعدها وهي تصيح :
- اخرج من هنا , لقد بدأت اعتقد اننا لن نتفاهم إلا امام المحكمة!
رد جيف وهو يتجه نحو الباب :
- حسنا , كما تحبين ولتذهب صحافة الفضائح إلى الجحيم وسنذهب إلى المحكمة وسنرى إن كانت موكلتك ستنتصر.
خرج وهو يصفق الباب .
كانت باتريشيا ترتجف من الغضب وحاولت ان تعود إلى العمل ولكن دون جدوى . وعندما ارادت ان تمسك ملفا باصابعها المرتعشة افلت منها وتناثرت المستندات فوق الارض واخطأت وهي تدير رقما في الهاتف كانت تحفظه عن ظهر قلب.
انتهى بها الأمر ان استسلمت وبدأت تفكر في قضية داريان وسرعان ما ندمت على انفعالها وهي تدري ان دفاعا حاذقا عن موكلتها يعتبر عذرا امام جيف , ادارت رقم هاتفه ولكن سكرتيرته اعلنتها انه ليس بمكتبه.منتديات ليلاس
ركزت على الرسائل العاجلة التي تركتها سكرتيرتها وتذكرت العديد من الاشخاص الذي حاولا الدخول في علاقات معها ثم ادرات رقم الهاتف مرة ثانية . اجابتها السكرتيرة :
- اوه! أنا آسفة لقد كان هنا من دقائق ولكنه اضطر للغياب مرة اخرى لتناول غداء عمل. هل يمكن ان تتركي له رسالة اسمك ورقم الهاتف ؟ وستصل بك عند عودته .
- هذا يعني انه , خبريني هل كانت لديه مواعيد مسبقة قبل الغداء؟
- لا , لا اعتقد ذلك .
- متى من المتوقع ان يعود ؟
- بعد حوالي الساعة .
- شكراً جزيلاً.
خرجت باتريشيا كالعاصفة وذهبت لشراء زبادي من البقالة المجاورة ثم صعدت سيارتها التويوتا الزرقاء . اضطرت لتخفيف السرعة القانونية وعندما وصلت إلى ناطحة السحاب التي يقع فيها مكتب جيف تسترت باتريشيا بالظل داخل الجراج في بدروم العمارة .
واخذت تجوب الدهاليز بحثا عن مكان خال لسيارتها تعرفت على سيارة جيف من لوحاتها المعدنية ذات الحروف الأولى من اسمه ج . ت . ر . جيف . ت . ديفيز .