الفصل الثالث

لم تنم باتريشيا نوما جيدا هذه الليلة . كانت تتقلب في الفراش حتى ظهور الأشعة الأولى للفجر كانت مشاعرها المتضاربة نحو جيف مختلطة مع ذكرياتها حول حادثة موت والدها القاسية .
كان الموضوع يعود إلى عشر سنوات مضت ولكنها لم تنس الألم الممض والرهيب الذي امسك بها عندما اعلمتها أمها بالخبر .
وبعد وفاة والدها اتهم بأن لديه اموالا غير قانونية نتيجة عمله في موضوع سري للغاية. ولكن الكابوس والمأساة لم ينتهيا عند هذا الحد . فقد تعرضت أسرة موران لحملة صحفية ضارية وقذرة مما أدى إلى حرمانهم من كل الموارد المالية .
كان على باتريشيا ان تعمل جاهدة وبمشقة شديدة للحصول على منحة دراسية في جامعة لوس انجلوس وحتى تتمكن من ان تعيد سمعة والدها إلى ما كانت عليها من نقاء. ولكنها كلما توغلت في دراسة القانون اصبح من الصعب ان تخوض هذه المعركة . إنها لا تستطيع ان تثبت براءة ابيها لسبب بسيط هو انه مات .

استعصى النوم عليها وحتى وجود قطها الابيض في أسود والذي سمته دومينو لم يخفف من عذابها او يسري عنها . اخيرا حلمت حلما مليئا بالشوق بلعب فيه جيف دورا رئيسيا جعلها تغرق في نعاس لذيذ إلى ان استيقظت فزعة على صوت رنين جرس المدخل .منتديات ليلاس
كان المنبه يشير إلى العاشرة والنصف. ارتدت بسرعة روب دي شامير وسارعت إلى الباب وهي تنتظر ان تجد هناك كارين , سألت في حذر :
- من بالباب ؟
رد صوت رجولي :
- إنه أنا ... جيف.
- جيف ؟ ولكن ماذا تفعل هنا ؟!
مررت يدها في عصبية على شعرها . ووارت الباب وهي تختبئ خلف ضلفته .
قال وهو يناولها مضرب التنس:
- لقد ظننت انك تودين استعادة هذا .
- اوه , يا إلهي ! كيف نسيته ؟
- ربما بسبب استعجالك الهروب من الذئب الشقي.
احست باتريشيا بالخجل من تصرفها الصبياني في مساء الليلة السابقة .
- شكراً لإحضاره وأقل ما يمكنني عمله هو ان اقدم لك قدحا من القهوة حتى لا يكون حضورك من بل اير دون فائدة .ريحانة
- وكيف علمت انني اسكن في بل اير؟
اخذت باتريشيا على حين غرة . هل اعطاها عنوانه ؟ احمر وجهها وادركت انه لم يفعل .
- يبدو عليك الضعف والبراءة عندما يحمر وجهك هكذا وهذا يدعو لأن اصرح لك إلى أي مدى تسببين لي بالاضطراب .
بدا جيف تمثيليته واقترب منها وربت على وجنتها المشتعلة . رفعت عينيها إليه وذابت كل مقاومتها وترددها . همس بصوت متقطع :
- باتريشيا ! كم انت فاتنة وبشرتك ناضرة وناعمة كمالحرير. وكم أنت رائعة وانت على سجيتك.
احست انها تذوب من السرور وودت ان تفصح عن عاطفتها المكبوتة من زمن بعيد جدا بسبب ظروفها المأساوية وحبها الفاشل.
كم رغبت ان تصيح امام كل العالم ان مكانها بجوار ذلك الرجل : فجأة ادركت باتريشيا ان الأمور تجاوزت الحدود بسرعة غير معقولة وعلى عكس ما وضعته لنفسها لقد انتصر العقل على الغريزة فابتعدت عنه وفهم جيف ترددها وقال :
- أنا آسف يا باتريشيا يبدو انني دفعت الأمور أسرع مما يجب .
- ليس أمامي سوى ان افكر .منتديات ليلاس
اشاحت بوجهها . كم تود لو تثق به ولكن ذكرى خيانة مايك برزت امامها , قال جيف:
- اعترف بأن الأمور سارت بسرعة ولكني واثق بما احسه نحوك.
ابتعد عنها بدوره وهو لا يرغب ان يعطي انطباعا انه يحاصرها . ساد صمت بينهما بعده قال جيف:
- أنا احب جدا هذه الحجرة وكل هذه النباتات رائعة لابد انك خبيرة في النباتات.
- من حسن حظى ان حصلت على حجرة مشمسة .

- أليست هذه إحدى لوحات فولون المعلقة فوق المقعد؟
- نعم إنها هدية من عمتي .ريحانة
كانت عمتها قد ساعدتها كثيرا في السنوات التي تلت الفضيحة ولولا مساندتها - ورغم المنحة الدراسية فمن المحتمل ألا تكون قد انهت دراسة القانون .
سألها جيف وهو يراها ساهمة ومستغرقة في التفكير :
- هل هناك ما يسيء إليك؟ انت تعرفين يا باتريشيا ان بامكانك أن تثقي بي وأنا رجل أصيل.
التفتت باتريشيا نحوه وهي تبتسم . إنها تحس بالراحة الشديدة بجواره وكأنهما متعارفان من وقت طويل. أخذ ينظر إليها في هيام إلى ان قفز فجأة فزعا وهو يصيح :
- ما هذا ؟
نظرت لتجد فقط دومينو معصورا بين كعبي جيف صرخت :
- دمينو ! هل أنت بخير ؟
تخلص الحيوان من أسره وقالت شارحة :
- إنه قطي , وهو غيور جدا.
- واضح ! عندما لا يقاطعنا القط يبدو أنك تتعمدين ذلك .
ردت عليه باتريشيا وقد دهشت لحدته :
- ليست لي سيطرة على الهاتف كما لا استطيع أن أثير قطي.
- اعرف , أعرف وأرجوك ان تسامحيني فإن ذلك من تأثير المفاجأة .
- اعتقد انه من الأفضل ان ترحل.ريحانة
توقعت ان يحتج ولكنه لم يفعل وقال :
- أنت امرأة يا آنسة موران يبدو أنك واثقة تماما بنفسك وفي لحظات اكتشف سذاجتك .
- من فضلك يا جيف!
- لنقف عند هذا الحد . ولست مضطرة ان تبرري أي شيء وأنا أرفض فقط ان أتركك وأنت غير مسرورة ما رأيك في تناول وجبة سريعة ؟
- حقا يا جيف لا اظن .
- هل تعرفين مطعم ويستوود مركيز ؟
- لا , ولكن ...
- لا داعي لـ لكن هذه, هيا إلى هناك إنه مطعم ساحر وأنا واثق بأنك ستحبينه .
***

احبت باتريشيا فعلا مطعم ويسوود مركيز وجوه الشرقي . كانت الأرضية كلها مغطاة بسجاد عجمي بينما زهور نادرة تنثر عبيرا وسط الأثاث الأرابيسك المطلي باللون الذهبي.
بينما انتظر جيف وباتريشيا ان تخلو مائدة اخذا يحتسيان عصير البرتقال المثلج ويتسليان بفحص زبائن المطعم . كان المطعم وكأن أشيك أهالي لوس انجلوس قد تواعدوا على اللقاء فيه وكان الرجال والنساء في منتهي الأناقة والثراء دون تصنع مثل جو المطعم نفسه ولكن سرعان ما نسيت باتريشيا الجمهور لتغرق في عيني جيف.

سرعان ما قادوهما إلى بوفيه سداسي الأضلاع وفي وسطه وقف رئيسا طهاة يرتدي كل منهما القبعة العالية البيضاء . بينما وضعا في كل مكان من البوفيه انواعا من الطعام الشهي من كل صنف ولون من فواكه البحر كالجمبري والاستاكوزا والكابوريا والمحار وبيض باشكال لا يمكن تصورها مسلوق ومقلي وعجة روسية وشكشوكة تركية ولحوم مدخنة من جميع البلاد وأكوام من الخبز والكرواسان والزلابية والكعك والغريبة وعن بعد كان قسم الفواكه غير التقليدية والخضراوات الطازجة على شكل قطع او مفرومة او معصورة او حلقات . صاحت :
- اوه يا جيف , إنه فاخر !
- اعرف انه سيعجبك .
بعد ان اخذا ما يريدانه من طعام قادوهما إلى مائدة منعزلة محاطة بنباتات غزيرة حتى ظنت أنها في حديقة وكان عازفو كمان غير ظاهرين يعزفون لحن إن عيني لا تريان سواك .ريحانة
قال جيف :
- أنا اعشق هذه الأغنية ولدي تسجيل قديم لعازف الجاز الشهير أوسكار بيترسون وأديره من وقت لآخر عندما أكون بمفردي .
- كنت اجهل انك تحب موسيقى الجاز .
كان والد باتريشيا نفسه مغرما الموسيقى .
- اعتقد انني قلت لك إن هناك كما رهيبا من الأمور لا تعرفينها عني.
- حقا ؟ إذن خبرني ماذا تفعل بوقت فراغك عندما لا تدخن السجائر او تسمع موسيقى الجاز؟
- ظريفة للغاية ! حسنا , اعلمي انني ألعب كرة البيسبول مع فريق من الهواة . وفي آخر سنة في الداخلية التي ارسلوني إليها التقيت بمدرب استطاع ان يحول نشاطي الإجرامي الزائد إلى قنوات الرياضة وربما أنا مدين له بالجميل لأنه هو الذي وضعني على الطريق السليم . لقد جربت كل شيء خاصة البيسبول والتنس بل في الحقيقة كان من الواجب ان أصبح لاعباً محترفاً ولكن فكرت ان الحقوق ربما كانت أكثر واقعية . ماذا تريدين ان تعرفي ايضا ؟ اوه إنني اعشق حضور مباريات البيسبول طبعا ولدي تذاكر شرفية من فريق لوس انجلوس واتعشم ان تصحبيني في يوم ما. ما رأيك في عطلة نهاية الأسبوع القادمة؟
قالت باتريشيا وهي تتنهد:
- أنت تعرف جيدا أنني لا استطيع يا جيف.منتديات ليلاس
- بل بالتأكيد تستطيعين ولكنك لازلت تفكرين في قضية داريان , أليس كذلك؟
- ليست هي فقط , فيها وفي شيء آخر.
- كلي آذان صاغية .منتديات ليلاس
هل كانت لهجته الصادقة او جو المطعم الساحر؟
انطلقت باتريشيا في اعترافاتها وقصت عليه مغامرتها مع مايك وكيف انها جعلت مهنتها في المقام الثاني لمجرد رغبتها في ان تتبعه لواشنطن .
- لست ادري لماذا أقص عليك ذلك. إنها ليست سوى ذكريات مؤلمة ولكنها جعلتني افهم انه في الحياة لا تحدث الأمور كما نتمنى ان تحدث.
- لقد واجهت تجربة قذرة عند بداية مهنتك ولابد ان الأمر لم يكن سهلا عليك.
- إنها الحياة ! ولا جدوى من بناء قصور من الرمال.
- اعرف انه يلزمك وقت طويل لتنسي . ولكن سيزداد سوءا لو رفضت ان تعطيني ثقتك من الآن فصاعداً.

نظرت إليه باتريشيا طويلا , هل يمكن ان تثق به ؟ لحسن الحظ حضر النادل ليقطع استجوابه لها وهو يقدم ورقة الحساب.منتديات ليلاس
استأذنت باتريشيا من جيف بضع دقائق وواعدها على ان تقابله في البهو .
ذهبت لإصلاح زينتها في دورة مياه سيدات وبينما كانت تمرر اصبع احمر الشفاه على شفتيها لمعت عيناها سرورا .
عندما وصلت البهو ابتسمت وهي ترى جيف ولكن فجأة امتقع وجهها . لم يكن بمفرده . كانت حسناء ذات شعر احمر ملتصقة به وهي تهمس في اذنه شيئا ما .
صعقت باتريشيا وثبتت في مكانها . لقد احست بألم في معدتها بسبب الغيرة . اصبح من الواضح تماما ان ما بينهما هو اكثر من معرفة عابرة . لم يستطع جيف ان يراها لأن المرأة كانت تسد عليه الرؤية. هل هو نفس الرجل الذي كان يحدثها في براءة وهو يربت على يدها ؟ هل هو نفس الرجل الذي كان بيهمس لها كلمات مطمئنة ؟ أليس جيف مجرد مغوي نساء سوقي؟ ثم ألم يكرر عليها مايك باستمرار انها امرأة حياته؟ اخذت باتريشيا توزان بين ما ستفعله عندما تتركه ذات الشعر الأحمر ليذهب إلى بهو المطعم .
مرت على بعد مترين من المرأة ذات الشعر الأحمر ولم تستطع أن تنكر مدى فتنتها والزينة الزائدة التي استخدمتها خاصة احمر الشفاه الأرجواني الذي يشبه ما كان على عقب السيجارة في سيارة جيف . خطت باتريشيا وهي لا زالت تحت تأثير الصدمة ودخلت البهو . قال جيف وهو يمد لها يده ولكنها رفضتها :
- آه ! هانت حضرت !
سألته بلهجة حاولت ان تجعلها عفوية :
- مع من كنت تتحدث من لحظات ؟
- مع من كنت اتحدث ؟ آه ! نعم إنها مجرد عميلة , هل نرحل ؟
لم تصدق باتريشيا كلمة واحدة مما قاله ولكن لم يكن لديها الوقت لتخبره ذلك. في الحقيقة ضرب رجل ذو كرش جيف على ظهره.
- ميتش ! كيف حالك ايها الصديق العجوز؟
كان من الواضح ان الرجل مخمور . رد جيف :
- آسف يبدو انك اخطأت الشخص المقصود .
نظر المخمور إلى جيف نظر مضطربة .
- حسنا , إنها جميلة هذه المزحة ! انا مستعد أن أراهن بعمري أنك صديقي العجوز ميتش ليرنر ومن الظهر أنت تشبهه وكأنكما توءمان , ارجوك ان تسامحني .منتديات ليلاس
قال جيف قبل ان يستدير نحو باتريشيا :
- حصل خير! هل نرحل؟
- هيا بنا .
عضت باتريشيا شفتها . بعد هذه الحادثة الصغيرة كان من المستحيل ان تعود بالحديث حول تلك الفاتنة ذات الشعر الأحمر مرة ثانية دون ان تبدو غيورة او حقيرة .
عندما اتجها لركوب السيارة حاول جيف ان يلف ذراعه حول وسطها ولكنها زاغت منه وإن لم يبد عليه انه تأثر من ذلك .
في طريق العودة لم تنطق بكلمة وهي مشغولة الذهن بالتساؤل هل جيف زير نساء من الواضح ان لديه كل المؤهلات لذلك.
اخيراً قال جيف معلقاً على صمتها :
- هذه الوجبة الرائعة جعلتك لا تميلين إلى الثرثرة هل هناك ما يزعجك؟
- ليس أكثر من الأمور المعتادة .
- ماذا تريدين ان تقولي ؟ لقد ظننت ان كل شيء على مايرام.
وقف امام العمارة التي تقطنها باتريشيا وقال :
- إنني اضع مشروعات كبرى بالنسبة لنا يا باتريشيا ولا انوي ان اجعلك تتسربين من بين اصابعي . سأترك لك الوقت ولكن لا تهربي مني .منتديات ليلاس

نهاية الفصل