لم تكن تتخيل ابداً ان ذلك الصوت الحازم واللاذع الذي سمعته في الهاتف يمكن ان يكون لهذا الرجل الشديد الثقة بنفسه . والذي اخذ يذرع المكتب ذهاباً وإياباً وقد بدا عليه نفاد الصبر , لم تستطع باتريشيا ان تمنع نفسها من الإعجاب ببنيته الرشيقة والقوية . سألته :
- حسناً يا سيد ديفيز ماذا يمكنني ان افعل لك ؟
كانت باتريشيا مدركة لأهمية المواجهة وفهمت ان عليها ان تلبس قناع البرود المهني وواجهت نظرة الدخيل العميقة ثم رفعت في إهمال خصلة من شعرها سقطت على جبينها . بدا ان جيف ديفيز تردد لحظات ورسم ابتسامة على فمه بينما بريق جديد اضاء وقال :
- يا إلهي ! لم اكن اتصورك هكذا !
- آه ؟ ماذا تعني بهذا ؟
- كنت أعلم انك امرأة دون شك ولكن نظراً لصوتك الجامد لم أتصور انك بهذا الجمال .ريحانة
رغم جهدها ان تتمالك نفسها فقد صعدت الحمرة إلى خديها . سمعت نفسها تجيب :
- حقاً ؟ هل يمكنني ان اسألك عن سبب هذا الاقتحام ياسيد ديفيز ؟
- إن الأمر يتعلق بمسألة داريان طبعا , لقد اعتقدت أننا اتفقنا على ان عميلينا من الأفضل لهما تسوية خلافاتهما خارج المحاكم , وهانا اليوم اتلقى هذا ...
اخذ يحرك بكل امتعاض مستنداً ألقى به على مكتب باتريشيا .منتديات ليلاس
- في الحقيقة يا سيد ديفيز هذه المطالبة لم تكن مجهولة بالنسبة لي . وكي اصدقك القول فقد حررتها بنفسي, ويبدو انك نسيت أن عملي هو حماية السيدة داريان .
استرخت على مقعدها وهي مصممة ألا تتأثر بأي حال من الأحوال . استأنف السيد ديفيز حديثه .
- انا على علم تام بما يجري . ولكني اتساءل إن كنت قد تجاهلت سهواً قرار المحكمة الاصلي . إن جميع نقاط النزاع قد تمت تسويتها بوضوح .
اخذ يمشي امامها ذهاباً وإياباً وكأنه يحاول التأثير على المحلفين في جلسة محاكمة . كان في إمكان باتريشيا ان تطلب منه الوقوف ولكن ذلك كان سيرفع من قيمته كممثل للخصم . كانت مشيته رشيقة وبدت عليه هيئة لاعب التنس . ورغم ان باتريشيا توترت من هذا المظهر إلا انها ازدادت حيرة من شخصيته.منتديات ليلاس
- انت تعلمين يا آنسة موران مثلي ان حضانة الطفل يصحبها الحق في رؤيته وبالنسبة للموضوع الذي يشغلنا فإن المخالفة واضحة ومحددة .
رفع حاجبيه ثم استأنف الحديث:
- وعليه فإنه جهد ضائع اللجوء إلى القرار الذي اتخذته المحكمة .
- اسمح لي ألا أكون مقتنعة لهذه الدرجة مثلك يا سيد ديفيز وعلى اية حال فإن ذلك في مصلحة موكلتي.
ارادت باتريشيا ان تضيف ان هناك مصلحة شخصية لها في هذا الموضوع حيث إن مارجريت داريان ليست عميلة لها فحسب وإنما هي ايضاً صديقة ولكنها فضلت السكوت , ثم قالت :
- ولا حاول ان تدور حول الموضوع وتلف يا سيد ديفيز إذا كنت لا تريد حكما ثانيا فإن ذلك يرجع إلى انك تخشى ان تسيء إلى سمعة السيد ريك داريان وصورته امام المجتمع . فكر إذن في مدى الدعاية السيئة لمقدم برامج تليفزيونية شهير . وإذا كنت مقتنعاً إلى هذه الدرجة ان الحكم الأول سيتم تأييده فلماذا انت هنا تذرع مكتبي ؟

وقف جيف ديفيز في الحال متخشبا واستدار نحو الشابة . تشابكت نظراتهما , ثم فجأة بدا كل شيء يختفي حولهما واحست باتريشيا ان نبضها يسرع . كانت التجربة قد علمتها ألا تعارض أي مقاومة صلبة . ألم تعد نفسها في المستقبل على ان تكون علاقاتها مع المحامين علاقة مهنية بحتة ؟
استأنف:
- يجب يا آنسة موران ان نتكلم في كل هذا قبل ان نرفع الأمر إلى القضاء .
- في هذه الحالة اقترح عليك ان تعود إلى قاعة الانتظار وتأخذ موعداً من السكرتيرة .
دهشت من البرودة المؤدبة التي شابت كلماتها رغم الاضطراب الذي سببه لها وجوده , تظاهر بأنه سيترك الغرفة ولكنه تحول نحوها :
- في الحقيقة هل هي آنسة ؟
- من الصعب علي ان افهم مدى علاقة ذلك بالموضوع الذي نحن بصدده .
- في الحقيقة لا توجد اي علاقة ولكنه يهمني جداً بصفة شخصية .ريحانة
- انت يا سيدي ...
- هيا ! لا تسيئي الظن ولا تتجهميني لأنك بهذا ستصابين بالتجاعيد في وجهك في وقت مبكر .
مد ذراعيه في حركة هدنة ثم خرج دون كلمة , ظلت باتريشيا في مكانها مذهولة وافلت منها .
- يا للوقاحة ويا للفظاظة !
ولكن بداخلها احست بالفخر لما أثارته من اهتمام لدى ذلك الرجل ذي النظرة الجذابة المليئة بالرجولة . كيف يمكن ان تحس في آن واحد بأنها منجذبة ومغتاظة من ذلك الرجل؟ من الواضح ان جيف ديفيز بهذه البنية الرياضية لا يجد صعوبة مع النساء. ومع ذلك فإن الانجذاب الذي شعرت به نحوه لم يكن انجذاباً جسدياً فحسب, فمن اللحظة الأولى التي اقتحم فيها مكتبها احست باتريشيا ان بينهما انجذاباً عميقاً وكأن الجو مشحون بالكهرباء.
دارت فوق مقعدها الفاخر المكسو بالجلد واخذت تتأمل المنظر الذي أمامها . كانت اشعة الشمس تمسح شرفات المنازل البيضاء في ضاحية بيفرلي هيلز والتي برزت وسط الخضرة فوق قمة التل.
حلت باتريشيا شعرها الأسود الطويل واسدلته على كتفيها . إنها تفضله هكذا ولكنها كانت تجعله دائما في شكل ضفيرة حتى تبدو في شكل مهني صارم والذي كان من الصعب ان تبدو عليه نظراً لصغر سنها . بل إنها استبدلت البلوزات والجينات المنقوشة بالزهور بتاييرات من صوف الفانيلا .
زفرت وهي تقول لنفسها كفى احلاما استعدت لاستئناف دراسة الملف الذي كانت تدرسه قبل المقاطعة عندما رن جرس الهاتف الداخلي .منتديات ليلاس
- باتريشيا ! باتريشيا ! هل انت موجودة ؟
- نعم يا هارولد .
كان هارولد سيمون رئيسها واحد مؤسسي مكتب جوردون وسيمون .

" آه ! أنا سعيد لأنني وجدتك , إنني أود فقط ان أؤكد على حفل عشاء الليلة وأرجو ألا تكوني نسيت ؟
- لا , لا يا هارولد لم أنس .
- حسناً ! سأمر لأصحبك حوالي السابعة مساء هل هذا يناسبك ؟
- ممتاز , سأكون مستعدة .
- هل كل شيء على مايرام يا باتريشيا ؟
- طبعاً بالتأكيد , لماذا تسألني هذا السؤال؟
- لست أدري , هناك شيئاً ما في صوتك وأتعشم ألا تشغلي بالك بموضوع داريان .
- لا , لا لقد تأثرت من اهتمامك بي ولكن اطمئن كل شيء سيسير إلى افضل . إلى اللقاء هذا المساء!
***
فيما بعد وباتريشيا في منزلها لم تستطع ان تمنع نفسها من التساؤل عما إذا كان جيف ديفيز سيحضر حفل العشاء المقام لصالح المحامين . إنها لا تتذكر انها رأته خلال اجتماع المحامين الاخير.منتديات ليلاس
في العادة لم تكن باتريشيا من النوع الذي يقضي ساعات طويلة في اختيار ملابسها ولكن هذا المساء شدت عن القاعدة لأن جيف ديفيز ربما يحضر الحفل . وبخت نفسها .ريحانة
"كفي عن هذه الأعمال الصبيانية " كيف تضيع وقتها في شخص شديد الوقاحة والغرور مثل جيف ديفيز"
كانت اطقم الفساتين مكومةفوق سريرها عندما قررت باتريشيا اختيار ثوب من الحرير لونه أزرق مثل عينيها وكان يبرز جمال قامتها , اما الحلي فقد اقتصرت على عقد من اللؤلؤ وساعة ذهبية . كان شبابها يسمح لها بأن ترتدي ثياباً بسيطة وطبيعية تناسب مهنتها .
كانت تفكر وهي تثبت سوار ساعتها في امها التي قدمتها لها هدية بمناسبة حصولها على دبلوم الحقوق من جامعة لوس انجلوس .
كان والداها يختلفان عن الأزواج الذين تراهم كل يوم في مكتبها . كانت انواع العذاب الذي يرتسم على وجوه هؤلاء الناس تجعلهم يبدون تعساء إلى حد بعيد. وتتساءل لماذا لا يعرف الأزواج السعادة التي كان يعرفها والداها إلى ان توفي والدها الذي كان يعمل عميلا في المباحث الفيدرالية ؟ ولكنها تريد ان تطرد هذه الذكرى المؤلمة .كان موت والدها والظروف التي احاطت به لا زالت مؤلمة حتى الآن .منتديات ليلاس
كانت تفضل ذكرى السعادة التي كانت ترفرف على والديها , كم مرة حلمت بأن تلتقي برجل يستطيع ان يقدم لها مثل تلك السعادة ؟.
سمعت صوت جرس الباب يرن , مررت باتريشيا المشط في شعرها بسرعة ووضعت نقطة من العطر فوق رقبتها وكفيها وراجعت احمر الشفاه في المرآة ثم جرت لتقابل هارولد .
***
عندما دخلت باتريشيا القاعة الكبرى في فندق بيفرلي ويلشاير بهتت من فخامة أعمدة البهو المرتفعة حتى السقف حين علقت الثريا من الكريستال والستائر من القطيفة . مسحت بانظارها الجمهور النشيط وهي تتعرف على بعض الوجوه المعروفة هنا وهناك . علق هارولد قائلاً :
- إنه حفل ناجح فإن عدد الجمهور أكثر من المرة السابقة .
- فعلاً.وافقته .
توغل الاثنان داخل البهو وهما يحييان هنا وهناك بعض الزملاء إلى ان امسك احد المحامين متوسط العمر بذراع هارولد وانتحى به جانباً ليناقشه في امر مهم .

قررت ان تنتهز الفرصة كي تذهب لإحضار قدح من المشروب المنعش , لسوء الحظ كان البوفيه يتعرض لهجوم وحشي من الزملاء واصبح من المسحيل عليها الوصول إليه , فجأة سمعت صوتا مألوفا يوجه الحديث إليها :
- أتدرين انها مصادفة بحتة؟
دارت على عقبيها ووجدت نفسها وجهاً لوجه مع جيف الذي قال لها وهو يناولها كأساً من عصير البرتقال .
- اعتقد ان هذا سيسعدك .
قالت معترفة :
- فعلاً, هذا بالضبط ما احتاجه , شكراً.
اضطربت يدها قليلاً وهي تمسك الكأس كان جيف ديفيز أكثر طولاً وجاذبية عما ظنته وتجنبت في حرص نظراته ان تتخلى عن الحكمة والتعقل , قال لها جيف معترفاً:
- أنا نادراً ما أحضر هذه الاجتماعات ولكني قلت في نفسي ربما اتيحت لي فرصة لقائك مرة اخرى وأرى انني كنت على حق عندما وثقت بغريزتي .منتديات ليلاس
كان صوته رقيقاً كهبوب النسيم خالياً من اللهجة الرسمية التي كان يتحدث بها في الهاتف والغرور الذي اظهره في لقائهما الأول .
خشيت ان تظهر باتريشيا انجذابها نحوه فاخذت تبحث بنظرها عن هارولد آملة ان يأتي ليخرجها من بين مخالب هذا الشخص الجذاب الخطر , قالت له :
- اتصور انك تريد مناقشة موضوع داريان ؟
قال بعد ان استطاع ان يأسر نظرات محدثته .
- هذا آخر شيء افكر فيه , لقد انتهى النهار وليس من عادتي ان اقوم بالعمل ساعات إضافية انني أريد الحديث عنك .
- إذن دعني اقول لك نصيحة جيدة , إن قاعدتي الأولى هي ألا اخلط ابداً بين حياتي المهنية وحياتي الخاصة .
- وانا اؤمن بأن القواعد وضعت كي تحترم .
للمرة الثانية احست بموجة من الاضطراب العاطفي ردت عليه بعد ان احتست جرعة من شراب البرتقال :
- وأنا افضل التمسك بقواعدي.
- وهذا ما قلته , ولكن عينيك تقولان العكس !
عضت على شفتها .
- باعتبارك محامياً لابد انك تعرف اهمية الكلمات مثلي .
- أنا وافقك على طول الخط .منتديات ليلاس
احست بالارتياح الشديد عندما امسك هارولد سيمون بذراعها وقطع في الحال هذه المبارزة .
- ارجو المعذرة يا جيف لأنني سأسرق منك باتريشيا حيث إن مائدتنا في انتظارنا .
- يا للخسارة ! لقد بدأنا لتونا نتعارف ولكني اعتقد ان عليّ أنا ايضاً ان نضم إلى مائدتي .
قال هارولد :
- سمعت برؤياك يا جيف في الحقيقة اتعشم ان تكون راضيا عن مضرب التنس الجديد.
فكرت تراس وهو اسم التدليل لباتريشيا إذن هذا هو السبب في قوامه الممشوق , قال جيف :
- لقد سعدت جدا ويجب ان نجري مباراة معا.
- لا يا جيف , لست من هواة تعذيب النفس, لقد انهكتني في آخر مرة. لم أعد شاباً كما تعلم.

بعد هذه الكلمات صحب هارولد رفيقته , إن باتريشيا تحب هذا الرجل كثيرا فهو الذي وضعها تحت حمايته من أول سنة لها بكلية الحقوق . وفي نهاية دراستها قدم لها وظيفة في مكتبه للمحاماة .
رغم ان باتريشيا كانت تتحرق شوقا ان تسأل رئيسها عن جيف ديفيز فإنها لم تجرؤ ان تفعل ذلك ولحسن الحظ قام هارولد بالمبادرة من ذات نفسه .
- ولد رائع هذا جيف ديفيز , إنه بارع في التنس براعته في زي المحامي .
- حقاً؟
- إنه لاعب ممتاز وإن لم يكن مثلك قد لعب في الدوري الجامعي.
- اوه , أنت تعرف ان ذلك لا يعني شيئاً , ففي التنس كما هو في كل المجالات هناك فروق كبيرة بين الجنسين.ريحانة
- أنا سعيد لأنني اسمعك تقولين هذا يا باتريشيا على اية حال مهما كان الامر فإنني لا اطيق صبرا على رؤيتك تواجهينه امام المحكمة رغم ان لديه سنوات خبرة اكثر منك .
طوال العشاء لم تستطع باتريشيا ان تقابل جيف وإن لم تمنع نفسها من مراقبته . كان على بعد عدة موائد منهما وقد أدار ظهره لهما واحياناً كان يميل ليتحدث مع جيرانه وبالتالي كانت ترى جانب وجهه الروماني وشعره الأسود الفاحم .
طلب هارولد للحديث الهاتفي واعتذر للشابة لبضع دقائق وبذلك استطاعت باتريشيا ان تتأمل وقتاً طويلاً ظهر ورقبة جيف وهي تتساءل إن كان يحس بأن نظراتها مركزة عليه . كانت لا تزال منهمكة في تأملاتها عندما عاد هارولد إلى مكانه بجوارها :
- باتريشيا ! باتريشيا , هل تسمعينني ؟
- اوه , ارجو المعذرة يا هارولد إنني افكر في شيء ما.
- نعم هذا واضح يا تريشيا أنا آسف ولكن أمراً مهما يستدعيني , خذي اعتقد ان هذا يكفي لدفع اجر سيارة الأجرة.منتديات ليلاس
لم يدع لها وقتا كي تعترض بعد ان دس في يدها ورقة بعشرين دولارا ثم سارع بخطوات واسعة نحو باب الخروج واسعة نحو باب الخروج في حين وقف اول المتحدثين يلقي كلمته من فوق المنصة .
حاولت ان تنسى جيف وتركز على ما يقوله المتحدث . وبعد نهاية الخطبة الأولى سارعت تطلب سيارة اجرة بالهاتف حتى تستطيع ان تفلت من بقية الخطب , بينما توجه طلبها إلى الموظف المسؤول سمعت صوتا خلفها يقول :
- لا داعي لذلك , يمكنك إلغاء الطلب.
صاحت غاضبة من الحرية التي سمح بها جيف لنفسه :
- انت مرة اخرى ! إنه لا ينقصك الوقاحة !
- لقد سمعتك تطلبين سيارة اجرة . فلا داعي لذلك لأن سيارتي تنتظرنا في ساحة الانتظار , هل تسمحين بأن تتبعيني ؟
احست باتريشيا ان عليها ان ترفض ولكن صوت جيف كان رقيقاً مقنعاً للغاية ثم إن اليوم انتهى .
- مادمت تصر...
- أنا أصر , ألا تعتقدين أن علينا ان نلقي اسلحة الحرب؟ على الأقل في الوقت الذي لا نكون فيه امام القاضي.
قالت :
- حسنا ! لنتوقف عن العراك على الأقل حالياً ولكني اقبل عرضك لسبب واحد انك تلح.
- تلقيت الرسالة .منتديات ليلاس
امسك جيف بذراعها وخرجا معا وسط رطوبة المساء, احضر موظف الساحة السيارة الفاخرة المرسيدس ذات اللون الرمادي الفضي حيث جلسا داخلها .