الفصل الحادي عشر

اخذت باتريشيا تفكر وهي تتأمل المنظر من خلال نافذة مكتبها كم اختلف العالم منذ اصبحت مع جيف زادت حياتها إثارة ومرحا كما بدت المناظر الطبيعية أكثر جمالا في عينيها . حتى عملها بدا أكثر اهمية الآن وهي تشارك جيف فيه. ازداد حبهما عمقا بمرور الأيام . وأبعدت عن ذهنها كل ما يمكن ان يزعج هذه الملحمة العاطفية والشاعرية الكاملة . كذلك لم تصرح لجيف بوجود مايك في لوس انجيلوس كان الاخير قد استطاع ان يهددها وهي غير متأكدة إن كان لديه بعض القرائن الدامغة ضد والدها أم لا . ولكنها استطاعت أن تقنع نفسها بالا تشغل بالها بهذا الامر.
وقعت عينا باتريشيا على الهاتف وأضاءت الابتسامة وجهها . لقد اتصل بها جيف لتوه من واشنطن حيث استدعاه عمله إلى هناك وكان مجرد سماع صوته كافيا لأن يشيع البهجة في وجه باتريشيا وكذلك الدهشة عندما اعلنها بالصلح الذي تم بين مارجريت وريك.منتديات ليلاس
اوشكت فترة ما بعد الظهر على الانتهاء وحان وقت الانصراف . مشطت باتريشيا شعرها بسرعة بالفرشاة وقد اسدلته فوق كتفيها ولم تعد صورتها المهنية تهمها طالما كانت ناجحة في عملها وليست في حاجة ان تبدو في صورة جامدة . عندما وصلت إلى بهو المدخل . دهشت عندما قابلت فيه سيد جوردون الذي صاح :
- او ! يا باتريشيا ؟ ألم ترحلي بعد ؟ هل يمكن ان تتبعيني ؟ اود أن اقدمك إلى العضو الذي سيحل محلي.
كان سيد جودون من المصابين بحمى العمل ولا يمكن ان يتصور إنه سيتمتع بمباهج وراحة التقاعد ولا شك انه وهو ممدد على الأريكة وفي يده كأس من الشراب المنعش لن يسعد زوجته . قالت له بلهجة خالية تماما من الفرح :
- إنني اجد صعوبة في تصديق ان هناك من يمكن ان يحل محلك يا سيد ولكني في الحقيقة في عجلة من أمري ...
كان على باتريشيا ان تتناول العشاء مع مارجريت وقد تأخرت على موعدها بالفعل .
- هيا , مجرد دقيقة.
كان سيد جوردون من النوع الذي لا يقبل أي رفض فاستقرار رأيها على ان تتبعه حتى قاعة المؤتمرات . عندما توغلت في القاعة الفسيحة احست فجأة ان قلبها بدأ يدق بشدة . رأت خمسة رجال في بدل سوداء جالسين حول المائدة المستديرة الضخمة وقد وضع كل منهم سيجارا في ركن فمه .

قال سيد :
- اقدم لك يا مايك باتريشيا موران واحدة من اعضاء المكتب ولكن غني عن الذكر انها واحدة من اجمل محاميات لوس انجلوس .منتديات ليلاس
لم تعرف باتريشيا لماذا تضايقت من هذا الإطراء. قال سيد يشرح :
- لقد عقد مايك معنا عدة لقاءات في الاسابيع الاخيرة .
ربما كان هارولد الذي كان واحدا من الرجال الخمسة قد نسي انه قدمها إليه من قبل . او ربما لم يرد ان يحرم صديقه العجوز من هذه المتعة قال لها :
- اجلسي يا باتريشيا .
- لا استطيع البقاء لأنني ...
- مجرد دقيقة .منتديات ليلاس
جلست باتريشيا على مقعد ذي مساند مكسو بالجلد امام المائدة المطلية بالورنيش اللامع. كان دخان السيجار يخنقها ولكنها كانت تعرف انه ليس السبب الوحيد في عدم الارتياح الذي تحسه . تابع سيد .
- إن مايك متخصص بصفة خاصة في قضايا الأعمال التجارية . ولكن لديه ايضا خبرة طيبة في قضايا الإرث رغم انها مزعجة وطويلة إلا انها قضايا مريحة اليس كذلك ؟
قال مايك موافقا :
- بصفة عامة ولكني وقعت اخيرا على حالة مثيرة للاهتمام . احد اصدقائي يدعى جيري هيريش ...
ارتجفت باتريشيا فزعا عند سماعها اسم هيريش ولم تتابع الحديث فترة قبل ان تنتبه ثانية .
- لقد مات احد موكليه دون ان يترك وريثا شرعيا ولكنه اوصى بثروته لعائلة احد عملاء المخابرات المركزية الذي توفي وهو في الخدمة .
رغم ان باتريشيا ظلت خافضة عينيها إلا انها احست بأن مايك يفحصها بإمعان .
- وقد وصلت إلى معرفة سبب اهمية القضية لقد اكتشف صديقي بدهشة بالغة ان العميل كان وثيق الصلة بعصابات المافيا.منتديات ليلاس
صاح احد الخمسة الكبار:
- هذا أمر مثير !
وافقه الباقون بثقة من يعرفون ماذا يدور في العالم . ولما ظلت باتريشيا صامتة وقد انكمشت على نفسها من الخوف تحولت كل الانظار نحوها . استطاعت ان تقول .
- مثير فعلا ! ولكن لابد ان اذهب بسرعة فقد تأخرت بالفعل .
دون مراعاة للأصول الدبلومسية انسلت واختفت فجأة ولم تستعد انفاسها إلا بعد ان اغلقت الباب وراءها .ريحانة
كانت ترتجف وقد حطمتها الأسئلة التي انهالت عليها وذهبت إلى المصعد ومنه إلى سيارتها . هل كان مايك يقول الحقيقة ؟ هل كان دونالد جيللر ينتمي فعلا للمافيا ؟ وهل هذا هو السبب في وصيته لصالح عائلة موران ؟ لو كانت معلومات مايك مؤكدة فإنها ستدين دون شك والدها .

في طريق عودتها من المطعم فهمت باتريشيا انه لم يعد امامها حرية الاختيار : لابد ان تذهب بسرعة إلى واشنطن . لقد باءت كل محاولاتها في الحصول على معلومات بالهاتف بالفشل . وفي انتظار الرد على الأسئلة التي طرحتها على نفسها كان عليها ان تتجنب مايك بأي ثمن . وقد تضطر إلى التفاوض معه .منتديات ليلاس

***
استرخت اعصاب باتريشيا قليلا وسط هدوء المطعم الفيتنامي الصغير والهادئ واحاديث مارجريت مع احتساء بعض المشروبات المهدئة والتي لم تصل مع ذلك إلى التركيز على محتويات طبقها من الطعام . كل ما كانت تفعله هو التقاط قطعة من الخضراوات او اللحم من وقت لآخر . سألتها مارجريت فجأة :
- هناك شيء ما في الجو أليس كذلك ؟ إن ذهنك بعيد عنا ...هل لأن جيف مسافر في رحلة ؟ متى يعود ؟
- بعد غد , ولكن دعينا لا نتحدث عني وإنما اريد ان اعرف اين كنت انت وريك .
احمر وجه مارجريت وارخت عينيها وهي تبتسم .
- إنني لا استطيع ان اصدق ما حدث, إنني عاشقة كأنني طالبة ولرجل تزوجته لمدة اثني عشر عاما أليس هذا تصرفا في منتهى الحمق؟
- بالعكس إنه أمر رائع ومذهل !
ظلت الشابتان فترة في صمت . وبعد ان تركت باتريشيا همومها لحظات عادت إليها مرة اخرى وثقلت على مزاجها . قالت مارجريت في إلحاح :
- هيا قصي علي ما يدور في ذهنك !
- لا اريد ان اثقل عليك بهمومي.
- من الضرر ان تكتمي تلك المشاكل في نفسك وانت تعرفين انني مستعدة لأن افعل أي شيء لمساعدتك .ريحانة
- اعرف هذا .
- هذا بسبب مايك أليس كذلك؟ لقد تقابل هو وريك ليحتسيا مشروبا مساء امس.
- ماذا ؟
- ماذا جرى يا باتريشيا ؟ لا شيء غريب فيما فعلاه . لقد كانا صديقين عندما كان مايك يسكن لوس انجيلوس .
- نعم اعرف .
- إذن ماذا جرى يا باتريشيا ؟
- إنها قصة طويلة للغاية .
وضعت مارجريت ذقنها بين كفيها وقالت :
- لدي كل الوقت للاستماع .
قبلت باتريشيا إذن ان تبوح بسرها إلى صديقتها , ان تشارك طرفا ثالثا ما تعانيه من تهديدات مايك ساعدها على استرخاء توترها . سألتها مارجريت عندما انتهت من حكايتها .
- يا عزيزتي المسكينة , اتودين ان اتحدث عن ذلك مع ريك ؟
- لا ... لا اريد ان افعل شيئا إلا بعد ان تصبح كل عناصر الموضوع بين يدي.

زفرت مارجريت :
- ماهذا الكلام . ولكن لا شيء ثبت على الإطلاق . وفي هذه البلاد فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته .منتديات ليلاس
- ليس عندما تمزق الصحافة الضحية الصفراء الضحية دون ان يتركوا لها أي فرصة ! ثم لو كانت إدانة أبي لم تثبت ابدا فإن براءته لم تثبت في نفس الوقت . ثم تأكيدات مايك لو كانت صحيحة فإنها ترجح إدانته . وأنا التي كنت احلم بالانتقام لشرف أبي ...
اختنق صوتها ثم استكملت الحديث:
- سأذهب إلى واشنطن وحتى انفذ ذلك لا يمكنني مقابلة مايك .
- إنني لا اصدق ان ينحط إلى هذه الدرجة من الوضاعة , ولا اصدق انه حكى عن ذلك لريك , على اية حال لم يقل لي ريك شيئا .
- لقد فهمت اليوم ان مايك لا ينوي التخلي عن عزمه .منتديات ليلاس
قالت مارجريت :
- آه لو كان جيف موجودا!
- اوه ! لا , لا اريد ان يعرف.
- كيف؟ أليس على علم بالموضوع ؟
- إنه لا يعرف شيئا ولا يعرف حتى ان مايك هنا في لوس انجيلوس .
- ولكن لماذا لم تخبريه ؟
- ربما كان هذا غباء من ناحيتي ولكني كنت آمل ان احل مشاكلي بمفردي.
قالت مارجريت في تعاطف :
- يا حبيبتي المسكينة ! ألا تريدين مني حقا ان اتحدث في ذلك مع ريك .
- لا يا مارجريت لا تقولي شيئا بعد ولكن الوقت تأخر ويجب أن اعود .
- من الأفضل لو اتيت لتنامي معي في بيتي .
- هذا لطيف منك ولكن لابد ان اعمل في ملف الليلة .
- لست ادري كيف تستطيعين التركيز . على اية حال لقد كنت على حق عندما تحدثت في الأمر مع أحد. ويمكنك الاتصال بي في أي ساعة .
- شكراً يا مارجريت وقبلي ابنتك نيابة عني وطبعا ريك ايضا .ريحانة

***
صباح اليوم التالي وجدت مذكرة على مكتبها يقول عاجل : اتصلي بالسيد تايلور في سنشري بلازا كان هذا هو آخر ما تود ان تفعله لتبدأ به يومها ! كانت باتريشيا تعلم انها لن تستطيع طويلا ان تتجنب لقاء مايك ولكنها كانت تحس انها ليست مستعدة بعد لمواجهته .
مر الوقت بطيئا متثاقلا وكانت سحابات قاتمة ثقيلة تعتم قمم التلال شيئا فشيئا .
في بيفرلي هيلز وفي نهاية مابعد الظهر هطل المطر على المدينة مما زاد كم كآبة باتريشيا .

فجأة سمعت طرقا على الباب وعندما رفعت باتريشيا رأسها كان جيف داخل مكتبها وهو يحمل سلة رائعة من الزهور بين يديه . قال وهو يتقدم داخل الغرفة :
- لقد فكرت ان هذه يمكن ان تبهج هذا اليوم الكئيب .
صاحت باتريشيا وقد اتسعت عيناها :
- ولكن ماذا تفعل هنا؟
- يا له من استقبال !
- اعني انني لم أكن انتظرك ان تعود بهذه السرعة لقد كانت عودتك مقررة غدا.
- لقد نجحت في أن احرر نفسي ولكني احس الآن انك لست سعيدة برؤيتي .
- إنني في منتهى السعادة لوجودك هنا!
- أنا احب ذلك افضل من الاستقبال الأول. لقد اتيت ولدي نية أن اصحبك إلى المطعم , ولكن اتتني فكرة افضل يا حبيبتي , لقد اشتقت لك.
- انا ايضا افتقدك يا حبيبي .
- اتعشم ألا أكون ازعجتك ؟ انت منهمكة في العمل.منتديات ليلاس
- إنني أعد بعض الملفات لأحملها معي إلى البيت .
- لدي إحساس يا باتريشيا انك تعملين اكثر من اللازم هذه الايام ويبدو عليك ان اعصابك على وشك الانفجار عندما تحدثت معك هاتفيا امس لابد ان تتوقفي . على اية حال هذا المساء على الاقل هل تتوقعين شيئا ؟
- لا يوجد أي شيء يمنعني من إلغائه , وأنا كلي لك .
- آه , حقا ؟ اتغيب بضعة ايام ويدخل رجل آخر في حياتك ؟
فجأة قتم وجه باتريشيا فسألها :
- ماذا هناك يا باتريشيا ؟
ترددت فحثها جيف :
- نحن بمفردنا ويمكنك ان تقولي لي كل شيء.
رفعت باتريشيا عينيها نحوه . كم اشتاقت إليه ! ولكن هو الآن معها فإن حبهما هو المهم . والباقي يمكنه ان ينتظر . لم يعد امامها سوى عينيه تغوص في اعماقهما ولم تعد تسمع قطرات المطر المتساقطة على زجاج النافذة واستسلم العاشقان لحبهما .
فجأة انفتح الباب على مصرعيه ففزع العاشقان وظهر مايك تايلور في فتحة الباب وعيناه مليئتان بالكراهية والاحتقار . قال في سخرية :
- هذا إذن هو ما منعك من الحضور .
بدأ جيف الحديث :
- ولكن ما هذا الذي ...
نهضت باتريشيا بعد ان تمالكت اعصابها وتقدم مايك نحو جيف وهو يمد كفه:
- اسمح لي ان اقدم نفسي انا مايك تايلور .منتديات ليلاس
اخذت عينا جيف تنتقلان بين مايك وباتريشيا . استأنف الشخص الكريه حديثه :
- وانت من تكون ؟
- اجاب جيف وهو يرفض مصافحة اليد المدودة له .
- جيف ديفيز .