كاتب الموضوع :
طُعُوْن
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: يراقصها الغيم / بقلمي
المقدمة
تتحرك بخطوات عشوائية و تدور حول نفسها بارتباك ..
متبعثرة ..
هذا أفضل وصف لها حاليًا ..
روحها متناثرة ..
تشتت عميق يكاد يفتك بها و يجعلها غير مدركة لما تفعل .. عيناها تفيض بدموع سخية ..
بشرتها شاحبة و مرهقة ..
وضعت يدها على ثغرها تكتم شهقة بكاء فلتت منها ..
.. لحظات فقط حتى دوى صوت صرختها في المكان ..
ثم جثت بانهيار على ركبتيها و تعالت شهقاتها دون بكاء ..
شهقات حادة جارحة قطعت عنها التنفس بشكل منتظم ..
وضعت يدها على صدرها بألم و حرقة ..
وهمست.. ببحة ..: منكم لله .. ماراح اسامحش انتي بالذات .. مارح اسامحش ..
بعد وقت طويل وقفت بجمود ..
تحركت بخطوات ذابلة حتى وقفت أمام مرآة تحتل الجدار .. نظرت إلى نفسها ..
عيناها التي انقلب بياضها إلى لون أحمر مخيف ..
أهدابها المبللة ..
وجفنيها المتقرحان من ملوحة دمعها ..
بضع شعرات التصقت بجبينها و وجنتها ..
نظرت إلى شعرها بنظرة قاتمة ..
دكونة لونه يمثل سواد قلبها الآن ..
رفعت يدها إلى قلبها حتى تضغط عليه بخفة و مرارة الغدر قد سكنته ..
أحرقته و لم يتبقَّ منه إلا رمادًا تذروه الرياح ..
شهقت مرة أخرى بألم و لكنها نهرت نفسها بشدة وهي تكفكف أدمعها..: بسش بكى .. ما تستاهل دمعة من عينش .. إنتِ أقوى من كذا ..
ألقت نظرة أخيرة بائسة على هيئتها ثم تحركت بهوان حتى تستحم ..
ستترك المنزل ..
لن تتحمل البقاء فيه أكثر ..
و هناك ..
تحت الماء كانت تبكي من جديد ..
تختلط دموعها مع الماء و لكنها تشعر بحرارتها ترهق روحها أكثر ..
لكمت الجدار بغضب و بهمس ..: ذبحتيني .. الله لا يبيحش على هالوجع اللي غرستيه بصدري .. الله لا يبيحش ..
استغرقت وقتًا أطول حتى استكانت نفسها ..
خرجت وهي تلتف بالمنشفة و تقدمت حتى فتحت الأدراج ..
أخرجت حقيبتها من أسفل السرير و وضعتها فوقه ثم شرعت بجمع أغراضها ..
عندما انتهت نظرت إلى المكان الخالي من أي شيء يخصها
و بجمود غريب لبست عبائتها و حجابها ثم تقدمت إلى الباب بخطوات صارمة ..
خرجت و السكون يعم المكان ..
تطلعت بنظرات خاوية على كل ما يمرها وهي تنزل الدرجات ..
بكل مكان في هذا البيت لها ذكريات و مواقف ..
و لكن حان الرحيل ..
لا عودة إلى الخلف ..
ما حدث كان الضربة القاضية لها ..
وصلت إلى الباب الرئيسي و فتحته بجمود ..
خرجت وهواء أبها يضرب بشرتها بعنف .. استنشقت فدخل إلى جوفها يقلل بعضًا من حرقته ..
رفعت نظراتها إلى السماء الغائمة ..
الليل بدأ بنشر خيوطه و أعطى السماء لون حيادي ..
زفرت بخفوت و تابعت خطواتها ..
عندما استقرت في الشارع التفتت إلى المنزل الشاسع خلفها ..
و الذي احتوى بين أركانه انطفاء شمعتها ..
فرت دمعة خائنة مسحتها بصلابة ..
و التفتت حتى تكمل خطوات الرحيل ..
خطوة بخطوة ..
هم من بدؤوا الطريق ..
وهي من ستنهيه ..
و إن كان اسمها شمعة فهي كذلك ..
إذا اشتعلت احرقت .. و إذا انطفأت بقيت صلبة ..
،,
دخلت ببطء و قد أنهكتها الرحلة الطويلة ..
تطلّعت إلى أرجاء شقتها بخواء سكن روحها ..
لا تشعر بأي طاقة لأي فعل من المفترض أن تقوم به ..
مدت أناملها و ضغطت بها على عينيها ..
صداع سكن رأسها من بكائها الطويل في الأيام الفائتة ..
تنهدت بإرهاق وهي تتقدم حتى استلقت على الأريكة ..
رمت بجسدها المنهك و شردت في اللاشيء ..
لا تعلم هل نفذت دموعها أم احتلها الجمود الذي احتل عائلتها ..
هل بقي منها شيء من نفسها أم أنها قد تناثرت إلى أشلاء
و فات أوان تجميعها ..
ابتسامة متكاسلة سكنت شفتيها وهي تخلق لنفسها ذكريات
لم تحصل منذ زمن مع تلك العينين البعيدة ..
عينين لطفلة قد سكنت رحمها لتسعة أشهر..
و بعدها احتلت قلبها و حجرها لعدة أعوام ..
استكانت و انتظمت انفاسها بعد أن حلقت للخيال
تاركة الواقع بمرارته خلفها..
،,
تنقل نظراتها بين الحضور بابتسامة واسعة ..
اليوم زفافها ..
اليوم هي محطة أنظار الكل في الصالة الممتدة أمامها ..
اليوم هي أميرة الحفل ..
فستان زفاف يتلألئ ببياضه ..
مجموعة ورد أحمر يقبع بكفها المستكين في حجرها ..
نقوش الحناء التي رسمت باحتراف و لونها الأحمر على ذراعيها يسبي الأعين ..
انعكاس فرحتها يرتسم على لمعة مآقيها ..
اقتربت منها ابنة عمها.. وهمست لها بخفوت ..: سِهام .. فهد يقول اطلعي ..
أومأت بخفوت وهي تتطلع إلى الحضور مرة أخرى ..
تريد البقاء أكثر ..
تريد أن ترى مرة أخرى نظراتهم إليها ..
أن تملئ نفسها بالزهو أكثر ..
استقامت بمساعدة ابنة عمها ..
صدحت الزغاريد بصوت أعلى لوداعها .. تتلقى النظرات غير الراضية من بعض الحضور ..
و المستنكرة من الأخرى .. و
لكن كل ذلك لا يهمها ..
ما يهمها أنها الآن فعليًا تزف لبداية حياة جديدة
سكنت أحلامها طويلًا ..
منذ كانت مراهقة و حلمها هو بيت الزوجية السعيد ..
،,
تحتضنها و علامات الهم تسكن بين طيات ملامحها ..
فلتت منها تنهيدة حائرة ..
فمنذ قدومها الغالي على قلبها و الأفكار تتقاذفها يمنة و يسرة .. همست بخفوت ..: زين ذا الحين الناس كلها بتكون مستنكرة غيبتش.. اخوانش وش بنقول لهم..!
رفعت رأسها المستكين و بهمس مماثل سكنته الخيبة ..:
مايهمني حد منهم .. أنا ببقى معش هنا و محد رح يغير رايي حتى انتي..!
ابتسمت بوجع وهي تحتضنها مرة أخرى ..:
أغلى من بيقعد معي .. انتي روح عميمتش .. ولا يهمش أخوانش انا بدبرهم من عندي وما ظنتي يعترضون .. بس أبيش الحين تدقين لي على أم ناصر ..
ابتعدت عنها و رفعت هاتفها بتلقائية ..
فهي تحتفظ بجميع أرقام هواتف عمتها المهمة ..
عندما بدأ بالرنين ناولتها الهاتف و عادت بظهرها باستقامة و جمود ..
تابعت كلمات عمتها لصديقتها و عقدت حاجبيها بقلق ..
سألتها بخوف وهي تراها تنهي المكالمة ..: عميمة تشكين من شيء..؟ ليش تبين الدكتور ناصر يمرش ؟
عمتها بمحاولة للاستقامة .. بهدوء ..: تعالي مشيني لغرفتي عشان اذا جا يعايني ..
اقتربت منها و أخذت تمشي معها ببطء و هتفت بقلق أكبر ..: عميمة فديتش تشكين من شيء ..!
بنفي بسيط ..: لا يا روح عميمتش بس الضغط مرتفع عندي من كم يوم ..
بعتب رقيق وهما تدلفان إلى غرفة عمتها..: افا يا الغالية .. ولا تقولين لي ولاشيء..!
بتنهيدة ..: اللي فيش مكفيش ..
عقدت حاجبيها برفض قاطع ..: وانا وش فيني..! مافيني شيء..
ساعدتها بالإستلقاء و وصلها صوت عمتها بهدوء ..: و اللي جابش عندي اليوم ايش هو اذا مافيش شيء مثل ما تقولين..!
بصلابة و جمود ..: اللي جابني اليوم بيروح مع الوقت لا تحاتين..
المهم هو صحتش وانا الوقت بيتكفل بكل شيء ..
،,
يكتف يديه على صدره و نظراته شاردة إلى حيث يقبع الجسد الساكن بهدوء يفرضه عليه النوم..
تفتر عن ثغرة ابتسامة صغيرة ملتوية لا تحكي عما يعتمل في صدره ..
تطوف به الذكريات بين سنين مضت كانت حياته تمشي على وتر معين ..
إلى حيث تلك الغائبة الحاضرة دومًا ..
يتردد صدى اسمه من بين ثغرها الفاتن ..
وتتعالى ضحكاتها مع مزحاته الثقيلة
التي كانت لا تتحملها أحيانًا ..
بين تهدج صوتها و تخلل البكاء لها ..
بين بحتها المرهقة و ارتجافة سكنت ثغرها ..
حيث لم يعد للضحكات موطن ..
و لا للابتسامات ملجأ ..
حيث امتلئ قلبها بالجراح حتى ثخن ..
ثم عزمها على الرحيل ..
سنواتٌ هي تلك التي باعدت بينه وبين
من نبض قلبه لأجلها ..
هو مخطئ و لكنه لم يستحق منها الابتعاد..
و مع أنه قد اتخذ سواها مسكنًا و لكنه لم يستطع تحريرها اطلاقًا .. لم يستطع الابتعاد و كأن ما بينهما لم يكن..
عاد من محطات شروده إلى واقعه و الجسد الواقف مستندًا على اطار الباب ..
لا يتضح من ملامحها شيء ولكنه يتكهن بها ..
تقدم حتى وصل إلى ابنته النائمة .. قبل رأسها وهمس ..: نامي يا بابا .. لا تكبرين ..خلي قلبش نظيف ماهو مثل إمش ..
ثم غادر و قد اختفى الجسد الواقف أمام الباب منذ ثوانٍ مضت..
،,
التفت إلى الصوت الهادئ الذي خاطبه منذ ثوان ثم عاد بنظراته إلى الجسد المستكين أمامه ..
قال بـ ابتسامة هادئة ..: كذا تخوفينا عليش يا الغالية .. ارتفاع الضغط ماهوب زين لصحتش.. لزوم تنتبهين أكثر و تبتعدين عن أي شيء يسبب لش ارتفاع ..
العمة بـ ابتسامة باهته وهي تغطي اسفل وجهها بـ " اللثمة " .. ردت على ابن صديقتها ..: ان شاء الله يا وليدي .. لا تحاتي..
ودعها بكلمات قصيرة ثم انسحب متجاهلًا الكائن الانثوي المتشح بالسواد ..
عندما غادر تقدمت إلى عمتها وهتفت بغيظ ..: عميمة شفتي ولد صديقتش الوقح .. اسأله و يتجاهلني ..
ربتت عمتها إلى جانبها بإشارة للجلوس .. و بحب تكنه لذلك الناصر ..: تعالي جنبي فديتش .. بعدين هو الولد سحاوي كذا
دايم ..
كانت على وشك الجلوس لتتجمد بمكانها باستنكار ..: يعني ذا الحين انا فاسخة الحيا يومني سألته عن حالتش..!
سحبتها العمة من كفها حتى استقرت بجانبها وقالت بهدوء..: حاشى والله .. مهوب القصد .. بس هو هذا طبعه .. يستحي يرد عالبنيات ..
زمت شفتيها بغيظ منه ..
ثم تجاهلته و هي تمد كفها لتشد على كف عمتها و قالت بقلق و رجاء عظيم..:
عميمة تكفين .. لا تخلين شيء يأثر عليش .. أدري إن ضغطش ارتفع من جيتي اليوم و الحالة اللي كنت فيها .. بس تكفين لا تشيلين هم .. أنا والله بخير و بتحسن بـ اقرب وقت .. داري على صحتش الله يخليش..
اومأت العمة بصمت مبهم يداري خلفه الكثير من القلق ..
تخشى على قطعة القلب هذه من كلام سيطالها ..
من أقاويل ستشعاع عنها ..
و لكنها ستداري ذلك و ستصده و لو كان الثمن حياتها..
،,
مستلقٍ على الغطاء الوثير و ينظر إلى ملامح " زوجته " الغارقة في نوم عميق من شدة إرهاقها ..
نظراته تحوم على تقاسيم وجهها ..
يفكر بعمق ..
فـ الساعات الماضية زرعت لديه استنكار شديد ..
فـ " زوجته " هي من بادرت ..
و هذه ليلتهما الأولى ..
ما يعرفه و يسمعه من زملاءه أن الزوجة تكون شديدة الخجل .. و تنفر من أي تقارب قد يحدث ..
كذلك نصائح والدته بـ " ارفق عليها "
و " لا تشيل بخاطرك اذا صدت عنك "
و " كل البنات كذا " ..
لا ينكر بأنها عندما بدأت العلاقة تتعمق قد توترت و اصبحت حركاتها تفضح ارتباكها ..
و لكن مبادرتها ولّدت لديه انطباع الجرأة عن زوجته ..
تنهد بـ ارهاق و اطبق جفنيه يستدعي النوم ..
فـ القابعة على يمينه كتلة من الألغاز و الوقت كفيل بـ حلها ..
،
تراقبھ بصمت وھو شارد بنظراته ..
لا تعلم إلى متى ستبقى تلك بينھما ..
لقد مضت أربع سنوات منذ تركته ..
ولكنه لم يتجاوزھا حتى الآن ..
و ذلك يشعل نا رًا في جوفھا ..
إلى متى سيسترجي وصالھا وھي تصده مرة تلو الأخرى ..؟
يظن بأنھا لا تعلم شيئًا و تشك بأنه لا يھتم لھا إذا علمت أم لا ..
و أسفًا أنھا تعلم كل محاولاته لإرضائھا ..
كل كلمة و كل رجاء يغرس بقلبھا نصلًا يصعب اجتثاثه ..
أخواتها يتهمنها بأنھا ضعيفة أمامه
و إلا لم تكن لتبقى معه أكثر ..
ولكن ما بينھما يصعب عليھن فھمه ..
اسبلت جفنيھا بخيبة ..
فھا ھو قد نھض حتى يختلي بنفسه أو يحادث تلك ..
خيباتھا أصبحت تتكاثر ولھا طعم مر كالعلقم ..
و قلبھا يعتصر بيأس من أن يكون لھا وحدھا ..
يد وضعت على فخذھا برقة فرفعت عينيھا إلى تلك الطفلة البريئة من بين كل ما حدث .. ابتلعت غصتھا ثم ابتسمت و قالت ببحة ..: تبغين شيء حبيبتي..؟
بتساؤل ..: بابا وين ..؟
مسدت على شعرھا بلطف و ھتفت بعذوبة ..: بابا موجود .. تبغينه؟
بخجل ..: أبي ابوسه بس .. من اليوم ما بسته..
ضحكت برقة فالطفلة كانت إذا تريد أن تشرح لھم بأن المدة طويلة تقول " من اليوم " ..: خلاص حبيبتي نمسك لش بابا تبوسينه .. كم ريما عندنا..!
ارتسمت ابتسامة واسعة على شفتيّ ريما وھي تحتضنھا بحب و تلفظ بطفولة بعد أن شدت على عنقھا ..: احبك خالتي ..
تنھدت بھدوء و حزن واحتضنتھا ..: و انا احبش ريمي..
،
في الخارج ..
يجلس في السيارة و كل ثانيتين تفلت منه تنھيدة عميقة ،
حارة كحرارة مشاعره ..
لقد انھكه شوقه إليھا ..
و لا حيلة له سوى مھاتفتھا ..
و لكنه يكره برودھا
.. يشعر به ينخر قلبه ..
يجمد إحساسه و يشعره بالنفور حيال نفسه ..
بكل مرة منع نفسه من سماع صوتھا كانت نھايته ضعف مقيت حتى و لو لم يظھر ذلك لھا ..
ھوَ الذي اعتاد الإفصاح عن مكنونات قلبه أمامھا فيعجز عن الكتمان ..
الإبقاء على مشاعره لذاته أسوء عقاب قد تلقاه ..
رحيلھا و تخليھا عنه كانت كصفعة جعلته يستيقظ من طريق لم يجني منه سوى الألم ..
غروره القديم جعلھا تبدو باھتة بعينيه ، لذلك لم يدرك بأن ذھابھا كان قريبًا..
لا زالت كلماتھا محفورة بعقله ..
وجعھا و إصرارھا على المضي بطريق منفصل عنه ..
قرارھا الذي اتخذته بقوة أدھشته ..
كان يعلم بأنها لم تكن يومًا بالضعيفة ولا الخانعة ..
و كان يدرك بأن خلف صمتھا بحرًا ھائجًا سيثور عليه ذات يوم ..
ولكنھ بكل عنجھيته القديمة لم يبالِ بھا ..
حقًا أحبھا كما لم يحب أحد من قبل ..
ھي ابتھال قلبه ..
تنهد بتعب ، لم يعد قادرًا على كبت رغبته بسماع صوتھا .. بالتأكيد أنھا قد وصلت إلى وجھتھا منذ ساعات ..
يريد فقط أن يھدئ قلبه الثائر بعنف ..
رفع ھاتفه بعينين سكنھما العزم
.. لن يتراجع ..
سيسمع صوتھا البارد و سينفر منھا ثم يعود و يشتاق إليھا أكثر ..
،
في الجھة الأخرى ..
استيقظت على رنين ھاتفھا المزعج ..
رفعته بتعب ثم زفرت بخفوت و اعتدلت بجلوسھا ..
فتحت المكالمة و وصلتھا بحته التي تميزه ..: وينش عن الجوال ..؟ ليش ما تردين ..!
زمت شفتيھا و بصوت ناعس ..: كنت نايمة .. انت ايش تبغى؟ ريما فيھا شيء ؟
ھو ببحة ..: ريما ما فيھا الا العافية .. و مرة ثانية رجاءً ما ابي اتصل عليش وما تردين بسرعة ..
ابتھال بھدوء بارد ..: حاضرين .. تبغى شيء والا اقفل ..!
يوسف بـ ارھاق ..: اشتقت لش .. ظنتي انه شيء يسوى ادق عليش عشانه ..
.. صمتت ..
لم تجد ما تقوله ..
ضاعت منھا أحرف كلماتھا الحادة اللاذعة مؤخرًا ..
فھو عندما يعبر عن مشاعره لا تملك سوى الصمت ..
و ليس لديھا سواه حتى تواجه به مشاعره ..
أما ھو فقد اعتاد صمتھا المطبق ھذا ..
لذلك اختصر المكالمة ..
فھي تشعره دائمًا بأنه ثقيل على روحھا ..
و تود الفكاك منه ..
ولكن لايھم مادام قد سمع صوتھا..
لم يستطع منع كلماته من الانفلات .. فقد اعتاد البوح لھا : ھو إنتِ ما عندش غير السكوت تردين به عليّ..!
أمالت شفتيھا بعدم معرفة و لم تجبه ..
و وصلھا صوته ببھوت و شجن عميق ..: اكيد انش لويتي ثمش و كنش تقولين مدري ليش انا ساكتة..!
جمدت ملامحھا لثوان ثم قالت بھدوء واختصار ..: تبغى شيء والا اقفل..؟
بھدوء مماثل ..: ما ابي منش الا انش ما تنسين إني ما نسيتش.. و عندي أمل بشيء إنتِ أدرى فيه .. بحفظ الله ..
أنزلت ھاتفھا على الطاولة أمامھا بشرود و ملامح واجمة ..
لا تستطيع الغفران ..
لقد تغيرت منذ سنوات عن ذلك القلب الساذج الذي يسامح بسھولة ..
و يتغاضى عن أخطائھم بحقه ..
و لكنه لم يدرك ذلك حتى الآن ..
أو انه لم يستوعب تغيرھا الجذريّ بعد ..
لا زال يظن أنھا ذاتھا ابتھال القديمة ..
و لا يعلم بأنھا لو عادت إليه لن يتفقا أبدًا ..
و ستكون المشاكل بينھما بشكل دائم مع وجود
زوجته الأخرى ..
كما أنه كشخص لم تعد ترغب بالمكوث معه ..
لقد صد قلبھا عنه و لم يعد ھناك مجال للعودة ..
،
تقف أمام المرآة و تنظر إلى عمق عينيھا اللامعة ..
ھناك شيء قد تغير بھا منذ ليلة الأمس و لكن لم تستطع تحديده حتى الآن ..
منذ استيقاظھا على قبلاته وھي تصد بعينيھا عنه ..
تشعر بالخجل من جرأتھا معه بالأمس ..
لا تدري أي مشاعر سيرتھا لتبادر ھي ..
ھل ھو رغبتھا بعيش تلك الأحلام التي قد نسجتھا من قبل ؟
لا تدري
ولا تھتم ..
ستكرس وقتھا لحياتھا الجديدة ..
ستتجاھل كل شيء و سيكون من أولى اھتماماتھا ھو ..
ستجعله يتعلق بھا ولا يستطيع تركھا ..
تعلم بأنھا قادرة على ذلك ..
تفحصت ملامحھا للمرة الأخيرة قبل أن تستدير لتخرج إليه في صالة الجناح ..
اقتربت منه وھي لا زالت تصد بنظراتھا عنه بخجل .. أ
ما ھو فـ ارتسمت ابتسامة بطيئة على شفتيه و ھو يلاحظ خجلھا
" توھا تتذكر تستحي " ..
ناداھا عندما جلست فرفعت عينيھا إليه ..
غمز لھا بابتسامة خبيثة جعلتھا تكتسي باللون الأحمر ..
كتم رغبته بالضحك ليقترب منھا أكثر ..
لم تبتعد ولم تعارض اقترابه و ذلك أصبح بمثابة التحدي له
.. أن يجعلھا تخجل
و يذكرھا بأنھا مھما بلغت جرأتھا ستبقى أنثى يسيطر عليھا الخجل ..
،
يتناول غداءه بهدوء
و على جانبه تجلس والدته تتابع مسلسلًا بدوي ..
التفتت عليه و نادته بحب : الناصر ..
بهدوءه الذي يتميز به ..: لبيه ..
والدته بنبرة محببة ..: بغيتك توديني اليوم لـ أم حمد .. بالي مشغول عليها من امس .. اذا قدك فاضي قولي عشان اتجهز ..
بطاعة ..: تامرين ..
قطع كلماته دخول هادئ صاخب كـ صاحبته المتناقضة بكل شيء ..: على وين ناوية تروح أم الناصر بدون ما تقول لبنتها حبيبتها !
التزم الصمت وهو يسمع أمه تجيبها ..
و لكنه عاود الالتفات على كلمات أخته الموجهه إليه ..: نصوري ، أمس انت شفت شمعة عند خالتي أم حمد ؟
رفع حاجبه ب استخفاف..: وين بشوفها بالله عليش ؟
بغمزة محببة : يعني ماكانت عند عمتها هناك ؟ خبري أمي تقول انها هي اللي دقت لها عليها !
بعدم فهم ..: يعني ؟
بـ ابتسامة ..: يعني وحدة تاركة زواج أختها عشان عمتها تعبانة اكيد انها بتكون موجودة عندها و شالها الخوف عليها ..
استقام بعد انتهاءه وهو يمسح كفيه ثم ضرب رأسها بخفة ..: يا كثر بربرتش .. تافهة ..
بـ ابتسامة اوسع من سابقتها وهي تراه يغادر ..: علينا نصوور !
،
ترتب أطباق الغداء وهي تحادث زوجة ابن عمتها بهدوء
و ابتسامة هادئة تسكن ثغرها ..
سلوى بـ ابتسامة : عمتي خوفتنا عليها .. عاد حمد يوم درى إن ضغطها ارتفع لدرجة انكم جايبين الدكتور بغى يطير عقله ..
شمعة بحنان : فديتها .. الله يحفظها لنا جميع ..
أمّنت سلوى بهدوء ثم أردفت بجدية و حزن تخلل حديثها: لزوم نخليها تروح تسوي فحوصات شاملة .. اذا امس تعبت هالقد و إنتِ اضطريتي تتركين زواج اختش عشانها أخاف المرة الجاية تتعب ومحد عندها.. تعرفين أنا و حمد سفرنا بعد بكرا ..
بحزم : أكيد رح تسوي فحوصات ومارح اتركها لين اتطمن عليها .. و تطمني انتِ بعد .. ببقى معها من اليوم ورايح ..
سلوى بـ استغراب : كيف وافقت تروح لعندكم وهي ترفض تطلع من بيتها !
شمعة بهدوء : مين قال انها بتروح لعندنا !
بـ حيرة نطقت سلوى : أجل ؟
بذات هدوئها : أنا ببقى معاها هنا ..
تأفأفت سلوى بضجر : قولي الموضوع كامل لا تقعدين تقصدين لي فيه ..
اهدتها شمعة إحدى ابتساماتها المرحة : اعصابش بس .. عن تطلع لش تجاعيد و نبلش فيش يا العجوز ..
انتقل مرحها لسلوى التي هتفت بغيظ : عجزت عظام العدو قولي آمين .. ولا تغيرين الموضوع .. كيف بتبقين معها هنا .. و اخوانش كيف بيوافقون !
رفعت كتفها بلا مبالاة وتصميم : عادي ببقى معها هنا .. و اخواني عمتي بتكلمهم وحتى لو اعترضوا مالي طلعة من هنا ..
،
ضجيج ، ضجيج ، ضجيج ..
توتر اختلط مع صرخات كثيرة مدوية ،
بكاء الاطفال ..
اصطدام و احتكاك اصدر صريرًا مفجعًا ..
نداء استغاثة اختلط بعويل الأمهات و صرخات الرجال المبحوحة
..
انفجار
ثم ارتطام جسده بالأرض على بعد مسافة أميال من مكان الحدث ..
غياب تام عن الوعي مع جسد ينزف بشدة ..
شهقة حادة كنصل سكين شقت صدره ..
جلس وهو يلهث من هول ما رآه ثم جثى على الأرض ..
شد بأنامله على فخذيه بألم حاد ليتفجر محتوى صدره بعد أن فاض عن حده ..
خرج من بين شفتيه أنين ..
أنين احتراق قلبه ..
وعينيه تدمع باستفاضة
.. يارب .. يارب .. يارب ..
يكررها عقله و ترتفع شهقاته بعد أن عجز عن كبحها ..
،
|