كاتب الموضوع :
طُعُوْن
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: يراقصها الغيم / بقلمي (الرقصة الثانية)
الرقصة الثالثة
روحٍ كثر ماتحبك ..صرت أنا مدري
هي ميته في غيابك؟؟ أو شبه حية
،
لم تكن تظن بأنها ستتوتر إلى هذا الحد الذي يجعل النوم يغادر عينيها ..
متلهفة هي وبشدة ..
لقد اشتاقت له حتى نضج قلبها من الشوق ..
لا تنفك عن التفكير بكيف ستكون حياتها القادمة ؟..
إلى أي حد قد اخذ الحادث من روح رصاص القديم؟؟ ..
و أي جوانب اظهرها برصاص الجديد؟؟ ..
فـ هي تعلم بأن مشوارها معه طويل جدًا ..
و لكنها ستبذل قصارى جهدها حتى يعود إلى رصاص الذي عرفته قبل سنوات ..
تنهدت وهي تشدد من احتضانها لوسادتها عندما سمعت الأذان يرفع في المسجد القريب منهم ..
ستصلي الظهر ثم ستتجهز كي تذهب إلى القاعة حيث سيتم تجهيزها هناك ..
فلتت منها تنهيدة أخرى ،
تمنع نفسها من البكاء وهي تدرك بأنها ستغادر منزلها الذي لم تعرف سواه يومًا ..
ولكن الآن ..
لم تستطع منع دموعها من الانفلات وهي تسمع طرقات والدتها على الباب ثم دخولها إلى الغرفة ..
اعتدلت بجلوسها بعد أن مسحت عينيها و نظرت إلى أمها بابتسامة باهته ..
راقبت اقترابها حتى جلست بجانبها ..
احتضنتها بصمت وهي تمنع دموعها من الانفلات مجددًا ..
شددت احتضانها لها وهي تسمع حشرجة صدرها الذي يشي ببكاءها الصامت ..
همست بمرح واهٍ : وش رايش تجين معي لبيتي ؟ عشان يعرف رصاص ان وراي أم قوية ..
طبطبت أمها على ظهرها وهي ترى محاولتها لإخراجها من حزنها ..
ثم قالت بمرح حقيقي و ابتسامة : خاف انتي اللي تطرديني لين شفتي رصاص ..
ضحكت بخفة و شددت على جسد أمها بقوة اكبر وهي تمرغ وجهها بحضنها ..
صمتت كلتاهما فلا يوجد ما يقال ..
فقد كانت مشاعرهما أعمق من مجرد كلمات
لن تفي ما يشعران به حقه ..
،
روحٍ كثر ماتحبك ..صرت أنا مدري
هي ميته في غيابك؟؟ أو شبه حية
،
ماض
تسلل إلى سريرها على اطراف اصابعه ..
هز كتفها برفق فغضنت جبينها بانزعاج ..
عاود هز كتفها بإصرار و هو يهمس بـ اسمها ..
انقلبت على بطنها و خبأت وجهها عنه فزفر بملل و نقر كتفها بقوة جعلتها تتأوه ..
التفتت إليه بغيظ و بنص عينين مفتوحة قالت بنرفزة : خيير وش فيه ؟
اشار لها بالصمت وهو ينظر إلى الغرفة من حولها و همس كي لا يوقظ اخواته الأخريات : تعالي ابغاك ضروري ..
ثم خرج بسرعة فعقدت حاجبيها باستغراب ..
ليس من طبعه فعل ذلك
و بالأصح علاقتها به لا تتعدى كونها علاقة سطحية لا تناسب أن تكون بين أخوين ..
اعتدلت بجلوسها وهي ترتب شعرها وتناظر من حولها تطمئن بأن أحداهن لم تستيقظ ..
استقامت و اخذت معطفها المخصص للبيت وهي تفرك يديها من البرد ..
لبسته و ألقت نظرة اخيرة على الغرفة ثم غادرت بهدوء ..
خرجت فوجدته يقف أمامها بتوتر ..
همست بتوتر مشابه : وش فيه مجود ؟
همس وهو يسحبها من يدها : تعالي للمجلس ابغاك بموضوع ..
بخفوت وقد بدأت تتوتر أكثر وهي ترى ارتباكه الواضح : وشهو الموضوع اللي ما يتأجل ؟ انت تدري الساعة كم ؟؟
ادخلها المجلس وهو يزفر بعمق : ادري الساعة كم وماكان ينفع اقولك الموضوع وحد صاحي ..
راقبته بعد أن فتح انوار المجلس و قالت بخوف : خير ان شاء الله ..
اشار لها بالجلوس ففعلت و جلس بجانبها .. سألته بنفاذ صبر : اييه ايش الموضوع ترا خضيتني .. " أي افجعتني "
نظر إليها فرفعت حاجبها بتهديد ..
قال بعد لحظات : لقيت لك حل ..
عقدت حاجبيها بعدم فهم : حل لإيش ؟؟
بتوتر : لدراستك ..
حينها انفكت عقدة حاجبيها و قد بدأ الموضوع يثير اهتمامها .. قالت بتساؤل : ايه ؟؟
التفت إليها و قال بهمس و توتر وهو يراقب باب المجلس المغلق : تسافرين معي عشان تكملين دراستك .. انتي تدرين إن عندي بعثة و بسافر نهاية الشهر ان شاء الله ..
يعني بعد اسبوعين من الحين ..
فإذا قدرتي ترتبين وضعك تعالي معي ..
سكتت بتفكير وقد راقت لها الفكرة ..
و لكنها تراها مستحيلة التنفيذ ..
قالت بعد دقائق بكدر : ياليت يا مجود .. بس خبرك ابوي او يوسف رح يوافقون ؟؟
و ريما مستحيل يخلونها تسافر معي ..
و ماعندي الفلوس اللي تخليني اسافر و ادرس على حسابي ..
حينها ألقى بوجهها فكرته : نسافر بدون محد يدري ..
التفتت عليه بفجيعة و هتفت بانفعال : وشهوووو !!
وضع يده على فمها بسرعة و قال بتوتر : و مرض بالعدو اسكتي لحد يسمع ..
ابعدت يده بانفعال و قالت بهمس حاد : اييه من حقك ما تبغاهم يسمعون .. قومك من الخبال اللي براسك ..
ماجد بغيظ : لا تخليني اندم إني تعشمت فيك .. انا فكرت بكل شيء و شفت إن هذا انسب حل ..
ابتهال بسخرية : اتحفني بأفكارك ..
قال بجدية : اذا بتاخذين الموضوع بجد رح اقولك فكرتي أما اذا رح تتمسخرين فتوكلي نامي ..
نظرت إليه تستشف صدقه فوجدته ينظر إليها بثبات ..
قالت بمهادنة : وش اللي روحي نامي بعد ما طيرت النوم من عيني .. هات قول اللي عندك و انا بفكر و أرد لك ..
حينها اعتدل بجلوسه و اقترب منها اكثر وقال بهمس : تسافرين معي ولامن شاف ولامن درا .. انتي عندك اللغة تمام ومارح تحتاجين لكورسات هناك ..
و تاخذين من ذهبك و تبيعينه عشان مصاريف الدراسة ..
أما ريما فإنتي راح تتركينها بإرادتك هنا و تدرين إن الحضانة بتكون لك بحال تطلقتوا و بكذا بتكون عند امي و تتطمنين عليها بكل وقت ..
أما ابوي و يوسف راح نحطهم قدام الأمر الواقع ومارح يعرفون الا بعد ما نوصل لهناك ..
لما تختفين كذا فجأة مارح يقدرون يقولون شيء و بالعكس بيقعدون يخبون عالناس اللي سويتيه .. بيخلون الوضع وكأنه صار بموافقتهم عشان ما تطيح هيبتهم قدام الناس ..
صمتت بوجع .. يبدو بأنه قد فكر بكل شيء كما قال لها ..
عندما طال صمتها وقف وقال بهدوء : انتظر قرارك .. استخيري وردي لي خبر ..
خرج و تركها تصارع افكارها ..
من ناحية طموحها ..
و من الناحية الأخرى ابنتها ..
و من الناحية الثالثة سمعتها ..
فأن تسافر لتكمل دراستها بدون علمهم سيجعل سمعتها في الحضيض ..
هي تضمن بأن والدها سيخبئ أمر سفرها دون رضاهم ..
ولكن من يضمن لها يوسف ؟؟
فما عادت تعرفه ..
ولا عادت تتكهن بأي من تصرفاته ..
قد يفضحها
و قد يثور بها ..
احتضنت نفسها بخوف و توتر رهيب ..
رغبتها بإكمال دراستها لا يفوقها أي شيء ..
و من بعد ما حدث بينها و بين يوسف أصبحت رغبتها أكبر ..
و لكنه يرفض أن تكمل دراستها ..
يقول لها عودي إلي و ستكملينها ..
يقطع لها الوعود بأنه سيتعدل و بأنه سيجعلها تنسى كل ما حدث ..
ولكنها لم تعد تثق فيه ..
لم يعد باستطاعتها تقديم المزيد من التنازلات ..
و هو يرفض أن يطلق سراحها ..
أما والدها يخبرها إذا كنتِ تريدين الدراسة فيجب عليكِ استئذان زوجك ما دمتِ على ذمته حتى الآن ..
و والدتها تقول لها "برضاي عليك يا بنت بطني تكلمين زوجك و تسدون .. "
.. لا أحد يهتم لرغبتها ..
ولا أحد يعبأ باهتماماتها ..
فما يهمهم هو كلام الناس عنهم عندما تعود ابنتهم مطلقة ..
كما أن حالة ريما توجعها و تجتث قطع من قلبها ..
يصعب عليها أن تتركها وهي تحتاجها ..
هي بين خيارين الآن ..
ابنتها أم طموحها ..
،
روحٍ كثر ماتحبك ..صرت أنا مدري
هي ميته في غيابك؟؟ أو شبه حية
،
دخلت القاعة مع عمتها بضيق شديد ..
لا تعلم لماذا اصرت عمتها على حضورها اليوم وقد تحججت بأنها ستحضر " العزيمة " المقامة على شرف رجوع اختها من شهر العسل ..
فإذا كانت النية هو حضورها كي تخرس ألسنتهم فما حاجتها للحضور اليوم وهم سيرونها في الغد ؟؟
و ليس كأن علاقتها بالعروس قوية كي تجيء و تهنئها ..
زفرت بضيق أشد فنهرتها عمتها بنظراتها الصارمة ..
زمت شفتيها بعدم رضا وهي تخلع عباءتها و حجابها و تعطيها المرأة الواقفة أمامهن .. استلمت الرقم المخصص للرّف الخاص بـهن و تقدمت مع عمتها ببطء و ملل ..
وصل لمسامعهن صوت الطبول و يبدو بأن ليلتهم قد بدأت ..
ارتقت الدرجات و تقدمت حتى الاستقبال ..
رسمت ابتسامة بلاستيكية لا يرى زيفها إلا من يعرفها أحق المعرفة ..
سلمت عليهن و وقفت كي يقمن بتبخيرها و تعطيرها ..
" و هي عادة لدينا في الجنوب ، يكون هناك مجموعة من النساء من طرف العروس و العريس و يقمن بالترحيب و تبخير الضيوف "
بعد انتهاءهن تجاوزتهن إلى الداخل ولا زالت الابتسامة ذاتها على وجهها..
التفتت كي ترى عمتها أين هي..
زفرت بضيق عندما رأتها قد تجاهلتها و جلست مع صديقة عمرها ..
دارت بنظراتها على الطاولات المترامية أمامها حتى وقع نظرها على طاولة محددة ..
تقدمت بهدوء و ثبات حتى كادت تصل إليها و لكن حركة من الخلف ثبتتها بمكانها ..
التفتت كي ترى من الذي يتمسك بها بهذا الشكل
و ارتسمت ابتسامة واسعة على شفتيها عندما سمعت صوت الطفلة تناديها : خالة شمعة ..
جثت على ركبتيها أمامها و احتضنتها بفرحة صادقة ثم غمرتها بقبلاتها و ضحكات الطفلة أمامها تشرح صدرها عن كل ضيق ..
ابعدتها قليلًا و احتضنت وجنتيها بلطف ثم سألتها بلطف مماثل : حبيبتي ريما وش جايبها هنا ؟
هزت كتفيها بعدم معرفة وقالت بابتسامة : جيت مع خالتو نجد .. بابا قال لازم نحضر الزواج ..
اومأت بتفهم ثم سألتها من جديد : وينها خالتو نجد ؟ ليش مو جالسة عندها ؟
ببراءة و ضحكة : انا بس شفتك قمت من عندها وركضت لعندك .. لأني من اليوم ما شفتك ..
احتضنتها بحب عميق و قالت بعطف وهي تقبلها : بعد عمري والله .. فديت اللي اشتاقوا لي .. جعلني ما انحرم ياربي ..
قاطعهن صوت بارد : سلام ..
حينها وقفت شمعة ببرود أشد و عدلت فستانها ثم قالت بجمود : سلام ..
نجد بابتسامة باردة : اخبارش شمعة ؟
بسخرية و تهكم : من الله بخير .. و من قداش ؟
* ترد لها السؤال *
اومأت نجد و بخفوت : نحمد الله ..
شدت شمعة على كف ريما و قالت باختصار : ريما بتقعد معي لين نهاية الحفل .. لا قدش رايحة رني علي و اجيبها لش ..
أومأت نجد بصمت و راقبتها وهي تبتعد بشموخ يليق بها ..
زفرت بضيق و همست : منك لله يا يوسف ..
أما لدى شمعة فقد تقدمت إلى الطاولة التي اختارتها بالبداية ..
فقد اختارتها لأنها بمكان منعزل و لن تضطر لمواجهة نظراتهم ..
جلست على أحد المقاعد المتواجدة حول الطاولة بعد أن وضعت حقيبتها على المقعد المجاور لها ..
و جلست ريما على المقعد الآخر عن يمينها ..
نظرت لها بحنان عميق
و حب أعمق لوالدتها ..
شردت بنظراتها وهي تتذكر حديثها مع ابتهال قبل سنوات ..
عندما كانت يائسة و طلبتها المشورة ..
فأشارت عليها بأن تذهب إلى الدراسة ..
أن تلحق بطموحها قبل أن يمضي الوقت فتجد نفسها على ذات وضعها أو قد يكون أسوأ ..
لقد نصحتها بأن تحدد ما الأهم لديها ..
هل تريد أن تكبر ابنتها و هي ترى والدتها مهانة من قِبل والدها؟؟
أم تراها بمكان مرموق و تفخر بها؟؟
..
هل تريد أن تبقى لأجل مشكلة ريما التي لم يكن الحل بها سوى العلاج ولن يضر عدم وجودها ؟
أم تبقى مع ابنتها بمراحل العلاج التي ستنتهي بعد فترة و لكن فرصتها ستكون قد ولّت و حينها لن ينفع الندم ..
و كم كانت فرحتها بالغة عندما عرفت بأنها قد اختارت دراستها .. ولكن كان ينبغي لها أن تدرك بأن ابتهال لن تترك ابنتها هكذا ، و كان ينبغي أن تعلم بأن إصرار ابتهال كان لخطة محكمة قامتا بلعبها هي و نجد ..
.. هي تحب ريما ولا تريد لها سوى الأفضل ..
و لكن .. لم يكن من الأفضل أن تدخل نجد بينهم ..
،
روحٍ كثر ماتحبك ..صرت أنا مدري
هي ميته في غيابك؟؟ أو شبه حية
،
انتهى حفل الزفاف أخيرًا ..
و ها هي الآن تجلس معه بمكان واحد
.. ببيتهم الزوجي الذي من المفترض بأنها دخلته قبل سنوات من الآن ..
و بحياتهم الزوجية التي من الواضح بأنها ستكون غريبة ..
وما أشد غرابة منهما الآن ..
هو يجلس أمامها و يضع عينيه بعينيها بتمعن ..
وهي لن تخسر التحدي الذي يبدو بأنه سيشعله بينهما ..
نظرت إليه بثبات خارجي بينما من داخلها تشعر بأنها ستنهار من الإحراج و طريقة تمعنه ..
لم تحتمل أكثر فرفعت له حاجبها باستنكار ..
فهل هذا هو الوضع الطبيعي لعريسين للتو انتهى زفافهما ؟؟
تشنجت وهي ترى ابتسامته الواسعة ثم صوته المهيب ينهرها : بنت .. نزلي حاجبش ..
كسرت نظرتها وهي تشعر بأن وجهها يحترق
..
قبضت يديها إلى جانبها كي لا ترفعها و تهف بها على وجهها علّها تقلل من حرارته ..
نبضاتها تقرع بقوة و قد تخشبت ملامحها ..
تريد أن تبكي ..
لم تكن تعتقد بأنها قد افتقدت ابتسامته إلى هذا الحد ..
ابتسامته موجِعة ..
شعرت بأن قلبها كان قد ضل منه شيئًا و للتو ردت إليه ضالته ..
طرفت بعينيها بتوتر وهي تراه يقف ..
وقفت بدورها وهي تفرك يديها ..
تجمدت بوقفتها وهي تراه قد أصبح أمامها تمامًا ..
شعرت به يحيط وجهها بكفيه و يرفعه إليه
ثم يقبلها على جبينها ببطء ..
قبلة استمرت لثوان قبل أن تحيطها ذراعيه ..
احتضنها و شعرت بأن عطره قد تغلغل بأنفاسها..
رائحة العود و البخور تشعر بأنها قد التصقت بها ..
سمعته يقول بخفوت .. بترحيب حار : هلا بش .. تو ما ضوا البيت ..
لم تستطع الرد فقد حبست انفاسها و لن تستبعد بأن تكون قد بلعت لسانها ..
فـ بإقصى احلامها لم تتوقع ترحيب حار منه كهذا ..
لا تعلم لماذا ؟
و لكن يبدو بأنها قد اكتسبت هذه القناعة من فترة غيابه الطويل ..
سمعته يقول بصوت خافت ..
ببحته المثيرة ..
بكل ثقله و هيبته : مبروك علي انتي .. اشهد انش كفو ..
وعدتي وما اخلفتي ..
،
روحٍ كثر ماتحبك ..صرت أنا مدري
هي ميته في غيابك؟؟ أو شبه حية
،
تقف بالكافتيريا الخاصة بالمشفى ..
اخذت كوب قهوتها بعد ان مدته لها العاملة ..
التفتت كي تخرج فوجدته خلفها ..
غضنت جبينها بغضب خفي ثم تجاوزته و خرجت ..
وقفت بمكان منعزل ترى منه الخارج من الكافتيريا ..
ارتشفت قهوتها ببطء و انتظار
حتى رأته يخرج منها و بيده كوب من القهوة ..
رأته يلتفت و كأنه يبحث عن شيء ما ..
حينها ابتسمت بسخرية ..
لقد تأكدت الآن ..
ليس و كأنها لم تلاحظ قبلًا بأنه كان يراقبها و لكنها كانت تعطيه العذر تلو الآخر ..
أوليس الحديث يقول " التمس لأخيك سبعون عذرًا " ؟؟
حسنًا ..
لقد نفذت منها جميعها ..
لن تصمت بعد الآن..
رأته يتقدم إلى أحد الطوابق فتحركت بسرعة كي تلحقه ..
نادته عندما اصبحت خلفه : دكتور ..
وقف للحظات ثم التفت إليها وهو يشعر بتوتر رهيب ..
كما أن نبضاته اخذت تتسارع وهو يستوعب بأنها تحادثه شخصيًا للمرة الأولى ..
و عوضًا عن ذلك نطقها لحرف الراء أوشك على جعله يهتف لها " لبيه " ..
و لكنه تماسك و التفت إليها بهدوء ..
قال بثبات بعد أن لاحظ وقوفهم الخاطئ : نعم دكتورة .. بغيتي شيء ؟
شمعة بسخرية و تهكم : ايه .. على حسب ما اعرفه حرام إن الواحد يراقب حد ماهوب حلال له ..
بعدم فهم : ما فهمت ؟
بجدية تامة : يعني يا دكتور أنا ارفض انك تراقبني .. انا مانيب عميا و قدني لاحظت من أول بس لهنا و يكفي ..
حسنًا ..
لم يكن يعتقد بأن ذلك هو الموضوع ..
و لم يكن يعتقد بأنه قد فضح نفسه بمراقبتها ..
شد على كوبه يفرغ فيه انفعاله ..
ثم قال بثبات زائف : انتِ الحين تتهميني بمراقبتش ؟؟
هزت كتفها ثم قالت بصرامة : دكتور انا ما اتهمك .. انا اقولها لك صريحة .. اذا مرة ثانية لاحظت إنك تراقبني رح اقدم فيك شكوى ..
ثم غادرت دون أن تسمح له بالرد بعد أن تركته و التعجب يكاد يلصق حاجبيه بمنابت شعره ..
تمتم ببهوت : العفو دكتورة ..
،
روحٍ كثر ماتحبك ..صرت أنا مدري
هي ميته في غيابك؟؟ أو شبه حية
،
ماضٍ
فتح عينيه بضعف و تشوش ثم اطبقها بانزعاج من الضوء القوي الذي شعر بأنه يخترق رأسه ..
تناهى له أصوات بعيده لم يفهم أي شيء يقال منها ..
عاود فتح عينيه ببطء حتى تعوّد على الضوء ..
نقل نظراته في المحيط حوله ..
حاول استكشاف ماذا يفعل هنا فهو لا يذكر أي شيء ..
البياض المحيط به من كل جانب يخبره بأنه في المشفى ..
ولكن لماذا هو هنا ؟؟
ماذا حدث له؟؟
..
اطبق جفنيه ثم فتحهما بعد لحظات على اتساعهما بذعر عندما ومضت برأسه أصوات مخيفة ..
انفاسه تسارعت و العرق أخذ يتصبب منه ..
لايستطيع التنفس ..
يشعر بأنه يختنق و الأكسجين لا يدخل إلى رئتيه ..
بدأت عينيه تجحظ وهو يتخبط بيأس من انعدام الهواء داخل قصباته الهوائية..
سمع اصوات ضجيج من حوله ..
ثم أيادٍ تحركه و أخرى تضرب على خده بقوة و صوت يأمره بأن يفيق و يهدأ ..
و نفس الصوت يخبره بأن كل شيء بخير و لا داعٍ للقلق ..
كان الصوت غريب و لكنه جعله يهدأ و يستكين
.. بعد لحظات..
شعر بأن الهواء اصبح يصل إلى رئتيه فأخذ يعب منه ..
كان يشهق بحدة جعلت الصوت يعود إليه من جديد و يأمره بالهدوء و أن يتنفس بعمق فقط ..
لحظات فقط و عاد للظلام بعد ان انتظمت انفاسه و انفتحت قبضتيه التي احمرت من قوة قبضه عليها ..
لا يعلم كم بقي أسير للظلام و لكنه استفاق مجددًا وقد بات ذهنه أصفى ..
تلفت حوله فلم يجد أي احد ..
نظر لنفسه و عقد حاجبيه عندما رأى جسده سليم من أي أصابه تستدعي وجوده هنا ..
إذًا ماذا حدث له؟؟ ..
حاول العودة إلى النوم و لم يستطع ، ولكنّ جسده خامل ولا يشعر بأنه يستطيع التحرك ..
كان يشعر بأنه قد مضى وقت طويل لم يتحرك فيه لذلك يؤلمه جسده ..
حرك قدميه فتحركت ..
رفع يديه فارتفعت ..
حينها حاول الاعتدال بجلسته و بعد جهد استطاع رفع نصفه على ظهر السرير
ثم ضغط الزر بجانبه حتى اصبح بوضع اقرب للجلوس ..
تنهد بحيرة ..
ما باله يشعر بأن شيء هام قد حدث؟؟ ..
يشعر بنقص شديد يشتته ..
استدعى الممرضة فأتت ..
عاينته ثم اخبرته بلغة لم يفهم منها أي حرف بأنها ستسدعي الطبيب ..
لم يعلم ماذا قالت و لكنه فهم بعد أن دخل عليه الدكتور بابتسامة بشوشة ..
حياه بانجليزية سليمة و رد عليه تحيته ..
لم يكن من الصعب تخمين أين هو ..
فليست زيارته الأولى إلى هنا ..
كان الطبيب يقوم بفحصه و يسأله اذا كان يشعر بأي ألم فأجابه بأنه يشعر بالإرهاق فقط ..
عندما انتهى الطبيب من معاينته سأله بالانجليزيه : هل تتذكر ما حدث لك ؟
هز رأسه بالنفي ثم قال وهو يغضن جبينه : اشعر و كأن هناك فراغ كبير برأسي دكتور ..
سأله مجددًا : هل تتذكر أي شيء آخر ؟ اسمك ؟ عملك ؟ عمرك ؟
اومأ بالإيجاب فابتسم له الطبيب و سأله بلطف : حسنًا .. ما اسمك ؟
رد له ابتسامته و قال بهدوء : رصاص ..
ارتفع حاجبي الطبيب بتعجب من الاسم الغريب ثم قال بابتسامته البشوشة : اسم جميل .. كم عمرك رصاص ؟
بهدوءه ذاته : ثلاثون
اومأ الطبيب و قام بتسجيل معلوماته ثم قال بجدية وهو يضع القلم على الطاولة الخشبية : حسنًا .. هل تتذكر عملك ؟
هز كتفيه بطبيعية : كابتن طيار
الطبيب بجدية : ما آخر شيء تتذكره ؟؟
عقد حاجبيه بتفكير ..
فهو لا يذكر أي شيء ..
اغلق عينيه و صم أذنيه عما حوله ..
خاطب نفسه " وش آخر شيء تتذكره رصاص .. تذكر .. تذكر .. تذكر "
كان يتمتم بخفوت و يكرر " تذكر " ..
عادت تلك الضجة إلى رأسه و الاصوات المخيفة افزعته ..
صرير رياح و اصوات تستغيث ..
شهقة حادة خرجت منه مع اتساع عينيه بهلع وقلب مضطرب ..
تقدم إليه الطبيب بسرعة و ضغط على كتفيه بقوة و بصوت عال كي يخرجه من بوادر النوبة التي أتته : اهدأ .. انت بخير .. كل شيء بخير .. خذ نفس عميق رصاص .. نفس عميق ..
راقبه وهو يحاول التنفس بعمق و لكنه لم يزفره ..
هزه بقوة اكبر وهو يرى احمرار وجهه و العروق النافرة برأسه و رقبته .. بأمر صارم : اطلق انفاسك رصاص ..
نظر إليه رصاص بيأس فقال بهدوء : انتَ تستطيع .. هيا اطلق انفاسك .. ببطء ..
لحظات فقط و اطلق انفاسه فزفر الطبيب براحة ..
ربت على كتفه بتشجيع ثم عاد إلى الملف الذي كان يحمله و اخذ يسجل فيه ماحدث ..
و ماهي نتيجة الكشف ..
وصله صوت رصاص يقول بضعف : لماذا لا اتذكر دكتور ؟ ماذا حدث لي ؟؟
صمت الطبيب لوقت ثم رفع عينيه و قال بمهنية : انه وضع مؤقت ..
لديك فقد ذاكرة جزئي بسبب ما حدث لك ..
و بحالتك انت فسببه نفسي لأن رأسك بخير و عندما احضروك إلى المستشفى لم يكن لديك أي اصابة بالرأس ..
لذلك ببعض الحالات يقوم العقل بححب الذكريات كنوع من الحماية للشخص كي لا يتألم ..
سأل بتوجس و سرعة : من الذي احضرني إلى هنا دكتور ؟ ماذا حدث لي ؟ و كم من الوقت بقيت نائمًا ؟ وهل سأتذكر أم لا ؟؟
الطبيب بابتسامة عملية : ستتذكر كل شيء عندما يحين وقتها .. لا ترهق نفسك بمحاولة التذكر ..
أما عن المدة التي قضيتها نائمًا فهي ثمانية اسابيع ..
اي شهرين ..
شحب وجهه بقوة و سأل بتوتر : نحن بأي شهر دكتور ؟
اجابه بتلقائية : منتصف نوفمبر
زاد شحوب وجهه و خاطر مرعب يمر برأسه .. هتف باستفسار : هل استطيع استخدام الهاتف دكتور ؟
اومأ بابتسامة : بالطبع .. سأجعل الممرضة تجلب لك واحدًا ..
اومأ بصمت و اعاد رأسه للخلف ..
غادر الطبيب بعد أن ألقى عليه نظرة أخيرة و اغلق الباب خلفه .. شرد بتفكيره .. ما وضع عمه الآن ؟؟
ماذا حدث لهم ؟ هل يعلمون بوضعه ؟؟
و أين هم ؟؟
دارين .. كيف تقبلت غيابه ؟؟ لقد كان من المفترض زواجهم
قبل شهر ونصف .. فـ ما الذي حدث ؟؟
و لمَ هو هنا الآن ؟؟
،
روحٍ كثر ماتحبك ..صرت أنا مدري
هي ميته في غيابك؟؟ أو شبه حية
،
صرخ بغضب : انتِ كيف تسمحين لها تاخذ البنت و تجلسها معها لنهاية الحفل ها ؟؟ بأمر مين خليتيها معها ؟؟ و من مين استأذنتو عشان تخلون ريما تكلم أمها ؟؟ وش شايفيني قدامكم هاا ؟؟
صايرات ما تردون الشور لأحد ما كن وراكن رجال ..
وحدة هايته و الثانية تبيعتها ..
انتي ماعندش شخصية والا كيف ..
كل ما قالت ابتهال شيء هزيتي راسش وراها زي الخبلة و نفذتي ..
يعني لو ما قالت لي ريما والا ما فكرتي تقولين لي
كانت تنظر إليه ببرود شديد جعل اعصابه تشتعل اكثر ..
مهما فعل و مهما صرخ فهي لا تخرج من قالب البرود ..
لا تبدي أي ردة فعل و كأنها تتابع شخص مجنون و ذلك اغاظه اكثر ..
جعله يصرخ اكثر و ما زاد جنونه هو ابتسامة ساخرة ارتسمت على شفتيها ..
تقدم إليها بحدة فوقفت و هي ترفع حاجب باستنكار ..
قالت ببرود و نهر : هوب هوب على وين .. ناوي تمد يدك علي ؟؟
يوسف بغضب : و اكسر راسش بعد .. انا تستغفليني كذا و تخلين البنت تكلم امها !!
هزت كتفيها بلا مبالاة : انت قلتها .. أمها .. يعني ما يحق لا لي ولا لك اننا نمنعها تكلمها ..
بقهر و حرقة جعلتها تشتعل : امها اللي تركتها وراها ؟؟ امها اللي ما اهتمت فيها و راحت تطامر بحجة الدراسة ..
اقتربت منه حتى اصبحت ملاصقة له و قالت بهمس و تحذير : ماله داعي ترفع صوتك .. ريما نايمة ولا ابغاها تسمع هالكلام .. أما امها فاللي سوته كان نتيجة افعالك انت ..
بسخرية وهو يحرك يديه بيأس : ايه كل شيء تحطونه علي .. ما كأنش وافقتي و تزوجتيني ولا اهتميتي بصداقتكم .. عادي عندش تتزوجين زوج صديقتش بس لا انت يا يوسف لازم تكون وفي و لازم تكون متعاطف ولا تحرم البنت من امها ..
ابتلعت كلماته الجارحة و رفعت طرف شفتيها بسخرية ..
ثم قالت بتهكم و قسوة : ليه لا يكون إني اللي لاحقتك و طلبتك تتزوجني ؟
ترا انت بنفسك اللي جيت و تقدمت ..
عشان كذا ايوه كل شيء انت سببه ..
كل شيء ..
ولا تحسب انك بتجرحني كذا لأنك تعرف وانا اعرف ان ابتهال قد حذفتك من حساباتها ..
ثم غمزت له بعينها وهي تربت على صدره : عشان كذا اطلب العوض من الله
و الأكيد اني ماني العوض لك ..
انا هنا عشان ريما وبس ..
فما راح امنعها من امها سواءً برضاك او بدونه ..
تراجعت للخلف و هي ترى ثورته القادمة و التفتت و خرجت من الغرفة ببرود زائف ..
اتكأت على الباب و بعد لحظات فقط سمعت صوت تحطيم و صوته يعلو : الله ياخذش انتي و ابتهال و ياخذني قبلكم ..
حينها تحركت بجمود و قد اصابتها دعوته بمنتصف قلبها ..
لم تهتم لما حدث كثيرًا فهذا هو وضعهما من بعد الزواج ..
يلومها على موافقتها فتعيد إليه ذاكرته وهي تخبره بأنه الجاني الوحيد هُنا ..
و بأنها ليست كإبتهال
و لن تبتلع اهاناته كما كانت تفعل ..
هي هُنا تواجهه بأخطاءه دون توريه ..
و كم كانت ممتنة لابتهال لأنها اخبرتها بطريقة للتعامل
الأفضل معه..
،
روحٍ كثر ماتحبك ..صرت أنا مدري
هي ميته في غيابك؟؟ أو شبه حية
،
بعد يومين ..
انتِ مين تحسبين نفسش ؟ جاية تستعرضين ؟ تبين حد يلتفت لش ؟؟ اصحي من أوهامش ذي خلاص ..
تجاهلتها بالكامل وهي تعدل زينتها أمام المرآة ..
اعادت وضع احمر الشفاه ببطء و دلال أغاظا الواقفة بجانبها و يبدو بأنها تشتعل ..
فهي و يا للسخرية لم تكن محط الأنظار كما كان ينبغي لعروس بمكانها أن تكون ..
كما أنها لا تنكر بأنها قد بالغت بزينتها قليلًا ..
و استقبلتهم بترحيب كبير اخرس الأغلب منهم ..
كانت تتنقل بينهم بخفة و تهتم بكل شيء كما ينبغي على اخت العروس ان تكون ..
داست على جميع آلامها و ارتدت ثوب كبريائها الثمين ..
لم تسمح لأي احد أن يرى و لو نظرة ضعف واحدة ..
لم تكن لتجعل أحداهن تشمت بها ..
اخرجت زجاجة عطرها و وضعت من جديد ثم خللت اصابعها بشعرها الحالك و نفضته برقة ..
اعادت ترتيب خصلاتها و هي تسمعها تقول بغضب و حدة : ليش ما تردين ؟؟ هالكثر جارحش إن فهد فضلني عليش ؟؟
ثم أردفت باستهزاء : اكيد انه عشان كذا .. قدني دريت من حركاتش الماسخة ذي ..
التفتت إليها و واجهتها بأوسع ابتساماتها ..
بأكثرهن إغاظة و قالت بقسوة تناقض ابتسامتها : يا بنت امي و ابوي .. ترا ما هميتيني لا انتي ولا فهد .. الا طنجرة و لقت غطاها
و الحمدلله ربي فكني شركم اثنينكم .. فلا تعطين نفسش اكبر من حجمها ..
ثم قالت بقسوة اكبر و هي ترفع يدها و تصغر المسافة بين ابهامها و السبابة حتى تلاشت : ما تهموني بهالقدر .. و آخر شيء افكر فيه إني اجذب الانظار لي ..
لا تخلطين بيني و بينش ..
تحركت تريد المغادرة فقبضت سهام على ذراعها بشدة و اعادتها إلى أمامها و قالت بغرور : انتبهي لا يطق حنكش بس .. و لو ما انتي مقهورة ماكان احتديتي بالكلام كذا ..
نظرت إليها شمعة بعدم تصديق ثم قهقهت بصوت عالٍ حاد أثار قشعريره بجسد سهام ..
خفتت ضحكتها حتى لم يبقَ سوى ابتسامة باردة ..
قالت ببرود و وجع لم تظهره : و عزة الله يا سهام إنه لولا إن قطع الأرحام ذنب عظيم و لولا وصية ابوي لي إن كان عديتش منتيب على وجه الأرض حتى ..
فلا تختبرين صبري عليش زود ..
تعدتها و خرجت وهي تشتعل قهرًا ..
لا تستطيع التصديق بأن من بالداخل هي ذاتها اختها ..
بأنها هي من كانت الأقرب إليها بيومٍ ما ..
فأين رابط الأخوة الذي تعاهدنا على مدّه دومًا يا سهام ؟؟
أين هو ؟؟
و هل يستحق كل ما تفعلينه لأجله ؟؟
،
روحٍ كثر ماتحبك ..صرت أنا مدري
هي ميته في غيابك؟؟ أو شبه حية
،
ماض
عائدًا من احدى رحلات العمل الضرورية ..
فبحكم انه مهندس معماري يتوجب عليه السفر بين حين و آخر ..
مشتاق لها جدًا ..
لقد غاب عنها ما يقارب الأربعة ايام ..
وهذا وقت كثير جدًا بالنسبة له ..
و لأنها ترفض مكالمته لدى اهلها و تكتفي بالرسائل فشوقه مضاعف ..
لقد كان الوضع يثير استياءه ولكنه تفهم احراجها من مكالمته وهي لديهم ..
فعددهم الكبير لا يسمح لها بأخذ راحتها ..
ابتسم بلهفة ثم فتح على برنامج " الواتس اب "
كتب لها " انا جاي .. تجهزي " ..
يعلم بأن اسلوبه جلف و بأنه لا يشي بما يعتمل بقلبه ..
و لكنه اصبح يشعر بأنها لا تعطيه الاهتمام الكافي ..
يعلم بأنها ابدًا ابدًا ليست بالمتجاهلة او المهملة ..
و لكنه يشعر بأن شيئًا كان بينهم
و فُقِد ..
لم يعد من أولى اهتماماتها ..
قبلًا كان يغار من صديقتها نجد ..
فهي تحمل لها من الحب الكبير الذي يجعله يشعر بأن لا أهمية له ما دامت نجد متواجدة ..
ثم بعد ذلك حملها و ولادتها و طفلة انظمت لقائمة اهتماماتها بينما كان هو يتراجع للوراء ..
و بعدها خرجت تلك المسماة شمعة و التي لم يعرف من أي مكان خرجت و تضاعف شعوره
..
ما يغيظه أكثر هو أنه لن يستطيع أن يخبرها بما يشعر ..
فهي تقدم كل ما تستطيعه و هذا شعور داخلي لديه فقط ..
لن يستطيع أن يطالبها بالإهتمام وهي تهتم ..
و لن يقول لها اجعليني أول اهتماماتك وهو كذلك ..
لقد استأذنته قبل أيام ،
تريد اللقاء بشمعة ثم نجد و سمح لها بذلك علّها تضحك و ترفه عن نفسها ..
لم يعد يذكر متى آخر مرة رآها تضحك فيها
و يعترف بأنه لم يبذل جهده ليجعلها تضحك ..
يعلم بأنه يضغط عليها و لكن ما حيلته ؟
كلما زاد شعوره بالإهمال و الضعف نحوها كلما زادت قسوته عليها ..
حاضرًا
يدور بسيارته بغير هواده ..
يشعر بضيق شديد يكتنف صدره ..
مهما بلغت برودة نجد يعلم بأنه يستطيع كبح لجامها ..
ولكنه لا يريد ..
لا يريد أن يعود لذلك البغيض الذي كانه قبل سنوات ..
يكره نفسه عندما يتذكر إلى أي وضع انحدر ..
لقد تعلم درسه قاسيًا و لن يعود لما كان عليه ..
يحاول جاهدًا لملمة نفسه و حياته ..
و أن يعوض ريما عن اهماله القديم ..
و عدم وجود أمها ..
يشعر بأنه مشتت جدًا
و يفتقد ابتهال جدًا جدًا ..
لقد كان مع كل سوءه إلا انها تلملمه ..
تجمع ذاته بين كفيها ثم تطبطب عليها بحنان ..
لقد كان والدها يفعل ذلك ايضًا و لكنه فقد دعمه بعد أن رفض هو طلبه بأن يلحق بابتهال ويعيدها غصبًا عنها ..
قبلًا كان يغار من صديقات ابتهال ..
و لكنه الآن و بهذه اللحظة يبغض ابتهال و صديقاتها ..
لا يُمسكه عن انهاء ما بينه و بين نجد سوى ظروفها التي جعلتها توافق على الزواج منه ..
و لن يكون نذلًا و يجعلها تعانيها مجددًا ..
فحتى مع برودها و لكنه لن يجد افضل منها كي تهتم بابنته و تحبها بهذا القدر ..
كما أنه لن ينكر بأنها لم تجعل له أي مجال كي يكرهها ..
فمن يعرف نجد لن يملك سوى الود لها ..
،
روحٍ كثر ماتحبك ..صرت أنا مدري
هي ميته في غيابك؟؟ أو شبه حية
،
هتفت بعد تردد : رصاص ..
رفع عينيه إليها وقال بهدوء : لبيه ..
شتتت نظراتها بإحراج و راقبها بابتسامة مائلة .. رفع عنها الإحراج بسؤاله : تبغين شيء دارين ؟ ناقصش شيء ؟
زمت شفتيها للحظات ثم اومأت بصمت وهي تحك حاجبها ..
رفع حاجبه بانتظار و عندما لم يصله أي رد اعتدل بجلسته ..
قال بترقب : آمري ؟
فركت يديها بتوتر فاشتعل فضوله ..
ما الذي تريده و يجعلها ترتبك هكذا ..
فتح فمه يريد اقناعها كي تقول مالديها دون أن تنحرج و لكنها قاطعته عندما هتفت باستعجال : ابغى جهاز سير ..
عقد حاجبيه بعدم استيعاب : نعم ؟
بررت بسرعة و توتر : جهاز السير حقي عند هلي ما خذيته وانا متعودة اسوي رياضة كل يوم ..
صمت للحظات وهو يناظرها بتمعن جعل توترها يصعد إلى الذروة ..
ثم قال بتفكه : من جدش دارين ؟
اومأت بصمت وقد بدأت تضيق ..
قال بابتسامة واسعة : هالحين كل هالتوتر عشان جهاز رياضة ؟؟ توقعتش بتطلبين شيء اصعب من كذا ..
هزت كتفيها : متعودة ابدا يومي بالرياضة ..
اومأ بفهم ثم قال بهدوء : تدللي دارين .. اذا حابة نطلع بعد شوي نتمشى و نشوف لنا محل اجهزة ماعندي مانع ..
هزت رأسها بموافقة فقال بابتسامة وهو يجذب وجنتها بتحبب : قومي تجهزي اجل ..
غادرت فتنهد بتعب و هو يرخي رأسه بانتظارها ..
أما هي فقد ابتسمت بانتصار : ييسس .. هذي اول خطوة .. انتظرني رصاص بس ..
اذا ما خليتك ترجع رصاص الأولي والا ما يكون اسمي دارين ..
بعد عدة ساعات
انتهيا من تركيب الجهاز و وقفت عليه ثم بدأت بتشغيله كتجربة ..
كانت تزيد من سرعة الجهاز عندما شعرت بقبضة قوية تعتصر يدها ..
التفتت إليه باستنكار سرعان ما تبدل إلى ذهول وهي ترى ملامحه ..
نزلت بشكل سريع و التفتت عليه ثم اسندته بسرعة وهي تراه يفقد توازنه بتخبط ..
كان ثقيلًا فلم تستطع تحمله بجسدها الرقيق فجثت معه على الأرض ..
هتفت بقوة وهي تضربه على خده : رصااص ..
اسمعني رصاص .. انا هنا ..
كان يختنق أمامها و قد تعرق بالكامل ..
شهقات حادة هي كل ما يفعله و قد بدأ جسده بالارتجاف ..
اسندته وهي تعيد عليه بقوة أكبر : إهدا رصاص .. مافي شيء يخوف .. انت بأمان هنا .. خذ نفس رصاص .. خذ نفس ..
لم يستجب لها فضربته بقوة اكبر وقد سيرها رعبها : رصااااااص تنفس .. خذ نفس عميق .. حاول تتنفس ..
شوفني هنا .. مارح اخليك رصاص ..
بدأ صوتها يتحشرج .. بأنفاس متهدجة : الله يخليك تنفس .. رصاص خذ نفس ..
بدأت انفاسه تعود و هدأت رجفة جسده بعض الشيء.. كان متعرقًا بشدة فمسحت وجهه بحنان و همست بتطمين : انت بخير رصاص .. انت بخير ..
لم يصلها أي رد ..
جثت بجانبه و انفاسها متسارعة ..
لقد شعرت بأنها هي من كان يختنق
.. اخذت انفاس عميقة تهدئ من روعها ..
عندما تماسكت اقتربت منه و وضعت ذراعه على كتفها ثم همست : ساعدني تقوم رصاص ..
جذبت جسده المرهق و ساعدها بتمالك نفسه قليلًا ..
اسندته حتى ادخلته الغرفة ثم إلى السرير ..
استلقى بسكون و لم ينظر إليها حتى ..
جلست على طرف السرير و غطت وجهها بكفيها ..
تتمالك رجفتها و خوفها..
تريد أن تبكي
ولكنها لن تفعل
..
لقد وعدته و وعدت نفسها بأنها ستعيده إلى حيث كان ..
لن تضعف من أول موقف ..
ابعدت كفيها و رتبت شعرها ثم سألته بهدوء : وين علاجك ؟
بسكون و اختصار : مخلص
جذبت نفسًا عميقًا و زفرته .. قالت بعدها بهدوءها ذاته : متى آخر نوبة جاتك ؟
تنهد بتعب ثم قال بجمود : قبل شهرين يمكن ..
تابعت باستفسار : كم مرة تجيك النوبة في الشهر ؟
شرد للحظات فنظرت إليه ..
يبدو بأنه بعيد عنها آلاف الأميال ..
قال بعد فترة من الصمت .. بتهكم من حاله : بالبداية كانت تجيني كثير .. شبه يوميًا ..
و كنت مستمر عالعلاج و مع الوقت خفت لين صارت تمر شهور ما تجيني ..
اومأت بفهم وقالت بإقرار : عشان كذا قطعت العلاج ؟
هز كتفيه بجمود ولم يرد ..
صمتت و صمت هو ..
بقي ينظر إليها وهي شاردة ..
لا يعلم لماذا أخبرها ..
فهو لا يخبر أي احد عما حدث له أو تبعات ذلك ..
و لكنه يعلم بأنها هي الوحيدة التي ستقف معه دون شفقة او عطف زائف ..
يعلم بأنها كانت تستطيع أن تخلف وعدها له و لكنها لم تفعل
..
و ذلك يجعلها عظيمة بعين نفسه..
يجعلها تتمكن من قلبه أكثر مما تمكنت من قبل ..
لن ينكر بأنها هي الوحيدة التي يستطيع أن يشير إليها بكل ثقة و يقول " هذه هي الحب بنفسه" ..
همس دون إرادة : دارين ..
التفتت إليه بصمت فابتسم وهو يفتح ذراعيه : تعالي
صدت عنه بفجعة فهي لم تتوقع ذلك ..
كانت نبضاتها تقرع بصدرها و الدماء قد تجمعت بوجنتيها
فجعلته اكثر إصرارًا : تعاالي ..
هزت رأسها بالنفي بصمت و احراج ..
لن تتقدم إليه بنفسها مهما حدث ..
إذا كان مولعًا بذلك فليفعل هو ..
شعرت به يتحرك فقفزت بسرعة و وقفت ..
رفع حاجبه بتعجب : وش فيش ..
شتتت نظراتها بإحراج مضاعف ..
فما كان الداعي لقفزها بهذا الشكل !!
ولكنه رد فعل لا إرادي فقد توقعت بأنه يريد جذبها إليه ..
و كأنه أول مرة يقترب منها !!
عندما لم تجبه قال بجدية : تراني مرهق ومافيني حيل اقوم فتعالي إنتي ..
أرادت الاعتراض فنهرها باستنكار : دارين !!
نظرت إليه باعتراض فقابلها بنظرة صارمة جعلتها تزم شفتيها بعدم رضى ..
تقدمت إليه ببطء شديد حتى وقفت بجانبه ..
مد يده و جذب كفها و اجلسها بجانبه ..
تأملها بانجذاب
..
بدايةً من شعرها القصير و الذي لا يتعدى طوله رقبتها بلونه العسلي ..
ثم ملامحها السمراء الجميلة ..
دومًا كان يشبه جمالها بالهنود..
رفع كفه و وضعه على وجنتها وهي لم ترفع نظرها إليه ..
بل كان مرتكزًا على كفيهما المتشابكة ..
قال بهدوء و ابتسامة : كل هالسالفة عشان قلت لش اقربي ؟
لم تجبه فأصدر صوتًا من بين شفتيه جعلها تنظر إليه ..
غمز لها بتحبب : لو قلت لش اكثر من كذا وش بتسوين ؟
حاولت سحب كفها بارتباك فقهقه بخفوت ..
جذبها إلى صدره و شدد ذراعيه حولها ..
قال بسكون : اهجدي .. اذا نمت انحاشي بكيفش .. الحين خليش كذا ..
غمرت رأسها بصدره وهي تشعر بأنها ستبكي حقًا ..
لكم تحبه
و هي مستعدة لفعل كل شيء من اجله ..
يكفيها بأنه لم يتغير عليها ..
لم يتصرف بشكل مناقض لما كان عليه معها من قبل ..
هو جامد فقط بعض الشيء ..
و فاقد للرغبة بحب كل شيء كما قبل ..
هي تعلم بتبعات الحادث فقد أخبرها بذلك والدها بعد أن عاد رصاص ..
و هي كانت تستطيع تخمين حالته النفسية ..
لم تستغرب عندما صادفته نوبة الهلع ..
ولكنه قلبها من فجع برؤيته ضعيف هكذا ..
كما أنها تعلم بأن لديه اكتئاب و تتمنى فقط بأنه لا زال مواضبًا على العلاج
و الا فقد تكون حالته أكثر سوءًا مما تتصور ..
شعرت بيديه ترتخيان و انفاسه تنتظم ..
همست بكل مشاعرها : احبك رصاص .. احبك ..
،
لنا لقاء آخر ، يوم الثلاثاء بإذن الله ..
قراءة ممتعة 💜🍃
|